فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين   فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين  
الفاء في قوله : فلنسألن عاطفة ، لترتيب الأخبار لأن وجود لام القسم علامة على أنه كلام أنف ، انتقال من خبر إلى خبر ، ومن قصة إلى قصة ، وهو انتقال من الخبر عن حالتهم الدنيوية إلى الخبر عن أحوالهم في الآخرة . 
وأكد الخبر بلام القسم ونون التوكيد لإزالة الشك في ذلك . 
وسؤال الذين أرسل إليهم سؤال عن بلوغ الرسالة . وهو سؤال تقريع في ذلك المحشر ، قال تعالى : ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين    . 
وسؤال المرسلين عن تبليغهم الرسالة سؤال إرهاب لأممهم ، لأنهم إذا سمعوا شهادة رسلهم عليهم أيقنوا بأنهم مسوقون إلى العذاب ، وقد تقدم ذلك في قوله : فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد  وقوله يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم    . 
والذين أرسل إليهم ، هم أمم الرسل ، وعبر عنهم بالموصول لما تدل عليه الصلة من التعليل ، فإن فائدة الإرسال هي إجابة الرسل ، فلا   [ ص: 27 ] جرم أن يسأل عن ذلك المرسل إليهم ، ولما كان المقصود الأهم من السؤال هو الأمم ، لإقامة الحجة عليهم في استحقاق العقاب ، قدم ذكرهم على ذكر الرسل ، ولما تدل عليه صلة ( الذي ) وصلة ( ال ) من أن المسئول عنه هو ما يتعلق بأمر الرسالة ، وهو سؤال الفريقين عن وقوع التبليغ . 
ولما دل على هذا المعنى التعبير : بـ الذين أرسل إليهم والتعبير : بـ " المرسلين " لم يحتج إلى ذكر جواب المسئولين لظهور أنه إثبات التبليغ والبلاغ . 
والفاء في قوله : فلنقصن عليهم للتفريع والترتيب على قوله : فلنسألن ، أي لنسألنهم ثم نخبرهم بتفصيل ما أجمله جوابهم ، أي فلنقصن عليهم تفاصيل أحوالهم ، أي فعلمنا غني عن جوابهم ولكن السؤال لغرض آخر . 
وقد دل على إرادة التفصيل تنكير علم في قوله : " بعلم " أي علم عظيم ، فإن تنوين علم للتعظيم ، وكمال العلم إنما يظهر في العلم بالأمور الكثيرة ، وزاد ذلك بيانا قوله : وما كنا غائبين  الذي هو بمعنى : لا يعزب عن علمنا شيء بغيب عنا ونغيب عنه . 
والقص : الإخبار ، يقال : قص عليه ، بمعنى أخبره ، وتقدم في قوله تعالى : " يقص الحق " في سورة الأنعام . 
وجملة : وما كنا غائبين  معطوفة على فلنقصن عليهم بعلم  ، وهي في موقع التذييل . 
والغائب ضد الحاضر ، وهو هنا كناية عن الجاهل ، لأن الغيبة تستلزم الجهالة عرفا ، أي الجهالة بأحوال المغيب عنه ، فإنها ولو بلغته   [ ص: 28 ] بالأخبار لا تكون تامة عنده مثل المشاهد ، أي : وما كنا جاهلين بشيء من أحوالهم ، لأننا مطلعون عليهم ، وهذا النفي للغيبة مثل إثبات المعية في قوله تعالى : وهو معكم أين ما كنتم    . 
وإثبات سؤال الأمم هنا لا ينافي نفيه في قوله تعالى : ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون  وقوله فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان  لأن المسئول عنه هنا هو التبليغ والمنفي في الآيتين الأخريين هو السؤال لمعرفة تفاصيل ذنوبهم ، وهو الذي أريد هنا في قوله : وما كنا غائبين    . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					