( لله ) اللام : للملك وشبهه ، وللتمليك وشبهه ، وللاستحقاق ، وللنسب ، وللتعليل ، وللتبليغ ، وللتعجب ، وللتبيين ، وللصيرورة ، وللظرفية بمعنى في أو عند أو بعد ، وللانتهاء ، وللاستعلاء مثل : ذلك المال لزيد ، أدوم لك ما تدوم لي ، ووهبت لك دينارا ، ( جعل لكم من أنفسكم أزواجا ) ، الجلباب للجارية ، لزيد عم ، ( لتحكم بين الناس ) ، قلت لك ، ولله عينا ، من رأى ، من تفوق ، ( هيت لك ) ( ليكون لهم عدوا وحزنا ) ، ( القسط ليوم القيامة ) ، كتب لخمس خلون ، ( لدلوك الشمس ) ، ( سقناه لبلد ميت ) ، ( يخرون للأذقان ) .
( رب العالمين ) الرب : السيد والمالك والثابت والمعبود والمصلح ، وزاد بعضهم بمعنى الصاحب ، مستدلا بقوله :
فدنا له رب الكلاب بكفه بيض رهاف ريشهن مقزع .
وبعضهم بمعنى الخالق العالم لا مفرد له كالأنام ، واشتقاقه من العلم أو العلامة ، ومدلوله كل ذي روح ، قاله ، أو الناس ، قاله ابن عباس البجلي ، أو الإنس والجن والملائكة ، قاله أيضا ، أو الإنس والجن والملائكة والشياطين ، قاله ابن عباس أبو عبيدة ، أو الثقلان ، قاله والفراء ابن عطية ، أو بنو آدم ، قاله أبو معاذ ، أو أهل الجنة والنار ، قاله الصادق ، أو المرتزقون ، قاله عبد الرحمن بن زيد ، أو كل مصنوع ، قاله الحسن وقتادة ، أو الروحانيون ، قاله بعضهم ، ونقل عن المتقدمين أعداد مختلفة في العالمين وفي مقارها ، الله أعلم بالصحيح . والجمهور قرءوا بضم دال الحمد ، وأتبع ميمه لام الجر لضمة الدال ، كما أتبع إبراهيم بن أبي عبلة الحسن كسرة الدال لكسرة اللام ، وهي أغرب ; لأن فيه إتباع حركة معرب لحركة غير إعراب ، والأول بالعكس . وفي قراءة وزيد بن علي الحسن احتمال أن يكون الإتباع في مرفوع أو منصوب ، ويكون الإعراب إذ ذاك على التقديرين مقدرا منع من ظهوره شغل الكلمة بحركة الإتباع ، كما في المحكي والمدغم . وقرأ هارون العتكي ورؤبة الحمد بالنصب . والحمد مصدر معرف بأل ، إما للعهد ، أي الحمد المعروف بينكم لله ، أو لتعريف الماهية ، كـ ( الدينار خير من الدرهم ) ، أي : أي دينار كان فهو خير من أي درهم كان ، فيستلزم إذ ذاك الأحمدة كلها ، أو لتعريف الجنس ، فيدل على استغراق الأحمدة كلها بالمطابقة . والأصل في الحمد لا يجمع لأنه مصدر . وحكى وسفيان بن عيينة : جمعه على أحمد ، كأنه راعى فيه جامعه اختلاف الأنواع ، قال : ابن الأعرابي
وأبلج محمود الثناء خصصته بأفضل أقوالي وأفضل أحمدي .
وقراءة الرفع أمكن في المعنى ، ولهذا أجمع عليها السبعة ; لأنها تدل على ثبوت الحمد واستقراره لله - تعالى - فيكون قد أخبر بأن الحمد مستقر لله - تعالى - أي حمده وحمد غيره . ومعنى اللام في لله الاستحقاق ، ومن [ ص: 19 ] نصب فلا بد من عامل تقديره أحمد الله أو حمدت الله ، فيتخصص الحمد بتخصيص فاعله ، وأشعر بالتجدد والحدوث ، ويكون في حالة النصب من المصادر التي حذفت أفعالها وأقيمت مقامها ، وذلك في الأخبار ، نحو شكرا لا كفرا . وقدر بعضهم العامل للنصب فعلا غير مشتق من الحمد ، أي أقول الحمد لله ، أو الزموا الحمد لله ، كما حذفوه من نحو اللهم ضبعا وذئبا ، والأول هو الصحيح لدلالة اللفظ عليه . وفي قراءة النصب اللام للتبيين ، كما قال أعني لله ، ولا تكون مقوية للتعدية ، فيكون لله في موضع نصب بالمصدر لامتناع عمله فيه . قالوا : سقيا لزيد ، ولم يقولوا : سقيا زيدا ، فيعملونه فيه ، فدل على أنه ليس من معمول المصدر ، بل صار على عامل آخر .
وقرأ وطائفة ( رب العالمين ) بالنصب على المدح ، وهي فصيحة لولا خفض الصفات بعدها ، وضعفت إذ ذاك . على أن زيد بن علي الأهوازي حكى في قراءة أنه قرأ ( رب العالمين ) ( الرحمن الرحيم ) بنصب الثلاثة ، فلا ضعف إذ ذاك ، وإنما تضعف قراءة نصب رب وخفض الصفات بعدها لأنهم نصوا أنه لا إتباع بعد القطع في النعوت ، لكن تخريجها على أن يكون الرحمن بدلا ، ولا سيما على مذهب الأعلم ، إذ لا يجيز في الرحمن أن يكون صفة ، وحسن ذلك على مذهب غيره كونه وصفا خاصا وكون البدل على نية تكرار العامل ، فكأنه مستأنف من جملة أخرى ، فحسن النصب . وقول من زعم أنه نصب " رب " بفعل دل عليه الكلام قبله ، كأنه قيل : نحمد الله رب العالمين ، ضعيف ; لأنه مراعاة التوهم ، وهو من خصائص العطف ، ولا ينقاس فيه . ومن زعم أنه نصبه على البدل فضعيف للفصل بقوله الرحمن الرحيم ، ورب مصدر وصف به على أحد وجوه الوصف بالمصدر ، أو اسم فاعل حذفت ألفه ، فأصله راب ، كما قالوا : رجل بار وبر ، وأطلقوا الرب على الله وحده ، وفي غيره قيد بالإضافة نحو رب الدار . وأل في العالمين للاستغراق ، وجمع العالم شاذ لأنه اسم جمع ، وجمعه بالواو والنون أشذ للإخلال ببعض الشروط التي لهذا الجمع ، والذي أختاره أنه ينطلق على المكلفين لقوله - تعالى - : ( زيد بن علي إن في ذلك لآيات للعالمين ) ، وقراءة حفص بكسر اللام توضح ذلك .