[ ص: 238 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=25قال رب اشرح لي صدري nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=26ويسر لي أمري nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=27واحلل عقدة من لساني nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=28يفقهوا قولي nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=29واجعل لي وزيرا من أهلي nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=30هارون أخي nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=31اشدد به أزري nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=32وأشركه في أمري nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=33كي نسبحك كثيرا nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=34ونذكرك كثيرا nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=35إنك كنت بنا بصيرا nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=36قال قد أوتيت سؤلك يا موسى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=37ولقد مننا عليك مرة أخرى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=38إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=39أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=40إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا فلبثت سنين في أهل مدين ثم جئت على قدر ياموسى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=41واصطنعتك لنفسي ) .
لما أمره تعالى بالذهاب إلى
فرعون [ ص: 239 ] عرف أنه كلف أمرا عظيما يحتاج معه إلى احتمال ما لا يحتمله إلا ذو جأش رابط وصدر فسيح ، فسأل ربه ورغب في أن يشرح صدره ليحتمل ما يرد عليه من الشدائد التي يضيق لها الصدر ، وأن يسهل عليه أمره للذي هو خلافة الله في أرضه وما يصحبها من مزاولة جلائل الخطوب ، وقد علم ما عليه
فرعون من الجبروت والتمرد والتسلط . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : معناه وسع لي صدري لأعي عنك ما تودعه من وحيك . وقال
الكرماني : وسع قلبي ولينه لفهم خطابك وأداء رسالتك . والقيام بما كلفتنيه من أعبائها . والعقدة استعارة لثقل كان في لسانه خلقة .
وقال
مجاهد : كانت من الجمرة التي أدخلها فاه وكانت
آسية قد ألقى الله محبته في قلبها وسألت
فرعون أن لا يذبحه ، فبينا هي ترقصه يوما أخذه
فرعون في حجره ، فأخذ خصلة من لحيته . وقيل : لطمه . وقيل : ضربه بقضيب كان في يده . فغضب
فرعون فدعا بالسياف ، فقالت : إنما هو صبي لا يفرق بين الياقوت والجمر . فأحضر أو أراد أن يمد يده إلى الياقوت ، فحول
جبريل - عليه السلام - يده إلى الجمرة فأخذها ووضعها في فيه فاحترق لسانه ، انتهى . وإحراق النار وتأثيرها في لسانه لا في يده دليل على فساد قول القائلين بالطبيعة . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس كانت في لسانه رتة . وقيل : حدثت العقدة بعد المناجاة حتى لا يكلم أحدا بعدها . وقال
قطرب : كانت فيه مسكة عن الكلام . وقال
ابن عيسى : العقدة كالتمتمة والفأفأة . وطلب
موسى من حل العقدة قدر ما يفقه قوله ، قيل : وبقي بعضها لقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=34وأخي هارون هو أفصح مني لسانا ) ، وقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=52ولا يكاد يبين ) . وقيل : زالت لقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=36قد أوتيت سؤلك يا موسى ) وهو قول
الحسن ، قيل : وهو ضعيف ؛ لأنه لم يقل : واحلل العقدة ، بل قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=27عقدة ) فإذا حل عقدة فقد آتاه الله سؤله . وقيل في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=52ولا يكاد يبين ) أن معناه لا يأتي ببيان وحجة ، وإنما قال ذلك
فرعون تمويها ، وقد خاطبه وقومه ، وكانوا يفهمون عنه فكيف يمكن نفي البيان أو مقاربته ؟ .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : فإن قلت لي في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=25اشرح لي صدري ويسر لي أمري ) : ما جدواه والكلام بدونه مستتب ؟ قلت : قد أبهم الكلام أولا ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=25اشرح لي ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=26ويسر لي ) فعلم أن ثم مشروحا وميسرا ، ثم بين ورفع الإبهام فذكرهما ، فكان آكد لطلب الشرح والتيسير لصدره ، وأمره من أن يقول : اشرح صدري ويسر أمري ، على الإيضاح الشارح ؛ لأنه تكرير للمعنى الواحد من طريقي الإجمال والتفصيل . وقال أيضا : وفي تنكير العقدة وإن لم يقل (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=27واحلل عقدة ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=27لساني ) أنه طلب حل بعضها إرادة أن يفهم عنه فهما جيدا ولم يطلب الفصاحة الكاملة ، و (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=27من لساني ) صفة للعقدة ، كأنه قيل : عقدة من عقد لساني . انتهى . ويظهر أن (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=27من لساني ) متعلق باحلل ؛ لأن موضع الصفة لعقدة ، وكذا قال
الحوفي . وأجاز
أبو البقاء الوجهين ، والوزير المعين القائم بوزر الأمور ، أي : بثقلها ، فوزير الملك يتحمل عنه أوزاره ومؤنه . وقيل : من الوزر وهو الملجأ يلتجئ إليه الإنسان . وقال الشاعر :
من السباع الضواري دونه وزر والناس شرهم ما دونه وزر كم معشر سلموا لم يؤذهم سبع
وما نرى بشرا لم يؤذهم بشر
فالملك يعتصم برأيه ويلتجئ إليه في أموره . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي : هو من المؤازرة وهي المعاونة والمساعدة ، والقياس أزير ، وكذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ، قال : وكان القياس أزيرا فقلبت الهمزة إلى الواو ووجه قلبها أن فعيلا جاء في معنى مفاعل مجيأ صالحا ، كعشير وجليس وقعيد وخليل وصديق ونديم ، فلما قلب في أخيه قلبت فيه ، وحمل الشيء على نظيره ليس بعزيز . ونظرا إلى يوازر وأخواته وإلى الموازرة انتهى . ولا حاجة إلى ادعاء قلب الهمزة واوا ؛ لأن لنا اشتقاقا واضحا وهو الوزر ، وأما قلبها في يؤازر فلأجل
[ ص: 240 ] ضمة ما قبل الواو وهو أيضا إبدال غير لازم ، وجوزوا أن يكون (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=29لي وزيرا ) مفعولين لاجعل و ( هارون ) بدل أو عطف بيان ، وأن يكون (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=29وزيرا ) و ( هارون ) مفعوليه ، وقدم الثاني اعتناء بأمر الوزارة و (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=30أخي ) بدل من ( هارون ) في هذين الوجهين .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وإن جعل عطف بيان آخر جاز وحسن انتهى . ويبعد فيه عطف البيان ؛ لأن الأكثر في عطف البيان أن يكون الأول دونه في الشهرة ، والأمر هنا بالعكس . وجوزوا أن يكون (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=29وزيرا من أهلي ) هما المفعولان و ( لي ) مثل قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=4ولم يكن له كفوا أحد ) يعنون أنه به يتم المعنى . و ( هارون ) على ما تقدم . وجوزوا أن ينتصب ( هارون ) بفعل محذوف ، أي : اضمم إلي
هارون وهذا لا حاجة إليه ؛ لأن الكلام تام بدون هذا المحذوف .
وقرأ
الحسن nindex.php?page=showalam&ids=15948وزيد بن علي وابن عامر ( أشدد ) بفتح الهمزة ( وأشركه ) بضمها فعلا مضارعا مجزوما على جواب الأمر وعطف عليه ( وأشركه ) . وقال صاحب اللوامح عن
الحسن : أنه قرأ أشدد به مضارع شدد للتكثير والتكرير ، أي : كلما حزنني أمر شددت (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=31به أزري ) . وقرأ الجمهور : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=31اشدد ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=32وأشركه ) على معنى الدعاء في شد الأزر وتشريك
هارون في النبوة ، وكان الأمر في قراءة ابن عامر لا يريد به النبوة بل يريد تدبيره ومساعدته ؛ لأنه ليس
لموسى أن يشرك في النبوة أحدا . وفي مصحف
عبد الله ( أخي واشدد ) .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ويجوز فيمن قرأ على لفظ الأمر أن يجعل (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=30أخي ) مرفوعا على الابتداء و (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=31اشدد به ) خبره ويوقف على ( هارون ) انتهى . وهو خلاف الظاهر فلا يصار إليه لغير حاجة ، وكان
هارون أكبر من
موسى بأربعة أعوام ، وجعل
موسى ما رغب فيه وطلبه من نعم سببا تلزم منه العبادة والاجتهاد في أمر الله ، والتظافر على العبادة والتعاون فيها مثير للرغبة والتزيد من الخير .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=33كي نسبحك ) ننزهك عما لا يليق بك (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=34ونذكرك ) بالدعاء والثناء عليك وقدم التسبيح ؛ لأنه تنزيهه تعالى في ذاته وصفاته وبراءته عن النقائص ، ومحل ذلك القلب ، والذكر والثناء على الله بصفات الكمال ومحله اللسان ، فلذلك قدم ما محله القلب على ما محله اللسان . و ( كثيرا ) نعت لمصدر محذوف ، أو منصوب على الحال ، أي : نسبحك التسبيح في حال كثرتهم على ما ذهب إليه
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=35إنك كنت بنا بصيرا ) عالما بأحوالنا . والسؤل فعل بمعنى المسئول كالخبز والأكل بمعنى المخبوز والمأكول ، والمعنى أعطيت طلبتك وما سألته من شرح الصدر وتيسر الأمر وحل العقدة ، وجعل أخيك وزيرا وذلك من المنة عليه .
ثم ذكره تعالى تقديم منته عليه على سبيل التوقيف ليعظم اجتهاده وتقوى بصيرته و ( مرة ) معناه منة و ( أخرى ) تأنيث آخر بمعنى ( غير ) أي : منة غير هذه المنة ، وليست ( أخرى ) هنا بمعنى ( آخرة ) فتكون مقابلة للأولى ، وتخيل ذلك بعضهم فقال : سماها ( أخرى ) وهي أولى لأنها ( أخرى ) في الذكر ، والأخرى لفظ مشترك يكون تأنيث الآخر بفتح الخاء ، وتأنيث الآخر بمعنى آخره فهذه يلحظ فيها معنى التأخر . والمعنى أني قد حفظتك وأنت طفل رضيع فكيف لا أحفظك وقد أهلتك للرسالة . وفي قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=37مرة أخرى ) إجمال يفسره قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=38إذ أوحينا إلى أمك ) . قال الجمهور : هي وحي إلهام كقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=68وأوحى ربك إلى النحل ) . وقيل : وحي إعلام إما بإراءة ذلك في منام ، وإما ببعث ملك إليها لا على جهة النبوة كما بعث إلى
مريم ، وهذا هو الظاهر لظاهر قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=39يأخذه عدو لي وعدو له ) ولظاهر آية القصص (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=7إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ) ويبعد ما صدر به
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري قوله : من يرد يده ، إما أن يكون على لسان نبي في وقتها كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=111وإذ أوحيت إلى الحواريين ) ؛ لأنه لم ينقل أنه كان في زمن فرعون ، وكان في زمن الحواريين
زكريا ويحيى . وفي قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=38ما يوحى ) إبهام وإجمال كقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=16إذ يغشى السدرة ما يغشى ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=78فغشيهم من اليم ما غشيهم ) وفيه تهويل وقد فسر هنا بقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=39أن اقذفيه في التابوت ) .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري :
[ ص: 241 ] و ( أن ) هي المفسرة ؛ لأن الوحي بمعنى القول . وقال
ابن عطية : و ( أن ) في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=39أن اقذفيه ) بدل من ما يعني أن ( أن ) مصدرية فلذلك كان لها موضع من الإعراب . والوجهان سائغان ، والظاهر أن (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=39التابوت ) كان من خشب . وقيل : من بردي شجر
مؤمن آل فرعون سدت خروقه وفرشت فيه نطعا - وقيل : قطنا محلوجا - وسدت فمه وجصصته وقيرته وألقته في ( اليم ) ، وهو اسم للبحر العذب . وقيل : اسم للنيل خاصة . والأول هو الصواب كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=136فأغرقناهم في اليم ) ولم يغرقوا في النيل .
والظاهر أن الضمير في (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=39فاقذفيه في اليم ) عائد على
موسى ، وكذلك الضميران بعده إذ هو المحدث عنه لا التابوت ، إنما ذكر التابوت على سبيل الوعاء والفضلة . وقال
ابن عطية : والضمير الأول في (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=39اقذفيه ) عائد على
موسى وفي الثاني عائد على (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=39التابوت ) ويجوز أن يعود على
موسى . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : والضمائر كلها راجعة إلى
موسى ، ورجوع بعضها إليه ، وبعضها إلى التابوت فيه هجنة لما يؤدي إليه من تنافر النظم ، فإن قلت : المقذوف في البحر هو التابوت وكذلك الملقى إلى الساحل ؟ قلت : ما ضرك لو قلت المقذوف والملقى هو
موسى في جوف التابوت حتى لا تتفرق الضمائر فيتنافر عليك النظم ، الذي هو أم إعجاز القرآن ، والقانون الذي وقع عليه التحدي ومراعاته أهم ما يجب على المفسر . انتهى .
ولقائل أن يقول : إن الضمير إذا كان صالحا لأن يعود على الأقرب وعلى الأبعد كان عوده على الأقرب راجحا ، وقد نص النحويون على هذا فعوده على (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=39التابوت ) في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=39فاقذفيه في اليم فليلقه اليم ) راجح ، والجواب أنه إذا كان أحدهما هو المحدث عنه والآخر فضلة كان عوده على المحدث عنه أرجح ، ولا يلتفت إلى القرب ، ولهذا رددنا على
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبي محمد بن حزم في دعواه أن الضمير في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=145فإنه رجس ) عائد على خنزير لا على لحم لكونه أقرب مذكور ، فيحرم بذلك شحمه وغضروفه وعظمه وجلده ، بأن المحدث عنه هو لحم خنزير لا خنزير .
و (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=39فليلقه ) أمر معناه الخبر ، وجاء بصيغة الأمر مبالغة إذ الأمر أقطع الأفعال وأوجبها ، ومنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374704 " قوموا فلأصل لكم " . أخرج الخبر في صيغة الأمر لنفسه مبالغة ، ومن حيث خرج الفعل مخرج الأمر حسن جوابه كذلك وهو قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=39يأخذه ) . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : لما كانت مشيئة الله وإرادته أن لا يخطئ جرية ماء اليم الوصول به إلى الساحل وإلقاءه إليه سلك في ذلك سبل المجاز ، وجعل اليم كأنه ذو تمييز أمر بذلك ليطيع الأمر ويمتثل رسمه فقيل (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=39فليلقه اليم بالساحل ) انتهى . وقال
الترمذي : إنما ذكره بلفظ الأمر لسابق علمه بوقوع المخبر به على ما أخبر به ، فكأن البحر مأمور ممتثل للأمر . وقال
الفراء : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=39فاقذفيه في اليم ) أمر وفيه معنى المجازاة ، أي : اقذفيه يلقه اليم ، والظاهر أن البحر ألقاه بالساحل فالتقطه منه .
وروي أن
فرعون كان يشرب في موضع من النيل إذ رأى التابوت فأمر به فسيق إليه وامرأته معه ، ففتح فرأوه ، فرحمته امرأته وطلبته لتتخذه ابنا فأباح لها ذلك . وروي أن التابوت جاء في الماء إلى المشرعة التي كانت جواري امرأة فرعون يستقين منها الماء . فأخذت التابوت وجلبته إليها فأخرجته وأعلمته
فرعون ، والعدو الذي لله
ولموسى هو
فرعون ، وأخبرت به
أم موسى على طريق الإلهام ؛ ولذلك قالت لأخته (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=11قصيه ) وهي لا تدري أين استقر .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=39وألقيت عليك محبة مني ) قيل : محبة
آسية وفرعون ، وكان
فرعون قد أحبه حبا شديدا حتى لا يتمالك أن يصبر عنه . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أحبه الله وحببه إلى خلقه . وقال
عطية : جعلت عليه مسحة من جمال لا يكاد يصبر عنه من رآه . وقال
قتادة : كان في عينيه ملاحة ما رآه أحد إلا أحبه . وقال
ابن عطية : وأقوى الأقوال أنه القبول . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ( مني ) لا يخلوا أن يتعلق بألقيت فيكون المعنى على أحببتك ، ومن أحبه الله أحبته القلوب ، وإما أن يتعلق بمحذوف
[ ص: 242 ] هو صفة لمحبة ، أي : محبة خالصة أو واقعة مني قد ركزتها أنا فيها في القلوب وزرعتها فيها ، فلذلك أحبك
فرعون وكل من أبصرك .
وقرأ الجمهور (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=39ولتصنع ) : بكسر لام كي وضم التاء ونصب الفعل ، أي : ولتربى ويحسن إليك . وأنا مراعيك وراقبك كما يراعي الرجل الشيء بعينيه إذا اعتنى به . قال قريبا منه
قتادة . وقال
النحاس : ، يقال صنعت الفرس إذا أحسنت إليه وهو معطوف على علة محذوف ، أي : ليتلطف بك ( ولتصنع ) أو متعلقة بفعل متأخر تقديره فعلت ذلك . وقرأ
الحسن وأبو نهيك بفتح التاء . قال
ثعلب : معناه لتكون حركتك وتصرفك على عين مني . وقرأ شيبة
وأبو جعفر في رواية بإسكان اللام والعين وضم التاء فعل أمر ، وعن
أبي جعفر كذلك إلا أنه كسر اللام .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=40إذ تمشي أختك ) قيل اسمها
مريم ، سبب ذلك أن
آسية عرضته للرضاع فلم يقبل امرأة ، فجعلت تنادي عليه في المدينة ويطاف به ويعرض للمراضع فيأبى ، وبقيت أمه بعد قذفه في اليم مغمومة ، فأمرت أخته بالتفتيش في المدينة لعلها تقع على خبره ، فبصرت به في طوافها ، فقالت : أنا أدلكم على من يكفله لكم وهم له ناصحون فتعلقوا بها ، وقالوا : أنت تعرفين هذا الصبي ؟ فقالت : لا ، ولكن أعلم من أهل هذا البيت الحرص على التقرب إلى الملكة والجد في خدمتها ورضاها ، فتركوها وسألوها الدلالة ، فجاءت
بأم موسى فلما قربته شرب ثديها فسرت
آسية ، وقالت لها : كوني معنا في القصر ، فقالت : ما كنت لأدع بيتي وولدي ولكنه يكون عندي قالت : نعم ، فأحسنت إلى أهل ذلك البيت غاية الإحسان واعتز
بنو إسرائيل بهذا الرضاع والنسب من الملكة ، ولما كمل رضاعه أرسلت
آسية إليها أن جيئيني بولدي ليوم كذا ، وأمرت خدمها ومن لها أن يلقينه بالتحف والهدايا واللباس ، فوصل إليها على ذلك وهو بخير حال وأجمل شباب ، فسرت به ودخلت به على
فرعون ليراه وليهبه فأعجبه وقربه ، فأخذ
موسى بلحية
فرعون وتقدم ما جرى له عند ذكر العقدة .
والعامل في ( إذ ) قال
ابن عطية فعل مضمر تقديره ومننا إذ . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري العامل في (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=40إذ تمشي ) ( ألقيت ) أو ( تصنع ) ويجوز أن يكون بدلا من (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=38إذ أوحينا ) فإن قلت : كيف يصح البدل والوقتان مختلفان متباعدان ؟ قلت : كما يصح وإن اتسع الوقت وتباعد طرفاه أن يقول لك الرجل لقيت فلانا سنة كذا ، فتقول : وأنا لقيته إذ ذاك . وربما لقيه هو في أولها وأنت في آخرها انتهى . وليس كما ذكر ؛ لأن السنة تقبل الاتساع فإذا وقع لقيهما فيها بخلاف هذين الطرفين فإن كل واحد منهما ضيق ليس بمتسع لتخصيصهما بما أضيفا إليه فلا يمكن أن يقع الثاني في الطرف الذي وقع فيه الأول ، إذ الأول ليس متسعا لوقوع الوحي فيه ووقوع مشي الأخت ، فليس وقت وقوع الوحي مشتملا على أجزاء وقع في بعضها المشي بخلاف السنة . وقال
الحوفي : ( إذ ) متعلقة بـ ( تصنع ) ، ولك أن تنصب ( إذ ) بفعل مضمر تقديره واذكر .
وقرأ الجمهور (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=40كي تقر ) بفتح التاء والقاف . وقرأت فرقة بكسر القاف ، وتقدم أنهما لغتان في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=26وقري عينا ) . وقرأ
جناح بن حبيش بضم التاء وفتح القاف مبنيا للمفعول . و (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=19قتلت نفسا ) هو القبطي الذي استغاثه عليه الإسرائيلي قتله وهو ابن اثنتي عشرة سنة ، واغتم بسبب القتل خوفا من عقاب الله ومن اقتصاص
فرعون ، فغفر الله له باستغفاره حين قال (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=16رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي ) ونجاه من
فرعون حين هاجر به إلى
مدين ، والغم ما يغم على القلب بسبب خوف أو فوات مقصود ، والغم - بلغة
قريش - القتل ، وقيل : من غم التابوت . وقيل : من غم البحر ، والظاهر أنه من غم القتل حين ذهبنا بك من
مصر إلى
مدين . والفتون مصدر جمع فتن أو فتنة على ترك الاعتداد بالتاء كحجوز وبدور في حجزة وبدرة ، أي : ( فتناك ) ضروبا من الفتن ، والفتنة المحنة وما يشق على الإنسان . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس خلصناك من محنة بعد محنة . ولد في عام
[ ص: 243 ] كان يقتل فيه الولدان ، وألقته أمه في البحر وهم
فرعون بقتله ، وقتل قبطيا وآجر نفسه عشر سنين وضل الطريق وتفرقت غنمه في ليلة مظلمة انتهى . وهذه الفتون اختبره بها وخلصه حتى صلح للنبوة وسلم لها ، والسنون التي لبثها في
مدين عشر سنين . وقال
وهب : ثمان وعشرون سنة منها مهر ابنته ، وبين
مصر ومدين ثمان مراحل وفي الكلام حذف والتقدير (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=40وفتناك فتونا ) فخرجت خائفا إلى (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=40أهل مدين ) فلبثت سنين وكان عمره حين ذهب إلى
مدين اثني عشر عاما ، وأقام عشرة أعوام في رعي غنم
شعيب ، ثم ثمانية عشر عاما بعد بنائه بامرأته بنت
شعيب ، وولد له فيها فكمل له أربعون سنة وهي المدة التي عادة الله إرسال الأنبياء على رأسها .
"
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=40ثم جئت " إلى المكان الذي ناجيتك فيه وكلمتك واستنبأتك . "
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=40على قدر " ، أي : وقت معين قدرته لم تتقدمه ولم تتأخر عنه . وقيل على مقدار من الزمان يوحى إلى الأنبياء فيه وهو الأربعون . وقال الشاعر :
نال الخلافة أو جاءت على قدر كما أتى ربه موسى على قدر
(
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=41واصطنعتك لنفسي ) ، أي : جعلتك موضع الصنيعة ومقر الإكمال والإحسان ، وأخلصتك بالألطاف واخترتك لمحبتي ، يقال : اصطنع فلان فلانا اتخذه صنيعة ، وهو افتعال من الصنع وهو الإحسان إلى الشخص حتى يضاف إليه فيقال هذا صنيع فلان . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : هذا تمثيل لما خوله من منزلة التقريب والتكريم والتكليم ، مثل حاله بحال من يراه الملوك بجميع خصال فيه وخصائص أهلا لأن يكون أقرب منزلة إليه وألطف محلا ، فيصطنعه بالكرامة والأثرة ويستخلصه لنفسه . انتهى .
ومعنى (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=41لنفسي ) ، أي : لأوامري وإقامة حججي وتبليغ رسالتي ، فحركاتك وسكناتك لي لا لنفسك ولا لأحد غيرك .
[ ص: 238 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=25قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=26وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=27وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=28يَفْقَهُوا قَوْلِي nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=29وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=30هَارُونَ أَخِي nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=31اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=32وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=33كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=34وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=35إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=36قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=37وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=38إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=39أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=40إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَامُوسَى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=41وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ) .
لَمَّا أَمَرَهُ تَعَالَى بِالذَّهَابِ إِلَى
فِرْعَوْنَ [ ص: 239 ] عَرَفَ أَنَّهُ كُلِّفَ أَمْرًا عَظِيمًا يَحْتَاجُ مَعَهُ إِلَى احْتِمَالِ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ إِلَّا ذُو جَأْشٍ رَابِطٍ وَصَدْرٍ فَسِيحٍ ، فَسَأَلَ رَبَّهُ وَرَغِبَ فِي أَنْ يَشْرَحَ صَدْرَهُ لِيَحْتَمِلَ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنَ الشَّدَائِدِ الَّتِي يَضِيقُ لَهَا الصَّدْرُ ، وَأَنْ يُسَهِّلَ عَلَيْهِ أَمْرَهُ لَلَّذِي هُوَ خِلَافَةُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ وَمَا يَصْحَبُهَا مِنْ مُزَاوَلَةِ جَلَائِلِ الْخُطُوبِ ، وَقَدْ عَلِمَ مَا عَلَيْهِ
فِرْعَوْنُ مِنَ الْجَبَرُوتِ وَالتَّمَرُّدِ وَالتَّسَلُّطِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنُ جُرَيْجٍ : مَعْنَاهُ وَسِّعْ لِي صَدْرِي لِأَعِيَ عَنْكَ مَا تُودِعُهُ مِنْ وَحْيِكَ . وَقَالَ
الْكَرْمَانِيُّ : وَسِّعْ قَلْبِي وَلَيِّنْهُ لِفَهْمِ خِطَابِكَ وَأَدَاءِ رِسَالَتِكَ . وَالْقِيَامِ بِمَا كَلَّفْتَنِيهِ مِنْ أَعْبَائِهَا . وَالْعُقْدَةُ اسْتِعَارَةٌ لِثِقَلٍ كَانَ فِي لِسَانِهِ خِلْقَةً .
وَقَالَ
مُجَاهِدٌ : كَانَتْ مِنَ الْجَمْرَةِ الَّتِي أَدْخَلَهَا فَاهُ وَكَانَتْ
آسِيَةُ قَدْ أَلْقَى اللَّهُ مَحَبَّتَهُ فِي قَلْبِهَا وَسَأَلَتْ
فِرْعَوْنَ أَنْ لَا يَذْبَحَهُ ، فَبَيْنَا هِيَ تُرَقِّصُهُ يَوْمًا أَخَذَهُ
فِرْعَوْنُ فِي حِجْرِهِ ، فَأَخَذَ خَصْلَةً مِنْ لِحْيَتِهِ . وَقِيلَ : لَطَمَهُ . وَقِيلَ : ضَرَبَهُ بِقَضِيبٍ كَانَ فِي يَدِهِ . فَغَضِبَ
فِرْعَوْنُ فَدَعَا بِالسَّيَّافِ ، فَقَالَتْ : إِنَّمَا هُوَ صَبِيٌّ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْيَاقُوتِ وَالْجَمْرِ . فَأَحْضَرَ أَوْ أَرَادَ أَنْ يَمُدَّ يَدَهُ إِلَى الْيَاقُوتِ ، فَحَوَّلَ
جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَدَهُ إِلَى الْجَمْرَةِ فَأَخَذَهَا وَوَضَعَهَا فِي فِيهِ فَاحْتَرَقَ لِسَانُهُ ، انْتَهَى . وَإِحْرَاقُ النَّارِ وَتَأْثِيرُهَا فِي لِسَانِهِ لَا فِي يَدِهِ دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ الْقَائِلِينَ بِالطَّبِيعَةِ . وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَتْ فِي لِسَانِهِ رَتَّةٌ . وَقِيلَ : حَدَثَتِ الْعُقْدَةُ بَعْدَ الْمُنَاجَاةِ حَتَّى لَا يُكَلِّمَ أَحَدًا بَعْدَهَا . وَقَالَ
قُطْرُبٌ : كَانَتْ فِيهِ مُسْكَةٌ عَنِ الْكَلَامِ . وَقَالَ
ابْنُ عِيسَى : الْعُقْدَةُ كَالتَّمْتَمَةِ وَالْفَأْفَأَةِ . وَطَلَبُ
مُوسَى مِنْ حَلِّ الْعُقْدَةِ قَدْرَ مَا يُفْقَهُ قَوْلُهُ ، قِيلَ : وَبَقِيَ بَعْضُهَا لِقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=34وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا ) ، وَقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=52وَلَا يَكَادُ يُبِينُ ) . وَقِيلَ : زَالَتْ لِقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=36قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى ) وَهُوَ قَوْلُ
الْحَسَنِ ، قِيلَ : وَهُوَ ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ : وَاحْلُلِ الْعُقْدَةَ ، بَلْ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=27عُقْدَةً ) فَإِذَا حَلَّ عُقْدَةً فَقَدْ آتَاهُ اللَّهُ سُؤْلَهُ . وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=52وَلَا يَكَادُ يُبِينُ ) أَنَّ مَعْنَاهُ لَا يَأْتِي بِبَيَانٍ وَحُجَّةٍ ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ
فِرْعَوْنُ تَمْوِيهًا ، وَقَدْ خَاطَبَهُ وَقَوْمَهُ ، وَكَانُوا يَفْهَمُونَ عَنْهُ فَكَيْفَ يُمْكِنُ نَفْيُ الْبَيَانِ أَوْ مُقَارَبَتُهُ ؟ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : فَإِنْ قُلْتَ لِي فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=25اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ) : مَا جَدْوَاهُ وَالْكَلَامُ بِدُونِهِ مُسْتَتِبٌّ ؟ قُلْتُ : قَدْ أَبْهَمَ الْكَلَامَ أَوَّلًا ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=25اشْرَحْ لِي ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=26وَيَسِّرْ لِي ) فَعَلِمَ أَنَّ ثَمَّ مَشْرُوحًا وَمُيَسَّرًا ، ثُمَّ بَيَّنَ وَرَفَعَ الْإِبْهَامَ فَذَكَرَهُمَا ، فَكَانَ آكَدَ لِطَلَبِ الشَّرْحِ وَالتَّيْسِيرِ لِصَدْرِهِ ، وَأَمَرَهُ مِنْ أَنْ يَقُولَ : اشْرَحْ صَدْرِي وَيَسِّرْ أَمْرِي ، عَلَى الْإِيضَاحِ الشَّارِحِ ؛ لِأَنَّهُ تَكْرِيرٌ لِلْمَعْنَى الْوَاحِدِ مِنْ طَرِيقَيِ الْإِجْمَالِ وَالتَّفْصِيلِ . وَقَالَ أَيْضًا : وَفِي تَنْكِيرِ الْعُقْدَةِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=27وَاحْلُلْ عُقْدَةً ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=27لِسَانِي ) أَنَّهُ طَلَبَ حَلَّ بَعْضِهَا إِرَادَةَ أَنْ يُفْهَمَ عَنْهُ فَهْمًا جَيِّدًا وَلَمْ يَطْلُبِ الْفَصَاحَةَ الْكَامِلَةَ ، وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=27مِنْ لِسَانِي ) صِفَةٌ لِلْعُقْدَةِ ، كَأَنَّهُ قِيلَ : عُقْدَةً مِنْ عُقَدِ لِسَانِي . انْتَهَى . وَيَظْهَرُ أَنَّ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=27مِنْ لِسَانِي ) مُتَعَلِّقٌ بِاحْلُلْ ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ الصِّفَةِ لِعُقْدَةٍ ، وَكَذَا قَالَ
الْحَوْفِيُّ . وَأَجَازَ
أَبُو الْبَقَاءِ الْوَجْهَيْنِ ، وَالْوَزِيرُ الْمُعِينُ الْقَائِمُ بِوِزْرِ الْأُمُورِ ، أَيْ : بِثِقَلِهَا ، فَوَزِيرُ الْمَلِكِ يَتَحَمَّلُ عَنْهُ أَوْزَارَهُ وَمُؤَنَهُ . وَقِيلَ : مِنَ الْوَزَرِ وَهُوَ الْمَلْجَأُ يَلْتَجِئُ إِلَيْهِ الْإِنْسَانُ . وَقَالَ الشَّاعِرُ :
مِنَ السِّبَاعِ الضَّوَارِي دُونَهُ وَزَرُ وَالنَّاسُ شَرُّهُمْ مَا دُونَهُ وَزَرُ كَمْ مَعْشَرٍ سَلِمُوا لَمْ يُؤْذِهِمْ سَبْعُ
وَمَا نَرَى بَشَرًا لَمْ يُؤْذِهِمْ بَشَرُ
فَالْمَلِكُ يَعْتَصِمُ بِرَأْيِهِ وَيَلْتَجِئُ إِلَيْهِ فِي أُمُورِهِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13721الْأَصْمَعِيُّ : هُوَ مِنَ الْمُؤَازَرَةِ وَهِيَ الْمُعَاوَنَةُ وَالْمُسَاعَدَةُ ، وَالْقِيَاسُ أَزِيرٌ ، وَكَذَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ ، قَالَ : وَكَانَ الْقِيَاسُ أَزِيرًا فَقُلِبَتِ الْهَمْزَةُ إِلَى الْوَاوِ وَوَجْهُ قَلْبِهَا أَنَّ فَعِيلًا جَاءَ فِي مَعْنَى مُفَاعِلٍ مَجِيأً صَالِحًا ، كَعَشِيرٍ وَجَلِيسٍ وَقَعِيدٍ وَخَلِيلٍ وَصَدِيقٍ وَنَدِيمٍ ، فَلَمَّا قُلِبَ فِي أَخِيهِ قُلِبَتْ فِيهِ ، وَحَمْلُ الشَّيْءِ عَلَى نَظِيرِهِ لَيْسَ بِعَزِيزٍ . وَنَظَرًا إِلَى يُوَازِرُ وَأَخَوَاتِهِ وَإِلَى الْمُوَازَرَةِ انْتَهَى . وَلَا حَاجَةَ إِلَى ادِّعَاءِ قَلْبِ الْهَمْزَةِ وَاوًا ؛ لِأَنَّ لَنَا اشْتِقَاقًا وَاضِحًا وَهُوَ الْوِزْرُ ، وَأَمَّا قَلْبُهَا فِي يُؤَازِرُ فَلِأَجْلِ
[ ص: 240 ] ضَمَّةِ مَا قَبْلَ الْوَاوِ وَهُوَ أَيْضًا إِبْدَالٌ غَيْرُ لَازِمٍ ، وَجَوَّزُوا أَنْ يَكُونَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=29لِي وَزِيرًا ) مَفْعُولَيْنِ لِاجْعَلْ وَ ( هَارُونَ ) بَدَلٌ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ ، وَأَنْ يَكُونَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=29وَزِيرًا ) وَ ( هَارُونَ ) مَفْعُولَيْهِ ، وَقَدَّمَ الثَّانِيَ اعْتِنَاءً بِأَمْرِ الْوِزَارَةِ وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=30أَخِي ) بَدَلٌ مِنْ ( هَارُونَ ) فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَإِنْ جُعِلَ عَطْفَ بَيَانٍ آخَرَ جَازَ وَحَسُنَ انْتَهَى . وَيَبْعُدُ فِيهِ عَطْفُ الْبَيَانِ ؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ فِي عَطْفِ الْبَيَانِ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ دُونَهُ فِي الشُّهْرَةِ ، وَالْأَمْرُ هُنَا بِالْعَكْسِ . وَجَوَّزُوا أَنْ يَكُونَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=29وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي ) هُمَا الْمَفْعُولَانِ وَ ( لِي ) مِثْلُ قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=4وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ) يَعْنُونَ أَنَّهُ بِهِ يَتِمُّ الْمَعْنَى . وَ ( هَارُونَ ) عَلَى مَا تَقَدَّمَ . وَجَوَّزُوا أَنْ يَنْتَصِبَ ( هَارُونَ ) بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ ، أَيِ : اضْمُمْ إِلَيَّ
هَارُونَ وَهَذَا لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ تَامٌّ بِدُونِ هَذَا الْمَحْذُوفِ .
وَقَرَأَ
الْحَسَنُ nindex.php?page=showalam&ids=15948وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَابْنُ عَامِرٍ ( أَشْدُدْ ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ ( وَأُشْرِكْهُ ) بِضَمِّهَا فِعْلًا مُضَارِعًا مَجْزُومًا عَلَى جَوَابِ الْأَمْرِ وَعُطِفَ عَلَيْهِ ( وَأُشْرِكْهُ ) . وَقَالَ صَاحِبُ اللَّوَامِحِ عَنِ
الْحَسَنِ : أَنَّهُ قَرَأَ أُشْدِدْ بِهِ مُضَارِعُ شَدَّدَ لِلتَّكْثِيرِ وَالتَّكْرِيرِ ، أَيْ : كُلَّمَا حَزَنَنِي أَمْرٌ شَدَدْتُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=31بِهِ أَزْرِي ) . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=31اشْدُدْ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=32وَأَشْرِكْهُ ) عَلَى مَعْنَى الدُّعَاءِ فِي شَدِّ الْأَزْرِ وَتَشْرِيكِ
هَارُونَ فِي النُّبُوَّةِ ، وَكَانَ الْأَمْرُ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ عَامِرٍ لَا يُرِيدُ بِهِ النُّبُوَّةَ بَلْ يُرِيدُ تَدْبِيرَهُ وَمُسَاعَدَتَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ
لِمُوسَى أَنْ يُشْرِكَ فِي النُّبُوَّةِ أَحَدًا . وَفِي مُصْحَفِ
عَبْدِ اللَّهِ ( أَخِي وَاشْدُدْ ) .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَيَجُوزُ فِيمَنْ قَرَأَ عَلَى لَفْظِ الْأَمْرِ أَنْ يَجْعَلَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=30أَخِي ) مَرْفُوعًا عَلَى الِابْتِدَاءِ وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=31اشْدُدْ بِهِ ) خَبَرُهُ وَيُوقَفُ عَلَى ( هَارُونَ ) انْتَهَى . وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَارُ إِلَيْهِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ ، وَكَانَ
هَارُونُ أَكْبَرَ مِنْ
مُوسَى بِأَرْبَعَةِ أَعْوَامٍ ، وَجَعَلَ
مُوسَى مَا رَغِبَ فِيهِ وَطَلَبَهُ مِنْ نِعَمٍ سَبَبًا تَلْزَمُ مِنْهُ الْعِبَادَةُ وَالِاجْتِهَادُ فِي أَمْرِ اللَّهِ ، وَالتَّظَافُرُ عَلَى الْعِبَادَةِ وَالتَّعَاوُنُ فِيهَا مُثِيرٌ لِلرَّغْبَةِ وَالتَّزَيُّدِ مِنَ الْخَيْرِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=33كَيْ نُسَبِّحَكَ ) نُنَزِّهَكَ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِكَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=34وَنَذْكُرَكَ ) بِالدُّعَاءِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْكَ وَقُدِّمَ التَّسْبِيحُ ؛ لِأَنَّهُ تَنْزِيهُهُ تَعَالَى فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَبَرَاءَتُهُ عَنِ النَّقَائِصِ ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ الْقَلْبُ ، وَالذِّكْرُ وَالثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَمَحَلُّهُ اللِّسَانُ ، فَلِذَلِكَ قُدِّمَ مَا مَحَلُّهُ الْقَلْبُ عَلَى مَا مَحَلُّهُ اللِّسَانُ . وَ ( كَثِيرًا ) نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ ، أَوْ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ ، أَيْ : نُسَبِّحُكَ التَّسْبِيحَ فِي حَالِ كَثْرَتِهِمْ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=35إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا ) عَالِمًا بِأَحْوَالِنَا . وَالسُّؤْلُ فِعْلٌ بِمَعْنَى الْمَسْئُولِ كَالْخُبْزِ وَالْأَكْلِ بِمَعْنَى الْمَخْبُوزِ وَالْمَأْكُولِ ، وَالْمَعْنَى أُعْطِيتَ طِلْبَتَكَ وَمَا سَأَلْتَهُ مِنْ شَرْحِ الصَّدْرِ وَتَيَسُّرِ الْأَمْرِ وَحَلِّ الْعُقْدَةِ ، وَجَعْلِ أَخِيكَ وَزِيرًا وَذَلِكَ مِنَ الْمِنَّةِ عَلَيْهِ .
ثُمَّ ذَكَّرَهُ تَعَالَى تَقْدِيمَ مِنَّتِهِ عَلَيْهِ عَلَى سَبِيلِ التَّوْقِيفِ لِيَعْظُمَ اجْتِهَادُهُ وَتَقْوَى بَصِيرَتُهُ وَ ( مَرَّةً ) مَعْنَاهُ مِنَّةً وَ ( أُخْرَى ) تَأْنِيثُ آخَرَ بِمَعْنَى ( غَيْرَ ) أَيْ : مِنَّةً غَيْرَ هَذِهِ الْمِنَّةِ ، وَلَيْسَتْ ( أُخْرَى ) هُنَا بِمَعْنَى ( آخِرَةً ) فَتَكُونَ مُقَابِلَةً لِلْأُولَى ، وَتَخَيَّلَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ : سَمَّاهَا ( أُخْرَى ) وَهِيَ أُولَى لِأَنَّهَا ( أُخْرَى ) فِي الذَّكَرِ ، وَالْأُخْرَى لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ يَكُونُ تَأْنِيثُ الْآخَرِ بِفَتْحِ الْخَاءِ ، وَتَأْنِيثُ الْآخَرِ بِمَعْنَى آخِرِهِ فَهَذِهِ يُلْحَظُ فِيهَا مَعْنَى التَّأَخُّرِ . وَالْمَعْنَى أَنِّي قَدْ حَفِظْتُكَ وَأَنْتَ طِفْلٌ رَضِيعٌ فَكَيْفَ لَا أَحْفَظُكَ وَقَدْ أَهَّلْتُكَ لِلرِّسَالَةِ . وَفِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=37مَرَّةً أُخْرَى ) إِجْمَالٌ يُفَسِّرُهُ قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=38إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ ) . قَالَ الْجُمْهُورُ : هِيَ وَحْيُ إِلْهَامٍ كَقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=68وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ ) . وَقِيلَ : وَحْيُ إِعْلَامٍ إِمَّا بِإِرَاءَةِ ذَلِكَ فِي مَنَامٍ ، وَإِمَّا بِبَعْثِ مَلَكٍ إِلَيْهَا لَا عَلَى جِهَةِ النُّبُوَّةِ كَمَا بُعِثَ إِلَى
مَرْيَمَ ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=39يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ ) وَلِظَاهِرِ آيَةِ الْقَصَصِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=7إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ) وَيَبْعُدُ مَا صَدَّرَ بِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ قَوْلَهُ : مِنْ يَرُدُّ يَدَهُ ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى لِسَانِ نَبِيٍّ فِي وَقْتِهَا كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=111وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ كَانَ فِي زَمَنِ فِرْعَوْنَ ، وَكَانَ فِي زَمَنِ الْحَوَارِيِّينَ
زَكَرِيَّا وَيَحْيَى . وَفِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=38مَا يُوحَى ) إِبْهَامٌ وَإِجْمَالٌ كَقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=16إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=78فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ ) وَفِيهِ تَهْوِيلٌ وَقَدْ فُسِّرَ هُنَا بِقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=39أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ ) .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ :
[ ص: 241 ] وَ ( أَنْ ) هِيَ الْمُفَسِّرَةُ ؛ لِأَنَّ الْوَحْيَ بِمَعْنَى الْقَوْلِ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَ ( أَنْ ) فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=39أَنِ اقْذِفِيهِ ) بَدَلٌ مِنْ مَا يَعْنِي أَنَّ ( أَنْ ) مَصْدَرِيَّةٌ فَلِذَلِكَ كَانَ لَهَا مَوْضِعٌ مِنَ الْإِعْرَابِ . وَالْوَجْهَانِ سَائِغَانِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=39التَّابُوتِ ) كَانَ مِنْ خَشَبٍ . وَقِيلَ : مِنْ بَرْدِيِّ شَجَرِ
مُؤْمِنِ آلِ فِرْعَوْنَ سَدَّتْ خُرُوقَهُ وَفَرَشَتْ فِيهِ نِطْعًا - وَقِيلَ : قُطْنًا مَحْلُوجًا - وَسَدَّتْ فَمَهُ وَجَصَّصَتْهُ وَقَيَّرَتْهُ وَأَلْقَتْهُ فِي ( الْيَمِّ ) ، وَهُوَ اسْمٌ لِلْبَحْرِ الْعَذْبِ . وَقِيلَ : اسْمٌ لِلنِّيلِ خَاصَّةً . وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=136فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ ) وَلَمْ يُغْرَقُوا فِي النِّيلِ .
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=39فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ ) عَائِدٌ عَلَى
مُوسَى ، وَكَذَلِكَ الضَّمِيرَانِ بَعْدَهُ إِذْ هُوَ الْمُحَدَّثُ عَنْهُ لَا التَّابُوتُ ، إِنَّمَا ذُكِرَ التَّابُوتُ عَلَى سَبِيلِ الْوِعَاءِ وَالْفَضْلَةِ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَالضَّمِيرُ الْأَوَّلُ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=39اقْذِفِيهِ ) عَائِدٌ عَلَى
مُوسَى وَفِي الثَّانِي عَائِدٌ عَلَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=39التَّابُوتِ ) وَيَجُوزُ أَنْ يَعُودَ عَلَى
مُوسَى . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَالضَّمَائِرُ كُلُّهَا رَاجِعَةٌ إِلَى
مُوسَى ، وَرُجُوعُ بَعْضِهَا إِلَيْهِ ، وَبَعْضِهَا إِلَى التَّابُوتِ فِيهِ هُجْنَةٌ لِمَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ مِنْ تَنَافُرِ النَّظْمِ ، فَإِنْ قُلْتَ : الْمَقْذُوفُ فِي الْبَحْرِ هُوَ التَّابُوتُ وَكَذَلِكَ الْمُلْقَى إِلَى السَّاحِلِ ؟ قُلْتُ : مَا ضَرَّكَ لَوْ قُلْتَ الْمَقْذُوفُ وَالْمُلْقَى هُوَ
مُوسَى فِي جَوْفِ التَّابُوتِ حَتَّى لَا تَتَفَرَّقَ الضَّمَائِرُ فَيَتَنَافَرَ عَلَيْكَ النَّظْمُ ، الَّذِي هُوَ أُمُّ إِعْجَازِ الْقُرْآنِ ، وَالْقَانُونُ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ التَّحَدِّي وَمُرَاعَاتُهُ أَهَمُّ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُفَسِّرِ . انْتَهَى .
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : إِنَّ الضَّمِيرَ إِذَا كَانَ صَالِحًا لِأَنْ يَعُودَ عَلَى الْأَقْرَبِ وَعَلَى الْأَبْعَدِ كَانَ عَوْدُهُ عَلَى الْأَقْرَبِ رَاجِحًا ، وَقَدْ نَصَّ النَّحْوِيُّونَ عَلَى هَذَا فَعَوْدُهُ عَلَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=39التَّابُوتِ ) فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=39فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ ) رَاجِحٌ ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا هُوَ الْمُحَدَّثَ عَنْهُ وَالْآخَرُ فَضْلَةً كَانَ عَوْدُهُ عَلَى الْمُحَدَّثِ عَنْهُ أَرْجَحَ ، وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى الْقُرْبِ ، وَلِهَذَا رَدَدْنَا عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=13064أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ فِي دَعْوَاهُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=145فَإِنَّهُ رِجْسٌ ) عَائِدٌ عَلَى خِنْزِيرٍ لَا عَلَى لَحْمٍ لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ مَذْكُورٍ ، فَيَحْرُمُ بِذَلِكَ شَحْمُهُ وَغُضْرُوفُهُ وَعَظْمُهُ وَجِلْدُهُ ، بِأَنَّ الْمُحَدَّثَ عَنْهُ هُوَ لَحْمُ خِنْزِيرٍ لَا خِنْزِيرٌ .
وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=39فَلْيُلْقِهِ ) أَمْرٌ مَعْنَاهُ الْخَبَرُ ، وَجَاءَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ مُبَالَغَةً إِذِ الْأَمْرُ أَقْطَعُ الْأَفْعَالِ وَأَوْجَبُهَا ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374704 " قُومُوا فَلْأُصَلِّ لَكُمْ " . أَخْرَجَ الْخَبَرِ فِي صِيغَةِ الْأَمْرِ لِنَفْسِهِ مُبَالَغَةً ، وَمِنْ حَيْثُ خَرَجَ الْفِعْلُ مَخْرَجَ الْأَمْرِ حَسُنَ جَوَابُهُ كَذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=39يَأْخُذْهُ ) . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : لَمَّا كَانَتْ مَشِيئَةُ اللَّهِ وَإِرَادَتُهُ أَنْ لَا يُخْطِئَ جَرْيَةُ مَاءِ الْيَمِّ الْوُصُولَ بِهِ إِلَى السَّاحِلِ وَإِلْقَاءَهُ إِلَيْهِ سَلَكَ فِي ذَلِكَ سُبُلَ الْمَجَازِ ، وَجَعَلَ الْيَمَّ كَأَنَّهُ ذُو تَمْيِيزٍ أَمَرَ بِذَلِكَ لِيُطِيعَ الْأَمْرَ وَيَمْتَثِلَ رَسْمَهُ فَقِيلَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=39فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ ) انْتَهَى . وَقَالَ
التِّرْمِذِيُّ : إِنَّمَا ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْأَمْرِ لِسَابِقِ عِلْمِهِ بِوُقُوعِ الْمُخْبَرِ بِهِ عَلَى مَا أَخْبَرَ بِهِ ، فَكَأَنَّ الْبَحْرَ مَأْمُورٌ مُمْتَثِلٌ لِلْأَمْرِ . وَقَالَ
الْفَرَّاءُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=39فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ ) أَمْرٌ وَفِيهِ مَعْنَى الْمُجَازَاةِ ، أَيِ : اقْذِفِيهِ يُلْقِهِ الْيَمُّ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْبَحْرَ أَلْقَاهُ بِالسَّاحِلِ فَالْتَقَطَهُ مِنْهُ .
وَرُوِيَ أَنَّ
فِرْعَوْنَ كَانَ يَشْرَبُ فِي مَوْضِعٍ مِنَ النِّيلِ إِذْ رَأَى التَّابُوتَ فَأَمَرَ بِهِ فَسِيقَ إِلَيْهِ وَامْرَأَتُهُ مَعَهُ ، فَفَتَحَ فَرَأَوْهُ ، فَرَحِمَتْهُ امْرَأَتُهُ وَطَلَبَتْهُ لِتَتَّخِذَهُ ابْنًا فَأَبَاحَ لَهَا ذَلِكَ . وَرُوِيَ أَنَّ التَّابُوتَ جَاءَ فِي الْمَاءِ إِلَى الْمَشْرَعَةِ الَّتِي كَانَتْ جَوَارِي امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ يَسْتَقِينَ مِنْهَا الْمَاءَ . فَأَخَذَتِ التَّابُوتَ وَجَلَبَتْهُ إِلَيْهَا فَأَخْرَجَتْهُ وَأَعْلَمَتْهُ
فِرْعَوْنَ ، وَالْعَدُوُّ الَّذِي لِلَّهِ
وَلِمُوسَى هُوَ
فِرْعَوْنُ ، وَأُخْبِرَتْ بِهِ
أُمُّ مُوسَى عَلَى طَرِيقِ الْإِلْهَامِ ؛ وَلِذَلِكَ قَالَتْ لِأُخْتِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=11قُصِّيهِ ) وَهِيَ لَا تَدْرِي أَيْنَ اسْتَقَرَّ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=39وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ) قِيلَ : مَحَبَّةَ
آسِيَةَ وَفِرْعَوْنَ ، وَكَانَ
فِرْعَوْنُ قَدْ أَحَبَّهُ حُبًّا شَدِيدًا حَتَّى لَا يَتَمَالَكَ أَنْ يَصْبِرَ عَنْهُ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : أَحَبَّهُ اللَّهُ وَحَبَّبَهُ إِلَى خَلْقِهِ . وَقَالَ
عَطِيَّةُ : جُعِلَتْ عَلَيْهِ مَسْحَةٌ مِنْ جَمَالٍ لَا يَكَادُ يَصْبِرُ عَنْهُ مَنْ رَآهُ . وَقَالَ
قَتَادَةُ : كَانَ فِي عَيْنَيْهِ مَلَاحَةٌ مَا رَآهُ أَحَدٌ إِلَّا أَحَبَّهُ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَأَقْوَى الْأَقْوَالِ أَنَّهُ الْقَبُولُ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : ( مِنِّي ) لَا يَخْلُوَا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِأَلْقَيْتُ فَيَكُونُ الْمَعْنَى عَلَى أَحْبَبْتُكَ ، وَمَنْ أَحَبَّهُ اللَّهُ أَحَبَّتْهُ الْقُلُوبُ ، وَإِمَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِمَحْذُوفٍ
[ ص: 242 ] هُوَ صِفَةٌ لِمَحَبَّةٍ ، أَيْ : مَحَبَّةً خَالِصَةً أَوْ وَاقِعَةً مِنِّي قَدْ رَكَّزْتُهَا أَنَا فِيهَا فِي الْقُلُوبِ وَزَرَعْتُهَا فِيهَا ، فَلِذَلِكَ أَحَبَّكَ
فِرْعَوْنُ وَكُلُّ مَنْ أَبْصَرَكَ .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=39وَلِتُصْنَعَ ) : بِكَسْرِ لَامِ كَيْ وَضَمِّ التَّاءِ وَنَصْبِ الْفِعْلِ ، أَيْ : وَلِتُرَبَّى وَيُحْسَنَ إِلَيْكَ . وَأَنَا مُرَاعِيكَ وَرَاقِبُكَ كَمَا يُرَاعِي الرَّجُلُ الشَّيْءَ بِعَيْنَيْهِ إِذَا اعْتَنَى بِهِ . قَالَ قَرِيبًا مِنْهُ
قَتَادَةُ . وَقَالَ
النَّحَّاسُ : ، يُقَالُ صَنَعْتُ الْفَرَسَ إِذَا أَحْسَنْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى عِلَّةِ مَحْذُوفٍ ، أَيْ : لِيَتَلَطَّفَ بِكَ ( وَلِتُصْنَعَ ) أَوْ مُتَعَلِّقَةٌ بِفِعْلٍ مُتَأَخِّرٍ تَقْدِيرُهُ فَعَلْتُ ذَلِكَ . وَقَرَأَ
الْحَسَنُ وَأَبُو نَهِيكٍ بِفَتْحِ التَّاءِ . قَالَ
ثَعْلَبٌ : مَعْنَاهُ لِتَكُونَ حَرَكَتُكَ وَتَصَرُّفُكَ عَلَى عَيْنٍ مِنِّي . وَقَرَأَ شَيْبَةُ
وَأَبُو جَعْفَرٍ فِي رِوَايَةٍ بِإِسْكَانِ اللَّامِ وَالْعَيْنِ وَضَمِّ التَّاءِ فِعْلُ أَمْرٍ ، وَعَنْ
أَبِي جَعْفَرٍ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ كَسَرَ اللَّامَ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=40إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ ) قِيلَ اسْمُهَا
مَرْيَمُ ، سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ
آسِيَةَ عَرَّضَتْهُ لِلرَّضَاعِ فَلَمْ يَقْبَلِ امْرَأَةً ، فَجَعَلَتْ تُنَادِي عَلَيْهِ فِي الْمَدِينَةِ وَيُطَافُ بِهِ وَيُعْرَضُ لِلْمَرَاضِعِ فَيَأْبَى ، وَبَقِيَتْ أُمُّهُ بَعْدَ قَذْفِهِ فِي الْيَمِّ مَغْمُومَةً ، فَأَمَرَتْ أُخْتَهُ بِالتَّفْتِيشِ فِي الْمَدِينَةِ لَعَلَّهَا تَقَعُ عَلَى خَبَرِهِ ، فَبَصُرَتْ بِهِ فِي طَوَافِهَا ، فَقَالَتْ : أَنَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ فَتَعَلَّقُوا بِهَا ، وَقَالُوا : أَنْتِ تَعْرِفِينَ هَذَا الصَّبِيَّ ؟ فَقَالَتْ : لَا ، وَلَكِنْ أَعْلَمُ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْبَيْتِ الْحِرْصَ عَلَى التَّقَرُّبِ إِلَى الْمَلِكَةِ وَالْجَدِّ فِي خِدْمَتِهَا وَرِضَاهَا ، فَتَرَكُوهَا وَسَأَلُوهَا الدَّلَّالَةَ ، فَجَاءَتْ
بِأُمِّ مُوسَى فَلَمَّا قَرَّبَتْهُ شَرِبَ ثَدْيَهَا فَسُرَّتْ
آسِيَةُ ، وَقَالَتْ لَهَا : كُونِي مَعَنَا فِي الْقَصْرِ ، فَقَالَتْ : مَا كُنْتُ لِأَدَعَ بَيْتِي وَوَلَدِي وَلَكِنَّهُ يَكُونُ عِنْدِي قَالَتْ : نَعَمْ ، فَأَحْسَنَتْ إِلَى أَهْلِ ذَلِكَ الْبَيْتِ غَايَةَ الْإِحْسَانِ وَاعْتَزَّ
بَنُو إِسْرَائِيلَ بِهَذَا الرَّضَاعِ وَالنَّسَبِ مِنَ الْمَلِكَةِ ، وَلَمَّا كَمُلَ رِضَاعُهُ أَرْسَلَتْ
آسِيَةُ إِلَيْهَا أَنْ جِيئِينِي بِوَلَدِي لِيَوْمِ كَذَا ، وَأَمَرَتْ خَدَمَهَا وَمَنْ لَهَا أَنْ يَلْقَيْنَهُ بِالتُّحَفِ وَالْهَدَايَا وَاللِّبَاسِ ، فَوَصَلَ إِلَيْهَا عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ بِخَيْرِ حَالٍ وَأَجْمَلِ شَبَابٍ ، فَسُرَّتْ بِهِ وَدَخَلَتْ بِهِ عَلَى
فِرْعَوْنَ لِيَرَاهُ وَلِيَهِبَهُ فَأَعْجَبَهُ وَقَرَّبَهُ ، فَأَخَذَ
مُوسَى بِلِحْيَةِ
فِرْعَوْنَ وَتَقَدَّمَ مَا جَرَى لَهُ عِنْدَ ذِكْرِ الْعُقْدَةِ .
وَالْعَامِلُ فِي ( إِذْ ) قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ فِعْلٌ مُضْمَرٌ تَقْدِيرُهُ وَمَنَنَّا إِذْ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ الْعَامِلُ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=40إِذْ تَمْشِي ) ( أَلْقَيْتُ ) أَوْ ( تُصْنَعَ ) وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=38إِذْ أَوْحَيْنَا ) فَإِنْ قُلْتَ : كَيْفَ يَصِحُّ الْبَدَلُ وَالْوَقْتَانِ مُخْتَلِفَانِ مُتَبَاعِدَانِ ؟ قُلْتُ : كَمَا يَصِحُّ وَإِنِ اتَّسَعَ الْوَقْتُ وَتَبَاعَدَ طَرَفَاهُ أَنْ يَقُولَ لَكَ الرَّجُلُ لَقِيتُ فُلَانًا سَنَةَ كَذَا ، فَتَقُولُ : وَأَنَا لَقِيتُهُ إِذْ ذَاكَ . وَرُبَّمَا لَقِيَهُ هُوَ فِي أَوَّلِهَا وَأَنْتَ فِي آخِرِهَا انْتَهَى . وَلَيْسَ كَمَا ذَكَرَ ؛ لِأَنَّ السَّنَةَ تَقْبَلُ الِاتِّسَاعَ فَإِذَا وَقَعَ لُقِيُّهُمَا فِيهَا بِخِلَافِ هَذَيْنِ الطَّرَفَيْنِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَيِّقٌ لَيْسَ بِمُتَّسِعٍ لِتَخْصِيصِهِمَا بِمَا أُضِيفَا إِلَيْهِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ الثَّانِي فِي الطَّرَفِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْأَوَّلُ ، إِذِ الْأَوَّلُ لَيْسَ مُتَّسِعًا لِوُقُوعِ الْوَحْيِ فِيهِ وَوُقُوعِ مَشْيِ الْأُخْتِ ، فَلَيْسَ وَقْتُ وُقُوعِ الْوَحْيِ مُشْتَمِلًا عَلَى أَجْزَاءٍ وَقَعَ فِي بَعْضِهَا الْمَشْيُ بِخِلَافِ السَّنَةِ . وَقَالَ
الْحَوْفِيُّ : ( إِذْ ) مُتَعَلِّقَةٌ بِـ ( تُصْنَعَ ) ، وَلَكَ أَنْ تَنْصِبَ ( إِذْ ) بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ تَقْدِيرُهُ وَاذْكُرْ .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=40كَيْ تَقَرَّ ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْقَافِ . وَقَرَأَتْ فِرْقَةٌ بِكَسْرِ الْقَافِ ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُمَا لُغَتَانِ فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=26وَقَرِّي عَيْنًا ) . وَقَرَأَ
جَنَاحُ بْنُ حُبَيْشٍ بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الْقَافِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ . وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=19قَتَلْتَ نَفْسًا ) هُوَ الْقِبْطِيُّ الَّذِي اسْتَغَاثَهُ عَلَيْهِ الْإِسْرَائِيلِيُّ قَتَلَهُ وَهُوَ ابْنُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً ، وَاغْتَمَّ بِسَبَبِ الْقَتْلِ خَوْفًا مِنْ عِقَابِ اللَّهِ وَمِنِ اقْتِصَاصِ
فِرْعَوْنَ ، فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ بِاسْتِغْفَارِهِ حِينَ قَالَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=16رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ) وَنَجَّاهُ مِنْ
فِرْعَوْنَ حِينَ هَاجَرَ بِهِ إِلَى
مَدْيَنَ ، وَالْغَمُّ مَا يَغُمُّ عَلَى الْقَلْبِ بِسَبَبِ خَوْفٍ أَوْ فَوَاتِ مَقْصُودٍ ، وَالْغَمُّ - بِلُغَةِ
قُرَيْشٍ - الْقَتْلُ ، وَقِيلَ : مِنْ غَمَّ التَّابُوتُ . وَقِيلَ : مِنْ غَمَّ الْبَحْرُ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ غَمَّ الْقَتْلُ حِينَ ذَهَبْنَا بِكَ مِنْ
مِصْرَ إِلَى
مَدْيَنَ . وَالْفُتُونُ مَصْدَرٌ جَمْعُ فِتَنٍ أَوْ فِتْنَةٍ عَلَى تَرْكِ الِاعْتِدَادِ بِالتَّاءِ كَحُجُوزٍ وَبُدُورٍ فِي حُجْزَةٍ وَبُدْرَةٍ ، أَيْ : ( فَتَنَّاكَ ) ضُرُوبًا مِنَ الْفِتَنِ ، وَالْفِتْنَةُ الْمِحْنَةُ وَمَا يَشُقُّ عَلَى الْإِنْسَانِ . وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ خَلَّصْنَاكَ مِنْ مِحْنَةٍ بَعْدَ مِحْنَةٍ . وُلِدَ فِي عَامٍ
[ ص: 243 ] كَانَ يُقْتَلُ فِيهِ الْوِلْدَانُ ، وَأَلْقَتْهُ أُمُّهُ فِي الْبَحْرِ وَهَمَّ
فِرْعَوْنُ بِقَتْلِهِ ، وَقَتَلَ قِبْطِيًّا وَآجَرَ نَفْسَهُ عَشْرَ سِنِينَ وَضَلَّ الطَّرِيقَ وَتَفَرَّقَتْ غَنَمُهُ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ انْتَهَى . وَهَذِهِ الْفُتُونُ اخْتَبَرَهُ بِهَا وَخَلَّصَهُ حَتَّى صَلُحَ لِلنُّبُوَّةِ وَسَلِمَ لَهَا ، وَالسُّنُونُ الَّتِي لَبِثَهَا فِي
مَدْيَنَ عَشْرُ سِنِينَ . وَقَالَ
وَهْبٌ : ثَمَانٍ وَعِشْرُونَ سَنَةً مِنْهَا مَهْرُ ابْنَتِهِ ، وَبَيْنَ
مِصْرَ وَمَدْيَنَ ثَمَانِ مَرَاحِلَ وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=40وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ) فَخَرَجْتَ خَائِفًا إِلَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=40أَهْلِ مَدْيَنَ ) فَلَبِثْتَ سِنِينَ وَكَانَ عُمْرُهُ حِينَ ذَهَبَ إِلَى
مَدْيَنَ اثْنَيْ عَشَرَ عَامًا ، وَأَقَامَ عَشَرَةَ أَعْوَامٍ فِي رَعْيِ غَنَمِ
شُعَيْبٍ ، ثُمَّ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ عَامًا بَعْدَ بِنَائِهِ بِامْرَأَتِهِ بِنْتِ
شُعَيْبٍ ، وَوُلِدَ لَهُ فِيهَا فَكَمُلَ لَهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً وَهِيَ الْمُدَّةُ الَّتِي عَادَةُ اللَّهِ إِرْسَالُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى رَأْسِهَا .
"
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=40ثُمَّ جِئْتَ " إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي نَاجَيْتُكَ فِيهِ وَكَلَّمْتُكَ وَاسْتَنْبَأْتُكَ . "
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=40عَلَى قَدَرٍ " ، أَيْ : وَقْتٍ مُعَيَّنٍ قَدَّرْتُهُ لَمْ تَتَقَدَّمْهُ وَلَمْ تَتَأَخَّرْ عَنْهُ . وَقِيلَ عَلَى مِقْدَارٍ مِنَ الزَّمَانِ يُوحَى إِلَى الْأَنْبِيَاءِ فِيهِ وَهُوَ الْأَرْبَعُونَ . وَقَالَ الشَّاعِرُ :
نَالَ الْخِلَافَةَ أَوْ جَاءَتْ عَلَى قَدَرٍ كَمَا أَتَى رَبَّهُ مُوسَى عَلَى قَدَرِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=41وَاصْطَنَعَتْكَ لِنَفْسِي ) ، أَيْ : جَعَلْتُكَ مَوْضِعَ الصَّنِيعَةِ وَمَقَرَّ الْإِكْمَالِ وَالْإِحْسَانِ ، وَأَخْلَصْتُكَ بِالْأَلْطَافِ وَاخْتَرْتُكَ لِمَحَبَّتِي ، يُقَالُ : اصْطَنَعَ فُلَانٌ فُلَانًا اتَّخَذَهُ صَنِيعَةً ، وَهُوَ افْتِعَالٌ مِنَ الصُّنْعِ وَهُوَ الْإِحْسَانُ إِلَى الشَّخْصِ حَتَّى يُضَافَ إِلَيْهِ فَيُقَالَ هَذَا صَنِيعُ فُلَانٍ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : هَذَا تَمْثِيلٌ لِمَا خَوَّلَهُ مِنْ مَنْزِلَةِ التَّقْرِيبِ وَالتَّكْرِيمِ وَالتَّكْلِيمِ ، مَثَّلَ حَالَهُ بِحَالِ مَنْ يَرَاهُ الْمُلُوكُ بِجَمِيعِ خِصَالٍ فِيهِ وَخَصَائِصَ أَهْلًا لِأَنْ يَكُونَ أَقْرَبَ مَنْزِلَةً إِلَيْهِ وَأَلْطَفَ مَحَلًّا ، فَيَصْطَنِعُهُ بِالْكَرَامَةِ وَالْأَثَرَةِ وَيَسْتَخْلِصُهُ لِنَفْسِهِ . انْتَهَى .
وَمَعْنَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=41لِنَفْسِي ) ، أَيْ : لِأَوَامِرِي وَإِقَامَةِ حُجَجِي وَتَبْلِيغِ رِسَالَتِي ، فَحَرَكَاتُكَ وَسَكَنَاتُكَ لِي لَا لِنَفْسِكَ وَلَا لِأَحَدٍ غَيْرِكَ .