nindex.php?page=treesubj&link=32287سورة الفرقان
بسم الله الرحمن الرحيم
[ ص: 479 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=1تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=2الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=3واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=4وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلما وزورا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=5وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=6قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفورا رحيما nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=7وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=8أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=9انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=10تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=11بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=12إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=13وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=14لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=15قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء ومصيرا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=16لهم فيها ما يشاءون خالدين كان على ربك وعدا مسئولا )
[ ص: 480 ] هذه السورة مكية في قول الجمهور . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
وقتادة : إلا ثلاث آيات نزلت بالمدينة وهي (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=68والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ) إلى قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=70وكان الله غفورا رحيما ) ، وقال
الضحاك مدنية إلا من أولها إلى قوله : ( ولا نشورا ) ، فهو مكي .
nindex.php?page=treesubj&link=28862ومناسبة أول هذه السورة لآخر ما قبلها أنه لما ذكر وجوب مبايعة المؤمنين للرسول ، وأنهم إذا كانوا معه في أمر مهم توقف انفصال واحد منهم على إذنه ، وحذر من يخالف أمره ، وذكر أن له ملك السماوات والأرض وأنه تعالى عالم بما هم عليه ومجازيهم على ذلك ، فكان ذلك غاية في التحذير والإنذار ، ناسب أن يفتتح هذه السورة بأنه تعالى منزه في صفاته عن النقائص ، كثير الخير ، ومن خيره أنه ( نزل الفرقان ) على رسوله منذرا لهم ، فكان في ذلك إطماع في خيره وتحذيره من عقابه . و ( تبارك ) تفاعل مطاوع بارك وهو فعل لا يتصرف ولم يستعمل في غيره تعالى ، فلا يجيء منه مضارع ولا اسم فاعل ولا مصدر . وقال
الطرماح :
تباركت لا معط لشيء منعته وليس لما أعطيت يا رب مانع
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : لم يزل ولا يزول . وقال
الخليل : تمجد . وقال
الضحاك : تعظم . وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي تباركت عليكم من قول عربي صعد رابية فقال لأصحابه ذلك ، أي تعاليت وارتفعت . ففي هذه الأقوال تكون صفة ذات . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أيضا
والحسن والنخعي : هو من البركة ، وهو التزايد في الخير من قبله ، فالمعنى زاد خيره وعطاؤه وكثر ، وعلى هذا يكون صفة فعل وجاء الفعل مسندا إلى ( الذي ) ، وهم وإن كانوا لا يقرون بأنه تعالى هو الذي نزل الفرقان فقد قام الدليل على إعجازه ، فصارت الصلة معلومة بحسب الدليل ، وإن كانوا منكرين لذلك . وتقدم في آل عمران لم سمي القرآن فرقانا .
وقرأ الجمهور ( على عبده ) ، وهو الرسول
محمد - صلى الله عليه وسلم - . وقرأ
ابن الزبير على عباده أي الرسول وأمته ، كما قال ( لقد أنزلنا إليكم ) ، ( وما أنزل إلينا ) ، ويبعد أن يراد بالقرآن الكتب المنزلة ، وبعبده من نزلت عليهم فيكون اسم جنس كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=34وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) ، والضمير في ( ليكون ) . قال
ابن زيد : عائد على ( عبده ) ويترجح بأنه العمدة المسند إليه الفعل ، وهو من وصفه تعالى ، كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=3إنا كنا منذرين ) . والظاهر أن ( نذيرا ) بمعنى منذر . وجوز أن يكون مصدرا بمعنى الإنذار كالنكير بمعنى الإنكار ، ومنه (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=16فكيف كان عذابي ونذر ) . و ( للعالمين ) عام للإنس والجن ، ممن عاصره أو جاء بعده ، وهذا معلوم من الحديث المتواتر وظواهر الآيات . وقرأ
ابن الزبير ( للعالمين ) للجن والإنس ، وهو تفسير ( للعالمين ) .
ولما سبق في أواخر السورة (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=64ألا إن لله ما في السماوات والأرض ) ، فكان إخبارا بأن ما فيهما ملك له ، أخبر هنا أنه له ملكهما أي قهرهما وقهر ما فيهما ، فاجتمع له الملك والملك لهما ولما فيهما ، و ( الذي ) مقطوع للمدح رفعا أو نصبا أو نعت أو بدل من ( الذي نزل ) ، وما بعد ( نزل ) من تمام الصلة ومتعلق به فلا يعد فاصلا بين النعت أو البدل ومتبوعه .
( ولم يتخذ ولدا ) الظاهر نفي الاتخاذ ، أي : لم ينزل أحدا منزلة الولد . وقيل : المعنى لم يكن له ولد ، بمعنى قوله : لم يلد لأن التوالد مستحيل عليه . وفي ذلك رد على مشركي
قريش وعلى
النصارى واليهود الناسبين لله الولد . (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=2ولم يكن له شريك في الملك ) تأكيد لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=2له ملك السماوات والأرض ) ، ورد على من جعل لله شريكا .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=2وخلق كل شيء ) عام في خلق الذوات وأفعالها . قيل : وفي
[ ص: 481 ] الكلام حذف تقديره (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=2وخلق كل شيء ) ، مما يصح خلقه لتخرج عنه ذاته وصفاته القديمة ، انتهى . ولا يحتاج إلى هذا المحذوف ; لأن من قال : أكرمت كل رجل لا يدخل هو في العموم ، فكذلك لم يدخل في عموم (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=2وخلق كل شيء ) ذاته تعالى ولا صفاته القديمة . ( فقدره تقديرا ) إن كان الخلق بمعنى التقدير ، فكيف جاء ( فقدره ) إذ يصير المعنى وقدر كل شيء يقدره ( تقديرا ) . فقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : المعنى أنه أحدث كل شيء إحداثا مراعى فيه التقدير والتسوية ، فقدره وهيأه لما يصلح له ، أو سمي إحداث الله خلقا ; لأنه لا يحدث شيئا لحكمته إلا على وجه التقدير من غير تفاوت . فإذا قيل : خلق الله كذا ، فهو بمنزلة إحداث الله وأوجد من غير نظر إلى وجه الاشتقاق ، فكأنه قيل : وأوجد كل شيء فقدره في إيجاده متفاوتا . وقيل : فجعل له غاية ومنتهى ، ومعناه ( فقدره ) للبقاء إلى أمد معلوم . وقال
ابن عطية : تقدير الأشياء هو حدها بالأمكنة والأزمان والمقادير والمصلحة والإتقان ، انتهى .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=3واتخذوا من دونه آلهة ) الضمير في ( واتخذوا ) عائد على ما يفهم من سياق الكلام ; لأن في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=2ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك ) ، دلالة على ذلك لم ينف إلا وقد قيل به . وقال
الكرماني : الواو ضمير للكفار وهم مندرجون في قوله : ( للعالمين ) . وقيل : لفظ ( نذيرا ) ينبئ عنهم ; لأنهم المنذرون ويندرج في ( واتخذوا ) كل من ادعى إلها غير الله ، ولا يختص ذلك بعباد الأوثان وعباد الكواكب . وقال القاضي : يبعد أن يدخل فيه
النصارى ; لأنهم لم يتخذوا من دون الله آلهة على الجمع . والأقرب أن المراد به عبدة الأصنام ، ويجوز أن يدخل فيه من عبد الملائكة ; لأن لعبادها كثرة ، انتهى . ولا يلزم ما قال ; لأن ( واتخذوا ) جمع و ( آلهة ) جمع ، وإذا قوبل الجمع بالجمع تقابل الفرد بالفرد ، ولا يلزم أن يقابل الجمع بالجمع فيندرج معبود
النصارى في لفظ ( آلهة ) .
ثم وصف الآلهة بانتفاء إنشائهم شيئا من الأشياء إشارة إلى انتفاء القدرة بالكلية ، ثم بأنهم مخلوقون لله ذاتا أو مصنوعون بالنحت والتصوير على شكل مخصوص ، وهذا أبلغ في الخساسة ، ونسبة الخلق للبشر تجوز . ومنه قول
زهير :
ولأنت تفري ما خلقت وبعض القوم يخلق ثم لا يفري
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : الخلق بمعنى الافتعال كما في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=17وتخلقون إفكا ) ، والمعنى أنهم آثروا على عبادته عبادة آلهة لا عجز أبين من عجزهم ، لا يقدرون على شيء من أفعال الله ولا أفعال العباد حيث لا يفتعلون شيئا وهم يفتعلون ; لأن عبدتهم يصنعونهم بالنحت والتصوير . (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=3ولا يملكون لأنفسهم ) دفع ضرر عنها ولا جلب نفع إليها وهم يستطيعون ، وإذا عجزوا عن الافتعال ودفع الضرر وجلب النفع الذي يقدر عليه العباد كانوا عن الموت والحياة والنشور التي لا يقدر عليها إلا الله أعجز .
( وقال الذين كفروا ) . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : هو
النضر بن الحارث وأتباعه ، والإفك أسوأ الكذب . (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=4وأعانه عليه قوم آخرون ) ، قال
مجاهد : قوم من
اليهود ألقوا أخبار الأمم إليه . وقيل :
عداس مولى حويطب بن عبد العزى ،
ويسار مولى العلاء بن الحضرمي ،
وجبر مولى عامر ، وكانوا كتابيين يقرءون التوراة أسلموا وكان الرسول يتعهدهم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أشاروا إلى قوم عبيد كانوا للعرب من
الفرس أبو فكيهة مولى الحضرميين .
وجبر ويسار وعداس وغيرهم . وقال
الضحاك : عنوا
أبا فكيهة الرومي . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد : عنوا بقوم آخرين المؤمنين ; لأن آخر لا يكون إلا من جنس الأول ، انتهى . وما قاله لا يلزم للاشتراك في جنس الإنسان ، ولا يلزم الاشتراك في الوصف ; ألا ترى إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=13فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة ) فقد اشتركتا في مطلق الفئة ، واختلفتا في الوصف .
والظاهر أن الضمير في ( فقد جاءوا ) عائد على ( الذين كفروا ) ، والمعنى أن هؤلاء الكفار وردوا ظلما ، كما تقول : جئت المكان فيكون جاء متعديا بنفسه ; قاله
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي ، ويجوز أن يحذف الجار أي بظلم
[ ص: 482 ] وزور ويصل الفعل بنفسه . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : إذا جاء يستعمل بهذين الاستعمالين ، وظلمهم أن جعلوا العربي يتلقن من العجمي كلاما عربيا أعجز بفصاحته جميع فصحاء العرب ، والزور أن بهتوه بنسبة ما هو بريء منه إليه . وقيل : الضمير عائد على قوم آخرين ، وهو من كلام الكفار ، والضمير في ( وقالوا ) للكفار ، وتقدم الكلام على (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=5أساطير الأولين ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=5اكتتبها ) أي : جمعها ، من قولهم : كتب الشيء ، أي : جمعه ، أو من الكتابة ، أي : كتبها بيده ، فيكون ذلك من جملة كذبهم عليه وهم يعلمون أنه لا يكتب ، ويكون كاستكب الماء واصطبه أي سكبه وصبه . ويكون لفظ افتعل مشعرا بالتكلف والاعتمال ، أو بمعنى أمر أن يكتب ، كقولهم احتجم وافتصد إذا أمر بذلك . (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=5فهي تملى عليه ) أي : تلقى عليه ليحفظها ; لأن صورة الإلقاء على المتحفظ كصورة الإملاء على الكاتب .
و (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=5أساطير الأولين ) خبر مبتدأ محذوف ، أي : هو أو هذه ( أساطير ) ، و ( اكتتبها ) خبر ثان ، ويجوز أن يكون ( أساطير ) مبتدأ و ( اكتتبها ) الخبر . وقرأ الجمهور ( اكتتبها ) مبنيا للفاعل . وقراءة طلحة مبنيا للمفعول ، والمعنى ( اكتتبها ) كاتب له ; لأنه كان أميا لا يكتب بيده وذلك من تمام إعجازه ، ثم حذفت اللام فأفضى الفعل إلى الضمير فصار ( اكتتبها ) إياه كاتب ، كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=155واختار موسى قومه ) ، ثم بني الفعل للضمير الذي هو إياه فانقلب مرفوعا مستترا بعد أن كان بارزا منصوبا ، وبقي ضمير الأساطير على حاله ، فصار ( اكتتبها ) كما ترى ، انتهى . وهو من كلام
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ولا يصح ذلك على مذهب جمهور البصريين ; لأن ( اكتتبها ) له كاتب وصل فيه اكتتب لمفعولين ، أحدهما : مسرح وهو ضمير الأساطير ، والآخر : مقيد وهو ضميره - عليه السلام - ثم اتسع في الفعل فحذف حرف الجر فصار ( اكتتبها ) إياه كاتب ، فإذا بني هذا الفعل للمفعول إنما ينوب عن الفاعل المفعول المسرح لفظا وتقديرا لا المسرح لفظا المقيد تقديرا ، فعلى هذا كان يكون التركيب اكتتبته لا ( اكتتبها ) وعلى هذا الذي قلناه جاء السماع عن العرب في هذا النوع ، الذي أحد المفعولين فيه مسرح لفظا وتقديرا ، والآخر مسرح لفظا لا تقديرا . قال الشاعر - وهو
nindex.php?page=showalam&ids=14899الفرزدق - :
ومنا الذي اختير الرجال سماحة وجودا إذا هب الرياح الزعازع
ولو جاء على ما قرره
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري لجاء التركيب : ومنا الذي اختيره الرجال ; لأن اختار تعدى إلى الرجال على إسقاط حرف الجر ; إذ تقديره اختير من الرجال . والظاهر أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=5اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا ) من تمام قول الكفار . وعن
الحسن أنه قول الله - سبحانه - يكذبهم وإنما يستقيم أن لو فتحت الهمزة في ( اكتتبها ) للاستفهام الذي في معنى الإنكار ، ووجهه أن يكون نحو قوله :
أفرح إن أرزأ الكرام وأن آخذ ذودا شصايصا نبلا
وحق
للحسن أن يقف على الأولين . والظاهر تقييد الإملاء بوقت انتشار الناس وحين الإيواء إلى مساكنهم ، وهما البكرة والأصيل ، أو يكونان عبارة عن الديمومة . وقرأ
طلحة ،
وعيسى " فهي تتلى " بالتاء بدل الميم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=6قل أنزله الذي يعلم السر ) أي كل سر خفي ، ورد عليهم بهذا وهو وصفه تعالى بالعلم ; لأن هذا القرآن لم يكن ليصدر إلا من علام بكل المعلومات لما احتوى عليه من إعجاز التركيب الذي لا يمكن صدوره من أحد ، ولو استعان بالعالم كلهم ولاشتماله على مصالح العالم وعلى أنواع العلوم ، واكتفى بعلم السر ; لأن ما سواه أولى أن يتعلق علمه به ، أو ( يعلم ) ما تسرون من الكيد لرسوله مع علمكم ببطل ما تقولون فهو مجازيكم ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=6إنه كان غفورا رحيما ) إطماع في أنهم إذا تابوا غفر لهم ما فرط من كفرهم ورحمهم . أو ( غفورا رحيما ) في كونه أمهلكم ولم يعاجلكم على ما استوجبتموه من العقاب بسبب
[ ص: 483 ] مكابرتكم ، أو لما تقدم ما يدل على العقاب أعقبه بما يدل على القدرة عليه ; لأن المتصف بالغفران والرحمة قادر على أن يعاقب .
( وقالوا ) الضمير لكفار
قريش ، وكانوا قد جمعهم والرسول مجلس مشهور ، ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق في السير فقال
عتبة وغيره : إن كنت تحب الرئاسة وليناك علينا ، أو المال جمعنا لك ، فلما أبى عليهم اجتمعوا عليه فقالوا : ما لك وأنت رسول من الله تأكل الطعام ، وتقف بالأسواق لالتماس الرزق ; سل ربك أن ينزل معك ملكا ينذر معك ، أو يلقي إليك كنزا تنفق منه ، أو يرد لك جبال مكة ذهبا وتزال الجبال ، ويكون مكانها جنات تطرد فيها المياه ، وأشاعوا هذه المحاجة ، فنزلت الآية . وكتب في المصحف لام الجر مفصولة من ( هذا ) ، وهذا استفهام يصحبه استهزاء ، أي : ( مال هذا ) الذي يزعم أنه رسول أنكروا عليه ما هو عادة للرسل ، كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=20وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ) ، أي : حاله كحالنا ، أي : كان يجب أن يكون مستغنيا عن الأكل والتعيش ، ثم قالوا : وهب أنه بشر فهلا أرفد بملك ينذر معه أو يلقى إليه كنز من السماء يستظهر به ولا يحتاج إلى تحصيل المعاش . ثم اقتنعوا بأن يكون له بستان يأكل منه ويرتزق كالمياسير . وقرئ " فتكون " بالرفع ، حكاه
أبو معاذ عطفا على ( أنزل ) ; لأن ( أنزل ) في موضع رفع ، وهو ماض وقع موقع المضارع ، أي : هلا ينزل إليه ملك ، أو هو جواب التحضيض على إضمار هو ، أي : فهو يكون . وقراءة الجمهور بالنصب على جواب التحضيض . وقوله : ( أو يلقى ) ( أو ) يكون عطف على ( أنزل ) أي لولا ينزل ، فيكون المطلوب أحد هذه الأمور أو مجموعها باعتبار اختلاف القائلين ، ولا يجوز النصب في ( أو يلقى ) ولا في ( أو تكون ) عطفا على ( فيكون ) ; لأنهما في حكم المطلوب بالتحضيض لا في حكم الجواب لقوله : ( لولا أنزل ) . وقرأ
قتادة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش : " أو يكون " بالياء من تحت . وقرأ ( يأكل ) بياء الغيبة ، أي : الرسول ،
nindex.php?page=showalam&ids=15948وزيد بن علي وحمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي وابن وثاب وطلحة nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش بنون الجمع ، أي : يأكلون هم من ذلك البستان فينتفعون به في دنياهم ومعاشهم .
( وقال الظالمون ) أي : للمؤمنين . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وأراد بالظالمين إياهم بأعيانهم وضع الظاهر موضع المضمر ليسجل عليهم بالظلم فيما قالوه ، انتهى . وتركيبه وأراد بالظالمين إياهم بأعيانهم ليس تركيبا سائغا ، بل التركيب العربي أن يقول : وأرادهم بأعيانهم بالظالمين ( مسحورا ) غلب على عقله السحر وهذا أظهر ، أو ذا سحر وهو الرئة ، أو يسحر بالطعام وبالشراب ، أي : يغذى ، أو أصيب سحره كما تقول رأسته أصبت رأسه . وقيل : ( مسحورا ) ساحرا عنوا به أنه بشر مثلهم لا ملك . وتقدم تفسيره في الإسراء وبهذين القولين قيل : والقائلون ذلك
النضر بن الحارث وعبد الله بن أبي أمية ونوفل بن خويلد ومن تابعهم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=9انظر كيف ضربوا لك الأمثال ) أي : قالوا فيك تلك الأقوال واخترعوا لك تلك الصفات والأحوال النادرة من نبوة مشتركة بين إنسان وملك ، وإلقاء كنز عليك ، وغير ذلك ، فبقوا متحيرين ضلالا لا يجدون قولا يستقرون عليه ، أي : فضلوا عن الحق فلا يجدون طريقا له . وقيل : (
ضربوا لك الأمثال ) بالمسحور والكاهن والشاعر وغيره ، ( فضلوا ) أخطئوا الطريق فلا يجدون سبيل هداية ولا يطيقونه ; لالتباسهم بضده من الضلال . وقيل (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=9فلا يستطيعون سبيلا ) إلى حجة وبرهان على ما يقولون ، فمرة يقولون : هو بليغ فصيح يتقول القرآن من نفسه ويفتريه ، ومرة : مجنون ، ومرة : ساحر ، ومرة : مسحور . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : شبه لك هؤلاء المشركون الأشباه بقولهم هو مسحور فضلوا بذلك عن قصد السبيل ، فلا يجدون طريقا إلى الحق الذي بعثك به . وقال
مجاهد : لا يجدون مخرجا يخرجهم عن الأمثال التي ( ضربوا لك ) . ومعناه أنهم ( ضربوا لك ) هذه ليتوصلوا بها إلى تكذيبك ، ( فضلوا ) عن سبيل الحق وعن بلوغ ما أرادوا .
وقال أبو
عبد الله الرازي ( انظر كيف )
[ ص: 484 ] اشتغل القوم بضرب هذه الأمثال التي لا فائدة فيها ; لأجل أنهم لما ضلوا وأرادوا القدح في نبوتك ، لم يجدوا إلى القدح سبيلا ، إذ الطعن عليه إنما يكون فيما يقدح في المعجزات التي ادعاها لا بهذا الجنس من القول . وقال
الفراء : لا يستطيعون في أمرك حيلة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : ( سبيلا ) إلى الطعن .
ولما قال المشركون ما قالوا قيل : فيما يروى إن شئت أن نعطيك خزائن الدنيا ومفاتيحها ، ولم يعط ذلك أحد قبلك ولا يعطاه أحد بعدك ، وليس ذلك بناقصك في الآخرة شيئا ، وإن شئت جمعناه لك في الآخرة فقال : يجمع لي ذلك في الآخرة فنزل : ( تبارك الذي ) . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس عنه - عليه السلام - قال : عرض علي
جبريل - عليه السلام - بطحاء
مكة ذهبا ، فقلت : بل شبعة وثلاث جوعات ، وذلك أكثر لذكري ومسألتي . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في ( تبارك ) : أي تكاثر خيرا ( الذي إن شاء ) وهب لك في الدنيا ( خيرا ) مما قالوا ، وهو أن يجعل لك مثل ما وعدك في الآخرة من الجنات والقصور ، انتهى .
والإشارة بـ ( ذلك ) الظاهر أنه إلى ما ذكره الكفار من الجنة والكنز في الدنيا ; قاله
مجاهد . ويبعد تأويل
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه إشارة إلى أكله الطعام ومشيه في الأسواق ، والظاهر أن هذا الجعل كان يكون في الدنيا لو شاءه الله . وقيل : في الآخرة ودخلت ( إن ) على المشيئة تنبيها أنه لا ينال ذلك إلا برحمته ، وأنه معلق على محض مشيئته ، ليس لأحد من العباد على الله حق لا في الدنيا ولا في الآخرة . والأول أبلغ في تبكيت الكفار والرد عليهم . قال
ابن عطية : ويرده قوله بعد ذلك : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=11بل كذبوا بالساعة ) ، انتهى . ولا يرده ; لأن المعنى به متمكن وهو عطف على ما حكي عنهم يقول : بل أتى بأعجب من ذلك كله ، وهو تكذيبهم بالساعة . وقرأ الجمهور ( ويجعل ) بالجزم ، قالوا عطفا على موضع جعل ; لأن التقدير إن يشأ يجعل ، ويجوز أن يكون مرفوعا أدغمت لامه في لام ( لك ) ، لكن ذلك لا يعرف إلا من مذهب
أبي عمرو ، والذي قرأ بالجزم من السبعة
نافع وحمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي وأبو عمرو ، وليس من مذهب الثلاثة إدغام المثلين إذا تحرك أولهما ، إنما هو من مذهب
أبي عمرو كما ذكرنا . وقرأ
مجاهد وابن عامر وابن كثير وحميد وأبو بكر ومحبوب ، عن
أبي عمرو ، بالرفع . قال
ابن عطية : والاستئناف ووجهه العطف على المعنى في قوله : ( جعل ) ; لأن جواب الشرط هو موضع استئناف . ألا ترى أن الجمل من الابتداء والخبر قد تقع موقع جواب الشرط ؟ وقال
الحوفي : من رفع جعله مستأنفا منقطعا مما قبله ، انتهى . وقال
أبو البقاء : وبالرفع على الاستئناف . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وقرئ ( ويجعل ) بالرفع عطفا على ( جعل ) ; لأن الشرط إذا وقع ماضيا جاز في جوابه الجزم والرفع ، كقوله :
وإن أتاه خليل يوم مسألة يقول : لا غائب مالي ولا حرم
انتهى . وهذا الذي ذهب إليه
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري من أنه : إذا كان فعل الشرط ماضيا جاز في جوابه الرفع ، ليس مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه ; إذ مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه أن الجواب محذوف ، وأن هذا المضارع المرفوع النية به التقديم ، ولكون الجواب محذوفا لا يكون فعل الشرط إلا بصيغة الماضي .
وذهب الكوفيون والمبرد إلى أنه هو الجواب وأنه على حذف الفاء ، وذهب غير هؤلاء إلى أنه هو الجواب ، وليس على حذف الفاء ولا على التقديم ، ولما لم يظهر لأداة الشرط تأثير في فعل الشرط لكونه ماضي اللفظ ضعف عن العمل في فعل الجواب فلم تعمل فيه ، وبقي مرفوعا ، وذهب الجمهور إلى أن هذا التركيب فصيح وأنه جائز في الكلام . وقال بعض أصحابنا : هو ضرورة إذ لم يجئ إلا في الشعر ، وهو على إضمار الفاء ، والكلام على هذه المذاهب مذكور في علم النحو . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16527عبيد الله بن موسى وطلحة بن سليمان ( ويجعل ) بالنصب على إضمار أن . وقال
أبو الفتح : هي على جواب الشرط بالواو ، وهي قراءة ضعيفة ، انتهى . ونظير هذه القراءات الثلاث قول
النابغة :
[ ص: 485 ] فإن يهلك أبو قابوس يهلك ربيع الناس والشهر الحرام
ونأخذ بعده بذناب عيش أجب الظهر ليس له سنام
يروى بجزم نأخذ ورفعه ونصبه . (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=11بل كذبوا بالساعة ) ، قال
الكرماني : المعنى ما منعهم من الإيمان أكلك الطعام ولا مشيك في السوق ، بل منعهم تكذيبهم بالساعة . وقيل : ليس ما تعلقوا به شبهة بل الحامل على تكذيبك تكذيبهم بالساعة استثقالا للاستعداد لها . وقيل : يجوز أن يكون متصلا بما يليه ، كأنه قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=11بل كذبوا بالساعة ) ، فكيف يلتفتون إلى هذا الجواب ، وكيف يصدقون بتعجيل مثل ما وعدك في الآخرة وهم لا يؤمنون بالآخرة ؟ ! انتهى . وبل لترك اللفظ المتقدم من غير إبطال لمعناه وأخذ في لفظ آخر . ( وأعتدنا ) جعلناه معدا . ( سعيرا ) نارا كبيرة الإيقاد . وعن
الحسن : اسم من أسماء جهنم . ( إذا رأتهم ) ، قيل : هو حقيقة وإن لجهنم عينين ، وروي في ذلك أثر فإن صح كان هو القول الصحيح . وإلا كان مجازا ، أي صارت منهم بقدر ما يرى الرائي من البعد كقولهم : دورهم تتراءى أي تتناظر وتتقابل ، ومنه : لا تتراءى ناراهما . وقال قوم : النار اسم لحيوان ناري يتكلم ويرى ويسمع ويتغير ويزفر ; حكاه
الكرماني ، وقيل : هو على حذف مضاف ، أي : رأتهم خزنتها من مكان بعيد ، قيل : مسيرة خمسمائة عام . وقيل : مائة سنة . وقيل : سنة . ( سمعوا لها ) صوت تغيظ ; لأن التغيظ لا يسمع ، وإذا كان على حذف المضاف كان المعنى تغيظوا وزفروا غضبا على الكفار وشهوة للانتقام منهم . وقيل : ( سمعوا ) صوت لهيبها واشتعالها ، وقيل : هو مثل قول الشاعر :
فيا ليت زوجك قد غدا متقلدا سيفا ورمحا
وهذا مخرج على تخريجين أحدهما الحذف ، أي : ومعتقلا رمحا . والثاني : تضمين ضمن متقلدا معنى متسلحا فكذلك الآية ، أي : ( سمعوا لها ) ورأوا (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=12تغيظا وزفيرا ) وعاد كل واحد إلى ما يناسبه . أو ضمن ( سمعوا ) معنى أدركوا فيشمل التغيظ والزفير . وانتصب ( مكانا ) على الظرف أي في مكان ضيق . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : تضيق عليهم ضيق الزج في الرمح مقرنين قرنت أيديهم إلى أعناقهم بالسلاسل . وقيل : يقرن مع كل كافر شيطانه في سلسلة وفي أرجلهم الأصفاد . وقرأ
ابن كثير وعبيد عن
أبي عمرو ( ضيقا ) قال
ابن عطية : وقرأ
أبو شيبة صاحب
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل مقرنون بالواو ، وهي قراءة شاذة ، والوجه قراءة الناس ونسبها
ابن خالويه إلى
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل ووجهها أن يرتفع على البدل من ضمير : ( ألقوا ) بدل نكرة من معرفة ، ونصب على الحال ، والظاهر دعاء الثبور ، وهي الهلاك ، فيقولون : واثبوراه ! أي يقال : يا ثبور فهذا أوانك . وقيل : المدعو محذوف تقديره دعوا من لا يجيبهم قائلين ثبرنا ثبورا . والثبور ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : هو الويل ، وقال
الضحاك : هو الهلاك ، ومنه قول
ابن الزبعرى :
إذ يجاري الشيطان في سنن الغي ومن مال ميله مثبور
( لا تدعوا اليوم ) يقال لهم : ( لا تدعوا ) ، أو هم أحق أن يقال لهم ذلك وإن لم يكن هناك قول ، أي : لا تقتصروا على حزن واحد بل احزنوا حزنا كثيرا ، وكثرته إما لديمومة العذاب فهو متجدد دائما ، وإما لأنه أنواع وكل نوع يكون منه ثبور لشدته وفظاعته . وقرأ
عمرو بن محمد ( ثبورا ) بفتح الثاء في ثلاثتها ، وفعول بفتح الفاء في المصادر قليل ، نحو البتول . وحكى
علي بن عيسى : ما ثبرك عن هذا الأمر ، أي : ما صرفك . كأنهم دعوا بما فعلوا فقالوا : واصرفاه عن طاعة الله ! كما تقول : واندامتاه ! . روي أن أول ما ينادي بذلك إبليس ، يقول : واثبوراه ! حتى يكسى حلة من جهنم يضعها على جبينه ويسحبها من خلفه ، ثم يتبعه في القول أتباعه ، فيقول لهم خزان جهنم : ( لا تدعوا ) الآية . وقيل : نزلت في
ابن خطل وأصحابه . والظاهر أن الإشارة
[ ص: 486 ] بذلك إلى النار وأحوال أهلها . وقيل : إلى الجنة والكنز في قولهم . وقيل : إلى الجنة والقصور المجعولة في الدنيا على تقدير المشيئة ، و ( خير ) هنا ليست تدل على الأفضلية ، بل هي على ما جرت عادة العرب في بيان فضل الشيء وخصوصيته بالفضل دون مقابله ، كقوله :
فشركما لخيركما الفداء
وكقول العرب : الشقاء أحب إليك أم السعادة . وكقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=33السجن أحب إلي مما يدعونني إليه ) وهذا الاستفهام على سبيل التوقيف والتوبيخ .
قال
ابن عطية : ومن حيث كان الكلام استفهاما ; جاز فيه مجيء لفظه للتفضيل بين الجنة والنار في الخير ; لأن الموقف جائز له أن يوقف محاوره على ما شاء ليرى هل يجيبه بالصواب أو بالخطأ ، وإنما منع
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه وغيره من التفضيل إذا كان الكلام خبرا ; لأن فيه مخالفة ، وأما إذا كان استفهاما فذلك سائغ ، انتهى . وما ذكره يخالفه قوله :
فشركما لخيركما الفداء
وقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=33السجن أحب إلي ) فإن هذا خبر . وكذلك قولهم : العسل أحلى من الخل إلا إن تقيد الخبر بأنه إذا كان واضحا الحكم فيه للسامع ، بحيث لا يختلج في ذهنه ولا يتردد أيهما أفضل فإنه يجوز . وضمير ( التي ) محذوف ، أي : وعدها ، وضمير ( ما يشاءون ) كذلك ، أي : ما يشاءونه ، وفي قوله : ما يشاءونه دليل على أن حصول المرادات بأسرها لا تكون إلا في الجنة . وشمل قوله : ( جزاء ومصيرا ) الثواب ومحله كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=31نعم الثواب وحسنت مرتفقا ) ، وفي ضده (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=29بئس الشراب وساءت مرتفقا ) ; لأنه بطيب المكان يتضاعف النعيم ، كما أنه برداءته يتضاعف العذاب ( وعدا ) ، أي : موعودا ، ( مسئولا ) سألته الملائكة في قولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=8ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ) ; قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب ، والناس في قولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=194ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=201ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ) ، وقال معناه
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وابن زيد .
وقال
الفراء : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=16وعدا مسئولا ) أي : واجبا ، يقال لأعطينك ألفا وعدا مسئولا ، أي : واجبا وإن لم يسأل . قيل : وما قاله
الفراء محال ، انتهى . وليس محالا ; إذ يكون المعنى أنه ينبغي أن يسأل هذا الوعد الذي وعدته أو بصدد أن يسأل ، أي : من حقه أن يكون مسئولا . و ( على ربك ) ، أي : بسبب الوعد صار لا بد منه . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : كان ذلك موعودا واجبا على ربك إنجازه حقيقا أن يسأل ويطلب لأنه جزاء وأجر مستحق ، وهذا على مذهب المعتزلة .
nindex.php?page=treesubj&link=32287سُورَةُ الْفُرْقَانِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
[ ص: 479 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=1تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=2الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=3وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=4وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=5وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=6قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=7وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=8أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=9انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=10تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=11بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=12إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=13وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=14لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=15قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=16لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا )
[ ص: 480 ] هَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ،
وَقَتَادَةُ : إِلَّا ثَلَاثَ آيَاتٍ نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ وَهِيَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=68وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ) إِلَى قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=70وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) ، وَقَالَ
الضَّحَّاكُ مَدَنِيَّةٌ إِلَّا مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى قَوْلِهِ : ( وَلَا نُشُورًا ) ، فَهُوَ مَكِّيٌّ .
nindex.php?page=treesubj&link=28862وَمُنَاسَبَةُ أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ لِآخِرِ مَا قَبْلَهَا أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ وُجُوبَ مُبَايَعَةِ الْمُؤْمِنِينَ لِلرَّسُولِ ، وَأَنَّهُمْ إِذَا كَانُوا مَعَهُ فِي أَمْرٍ مُهِمٍّ تَوَقَّفَ انْفِصَالُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى إِذْنِهِ ، وَحَذَّرَ مَنْ يُخَالِفُ أَمْرَهُ ، وَذَكَرَ أَنَّ لَهُ مُلْكَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَنَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِمَا هُمْ عَلَيْهِ وَمُجَازِيهِمْ عَلَى ذَلِكَ ، فَكَانَ ذَلِكَ غَايَةً فِي التَّحْذِيرِ وَالْإِنْذَارِ ، نَاسَبَ أَنْ يَفْتَتِحَ هَذِهِ السُّورَةَ بِأَنَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ فِي صِفَاتِهِ عَنِ النَّقَائِصِ ، كَثِيرُ الْخَيْرِ ، وَمِنْ خَيْرِهِ أَنَّهُ ( نَزَّلَ الْفُرْقَانَ ) عَلَى رَسُولِهِ مُنْذِرًا لَهُمْ ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ إِطْمَاعٌ فِي خَيْرِهِ وَتَحْذِيرِهِ مِنْ عِقَابِهِ . وَ ( تَبَارَكَ ) تَفَاعَلَ مُطَاوِعُ بَارَكَ وَهُوَ فِعْلٌ لَا يَتَصَرَّفُ وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي غَيْرِهِ تَعَالَى ، فَلَا يَجِيءُ مِنْهُ مُضَارِعٌ وَلَا اسْمُ فَاعِلٍ وَلَا مَصْدَرٌ . وَقَالَ
الطِّرِمَّاحُ :
تَبَارَكْتَ لَا مُعْطٍ لِشَيْءٍ مَنَعْتَهُ وَلَيْسَ لِمَا أَعْطَيْتَ يَا رَبِّ مَانِعُ
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزُولُ . وَقَالَ
الْخَلِيلُ : تَمَجَّدَ . وَقَالَ
الضَّحَّاكُ : تَعَظَّمَ . وَحَكَى
nindex.php?page=showalam&ids=13721الْأَصْمَعِيُّ تَبَارَكْتُ عَلَيْكُمْ مِنْ قَوْلِ عَرَبِيٍّ صَعِدَ رَابِيَةً فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ ذَلِكَ ، أَيْ تَعَالَيْتُ وَارْتَفَعْتُ . فَفِي هَذِهِ الْأَقْوَالِ تَكُونُ صِفَةَ ذَاتٍ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا
وَالْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ : هُوَ مِنَ الْبَرَكَةِ ، وَهُوَ التَّزَايُدُ فِي الْخَيْرِ مِنْ قِبَلِهِ ، فَالْمَعْنَى زَادَ خَيْرُهُ وَعَطَاؤُهُ وَكَثُرَ ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ صِفَةَ فِعْلٍ وَجَاءَ الْفِعْلُ مُسْنَدًا إِلَى ( الَّذِي ) ، وَهُمْ وَإِنْ كَانُوا لَا يُقِرُّونَ بِأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ فَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى إِعْجَازِهِ ، فَصَارَتِ الصِّلَةُ مَعْلُومَةً بِحَسَبِ الدَّلِيلِ ، وَإِنْ كَانُوا مُنْكِرِينَ لِذَلِكَ . وَتَقَدَّمَ فِي آلِ عِمْرَانَ لِمَ سُمِّيَ الْقُرْآنُ فُرْقَانًا .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ ( عَلَى عَبْدِهِ ) ، وَهُوَ الرَّسُولُ
مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . وَقَرَأَ
ابْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى عِبَادِهِ أَيِ الرَّسُولِ وَأُمَّتِهِ ، كَمَا قَالَ ( لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ ) ، ( وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا ) ، وَيَبْعُدُ أَنْ يُرَادَ بِالْقُرْآنِ الْكُتُبُ الْمُنَزَّلَةُ ، وَبِعَبْدِهِ مَنْ نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ فَيَكُونَ اسْمَ جِنْسٍ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=34وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ) ، وَالضَّمِيرُ فِي ( لِيَكُونَ ) . قَالَ
ابْنُ زَيْدٍ : عَائِدٌ عَلَى ( عَبْدِهِ ) وَيَتَرَجَّحُ بِأَنَّهُ الْعُمْدَةُ الْمُسْنَدُ إِلَيْهِ الْفِعْلُ ، وَهُوَ مِنْ وَصْفِهِ تَعَالَى ، كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=3إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ) . وَالظَّاهِرُ أَنَّ ( نَذِيرًا ) بِمَعْنَى مُنْذِرٍ . وَجُوِّزَ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا بِمَعْنَى الْإِنْذَارِ كَالنَّكِيرِ بِمَعْنَى الْإِنْكَارِ ، وَمِنْهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=16فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ) . وَ ( لِلْعَالَمِينَ ) عَامٌّ لِلْإِنْسِ وَالْجِنِّ ، مِمَّنْ عَاصَرَهُ أَوْ جَاءَ بَعْدَهُ ، وَهَذَا مَعْلُومٌ مِنَ الْحَدِيثِ الْمُتَوَاتِرِ وَظَوَاهِرِ الْآيَاتِ . وَقَرَأَ
ابْنُ الزُّبَيْرِ ( لِلْعَالَمِينَ ) لِلْجِنِّ وَالْإِنْسِ ، وَهُوَ تَفْسِيرٌ ( لِلْعَالَمِينَ ) .
وَلَمَّا سَبَقَ فِي أَوَاخِرِ السُّورَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=64أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) ، فَكَانَ إِخْبَارًا بِأَنَّ مَا فِيهِمَا مِلْكٌ لَهُ ، أَخْبَرَ هُنَا أَنَّهُ لَهُ مُلْكُهُمَا أَيْ قَهْرُهُمَا وَقَهْرُ مَا فِيهِمَا ، فَاجْتَمَعَ لَهُ الْمِلْكُ وَالْمُلْكُ لَهُمَا وَلِمَا فِيهِمَا ، وَ ( الَّذِي ) مَقْطُوعٌ لِلْمَدْحِ رَفْعًا أَوْ نَصْبًا أَوْ نَعْتٌ أَوْ بَدَلٌ مِنَ ( الَّذِي نَزَّلَ ) ، وَمَا بَعْدَ ( نَزَّلَ ) مِنْ تَمَامِ الصِّلَةِ وَمُتَعَلِّقٌ بِهِ فَلَا يُعَدُّ فَاصِلًا بَيْنَ النَّعْتِ أَوِ الْبَدَلِ وَمَتْبُوعِهِ .
( وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا ) الظَّاهِرُ نُفْيُ الِاتِّخَاذِ ، أَيْ : لَمْ يُنْزِلْ أَحَدًا مَنْزِلَةَ الْوَلَدِ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ ، بِمَعْنَى قَوْلِهِ : لَمْ يَلِدْ لِأَنَّ التَّوَالُدَ مُسْتَحِيلٌ عَلَيْهِ . وَفِي ذَلِكَ رَدٌّ عَلَى مُشْرِكِي
قُرَيْشٍ وَعَلَى
النَّصَارَى وَالْيَهُودِ النَّاسِبِينَ لِلَّهِ الْوَلَدَ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=2وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ ) تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=2لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) ، وَرَدٌّ عَلَى مَنْ جَعَلَ لِلَّهِ شَرِيكًا .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=2وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ) عَامٌّ فِي خَلْقِ الذَّوَاتِ وَأَفْعَالِهَا . قِيلَ : وَفِي
[ ص: 481 ] الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=2وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ) ، مِمَّا يَصِحُّ خَلْقُهُ لِتَخْرُجَ عَنْهُ ذَاتُهُ وَصِفَاتُهُ الْقَدِيمَةُ ، انْتَهَى . وَلَا يُحْتَاجُ إِلَى هَذَا الْمَحْذُوفِ ; لِأَنَّ مَنْ قَالَ : أَكْرَمْتُ كُلَّ رَجُلٍ لَا يَدْخُلُ هُوَ فِي الْعُمُومِ ، فَكَذَلِكَ لَمْ يَدْخُلْ فِي عُمُومِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=2وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ) ذَاتُهُ تَعَالَى وَلَا صِفَاتُهُ الْقَدِيمَةُ . ( فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ) إِنْ كَانَ الْخَلْقُ بِمَعْنَى التَّقْدِيرِ ، فَكَيْفَ جَاءَ ( فَقَدَّرَهُ ) إِذْ يَصِيرُ الْمَعْنَى وَقَدَّرَ كُلَّ شَيْءٍ يُقَدِّرُهُ ( تَقْدِيرًا ) . فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : الْمَعْنَى أَنَّهُ أَحْدَثَ كُلَّ شَيْءٍ إِحْدَاثًا مُرَاعًى فِيهِ التَّقْدِيرُ وَالتَّسْوِيَةُ ، فَقَدَّرَهُ وَهَيَّأَهُ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ ، أَوْ سُمِّيَ إِحْدَاثُ اللَّهِ خَلْقًا ; لِأَنَّهُ لَا يُحْدِثُ شَيْئًا لِحِكْمَتِهِ إِلَّا عَلَى وَجْهِ التَّقْدِيرِ مِنْ غَيْرِ تَفَاوُتٍ . فَإِذَا قِيلَ : خَلَقَ اللَّهُ كَذَا ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ إِحْدَاثِ اللَّهِ وَأَوْجَدَ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى وَجْهِ الِاشْتِقَاقِ ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ : وَأَوْجَدَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ فِي إِيجَادِهِ مُتَفَاوِتًا . وَقِيلَ : فَجَعَلَ لَهُ غَايَةً وَمُنْتَهًى ، وَمَعْنَاهُ ( فَقَدَّرَهُ ) لِلْبَقَاءِ إِلَى أَمَدٍ مَعْلُومٍ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : تَقْدِيرُ الْأَشْيَاءِ هُوَ حَدُّهَا بِالْأَمْكِنَةِ وَالْأَزْمَانِ وَالْمَقَادِيرِ وَالْمَصْلَحَةِ وَالْإِتْقَانِ ، انْتَهَى .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=3وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً ) الضَّمِيرُ فِي ( وَاتَّخَذُوا ) عَائِدٌ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ ; لِأَنَّ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=2وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ ) ، دَلَالَةً عَلَى ذَلِكَ لَمْ يُنْفَ إِلَّا وَقَدْ قِيلَ بِهِ . وَقَالَ
الْكَرْمَانِيُّ : الْوَاوُ ضَمِيرٌ لِلْكُفَّارِ وَهُمْ مُنْدَرِجُونَ فِي قَوْلِهِ : ( لِلْعَالَمِينَ ) . وَقِيلَ : لَفْظُ ( نَذِيرًا ) يُنْبِئُ عَنْهُمْ ; لِأَنَّهُمُ الْمُنْذَرُونَ وَيَنْدَرِجُ فِي ( وَاتَّخَذُوا ) كُلُّ مَنِ ادَّعَى إِلَهًا غَيْرَ اللَّهِ ، وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِعُبَّادِ الْأَوْثَانِ وَعُبَّادِ الْكَوَاكِبِ . وَقَالَ الْقَاضِي : يَبْعُدُ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ
النَّصَارَى ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً عَلَى الْجَمْعِ . وَالْأَقْرَبُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ عَبَدَةُ الْأَصْنَامِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ مَنْ عَبَدَ الْمَلَائِكَةَ ; لِأَنَّ لِعُبَّادِهَا كَثْرَةً ، انْتَهَى . وَلَا يَلْزَمُ مَا قَالَ ; لِأَنَّ ( وَاتَّخَذُوا ) جَمْعٌ وَ ( آلِهَةٌ ) جَمْعٌ ، وَإِذَا قُوبِلَ الْجَمْعُ بِالْجَمْعِ تَقَابَلَ الْفَرْدُ بِالْفَرْدِ ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يُقَابَلَ الْجَمْعُ بِالْجَمْعِ فَيَنْدَرِجُ مَعْبُودُ
النَّصَارَى فِي لَفْظِ ( آلِهَةً ) .
ثُمَّ وَصَفَ الْآلِهَةَ بِانْتِفَاءِ إِنْشَائِهِمْ شَيْئًا مِنَ الْأَشْيَاءِ إِشَارَةً إِلَى انْتِفَاءِ الْقُدْرَةِ بِالْكُلِّيَّةِ ، ثُمَّ بِأَنَّهُمْ مَخْلُوقُونَ لِلَّهِ ذَاتًا أَوْ مَصْنُوعُونَ بِالنَّحْتِ وَالتَّصْوِيرِ عَلَى شَكْلٍ مَخْصُوصٍ ، وَهَذَا أَبْلَغُ فِي الْخَسَاسَةِ ، وَنِسْبَةُ الْخَلْقِ لِلْبَشَرِ تَجُوزُ . وَمِنْهُ قَوْلُ
زُهَيْرٍ :
وَلَأَنْتَ تَفْرِي مَا خَلَقْتَ وَبَعْضُ الْقَوْمِ يَخْلُقُ ثُمَّ لَا يَفْرِي
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : الْخَلْقُ بِمَعْنَى الِافْتِعَالِ كَمَا فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=17وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا ) ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ آثَرُوا عَلَى عِبَادَتِهِ عِبَادَةَ آلِهَةٍ لَا عَجْزَ أَبْيَنُ مِنْ عَجْزِهِمْ ، لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِ اللَّهِ وَلَا أَفْعَالِ الْعِبَادِ حَيْثُ لَا يَفْتَعِلُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُفْتَعَلُونَ ; لِأَنَّ عَبَدَتَهُمْ يَصْنَعُونَهُمْ بِالنَّحْتِ وَالتَّصْوِيرِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=3وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ) دَفْعَ ضَرَرٍ عَنْهَا وَلَا جَلْبَ نَفْعٍ إِلَيْهَا وَهُمْ يَسْتَطِيعُونَ ، وَإِذَا عَجَزُوا عَنِ الِافْتِعَالِ وَدَفْعِ الضَّرَرِ وَجَلْبِ النَّفْعِ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْعِبَادُ كَانُوا عَنِ الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ وَالنُّشُورِ الَّتِي لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا إِلَّا اللَّهُ أَعْجَزَ .
( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : هُوَ
النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ وَأَتْبَاعُهُ ، وَالْإِفْكُ أَسْوَأُ الْكَذِبِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=4وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ ) ، قَالَ
مُجَاهِدٌ : قَوْمٌ مِنَ
الْيَهُودِ أَلْقَوْا أَخْبَارَ الْأُمَمِ إِلَيْهِ . وَقِيلَ :
عَدَّاسٌ مَوْلَى حُوَيْطِبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ،
وَيَسَارٌ مَوْلَى الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ ،
وَجَبْرٌ مَوْلَى عَامِرٍ ، وَكَانُوا كِتَابِيِّينَ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ أَسْلَمُوا وَكَانَ الرَّسُولُ يَتَعَهَّدُهُمْ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : أَشَارُوا إِلَى قَوْمٍ عَبِيدٍ كَانُوا لِلْعَرَبِ مِنَ
الْفُرْسِ أَبُو فُكَيْهَةَ مَوْلَى الْحَضْرَمِيِّينَ .
وَجَبْرٌ وَيَسَارٌ وَعَدَّاسٌ وَغَيْرُهُمْ . وَقَالَ
الضَّحَّاكُ : عَنَوْا
أَبَا فُكَيْهَةَ الرُّومِيَّ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15153الْمُبَرِّدُ : عَنَوْا بِقَوْمٍ آخَرِينَ الْمُؤْمِنِينَ ; لِأَنَّ آخَرَ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ جِنْسِ الْأَوَّلِ ، انْتَهَى . وَمَا قَالَهُ لَا يَلْزَمُ لِلِاشْتِرَاكِ فِي جِنْسِ الْإِنْسَانِ ، وَلَا يَلْزَمُ الِاشْتِرَاكُ فِي الْوَصْفِ ; أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=13فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ ) فَقَدِ اشْتَرَكَتَا فِي مُطْلَقِ الْفِئَةِ ، وَاخْتَلَفَتَا فِي الْوَصْفِ .
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي ( فَقَدْ جَاءُوا ) عَائِدٌ عَلَى ( الَّذِينَ كَفَرُوا ) ، وَالْمَعْنَى أَنَّ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارَ وَرَدُوا ظُلْمًا ، كَمَا تَقُولُ : جِئْتُ الْمَكَانَ فَيَكُونُ جَاءَ مُتَعَدِّيًا بِنَفْسِهِ ; قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15080الْكِسَائِيُّ ، وَيَجُوزُ أَنْ يُحْذَفَ الْجَارُّ أَيْ بِظُلْمٍ
[ ص: 482 ] وَزُورٍ وَيَصِلَ الْفِعْلُ بِنَفْسِهِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ : إِذَا جَاءَ يُسْتَعْمَلُ بِهَذَيْنَ الِاسْتِعْمَالَيْنِ ، وَظُلْمُهُمْ أَنْ جَعَلُوا الْعَرَبِيَّ يَتَلَقَّنُ مِنَ الْعَجَمِيِّ كَلَامًا عَرَبِيًّا أَعْجَزَ بِفَصَاحَتِهِ جَمِيعَ فُصَحَاءِ الْعَرَبِ ، وَالزُّورُ أَنْ بَهَتُوهُ بِنِسْبَةِ مَا هُوَ بَرِيءٌ مِنْهُ إِلَيْهِ . وَقِيلَ : الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى قَوْمٍ آخَرِينَ ، وَهُوَ مِنْ كَلَامِ الْكُفَّارِ ، وَالضَّمِيرُ فِي ( وَقَالُوا ) لِلْكُفَّارِ ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=5أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=5اكْتَتَبَهَا ) أَيْ : جَمَعَهَا ، مِنْ قَوْلِهِمْ : كَتَبَ الشَّيْءَ ، أَيْ : جَمَعَهُ ، أَوْ مِنَ الْكِتَابَةِ ، أَيْ : كَتَبَهَا بِيَدِهِ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ كَذِبِهِمْ عَلَيْهِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا يَكْتُبُ ، وَيَكُونُ كَاسْتَكَبَّ الْمَاءَ وَاصْطَبَّهُ أَيْ سَكَبَهُ وَصَبَّهُ . وَيَكُونُ لَفْظُ افْتَعَلَ مُشْعِرًا بِالتَّكَلُّفِ وَالِاعْتِمَالِ ، أَوْ بِمَعْنَى أَمَرَ أَنْ يُكْتَبَ ، كَقَوْلِهِمُ احْتَجَمَ وَافْتَصَدَ إِذَا أَمَرَ بِذَلِكَ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=5فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ ) أَيْ : تُلْقَى عَلَيْهِ لِيَحْفَظَهَا ; لِأَنَّ صُورَةَ الْإِلْقَاءِ عَلَى الْمُتَحَفِّظِ كَصُورَةِ الْإِمْلَاءِ عَلَى الْكَاتِبِ .
وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=5أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ ، أَيْ : هُوَ أَوْ هَذِهِ ( أَسَاطِيرُ ) ، وَ ( اكْتَتَبَهَا ) خَبَرٌ ثَانٍ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ( أَسَاطِيرُ ) مُبْتَدَأً وَ ( اكْتَتَبَهَا ) الْخَبَرَ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ ( اكْتَتَبَهَا ) مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ . وَقِرَاءَةُ طَلْحَةَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ ، وَالْمَعْنَى ( اكْتَتَبَهَا ) كَاتِبٌ لَهُ ; لِأَنَّهُ كَانَ أُمِّيًّا لَا يَكْتُبُ بِيَدِهِ وَذَلِكَ مِنْ تَمَامِ إِعْجَازِهِ ، ثُمَّ حُذِفَتِ اللَّامُ فَأَفْضَى الْفِعْلُ إِلَى الضَّمِيرِ فَصَارَ ( اكْتَتَبَهَا ) إِيَّاهُ كَاتِبٌ ، كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=155وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ ) ، ثُمَّ بُنِيَ الْفِعْلُ لِلضَّمِيرِ الَّذِي هُوَ إِيَّاهُ فَانْقَلَبَ مَرْفُوعًا مُسْتَتِرًا بَعْدَ أَنْ كَانَ بَارِزًا مَنْصُوبًا ، وَبَقِيَ ضَمِيرُ الْأَسَاطِيرِ عَلَى حَالِهِ ، فَصَارَ ( اكْتَتَبَهَا ) كَمَا تَرَى ، انْتَهَى . وَهُوَ مِنْ كَلَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيِّ وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ جُمْهُورِ الْبَصْرِيِّينَ ; لِأَنَّ ( اكْتَتَبَهَا ) لَهُ كَاتِبٌ وُصِلَ فِيهِ اكْتَتَبَ لِمَفْعُولَيْنِ ، أَحَدُهُمَا : مُسَرَّحٌ وَهُوَ ضَمِيرُ الْأَسَاطِيرِ ، وَالْآخَرُ : مُقَيَّدٌ وَهُوَ ضَمِيرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ثُمَّ اتُّسِعَ فِي الْفِعْلِ فَحُذِفَ حَرْفُ الْجَرِّ فَصَارَ ( اكْتَتَبَهَا ) إِيَّاهُ كَاتِبٌ ، فَإِذَا بُنِيَ هَذَا الْفِعْلُ لِلْمَفْعُولِ إِنَّمَا يَنُوبُ عَنِ الْفَاعِلِ الْمَفْعُولُ الْمُسَرَّحُ لَفْظًا وَتَقْدِيرًا لَا الْمُسَرَّحُ لَفْظًا الْمُقَيَّدُ تَقْدِيرًا ، فَعَلَى هَذَا كَانَ يَكُونُ التَّرْكِيبُ اكْتَتَبَتْهُ لَا ( اكْتَتَبَهَا ) وَعَلَى هَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ جَاءَ السَّمَاعُ عَنِ الْعَرَبِ فِي هَذَا النَّوْعِ ، الَّذِي أَحَدُ الْمَفْعُولَيْنِ فِيهِ مُسَرَّحٌ لَفْظًا وَتَقْدِيرًا ، وَالْآخَرُ مُسَرَّحٌ لَفْظًا لَا تَقْدِيرًا . قَالَ الشَّاعِرُ - وَهُوَ
nindex.php?page=showalam&ids=14899الْفَرَزْدَقُ - :
وَمِنَّا الَّذِي اخْتِيرَ الرِّجَالَ سَمَاحَةً وَجُودًا إِذَا هَبَّ الرِّيَاحُ الزُّعَازِعُ
وَلَوْ جَاءَ عَلَى مَا قَرَّرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ لَجَاءَ التَّرْكِيبُ : وَمِنَّا الَّذِي اخُتِيرَهُ الرِّجَالَ ; لِأَنَّ اخْتَارَ تَعَدَّى إِلَى الرِّجَالِ عَلَى إِسْقَاطِ حَرْفِ الْجَرِّ ; إِذْ تَقْدِيرُهُ اخْتِيرَ مِنَ الرِّجَالِ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=5اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ) مِنْ تَمَامِ قَوْلِ الْكُفَّارِ . وَعَنِ
الْحَسَنِ أَنَّهُ قَوْلُ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ - يُكَذِّبُهُمْ وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ أَنْ لَوْ فَتَحْتَ الْهَمْزَةَ فِي ( اكْتَتَبَهَا ) لِلِاسْتِفْهَامِ الَّذِي فِي مَعْنَى الْإِنْكَارِ ، وَوَجْهُهُ أَنْ يَكُونَ نَحْوَ قَوْلِهِ :
أَفْرَحُ إِنْ أُرْزَأَ الْكِرَامُ وَأَنْ آخُذَ ذَوْدًا شَصَايِصًا نَبَلَا
وَحُقَّ
لِلْحَسَنِ أَنْ يَقِفَ عَلَى الْأَوَّلِينَ . وَالظَّاهِرُ تَقْيِيدُ الْإِمْلَاءِ بِوَقْتِ انْتِشَارِ النَّاسِ وَحِينِ الْإِيوَاءِ إِلَى مَسَاكِنِهِمْ ، وَهُمَا الْبُكْرَةُ وَالْأَصِيلُ ، أَوْ يَكُونَانِ عِبَارَةً عَنِ الدَّيْمُومَةِ . وَقَرَأَ
طَلْحَةُ ،
وَعِيسَى " فَهِيَ تُتْلَى " بِالتَّاءِ بَدَلَ الْمِيمِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=6قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ ) أَيْ كُلَّ سِرٍّ خَفِيٍّ ، وَرَدَّ عَلَيْهِمْ بِهَذَا وَهُوَ وَصْفُهُ تَعَالَى بِالْعِلْمِ ; لِأَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ لَمْ يَكُنْ لِيَصْدُرَ إِلَّا مِنْ عَلَّامٍ بِكُلِّ الْمَعْلُومَاتِ لِمَا احْتَوَى عَلَيْهِ مِنْ إِعْجَازِ التَّرْكِيبِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ صُدُورُهُ مِنْ أَحَدٍ ، وَلَوِ اسْتَعَانَ بِالْعَالَمِ كُلِّهِمْ وَلِاشْتِمَالِهِ عَلَى مَصَالِحِ الْعَالَمِ وَعَلَى أَنْوَاعِ الْعُلُومِ ، وَاكْتَفَى بِعِلْمِ السِّرِّ ; لِأَنَّ مَا سِوَاهُ أَوْلَى أَنْ يَتَعَلَّقَ عِلْمُهُ بِهِ ، أَوْ ( يَعْلَمُ ) مَا تُسِرُّونَ مِنَ الْكَيْدِ لِرَسُولِهِ مَعَ عِلْمِكُمْ بِبُطْلِ مَا تَقُولُونَ فَهُوَ مُجَازِيكُمْ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=6إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ) إِطْمَاعٌ فِي أَنَّهُمْ إِذَا تَابُوا غَفَرَ لَهُمْ مَا فَرَطَ مِنْ كُفْرِهِمْ وَرَحِمَهُمْ . أَوْ ( غَفُورًا رَحِيمًا ) فِي كَوْنِهِ أَمْهَلَكُمْ وَلَمْ يُعَاجِلْكُمْ عَلَى مَا اسْتَوْجَبْتُمُوهُ مِنَ الْعِقَابِ بِسَبَبِ
[ ص: 483 ] مُكَابَرَتِكُمْ ، أَوْ لَمَّا تَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْعِقَابِ أَعْقَبَهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الْمُتَّصِفَ بِالْغُفْرَانِ وَالرَّحْمَةِ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُعَاقِبَ .
( وَقَالُوا ) الضَّمِيرُ لِكُفَّارِ
قُرَيْشٍ ، وَكَانُوا قَدْ جَمَعَهُمْ وَالرَّسُولَ مَجْلِسٌ مَشْهُورٌ ، ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابْنُ إِسْحَاقَ فِي السِّيَرِ فَقَالَ
عُتْبَةُ وَغَيْرُهُ : إِنْ كُنْتَ تُحِبُّ الرِّئَاسَةَ وَلَّيْنَاكَ عَلَيْنَا ، أَوِ الْمَالَ جَمَعْنَا لَكَ ، فَلَمَّا أَبَى عَلَيْهِمُ اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا : مَا لَكَ وَأَنْتَ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ تَأْكُلُ الطَّعَامَ ، وَتَقِفُ بِالْأَسْوَاقِ لِالْتِمَاسِ الرِّزْقِ ; سَلْ رَبَّكَ أَنْ يُنْزِلَ مَعَكَ مَلَكًا يُنْذِرُ مَعَكَ ، أَوْ يُلْقِيَ إِلَيْكَ كَنْزًا تُنْفِقُ مِنْهُ ، أَوْ يَرُدَّ لَكَ جِبَالَ مَكَّةَ ذَهَبًا وَتُزَالَ الْجِبَالُ ، وَيَكُونَ مَكَانَهَا جَنَّاتٌ تَطَّرِدُ فِيهَا الْمِيَاهُ ، وَأَشَاعُوا هَذِهِ الْمُحَاجَّةَ ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ . وَكُتِبَ فِي الْمُصْحَفِ لَامُ الْجَرِّ مَفْصُولَةً مِنْ ( هَذَا ) ، وَهَذَا اسْتِفْهَامٌ يَصْحَبُهُ اسْتِهْزَاءٌ ، أَيْ : ( مَالِ هَذَا ) الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولٌ أَنْكَرُوا عَلَيْهِ مَا هُوَ عَادَةٌ لِلرُّسُلِ ، كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=20وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ ) ، أَيْ : حَالُهُ كَحَالِنَا ، أَيْ : كَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَغْنِيًا عَنِ الْأَكْلِ وَالتَّعَيُّشِ ، ثُمَّ قَالُوا : وَهَبْ أَنَّهُ بَشَرٌ فَهَلَّا أُرْفِدَ بِمَلَكٍ يُنْذِرُ مَعَهُ أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ مِنَ السَّمَاءِ يَسْتَظْهِرُ بِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَحْصِيلِ الْمَعَاشِ . ثُمَّ اقْتَنَعُوا بِأَنْ يَكُونَ لَهُ بُسْتَانٌ يَأْكُلُ مِنْهُ وَيَرْتَزِقُ كَالْمَيَاسِيرِ . وَقُرِئَ " فَتَكُونُ " بِالرَّفْعِ ، حَكَاهُ
أَبُو مُعَاذٍ عَطْفًا عَلَى ( أُنْزِلَ ) ; لِأَنَّ ( أُنْزِلَ ) فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ ، وَهُوَ مَاضٍ وَقَعَ مَوْقِعَ الْمُضَارِعِ ، أَيْ : هَلَّا يَنْزِلُ إِلَيْهِ مَلَكٌ ، أَوْ هُوَ جَوَابُ التَّحْضِيضِ عَلَى إِضْمَارِ هُوَ ، أَيْ : فَهُوَ يَكُونُ . وَقِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ بِالنَّصْبِ عَلَى جَوَابِ التَّحْضِيضِ . وَقَوْلُهُ : ( أَوْ يُلْقَى ) ( أَوْ ) يَكُونُ عُطِفَ عَلَى ( أُنْزِلَ ) أَيْ لَوْلَا يَنْزِلُ ، فَيَكُونُ الْمَطْلُوبُ أَحَدَ هَذِهِ الْأُمُورِ أَوْ مَجْمُوعَهَا بِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ الْقَائِلِينَ ، وَلَا يَجُوزُ النَّصْبُ فِي ( أَوْ يُلْقَى ) وَلَا فِي ( أَوْ تَكُونُ ) عَطْفًا عَلَى ( فَيَكُونَ ) ; لِأَنَّهُمَا فِي حُكْمِ الْمَطْلُوبِ بِالتَّحْضِيضِ لَا فِي حُكْمِ الْجَوَابِ لِقَوْلِهِ : ( لَوْلَا أُنْزِلَ ) . وَقَرَأَ
قَتَادَةُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13726وَالْأَعْمَشُ : " أَوْ يَكُونُ " بِالْيَاءِ مِنْ تَحْتُ . وَقَرَأَ ( يَأْكُلُ ) بِيَاءِ الْغَيْبَةِ ، أَيِ : الرَّسُولُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15948وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَحَمْزَةُ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ وَابْنُ وَثَّابٍ وَطَلْحَةُ nindex.php?page=showalam&ids=13726وَالْأَعْمَشُ بِنُونِ الْجَمْعِ ، أَيْ : يَأْكُلُونَ هُمْ مِنْ ذَلِكَ الْبُسْتَانِ فَيَنْتَفِعُونَ بِهِ فِي دُنْيَاهُمْ وَمَعَاشِهِمْ .
( وَقَالَ الظَّالِمُونَ ) أَيْ : لِلْمُؤْمِنِينَ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَأَرَادَ بِالظَّالِمِينَ إِيَّاهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ وُضِعَ الظَّاهِرُ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ لِيُسَجَّلَ عَلَيْهِمْ بِالظُّلْمِ فِيمَا قَالُوهُ ، انْتَهَى . وَتَرْكِيبُهُ وَأَرَادَ بِالظَّالِمِينَ إِيَّاهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ لَيْسَ تَرْكِيبًا سَائِغًا ، بَلِ التَّرْكِيبُ الْعَرَبِيُّ أَنْ يَقُولَ : وَأَرَادَهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ بِالظَّالِمِينَ ( مَسْحُورًا ) غَلَبَ عَلَى عَقْلِهِ السِّحْرُ وَهَذَا أَظْهَرُ ، أَوْ ذَا سَحْرٍ وَهُوَ الرِّئَةُ ، أَوْ يُسْحَرُ بِالطَّعَامِ وَبِالشَّرَابِ ، أَيْ : يُغَذَّى ، أَوْ أُصِيبَ سَحْرُهُ كَمَا تَقُولُ رَأَسْتُهُ أَصَبْتُ رَأْسَهُ . وَقِيلَ : ( مَسْحُورًا ) سَاحِرًا عَنَوْا بِهِ أَنَّهُ بَشَرٌ مِثْلُهُمْ لَا مَلَكٌ . وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي الْإِسْرَاءِ وَبِهَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ قِيلَ : وَالْقَائِلُونَ ذَلِكَ
النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ وَنَوْفَلُ بْنُ خُوَيْلِدٍ وَمَنْ تَابَعَهُمْ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=9انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ ) أَيْ : قَالُوا فِيكَ تِلْكَ الْأَقْوَالَ وَاخْتَرَعُوا لَكَ تِلْكَ الصِّفَاتِ وَالْأَحْوَالَ النَّادِرَةَ مِنْ نُبُوَّةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَ إِنْسَانٍ وَمَلَكٍ ، وَإِلْقَاءِ كَنْزٍ عَلَيْكَ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ ، فَبَقُوا مُتَحَيِّرِينَ ضُلَّالًا لَا يَجِدُونَ قَوْلًا يَسْتَقِرُّونَ عَلَيْهِ ، أَيْ : فَضَلُّوا عَنِ الْحَقِّ فَلَا يَجِدُونَ طَرِيقًا لَهُ . وَقِيلَ : (
ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ ) بِالْمَسْحُورِ وَالْكَاهِنِ وَالشَّاعِرِ وَغَيْرِهِ ، ( فَضَلُّوا ) أَخْطَئُوا الطَّرِيقَ فَلَا يَجِدُونَ سَبِيلَ هِدَايَةٍ وَلَا يُطِيقُونَهُ ; لِالْتِبَاسِهِمْ بِضِدِّهِ مِنَ الضَّلَالِ . وَقِيلَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=9فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا ) إِلَى حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ عَلَى مَا يَقُولُونَ ، فَمَرَّةً يَقُولُونَ : هُوَ بَلِيغٌ فَصِيحٌ يَتَقَوَّلُ الْقُرْآنَ مِنْ نَفْسِهِ وَيَفْتَرِيهِ ، وَمَرَّةً : مَجْنُونٌ ، وَمَرَّةً : سَاحِرٌ ، وَمَرَّةً : مَسْحُورٌ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : شَبَّهَ لَكَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الْأَشْبَاهَ بِقَوْلِهِمْ هُوَ مَسْحُورٌ فَضَلُّوا بِذَلِكَ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ ، فَلَا يَجِدُونَ طَرِيقًا إِلَى الْحَقِّ الَّذِي بَعَثَكَ بِهِ . وَقَالَ
مُجَاهِدٌ : لَا يَجِدُونَ مَخْرَجًا يُخْرِجُهُمْ عَنِ الْأَمْثَالِ الَّتِي ( ضَرَبُوا لَكَ ) . وَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ ( ضَرَبُوا لَكَ ) هَذِهِ لِيَتَوَصَّلُوا بِهَا إِلَى تَكْذِيبِكَ ، ( فَضَلُّوا ) عَنْ سَبِيلِ الْحَقِّ وَعَنْ بُلُوغِ مَا أَرَادُوا .
وَقَالَ أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ ( انْظُرْ كَيْفَ )
[ ص: 484 ] اشْتَغَلَ الْقَوْمُ بِضَرْبِ هَذِهِ الْأَمْثَالِ الَّتِي لَا فَائِدَةَ فِيهَا ; لِأَجْلِ أَنَّهُمْ لَمَّا ضَلُّوا وَأَرَادُوا الْقَدْحَ فِي نُبُوَّتِكَ ، لَمْ يَجِدُوا إِلَى الْقَدْحِ سَبِيلًا ، إِذِ الطَّعْنُ عَلَيْهِ إِنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَقْدَحُ فِي الْمُعْجِزَاتِ الَّتِي ادَّعَاهَا لَا بِهَذَا الْجِنْسِ مِنَ الْقَوْلِ . وَقَالَ
الْفَرَّاءُ : لَا يَسْتَطِيعُونَ فِي أَمْرِكَ حِيلَةً . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ : ( سَبِيلًا ) إِلَى الطَّعْنِ .
وَلَمَّا قَالَ الْمُشْرِكُونَ مَا قَالُوا قِيلَ : فِيمَا يُرْوَى إِنْ شِئْتَ أَنْ نُعْطِيَكَ خَزَائِنَ الدُّنْيَا وَمَفَاتِيحَهَا ، وَلَمْ يُعْطَ ذَلِكَ أَحَدٌ قَبْلَكَ وَلَا يُعْطَاهُ أَحَدٌ بَعْدَكَ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِنَاقِصِكَ فِي الْآخِرَةِ شَيْئًا ، وَإِنْ شِئْتَ جَمَعْنَاهُ لَكَ فِي الْآخِرَةِ فَقَالَ : يُجْمَعُ لِي ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ فَنَزَلَ : ( تَبَارَكَ الَّذِي ) . وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ : عَرَضَ عَلَيَّ
جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَطْحَاءَ
مَكَّةَ ذَهَبًا ، فَقُلْتُ : بَلْ شُبْعَةٌ وَثَلَاثُ جَوْعَاتٍ ، وَذَلِكَ أَكْثَرُ لِذِكْرِي وَمَسْأَلَتِي . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ فِي ( تَبَارَكَ ) : أَيْ تَكَاثَرَ خَيْرًا ( الَّذِي إِنْ شَاءَ ) وَهَبَ لَكَ فِي الدُّنْيَا ( خَيْرًا ) مِمَّا قَالُوا ، وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ لَكَ مِثْلَ مَا وَعَدَكَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْجَنَّاتِ وَالْقُصُورِ ، انْتَهَى .
وَالْإِشَارَةُ بِـ ( ذَلِكَ ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ إِلَى مَا ذَكَرَهُ الْكُفَّارُ مِنَ الْجَنَّةِ وَالْكَنْزِ فِي الدُّنْيَا ; قَالَهُ
مُجَاهِدٌ . وَيَبْعُدُ تَأْوِيلُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى أَكْلِهِ الطَّعَامَ وَمَشْيِهِ فِي الْأَسْوَاقِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْجَعْلَ كَانَ يَكُونُ فِي الدُّنْيَا لَوْ شَاءَهُ اللَّهُ . وَقِيلَ : فِي الْآخِرَةِ وَدَخَلَتْ ( إِنْ ) عَلَى الْمَشِيئَةِ تَنْبِيهًا أَنَّهُ لَا يُنَالُ ذَلِكَ إِلَّا بِرَحْمَتِهِ ، وَأَنَّهُ مُعَلَّقٌ عَلَى مَحْضِ مَشِيئَتِهِ ، لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنَ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ حَقٌّ لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ . وَالْأَوَّلُ أَبْلَغُ فِي تَبْكِيتِ الْكُفَّارِ وَالرَّدِّ عَلَيْهِمْ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَيَرُدُّهُ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=11بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ ) ، انْتَهَى . وَلَا يَرُدُّهُ ; لِأَنَّ الْمَعْنَى بِهِ مُتَمَكِّنٌ وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى مَا حُكِيَ عَنْهُمْ يَقُولُ : بَلْ أَتَى بِأَعْجَبَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ ، وَهُوَ تَكْذِيبُهُمْ بِالسَّاعَةِ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ ( وَيَجْعَلْ ) بِالْجَزْمِ ، قَالُوا عَطْفًا عَلَى مَوْضِعِ جَعَلَ ; لِأَنَّ التَّقْدِيرَ إِنْ يَشَأْ يَجْعَلْ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا أُدْغِمَتْ لَامُهُ فِي لَامِ ( لَكَ ) ، لَكِنَّ ذَلِكَ لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ مَذْهَبِ
أَبِي عَمْرٍو ، وَالَّذِي قَرَأَ بِالْجَزْمِ مِنَ السَّبْعَةِ
نَافِعٌ وَحَمْزَةُ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو عَمْرٍو ، وَلَيْسَ مِنْ مَذْهَبِ الثَّلَاثَةِ إِدْغَامُ الْمِثْلَيْنِ إِذَا تَحَرَّكَ أَوَّلُهُمَا ، إِنَّمَا هُوَ مِنْ مَذْهَبِ
أَبِي عَمْرٍو كَمَا ذَكَرْنَا . وَقَرَأَ
مُجَاهِدٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَابْنُ كَثِيرٍ وَحُمَيْدٌ وَأَبُو بَكْرٍ وَمَحْبُوبٌ ، عَنْ
أَبِي عَمْرٍو ، بِالرَّفْعِ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَالِاسْتِئْنَافُ وَوَجْهُهُ الْعَطْفُ عَلَى الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ : ( جَعَلَ ) ; لِأَنَّ جَوَابَ الشَّرْطِ هُوَ مَوْضِعُ اسْتِئْنَافٍ . أَلَا تَرَى أَنَّ الْجُمَلَ مِنَ الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرِ قَدْ تَقَعُ مَوْقِعَ جَوَابِ الشَّرْطِ ؟ وَقَالَ
الْحَوْفِيُّ : مَنْ رَفَعَ جَعَلَهُ مُسْتَأْنَفًا مَنْقَطِعًا مِمَّا قَبْلَهُ ، انْتَهَى . وَقَالَ
أَبُو الْبَقَاءِ : وَبِالرَّفْعِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَقُرِئَ ( وَيَجْعَلُ ) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى ( جَعَلَ ) ; لِأَنَّ الشَّرْطَ إِذَا وَقَعَ مَاضِيًا جَازَ فِي جَوَابِهِ الْجَزْمُ وَالرَّفْعُ ، كَقَوْلِهِ :
وَإِنْ أَتَاهُ خَلِيلٌ يَوْمَ مَسْأَلَةٍ يَقُولُ : لَا غَائِبٌ مَالِي وَلَا حَرَمُ
انْتَهَى . وَهَذَا الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ مِنْ أَنَّهُ : إِذَا كَانَ فِعْلُ الشَّرْطِ مَاضِيًا جَازَ فِي جَوَابِهِ الرَّفْعُ ، لَيْسَ مَذْهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ ; إِذْ مَذْهَبُ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ أَنَّ الْجَوَابَ مَحْذُوفٌ ، وَأَنَّ هَذَا الْمُضَارِعَ الْمَرْفُوعَ النِّيَّةُ بِهِ التَّقْدِيمُ ، وَلِكَوْنِ الْجَوَابِ مَحْذُوفًا لَا يَكُونُ فِعْلُ الشَّرْطِ إِلَّا بِصِيغَةِ الْمَاضِي .
وَذَهَبَ الْكُوفِيُّونَ وَالْمُبَرِّدُ إِلَى أَنَّهُ هُوَ الْجَوَابُ وَأَنَّهُ عَلَى حَذْفِ الْفَاءِ ، وَذَهَبَ غَيْرُ هَؤُلَاءِ إِلَى أَنَّهُ هُوَ الْجَوَابُ ، وَلَيْسَ عَلَى حَذْفِ الْفَاءِ وَلَا عَلَى التَّقْدِيمِ ، وَلَمَّا لَمْ يَظْهَرْ لِأَدَاةِ الشَّرْطِ تَأْثِيرٌ فِي فِعْلِ الشَّرْطِ لِكَوْنِهِ مَاضِيَ اللَّفْظِ ضَعُفَ عَنِ الْعَمَلِ فِي فِعْلِ الْجَوَابِ فَلَمْ تَعْمَلْ فِيهِ ، وَبَقِيَ مَرْفُوعًا ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ هَذَا التَّرْكِيبَ فَصِيحٌ وَأَنَّهُ جَائِزٌ فِي الْكَلَامِ . وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : هُوَ ضَرُورَةٌ إِذْ لَمْ يَجِئْ إِلَّا فِي الشِّعْرِ ، وَهُوَ عَلَى إِضْمَارِ الْفَاءِ ، وَالْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْمَذَاهِبِ مَذْكُورٌ فِي عِلْمِ النَّحْوِ . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=16527عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى وَطَلْحَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ ( وَيَجْعَلَ ) بِالنَّصْبِ عَلَى إِضْمَارِ أَنْ . وَقَالَ
أَبُو الْفَتْحِ : هِيَ عَلَى جَوَابِ الشَّرْطِ بِالْوَاوِ ، وَهِيَ قِرَاءَةٌ ضَعِيفَةٌ ، انْتَهَى . وَنَظِيرُ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ الثَّلَاثِ قَوْلُ
النَّابِغَةِ :
[ ص: 485 ] فَإِنْ يَهْلِكْ أَبُو قَابُوسَ يَهْلِكْ رَبِيعُ النَّاسِ وَالشَّهْرُ الْحَرَامُ
وَنَأْخُذْ بَعْدَهُ بِذِنَابِ عَيْشٍ أَجَبِّ الظَّهْرِ لَيْسَ لَهُ سَنَامُ
يُرْوَى بِجَزْمِ نَأْخُذُ وَرَفْعِهِ وَنَصْبِهِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=11بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ ) ، قَالَ
الْكَرْمَانِيُّ : الْمَعْنَى مَا مَنَعَهُمْ مِنَ الْإِيمَانِ أَكْلُكَ الطَّعَامَ وَلَا مَشْيُكَ فِي السُّوقِ ، بَلْ مَنَعَهُمْ تَكْذِيبُهُمْ بِالسَّاعَةِ . وَقِيلَ : لَيْسَ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ شُبْهَةً بَلِ الْحَامِلُ عَلَى تَكْذِيبِكَ تَكْذِيبُهُمْ بِالسَّاعَةِ اسْتِثْقَالًا لِلِاسْتِعْدَادِ لَهَا . وَقِيلَ : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِمَا يَلِيهِ ، كَأَنَّهُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=11بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ ) ، فَكَيْفَ يَلْتَفِتُونَ إِلَى هَذَا الْجَوَابِ ، وَكَيْفَ يُصَدِّقُونَ بِتَعْجِيلِ مِثْلِ مَا وَعَدَكَ فِي الْآخِرَةِ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ؟ ! انْتَهَى . وَبَلْ لِتَرْكِ اللَّفْظِ الْمُتَقَدِّمِ مِنْ غَيْرِ إِبْطَالٍ لِمَعْنَاهُ وَأَخْذٍ فِي لَفْظٍ آخَرَ . ( وَأَعْتَدْنَا ) جَعَلْنَاهُ مُعَدًّا . ( سَعِيرًا ) نَارًا كَبِيرَةَ الْإِيقَادِ . وَعَنِ
الْحَسَنِ : اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ جَهَنَّمَ . ( إِذَا رَأَتْهُمْ ) ، قِيلَ : هُوَ حَقِيقَةٌ وَإِنَّ لِجَهَنَّمَ عَيْنَيْنِ ، وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ أَثَرٌ فَإِنْ صَحَّ كَانَ هُوَ الْقَوْلَ الصَّحِيحَ . وَإِلَّا كَانَ مَجَازًا ، أَيْ صَارَتْ مِنْهُمْ بِقَدْرِ مَا يَرَى الرَّائِي مِنَ الْبُعْدِ كَقَوْلِهِمْ : دُورُهُمْ تَتَرَاءَى أَيْ تَتَنَاظَرُ وَتَتَقَابَلُ ، وَمِنْهُ : لَا تَتَرَاءَى نَارَاهُمَا . وَقَالَ قَوْمٌ : النَّارُ اسْمٌ لِحَيَوَانٍ نَارِيٍّ يَتَكَلَّمُ وَيَرَى وَيَسْمَعُ وَيَتَغَيَّرُ وَيَزْفِرُ ; حَكَاهُ
الْكَرْمَانِيُّ ، وَقِيلَ : هُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ ، أَيْ : رَأَتْهُمْ خَزَنَتُهَا مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ ، قِيلَ : مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ . وَقِيلَ : مِائَةُ سَنَةٍ . وَقِيلَ : سَنَةٌ . ( سَمِعُوا لَهَا ) صَوْتَ تَغَيُّظٍ ; لِأَنَّ التَّغَيُّظَ لَا يُسْمَعُ ، وَإِذَا كَانَ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ كَانَ الْمَعْنَى تَغَيَّظُوا وَزَفَرُوا غَضَبًا عَلَى الْكُفَّارِ وَشَهْوَةً لِلِانْتِقَامِ مِنْهُمْ . وَقِيلَ : ( سَمِعُوا ) صَوْتَ لَهِيبِهَا وَاشْتِعَالِهَا ، وَقِيلَ : هُوَ مِثْلُ قَوْلِ الشَّاعِرِ :
فَيَا لَيْتَ زَوْجَكِ قَدْ غَدَا مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحًا
وَهَذَا مُخَرَّجٌ عَلَى تَخْرِيجَيْنِ أَحَدُهُمَا الْحَذْفُ ، أَيْ : وَمُعْتَقِلًا رُمْحًا . وَالثَّانِي : تَضْمِينٌ ضَمَّنَ مُتَقَلِّدًا مَعْنَى مُتَسَلِّحًا فَكَذَلِكَ الْآيَةُ ، أَيْ : ( سَمِعُوا لَهَا ) وَرَأَوْا (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=12تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا ) وَعَادَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا يُنَاسِبُهُ . أَوْ ضَمَّنَ ( سَمِعُوا ) مَعْنَى أَدْرَكُوا فَيَشْمَلُ التَّغَيُّظَ وَالزَّفِيرَ . وَانْتَصَبَ ( مَكَانًا ) عَلَى الظَّرْفِ أَيْ فِي مَكَانٍ ضَيِّقٍ . وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ : تَضِيقُ عَلَيْهِمْ ضِيقَ الزَّجِّ فِي الرُّمْحِ مُقَرَّنِينَ قُرِنَتْ أَيْدِيهِمْ إِلَى أَعْنَاقِهِمْ بِالسَّلَاسِلِ . وَقِيلَ : يُقْرَنُ مَعَ كُلِّ كَافِرٍ شَيْطَانُهُ فِي سِلْسِلَةٍ وَفِي أَرْجُلِهِمُ الْأَصْفَادُ . وَقَرَأَ
ابْنُ كَثِيرٍ وَعُبَيْدٌ عَنْ
أَبِي عَمْرٍو ( ضَيِّقًا ) قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَقَرَأَ
أَبُو شَيْبَةَ صَاحِبُ
nindex.php?page=showalam&ids=32مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ مُقَرَّنُونَ بِالْوَاوِ ، وَهِيَ قِرَاءَةٌ شَاذَّةٌ ، وَالْوَجْهُ قِرَاءَةُ النَّاسِ وَنَسَبَهَا
ابْنُ خَالَوَيْهِ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=32مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَوَجْهُهَا أَنْ يَرْتَفِعَ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ ضَمِيرِ : ( أُلْقُوا ) بَدَلَ نَكِرَةٍ مِنْ مَعْرِفَةٍ ، وَنُصِبَ عَلَى الْحَالِ ، وَالظَّاهِرُ دُعَاءُ الثُّبُورِ ، وَهِيَ الْهَلَاكُ ، فَيَقُولُونَ : وَاثُبُورَاهُ ! أَيْ يُقَالُ : يَا ثُبُورُ فَهَذَا أَوَانُكَ . وَقِيلَ : الْمَدْعُوُّ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ دَعَوْا مَنْ لَا يُجِيبُهُمْ قَائِلِينَ ثُبِرْنَا ثُبُورًا . وَالثُّبُورُ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : هُوَ الْوَيْلُ ، وَقَالَ
الضَّحَّاكُ : هُوَ الْهَلَاكُ ، وَمِنْهُ قَوْلُ
ابْنِ الزِّبَعْرَى :
إِذْ يُجَارِي الشَّيْطَانَ فِي سِنَنِ الْغَيِّ وَمَنْ مَالَ مَيْلَهُ مَثْبُورُ
( لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ) يُقَالُ لَهُمْ : ( لَا تَدْعُوا ) ، أَوْ هُمْ أَحَقُّ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ قَوْلٌ ، أَيْ : لَا تَقْتَصِرُوا عَلَى حُزْنٍ وَاحِدٍ بَلِ احْزَنُوا حُزْنًا كَثِيرًا ، وَكَثْرَتُهُ إِمَّا لِدَيْمُومَةِ الْعَذَابِ فَهُوَ مُتَجِدِّدٌ دَائِمًا ، وَإِمَّا لِأَنَّهُ أَنْوَاعٌ وَكُلُّ نَوْعٍ يَكُونُ مِنْهُ ثُبُورٌ لِشِدَّتِهِ وَفَظَاعَتِهِ . وَقَرَأَ
عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ ( ثَبُورًا ) بِفَتْحِ الثَّاءِ فِي ثَلَاثَتِهَا ، وَفَعُولٌ بِفَتْحِ الْفَاءِ فِي الْمَصَادِرِ قَلِيلٌ ، نَحْوُ الْبَتُولِ . وَحَكَى
عَلِيُّ بْنُ عِيسَى : مَا ثَبَرَكَ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ ، أَيْ : مَا صَرَفَكَ . كَأَنَّهُمْ دَعَوْا بِمَا فَعَلُوا فَقَالُوا : وَاصَرْفَاهُ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ ! كَمَا تَقُولُ : وَانَدَامَتَاهُ ! . رُوِيَ أَنَّ أَوَّلَ مَا يُنَادِي بِذَلِكَ إِبْلِيسُ ، يَقُولُ : وَاثُبُورَاهُ ! حَتَّى يُكْسَى حُلَّةً مِنْ جَهَنَّمَ يَضَعُهَا عَلَى جَبِينِهِ وَيَسْحَبُهَا مِنْ خَلْفِهِ ، ثُمَّ يَتْبَعُهُ فِي الْقَوْلِ أَتْبَاعُهُ ، فَيَقُولُ لَهُمْ خُزَّانُ جَهَنَّمَ : ( لَا تَدْعُوا ) الْآيَةَ . وَقِيلَ : نَزَلَتْ فِي
ابْنِ خَطَلٍ وَأَصْحَابِهِ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِشَارَةَ
[ ص: 486 ] بِذَلِكَ إِلَى النَّارِ وَأَحْوَالِ أَهْلِهَا . وَقِيلَ : إِلَى الْجَنَّةِ وَالْكَنْزِ فِي قَوْلِهِمْ . وَقِيلَ : إِلَى الْجَنَّةِ وَالْقُصُورِ الْمَجْعُولَةِ فِي الدُّنْيَا عَلَى تَقْدِيرِ الْمَشِيئَةِ ، وَ ( خَيْرٌ ) هُنَا لَيْسَتْ تَدُلُّ عَلَى الْأَفْضَلِيَّةِ ، بَلْ هِيَ عَلَى مَا جَرَتْ عَادَةُ الْعَرَبِ فِي بَيَانِ فَضْلِ الشَّيْءِ وَخُصُوصِيَّتِهِ بِالْفَضْلِ دُونَ مُقَابِلِهِ ، كَقَوْلِهِ :
فَشَرُّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الْفِدَاءُ
وَكَقَوْلِ الْعَرَبِ : الشَّقَاءُ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَمِ السَّعَادَةُ . وَكَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=33السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ) وَهَذَا الِاسْتِفْهَامُ عَلَى سَبِيلِ التَّوْقِيفِ وَالتَّوْبِيخِ .
قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَمِنْ حَيْثُ كَانَ الْكَلَامُ اسْتِفْهَامًا ; جَازَ فِيهِ مَجِيءُ لَفْظِهِ لِلتَّفْضِيلِ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فِي الْخَيْرِ ; لِأَنَّ الْمُوقِفَ جَائِزٌ لَهُ أَنْ يُوقِفَ مُحَاوِرَهُ عَلَى مَا شَاءَ لِيَرَى هَلْ يُجِيبُهُ بِالصَّوَابِ أَوْ بِالْخَطَأِ ، وَإِنَّمَا مَنَعَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ وَغَيْرُهُ مِنَ التَّفْضِيلِ إِذَا كَانَ الْكَلَامُ خَبَرًا ; لِأَنَّ فِيهِ مُخَالَفَةً ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ اسْتِفْهَامًا فَذَلِكَ سَائِغٌ ، انْتَهَى . وَمَا ذَكَرَهُ يُخَالِفُهُ قَوْلُهُ :
فَشَرُّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الْفِدَاءُ
وَقَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=33السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ ) فَإِنَّ هَذَا خَبَرٌ . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ : الْعَسَلُ أَحْلَى مِنَ الْخَلِّ إِلَّا إِنْ تَقَيَّدَ الْخَبَرُ بِأَنَّهُ إِذَا كَانَ وَاضِحًا الْحُكْمُ فِيهِ لِلسَّامِعِ ، بِحَيْثُ لَا يَخْتَلِجُ فِي ذِهْنِهِ وَلَا يَتَرَدَّدُ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ . وَضَمِيرُ ( الَّتِي ) مَحْذُوفٌ ، أَيْ : وَعَدَهَا ، وَضَمِيرُ ( مَا يَشَاءُونَ ) كَذَلِكَ ، أَيْ : مَا يَشَاءُونَهُ ، وَفِي قَوْلِهِ : مَا يَشَاءُونَهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ حُصُولَ الْمُرَادَاتِ بِأَسْرِهَا لَا تَكُونُ إِلَّا فِي الْجَنَّةِ . وَشَمَلَ قَوْلُهُ : ( جَزَاءً وَمَصِيرًا ) الثَّوَابَ وَمَحَلَّهُ كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=31نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا ) ، وَفِي ضِدِّهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=29بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ) ; لِأَنَّهُ بِطِيبِ الْمَكَانِ يَتَضَاعَفُ النَّعِيمُ ، كَمَا أَنَّهُ بِرَدَاءَتِهِ يَتَضَاعَفُ الْعَذَابُ ( وَعْدًا ) ، أَيْ : مَوْعُودًا ، ( مَسْئُولًا ) سَأَلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ فِي قَوْلِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=8رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ ) ; قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14980مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ ، وَالنَّاسُ فِي قَوْلِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=194رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=201رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً ) ، وَقَالَ مَعْنَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ زَيْدٍ .
وَقَالَ
الْفَرَّاءُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=16وَعْدًا مَسْئُولًا ) أَيْ : وَاجِبًا ، يُقَالُ لَأُعْطِيَنَّكَ أَلْفًا وَعْدًا مَسْئُولًا ، أَيْ : وَاجِبًا وَإِنْ لَمْ يُسْأَلْ . قِيلَ : وَمَا قَالَهُ
الْفَرَّاءُ مُحَالٌ ، انْتَهَى . وَلَيْسَ مُحَالًا ; إِذْ يَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُسْأَلَ هَذَا الْوَعْدُ الَّذِي وَعَدْتَهُ أَوْ بِصَدَدِ أَنْ يُسْأَلَ ، أَيْ : مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَكُونَ مَسْئُولًا . وَ ( عَلَى رَبِّكَ ) ، أَيْ : بِسَبَبِ الْوَعْدِ صَارَ لَا بُدَّ مْنِهِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : كَانَ ذَلِكَ مَوْعُودًا وَاجِبًا عَلَى رَبِّكَ إِنْجَازُهُ حَقِيقًا أَنْ يُسْأَلَ وَيُطْلَبَ لِأَنَّهُ جَزَاءٌ وَأَجْرٌ مُسْتَحَقٌّ ، وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ .