( وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل     ) أي أمرنا أو وصينا ، أو أوحينا ، أو قلنا ، أقوال متقاربة المعنى . ( أن طهرا    ) : يحتمل أن تكون أن تفسيرية ، أي طهرا ففسر بها العهد ، ويحتمل أن تكون مصدرية ، أي بأن طهرا . فعلى الأول لا موضع لها من الإعراب ، وعلى الثاني يحتمل الجر والنصب على اختلاف النحويين . إذا حذف من " أن " حرف الجر ، هل المحل نصب أو خفض ؟ وقد تقدم لنا الكلام مرة في وصل أن بفعل الأمر ، وأنه نص على ذلك  سيبويه  وغيره ، وفي ذلك نظر ; لأن جميع ما ذكر من ذلك محتمل ، ولا أحفظ من كلامهم : عجبت من أن أضرب زيدا ، ولا يعجبني أن أضرب زيدا ، فتوصل بالأمر ، ولأن انسباك المصدر يحيل معنى الأمر   [ ص: 382 ] ويصيره مستندا إليه وينافي ذلك الأمر . والتطهير : المأمور به هو التنظيف من كل ما لا يليق به . وقد فسروا التطهير بالبناء والتأسيس على الطهارة والتوحيد ، قاله  السدي  ، وهو بعيد ، وبالتطهير من الأوثان . وذكروا أنه كان عامرا على عهد نوح  ، وأنه كان فيه أصنام على أشكال صالحيهم ، وأنه طال العهد ، فعبدت من دون الله ، فأمر الله بتطهيره من تلك الأوثان ، قاله جبير  ومجاهد  وعطاء  ومقاتل    . والمعنى : أنه لا ينصب فيه وثن ولا يعبد فيه غير الله . وقال يمان    : معناه بخراه ونظفاه وخلقاه . وقيل : من الآفات والريب . وقيل : من الكفار . وقيل : من الفرث والدم الذي كان يطرح فيه . وقيل : معناه أخلصاه لهؤلاء ، لا يغشاه غيرهم ، والأولى حمله على التطهير مما لا يناسب بيوت الله ، فيدخل فيه الأوثان والأنجاس ، وجميع الخبائث ، وما يمنع منه شرعا ، كالحائض . 
( بيتي    ) : هذه إضافة تشريف ، لا أن مكانا محل لله تعالى ، ولكن لما أمر ببنائه وتطهيره وإيفاد الناس من كل فج إليه ، صار له بذلك اختصاص ، فحسنت إضافته إلى الله بذلك ، وصار نظير قوله : ( ناقة الله    ) و ( روح الله    ) ، من حيث إن في كل منهما خصوصية لا توجد في غيره ، فناسب الإضافة إليه تعالى . والأمر بتطهيره يقتضي سبق وجوده ، إلا إذا حملنا التطهير على البناء والتأسيس على الطهارة والتقوى . وقد تقدم أنه كان مبنيا على عهد نوح    . ( للطائفين والعاكفين    ) : ظاهره أنه كل من يطوف من حاضر أو باد ، قاله عطاء  وغيره . وقال ابن جبير    : الغرباء الطارئون على مكة  حجاجا وزوارا ، فيرحلون عن قريب ، ويؤيده أنه ذكر بعده " والعاكفين " ، قال : وهم أهل البلد الحرام المقيمون ، والمقيم مقابل المسافر . وقال عطاء    : العاكفون هم الجالسون من غير طواف من بلدي وغريب   . وقال مجاهد    : المجاورون له من الغرباء . وقال  ابن عباس    : المصلون ; لأن الذي يكون يدخل إلى البيت  ، إنما يدخل لطواف أو صلاة . وقيل : هم المعتكفون . قال  الزمخشري    : ويجوز أن يراد بالعاكفين : الواقفين ، يعني القائمين ، كما قال للطائفين والقائمين والركع السجود ، والمعنى للطائفين والمصلين ; لأن القيام والركوع والسجود هيآت المصلي . انتهى . ولو قال : القائم هنا معناه : العاكف ، من قوله : " ما دمت عليه قائما    " لكان حسنا ، ويكون في ذلك جمع بين أحوال من دخل البيت  للتعبد ; لأنه لا يخلو إذ ذاك من طواف أو اعتكاف أو صلاة ، فيكون حمله على ذلك أجمع لما هيئ البيت  له . 
( والركع السجود    ) : هم المصلون عند الكعبة  ، قاله عطاء  وغيره . وقال الحسن    : هم جميع المؤمنين ، وخص الركوع والسجود بالذكر من جميع أحوال المصلي ، لأنهما أقرب أحواله إلى الله ، وقدم الركوع على السجود لتقدمه عليه في الزمان ، وجمعا جمع تكسير لمقابلتهما ما قبلهما من جمعي السلامة ، فكان ذلك تنويعا في الفصاحة ، وخالف بين وزني تكسيرهما تنويعا في الفصاحة أيضا ، وكان آخرهما على فعول لا على فعل لأجل كونها فاصلة ، والفواصل قبلها وبعدها آخرها قبله حرف مد ولين ، وعطفت تينك الصفتان لفرط التباين بينهما بأي تفسير فسرتهما مما سبق . ولم يعطف السجود على الركع ; لأن المقصود بهما المصلون . والركع والسجود وإن اختلفت هيئاتهما فيشملهما فعل واحد وهو الصلاة . فالمراد بالركع السجود : المصلون ، فناسب أن لا يعطف ، لئلا يتوهم أن كل واحد منهما عبادة على حيالها ، وليستا مجتمعتين في عبادة واحدة ، وليس كذلك . وفي قوله : ( والركع السجود    ) دلالة على جواز الصلاة في البيت فرضا ونفلا ، إذ لم يخصص . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					