[ ص: 2 ] سورة ( الإسراء ) مائة وإحدى عشرة آية مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=2وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=3ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=4وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=5فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=6ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=8عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=9إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=10وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذابا أليما nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=11ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=12وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=13وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=14اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=15من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=16وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=17وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=18من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=19ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=20كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=21انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=22لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا ) .
[ ص: 3 ] جاس يجوس جوسا وجوسانا تردد في الغارة قاله
الليث . وقال
أبو عبيدة : جاسوا : فتشوا هل بقي ممن لم يقتل . وقال
الفراء : قتلوا . قال
حسان :
ومنا الذي لاقى لسيف محمد فجاس به الأعداء عرض العساكر
وقال
قطرب : نزلوا . قال الشاعر :
فجسنا ديارهم عنوة وأبناء ساداتهم موثقينا
وقيل : داسوا ، ومنه :
إليك جسنا الليل بالمطي
وقال
أبو زيد : الجوس والحوس والعوس والهوس الطواف بالليل . فالجوس والحوس طلب الشيء باستقصاء . حظرت الشيء منعته .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=2وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=3ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا ) .
nindex.php?page=treesubj&link=32280سبب نزول ( nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1سبحان الذي أسرى بعبده ) ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
لقريش الإسراء به ، وتكذيبهم له ، فأنزل الله ذلك تصديقا له ، وهذه السورة مكية . قال صاحب الغنيان بإجماع ، وقيل : إلا آيتين (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=73وإن كادوا ليفتنونك ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=76وإن كادوا ليستفزونك ) وقيل : إلا أربع ، هاتان ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=60وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس ) وقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=80وقل رب أدخلني مدخل صدق ) .
[ ص: 4 ] وزاد
مقاتل قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=107إن الذين أوتوا العلم من قبله ) الآية . وقال
قتادة إلا ثماني آيات أنزلت بالمدينة ، وهي من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=73وإن كادوا ليفتنونك ) إلى آخرهن .
ومناسبة أول هذه السورة لآخر ما قبلها أنه تعالى لما أمره بالصبر ، ونهاه عن الحزن عليهم ، وأن يضيق صدره من مكرهم ، وكان من مكرهم نسبته إلى الكذب والسحر والشعر وغير ذلك مما رموه به ، أعقب تعالى ذلك بذكر شرفه وفضله واحتفائه به وعلو منزلته عنده ، وتقدم الكلام على سبحان في البقرة . وزعم
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري أنه علم للتسبيح كعثمان للرجل . وقال
ابن عطية : ولم ينصرف لأن في آخره زائدتين وهو معرفة بالعلمية ، وإضافته لا تزيده تعريفا . انتهى . ويعنيان والله أعلم أنه إذا لم يضف ، كقوله :
سبحان من علقمة الفاخر
وأما إذا أضيف فلو فرضنا أنه علم لنوي تنكيره ثم يضاف وصار إذ ذاك تعريفه بالإضافة لا بالعلمية .
وأسرى بمعنى سرى ، وليست الهمزة فيه للتعدية ، وعدي بالباء ولا يلزم من تعديته بالباء المشاركة في الفعل ، بل المعنى : جعله يسري ; لأن السرى يدل على الانتقال ، كمشى وجرى وهو مستحيل على الله تعالى ، فهو كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=20لذهب بسمعهم ) أي : لأذهب سمعهم ، فأسرى وسرى على هذا كسقى وأسقى إذ كانا بمعنى واحد ، ولذلك قال المفسرون : معناه سرى بعبده . وقال
ابن عطية : ويظهر أن ( أسرى ) معداة بالهمزة إلى مفعول محذوف تقديره أسرى الملائكة بعبده ; لأنه يقلق أن يسند أسرى وهو بمعنى سرى إلى الله تعالى ، إذ هو فعل يعطي النقلة كمشى وجرى وأحضر وانتقل ، فلا يحسن إسناد شيء من هذا ونحن نجد مندوحة ، فإذا صرحت الشريعة بشيء من هذا النحو كقوله في الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374621 " أتيته سعيا وأتيته هرولة " حمل ذلك بالتأويل على الوجه المخلص من نفي
[ ص: 5 ] الحوادث ، و ( أسرى ) في هذه الآية تخرج فصيحة كما ذكرنا ، ولا يحتاج إلى تجوز قلق في مثل هذه اللفظة ، فإنه ألزم للنقلة من أتيته وأتى الله بنيانهم . انتهى . وإنما احتاج
ابن عطية إلى هذه الدعوى اعتقاد أنه إذا كان أسرى بمعنى سرى لزم من كون الباء للتعدية مشاركة الفاعل للمفعول ، وهذا شيء ذهب إليه
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد ، فإذا قلت : قمت بزيد لزم منه قيامك وقيام زيد عنده ، وهذا ليس كذلك ، التبست عنده باء التعدية بباء الحال ، فباء الحال يلزم فيه المشاركة إذ المعنى قمت ملتبسا بزيد وباء التعدية مرادفة للهمزة ، فقمت بزيد والباء للتعدية ، كقولك أقمت زيدا ولا يلزم من إقامتكه أن تقوم أنت .
قال
ابن عطية : ويحتمل أن يكون أسرى بمعنى سرى على حذف مضاف كنحو قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17ذهب الله بنورهم ) يعني أن يكون التقدير أسرت ملائكته بعبده ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، وهذا مبني على اعتقاد أنه يلزم المشاركة والباء للتعدية ، وأيضا فموارد القرآن في فأسر بقطع الهمزة ووصلها يقتضي أنهما بمعنى واحد ، ألا ترى أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=81فأسر بأهلك ) و (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=77أن أسر بعبادي ) قرئ بالقطع والوصل ، ويبعد مع القطع تقدير مفعول محذوف إذ لم يصرح به في موضع ، فيستدل بالمصرح على المحذوف . والظاهر أن هذا الإسراء كان بشخصه ، ولذلك كذبت
قريش به وشنعت عليه ، وحين قص ذلك على
أم هانئ قالت : لا تحدث الناس بها فيكذبوك ولو كان مناما استنكر ذلك ، وهو قول جمهور أهل العلم ، وهو الذي ينبغي أن يعتقد . وحديث الإسراء مروي في المسانيد عن الصحابة في كل أقطار الإسلام ، وذكر أنه رواه عشرون من الصحابة . قيل : وما روي عن
عائشة ومعاوية أنه كان مناما فلعله لا يصح عنهما ، ولو صح لم يكن في ذلك حجة لأنهما لم يشاهدا ذلك لصغر
عائشة وكفر
معاوية إذ ذاك ؛ ولأنهما لم يسندا ذلك إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا حدثا به عنه . وعن
الحسن كان في المنام رؤيا رآها وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1بعبده ) هو
محمد صلى الله عليه وسلم . وقال
أبو القاسم سليمان الأنصاري : لما وصل
محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى الدرجات العالية والمراتب الرفيعة في المعارج أوحى الله إليه : يا
محمد أشرفك ؟ قال : يا رب بنسبتي إليك بالعبودية ، فأنزل فيه (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1سبحان الذي أسرى بعبده ) الآية . . انتهى . وعنه قالوا : (
عبد الله ورسوله ) ، وعنه (
إنما أنا عبد ) وهذه إضافة تشريف واختصاص . وقال الشاعر :
لا تدعني إلا بيا عبدها لأنه أشرف أسمائي
وقال العلماء : لو كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - اسم أشرف منه لسماه به في تلك الحالة .
وانتصب ( ليلا ) على الظرف ، ومعلوم أن السرى لا يكون في اللغة إلا بالليل ، ولكنه ذكر على سبيل التوكيد . وقيل : يعني في جوف الليل فلم يكن إدلاجا ولا ادلاجا . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : أراد بقوله : ( ليلا ) بلفظ التنكير تقليل مدة الإسراء ، وأنه أسرى به في بعض الليل من
مكة إلى
الشام مسيرة أربعين ليلة ، وذلك أن التنكير فيه قد دل على معنى البعضية ، ويشهد لذلك قراءة
عبد الله وحذيفة من الليل أي : بعض الليل كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=79ومن الليل فتهجد به ) على الأمر بالقيام في بعض الليل . انتهى . والظاهر أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1من المسجد الحرام ) هو المسجد المحيط بالكعبة بعينه ، وهو قول
أنس . وقيل : من الحجر ، وقيل : من بين زمزم والمقام ، وقيل : من شعب أبي طالب ، وقيل : من بيت
أم هانئ ، وقيل : من سقف بيته عليه السلام ، وعلى هذه الأقوال الثلاثة يكون أطلق المسجد الحرام على
مكة . وقال
قتادة ومقاتل : قبل الهجرة بعام . وقالت
عائشة : بعام ونصف في رجب . وقيل : في سبع عشرة من ربيع الأول والرسول - عليه السلام - ابن إحدى وخمسين سنة وتسعة أشهر وثمانية وعشرين يوما . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب بعد المبعث بسبعة أعوام . وعن
الحربي ليلة سبع وعشرين من ربيع الآخر قبل الهجرة
[ ص: 6 ] بسنة ، والمتحقق أن ذلك كان بعد شق الصحيفة وقبل بيعة العقبة ، ووقع
nindex.php?page=showalam&ids=16100لشريك بن أبي نمر في الصحيح أن ذلك كان قبل أن يوحى إليه ، ولا خلاف بين المحدثين أن ذلك وهم من
شريك . وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري عن
أنس والحسن أنه كان قبل المبعث .
وقال
أبو بكر محمد بن علي بن القاسم الرعيني في تاريخه : أسري به من
مكة إلى
بيت المقدس وعرج به إلى السماء قبل مبعثه بثمانية عشر شهرا ، ويروى أنه كان نائما في بيت
أم هانئ بعد صلاة العشاء ، فأسري به ورجع من ليلته وقص القصة على
أم هانئ وقال : " مثل لي النبيون فصليت بهم " . وقام ليخرج إلى المسجد فتشبثت
أم هانئ بثوبه فقال : " ما لك " ؟ قالت : أخشى أن يكذبك قومك إن أخبرتهم ، قال : " وإن كذبوني " فخرج فجلس إليه
أبو جهل فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحديث الإسراء . فقال
أبو جهل : يا معشر
بني كعب بن لؤي هلم ، فحدثهم ، فمن بين مصفق وواضع يده على رأسه تعجبا وإنكارا ، وارتد ناس ممن كان آمن به وسعى رجال إلى
أبي بكر فقال : إن كان قال ذلك لقد صدق ، قالوا : أتصدقه على ذلك ؟ قال : إني لأصدقه على أبعد من ذلك ، فسمي
nindex.php?page=showalam&ids=1الصديق - رضي الله تعالى عنه . ومنهم من سافر إلى المسجد الأقصى فاستنعتوه ، فجلي له
بيت المقدس ، فطفق ينظر إليه وينعته لهم ، فقالوا : أما النعت فقد أصاب ، فقالوا : أخبرنا عن عيرنا ، فأخبرهم بعدد جمالها وأحوالها ، وقال : "
تقدم يوم كذا مع طلوع الشمس يقدمها جمل أورق " فخرجوا يشتدون ذلك اليوم نحو الثنية . فقال قائل منهم : والله هذه الشمس قد شرقت . وقال آخر : وهذه والله العير قد أقبلت يقدمها جمل أورق كما قال
محمد ثم لم يؤمنوا ، وقالوا : ما هذا إلا سحر بين ، وقد عرج به إلى السماء في تلك الليلة ، وكان العروج به من بيت المقدس ، وأخبر
قريشا أيضا بما رأى في السماء من العجائب ، وأنه لقي الأنبياء ، وبلغ البيت المعمور وسدرة المنتهى . وهذا على قول من قال : إن هذه الليلة هي ليلة المعراج ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود وجماعة . وذهب بعضهم إلى أن ليلة المعراج هي غير ليلة الإسراء .
( والمسجد الأقصى ) مسجد
بيت المقدس ، وسمي الأقصى ; لأنه كان في ذلك الوقت أقصى بيوت الله الفاضلة من الكعبة . قال
ابن عطية : ويحتمل أن يريد بالأقصى البعيد دون مفاضلة بينه وبين سواه ، ويكون المقصد إظهار العجب في الإسراء إلى هذا البعد في ليلة . انتهى . ولفظة ( إلى ) تقتضي أنه انتهى الإسراء به إلى حد ذلك المسجد ولا يدل من حيث الوضع على دخوله .
( والذي باركنا حوله ) صفة مدح لإزالة اشتراط عارض ، وبركته بما خص به من الخيرات الدينية كالنبوة والشرائع والرسل الذين كانوا في ذلك القطر ونواحيه ونواديه ، والدنياوية من كثرة الأشجار والأنهار ، وطيب الأرض . وفي الحديث " أنه تعالى بارك فيما بين العريش إلى الفرات ، وخص فلسطين بالتقديس " .
وقرأ الجمهور ( nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1لنريه ) بالنون ، وهو التفات من ضمير الغائب إلى ضمير المتكلم ، وقراءة
الحسن " ليريه " بالياء فيكون الالتفات في آياتنا ، وهذه رؤيا عين ، والآيات التي أريها هي العجائب التي أخبر بها الناس ، وإسراؤه من
مكة وعروجه إلى السماء ، ووصفه الأنبياء واحدا واحدا حسبما ثبت في الصحيح . وقال
ابن عطية : ويحتمل أن يريد ليري
محمدا للناس آية ، أي : يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - آية في أن يصنع الله ببشر هذا الصنع فتكون الرؤية على هذا رؤية القلب .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1إنه هو السميع ) لأقوال
محمد ( البصير ) بأفعاله ، العالم بتهذيبها وخلوصها فيكرمه ، ويقربه على حسب ذلك . وقال
ابن عطية : وعيد من الله للكفار على تكذيبهم
محمدا - صلى الله عليه وسلم - في أمر الإسراء ، فهي إشارة لطيفة بليغة إلى ذلك أي : هو السميع لما تقولون ، البصير بأفعالكم . انتهى .
ولما ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=34026تشريف الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالإسراء وإراءته الآيات ، ذكر تشريف
موسى بإيتائه التوراة ( وآتينا ) معطوف على الجملة السابقة من
[ ص: 7 ] تنزيه الله تعالى وبراءته من السوء ، ولا يلزم من عطف الجمل المشاركة في الخبر أو غيره . وقال
ابن عطية : عطف قوله وآتينا على ما في قوله أسرى بعبده من تقدير الخبر ، كأنه قال : أسرينا بعبدنا ، وأريناه آياتنا وآتينا . وقال
العكبري : وآتينا معطوف على أسرى . انتهى . وفيه بعد ، والكتاب هنا التوراة ، والظاهر عود الضمير من وجعلناه على الكتاب ، ويحتمل أن يعود على
موسى ، ويجوز أن تكون تفسيرية ولا نهي ، وأن تكون مصدرية تعليلا أي : لأن لا يتخذوا ولا نفي ، ولا يجوز أن تكون أن زائدة ، ويكون لا تتخذوا معمولا لقول محذوف خلافا لمجوز ذلك ؛ إذ ليس من مواضع زيادة أن .
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ومجاهد وقتادة وعيسى وأبو رجاء وأبو عمرو من السبعة : ( يتخذوا ) بالياء على الغيبة ، وباقي السبعة بتاء الخطاب ، والوكيل فعيل من التوكل أي : متوكلا عليه . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ربا تكلون إليه أموركم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير : حفيظا لكم سواي . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11890أبو الفرج بن الجوزي : قيل للرب : وكيل لكفايته وقيامه بشئون عباده ، لا على معنى ارتفاع منزلة الموكل وانحطاط أمر الوكيل . انتهى . وانتصب ( ذرية ) على النداء أي : يا ذرية أو على البدل من وكيلا ، أو على المفعول الثاني ليتخذوا وكيلا ، وفي معنى الجمع أي : لا يتخذوا وكلاء ذرية ، أو على إضمار أعني . وقرأت فرقة ذرية بالرفع ، وخرج على أن يكون بدلا من الضمير في يتخذوا على قراءة من قرأ بياء الغيبة . وقال
ابن عطية : ولا يجوز في القراءة بالتاء ; لأنك لا تبدل من ضمير مخاطب لو قلت : ضربتك زيدا على البدل لم يجز . انتهى . وما ذكره من إطلاق أنك لا تبدل من ضمير مخاطب يحتاج إلى تفصيل ، وذلك أنه إن كان في بدل بعض من كل وبدل اشتمال جاز بلا خلاف ، وإن كان في بدل شيء من شيء ، وهما لعين واحدة وإن كان يفيد التوكيد جاز بلا خلاف ، نحو : مررت بكم صغيركم وكبيركم وإن لم يفد التوكيد ، فمذهب جمهور البصريين المنع ، ومذهب الأخفش والكوفيين الجواز وهو الصحيح ; لوجود ذلك في كلام العرب ، وقد استدللنا على صحة ذلك في شرح كتاب التسهيل ، وذكر من حملنا مع نوح تنبيها على النعمة التي نجاهم بها من الغرق . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت ،
nindex.php?page=showalam&ids=11795وأبان بن عثمان ،
nindex.php?page=showalam&ids=15948وزيد بن علي ،
ومجاهد في رواية بكسر ذال ذرية . وقرأ
مجاهد أيضا بفتحها . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت ذرية بفتح الذال ، وتخفيف الراء ، وتشديد الياء على وزن فعلية كمطية .
والظاهر أن الضمير في ( إنه ) عائد على
نوح . قال
nindex.php?page=showalam&ids=23سلمان الفارسي : كان يحمد الله على طعامه . وقال
إبراهيم : شكره إذا أكل قال : بسم الله ، فإذا فرغ قال : الحمد لله . وقال
قتادة : كان إذا لبس ثوبا قال : بسم الله ، وإذا نزعه قال : الحمد لله . وقيل : الضمير في ( إنه ) عائد إلى
موسى . انتهى . ونبه على الشكر ; لأنه يستلزم التوحيد ؛ إذ النعم التي يجب الشكر عليها هي من عنده تعالى ، فكأنه قيل : كونوا موحدين شاكرين لنعم الله مقتدين
بنوح الذي أنتم ذرية من حمل معه .
[ ص: 2 ] سُورَةُ ( الْإِسْرَاءِ ) مِائَةٌ وَإِحْدَى عَشْرَةَ آيَةً مَكِّيَّةٌ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=2وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=3ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=4وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=5فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=6ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=8عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=9إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=10وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=11وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=12وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=13وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=14اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=15مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=16وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=17وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=18مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=19وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=20كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=21انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=22لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا ) .
[ ص: 3 ] جَاسَ يَجُوسُ جَوْسًا وَجَوَسَانًا تَرَدَّدَ فِي الْغَارَةِ قَالَهُ
اللَّيْثُ . وَقَالَ
أَبُو عُبَيْدَةَ : جَاسُوا : فَتَّشُوا هَلْ بَقِيَ مِمَّنْ لَمْ يُقْتَلْ . وَقَالَ
الْفَرَّاءُ : قَتَلُوا . قَالَ
حَسَّانُ :
وَمِنَّا الَّذِي لَاقَى لِسَيْفِ مُحَمَّدٍ فَجَاسَ بِهِ الْأَعْدَاءُ عَرْضَ الْعَسَاكِرِ
وَقَالَ
قُطْرُبٌ : نَزَلُوا . قَالَ الشَّاعِرُ :
فَجُسْنَا دِيَارَهُمْ عَنْوَةً وَأَبْنَاءُ سَادَاتِهِمْ مُوَثَّقِينَا
وَقِيلَ : دَاسُوا ، وَمِنْهُ :
إِلَيْكَ جُسْنَا اللَّيْلَ بِالْمَطِيِّ
وَقَالَ
أَبُو زَيْدٍ : الْجَوْسُ وَالْحَوْسُ وَالْعَوْسُ وَالْهَوْسُ الطَّوَافُ بِاللَّيْلِ . فَالْجَوْسُ وَالْحَوْسُ طَلَبُ الشَّيْءِ بِاسْتِقْصَاءٍ . حَظَرْتُ الشَّيْءَ مَنَعْتُهُ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=2وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=3ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبدًا شَكُورًا ) .
nindex.php?page=treesubj&link=32280سَبَبُ نُزُولِ ( nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ) ذِكْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
لِقُرَيْشٍ الْإِسْرَاءَ بِهِ ، وَتَكْذِيبُهُمْ لَهُ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ذَلِكَ تَصْدِيقًا لَهُ ، وَهَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ . قَالَ صَاحِبُ الْغُنْيَانِ بِإِجْمَاعٍ ، وَقِيلَ : إِلَّا آيَتَيْنِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=73وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=76وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ ) وَقِيلَ : إِلَّا أَرْبَعَ ، هَاتَانِ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=60وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ ) وَقَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=80وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ ) .
[ ص: 4 ] وَزَادَ
مُقَاتِلٌ قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=107إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ ) الْآيَةَ . وَقَالَ
قَتَادَةُ إِلَّا ثَمَانِيَ آيَاتٍ أُنْزِلَتْ بِالْمَدِينَةِ ، وَهِيَ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=73وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ) إِلَى آخِرِهِنَّ .
وَمُنَاسَبَةُ أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ لِآخِرِ مَا قَبْلَهَا أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَهُ بِالصَّبْرِ ، وَنَهَاهُ عَنِ الْحُزْنِ عَلَيْهِمْ ، وَأَنْ يَضِيقَ صَدْرُهُ مِنْ مَكْرِهِمْ ، وَكَانَ مِنْ مَكْرِهِمْ نِسْبَتُهُ إِلَى الْكَذِبِ وَالسِّحْرِ وَالشِّعْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا رَمَوْهُ بِهِ ، أَعْقَبَ تَعَالَى ذَلِكَ بِذِكْرِ شَرَفِهِ وَفَضْلِهِ وَاحْتِفَائِهِ بِهِ وَعُلُوِّ مَنْزِلَتِهِ عِنْدَهُ ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى سُبْحَانَ فِي الْبَقَرَةِ . وَزَعَمَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ أَنَّهُ عَلَمٌ لِلتَّسْبِيحِ كَعُثْمَانَ لِلرَّجُلِ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَلَمْ يَنْصَرِفْ لِأَنَّ فِي آخِرِهِ زَائِدَتَيْنِ وَهُوَ مَعْرِفَةٌ بِالْعَلَمِيَّةِ ، وَإِضَافَتُهُ لَا تَزِيدُهُ تَعْرِيفًا . انْتَهَى . وَيَعْنِيَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُضَفْ ، كَقَوْلِهِ :
سُبْحَانَ مِنْ عَلْقَمَةَ الْفَاخِرِ
وَأَمَّا إِذَا أُضِيفَ فَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّهُ عَلَمٌ لَنُوِيَ تَنْكِيرُهُ ثُمَّ يُضَافُ وَصَارَ إِذْ ذَاكَ تَعْرِيفُهُ بِالْإِضَافَةِ لَا بِالْعَلَمِيَّةِ .
وَأَسْرَى بِمَعْنَى سَرَى ، وَلَيْسَتِ الْهَمْزَةُ فِيهِ لِلتَّعْدِيَةِ ، وَعُدِّيَ بِالْبَاءِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَعْدِيَتِهِ بِالْبَاءِ الْمُشَارَكَةُ فِي الْفِعْلِ ، بَلِ الْمَعْنَى : جَعَلَهُ يَسْرِي ; لِأَنَّ السُّرَى يَدُلُّ عَلَى الِانْتِقَالِ ، كَمَشَى وَجَرَى وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=20لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ ) أَيْ : لَأَذْهَبَ سَمْعَهُمْ ، فَأَسْرَى وَسَرَى عَلَى هَذَا كَسَقَى وَأَسْقَى إِذْ كَانَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ : مَعْنَاهُ سَرَى بِعَبْدِهِ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَيَظْهَرُ أَنَّ ( أَسْرَى ) مُعَدَّاةٌ بِالْهَمْزَةِ إِلَى مَفْعُولٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ أَسْرَى الْمَلَائِكَةَ بِعَبْدِهِ ; لِأَنَّهُ يُقْلِقُ أَنْ يُسْنَدَ أَسْرَى وَهُوَ بِمَعْنَى سَرَى إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، إِذْ هُوَ فِعْلٌ يُعْطِي النُّقْلَةَ كَمَشَى وَجَرَى وَأَحْضَرَ وَانْتَقَلَ ، فَلَا يَحْسُنُ إِسْنَادُ شَيْءٍ مِنْ هَذَا وَنَحْنُ نَجِدُ مَنْدُوحَةً ، فَإِذَا صَرَّحَتِ الشَّرِيعَةُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا النَّحْوِ كَقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374621 " أَتَيْتُهُ سَعْيًا وَأَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً " حُمِلَ ذَلِكَ بِالتَّأْوِيلِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُخَلِّصِ مِنْ نَفْيِ
[ ص: 5 ] الْحَوَادِثِ ، وَ ( أَسْرَى ) فِي هَذِهِ الْآيَةِ تَخْرُجُ فَصِيحَةً كَمَا ذَكَرْنَا ، وَلَا يُحْتَاجُ إِلَى تَجَوُّزِ قَلَقٍ فِي مِثْلِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ ، فَإِنَّهُ أَلْزَمُ لِلنُّقْلَةِ مِنْ أَتَيْتُهُ وَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمُ . انْتَهَى . وَإِنَّمَا احْتَاجَ
ابْنُ عَطِيَّةَ إِلَى هَذِهِ الدَّعْوَى اعْتِقَادَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ أَسْرَى بِمَعْنَى سَرَى لَزِمَ مِنْ كَوْنِ الْبَاءِ لِلتَّعْدِيَةِ مُشَارَكَةُ الْفَاعِلِ لِلْمَفْعُولِ ، وَهَذَا شَيْءٌ ذَهَبَ إِلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=15153الْمُبَرِّدُ ، فَإِذَا قُلْتَ : قُمْتُ بِزَيْدٍ لَزِمَ مِنْهُ قِيَامُكَ وَقِيَامُ زِيدٍ عِنْدَهُ ، وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ ، الْتَبَسَتْ عِنْدَهُ بَاءُ التَّعْدِيَةِ بِبَاءِ الْحَالِ ، فَبَاءُ الْحَالِ يَلْزَمُ فِيهِ الْمُشَارَكَةُ إِذِ الْمَعْنَى قُمْتُ مُلْتَبِسًا بِزَيْدٍ وَبَاءُ التَّعْدِيَةِ مُرَادِفَةٌ لِلْهَمْزَةِ ، فَقُمْتُ بِزَيْدٍ وَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ ، كَقَوْلِكَ أَقَمْتُ زَيْدًا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إِقَامَتِكَهُ أَنْ تَقُومَ أَنْتَ .
قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَسْرَى بِمَعْنَى سَرَى عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ كَنَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ ) يَعْنِي أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ أَسْرَتْ مَلَائِكَتُهُ بِعَبْدِهِ ، فَحُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ مَقَامَهُ ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُشَارَكَةَ وَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ ، وَأَيْضًا فَمَوَارِدُ الْقُرْآنِ فِي فَأَسْرِ بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ وَوَصْلِهَا يَقْتَضِي أَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ ، أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=81فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ ) وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=77أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي ) قُرِئَ بِالْقَطْعِ وَالْوَصْلِ ، وَيَبْعُدُ مَعَ الْقَطْعِ تَقْدِيرُ مَفْعُولٍ مَحْذُوفٍ إِذْ لَمْ يُصَرَّحْ بِهِ فِي مَوْضِعٍ ، فَيُسْتَدَلُّ بِالْمُصَرَّحِ عَلَى الْمَحْذُوفِ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْإِسْرَاءَ كَانَ بِشَخْصِهِ ، وَلِذَلِكَ كَذَّبَتْ
قُرَيْشٌ بِهِ وَشَنَّعَتْ عَلَيْهِ ، وَحِينَ قَصَّ ذَلِكَ عَلَى
أُمِّ هَانِئٍ قَالَتْ : لَا تُحَدِّثِ النَّاسَ بِهَا فَيُكَذِّبُوكَ وَلَوْ كَانَ مَنَامًا اسْتُنْكِرَ ذَلِكَ ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَقَدَ . وَحَدِيثُ الْإِسْرَاءِ مَرْوِيٌّ فِي الْمَسَانِيدِ عَنِ الصَّحَابَةِ فِي كُلِّ أَقْطَارِ الْإِسْلَامِ ، وَذُكِرَ أَنَّهُ رَوَاهُ عِشْرُونَ مِنَ الصَّحَابَةِ . قِيلَ : وَمَا رُوِيَ عَنْ
عَائِشَةَ وَمُعَاوِيَةَ أَنَّهُ كَانَ مَنَامًا فَلَعَلَّهُ لَا يَصِحُّ عَنْهُمَا ، وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ حُجَّةٌ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُشَاهِدَا ذَلِكَ لِصِغَرِ
عَائِشَةَ وَكُفْرِ
مُعَاوِيَةَ إِذْ ذَاكَ ؛ وَلِأَنَّهُمَا لَمْ يُسْنِدَا ذَلِكَ إِلَى الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا حَدَّثَا بِهِ عَنْهُ . وَعَنِ
الْحَسَنِ كَانَ فِي الْمَنَامِ رُؤْيَا رَآهَا وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1بِعَبْدِهِ ) هُوَ
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ
أَبُو الْقَاسِمِ سُلَيْمَانُ الْأَنْصَارِيُّ : لَمَّا وَصَلَ
مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الدَّرَجَاتِ الْعَالِيَةِ وَالْمَرَاتِبِ الرَّفِيعَةِ فِي الْمَعَارِجِ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ : يَا
مُحَمَّدُ أُشَرِّفُكَ ؟ قَالَ : يَا رَبِّ بِنِسْبَتِي إِلَيْكَ بِالْعُبُودِيَّةِ ، فَأَنْزَلَ فِيهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ) الْآيَةَ . . انْتَهَى . وَعَنْهُ قَالُوا : (
عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ) ، وَعَنْهُ (
إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ ) وَهَذِهِ إِضَافَةُ تَشْرِيفٍ وَاخْتِصَاصٍ . وَقَالَ الشَّاعِرُ :
لَا تَدْعُنِي إِلَّا بِيَا عَبْدَهَا لِأَنَّهُ أَشْرَفُ أَسْمَائِي
وَقَالَ الْعُلَمَاءُ : لَوْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْمٌ أَشْرَفُ مِنْهُ لَسَمَّاهُ بِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ .
وَانْتَصَبَ ( لَيْلًا ) عَلَى الظَّرْفِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ السُّرَى لَا يَكُونُ فِي اللُّغَةِ إِلَّا بِاللَّيْلِ ، وَلَكِنَّهُ ذُكِرَ عَلَى سَبِيلِ التَّوْكِيدِ . وَقِيلَ : يَعْنِي فِي جَوْفِ اللَّيْلِ فَلَمْ يَكُنْ إِدْلَاجًا وَلَا ادِّلَاجًا . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : أَرَادَ بِقَوْلِهِ : ( لَيْلًا ) بِلَفْظِ التَّنْكِيرِ تَقْلِيلَ مُدَّةِ الْإِسْرَاءِ ، وَأَنَّهُ أَسْرَى بِهِ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ مِنْ
مَكَّةَ إِلَى
الشَّامِ مَسِيرَةَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ، وَذَلِكَ أَنَّ التَّنْكِيرَ فِيهِ قَدْ دَلَّ عَلَى مَعْنَى الْبَعْضِيَّةِ ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ قِرَاءَةُ
عَبْدِ اللَّهِ وَحُذَيْفَةَ مِنَ اللَّيْلِ أَيْ : بَعْضِ اللَّيْلِ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=79وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ ) عَلَى الْأَمْرِ بِالْقِيَامِ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ . انْتَهَى . وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) هُوَ الْمَسْجِدُ الْمُحِيطُ بِالْكَعْبَةِ بِعَيْنِهِ ، وَهُوَ قَوْلُ
أَنَسٍ . وَقِيلَ : مِنَ الْحِجْرِ ، وَقِيلَ : مِنْ بَيْنِ زَمْزَمَ وَالْمَقَامِ ، وَقِيلَ : مِنْ شِعْبِ أَبِي طَالِبٍ ، وَقِيلَ : مِنْ بَيْتِ
أُمِّ هَانِئٍ ، وَقِيلَ : مِنْ سَقْفِ بَيْتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَعَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ يَكُونُ أَطْلَقَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ عَلَى
مَكَّةَ . وَقَالَ
قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ : قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِعَامٍ . وَقَالَتْ
عَائِشَةُ : بِعَامٍ وَنِصْفٍ فِي رَجَبٍ . وَقِيلَ : فِي سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ رَبِيعِ الْأَوَّلِ وَالرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ابْنُ إِحْدَى وَخَمْسِينَ سَنَةً وَتِسْعَةِ أَشْهُرٍ وَثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا . وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13283ابْنِ شِهَابٍ بَعْدَ الْمَبْعَثِ بِسَبْعَةِ أَعْوَامٍ . وَعَنِ
الْحَرْبِيِّ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ رَبِيعِ الْآخَرِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ
[ ص: 6 ] بِسَنَةٍ ، وَالْمُتَحَقِّقُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ شَقِّ الصَّحِيفَةِ وَقَبْلَ بَيْعَةِ الْعَقَبَةِ ، وَوَقَعَ
nindex.php?page=showalam&ids=16100لِشَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّ ذَلِكَ وَهْمٌ مِنْ
شَرِيكٍ . وَحَكَى
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ عَنْ
أَنَسٍ وَالْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْمَبْعَثِ .
وَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْقَاسِمِ الرُّعَيْنِيُّ فِي تَارِيخِهِ : أُسْرِيَ بِهِ مِنْ
مَكَّةَ إِلَى
بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَعُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ قَبْلَ مَبْعَثِهِ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا ، وَيُرْوَى أَنَّهُ كَانَ نَائِمًا فِي بَيْتِ
أُمِّ هَانِئٍ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ، فَأُسْرِيَ بِهِ وَرَجَعَ مِنْ لَيْلَتِهِ وَقَصَّ الْقِصَّةَ عَلَى
أُمِّ هَانِئٍ وَقَالَ : " مُثِّلَ لِيَ النَّبِيُّونَ فَصَلَّيْتُ بِهِمْ " . وَقَامَ لِيَخْرُجَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَتَشَبَّثَتْ
أُمُّ هَانِئٍ بِثَوْبِهِ فَقَالَ : " مَا لَكِ " ؟ قَالَتْ : أَخْشَى أَنْ يُكَذِّبَكَ قَوْمُكَ إِنْ أَخْبَرْتَهُمْ ، قَالَ : " وَإِنْ كَذَّبُونِي " فَخَرَجَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ
أَبُو جَهْلٍ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَدِيثِ الْإِسْرَاءِ . فَقَالَ
أَبُو جَهْلٍ : يَا مَعْشَرَ
بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ هَلُمَّ ، فَحَدَّثَهُمْ ، فَمِنْ بَيْنِ مُصَفِّقٍ وَوَاضِعٍ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ تَعَجُّبًا وَإِنْكَارًا ، وَارْتَدَّ نَاسٌ مِمَّنْ كَانَ آمَنَ بِهِ وَسَعَى رِجَالٌ إِلَى
أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ : إِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ لَقَدْ صَدَقَ ، قَالُوا : أَتُصَدِّقُهُ عَلَى ذَلِكَ ؟ قَالَ : إِنِّي لَأُصَدِّقُهُ عَلَى أَبْعَدَ مِنْ ذَلِكَ ، فَسُمِّيَ
nindex.php?page=showalam&ids=1الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ . وَمِنْهُمْ مَنْ سَافَرَ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى فَاسْتَنْعَتُوهُ ، فَجُلِّيَ لَهُ
بَيْتُ الْمَقْدِسِ ، فَطَفِقَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ وَيَنْعَتُهُ لَهُمْ ، فَقَالُوا : أَمَّا النَّعْتُ فَقَدْ أَصَابَ ، فَقَالُوا : أَخْبِرْنَا عَنْ عِيرِنَا ، فَأَخْبَرَهُمْ بِعَدَدِ جِمَالِهَا وَأَحْوَالِهَا ، وَقَالَ : "
تَقْدَمُ يَوْمَ كَذَا مَعَ طُلُوعِ الشَّمْسِ يَقْدُمُهَا جَمَلٌ أَوْرَقُ " فَخَرَجُوا يَشْتَدُّونَ ذَلِكَ الْيَوْمَ نَحْوَ الثَّنِيَّةِ . فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ : وَاللَّهِ هَذِهِ الشَّمْسُ قَدْ شَرَقَتْ . وَقَالَ آخَرُ : وَهَذِهِ وَاللَّهِ الْعِيرُ قَدْ أَقْبَلَتْ يَقْدُمُهَا جَمَلٌ أَوْرَقُ كَمَا قَالَ
مُحَمَّدٌ ثُمَّ لَمْ يُؤْمِنُوا ، وَقَالُوا : مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ بَيِّنٌ ، وَقَدْ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ ، وَكَانَ الْعُرُوجُ بِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، وَأَخْبَرَ
قُرَيْشًا أَيْضًا بِمَا رَأَى فِي السَّمَاءِ مِنَ الْعَجَائِبِ ، وَأَنَّهُ لَقِيَ الْأَنْبِيَاءَ ، وَبَلَغَ الْبَيْتَ الْمَعْمُورَ وَسِدْرَةَ الْمُنْتَهَى . وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ : إِنَّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ هِيَ لَيْلَةُ الْمِعْرَاجِ ، وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ وَجَمَاعَةٍ . وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ هِيَ غَيْرُ لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ .
( وَالْمَسْجِدُ الْأَقْصَى ) مَسْجِدُ
بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، وَسُمِّيَ الْأَقْصَى ; لِأَنَّهُ كَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَقْصَى بُيُوتِ اللَّهِ الْفَاضِلَةِ مِنَ الْكَعْبَةِ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْأَقْصَى الْبَعِيدَ دُونَ مُفَاضَلَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سِوَاهُ ، وَيَكُونَ الْمَقْصِدُ إِظْهَارَ الْعَجَبِ فِي الْإِسْرَاءِ إِلَى هَذَا الْبُعْدِ فِي لَيْلَةٍ . انْتَهَى . وَلَفْظَةُ ( إِلَى ) تَقْتَضِي أَنَّهُ انْتَهَى الْإِسْرَاءُ بِهِ إِلَى حَدِّ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ وَلَا يَدُلُّ مِنْ حَيْثُ الْوَضْعُ عَلَى دُخُولِهِ .
( وَالَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ) صِفَةُ مَدْحٍ لِإِزَالَةِ اشْتِرَاطٍ عَارِضٍ ، وَبَرَكَتُهُ بِمَا خُصَّ بِهِ مِنَ الْخَيْرَاتِ الدِّينِيَّةِ كَالنُّبُوَّةِ وَالشَّرَائِعِ وَالرُّسُلِ الَّذِينَ كَانُوا فِي ذَلِكَ الْقُطْرِ وَنَوَاحِيهِ وَنَوَادِيهِ ، وَالدُّنْيَاوِيَّةِ مِنْ كَثْرَةِ الْأَشْجَارِ وَالْأَنْهَارِ ، وَطِيبِ الْأَرْضِ . وَفِي الْحَدِيثِ " أَنَّهُ تَعَالَى بَارَكَ فِيمَا بَيْنَ الْعَرِيشِ إِلَى الْفُرَاتِ ، وَخَصَّ فِلَسْطِينَ بِالتَّقْدِيسِ " .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ ( nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1لِنُرِيَهُ ) بِالنُّونِ ، وَهُوَ الْتِفَاتٌ مِنْ ضَمِيرِ الْغَائِبِ إِلَى ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ ، وَقِرَاءَةُ
الْحَسَنِ " لِيُرِيَهُ " بِالْيَاءِ فَيَكُونُ الِالْتِفَاتُ فِي آيَاتِنَا ، وَهَذِهِ رُؤْيَا عَيْنٍ ، وَالْآيَاتُ الَّتِي أُرِيَهَا هِيَ الْعَجَائِبُ الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا النَّاسَ ، وَإِسْرَاؤُهُ مِنْ
مَكَّةَ وَعُرُوجُهُ إِلَى السَّمَاءِ ، وَوَصْفُهُ الْأَنْبِيَاءَ وَاحِدًا وَاحِدًا حَسْبَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ لِيُرِيَ
مُحَمَّدًا لِلنَّاسِ آيَةً ، أَيْ : يَكُونُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آيَةً فِي أَنْ يَصْنَعَ اللَّهُ بِبَشَرٍ هَذَا الصُّنْعَ فَتَكُونُ الرُّؤْيَةُ عَلَى هَذَا رُؤْيَةَ الْقَلْبِ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ ) لِأَقْوَالِ
مُحَمَّدٍ ( الْبَصِيرُ ) بِأَفْعَالِهِ ، الْعَالِمُ بِتَهْذِيبِهَا وَخُلُوصِهَا فَيُكْرِمُهُ ، وَيُقَرِّبُهُ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ لِلْكُفَّارِ عَلَى تَكْذِيبِهِمْ
مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَمْرِ الْإِسْرَاءِ ، فَهِيَ إِشَارَةٌ لَطِيفَةٌ بَلِيغَةٌ إِلَى ذَلِكَ أَيْ : هُوَ السَّمِيعُ لِمَا تَقُولُونَ ، الْبَصِيرُ بِأَفْعَالِكُمُ . انْتَهَى .
وَلَمَّا ذَكَرَ
nindex.php?page=treesubj&link=34026تَشْرِيفَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْإِسْرَاءِ وَإِرَاءَتَهُ الْآيَاتِ ، ذَكَرَ تَشْرِيفَ
مُوسَى بِإِيتَائِهِ التَّوْرَاةَ ( وَآتَيْنَا ) مَعْطُوفٌ عَلَى الْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ مِنْ
[ ص: 7 ] تَنْزِيهِ اللَّهِ تَعَالَى وَبَرَاءَتِهِ مِنَ السُّوءِ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ الْمُشَارَكَةُ فِي الْخَبَرِ أَوْ غَيْرِهِ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : عَطْفُ قَوْلِهِ وَآتَيْنَا عَلَى مَا فِي قَوْلِهِ أَسْرَى بِعَبْدِهِ مِنْ تَقْدِيرِ الْخَبَرِ ، كَأَنَّهُ قَالَ : أَسْرَيْنَا بِعَبْدِنَا ، وَأَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا وَآتَيْنَا . وَقَالَ
الْعُكْبَرِيُّ : وَآتَيْنَا مَعْطُوفٌ عَلَى أَسْرَى . انْتَهَى . وَفِيهِ بُعْدٌ ، وَالْكِتَابُ هُنَا التَّوْرَاةُ ، وَالظَّاهِرُ عَوْدُ الضَّمِيرِ مِنْ وَجَعَلْنَاهُ عَلَى الْكِتَابِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ عَلَى
مُوسَى ، وَيَجُوزَ أَنْ تَكُونَ تَفْسِيرِيَّةً وَلَا نَهْيَ ، وَأَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً تَعْلِيلًا أَيْ : لِأَنْ لَا يَتَّخِذُوا وَلَا نَفْيَ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ أَنْ زَائِدَةً ، وَيَكُونَ لَا تَتَّخِذُوا مَعْمُولًا لِقَوْلٍ مَحْذُوفٍ خِلَافًا لِمُجَوِّزِ ذَلِكَ ؛ إِذْ لَيْسَ مِنْ مَوَاضِعِ زِيَادَةِ أَنْ .
وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَعِيسَى وَأَبُو رَجَاءٍ وَأَبُو عَمْرٍو مِنَ السَّبْعَةِ : ( يَتَّخِذُوا ) بِالْيَاءِ عَلَى الْغَيْبَةِ ، وَبَاقِي السَّبْعَةِ بِتَاءِ الْخِطَابِ ، وَالْوَكِيلُ فَعِيلٌ مِنَ التَّوَكُّلِ أَيْ : مُتَوَكِّلًا عَلَيْهِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : رَبًّا تَكِلُونَ إِلَيْهِ أُمُورَكُمْ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ : حَفِيظًا لَكُمْ سِوَايَ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11890أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ : قِيلَ لِلرَّبِّ : وَكِيلٌ لِكِفَايَتِهِ وَقِيَامِهِ بِشُئُونِ عِبَادِهِ ، لَا عَلَى مَعْنَى ارْتِفَاعِ مَنْزِلَةِ الْمُوَكِّلِ وَانْحِطَاطِ أَمْرِ الْوَكِيلِ . انْتَهَى . وَانْتَصَبَ ( ذُرِّيَّةَ ) عَلَى النِّدَاءِ أَيْ : يَا ذُرِّيَّةً أَوْ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ وَكِيلًا ، أَوْ عَلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي لِيَتَّخِذُوا وَكِيلًا ، وَفِي مَعْنَى الْجَمْعِ أَيْ : لَا يَتَّخِذُوا وُكَلَاءَ ذُرِّيَّةً ، أَوْ عَلَى إِضْمَارِ أَعْنِي . وَقَرَأَتْ فِرْقَةٌ ذُرِّيَّةُ بِالرَّفْعِ ، وَخُرِّجَ عَلَى أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي يَتَّخِذُوا عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ بِيَاءِ الْغَيْبَةِ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَلَا يَجُوزُ فِي الْقِرَاءَةِ بِالتَّاءِ ; لِأَنَّكَ لَا تُبْدِلُ مِنْ ضَمِيرِ مُخَاطَبٍ لَوْ قُلْتَ : ضَرَبْتُكَ زَيْدًا عَلَى الْبَدَلِ لَمْ يَجُزِ . انْتَهَى . وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ إِطْلَاقِ أَنَّكَ لَا تُبْدِلُ مِنْ ضَمِيرِ مُخَاطَبٍ يَحْتَاجُ إِلَى تَفْصِيلٍ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِنْ كَانَ فِي بَدَلِ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ وَبَدَلِ اشْتِمَالٍ جَازَ بِلَا خِلَافٍ ، وَإِنْ كَانَ فِي بَدَلِ شَيْءٍ مِنْ شَيْءٍ ، وَهُمَا لِعَيْنٍ وَاحِدَةٍ وَإِنْ كَانَ يُفِيدُ التَّوْكِيدَ جَازَ بِلَا خِلَافٍ ، نَحْوُ : مَرَرْتُ بِكُمْ صَغِيرِكُمْ وَكَبِيرِكُمْ وَإِنْ لَمْ يُفِدِ التَّوْكِيدَ ، فَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْبَصْرِيِّينَ الْمَنْعُ ، وَمَذْهَبُ الْأَخْفَشِ وَالْكُوفِيِّينَ الْجَوَازُ وَهُوَ الصَّحِيحُ ; لِوُجُودِ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ ، وَقَدِ اسْتَدْلَلْنَا عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ فِي شَرْحِ كِتَابِ التَّسْهِيلِ ، وَذَكَرَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ تَنْبِيهًا عَلَى النِّعْمَةِ الَّتِي نَجَّاهُمْ بِهَا مِنَ الْغَرَقِ . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=47زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11795وَأَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15948وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ ،
وَمُجَاهِدٌ فِي رِوَايَةٍ بِكَسْرِ ذَالِ ذِرِّيَّةَ . وَقَرَأَ
مُجَاهِدٌ أَيْضًا بِفَتْحِهَا . وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=47زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ذَرِيَّةَ بِفَتْحِ الذَّالِ ، وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ ، وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ عَلَى وَزْنِ فَعِلِيَّةٍ كَمَطِيَّةٍ .
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي ( إِنَّهُ ) عَائِدٌ عَلَى
نُوحٍ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=23سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ : كَانَ يَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى طَعَامِهِ . وَقَالَ
إِبْرَاهِيمُ : شُكْرُهُ إِذَا أَكَلَ قَالَ : بِسْمِ اللَّهِ ، فَإِذَا فَرَغَ قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ . وَقَالَ
قَتَادَةُ : كَانَ إِذَا لَبِسَ ثَوْبًا قَالَ : بِسْمِ اللَّهِ ، وَإِذَا نَزَعَهُ قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ . وَقِيلَ : الضَّمِيرُ فِي ( إِنَّهُ ) عَائِدٌ إِلَى
مُوسَى . انْتَهَى . وَنَبَّهَ عَلَى الشُّكْرِ ; لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ التَّوْحِيدَ ؛ إِذِ النِّعَمُ الَّتِي يَجِبُ الشُّكْرُ عَلَيْهَا هِيَ مِنْ عِنْدِهِ تَعَالَى ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ : كُونُوا مُوَحِّدِينَ شَاكِرِينَ لِنِعَمِ اللَّهِ مُقْتَدِينَ
بِنُوحٍ الَّذِي أَنْتُمْ ذُرِّيَّةُ مَنْ حُمِلَ مَعَهُ .