(
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=32nindex.php?page=treesubj&link=28988ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=34ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=35وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا ) .
[ ص: 33 ] لما نهى تعالى عن قتل الأولاد نهى عن التسبب في إيجاده من الطريق غير المشروعة ، فنهى عن قربان الزنا واستلزم ذلك النهي عن الزنا ، والزنا الأكثر فيه القصر ويمد لغة لا ضرورة ، هكذا نقل اللغويون . ومن المد قول الشاعر - وهو
nindex.php?page=showalam&ids=14899الفرزدق :
أبا حاضر من يزن يعرف زناؤه ومن يشرب الخرطوم يصبح مسكرا
ويروى :
أبا خالد . وقال آخر :
كانت فريضة ما تقول كما كان الزناء فريضة الرجم
وكان المعنى لم يزل أي : لم يزل فاحشة أي : معصية فاحشة أي : قبيحة زائدة في القبح (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=32وساء سبيلا ) أي : وبئس طريقا طريقه ; لأنها سبيل تؤدي إلى النار . وقال
ابن عطية : و ( سبيلا ) نصب على التمييز ، التقدير : وساء سبيله . انتهى . وإذا كان ( سبيلا ) نصبا على التمييز فإنما هو تمييز للمضمر المستكن في ( ساء ) وهو من المضمر الذي يفسره ما بعده ، والمخصوص بالذم محذوف ، وإذا كان كذلك فلا يكون تقديره : وساء سبيله سبيلا ; لأنه إذ ذاك لا يكون فاعله ضميرا يراد به الجنس مفسرا بالتمييز ، ويبقى التقدير أيضا عاريا عن المخصوص بالذم ، وتقدم تفسير قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ) في أواخر الأنعام . قال
الضحاك : هذه أول ما نزل من القرآن في شأن القتل . انتهى .
ولما نهى عن قتل الأولاد وعن إيجادهم من الطريق غير المشروعة نهى عن قتل النفس فانتقل من الخاص إلى العام ، والظاهر أن هذه كلها منهيات مستقلة ليست مندرجة تحت قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23وقضى ربك ) كاندراج ( أن لا تعبدوا ) وانتصب (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33مظلوما ) على الحال من الضمير المستكن في ( قتل ) والمعنى : أنه قتل بغير حق (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33فقد جعلنا لوليه ) وهو الطالب بدمه شرعا ، وعند
أبي حنيفة وأصحابه اندراج من يرث من الرجال والنساء والصبيان في الولي على قدر مواريثهم ؛ لأن الولي عندهم هو الوارث هنا . وقال
مالك : ليس للنساء شيء من القصاص ، وإنما القصاص للرجال . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=15990ابن المسيب والحسن وقتادة والحكم : ليس إلى النساء شيء من العفو والدم ، وللسلطان التسلط على القاتل في الاقتصاص منه أو حجة يثبت بها عليه ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري . وقال
ابن عطية : والسلطان : الحجة والملك الذي جعل إليه من التخيير في قبول الدم أو العفو قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس والضحاك ، وقال
قتادة : السلطان : القود ، وفي كتاب التحرير : السلطان : القوة والولاية ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : البينة في طلب القود ، وقال
الحسن : القود ، وقال
مجاهد : الحجة ، وقال
ابن زيد : الوالي أي : واليا ينصفه في حقه ، والظاهر : عود الضمير في ( فلا يسرف ) على الولي ، والإسراف المنهي عنه : أن يقتل غير القاتل قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس والحسن ، أو يقتل اثنين بواحد ، قاله
ابن جبير ، أو أشرف من الذي قتل ، قاله
ابن زيد ، أو يمثل ، قاله
قتادة ، أو يتولى القاتل دون السلطان ، ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج .
وقال
أبو عبد الله الرازي : السلطنة مجملة يفسرها (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178كتب عليكم القصاص ) الآية . ويدل عليه أنه مخير بين القصاص والدية ، وقوله - عليه السلام - يوم الفتح : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374630من قتل قتيلا فأهله بين خيرتين إن أحبوا قتلوا وإن أحبوا أخذوا الدية " . فمعنى (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33فلا يسرف في القتل ) لا يقدم على استيفاء القتل ، ويكتفي بأخذ الدية أو يميل إلى العفو ، ولفظة في محمولة على الباء ، أي : فلا يصير مسرفا بسبب إقدامه على القتل ، ويكون معناه الترغيب في العفو كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237وأن تعفوا أقرب للتقوى ) . انتهى ملخصا . ولو سلم أن ( في ) بمعنى الباء لم يكن صحيح المعنى ; لأن من قتل بحق قاتل موليه لا يصير مسرفا بقتله ، وإنما الظاهر - والله أعلم - النهي عما كانت الجاهلية تفعله من قتل الجماعة بالواحد ، وقتل غير القاتل والمثلة ومكافأة الذي يقتل من قتله . وقال
مهلهل حين قتل
بجير بن الحارث بن عباد : بؤ بشسع نعل
كليب .
وأبعد من ذهب إلى أن الضمير في (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33فلا يسرف ) ليس عائدا على
[ ص: 34 ] الولي ، وإنما يعود على العامل الدال عليه
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33ومن قتل أي لا يسرف في القتل تعديا وظلما فيقتل من ليس له قتله . وقرأ الجمهور (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33فلا يسرف ) بياء الغيبة . وقرأ الأخوان
nindex.php?page=showalam&ids=15948وزيد بن علي وحذيفة وابن وثاب nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش ومجاهد بخلاف وجماعة ، وفي نسخة من تفسير
ابن عطية وابن عامر وهو وهم بتاء الخطاب ، والظاهر أنه على خطاب الولي فالضمير له . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري : الخطاب للرسول - صلى الله عليه وسلم - والأئمة من بعده أي : فلا تقتلوا غير القاتل . انتهى . قال
ابن عطية : وقرأ
أبو مسلم السراج صاحب الدعوة العباسية . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : قرأ
أبو مسلم صاحب الدولة . وقال صاحب كتاب اللوامح أو
مسلم العجلي مولى صاحب الدولة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33فلا يسرف ) بضم الفاء على الخبر ، ومعناه النهي ، وقد يأتي الأمر والنهي بلفظ الخبر . وقال
ابن عطية في الاحتجاج
بأبي مسلم : في القراءة نظر ، وفي قراءة
أبي " فلا تسرفوا في القتل " إن ولي المقتول كان منصورا . انتهى . رده على ولا تقتلوا ، والأولى حمل قوله إن ولي المقتول على التفسير لا على القراءة لمخالفته السواد ، ولأن المستفيض عنه (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33إنه كان منصورا ) كقراءة الجماعة ، والضمير في ( إنه ) عائد على الولي لتناسق الضمائر ، ونصره إياه بأن أوجب له القصاص ، فلا يستزاد على ذلك ، أو نصره بمعونة السلطان وبإظهار المؤمنين على استيفاء الحق ، وقيل : يعود الضمير على المقتول نصره الله حيث أوجب القصاص بقتله في الدنيا ، ونصره بالثواب في الآخرة ، قال
ابن عطية : وهو أرجح ; لأنه المظلوم ، ولفظة النصر تقارن الظلم كقوله - عليه السلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374631ونصر المظلوم وإبرار القسم " وكقوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374632انصر أخاك ظالما أو مظلوما " إلى كثير من الأمثلة . وقيل : على القتل . وقال
أبو عبيد : على القاتل ; لأنه إذا قتل في الدنيا وخلص بذلك من عذاب الآخرة فقد نصر ، وهذا ضعيف بعيد القصد . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وإنما يعني أن يكون الضمير في أنه الذي يقتله الولي بغير حق ويسرف في قتله ، فإنه منصور بإيجاب القصاص على المسرف . انتهى . وهذا بعيد جدا .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=34ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده ) لما نهى عن إتلاف النفوس نهى عن أخذ الأموال ، كما قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374032فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم " . ولما كان اليتيم ضعيفا عن أن يدفع عن ماله لصغره نص على النهي عن قربان ماله ، وتقدم تفسير هذه الآية في أواخر الأنعام . (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=34nindex.php?page=treesubj&link=28988وأوفوا بالعهد ) عام فيما عقده الإنسان بينه وبين ربه ، أو بينه وبين آدمي في طاعة (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=34إن العهد كان مسئولا ) ظاهره أن العهد هو المسئول من المعاهد أن يفي به ولا ينكث ولا يضيعه ، أو يكون من باب التخييل ، كأنه يقال : للعهد لم نكثت ، فمثل كأنه ذات من الذوات تسأل لم نكثت دلالة على المطاوعة بنكثه وإلزام ما يترتب على نكثه ، كما جاء (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=8وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت ) فيمن قرأ بسكون اللام وكسر التاء التي للخطاب . وقيل : هو على حذف مضاف أي : إن ذا العهد كان مسئولا عنه إن لم يف به .
ثم أمر تعالى بإيفاء الكيل وبالوزن المستقيم ، وذلك مما يرجع إلى المعاملة بالأموال . وفي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=35وأوفوا الكيل ) دلالة على أن الكيل هو على البائع ; لأنه لا يقال ذلك للمشتري . وقال
الحسن : ( القسطاس ) القبان وهو الفلسطون ، ويقال : القرسطون . وقال
مجاهد : ( القسطاس ) العدل لا أنه آلة . وقرأ الأخوان
وحفص بكسر القاف ، وباقي السبعة بضمها وهما لغتان ، وقرأت فرقة بالإبدال من السين الأولى صادا . قال
ابن عطية : واللفظية للمبالغة من القسط . انتهى . ولا يجوز أن يكون من القسط لاختلاف المادتين ; لأن القسط مادته ( ق س ط ) ، وذلك مادته ( ق س ط س ) إلا أن اعتقد زيادة السين آخرا كسين قدموس وضغبوس وعرفاس ، فيمكن لكنه ليس من مواضع زيادة السين المقيسة ، والتقييد بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=35إذا كلتم ) أي : وقت كيلكم على سبيل التأكيد ، وأن لا يتأخر الإيفاء بأن
[ ص: 35 ] يكيل به بنقصان ما ثم يوفيه بعد فلا يتأخر الإيفاء عن وقت الكيل .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=35ذلك خير ) أي : الإيفاء والوزن ; لأن فيه تطييب النفوس بالاتسام بالعدل والإيصال للحق (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=35وأحسن تأويلا ) أي : عاقبة ، إذ لا يبقى على الموفي والوازن تبعة لا في الدنيا ولا في الآخرة ، وهو من المآل وهو المرجع كما قال : خير مردا ، خير عقبا ، خير أملا وإنما كانت عاقبته أحسن ; لأنه اشتهر بالاحتراز عن التطفيف ، فعول عليه في المعاملات ومالت القلوب إليه .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36nindex.php?page=treesubj&link=28988ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=37ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=38كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا ) .
[ ص: 36 ] لما أمر تعالى بثلاثة أشياء : الإيفاء بالعهد ، والإيفاء بالكيل ، والوزن بالقسطاس المستقيم ، أتبع ذلك بثلاثة مناه : ( ولا تقف ) ( ولا تمش ) ( ولا تجعل ) . ومعنى ( ولا تقف ) لا تتبع ما لا علم لك به من قول أو فعل ، نهى أن نقول ما لا نعلم وأن نعمل بما لا نعلم ، ويدخل فيه النهي عن اتباع التقليد ; لأنه اتباع بما لا يعلم صحته . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : معناه لا ترم أحدا بما لا تعلم . وقال
قتادة : لا تقل : رأيت ولم تره ، وسمعت ولم تسمعه ، وعلمت ولم تعلمه . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12691محمد ابن الحنفية : لا تشهد بالزور . وقال
ابن عطية : ولا تقل : لكنها كلمة تستعمل في القذف والعضه . انتهى . وفي الحديث : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374633من قفا مؤمنا بما ليس فيه حبسه الله في ردغة الخبال حتى يأتي بالمخرج " . وقال في الحديث أيضا : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374634نحن بنو النضر بن كنانة لا تقفو منا ولا ننتفي من أبينا " . ومنه قول
nindex.php?page=showalam&ids=8572النابغة الجعدي :
ومثل الدمى شم العرانين ساكن بهن الحيا لا يتبعن التقافيا
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15102الكميت :
فلا أرمي البريء بغير ذنب ولا أقفو الحواضن إن قفينا
وحاصل هذا أنه نهى عن اتباع ما لا يكون معلوما ، وهذه قضية كلية تندرج تحتها أنواع . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وقد استدل به مبطل الاجتهاد ولم يصح ; لأن ذلك نوع من العلم ، وقد أقام الشرع غالب الظن مقام العلم وأمر بالعمل به . انتهى . وقرأ الجمهور : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36ولا تقف ) بحذف الواو للجزم مضارع قفا . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15948زيد بن علي " ولا تقفو " بإثبات الواو . كما قال الشاعر :
هجوت زبان ثم جئت معتذرا من هجو زبان لم تهجو ولم تدع
وإثبات الواو والياء والألف مع الجازم لغة لبعض العرب وضرورة لغيرهم . وقرأ
معاذ القارئ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36ولا تقف ) مثل تقل ، من قاف يقوف ، تقول العرب : قفت أثره وقفوت أثره ، وهما لغتان لوجود التصاريف فيهما كجبذ وجذب ، وقاع الجمل الناقة وقعاها إذا ركبها ، وليس قاف مقلوبا من قفا كما جوزه صاحب اللوامح . وقرأ
الجراح العقيلي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36والفؤاد ) بفتح الفاء والواو قلبت الهمزة واوا بعد الضمة في الفؤاد ثم استصحب القلب مع الفتح وهي لغة في (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=11الفؤاد ) وأنكرها
أبو حاتم وغيره وبه لا تتعلق بعلم ; لأنه يتقدم معموله عليه . قال
الحوفي : يتعلق بما تعلق به ( لك ) وهو الاستقرار وهو لا يظهر ، وفي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36إن السمع والبصر والفؤاد ) دليل على أن العلوم مستفادة من الحواس ومن العقول ، وجاء هذا على الترتيب القرآني في البداءة بالسمع ، ثم يليه البصر ، ثم يليه الفؤاد . و ( أولئك ) إشارة إلى (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36السمع والبصر والفؤاد ) وهو اسم إشارة للجمع المذكر والمؤنث العاقل وغيره . وتخيل
ابن عطية أنه يختص بالعاقل ، فقال : وعبر عن (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36السمع والبصر والفؤاد ) بأولئك ; لأنها حواس لها إدراك ، وجعلها في هذه الآية مسئولة فهي حالة من يعقل ، ولذلك عبر عنها بأولئك . وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه - رحمه الله - في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=4رأيتهم لي ساجدين ) إنما قال : رأيتهم في نجوم ; لأنه إنما وصفها بالسجود وهو من فعل من يعقل عبر عنها بكناية من يعقل . وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج أن العرب تعبر عمن يعقل وعما لا يعقل بأولئك ، وأنشد هو
nindex.php?page=showalam&ids=16935والطبري :
ذم المنازل بعد منزلة اللوى والعيش بعد أولئك الأيام
[ ص: 37 ] وأما حكاية
أبي إسحاق عن اللغة فأمر يوقف عنده ، وأما البيت فالرواية فيه : الأقوام . انتهى . وليس ما تخيله صحيحا ، والنحاة ينشدونه بعد أولئك الأيام ولم يكونوا لينشدوا إلا ما روي ، وإطلاق أولاء وأولاك وأولئك وأولالك على ما لا يعقل لا نعلم خلافا فيه ، و ( كل ) مبتدأ والجملة خبره ، واسم ( كان ) عائد على ( كل ) وكذا الضمير في (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36مسئولا ) . والضمير في ( عنه ) عائد على ما من قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36ما ليس لك به علم ) فيكون المعنى أن كل واحد من (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36السمع والبصر والفؤاد ) يسأل عما لا علم له به أي : عن انتفاء ما لا علم له به ، وهذا الظاهر . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : يستشهد بها كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=24يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم ) . وقال
القرطبي في أحكامه : يسأل الفؤاد عما اعتقده ، والسمع عما سمع ، والبصر عما رأى . وقال
ابن عطية : إن الله تعالى يسأل سمع الإنسان وبصره وفؤاده عما قال مما لا علم له به ، فيقع تكذيبه من جوارحه وتلك غاية الخزي . وقيل : الضمير في ( كان ) و (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36مسئولا ) عائدان على القائف ما ليس له به علم ، والضمير في ( عنه ) عائد على ( كل ) فيكون ذلك من الالتفات إذ لو كان على الخطاب لكان التركيب كل أولئك كنت عنه مسئولا .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : و ( عنه ) في موضع الرفع بالفاعلية ، أي : كل واحد منها كان مسئولا عنه ، فمسئول مسند إلى الجار والمجرور كالمغضوب في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7غير المغضوب عليهم ) يقال للإنسان : لم سمعت ما لا يحل لك سماعه ؟ ولم نظرت ما لم يحل لك النظر إليه ؟ ولم عزمت على ما لم يحل لك العزم عليه ؟ . انتهى . وهذا الذي ذهب إليه من أن ( عنه ) في موضع الرفع بالفاعلية ، ويعني به أنه مفعول لم يسم فاعله لا يجوز ; لأن الجار والمجرور وما يقام مقام الفاعل من مفعول به ومصدر وظرف بشروطهما جار مجرى الفاعل ، فكما أن الفاعل لا يجوز تقديمه ، فكذلك ما جرى مجراه وأقيم مقامه ، فإذا قلت : غضب على زيد ، فلا يجوز : على زيد غضب ، بخلاف : غضبت على زيد ، فيجوز : على زيد غضبت ، وقد حكى الاتفاق من النحويين على أنه لا يجوز تقديم الجار والمجرور الذي يقام مقام الفاعل على الفعل
nindex.php?page=showalam&ids=12940أبو جعفر النحاس ذكر ذلك في المقنع من تأليفه ، فليس (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36عنه مسئولا ) كالمغضوب عليهم لتقدم الجار والمجرور في (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36عنه مسئولا ) وتأخيره في (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7المغضوب عليهم ) وقول
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ولم نظرت ما لم يحل لك أسقط إلى ، وهو لا يجوز إلا إن جاء في ضرورة شعر ; لأن نظر يتعدى بإلى فكان التركيب ، ولم نظرت إلى ما لم يحل لك كما قال : النظر إليه فعداه بإلى .
وانتصب ( مرحا ) على الحال أي : مرحا ، كما تقول : جاء زيد ركضا أي : راكضا ، أو على حذف مضاف أي : ذا مرح ، وأجاز بعضهم أن يكون مفعولا من أجله أي ولا تمش في الأرض للمرح ولا يظهر ذلك ، وتقدم أن المرح هو السرور والاغتباط بالراحة والفرح وكأنه ضمن معنى الاختيال ; لأن غلبة السرور والفرح يصحبها التكبر والاختيال ، ولذلك علل بقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=37إنك لن تخرق الأرض ) .
وقرأت فرقة فيما حكى
يعقوب : " مرحا " بكسر الراء وهو حال ، أي : لا تمش متكبرا مختالا . قال
مجاهد : لن تخرق بمشيك على عقبيك كبرا وتنعما (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=37ولن تبلغ الجبال ) بالمشي على صدور قدميك تفاخرا ، و ( طولا ) والتأويل : أن قدرتك لا تبلغ هذا المبلغ فيكون ذلك وصلة إلى الاختيال . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=37nindex.php?page=treesubj&link=28988لا تمش في الأرض ) مختالا فخورا ، ونظيره : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=63وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا ) و (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=19اقصد في مشيك ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=18ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور ) . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=37لن تخرق الأرض ) لن تجعل فيها خرقا بدوسك لها وشدة وطئك (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=37ولن تبلغ الجبال طولا ) بتطاولك ، وهو تهكم بالمختال . وقرأ
الجراح الأعرابي : "
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=37لن تخرق " بضم الراء . قال
أبو حاتم : لا تعرف هذه اللغة . وقيل : أشير بذلك إلى أن الإنسان محصور بين جمادين ، ضعيف عن التأثير فيهما بالخرق وبلوغ الطول ومن كان بهذه المثابة لا يليق به التكبر . وقال الشاعر :
[ ص: 38 ] ولا تمش فوق الأرض إلا تواضعا فكم تحتها قوم هم منك أرفع
، والأجود انتصاب قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=37طولا ) على التمييز ، أي : لن يبلغ طولك الجبال ، وقال
الحوفي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=37طولا ) نصب على الحال ، والعامل في الحال ( تبلغ ) ويجوز أن يكون العامل تخرق ، و (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=37طولا ) بمعنى متطاول . انتهى . وقال
أبو البقاء : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=37طولا ) مصدر في موضع الحال من الفاعل أو المفعول ، ويجوز أن يكون تمييزا ومفعولا له ومصدرا من معنى تبلغ . انتهى . وقرأ الحرميان
وأبو عمرو وأبو جعفر nindex.php?page=showalam&ids=13723والأعرج " سيئة " بالنصب والتأنيث . وقرأ باقي السبعة
والحسن ومسروق (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=38سيئه ) بضم الهمزة مضافا لهاء المذكر الغائب ، وقرأ
عبد الله " سيئاته " بالجمع مضافا للهاء ، وعنه أيضا " سيئات " بغيرها ، وعنه أيضا " كان خبيثه " . فأما القراءة الأولى فالظاهر أن ذلك إشارة إلى مصدري النهيين السابقين ، وهما : قفو ما ليس له به علم ، والمشي في الأرض مرحا . وقيل : إشارة إلى جميع المناهي المذكورة فيما تقدم في هذه السورة ، وسيئة خبر كان وأنث ، ثم قال : مكروها فذكر . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : السيئة في حكم الأسماء بمنزلة الذنب ، والاسم زال عنه حكم الصفات فلا اعتبار بتأنيثه ، ولا فرق بين من قرأ سيئة ومن قرأ سيئا ، ألا تراك تقول : الزنا سيئة كما تقول السرقة سيئة ، فلا تفرق بين إسنادها إلى مذكر ومؤنث . انتهى . وهو تخريج حسن .
وقيل : ذكر (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=38مكروها ) على لفظ ( كل ) وجوزوا في ( مكروها ) أن يكون خبرا ثانيا لكان على مذهب من يجيز تعداد الأخبار لكان ، وأن يكون بدلا من سيئة والبدل بالمشتق ضعيف ، وأن يكون حالا من الضمير المستكن في الظرف قبله ، والظرف في موضع الصفة . قيل : ويجوز أن يكون نعتا لسيئة لما كان تأنيثها مجازيا جاز أن توصف بمذكر ، وضعف هذا بأن جواز ذلك إنما هو في الإسناد إلى المؤنث المجازي إذا تقدم ، أما إذا تأخر وأسند إلى ضميرها فهو قبيح ، تقول : أبقل الأرض إبقالها فصيحا ، والأرض أبقل قبيح ، وأما من قرأ ( سيئه ) بالتذكير والإضافة فسيئه اسم ( كان ) و ( مكروها ) الخبر ، ولما تقدم من الخصال ما هو سيئ وما هو حسن أشير بذلك إلى المجموع ، وأفرد سيئة وهو المنهي عنه ، فالحكم عليه بالكراهة من قوله : لا تجعل إلى آخر المنهيات . وأما قراءة
عبد الله فتتخرج على أن يكون مما أخبر فيه عن الجمع إخبار الواحد المذكر وهو قليل نحو قوله :
فإن الحوادث أودى بها
لصلاحية الحدثان مكان الحوادث ، وكذلك هذا أيضا كان ما يسوء مكان سيئاته ذلك إشارة إلى جميع أنواع التكاليف من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=22لا تجعل مع الله إلها آخر ) إلى قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=37ولا تمش في الأرض مرحا ) وهي أربعة وعشرون نوعا من التكاليف بعضها أمر وبعضها نهي بدأها بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=22لا تجعل ) . واختتم الآيات بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=39ولا تجعل ) وقال : مما أوحى ; لأن ذلك بعض مما أوحى إليه إذ أوحى إليه بتكاليف أخر ، و (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=39مما أوحى ) خبر عن ذلك ، و (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=39من الحكمة ) يجوز أن يكون متعلقا بأوحى ، وأن يكون بدلا من ما ، وأن يكون حالا من الضمير المنصوب المحذوف العائد على ما وكانت هذه التكاليف حكمة ; لأن حاصلها يرجع إلى الأمر بالتوحيد ، وأنواع الطاعات والإعراض عن الدنيا والإقبال على الآخرة ، والعقول تدل على صحتها ، وهي شرائع في جميع الأديان لا تقبل النسخ .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : إن هذه الآيات كانت في ألواح
موسى - عليه السلام ، أولها (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=22لا تجعل مع الله إلها آخر ) قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=145وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء ) وكرر تعالى النهي عن الشرك ، ففي النهي الأول . (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=22فتقعد مذموما مخذولا ) وفي الثاني (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=39فتلقى في جهنم ملوما مدحورا ) والفرق بين مذموم وملوم : أن كونه مذموما أن يذكر أن الفعل الذي أقدم عليه قبيح منكر ، وكونه ملوما أن يقال له بعد الفعل وذمه : لم فعلت كذا ؟ وما حملك عليه ؟ وما استفدت منه إلا إلحاق الضرر بنفسك ، فأول الأمر الذم وآخره اللوم ، والفرق بين مخذول ومدحور : أن المخذول هو المتروك إعانته ونصره والمفوض إلى
[ ص: 39 ] نفسه ، والمدحور المطرود المبعد على سبيل الإهانة له والاستخفاف به ، فأول الأمر الخذلان وآخره الطرد مهانا . وكان وصف الذم والخذلان يكون في الدنيا ، ووصف اللوم والدحور يكون في الآخرة ، ولذلك جاء (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=39فتلقى في جهنم ) والخطاب بالنهي في هذه الآيات للسامع غير الرسول . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ولقد جعل الله - عز وعلا - فاتحتها وخاتمتها النهي عن الشرك ; لأن التوحيد هو رأس كل حكمة وملاكها ، ومن عدمه لم تنفعه حكمه وعلومه وإن بذ فيها الحكماء وحك بيافوخه السماء ، وما أغنت عن الفلاسفة أسفار الحكم وهم عن دين الله أضل من النعم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=40nindex.php?page=treesubj&link=28988أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا إنكم لتقولون قولا عظيما nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=41ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا وما يزيدهم إلا نفورا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=42قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=43سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=44تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا ) .
لما نبه تعالى على فساد من أثبت لله شريكا ونظيرا أتبعه بفساد طريقة من أثبت لله ولدا ، والاستفهام معناه الإنكار والتوبيخ والخطاب لمن اعتقد أن الملائكة بنات الله ومعنى (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=40أفأصفاكم ) آثركم وخصكم ، وهذا كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=39أله البنات ولكم البنون ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=21ألكم الذكر وله الأنثى ) وهذا خلاف الحكمة وما عليه معقولكم وعادتكم ، فإن العبيد لا يؤثرون بأجود الأشياء وأصفاها من الشوب ويكون أردؤها وأدونها للسادات . ومعنى ( عظيما ) مبالغا في المنكر والقبح حيث أضفتم إليه الأولاد ، ثم حيث فضلتم عليه تعالى أنفسكم فجعلتم له ما تكرهون ، ثم نسبة الملائكة الذين هم من شريف ما خلق إلى الأنوثة . ومعنى (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=41صرفنا ) نوعنا من جهة إلى جهة ومن مثال إلى مثال ، والتصريف لغة : صرف الشيء من جهة إلى جهة ثم صار كناية عن التبيين . وقرأ الجمهور (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=41صرفنا ) بتشديد الراء . فقال : لم نجعله نوعا واحدا بل وعدا ووعيدا ، ومحكما ومتشابها ، وأمرا ونهيا ، وناسخا ومنسوخا ، وأخبارا وأمثالا مثل تصريف الرياح من صبا ودبور وجنوب وشمال ، ومفعول (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=41صرفنا ) على هذا المعنى محذوف ، وهي هذه الأشياء أي : صرفنا الأمثال والعبر والحكم والأحكام والأعلام ، وقيل : المعنى : لم ننزله مرة واحدة بل نجوما ، ومعناه : أكثرنا صرف
جبريل إليك ، والمفعول محذوف أي صرفنا
جبريل .
وقيل : ( في ) زائدة ، أي صرفنا هذا القرآن كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=15وأصلح لي في ذريتي ) وهذا ضعيف ; لأن " في " لا تزاد . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : يجوز أن يريد بهذا القرآن إبطال إضافتهم إلى الله البنات ; لأنه مما صرفه وكرر ذكره ، والمعنى : ولقد
[ ص: 40 ] صرفنا القول في هذا المعنى ، وأوقعنا التصريف فيه وجعلناه مكانا للتكرير ، ويجوز أن يشير بهذا ( القرآن ) إلى التنزيل ، ويريد ولقد صرفناه يعني هذا المعنى في مواضع من التنزيل ، فترك الضمير ; لأنه معلوم . انتهى . فجعل التصريف خاصا بما دلت عليه الآية قبله وجعل مفعول (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=41صرفنا ) إما القول في هذا المعنى أو المعنى وهو الضمير الذي قدره في صرفناه ، وغيره جعل التصريف عاما في أشياء فقدر ما يشمل ما سيق له ما قبله وغيره . وقرأ
الحسن بتخفيف الراء . فقال صاحب اللوامح : هو بمعنى العامة ، يعني بالعامة : قراءة الجمهور ، قال : لأن فعل وفعل ربما تعاقبا على معنى واحد . وقال
ابن عطية : على معنى صرفنا فيه الناس إلى الهدى بالدعاء إلى الله .
وقرأ الجمهور (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=41ليذكروا ) أي : ليتذكروا من التذكير ، أدغمت التاء في الذال ، وقرأ الأخوان
وطلحة وابن وثاب nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش " ليذكروا " بسكون الذال وضم الكاف من الذكر أو الذكر ، أي : ليتعظوا ويعتبروا وينظروا فيما يحتج به عليهم ويطمئنوا إليه (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=41وما يزيدهم ) أي : التصريف (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=41إلا نفورا ) أي : بعدا وفرارا عن الحق كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=125فزادتهم رجسا إلى رجسهم ) وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=49فما لهم عن التذكرة معرضين nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=50كأنهم حمر مستنفرة ) والنفور من أوصاف الدواب الشديدة الشماس ، ولما ذكر تعالى نسبة الولد إليهم ورد عليهم في ذلك ذكر قولهم أنه تعالى معه آلهة ورد عليهم .
وقرأ
ابن كثير وحفص (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=42كما يقولون ) بالياء من تحت ، والجمهور بالتاء . ومعنى (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=42لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا ) إلى مغالبته وإفساد ملكه ; لأنهم شركاؤه كما يفعل الملوك بعضهم مع بعض ، وقال هذا المعنى أو مثله
ابن جبير وأبو علي الفارسي والنقاش والمتكلمون
أبو منصور وغيره ، وعلى هذا تكون الآية بيانا للتمانع ، كما في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=22لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ) ويأتي تفسيرها إن شاء الله تعالى .
وقال
قتادة ما معناه : لابتغوا إلى التقرب إلى ذي العرش والزلفى لديه ، وكانوا يقولون : إن الأصنام تقربهم إلى الله ، فإذا علموا أنها تحتاج إلى الله فقد بطل كونها آلهة ، ويكون كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=57أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ) ، والكاف من ( كما ) في موضع نصب .
وقال
الحوفي : متعلقة بما تعلقت به ( مع ) وهو الاستقرار ، و ( معه ) خبر كان .
وقال
أبو البقاء : كونا لقولكم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : و ( إذا ) دالة على أن ما بعدها وهو ( لابتغوا ) جواب عن مقالة المشركين وجزاء لـ لو . انتهى . وعطف ( وتعالى ) على قوله : ( سبحانه ) لأنه اسم قام مقام المصدر الذي هو في معنى الفعل ، أي : براءة الله وقدر تنزه ، وتعالى يتعلق به على سبيل الإعمال إذ يصح لسبحان أن يتعلق به ( عن ) كما في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=180سبحان ربك رب العزة عما يصفون ) والتعالي في حقه تعالى هو بالمكانة لا بالمكان . وقرأ الأخوان : " عما تقولون " بالتاء من فوق ، وباقي السبعة بالياء . وانتصب ( علوا ) على أنه مصدر على غير الصدر أي : تعاليا ، ووصف تكبيرا مبالغة في معنى البراءة والبعد عما وصفوه به ; لأن المنافاة بين الواجب لذاته والممكن لذاته ، وبين القديم والمحدث ، وبين الغني والمحتاج منافاة لا تقبل الزيادة ، ونسبة التسبيح للسماوات والأرض ومن فيهن من ملك وإنس وجن حمله بعضهم على النطق بالتسبيح حقيقة ، وأن ما لا حياة فيه ولا نمو يحدث الله له نطقا وهذا هو ظاهر اللفظ ، ولذلك جاء (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=44nindex.php?page=treesubj&link=28988ولكن لا تفقهون تسبيحهم ) . وقال بعضهم : ما كان من نام حيوان وغيره يسبح حقيقة ، وبه قال
عكرمة قال : الشجرة تسبح والأسطوانة لا تسبح .
وسئل
الحسن عن الخوان : أيسبح ؟ فقال : قد كان يسبح مرة يشير إلى أنه حين كان شجرة كان يسبح ، وحين صار خوانا مدهونا صار جمادا لا يسبح . وقيل : التسبيح المنسوب لما لا يعقل مجاز ، ومعناه : أنها تسبح بلسان الحال حيث يدل على الصانع وعلى قدرته وحكمته وكماله ، فكأنها تنطق بذلك وكأنها تنزه الله عما لا يجوز عليه من الشركاء وغيرها . ويكون قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=44ولكن لا تفقهون تسبيحهم )
[ ص: 41 ] خطابا للمشركين ، وهم وإن كانوا معترفين بالخالق أنه الله ، لكنهم لما جعلوا معه آلهة لم ينظروا ولم يقروا ; لأن نتيجة النظر الصحيح والإقرار الثابت خلاف ما كانوا عليه ، فإذا لم يفقهوا التسبيح ولم يستوضحوا الدلالة على الخالق فيكون التسبيح المسند إلى السماوات والأرض ومن فيهن على سبيل المجاز قدرا مشتركا بين الجميع ، وإن كان يصدر التسبيح حقيقة ممن فيهن من ملك وإنس وجان ، ولا يحمل نسبته إلى السماوات والأرض على المجاز ، ونسبته إلى الملائكة والثقلين على الحقيقة ; لئلا يكون جمعا بين المجاز والحقيقة بلفظ واحد .
وقال
ابن عطية : ثم أعاد على السماوات والأرض ضمير من يعقل لما أسند إليها فعل العاقل وهو التسبيح . انتهى . ويعنى بالضمير في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=44ومن فيهن ) وكأنه تخيل أن ( هن ) لا يكون إلا لمن يعقل من المؤنثات ، وليس كما تخيل بل ( هن ) يكون ضمير الجمع المؤنث مطلقا . وقرأ النحويان
وحمزة وحفص : تسبح بالتاء من فوق وباقي السبعة بالياء ، وفي بعض المصاحف " سبحت " له السماوات بلفظ الماضي وتاء التأنيث ، وهي قراءة
عبد الله nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش nindex.php?page=showalam&ids=16258وطلحة بن مصرف . (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=44إنه كان حليما ) حيث لا يعاجلكم بالعقوبة على سوء نظركم (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=44غفورا ) إن رجعتم ووحدتم الله تعالى .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=32nindex.php?page=treesubj&link=28988وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=34وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=35وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) .
[ ص: 33 ] لَمَّا نَهَى تَعَالَى عَنْ قَتْلِ الْأَوْلَادِ نَهَى عَنِ التَّسَبُّبِ فِي إِيجَادِهِ مِنَ الطَّرِيقِ غَيْرِ الْمَشْرُوعَةِ ، فَنَهَى عَنْ قُرْبَانِ الزِّنَا وَاسْتَلْزَمَ ذَلِكَ النَّهْيَ عَنِ الزِّنَا ، وَالزِّنَا الْأَكْثَرُ فِيهِ الْقَصْرُ وَيُمَدُّ لُغَةً لَا ضَرُورَةً ، هَكَذَا نَقَلَ اللُّغَوِيُّونَ . وَمِنَ الْمَدِّ قَوْلُ الشَّاعِرِ - وَهُوَ
nindex.php?page=showalam&ids=14899الْفَرَزْدَقُ :
أَبَا حَاضِرٍ مَنْ يَزْنِ يُعْرَفْ زِنَاؤُهُ وَمَنْ يَشْرَبِ الْخُرْطُومَ يُصْبِحْ مُسَكَّرَا
وَيُرْوَى :
أَبَا خَالِدٍ . وَقَالَ آخَرُ :
كَانَتْ فَرِيضَةَ مَا تَقُولُ كَمَا كَانَ الزِّنَاءُ فَرِيضَةَ الرَّجْمِ
وَكَانَ الْمَعْنَى لَمْ يَزَلْ أَيْ : لَمْ يَزَلْ فَاحِشَةً أَيْ : مَعْصِيَةً فَاحِشَةً أَيْ : قَبِيحَةً زَائِدَةً فِي الْقُبْحِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=32وَسَاءَ سَبِيلًا ) أَيْ : وَبِئْسَ طَرِيقًا طَرِيقُهُ ; لِأَنَّهَا سَبِيلٌ تُؤَدِّي إِلَى النَّارِ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَ ( سَبِيلًا ) نُصِبَ عَلَى التَّمْيِيزِ ، التَّقْدِيرُ : وَسَاءَ سَبِيلُهُ . انْتَهَى . وَإِذَا كَانَ ( سَبِيلًا ) نَصْبًا عَلَى التَّمْيِيزِ فَإِنَّمَا هُوَ تَمْيِيزٌ لِلْمُضْمَرِ الْمُسَّتكِنِّ فِي ( سَاءَ ) وَهُوَ مِنَ الْمُضْمَرِ الَّذِي يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَهُ ، وَالْمَخْصُوصُ بِالذَّمِّ مَحْذُوفٌ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَكُونُ تَقْدِيرُهُ : وَسَاءَ سَبِيلُهُ سَبِيلًا ; لِأَنَّهُ إِذْ ذَاكَ لَا يَكُونُ فَاعِلُهُ ضَمِيرًا يُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ مُفَسَّرًا بِالتَّمْيِيزِ ، وَيَبْقَى التَّقْدِيرُ أَيْضًا عَارِيًا عَنِ الْمَخْصُوصِ بِالذَّمِّ ، وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ) فِي أَوَاخِرِ الْأَنْعَامِ . قَالَ
الضَّحَّاكُ : هَذِهِ أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ فِي شَأْنِ الْقَتْلِ . انْتَهَى .
وَلَمَّا نَهَى عَنْ قَتْلِ الْأَوْلَادِ وَعَنْ إِيجَادِهِمْ مِنَ الطَّرِيقِ غَيْرِ الْمَشْرُوعَةِ نَهَى عَنْ قَتْلِ النَّفْسِ فَانْتَقَلَ مِنَ الْخَاصِّ إِلَى الْعَامِّ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا مَنْهِيَّاتٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَيْسَتْ مُنْدَرِجَةً تَحْتَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23وَقَضَى رَبُّكَ ) كَانْدِرَاجِ ( أَنْ لَا تَعْبُدُوا ) وَانْتَصَبَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33مَظْلُومًا ) عَلَى الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ الْمُسْتَكِنِّ فِي ( قُتِلَ ) وَالْمَعْنَى : أَنَّهُ قُتِلَ بِغَيْرِ حَقٍّ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ ) وَهُوَ الطَّالِبُ بِدَمِهِ شَرْعًا ، وَعِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ انْدِرَاجُ مَنْ يَرِثُ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ فِي الْوَلِيِّ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ عِنْدَهُمْ هُوَ الْوَارِثُ هُنَا . وَقَالَ
مَالِكٌ : لَيْسَ لِلنِّسَاءِ شَيْءٌ مِنَ الْقِصَاصِ ، وَإِنَّمَا الْقِصَاصُ لِلرِّجَالِ . وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=15990ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَالْحَكَمِ : لَيْسَ إِلَى النِّسَاءِ شَيْءٌ مِنَ الْعَفْوِ وَالدَّمِ ، وَلِلسُّلْطَانِ التَّسَلُّطُ عَلَى الْقَاتِلِ فِي الِاقْتِصَاصِ مِنْهُ أَوْ حُجَّةٌ يُثْبِتُ بِهَا عَلَيْهِ ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَالسُّلْطَانُ : الْحُجَّةُ وَالْمَلِكُ الَّذِي جَعَلَ إِلَيْهِ مِنَ التَّخْيِيرِ فِي قَبُولِ الدَّمِ أَوِ الْعَفْوِ قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ ، وَقَالَ
قَتَادَةُ : السُّلْطَانُ : الْقَوَدُ ، وَفِي كِتَابِ التَّحْرِيرِ : السُّلْطَانُ : الْقُوَّةُ وَالْوِلَايَةُ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : الْبَيِّنَةُ فِي طَلَبِ الْقَوَدِ ، وَقَالَ
الْحَسَنُ : الْقَوَدُ ، وَقَالَ
مُجَاهِدٌ : الْحُجَّةُ ، وَقَالَ
ابْنُ زَيْدٍ : الْوَالِي أَيْ : وَالِيًا يُنْصِفُهُ فِي حَقِّهِ ، وَالظَّاهِرُ : عَوْدُ الضَّمِيرِ فِي ( فَلَا يُسْرِفْ ) عَلَى الْوَلِيِّ ، وَالْإِسْرَافُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ : أَنْ يَقْتُلَ غَيْرَ الْقَاتِلِ قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ ، أَوْ يَقْتُلَ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ ، قَالَهُ
ابْنُ جُبَيْرٍ ، أَوْ أَشْرَفَ مِنَ الَّذِي قُتِلَ ، قَالَهُ
ابْنُ زَيْدٍ ، أَوْ يُمَثِّلَ ، قَالَهُ
قَتَادَةُ ، أَوْ يَتَوَلَّى الْقَاتِلُ دُونَ السُّلْطَانِ ، ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ .
وَقَالَ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ : السَّلْطَنَةُ مُجْمَلَةٌ يُفَسِّرُهَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ ) الْآيَةَ . وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَوْمَ الْفَتْحِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374630مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ إِنْ أَحَبُّوا قَتَلُوا وَإِنْ أَحَبُّوا أَخَذُوا الدِّيَةَ " . فَمَعْنَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ ) لَا يُقْدِمْ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْقَتْلِ ، وَيَكْتَفِي بِأَخْذِ الدِّيَةِ أَوْ يَمِيلُ إِلَى الْعَفْوِ ، وَلَفْظَةُ فِي مَحْمُولَةٌ عَلَى الْبَاءِ ، أَيْ : فَلَا يَصِيرُ مُسْرِفًا بِسَبَبِ إِقْدَامِهِ عَلَى الْقَتْلِ ، وَيَكُونُ مَعْنَاهُ التَّرْغِيبَ فِي الْعَفْوِ كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ) . انْتَهَى مُلَخَّصًا . وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ ( فِي ) بِمَعْنَى الْبَاءِ لَمْ يَكُنْ صَحِيحَ الْمَعْنَى ; لِأَنَّ مَنْ قَتَلَ بِحَقٍّ قَاتِلَ مُوَلِّيهِ لَا يَصِيرُ مُسْرِفًا بِقَتْلِهِ ، وَإِنَّمَا الظَّاهِرُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - النَّهْيُ عَمَّا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَفْعَلُهُ مِنْ قَتْلِ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ ، وَقَتْلِ غَيْرِ الْقَاتِلِ وَالْمُثْلَةِ وَمُكَافَأَةِ الَّذِي يَقْتُلُ مَنْ قَتَلَهُ . وَقَالَ
مُهَلْهَلٌ حِينَ قَتَلَ
بُجَيْرَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ عَبَّادٍ : بُؤْ بِشِسْعِ نَعْلِ
كُلَيْبٍ .
وَأَبْعَدَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الضَّمِيرَ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33فَلَا يُسْرِفْ ) لَيْسَ عَائِدًا عَلَى
[ ص: 34 ] الْوَلِيِّ ، وَإِنَّمَا يَعُودُ عَلَى الْعَامِلِ الدَّالِّ عَلَيْهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33وَمَنْ قُتِلَ أَيْ لَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ تَعَدِّيًا وَظُلْمًا فَيَقْتُلُ مَنْ لَيْسَ لَهُ قَتْلُهُ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33فَلَا يُسْرِفْ ) بِيَاءِ الْغَيْبَةِ . وَقَرَأَ الْأَخَوَانِ
nindex.php?page=showalam&ids=15948وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَحُذَيْفَةُ وَابْنُ وَثَّابٍ nindex.php?page=showalam&ids=13726وَالْأَعْمَشُ وَمُجَاهِدٌ بِخِلَافٍ وَجَمَاعَةٍ ، وَفِي نُسْخَةٍ مِنْ تَفْسِيرِ
ابْنِ عَطِيَّةَ وَابْنِ عَامِرٍ وَهُوَ وَهْمٌ بِتَاءِ الْخِطَابِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَى خِطَابِ الْوَلِيِّ فَالضَّمِيرُ لَهُ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرِيُّ : الْخِطَابُ لِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِهِ أَيْ : فَلَا تَقْتُلُوا غَيْرَ الْقَاتِلِ . انْتَهَى . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَقَرَأَ
أَبُو مُسْلِمٍ السَّرَّاجُ صَاحِبُ الدَّعْوَةِ الْعَبَّاسِيَّةِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : قَرَأَ
أَبُو مُسْلِمٍ صَاحِبُ الدَّوْلَةِ . وَقَالَ صَاحِبُ كِتَابِ اللَّوَامِحِ أَوْ
مُسْلِمٌ الْعِجْلِيُّ مَوْلَى صَاحِبِ الدَّوْلَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33فَلَا يُسْرِفْ ) بِضَمِّ الْفَاءِ عَلَى الْخَبَرِ ، وَمَعْنَاهُ النَّهْيُ ، وَقَدْ يَأْتِي الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ بِلَفْظِ الْخَبَرِ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ فِي الِاحْتِجَاجِ
بِأَبِي مُسْلِمٍ : فِي الْقِرَاءَةِ نَظَرٌ ، وَفِي قِرَاءَةِ
أُبَيٍّ " فَلَا تُسْرِفُوا فِي الْقَتْلِ " إِنَّ وَلِيَّ الْمَقْتُولِ كَانَ مَنْصُورًا . انْتَهَى . رَدَّهُ عَلَى وَلَا تَقْتُلُوا ، وَالْأَوْلَى حَمْلُ قَوْلِهِ إِنَّ وَلِيَّ الْمَقْتُولِ عَلَى التَّفْسِيرِ لَا عَلَى الْقِرَاءَةِ لِمُخَالَفَتِهِ السَّوَادَ ، وَلِأَنَّ الْمُسْتَفِيضَ عَنْهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ) كَقِرَاءَةِ الْجَمَاعَةِ ، وَالضَّمِيرُ فِي ( إِنَّهُ ) عَائِدٌ عَلَى الْوَلِيِّ لِتَنَاسُقِ الضَّمَائِرِ ، وَنَصْرُهُ إِيَّاهُ بِأَنْ أَوْجَبَ لَهُ الْقِصَاصَ ، فَلَا يُسْتَزَادُ عَلَى ذَلِكَ ، أَوْ نَصْرُهُ بِمَعُونَةِ السُّلْطَانِ وَبِإِظْهَارِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ ، وَقِيلَ : يَعُودُ الضَّمِيرُ عَلَى الْمَقْتُولِ نَصَرَهُ اللَّهُ حَيْثُ أَوْجَبَ الْقِصَاصَ بِقَتْلِهِ فِي الدُّنْيَا ، وَنَصَرَهُ بِالثَّوَابِ فِي الْآخِرَةِ ، قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَهُوَ أَرْجَحُ ; لِأَنَّهُ الْمَظْلُومُ ، وَلَفْظَةُ النَّصْرِ تُقَارِنُ الظُّلْمَ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374631وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ " وَكَقَوْلِهِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374632انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا " إِلَى كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْثِلَةِ . وَقِيلَ : عَلَى الْقَتْلِ . وَقَالَ
أَبُو عُبَيْدٍ : عَلَى الْقَاتِلِ ; لِأَنَّهُ إِذَا قُتِلَ فِي الدُّنْيَا وَخَلَصَ بِذَلِكَ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ فَقَدْ نُصِرَ ، وَهَذَا ضَعِيفٌ بَعِيدُ الْقَصْدِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَإِنَّمَا يَعْنِي أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِي أَنَّهُ الَّذِي يَقْتُلُهُ الْوَلِيِّ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيُسْرِفُ فِي قَتْلِهِ ، فَإِنَّهُ مَنْصُورٌ بِإِيجَابِ الْقِصَاصِ عَلَى الْمُسْرِفِ . انْتَهَى . وَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=34وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ) لَمَّا نَهَى عَنْ إِتْلَافِ النُّفُوسِ نَهَى عَنْ أَخْذِ الْأَمْوَالِ ، كَمَا قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374032فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ " . وَلَمَّا كَانَ الْيَتِيمُ ضَعِيفًا عَنْ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ مَالِهِ لِصِغَرِهِ نَصَّ عَلَى النَّهْيِ عَنْ قُرْبَانِ مَالِهِ ، وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ فِي أَوَاخِرِ الْأَنْعَامِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=34nindex.php?page=treesubj&link=28988وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ) عَامٌّ فِيمَا عَقَدَهُ الْإِنْسَانُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ ، أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آدَمِيٍّ فِي طَاعَةٍ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=34إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْعَهْدَ هُوَ الْمَسْئُولُ مِنَ الْمُعَاهِدِ أَنْ يَفِيَ بِهِ وَلَا يَنْكُثَ وَلَا يُضَيِّعَهُ ، أَوْ يَكُونُ مِنْ بَابِ التَّخْيِيلِ ، كَأَنَّهُ يُقَالُ : لِلْعَهْدِ لِمَ نُكِثْتَ ، فَمُثِّلَ كَأَنَّهُ ذَاتٌ مِنَ الذَّوَاتِ تُسْأَلُ لِمَ نُكِثَتْ دَلَالَةً عَلَى الْمُطَاوَعَةِ بِنَكْثِهِ وَإِلْزَامِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى نَكْثِهِ ، كَمَا جَاءَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=8وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ) فِيمَنْ قَرَأَ بِسُكُونِ اللَّامِ وَكَسْرِ التَّاءِ الَّتِي لِلْخِطَابِ . وَقِيلَ : هُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ : إِنَّ ذَا الْعَهْدِ كَانَ مَسْئُولًا عَنْهُ إِنْ لَمْ يَفِ بِهِ .
ثُمَّ أَمَرَ تَعَالَى بِإِيفَاءِ الْكَيْلِ وَبِالْوَزْنِ الْمُسْتَقِيمِ ، وَذَلِكَ مِمَّا يَرْجِعُ إِلَى الْمُعَامَلَةِ بِالْأَمْوَالِ . وَفِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=35وَأَوْفُوا الْكَيْلَ ) دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْكَيْلَ هُوَ عَلَى الْبَائِعِ ; لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي . وَقَالَ
الْحَسَنُ : ( الْقِسْطَاسُ ) الْقَبَّانُ وَهُوَ الْفِلَسْطُونُ ، وَيُقَالُ : الْقَرَسْطُونُ . وَقَالَ
مُجَاهِدٌ : ( الْقِسْطَاسُ ) الْعَدْلُ لَا أَنَّهُ آلَةٌ . وَقَرَأَ الْأَخَوَانِ
وَحَفْصٌ بِكَسْرِ الْقَافِ ، وَبَاقِي السَّبْعَةِ بِضَمِّهَا وَهُمَا لُغَتَانِ ، وَقَرَأَتْ فِرْقَةٌ بِالْإِبْدَالِ مِنَ السِّينِ الْأُولَى صَادًا . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَاللَّفْظِيَّةُ لِلْمُبَالَغَةِ مِنَ الْقِسْطِ . انْتَهَى . وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْقِسْطِ لِاخْتِلَافِ الْمَادَّتَيْنِ ; لِأَنَّ الْقِسْطَ مَادَّتُهُ ( ق س ط ) ، وَذَلِكَ مَادَّتُهُ ( ق س ط س ) إِلَّا أَنِ اعْتُقِدَ زِيَادَةُ السِّينِ آخِرًا كَسِينِ قُدْمُوسَ وَضُغْبُوسَ وَعُرْفَاسَ ، فَيُمْكِنُ لَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَوَاضِعِ زِيَادَةِ السِّينِ الْمَقِيسَةِ ، وَالتَّقْيِيدُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=35إِذَا كِلْتُمْ ) أَيْ : وَقْتَ كَيْلِكُمْ عَلَى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ ، وَأَنْ لَا يَتَأَخَّرَ الْإِيفَاءُ بِأَنْ
[ ص: 35 ] يَكِيلَ بِهِ بِنُقْصَانٍ مَا ثُمَّ يُوَفِّيهِ بَعْدُ فَلَا يَتَأَخَّرُ الْإِيفَاءُ عَنْ وَقْتِ الْكَيْلِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=35ذَلِكَ خَيْرٌ ) أَيِ : الْإِيفَاءُ وَالْوَزْنُ ; لِأَنَّ فِيهِ تَطْيِيبَ النُّفُوسِ بِالِاتِّسَامِ بِالْعَدْلِ وَالْإِيصَالِ لِلْحَقِّ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=35وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) أَيْ : عَاقِبَةً ، إِذْ لَا يَبْقَى عَلَى الْمُوفِي وَالْوَازِنِ تَبِعَةٌ لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ ، وَهُوَ مِنَ الْمَآلِ وَهُوَ الْمَرْجِعُ كَمَا قَالَ : خَيْرٌ مَرَدًّا ، خَيْرٌ عُقْبًا ، خَيْرٌ أَمَلًا وَإِنَّمَا كَانَتْ عَاقِبَتُهُ أَحْسُنُ ; لِأَنَّهُ اشْتُهِرَ بِالِاحْتِرَازِ عَنِ التَّطْفِيفِ ، فَعُوِّلَ عَلَيْهِ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَمَالَتِ الْقُلُوبُ إِلَيْهِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36nindex.php?page=treesubj&link=28988وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=37وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=38كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا ) .
[ ص: 36 ] لَمَّا أَمَرَ تَعَالَى بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ : الْإِيفَاءِ بِالْعَهْدِ ، وَالْإِيفَاءِ بِالْكَيْلِ ، وَالْوَزْنِ بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ، أَتْبَعَ ذَلِكَ بِثَلَاثَةِ مَنَاهٍ : ( وَلَا تَقْفُ ) ( وَلَا تَمْشِ ) ( وَلَا تَجْعَلْ ) . وَمَعْنَى ( وَلَا تَقْفُ ) لَا تَتَّبِعْ مَا لَا عِلْمَ لَكَ بِهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ ، نَهَى أَنْ نَقُولَ مَا لَا نَعْلَمُ وَأَنْ نَعْمَلَ بِمَا لَا نَعْلَمُ ، وَيَدْخُلُ فِيهِ النَّهْيُ عَنِ اتِّبَاعِ التَّقْلِيدِ ; لِأَنَّهُ اتِّبَاعٌ بِمَا لَا يُعْلَمُ صِحَّتُهُ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : مَعْنَاهُ لَا تَرْمِ أَحَدًا بِمَا لَا تَعْلَمُ . وَقَالَ
قَتَادَةُ : لَا تَقُلْ : رَأَيْتُ وَلَمْ تَرَهْ ، وَسَمِعْتُ وَلَمْ تَسْمَعْهُ ، وَعَلِمْتُ وَلَمْ تَعْلَمْهُ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12691مُحَمَّدُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ : لَا تَشْهَدْ بِالزُّورِ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَلَا تَقُلْ : لَكِنَّهَا كَلِمَةٌ تُسْتَعْمَلُ فِي الْقَذْفِ وَالْعَضْهِ . انْتَهَى . وَفِي الْحَدِيثِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374633مَنْ قَفَا مُؤْمِنًا بِمَا لَيْسَ فِيهِ حَبَسَهُ اللَّهُ فِي رَدْغَةِ الْخَبَالِ حَتَّى يَأْتِيَ بِالْمَخْرَجِ " . وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ أَيْضًا : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374634نَحْنُ بَنُو النَّضْرِ بْنُ كِنَانَةَ لَا تَقْفُو مِنَّا وَلَا نَنْتَفِي مِنْ أَبِينَا " . وَمِنْهُ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=8572النَّابِغَةِ الْجَعْدِيِّ :
وَمِثْلُ الدُّمَى شُمُّ الْعِرَانِينَ سَاكِنٌ بِهِنَّ الْحَيَا لَا يَتَّبِعْنَ التَّقَافِيَا
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15102الْكُمَيْتُ :
فَلَا أَرْمِي الْبَرِيءَ بِغَيْرِ ذَنْبٍ وَلَا أَقْفُو الْحَوَاضِنَ إِنْ قُفِينَا
وَحَاصِلُ هَذَا أَنَّهُ نَهَى عَنِ اتِّبَاعِ مَا لَا يَكُونُ مَعْلُومًا ، وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ كُلِّيَّةٌ تَنْدَرِجُ تَحْتَهَا أَنْوَاعٌ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهِ مُبْطِلُ الِاجْتِهَادِ وَلَمْ يَصِحَّ ; لِأَنَّ ذَلِكَ نَوْعٌ مِنَ الْعِلْمِ ، وَقَدْ أَقَامَ الشَّرْعُ غَالِبَ الظَّنِّ مَقَامَ الْعِلْمِ وَأَمَرَ بِالْعَمَلِ بِهِ . انْتَهَى . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36وَلَا تَقْفُ ) بِحَذْفِ الْوَاوِ لِلْجَزْمِ مُضَارِعُ قَفَا . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=15948زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ " وَلَا تَقْفُو " بِإِثْبَاتِ الْوَاوِ . كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ :
هَجَوْتَ زَبَّانَ ثُمَّ جِئْتَ مُعْتَذِرًا مِنْ هَجْوِ زَبَّانَ لَمْ تَهْجُو وَلَمْ تَدَعِ
وَإِثْبَاتُ الْوَاوِ وَالْيَاءِ وَالْأَلِفِ مَعَ الْجَازِمِ لُغَةٌ لِبَعْضِ الْعَرَبِ وَضَرُورَةٌ لِغَيْرِهِمْ . وَقَرَأَ
مُعَاذٌ الْقَارِئُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36وَلَا تَقْفُ ) مِثْلَ تَقُلْ ، مِنْ قَافَ يَقُوفُ ، تَقُولُ الْعَرَبُ : قُفْتُ أَثَرَهُ وَقَفَوْتُ أَثَرَهُ ، وَهُمَا لُغَتَانِ لِوُجُودِ التَّصَارِيفِ فِيهِمَا كَجَبَذَ وَجَذَبَ ، وَقَاعَ الْجَمَلُ النَّاقَةَ وَقَعَاهَا إِذَا رَكِبَهَا ، وَلَيْسَ قَافَ مَقْلُوبًا مِنْ قَفَا كَمَا جَوَّزَهُ صَاحِبُ اللَّوَامِحِ . وَقَرَأَ
الْجَرَّاحُ الْعُقَيْلِيُّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36وَالْفُؤَادَ ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالْوَاوِ قُلِبَتِ الْهَمْزَةُ وَاوًا بَعْدَ الضَّمَّةِ فِي الْفُؤَادِ ثُمَّ اسْتُصْحِبَ الْقَلْبُ مَعَ الْفَتْحِ وَهِيَ لُغَةٌ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=11الْفُؤَادُ ) وَأَنْكَرَهَا
أَبُو حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ وَبِهِ لَا تَتَعَلَّقُ بِعَلَمٍ ; لِأَنَّهُ يَتَقَدَّمُ مَعْمُولُهُ عَلَيْهِ . قَالَ
الْحَوْفِيُّ : يَتَعَلَّقُ بِمَا تَعَلَّقَ بِهِ ( لَكَ ) وَهُوَ الِاسْتِقْرَارُ وَهُوَ لَا يَظْهَرُ ، وَفِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ ) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعُلُومَ مُسْتَفَادَةٌ مِنَ الْحَوَاسِّ وَمِنَ الْعُقُولِ ، وَجَاءَ هَذَا عَلَى التَّرْتِيبِ الْقُرْآنِيِّ فِي الْبَدَاءَةِ بِالسَّمْعِ ، ثُمَّ يَلِيهِ الْبَصَرُ ، ثُمَّ يَلِيهِ الْفُؤَادُ . وَ ( أُولَئِكَ ) إِشَارَةٌ إِلَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ ) وَهُوَ اسْمُ إِشَارَةٍ لِلْجَمْعِ الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ الْعَاقِلِ وَغَيْرِهِ . وَتَخَيَّلَ
ابْنُ عَطِيَّةَ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْعَاقِلِ ، فَقَالَ : وَعَبَّرَ عَنِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ ) بِأُولَئِكَ ; لِأَنَّهَا حَوَاسٌّ لَهَا إِدْرَاكٌ ، وَجَعَلَهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَسْئُولَةً فَهِيَ حَالَةُ مَنْ يَعْقِلُ ، وَلِذَلِكَ عَبَّرَ عَنْهَا بِأُولَئِكَ . وَقَدْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=4رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ) إِنَّمَا قَالَ : رَأَيْتُهُمْ فِي نُجُومٍ ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا وَصَفَهَا بِالسُّجُودِ وَهُوَ مِنْ فِعْلِ مَنْ يَعْقِلُ عَبَّرَ عَنْهَا بِكِنَايَةِ مَنْ يَعْقِلُ . وَحَكَى
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ أَنَّ الْعَرَبَ تُعَبِّرُ عَمَّنْ يَعْقِلُ وَعَمَّا لَا يَعْقِلُ بِأُولَئِكَ ، وَأَنْشَدَ هُوَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935وَالطَّبَرِيُّ :
ذُمَّ الْمَنَازِلَ بَعْدَ مَنْزِلَةِ اللِّوَى وَالْعَيْشَ بَعْدَ أُولَئِكَ الْأَيَّامِ
[ ص: 37 ] وَأَمَّا حِكَايَةُ
أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ اللُّغَةِ فَأَمْرٌ يُوقَفُ عِنْدَهُ ، وَأَمَّا الْبَيْتُ فَالرِّوَايَةُ فِيهِ : الْأَقْوَامُ . انْتَهَى . وَلَيْسَ مَا تَخَيَّلَهُ صَحِيحًا ، وَالنُّحَاةُ يُنْشِدُونَهُ بَعْدَ أُولَئِكَ الْأَيَّامِ وَلَمْ يَكُونُوا لِيُنْشِدُوا إِلَّا مَا رُوِيَ ، وَإِطْلَاقُ أُولَاءِ وَأُولَاكَ وَأُولَئِكَ وَأُولَالِكَ عَلَى مَا لَا يَعْقِلُ لَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِيهِ ، وَ ( كُلُّ ) مُبْتَدَأٌ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُهُ ، وَاسْمُ ( كَانَ ) عَائِدٌ عَلَى ( كُلُّ ) وَكَذَا الضَّمِيرُ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36مَسْئُولًا ) . وَالضَّمِيرُ فِي ( عَنْهُ ) عَائِدٌ عَلَى مَا مِنْ قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ ) يُسْأَلُ عَمَّا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ أَيْ : عَنِ انْتِفَاءِ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ ، وَهَذَا الظَّاهِرُ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ : يُسْتَشْهَدُ بِهَا كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=24يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ ) . وَقَالَ
الْقُرْطُبِيُّ فِي أَحْكَامِهِ : يُسْأَلُ الْفُؤَادُ عَمَّا اعْتَقَدَهُ ، وَالسَّمْعُ عَمَّا سَمِعَ ، وَالْبَصَرُ عَمَّا رَأَى . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَسْأَلُ سَمْعَ الْإِنْسَانِ وَبَصَرَهُ وَفُؤَادَهُ عَمَّا قَالَ مِمَّا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ ، فَيَقَعُ تَكْذِيبُهُ مِنْ جَوَارِحِهِ وَتِلْكَ غَايَةُ الْخِزْيِ . وَقِيلَ : الضَّمِيرُ فِي ( كَانَ ) وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36مَسْئُولًا ) عَائِدَانِ عَلَى الْقَائِفِ مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ ، وَالضَّمِيرُ فِي ( عَنْهُ ) عَائِدٌ عَلَى ( كُلُّ ) فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنَ الِالْتِفَاتِ إِذْ لَوْ كَانَ عَلَى الْخِطَابِ لَكَانَ التَّرْكِيبُ كُلُّ أُولَئِكَ كُنْتَ عَنْهُ مَسْئُولًا .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَ ( عَنْهُ ) فِي مَوْضِعِ الرَّفْعِ بِالْفَاعِلِيَّةِ ، أَيْ : كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا كَانَ مَسْئُولًا عَنْهُ ، فَمَسْئُولٌ مُسْنَدٌ إِلَى الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ كَالْمَغْضُوبِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ) يُقَالُ لِلْإِنْسَانِ : لِمَ سَمِعْتَ مَا لَا يَحِلُّ لَكَ سَمَاعُهُ ؟ وَلِمَ نَظَرْتَ مَا لَمْ يَحِلَّ لَكَ النَّظَرُ إِلَيْهِ ؟ وَلِمَ عَزَمْتَ عَلَى مَا لَمْ يَحِلَّ لَكَ الْعَزْمُ عَلَيْهِ ؟ . انْتَهَى . وَهَذَا الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ مِنْ أَنَّ ( عَنْهُ ) فِي مَوْضِعِ الرَّفْعِ بِالْفَاعِلِيَّةِ ، وَيَعْنِي بِهِ أَنَّهُ مَفْعُولٌ لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ لَا يَجُوزُ ; لِأَنَّ الْجَارَّ وَالْمَجْرُورَ وَمَا يُقَامُ مَقَامَ الْفَاعِلِ مِنْ مَفْعُولٍ بِهِ وَمَصْدَرٍ وَظَرْفٍ بِشُرُوطِهِمَا جَارٍ مَجْرَى الْفَاعِلِ ، فَكَمَا أَنَّ الْفَاعِلَ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ ، فَكَذَلِكَ مَا جَرَى مَجْرَاهُ وَأُقِيمُ مَقَامَهُ ، فَإِذَا قُلْتَ : غَضِبَ عَلَى زَيْدٍ ، فَلَا يَجُوزُ : عَلَى زَيْدٍ غَضِبَ ، بِخِلَافِ : غَضِبْتُ عَلَى زَيْدٍ ، فَيَجُوزُ : عَلَى زَيْدٍ غَضِبْتُ ، وَقَدْ حَكَى الِاتِّفَاقَ مِنَ النَّحْوِيِّينَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ الَّذِي يُقَامُ مَقَامَ الْفَاعِلِ عَلَى الْفِعْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=12940أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْمُقْنِعِ مِنْ تَأْلِيفِهِ ، فَلَيْسَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36عَنْهُ مَسْئُولًا ) كَالْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ لِتَقَدُّمِ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36عَنْهُ مَسْئُولًا ) وَتَأْخِيرِهِ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ) وَقَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيِّ : وَلِمَ نَظَرْتَ مَا لَمْ يَحِلَّ لَكَ أَسْقَطَ إِلَى ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ إِلَّا إِنْ جَاءَ فِي ضَرُورَةِ شِعْرٍ ; لِأَنَّ نَظَرَ يَتَعَدَّى بِإِلَى فَكَانَ التَّرْكِيبُ ، وَلِمَ نَظَرْتَ إِلَى مَا لَمْ يَحِلَّ لَكَ كَمَا قَالَ : النَّظَرُ إِلَيْهِ فَعَدَّاهُ بِإِلَى .
وَانْتَصَبَ ( مَرَحًا ) عَلَى الْحَالِ أَيْ : مَرِحًا ، كَمَا تَقُولُ : جَاءَ زَيْدٌ رَكْضًا أَيْ : رَاكِضًا ، أَوْ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ : ذَا مَرَحٍ ، وَأَجَازَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا مِنْ أَجْلِهِ أَيْ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ لِلْمَرَحِ وَلَا يَظْهَرُ ذَلِكَ ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمَرَحَ هُوَ السُّرُورُ وَالِاغْتِبَاطُ بِالرَّاحَةِ وَالْفَرَحِ وَكَأَنَّهُ ضُمِّنَ مَعْنَى الِاخْتِيَالِ ; لِأَنَّ غَلَبَةَ السُّرُورِ وَالْفَرَحِ يَصْحَبُهَا التَّكَبُّرُ وَالِاخْتِيَالُ ، وَلِذَلِكَ عُلِّلَ بِقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=37إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ ) .
وَقَرَأَتْ فِرْقَةٌ فِيمَا حَكَى
يَعْقُوبُ : " مَرِحًا " بِكَسْرِ الرَّاءِ وَهُوَ حَالٌ ، أَيْ : لَا تَمْشِ مُتَكَبِّرًا مُخْتَالًا . قَالَ
مُجَاهِدٌ : لَنْ تَخْرِقَ بِمَشْيِكَ عَلَى عَقِبَيْكَ كِبْرًا وَتَنَعُّمًا (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=37وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ ) بِالْمَشْيِ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْكَ تَفَاخُرًا ، وَ ( طُولًا ) وَالتَّأْوِيلُ : أَنَّ قُدْرَتَكَ لَا تَبْلُغُ هَذَا الْمَبْلَغَ فَيَكُونُ ذَلِكَ وَصْلَةً إِلَى الِاخْتِيَالِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=37nindex.php?page=treesubj&link=28988لَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ ) مُخْتَالًا فَخُورًا ، وَنَظِيرُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=63وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا ) وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=19اقْصِدْ فِي مَشْيِكَ ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=18وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=37لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ ) لَنْ تَجْعَلَ فِيهَا خَرْقًا بِدَوْسِكَ لَهَا وَشِدَّةِ وَطْئِكَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=37وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا ) بِتَطَاوُلِكَ ، وَهُوَ تَهَكُّمٌ بِالْمُخْتَالِ . وَقَرَأَ
الْجَرَّاحُ الْأَعْرَابِيُّ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=37لَنْ تَخْرِقَ " بِضَمِّ الرَّاءِ . قَالَ
أَبُو حَاتِمٍ : لَا تُعْرَفُ هَذِهِ اللُّغَةُ . وَقِيلَ : أُشِيرَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ مَحْصُورٌ بَيْنَ جَمَادَيْنِ ، ضَعِيفٌ عَنِ التَّأْثِيرِ فِيهِمَا بِالْخَرْقِ وَبُلُوغِ الطُّولِ وَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ لَا يَلِيقُ بِهِ التَّكَبُّرُ . وَقَالَ الشَّاعِرُ :
[ ص: 38 ] وَلَا تَمْشِ فَوْقَ الْأَرْضِ إِلَّا تَوَاضُعًا فَكَمْ تَحْتَهَا قَوْمٌ هُمْ مِنْكَ أَرْفَعُ
، وَالْأَجْوَدُ انْتِصَابُ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=37طُولًا ) عَلَى التَّمْيِيزِ ، أَيْ : لَنْ يَبْلُغَ طُولُكَ الْجِبَالَ ، وَقَالَ
الْحَوْفِيُّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=37طُولًا ) نُصِبَ عَلَى الْحَالِ ، وَالْعَامِلُ فِي الْحَالِ ( تَبْلُغَ ) وَيَجُوزَ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ تَخْرِقَ ، وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=37طُولًا ) بِمَعْنَى مُتَطَاوِلٍ . انْتَهَى . وَقَالَ
أَبُو الْبَقَاءِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=37طُولًا ) مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الْفَاعِلِ أَوِ الْمَفْعُولِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَمْيِيزًا وَمَفْعُولًا لَهُ وَمَصْدَرًا مِنْ مَعْنَى تَبْلُغَ . انْتَهَى . وَقَرَأَ الْحَرَمِيَّانِ
وَأَبُو عَمْرٍو وَأَبُو جَعْفَرٍ nindex.php?page=showalam&ids=13723وَالْأَعْرَجُ " سَيِّئَةً " بِالنَّصْبِ وَالتَّأْنِيثِ . وَقَرَأَ بَاقِي السَّبْعَةِ
وَالْحَسَنُ وَمَسْرُوقٌ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=38سَيِّئُهُ ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مُضَافًا لِهَاءِ الْمُذَكَّرِ الْغَائِبِ ، وَقَرَأَ
عَبْدُ اللَّهِ " سَيِّئَاتُهُ " بِالْجَمْعِ مُضَافًا لِلْهَاءِ ، وَعَنْهُ أَيْضًا " سَيِّئَاتٌ " بِغَيْرِهَا ، وَعَنْهُ أَيْضًا " كَانَ خَبِيثُهُ " . فَأَمَّا الْقِرَاءَةُ الْأُولَى فَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى مَصْدَرَيِ النَّهْيَيْنِ السَّابِقَيْنِ ، وَهُمَا : قَفْوُ مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ ، وَالْمَشْيُ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا . وَقِيلَ : إِشَارَةٌ إِلَى جَمِيعِ الْمَنَاهِي الْمَذْكُورَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ ، وَسَيِّئَةٌ خَبَرُ كَانَ وَأُنِّثَ ، ثُمَّ قَالَ : مَكْرُوهًا فَذُكِّرَ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : السَّيِّئَةُ فِي حُكْمِ الْأَسْمَاءِ بِمَنْزِلَةِ الذَّنْبِ ، وَالِاسْمُ زَالَ عَنْهُ حُكْمُ الصِّفَاتِ فَلَا اعْتِبَارَ بِتَأْنِيثِهِ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ قَرَأَ سَيِّئَةً وَمَنْ قَرَأَ سَيِّئًا ، أَلَا تَرَاكَ تَقُولُ : الزِّنَا سَيِّئَةٌ كَمَا تَقُولُ السَّرِقَةُ سَيِّئَةٌ ، فَلَا تُفَرِّقُ بَيْنَ إِسْنَادِهَا إِلَى مُذَكَّرٍ وَمُؤَنَّثٍ . انْتَهَى . وَهُوَ تَخْرِيجٌ حَسَنٌ .
وَقِيلَ : ذَكَرَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=38مَكْرُوهًا ) عَلَى لَفْظِ ( كُلُّ ) وَجَوَّزُوا فِي ( مَكْرُوهًا ) أَنْ يَكُونَ خَبَرًا ثَانِيًا لِكَانَ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُجِيزُ تَعْدَادَ الْأَخْبَارِ لِكَانَ ، وَأَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ سَيِّئَةٍ وَالْبَدَلُ بِالْمُشْتَقِّ ضَعِيفٌ ، وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ الْمُسْتَكِنِّ فِي الظَّرْفِ قَبْلَهُ ، وَالظَّرْفُ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ . قِيلَ : وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِسَيِّئَةٍ لَمَّا كَانَ تَأْنِيثُهَا مَجَازِيًّا جَازَ أَنْ تُوصَفَ بِمُذَكَّرٍ ، وَضُعِّفَ هَذَا بِأَنَّ جَوَازَ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ فِي الْإِسْنَادِ إِلَى الْمُؤَنَّثِ الْمَجَازِيِّ إِذَا تَقَدَّمَ ، أَمَّا إِذَا تَأَخَّرَ وَأُسْنِدَ إِلَى ضَمِيرِهَا فَهُوَ قَبِيحٌ ، تَقُولُ : أَبْقَلَ الْأَرْضُ إِبْقَالَهَا فَصِيحًا ، وَالْأَرْضُ أَبْقَلَ قَبِيحٌ ، وَأَمَّا مَنْ قَرَأَ ( سَيِّئُهُ ) بِالتَّذْكِيرِ وَالْإِضَافَةِ فَسَيِّئُهُ اسْمُ ( كَانَ ) وَ ( مَكْرُوهًا ) الْخَبَرُ ، وَلَمَّا تَقَدَّمَ مِنَ الْخِصَالِ مَا هُوَ سَيِّئٌ وَمَا هُوَ حَسَنٌ أُشِيرَ بِذَلِكَ إِلَى الْمَجْمُوعِ ، وَأُفْرِدَ سَيِّئَةٌ وَهُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ ، فَالْحُكْمُ عَلَيْهِ بِالْكَرَاهَةِ مِنْ قَوْلِهِ : لَا تَجْعَلْ إِلَى آخِرِ الْمَنْهِيَّاتِ . وَأَمَّا قِرَاءَةُ
عَبْدِ اللَّهِ فَتَتَخَرَّجُ عَلَى أَنْ يَكُونَ مِمَّا أُخْبِرَ فِيهِ عَنِ الْجَمْعِ إِخْبَارَ الْوَاحِدِ الْمُذَكَّرِ وَهُوَ قَلِيلٌ نَحْوُ قَوْلِهِ :
فَإِنَّ الْحَوَادِثَ أَوْدَى بِهَا
لِصَلَاحِيَةِ الْحِدْثَانِ مَكَانَ الْحَوَادِثِ ، وَكَذَلِكَ هَذَا أَيْضًا كَانَ مَا يَسُوءُ مَكَانَ سَيِّئَاتِهِ ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ التَّكَالِيفِ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=22لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ) إِلَى قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=37وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ) وَهِيَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ نَوْعًا مِنَ التَّكَالِيفِ بَعْضُهَا أَمْرٌ وَبَعْضُهَا نَهْيٌ بَدَأَهَا بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=22لَا تَجْعَلْ ) . وَاخْتَتَمَ الْآيَاتِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=39وَلَا تَجْعَلْ ) وَقَالَ : مِمَّا أَوْحَى ; لِأَنَّ ذَلِكَ بَعْضٌ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْهِ إِذْ أَوْحَى إِلَيْهِ بِتَكَالِيفَ أُخَرَ ، وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=39مِمَّا أَوْحَى ) خَبَرٌ عَنْ ذَلِكَ ، وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=39مِنَ الْحِكْمَةِ ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِأَوْحَى ، وَأَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ مَا ، وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ الْمَحْذُوفِ الْعَائِدِ عَلَى مَا وَكَانَتْ هَذِهِ التَّكَالِيفُ حِكْمَةً ; لِأَنَّ حَاصِلَهَا يَرْجِعُ إِلَى الْأَمْرِ بِالتَّوْحِيدِ ، وَأَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ وَالْإِعْرَاضِ عَنِ الدُّنْيَا وَالْإِقْبَالِ عَلَى الْآخِرَةِ ، وَالْعُقُولُ تَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهَا ، وَهِيَ شَرَائِعُ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ لَا تَقْبَلُ النَّسْخَ .
وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ : إِنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ كَانَتْ فِي أَلْوَاحِ
مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ ، أَوَّلُهَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=22لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ) قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=145وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ ) وَكَرَّرَ تَعَالَى النَّهْيَ عَنِ الشِّرْكِ ، فَفِي النَّهْيِ الْأَوَّلِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=22فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا ) وَفِي الثَّانِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=39فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَذْمُومٍ وَمَلُومٍ : أَنَّ كَوْنَهُ مَذْمُومًا أَنْ يَذْكُرَ أَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي أَقْدَمَ عَلَيْهِ قَبِيحٌ مُنْكَرٌ ، وَكَوْنَهُ مَلُومًا أَنْ يُقَالَ لَهُ بَعْدَ الْفِعْلِ وَذَمِّهِ : لِمَ فَعَلْتَ كَذَا ؟ وَمَا حَمَلَكَ عَلَيْهِ ؟ وَمَا اسْتَفَدْتَ مِنْهُ إِلَّا إِلْحَاقَ الضَّرَرِ بِنَفْسِكَ ، فَأَوَّلُ الْأَمْرِ الذَّمُّ وَآخِرُهُ اللَّوْمُ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَخْذُولٍ وَمَدْحُورٍ : أَنَّ الْمَخْذُولَ هُوَ الْمَتْرُوكُ إِعَانَتُهُ وَنَصْرُهُ وَالْمُفَوَّضُ إِلَى
[ ص: 39 ] نَفْسِهِ ، وَالْمَدْحُورُ الْمَطْرُودُ الْمُبْعَدُ عَلَى سَبِيلِ الْإِهَانَةِ لَهُ وَالِاسْتِخْفَافِ بِهِ ، فَأَوَّلُ الْأَمْرِ الْخِذْلَانُ وَآخِرُهُ الطَّرْدُ مُهَانًا . وَكَانَ وَصْفُ الذَّمِّ وَالْخِذْلَانِ يَكُونُ فِي الدُّنْيَا ، وَوَصْفُ اللَّوْمِ وَالدُّحُورِ يَكُونُ فِي الْآخِرَةِ ، وَلِذَلِكَ جَاءَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=39فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ ) وَالْخِطَابُ بِالنَّهْيِ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ لِلسَّامِعِ غَيْرِ الرَّسُولِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَلَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَعَلَا - فَاتِحَتَهَا وَخَاتِمَتَهَا النَّهْيَ عَنِ الشِّرْكِ ; لِأَنَّ التَّوْحِيدَ هُوَ رَأْسُ كُلِّ حِكْمَةٍ وَمِلَاكُهَا ، وَمَنْ عَدِمَهُ لَمْ تَنْفَعْهُ حِكَمُهُ وَعُلُومُهُ وَإِنْ بَذَّ فِيهَا الْحُكَمَاءَ وَحَكَّ بِيَافُوخِهِ السَّمَاءَ ، وَمَا أَغْنَتْ عَنِ الْفَلَاسِفَةِ أَسْفَارُ الْحِكَمِ وَهُمْ عَنْ دِينِ اللَّهِ أَضَلُّ مِنَ النَّعَمِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=40nindex.php?page=treesubj&link=28988أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=41وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=42قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=43سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=44تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ) .
لَمَّا نَبَّهَ تَعَالَى عَلَى فَسَادِ مَنْ أَثْبَتَ لِلَّهِ شَرِيكًا وَنَظِيرًا أَتْبَعَهُ بِفَسَادِ طَرِيقَةِ مَنْ أَثْبَتَ لِلَّهِ وَلَدًا ، وَالِاسْتِفْهَامُ مَعْنَاهُ الْإِنْكَارُ وَالتَّوْبِيخُ وَالْخِطَابُ لِمَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ وَمَعْنَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=40أَفَأَصْفَاكُمْ ) آثَرَكُمْ وَخَصَّكُمْ ، وَهَذَا كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=39أَلَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=21أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى ) وَهَذَا خِلَافُ الْحِكْمَةِ وَمَا عَلَيْهِ مَعْقُولُكُمْ وَعَادَتُكُمْ ، فَإِنَّ الْعَبِيدَ لَا يُؤْثَرُونَ بِأَجْوَدِ الْأَشْيَاءِ وَأَصْفَاهَا مِنَ الشَّوْبِ وَيَكُونُ أَرْدَؤُهَا وَأَدْوَنُهَا لِلسَّادَاتِ . وَمَعْنَى ( عَظِيمًا ) مُبَالَغًا فِي الْمُنْكَرِ وَالْقُبْحِ حَيْثُ أَضَفْتُمْ إِلَيْهِ الْأَوْلَادَ ، ثُمَّ حَيْثُ فَضَّلْتُمْ عَلَيْهِ تَعَالَى أَنْفُسَكُمْ فَجَعَلْتُمْ لَهُ مَا تَكْرَهُونَ ، ثُمَّ نِسْبَةُ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ هُمْ مِنْ شَرِيفِ مَا خَلَقَ إِلَى الْأُنُوثَةِ . وَمَعْنَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=41صَرَّفْنَا ) نَوَّعْنَا مِنْ جِهَةٍ إِلَى جِهَةٍ وَمِنْ مِثَالٍ إِلَى مِثَالٍ ، وَالتَّصْرِيفُ لُغَةً : صَرْفُ الشَّيْءِ مِنْ جِهَةٍ إِلَى جِهَةٍ ثُمَّ صَارَ كِنَايَةً عَنِ التَّبْيِينِ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=41صَرَّفْنَا ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ . فَقَالَ : لَمْ نَجْعَلْهُ نَوْعًا وَاحِدًا بَلْ وَعْدًا وَوَعِيدًا ، وَمُحْكَمًا وَمُتَشَابِهًا ، وَأَمْرًا وَنَهْيًا ، وَنَاسِخًا وَمَنْسُوخًا ، وَأَخْبَارًا وَأَمْثَالًا مِثْلَ تَصْرِيفِ الرِّيَاحِ مِنْ صَبًا وَدَبُورٍ وَجَنُوبٍ وَشَمَالٍ ، وَمَفْعُولُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=41صَرَّفْنَا ) عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مَحْذُوفٌ ، وَهِيَ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ أَيْ : صَرَّفْنَا الْأَمْثَالَ وَالْعِبَرَ وَالْحِكَمَ وَالْأَحْكَامَ وَالْأَعْلَامَ ، وَقِيلَ : الْمَعْنَى : لَمْ نُنْزِلْهُ مَرَّةً وَاحِدَةً بَلْ نُجُومًا ، وَمَعْنَاهُ : أَكْثَرْنَا صَرْفَ
جِبْرِيلَ إِلَيْكَ ، وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ أَيْ صَرَّفْنَا
جِبْرِيلَ .
وَقِيلَ : ( فِي ) زَائِدَةٌ ، أَيْ صَرَّفْنَا هَذَا الْقُرْآنَ كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=15وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ) وَهَذَا ضَعِيفٌ ; لِأَنَّ " فِي " لَا تُزَادُ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِهَذَا الْقُرْآنِ إِبْطَالَ إِضَافَتِهِمْ إِلَى اللَّهِ الْبَنَاتِ ; لِأَنَّهُ مِمَّا صَرَّفَهُ وَكَرَّرَ ذِكْرَهُ ، وَالْمَعْنَى : وَلَقَدْ
[ ص: 40 ] صَرَّفْنَا الْقَوْلَ فِي هَذَا الْمَعْنَى ، وَأَوْقَعْنَا التَّصْرِيفَ فِيهِ وَجَعَلْنَاهُ مَكَانًا لِلتَّكْرِيرِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يُشِيرَ بِهَذَا ( الْقُرْآنِ ) إِلَى التَّنْزِيلِ ، وَيُرِيدُ وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ يَعْنِي هَذَا الْمَعْنَى فِي مَوَاضِعَ مِنَ التَّنْزِيلِ ، فَتَرَكَ الضَّمِيرَ ; لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ . انْتَهَى . فَجَعَلَ التَّصْرِيفَ خَاصًّا بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ قَبْلَهُ وَجَعَلَ مَفْعُولَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=41صَرَّفْنَا ) إِمَّا الْقَوْلُ فِي هَذَا الْمَعْنَى أَوِ الْمَعْنَى وَهُوَ الضَّمِيرُ الَّذِي قَدَّرَهُ فِي صَرَّفْنَاهُ ، وَغَيْرُهُ جَعَلَ التَّصْرِيفَ عَامًّا فِي أَشْيَاءَ فَقَدَّرَ مَا يَشْمَلُ مَا سِيقَ لَهُ مَا قَبْلَهُ وَغَيْرَهُ . وَقَرَأَ
الْحَسَنُ بِتَخْفِيفِ الرَّاءِ . فَقَالَ صَاحِبُ اللَّوَامِحِ : هُوَ بِمَعْنَى الْعَامَّةِ ، يَعْنِي بِالْعَامَّةِ : قِرَاءَةَ الْجُمْهُورِ ، قَالَ : لِأَنَّ فَعَلَ وَفَعَّلَ رُبَّمَا تَعَاقَبَا عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : عَلَى مَعْنَى صَرَفْنَا فِيهِ النَّاسَ إِلَى الْهُدَى بِالدُّعَاءِ إِلَى اللَّهِ .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=41لِيَذَّكَّرُوا ) أَيْ : لِيَتَذَكَّرُوا مِنَ التَّذْكِيرِ ، أُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الذَّالِ ، وَقَرَأَ الْأَخَوَانِ
وَطَلْحَةُ وَابْنُ وَثَّابٍ nindex.php?page=showalam&ids=13726وَالْأَعْمَشُ " لِيَذْكُرُوا " بِسُكُونِ الذَّالِ وَضَمِّ الْكَافِ مِنَ الذِّكْرِ أَوِ الذُّكْرِ ، أَيْ : لِيَتَّعِظُوا وَيَعْتَبِرُوا وَيَنْظُرُوا فِيمَا يُحْتَجُّ بِهِ عَلَيْهِمْ وَيَطْمَئِنُّوا إِلَيْهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=41وَمَا يَزِيدُهُمْ ) أَيِ : التَّصْرِيفُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=41إِلَّا نُفُورًا ) أَيْ : بُعْدًا وَفِرَارًا عَنِ الْحَقِّ كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=125فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ ) وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=49فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=50كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ ) وَالنُّفُورُ مِنْ أَوْصَافِ الدَّوَابِّ الشَّدِيدَةِ الشِّمَاسِ ، وَلَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى نِسْبَةَ الْوَلَدِ إِلَيْهِمْ وَرَدَّ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ ذَكَرَ قَوْلَهُمْ أَنَّهُ تَعَالَى مَعَهُ آلِهَةٌ وَرَدَّ عَلَيْهِمْ .
وَقَرَأَ
ابْنُ كَثِيرٍ وَحَفْصٌ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=42كَمَا يَقُولُونَ ) بِالْيَاءِ مِنْ تَحْتَ ، وَالْجُمْهُورُ بِالتَّاءِ . وَمَعْنَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=42لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا ) إِلَى مُغَالَبَتِهِ وَإِفْسَادِ مُلْكِهِ ; لِأَنَّهُمْ شُرَكَاؤُهُ كَمَا يَفْعَلُ الْمُلُوكُ بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ ، وَقَالَ هَذَا الْمَعْنَى أَوْ مِثْلَهُ
ابْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ وَالنَّقَّاشُ وَالْمُتَكَلِّمُونَ
أَبُو مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُ ، وَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْآيَةُ بَيَانًا لِلتَّمَانُعِ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=22لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ) وَيَأْتِي تَفْسِيرُهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَقَالَ
قَتَادَةُ مَا مَعْنَاهُ : لَابْتَغَوْا إِلَى التَّقَرُّبِ إِلَى ذِي الْعَرْشِ وَالزُّلْفَى لَدَيْهِ ، وَكَانُوا يَقُولُونَ : إِنَّ الْأَصْنَامَ تُقَرِّبُهُمْ إِلَى اللَّهِ ، فَإِذَا عَلِمُوا أَنَّهَا تَحْتَاجُ إِلَى اللَّهِ فَقَدْ بَطَلَ كَوْنُهَا آلِهَةً ، وَيَكُونُ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=57أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ ) ، وَالْكَافُ مِنْ ( كَمَا ) فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ .
وَقَالَ
الْحَوْفِيُّ : مُتَعَلِّقَةٌ بِمَا تَعَلَّقَتْ بِهِ ( مَعَ ) وَهُوَ الِاسْتِقْرَارُ ، وَ ( مَعَهُ ) خَبَرُ كَانَ .
وَقَالَ
أَبُو الْبَقَاءِ : كَوْنًا لِقَوْلِكُمْ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَ ( إِذًا ) دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَهَا وَهُوَ ( لَابْتَغَوْا ) جَوَابٌ عَنْ مَقَالَةِ الْمُشْرِكِينَ وَجَزَاءٌ لِـ لَوْ . انْتَهَى . وَعُطِفَ ( وَتَعَالَى ) عَلَى قَوْلِهِ : ( سُبْحَانَهُ ) لِأَنَّهُ اسْمٌ قَامَ مَقَامَ الْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ فِي مَعْنَى الْفِعْلِ ، أَيْ : بَرَاءَةُ اللَّهِ وَقُدِّرَ تَنَزَّهَ ، وَتَعَالَى يَتَعَلَّقُ بِهِ عَلَى سَبِيلِ الْإِعْمَالِ إِذْ يَصِحُّ لِسُبْحَانَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ ( عَنْ ) كَمَا فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=180سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ) وَالتَّعَالِي فِي حَقِّهِ تَعَالَى هُوَ بِالْمَكَانَةِ لَا بِالْمَكَانِ . وَقَرَأَ الْأَخَوَانِ : " عَمَّا تَقُولُونَ " بِالتَّاءِ مِنْ فَوْقُ ، وَبَاقِي السَّبْعَةِ بِالْيَاءِ . وَانْتَصَبَ ( عُلُوًّا ) عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ عَلَى غَيْرِ الصَّدْرِ أَيْ : تَعَالِيًا ، وَوُصِفَ تَكْبِيرًا مُبَالَغَةً فِي مَعْنَى الْبَرَاءَةِ وَالْبُعْدِ عَمَّا وَصَفُوهُ بِهِ ; لِأَنَّ الْمُنَافَاةَ بَيْنَ الْوَاجِبِ لِذَاتِهِ وَالْمُمْكِنِ لِذَاتِهِ ، وَبَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْمُحْدَثِ ، وَبَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْمُحْتَاجِ مُنَافَاةٌ لَا تَقْبَلُ الزِّيَادَةَ ، وَنِسْبَةُ التَّسْبِيحِ لِلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ مِنْ مَلَكٍ وَإِنْسٍ وَجِنٍّ حَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى النُّطْقِ بِالتَّسْبِيحِ حَقِيقَةً ، وَأَنَّ مَا لَا حَيَاةَ فِيهِ وَلَا نُمُوَّ يُحْدِثُ اللَّهُ لَهُ نُطْقًا وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ ، وَلِذَلِكَ جَاءَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=44nindex.php?page=treesubj&link=28988وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ) . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : مَا كَانَ مِنْ نَامٍ حَيَوَانٍ وَغَيْرِهِ يُسَبِّحُ حَقِيقَةً ، وَبِهِ قَالَ
عِكْرِمَةُ قَالَ : الشَّجَرَةُ تُسَبِّحُ وَالْأُسْطُوَانَةُ لَا تُسَبِّحُ .
وَسُئِلَ
الْحَسَنُ عَنِ الْخِوَانِ : أَيُسَبِّحُ ؟ فَقَالَ : قَدْ كَانَ يُسَبِّحُ مَرَّةً يُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ حِينَ كَانَ شَجَرَةً كَانَ يُسَبِّحُ ، وَحِينَ صَارَ خُوَانًا مَدْهُونًا صَارَ جَمَادًا لَا يُسَبِّحُ . وَقِيلَ : التَّسْبِيحُ الْمَنْسُوبُ لِمَا لَا يَعْقِلُ مَجَازٌ ، وَمَعْنَاهُ : أَنَّهَا تُسَبِّحُ بِلِسَانِ الْحَالِ حَيْثُ يَدُلُّ عَلَى الصَّانِعِ وَعَلَى قُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ وَكَمَالِهِ ، فَكَأَنَّهَا تَنْطِقُ بِذَلِكَ وَكَأَنَّهَا تُنَزِّهُ اللَّهَ عَمَّا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ مِنَ الشُّرَكَاءِ وَغَيْرِهَا . وَيَكُونُ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=44وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ )
[ ص: 41 ] خِطَابًا لِلْمُشْرِكِينَ ، وَهُمْ وَإِنْ كَانُوا مُعْتَرِفِينَ بِالْخَالِقِ أَنَّهُ اللَّهُ ، لَكِنَّهُمْ لَمَّا جَعَلُوا مَعَهُ آلِهَةً لَمْ يَنْظُرُوا وَلَمْ يُقِرُّوا ; لِأَنَّ نَتِيجَةَ النَّظَرِ الصَّحِيحِ وَالْإِقْرَارِ الثَّابِتِ خِلَافُ مَا كَانُوا عَلَيْهِ ، فَإِذَا لَمْ يَفْقَهُوا التَّسْبِيحَ وَلَمْ يَسْتَوْضِحُوا الدَّلَالَةَ عَلَى الْخَالِقِ فَيَكُونُ التَّسْبِيحُ الْمُسْنَدُ إِلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ قَدْرًا مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْجَمِيعِ ، وَإِنْ كَانَ يَصْدُرُ التَّسْبِيحُ حَقِيقَةً مِمَّنْ فِيهِنَّ مِنْ مَلَكٍ وَإِنْسٍ وَجَانٍّ ، وَلَا يُحْمَلُ نِسْبَتُهُ إِلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَلَى الْمَجَازِ ، وَنِسْبَتُهُ إِلَى الْمَلَائِكَةِ وَالثَّقَلَيْنِ عَلَى الْحَقِيقَةِ ; لِئَلَّا يَكُونَ جَمْعًا بَيْنَ الْمَجَازِ وَالْحَقِيقَةِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ .
وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : ثُمَّ أَعَادَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ضَمِيرَ مَنْ يَعْقِلُ لَمَّا أَسْنَدَ إِلَيْهَا فِعْلَ الْعَاقِلِ وَهُوَ التَّسْبِيحُ . انْتَهَى . وَيُعْنَى بِالضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=44وَمَنْ فِيهِنَّ ) وَكَأَنَّهُ تُخُيِّلَ أَنَّ ( هُنَّ ) لَا يَكُونُ إِلَّا لِمَنْ يَعْقِلُ مِنَ الْمُؤَنَّثَاتِ ، وَلَيْسَ كَمَا تُخُيِّلَ بَلْ ( هُنَّ ) يَكُونُ ضَمِيرَ الْجَمْعِ الْمُؤَنَّثِ مُطْلَقًا . وَقَرَأَ النَّحْوِيَّانِ
وَحَمْزَةُ وَحَفْصٌ : تُسَبِّحُ بِالتَّاءِ مِنْ فَوْقُ وَبَاقِي السَّبْعَةِ بِالْيَاءِ ، وَفِي بَعْضِ الْمَصَاحِفِ " سَبَّحَتْ " لَهُ السَّمَاوَاتُ بِلَفْظِ الْمَاضِي وَتَاءِ التَّأْنِيثِ ، وَهِيَ قِرَاءَةُ
عَبْدِ اللَّهِ nindex.php?page=showalam&ids=13726وَالْأَعْمَشِ nindex.php?page=showalam&ids=16258وَطَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=44إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا ) حَيْثُ لَا يُعَاجِلُكُمْ بِالْعُقُوبَةِ عَلَى سُوءِ نَظَرِكُمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=44غَفُورًا ) إِنْ رَجَعْتُمْ وَوَحَّدْتُمُ اللَّهَ تَعَالَى .