[ ص: 487 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=17nindex.php?page=treesubj&link=28996ويوم نحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=18قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=19فقد كذبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفا ولا نصرا ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=20وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=21وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=22يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=23وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=24أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا ) .
قرأ
أبو جعفر nindex.php?page=showalam&ids=13723والأعرج وابن كثير وحفص ( يحشرهم ) و ( فيقول ) بالياء فيهما . وقرأ
الحسن وطلحة وابن عامر بالنون فيهما . وقرأ باقي السبعة في ( نحشرهم ) بالنون
[ ص: 488 ] وفي ( فيقول ) بالياء . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=13723الأعرج ( يحشرهم ) بكسر الشين . قال صاحب اللوامح في كل القرآن وهو القياس في الأفعال المتعدية الثلاثية ; لأن يفعل بضم العين قد يكون من اللازم الذي هو فعل بضمها في الماضي . وقال
ابن عطية : وهي قليلة في الاستعمال قوية في القياس ; لأن يفعل بكسر العين في المتعدي أقيس من يفعل بضم العين ، انتهى . وهذا ليس كما ذكرا بل فعل المتعدي الصحيح جميع حروفه إذا لم يكن للمبالغة ولا حلقي عين ولا لام فإنه جاء على يفعل ويفعل كثيرا ، فإن شهر أحد الاستعمالين اتبع ، وإلا فالخيار حتى إن بعض أصحابنا خير فيهما سمعا للكلمة أو لم يسمعا .
( وما يعبدون ) ، قال
الضحاك وعكرمة : الأصنام التي لا تعقل يقدرها الله على هذه المقالة من الجواب . وقال
الكلبي : يحيي الله الأصنام يومئذ لتكذيب عابديها . وقال الجمهور : من عبد ممن يعقل ممن لم يأمر بعبادته كالملائكة
وعيسى ،
وعزير ، وهو الأظهر كقوله : ( أأنتم أضللتم ) وما بعده من المحاورة التي ظاهرها أنها لا تصدر إلا من العقلاء ، وجاء ما يشبه ذلك منصوصا في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=40ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ) وسؤاله تعالى ، وهو عالم بالمسئول عنه ، ليجيبوا بما أجابوا به فيبكت عبدتهم بتكذيبهم إياهم فيزيد حسرتهم ويسر المؤمنون بحالهم ونجاتهم من فضيحة أولئك ، وليكون حكاية ذلك في القرآن لطفا للمكلفين . وجاء الاستفهام مقدما فيه الاسم على الفعل ، ولم يأت التركيب ( أأضللتم ) ولا أضلوا ; لأن كلا من الإضلال والضلال واقع والسؤال إنما هو من فاعله . وتقدم نظير هذا في (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=62أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم ) وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وفيه كسر بين لقول من يزعم أن الله يضل عباده على الحقيقة حيث يقول للمعبودين من دونه : ( أأنتم أضللتم ) أم ضلوا بأنفسهم فيتبرءون من ضلالهم ويستعيذون به أن يكونوا مضلين ، ويقولون : بل أنت تفضلت من غير سابقة على هؤلاء وآبائهم تفضل جواد كريم ، فجعلوا الرحمة التي حقها أن تكون سبب الشكر سبب الكفر ونسيان الذكر ، وكان ذلك سبب هلاكهم ، فإذا تبرأت الملائكة والرسل أنفسهم من نسبة الضلال ، الذي هو عمل الشياطين إليهم ، واستعاذوا منهم فهم لربهم الغني العدل أشد تبرئة وتنزيها منه ، ولقد نزهوه حين أضافوا إليه التفضل بالنعمة والتمتيع بها . وأسندوا نسيان الذكر والتسبب به للبوار إلى الكفرة ، فشرحوا الإضلال المجازي الذي أسنده الله إلى ذاته في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=27يضل من يشاء ) ، ولو كان هو المضل على الحقيقة ; لكان الجواب العتيد أن يقولوا : بل أنت أضللتهم ، انتهى . وهو على طريقة المعتزلة .
والمعنى ( أأنتم ) أوقعتم هؤلاء ونسبتم لهم في إضلالهم عن الحق ، أم ( ضلوا ) بأنفسهم عنه . وضل أصله أن يتعدى بعن كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=117من يضل عن سبيله ) ، ثم اتسع فحذف ، وأضله عن السبيل كما أن هدى يتعدى بإلى ثم يحذف ، ويضل مطاوع أضل كما تقول : أقعدته فقعد . و ( سبحانك ) تنزيه لله تعالى أن يشرك معه في العبادة أحد أو يفرد بعبادة فأنى لهم أن يقع منهم إضلال أحد وهم المنزهون المقدسون ، أن يكون أحد منهم ندا وهو المنزه عن الند والنظير .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ( سبحانك ) تعجب منهم مما قيل ; لأنهم ملائكة وأنبياء معصومون ، فما أبعدهم عن الإضلال ، الذي هو مختص بإبليس وحزبه ، انتهى .
وقرأ علقمة ( ما ينبغي ) بسقوط ( كان ) وقراءة الجمهور بثبوتها أمكن في المعنى ; لأنهم أخبروا عن حال كانت في الدنيا ، ووقت الإخبار لا عمل فيه . وقرأ
أبو عيسى الأسود القاري ( ينبغى لنا ) مبنيا للمفعول . وقال
ابن خالويه : زعم
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه أن ينبغى لغة .
وقرأ الجمهور : ( أن نتخذ ) مبنيا للفاعل ، و ( من أولياء ) مفعول على زيادة ( من ) وحسن زيادتها انسحاب النفي على ( نتخذ ) ; لأنه معمول لـ ( ينبغي ) . وإذا انتفى الابتغاء لزم منه انتفاء متعلقه ، وهو اتخاذ ولي من دون الله . ونظيره (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=105ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير )
[ ص: 489 ] أي : خير ، والمعنى ما كان يصح لنا ولا يستقيم ونحن معصومون أن نتولى أحدا دونك ، فكيف يصح لنا أن نحمل غيرنا على أن يتولونا دونك ؟ ! . وقال
أبو مسلم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=18ما كان ينبغي لنا ) أن نكون أمثال الشياطين نريد الكفر فنتولى الكفار ، قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=257والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت ) . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=4أبو الدرداء nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت ،
وأبو رجاء ،
ونصر بن علقمة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15948وزيد بن علي وأخوه الباقر ،
ومكحول ،
والحسن ،
وأبو جعفر ،
وحفص بن عبيد ،
والنخعي ،
والسلمي ،
وشيبة ،
وأبو بشر ،
والزعفراني : ( أن يتخذ ) مبنيا للمفعول واتخذ مما يتعدى تارة لواحد ، كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=21أم اتخذوا آلهة من الأرض ) ، وعليه قراءة الجمهور ، وتارة إلى اثنين كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=23أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ) ، فقيل : هذه القراءة منه ، فالأول الضمير في ( نتخذ ) ، والثاني ( من أولياء ) ، و ( من ) للتبعيض ، أي : لا يتخذ بعض أولياء ، وهذا قول الزمخشري .
وقال
ابن عطية : ويضعف هذه القراءة دخول ( من ) في قوله : ( من أولياء ) ، اعترض بذلك
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير وغيره . وقال
أبو الفتح : ( من أولياء ) في موضع الحال ، ودخلت ( من ) زيادة لمكان النفي المتقدم ، كما تقول : ما اتخذت زيدا من وكيل . وقيل : ( من أولياء ) هو الثاني على زيادة ( من ) ، وهذا لا يجوز عند أكثر النحويين ، إنما يجوز دخولها زائدة على المفعول الأول بشرطه . وقرأ
الحجاج : أن نتخذ من دونك أولياء ، فبلغ
عاصما فقال : مقت المخدج أوما علم أن فيها ( من ) ولما تضمن قولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=18ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ) أنا لم نضلهم ولم نحملهم على الامتناع من الإيمان صلح أن يستدرك بلكن ، والمعنى لكن أكثرت عليهم وعلى آبائهم النعم ، وأطلت أعمارهم ، وكان يجب عليهم شكرها والإيمان بما جاءت به الرسل ، فكان ذلك سببا للإعراض عن ذكر الله . قيل : ولكن متعتهم كالرمز إلى ما صرح به
موسى من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=155إن هي إلا فتنتك ) ، أي : أنت الذي أعطيتهم مطالبهم من الدنيا حتى صاروا غرقى في بحر الشهوات ، فكان صارفا لهم عن التوجه إلى طاعتك والاشتغال بخدمتك ، والذكر ما ذكر به الناس على ألسنة الأنبياء أو الكتب المنزلة أو القرآن . والبور : قيل مصدر يوصف به الواحد والجمع . وقيل : جمع بائر كعائذ وعوذ . قيل : معناه هلكى . وقيل : فسدى ، وهي لغة الأزد يقولون : أمر بائر ، أي : فاسد ، وبارت البضاعة : فسدت . وقال
الحسن : لا خير فيهم ، من قولهم : أرض بور ، أي : معطلة لا نبات فيها . وقيل : ( بورا ) عميا عن الحق .
( فقد كذبوكم ) هذا من قول الله بلا خلاف وهي مفاجأة ، فالاحتجاج والإلزام حسنة رابعة وخاصة إذا انضم إليها الالتفات ، وهو على إضمار القول كقوله : ( يا أهل الكتاب ) إلى قوله ( فقد جاءكم ) ، أي فقلنا : قد جاءكم . وقول الشاعر :
قالوا خراسان أقصى ما يراد بنا ثم القفول فقد جئنا خراسانا
أي : فقلنا قد جئنا ، وكذلك هذا ، أي : فقلنا قد كذبوكم ، فإن كان المجيب الأصنام فالخطاب للكفار ، أي : قد كذبتكم معبوداتكم من الأصنام بقولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=18ما كان ينبغي لنا ) ، وإن كان الخطاب للمعبودين من العقلاء
عيسى والملائكة
وعزير - عليهم السلام - ، وهو الظاهر ; لتناسق الخطاب مع قوله : ( أأنتم أضللتم ) ، أي : كذبكم المعبودون ( بما تقولون ) أي : بقولهم : إنكم أضللتموهم ، وزعمهم أنكم أولياؤهم من دون الله . ومن قرأ ( بما تقولون ) بتاء الخطاب ، فالمعنى فيما تقولون ، أي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=18سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ) . وقيل : الخطاب للكفار العابدين ، أي : كذبكم المعبودون بما تقولون من الجواب . (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=18سبحانك ما كان ينبغي لنا ) أو فيما تقولون أنتم من الافتراء عليهم خوطبوا على جهة التوبيخ والتقريع . وقيل : هو خطاب للمؤمنين في الدنيا ، أي : قد كذبكم أيها المؤمنون الكفار في الدنيا فيما تقولونه من التوحيد والشرع . وقرأ الجمهور ( بما تقولون ) بالتاء من فوق .
وأبو حيوة وابن الصلت عن
nindex.php?page=showalam&ids=16832قنبل بالياء من تحت .
وقرأ
حفص ،
وأبو حيوة nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش وطلحة ( فما تستطيعون ) بتاء الخطاب ، ويؤيد هذه القراءة
[ ص: 490 ] أن الخطاب في ( كذبوكم ) للكفار العابدين . وذكر عن
ابن كثير وأبي بكر أنهما قرآ ( بما يقولون فما يستطيعون ) بالياء فيهما ، أي : هم . ( صرفا ) أي : صرف العذاب أو توبة أو حيلة من قولهم إنه ليتصرف ، أي : يحتال ، هذا إن كان الخطاب في ( كذبوكم ) للكفار ، فالتاء جارية على ذلك ، والياء التفات ، وإن كان للمعبودين فالتاء التفات . والياء جارية على ضمير ( كذبوكم ) المرفوع ، وإن كان الخطاب للمؤمنين أمة الرسول - عليه السلام - في قوله : ( فقد كذبوكم ) فالمعنى أنهم شديدو الشكيمة في التكذيب . ( فما تستطيعون ) أنتم صرفهم عما هم عليه من ذلك . وبالياء فما يستطيعون ( صرفا ) لأنفسهم عما هم عليه . أو ما يستطيعون صرفكم عن الحق الذي أنتم عليه . ( ولا نصرا ) لأنفسهم من البلاء الذي استوجبوه بتكذيبهم .
( ومن يظلم منكم ) الظاهر أنه عام . وقيل : خطاب للمؤمنين . وقيل : خطاب للكافرين . والظلم هنا الشرك ; قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
والحسن nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج ، ويحتمل دخول المعاصي غير الشرك في الظلم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري :
nindex.php?page=treesubj&link=30438العذاب الكبير لاحق لكل من ظلم والكافر ظالم ; لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=13إن الشرك لظلم عظيم ) والفاسق ظالم ; لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=11ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون ) ، انتهى ، وفيه دسيسة الاعتزال . وقرئ : " يذقه " بياء الغيبة ، أي : الله وهو الظاهر . وقيل : هو ، أي : الظلم ، وهو المصدر المفهوم من قوله : ( بظلم ) ، أي : يذقه الظلم .
ولما تقدم الطعن على الرسول بأكل الطعام والمشي في الأسواق أخبر تعالى أنها عادة مستمرة في كل رسالة ، ومفعول ( أرسلنا ) عند
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج nindex.php?page=showalam&ids=14423والزمخشري ومن تبعهما محذوف تقديره أحدا . وقدره
ابن عطية رجالا أو رسلا . وعاد الضمير في ( إنهم ) على ذلك المحذوف ، كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=164وما منا إلا له مقام ) أي : وما منا أحد ، والجملة عند هؤلاء صفة ، أعني قوله : ( إلا إنهم ) كأنه قال : إلا آكلين وماشين . وعند
الفراء المفعول محذوف وهو موصول مقدر بعد إلا أي إلا من . ( إنهم ) والضمير عائد على ( من ) على معناها ، فيكون استثناء مفرغا ، وقيل : ( إنهم ) قبله قول محذوف ، أي : ( إلا ) قيل : ( إنهم ) ، وهذان القولان مرجوحان في العربية . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري : التقدير إلا وإنهم ، يعني أن الجملة حالية ، وهذا هو المختار . وقد رد على من قال : إن ما بعد إلا قد يجيء صفة ، وأما حذف الموصول فضعيف ، وقد ذهب إلى حكاية الحال أيضا
أبو البقاء ، قال : وقيل لو لم تكن اللام لكسرت ; لأن الجملة حالية إذ المعنى إلا وهم يأكلون . وقرئ ( أنهم ) بالفتح على زيادة اللام وأن مصدرية التقدير إلا أنهم يأكلون ، أي : ما جعلناهم رسلا إلى الناس إلا لكونهم مثلهم . وقرأ الجمهور : ( ويمشون ) مضارع مشى خفيفا . وقرأ
علي nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود وعبد الرحمن بن عبد الله ( يمشون ) مشددا مبنيا للمفعول ، أي : يمشيهم حوائجهم والناس . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ولو قرئ ( يمشون ) ; لكان أوجه لولا الرواية ، انتهى . وقد قرأ كذلك
nindex.php?page=showalam&ids=14510أبو عبد الرحمن السلمي مشددا مبنيا للفاعل ، وهي بمعنى ( يمشون ) قراءة الجمهور . قال الشاعر :
ومشى بأعطان المباءة وابتغى قلائص منها صعبة وركوب
( وجعلنا بعضكم ) . قال
ابن عطية : هو عام للمؤمن والكافر ، فالصحيح فتنة للمريض ، والغني فتنة للفقير ، والفقير الشاكر فتنة للغني ، والرسول المخصوص بكرامة النبوة فتنة لأشراف الناس الكفار في عصره ، وكذلك العلماء وحكام العدل . وقد تلا
ابن القاسم هذه الآية حين رأى
أشهب ، انتهى . وروي قريب من هذه عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس والحسن . قال
ابن عطية : والتوقيف بأتصبرون خاص للمؤمنين المحقين فهو لأمة
محمد ، كأنه جعل إمهال الكفار فتنة للمؤمنين ، أي : اختبارا ثم وقفهم . هل تصبرون أم لا ؟ ثم أعرب قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=20وكان ربك بصيرا ) عن الوعد للصابرين والوعيد للعاصين .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ( فتنة ) أي : محنة وبلاء ، وهذا تصبر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ما قالوه واستبعدوه
[ ص: 491 ] من أكله الطعام ومشيه في الأسواق بعدما احتج عليهم بسائر الرسل ، يقول : جرت عادتي وموجب حكمتي على ابتلاء بعضكم أيها الناس ببعض . والمعنى أنه ابتلى المرسلين بالمرسل إليهم ومناصبتهم لهم العداوة وأقاويلهم الخارجة عن حد الإنصاف وأنواع أذاهم ، وطلب منهم الصبر الجميل ، ونحوه (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=186ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا ) الآية . وموقع ( أتصبرون ) بعد ذكر الفتنة موقع ( أيكم ) بعد الابتلاء في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=2ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) .
( بصيرا ) عالما بالصواب فيما يبتلي به وبغيره ، فلا يضيقن صدرك ولا تستخفنك أقاويلهم ، فإن في صبرك عليهم سعادة وفوزك في الدارين . وقيل : هو تسلية عما عيروه به من الفقر حين قالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=8أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة ) وأنه جعل
nindex.php?page=treesubj&link=32944الأغنياء فتنة للفقراء ; لينظر هل تصبرون ؟ وأنها حكمته ومشيئته يغني من يشاء ويفقر من يشاء . وقيل : جعلناك فتنة لهم ; لأنك لو كنت غنيا صاحب كنوز وجنات ; لكان ميلهم إليك وطاعتهم لك للدنيا أو ممزوجة بالدنيا ، وإنما بعثناك فقيرا ; لتكون طاعة من يطيعك منهم خالصة لوجه الله من غير طمع دنيوي . وقيل : كان
أبو جهل والوليد بن المغيرة والعاصي بن وائل ومن في طبقتهم يقولون : إن أسلمنا وقد أسلم قبلنا
عمار وصهيب وبلال وفلان وفلان ، فرفعوا علينا إدلالا بالسابقة ، فهو افتتان بعضهم ببعض ، انتهى . وفيه تكثير ، وهذا القول الأخير قول
الكلبي ،
nindex.php?page=showalam&ids=14888والفراء nindex.php?page=showalam&ids=14416والزجاج . والأولى أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=20وجعلنا بعضكم لبعض فتنة ) يشمل معاني هذه الألفاظ كلها ; لأن بين الجميع قدرا مشتركا . وقيل : في قوله : ( أتصبرون ) إنه استفهام بمعنى الأمر ، أي : اصبروا ، والظاهر حمل الرجاء على المشهور من استعماله ، والمعنى لا يأملون لقاءنا بالخير وثوابنا على الطاعة لتكذيبهم بالبعث لكفرهم بما جئت به . وقال
أبو عبيدة وقوم : معناه لا يخافون . وقال
الفراء : ( لا يرجون نشورا ) لا يخافون ، وهذه الكلمة تهامية ، وهي أيضا من لغة هذيل إذا كان مع الرجاء جحد ذهبوا به إلى معنى الخوف . فتقول : فلان لا يرجو ربه يريدون لا يخاف ربه ، ومن ذلك (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=13ما لكم لا ترجون لله وقارا ) ، أي : لا تخافون لله عظمة ، وإذا قالوا : فلان يرجو ربه فهذا معنى الرجاء لا على الخوف . وقال الشاعر :
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها وحالفها في بيت نوب عوامل
وقال آخر :
لا ترتجي حين تلاقي الذائدا أسبعة لاقت معا أم واحدا
انتهى . ومن لازم الرجاء للثواب الخوف من العقاب ، ومن كان مكذبا بالبعث لا يرجو ثوابا ولا يخاف عقابا ، ومن تأول لم يرج لسعها على معنى لم يرج دفعها ولا الانفكاك عنها . فهو لذلك يوطن على الصبر ويجد في شغله ، فتأويله ممكن ، لكن
الفراء وغيره نقلوا ذلك لغة لهذيل في النفي ، والشاعر هذلي ; فينبغي أن لا يتكلف للتأويل وأن يحمل على لغته .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=21لولا أنزل علينا الملائكة ) فتخبرنا أنك رسول حقا . ( أو نرى ربنا ) فيخبرنا بذلك ; قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج وغيره . وهذه كما قالت
اليهود : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=55لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ) ، وكقولهم - أعني المشركين - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=92أو تأتي بالله والملائكة قبيلا ) ، وهذا كله في سبيل التعنت ، وإلا فما جاءهم به من المعجزات كاف لو وفقوا . ( لقد استكبروا ) ، أي : تكبروا . ( في أنفسهم ) ، أي : عظموا أنفسهم بسؤال رؤية الله ، وهم ليسوا بأهل لها . والمعنى أن سؤال ذلك إنما هو لما أضمروا في أنفسهم من الاستكبار عن الحق وهو الكفر والعناد الكامن في قلوبهم الظاهر عنه ما لا يقع لهم ، كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=56إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه ) ، واللام في ( لقد ) جواب قسم محذوف ، و ( عتوا ) تجاوزوا الحد في الظلم ووصفه بكبير مبالغة في إفراطه ، أي لم يجسروا على هذا القول العظيم إلا لأنهم بلغوا غاية الاستكبار وأقصى العتو . وجاء هنا
[ ص: 492 ] ( عتوا ) على الأصل ، وفي
مريم ( عتيا ) على استثقال اجتماع الواوين والقلب لمناسبة الفواصل . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : ( عتوا ) كفروا أشد الكفر وأفحشوا . وقال
عكرمة : تجبروا . وقال
ابن سلام : عصوا . وقال
ابن عيسى : أسرفوا . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : هذه الجملة في حسن استيفائها غاية في أسلوبها . ونحوه قول القائل :
وجارة جساس أبأنا بنابها كليبا غلت ناب كليب بواؤها
في نحو هذا الفعل دليل على التعجب من غير لفظ تعجب ، ألا ترى أن المعنى ما أشد استكبارهم ، وما أكثر عتوهم ، وما أغلى نابا بواؤها كليب .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=22يوم يرون الملائكة ) ( يوم ) منصوب بـ ( اذكر ) ، وهو أقرب أو بفعل يدل عليه ( لا بشرى ) ، أي : يمنعون البشرى ولا يعمل فيه ( لا بشرى ) ; لأنه مصدر ; ولأنه منفي بلا التي لنفي الجنس ; لأنه لا يعمل ما بعدها فيما قبلها ، وكذا الداخلة على الأسماء عاملة عمل ليس ، ودخول ( لا ) على ( بشرى ) ; لانتفاء أنواع البشرى ، وهذا اليوم الظاهر أنه يوم القيامة ; لقوله بعد ( وقدمنا إلى ما عملوا ) . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : عند الموت ، والمعنى أن هؤلاء الذين اقترحوا نزول الملائكة لا يعرفون ما يكون لهم إذا رأوهم من الشر ، وانتفاء البشارة ، وحصول الخسار والمكروه . واحتمل ( بشرى ) أن يكون مبنيا مع ( لا ) ، واحتمل أن يكون في نية التنوين منصوب اللفظ ، ومنع من الصرف للتأنيث اللازم ، فإن كان مبنيا مع ( لا ) احتمل أن يكون الخبر ( يومئذ ) و ( للمجرمين ) خبر بعد خبر أو نعت لبشرى ، أو متعلق بما تعلق به الخبر ، وأن يكون ( يومئذ ) صفة لبشرى ، والخبر ( للمجرمين ) ويجيء خلاف
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه ،
والأخفش هل الخبر لنفس ( لا ) أو الخبر للمبتدأ الذي هو مجموع ( لا ) وما بني معها ؟ وإن كان في نية التنوين وهو معرب ، جاز أن يكون ( يومئذ ) معمولا لبشرى ، وأن يكون صفة ، والخبر من الخبر . وأجاز أن يكون ( يومئذ ) و ( للمجرمين ) خبر ، وجاز أن يكون ( يومئذ ) خبرا و ( للمجرمين ) صفة ، والخبر إذا كان الاسم ليس مبنيا لنفس لا بإجماع .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : و ( يومئذ ) للتكرير وتبعه
أبو البقاء ، ولا يجوز أن يكون تكريرا ، سواء أريد به التوكيد اللفظي أم أريد به البدل ; لأن ( يوم ) منصوب بما تقدم ذكره من اذكر أو من يعدمون البشرى ، وما بعد ( لا ) العاملة في الاسم لا يعمل فيه ما قبلها ، وعلى تقديره يكون العامل فيه ما قبل إلا ، والظاهر عموم المجرمين فيندرج هؤلاء القائلون فيهم . قيل : ويجوز أن يكون من وضع الظاهر موضع الضمير ، والظاهر أن الضمير في ( ويقولون ) عائد على القائلين ; لأن المحدث عنهم كانوا يطلبون نزول الملائكة ، ، ثم إذا رأوهم كرهوا لقاءهم وفزعوا منهم ; لأنهم لا يلقونهم إلا بما يكرهون ، فقالوا عند رؤيتهم ما كانوا يقولونه عند لقاء العدو ونزول الشدة ، وقال معناه
مجاهد ، قال : ( حجرا ) عواذا يستعيذون من الملائكة . وقال
مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج : كانت العرب إذا كرهت شيئا قالوا : حجرا . وقال
أبو عبيدة : هاتان اللفظتان عوذة للعرب يقولهما من خاف آخر في الحرم أو في شهر حرام إذا لقيه وبينهما ترة ، انتهى . ومنه قول
المتلمس :
حنت إلى النخلة القصوى فقلت لها حجر حرام ألا تلك الدهاليس
أي : هذا الذي حننت إليه هو ممنوع ، وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه ( حجرا ) في المصادر المنصوبة غير المتصرفة . وقال بعض الرجاز :
قالت وفيها حيرة وذعر عوذ يرى منكم وحجر
وأنه واجب إضمار ناصبها . قال
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : ويقول الرجل للرجل أتفعل كذا ؟ فيقول : حجرا ، وهي من حجره إذا منعه ; لأن المستعيذ طالب من الله أن يمنع المكروه لا يلحقه . وقرأ
أبو رجاء ،
والحسن [ ص: 493 ] والضحاك ( حجرا ) بضم الحاء . وقيل : الضمير في ( ويقولون ) عائد على الملائكة ، أي : تقول الملائكة للمجرمين : ( حجرا محجورا ) عليكم البشرى ، و ( محجورا ) صفة تؤكد معنى ( حجرا ) ، كما قالوا : موت مائت ، وذيل ذائل ، والقدوم الحقيقي مستحيل في حق الله تعالى ، فهو عبارة عن حكمه بذلك وإنفاذه . قيل : أو على حذف مضاف ، أي قدمت ملائكتنا ، وأسند ذلك إليه لأنه عن أمره ، وحسنت لفظة ( قدمنا ) ; لأن القادم على شيء مكروه لم يقرره ولا أمر به مغير له ومذهب ، فمثلت حال هؤلاء وأعمالهم التي عملوها في كفرهم ، من صلة رحم ، وإغاثة ملهوف ، وقرى ضيف ، ومن على أسير . وغير ذلك من مكارمهم ، بحال قوم خالفوا سلطانهم فقصد إلى ما تحت أيديهم فمزقها بحيث لم يترك لها أثرا ، وفي أمثالهم : أقل من الهباء ، و (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=23هباء منثورا ) صفة للهباء ، شبهه بالهباء لقلته وأنه لا ينتفع به ، ثم وصفه بمنثورا ; لأن الهباء تراه منتظما مع الضوء فإذا حركته الريح رأيته قد تناثر وذهب . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : أو جعله - يعني ( منثورا ) - مفعولا ثالثا لجعلناه ، أي : ( فجعلناه ) جامعا لحقارة الهباء والتناثر . كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=65كونوا قردة خاسئين ) ، أي : جامعين للمسخ والخسء ، انتهى . وخالف
ابن درستويه فخالف النحويين في منعه أن يكون لكان خبران وأزيد . وقياس قوله في جعل أن يمنع أن يكون لها خبر ثالث . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : الهباء المنثور ما تسفي به الرياح وتبثه . وعنه أيضا : الهباء الماء المهراق ، والمستقر مكان الاستقرار في أكثر الأوقات . والمقيل المكان الذي يأوون إليه في الاسترواح إلى الأزواج والتمتع ، ولا نوم في الجنة فسمي مكان استرواحهم إلى الحور ( مقيلا ) ، على طريق التشبيه ; إذ المكان المتخير للقيلولة يكون أطيب المواضع . وفي لفظ ( أحسن ) رمز إلى ما يتزين به مقيلهم من حسن الوجوه وملاحة الصور إلى غير ذلك من التحاسين . و ( خير ) قيل : ليست على بابها من استعمالها دلالة على الأفضلية ، فيلزم من ذلك خير في مستقر أهل النار ، ويمكن إبقاؤها على بابها ويكون التفضيل وقع بين المستقرين والمقيلين باعتبار الزمان الواقع ذلك فيه . فالمعنى ( خير مستقرا ) في الآخرة من الكفار المترفين في الدنيا ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=24وأحسن مقيلا ) في الآخرة من أولئك في الدنيا . وقيل : ( خير مستقرا ) منهم لو كان لهم مستقر ، فيكون التقدير وجود مستقر لهم فيه خير . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ،
والنخعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13033وابن جبير ،
nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج ،
ومقاتل :
nindex.php?page=treesubj&link=30362إن الحساب يكمل في مقدار نصف يوم من أيام الدنيا ، ويقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار .
[ ص: 487 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=17nindex.php?page=treesubj&link=28996وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=18قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=19فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=20وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=21وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=22يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=23وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=24أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا ) .
قَرَأَ
أَبُو جَعْفَرٍ nindex.php?page=showalam&ids=13723وَالْأَعْرَجُ وَابْنُ كَثِيرٍ وَحَفْصٌ ( يَحْشُرُهُمْ ) وَ ( فَيَقُولُ ) بِالْيَاءِ فِيهِمَا . وَقَرَأَ
الْحَسَنُ وَطَلْحَةُ وَابْنُ عَامِرٍ بِالنُّونِ فِيهِمَا . وَقَرَأَ بَاقِي السَّبْعَةِ فِي ( نَحْشُرُهُمْ ) بِالنُّونِ
[ ص: 488 ] وَفِي ( فَيَقُولُ ) بِالْيَاءِ . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=13723الْأَعْرَجُ ( يَحْشِرُهُمْ ) بِكَسْرِ الشِّينِ . قَالَ صَاحِبُ اللَّوَامِحِ فِي كُلِّ الْقُرْآنِ وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الْأَفْعَالِ الْمُتَعَدِّيَةِ الثُّلَاثِيَّةِ ; لِأَنَّ يَفْعُلُ بِضَمِّ الْعَيْنِ قَدْ يَكُونُ مِنَ اللَّازِمِ الَّذِي هُوَ فَعُلَ بِضَمِّهَا فِي الْمَاضِي . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَهِيَ قَلِيلَةٌ فِي الِاسْتِعْمَالِ قَوِيَّةٌ فِي الْقِيَاسِ ; لِأَنَّ يَفْعِلُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ فِي الْمُتَعَدِّي أَقْيَسُ مَنْ يَفْعُلُ بِضَمِّ الْعَيْنِ ، انْتَهَى . وَهَذَا لَيْسَ كَمَا ذَكَرَا بَلْ فَعُلَ الْمُتَعَدِّي الصَّحِيحُ جَمِيعُ حُرُوفِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُبَالَغَةِ وَلَا حَلْقِيَّ عَيْنٍ وَلَا لَامٍ فَإِنَّهُ جَاءَ عَلَى يَفْعُلُ وَيَفْعِلُ كَثِيرًا ، فَإِنْ شُهِرَ أَحَدُ الِاسْتِعْمَالَيْنِ اتُّبِعَ ، وَإِلَّا فَالْخِيَارُ حَتَّى إِنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا خَيَّرَ فِيهِمَا سَمِعَا لِلْكَلِمَةِ أَوْ لَمْ يَسْمَعَا .
( وَمَا يَعْبُدُونَ ) ، قَالَ
الضَّحَّاكُ وَعِكْرِمَةُ : الْأَصْنَامُ الَّتِي لَا تَعْقِلُ يُقْدِرُهَا اللَّهُ عَلَى هَذِهِ الْمَقَالَةِ مِنَ الْجَوَابِ . وَقَالَ
الْكَلْبِيُّ : يُحْيِي اللَّهُ الْأَصْنَامَ يَوْمَئِذٍ لِتَكْذِيبِ عَابِدِيهَا . وَقَالَ الْجُمْهُورُ : مَنْ عُبِدَ مِمَّنْ يَعْقِلُ مِمَّنْ لَمْ يَأْمُرْ بِعِبَادَتِهِ كَالْمَلَائِكَةِ
وَعِيسَى ،
وَعُزَيْرٍ ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ كَقَوْلِهِ : ( أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ ) وَمَا بَعْدَهُ مِنَ الْمُحَاوَرَةِ الَّتِي ظَاهِرُهَا أَنَّهَا لَا تَصْدُرُ إِلَّا مِنَ الْعُقَلَاءِ ، وَجَاءَ مَا يُشْبِهُ ذَلِكَ مَنْصُوصًا فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=40ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ) وَسُؤَالُهُ تَعَالَى ، وَهُوَ عَالِمٌ بِالْمَسْئُولِ عَنْهُ ، لِيُجِيبُوا بِمَا أَجَابُوا بِهِ فَيُبَكِّتَ عَبَدَتَهُمْ بِتَكْذِيبِهِمْ إِيَّاهُمْ فَيَزِيدَ حَسْرَتَهُمْ وَيُسَرُّ الْمُؤْمِنُونَ بِحَالِهِمْ وَنَجَاتِهِمْ مِنْ فَضِيحَةِ أُولَئِكَ ، وَلِيَكُونَ حِكَايَةُ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ لُطْفًا لِلْمُكَلَّفِينَ . وَجَاءَ الِاسْتِفْهَامُ مُقَدَّمًا فِيهِ الِاسْمُ عَلَى الْفِعْلِ ، وَلَمْ يَأْتِ التَّرْكِيبُ ( أَأَضْلَلْتُمْ ) وَلَا أَضَلُّوا ; لِأَنَّ كُلًّا مِنَ الْإِضْلَالِ وَالضَّلَالِ وَاقِعٌ وَالسُّؤَالُ إِنَّمَا هُوَ مِنْ فَاعِلِهِ . وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذَا فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=62أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ ) وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَفِيهِ كَسْرٌ بَيِّنٌ لِقَوْلِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ يُضِلُّ عِبَادَهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ حَيْثُ يَقُولُ لِلْمَعْبُودِينَ مِنْ دُونِهِ : ( أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ ) أَمْ ضَلُّوا بِأَنْفُسِهِمْ فَيَتَبَرَّءُونَ مِنْ ضَلَالِهِمْ وَيَسْتَعِيذُونَ بِهِ أَنْ يَكُونُوا مُضِلِّينَ ، وَيَقُولُونَ : بَلْ أَنْتَ تَفَضَّلْتَ مِنْ غَيْرِ سَابِقَةٍ عَلَى هَؤُلَاءِ وَآبَائِهِمْ تَفَضُّلَ جَوَادٍ كَرِيمٍ ، فَجَعَلُوا الرَّحْمَةَ الَّتِي حَقُّهَا أَنْ تَكُونَ سَبَبَ الشُّكْرِ سَبَبَ الْكُفْرِ وَنِسْيَانِ الذِّكْرِ ، وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ هَلَاكِهِمْ ، فَإِذَا تَبَرَّأَتِ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّسُلُ أَنْفُسُهُمْ مِنْ نِسْبَةِ الضَّلَالِ ، الَّذِي هُوَ عَمَلُ الشَّيَاطِينِ إِلَيْهِمْ ، وَاسْتَعَاذُوا مِنْهُمْ فَهُمْ لِرَبِّهِمِ الْغِنِيِّ الْعَدْلِ أَشَدُّ تَبْرِئَةً وَتَنْزِيهًا مِنْهُ ، وَلَقَدْ نَزَّهُوهُ حِينَ أَضَافُوا إِلَيْهِ التَّفَضُّلَ بِالنِّعْمَةِ وَالتَّمْتِيعَ بِهَا . وَأَسْنَدُوا نِسْيَانَ الذِّكْرِ وَالتَّسَبُّبَ بِهِ لِلْبَوَارِ إِلَى الْكَفَرَةِ ، فَشَرَحُوا الْإِضْلَالَ الْمَجَازِيَّ الَّذِي أَسْنَدَهُ اللَّهُ إِلَى ذَاتِهِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=27يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ ) ، وَلَوْ كَانَ هُوَ الْمُضِلَّ عَلَى الْحَقِيقَةِ ; لَكَانَ الْجَوَابُ الْعَتِيدُ أَنْ يَقُولُوا : بَلْ أَنْتَ أَضْلَلْتَهُمُ ، انْتَهَى . وَهُوَ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُعْتَزِلَةِ .
وَالْمَعْنَى ( أَأَنْتُمْ ) أَوْقَعْتُمْ هَؤُلَاءِ وَنُسِبْتُمْ لَهُمْ فِي إِضْلَالِهِمْ عَنِ الْحَقِّ ، أَمْ ( ضَلُّوا ) بِأَنْفُسِهِمْ عَنْهُ . وَضَلَّ أَصْلُهُ أَنْ يَتَعَدَّى بِعَنْ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=117مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ ) ، ثُمَّ اتُّسِعَ فَحُذِفَ ، وَأَضَلَّهُ عَنِ السَّبِيلِ كَمَا أَنَّ هَدَى يَتَعَدَّى بِإِلَى ثُمَّ يُحْذَفُ ، وَيَضِلُّ مُطَاوِعُ أَضَلَّ كَمَا تَقُولُ : أَقْعَدْتُهُ فَقَعَدَ . وَ ( سُبْحَانَكَ ) تَنْزِيهٌ لِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يُشْرَكَ مَعَهُ فِي الْعِبَادَةِ أَحَدٌ أَوْ يُفْرَدَ بِعِبَادَةٍ فَأَنَّى لَهُمْ أَنْ يَقَعَ مِنْهُمْ إِضْلَالُ أَحَدٍ وَهُمُ الْمُنَزَّهُونَ الْمُقَدَّسُونَ ، أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ مِنْهُمْ نِدًّا وَهُوَ الْمُنَزَّهُ عَنِ النِّدِّ وَالنَّظِيرِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : ( سُبْحَانَكَ ) تَعَجُّبٌ مِنْهُمْ مِمَّا قِيلَ ; لِأَنَّهُمْ مَلَائِكَةٌ وَأَنْبِيَاءُ مَعْصُومُونَ ، فَمَا أَبْعَدَهُمْ عَنِ الْإِضْلَالِ ، الَّذِي هُوَ مُخْتَصٌّ بِإِبْلِيسَ وَحِزْبِهِ ، انْتَهَى .
وَقَرَأَ عَلْقَمَةُ ( مَا يَنْبَغِي ) بِسُقُوطِ ( كَانَ ) وَقِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ بِثُبُوتِهَا أَمْكَنُ فِي الْمَعْنَى ; لِأَنَّهُمْ أَخْبَرُوا عَنْ حَالٍ كَانَتْ فِي الدُّنْيَا ، وَوَقْتُ الْإِخْبَارِ لَا عَمَلَ فِيهِ . وَقَرَأَ
أَبُو عِيسَى الْأَسْوَدُ الْقَارِيُّ ( يُنْبَغَى لَنَا ) مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ . وَقَالَ
ابْنُ خَالَوَيْهِ : زَعَمَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ أَنَّ يُنْبَغَى لُغَةٌ .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : ( أَنْ نَتَّخِذَ ) مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ ، وَ ( مِنْ أَوْلِيَاءَ ) مَفْعُولٌ عَلَى زِيَادَةِ ( مِنْ ) وَحَسَّنَ زِيَادَتَهَا انْسِحَابُ النَّفْيِ عَلَى ( نَتَّخِذَ ) ; لِأَنَّهُ مَعْمُولٌ لِـ ( يَنْبَغِي ) . وَإِذَا انْتَفَى الِابْتِغَاءُ لَزِمَ مِنْهُ انْتِفَاءُ مُتَعَلِّقِهِ ، وَهُوَ اتِّخَاذُ وَلِيٍّ مِنْ دُونِ اللَّهِ . وَنَظِيرُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=105مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ )
[ ص: 489 ] أَيْ : خَيْرٌ ، وَالْمَعْنَى مَا كَانَ يَصِحُّ لَنَا وَلَا يَسْتَقِيمُ وَنَحْنُ مَعْصُومُونَ أَنْ نَتَوَلَّى أَحَدًا دُونَكَ ، فَكَيْفَ يَصِحُّ لَنَا أَنْ نَحْمِلَ غَيْرَنَا عَلَى أَنْ يَتَوَلَّوْنَا دُونَكَ ؟ ! . وَقَالَ
أَبُو مُسْلِمٍ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=18مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا ) أَنْ نَكُونَ أَمْثَالَ الشَّيَاطِينِ نُرِيدُ الْكُفْرَ فَنَتَوَلَّى الْكُفَّارَ ، قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=257وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ ) . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=4أَبُو الدَّرْدَاءِ nindex.php?page=showalam&ids=47وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ،
وَأَبُو رَجَاءٍ ،
وَنَصْرُ بْنُ عَلْقَمَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15948وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَأَخُوهُ الْبَاقِرُ ،
وَمَكْحُولٌ ،
وَالْحَسَنُ ،
وَأَبُو جَعْفَرٍ ،
وَحَفْصُ بْنُ عُبَيْدٍ ،
وَالنَّخَعِيُّ ،
وَالسُّلَمِيُّ ،
وَشَيْبَةُ ،
وَأَبُو بِشْرٍ ،
وَالزَّعْفَرَانِيُّ : ( أَنْ يُتَّخَذَ ) مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ وَاتَّخَذَ مِمَّا يَتَعَدَّى تَارَةً لِوَاحِدٍ ، كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=21أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ ) ، وَعَلَيْهِ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ ، وَتَارَةً إِلَى اثْنَيْنِ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=23أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ) ، فَقِيلَ : هَذِهِ الْقِرَاءَةُ مِنْهُ ، فَالْأَوَّلُ الضَّمِيرُ فِي ( نَتَّخِذَ ) ، وَالثَّانِي ( مِنْ أَوْلِيَاءَ ) ، وَ ( مِنْ ) لِلتَّبْعِيضِ ، أَيْ : لَا يُتَّخَذُ بَعْضُ أَوْلِيَاءَ ، وَهَذَا قَوْلُ الزَّمَخْشَرِيِّ .
وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَيُضْعِفُ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ دُخُولُ ( مِنْ ) فِي قَوْلِهِ : ( مِنْ أَوْلِيَاءَ ) ، اعْتَرَضَ بِذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَغَيْرُهُ . وَقَالَ
أَبُو الْفَتْحِ : ( مِنْ أَوْلِيَاءَ ) فِي مَوْضِعِ الْحَالِ ، وَدَخَلَتْ ( مِنْ ) زِيَادَةً لِمَكَانِ النَّفْيِ الْمُتَقَدِّمِ ، كَمَا تَقُولُ : مَا اتَّخَذْتُ زَيْدًا مِنْ وَكِيلٍ . وَقِيلَ : ( مِنْ أَوْلِيَاءَ ) هُوَ الثَّانِي عَلَى زِيَادَةِ ( مِنْ ) ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَكْثَرِ النَّحْوِيِّينَ ، إِنَّمَا يَجُوزُ دُخُولُهَا زَائِدَةً عَلَى الْمَفْعُولِ الْأَوَّلِ بِشَرْطِهِ . وَقَرَأَ
الْحَجَّاجُ : أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ أَوْلِيَاءَ ، فَبَلَغَ
عَاصِمًا فَقَالَ : مُقِتَ الْمُخَدَّجُ أَوَمَا عَلِمَ أَنَّ فِيهَا ( مِنْ ) وَلَمَّا تَضَمَّنَ قَوْلُهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=18مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ ) أَنَّا لَمْ نُضِلُّهُمْ وَلَمْ نَحْمِلْهُمْ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنَ الْإِيمَانِ صَلُحَ أَنْ يَسْتَدْرِكَ بَلَكِنْ ، وَالْمَعْنَى لَكِنْ أَكْثَرْتَ عَلَيْهِمْ وَعَلَى آبَائِهِمُ النِّعَمَ ، وَأَطَلْتَ أَعْمَارَهُمْ ، وَكَانَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ شُكْرُهَا وَالْإِيمَانُ بِمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ ، فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِلْإِعْرَاضِ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ . قِيلَ : وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ كَالرَّمْزِ إِلَى مَا صَرَّحَ بِهِ
مُوسَى مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=155إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ ) ، أَيْ : أَنْتَ الَّذِي أَعْطَيْتَهُمْ مَطَالِبَهُمْ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى صَارُوا غَرْقَى فِي بَحْرِ الشَّهَوَاتِ ، فَكَانَ صَارِفًا لَهُمْ عَنِ التَّوَجُّهِ إِلَى طَاعَتِكَ وَالِاشْتِغَالِ بِخِدْمَتِكَ ، وَالذِّكْرُ مَا ذُكِّرَ بِهِ النَّاسُ عَلَى أَلْسِنَةِ الْأَنْبِيَاءِ أَوِ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ أَوِ الْقُرْآنِ . وَالْبُورُ : قِيلَ مَصْدَرٌ يُوصَفُ بِهِ الْوَاحِدُ وَالْجُمَعُ . وَقِيلَ : جَمْعُ بَائِرٍ كَعَائِذٍ وَعُوذٍ . قِيلَ : مَعْنَاهُ هَلْكَى . وَقِيلَ : فَسْدَى ، وَهِيَ لُغَةُ الْأَزْدِ يَقُولُونَ : أَمْرٌ بَائِرٌ ، أَيْ : فَاسِدٌ ، وَبَارَتِ الْبِضَاعَةُ : فَسَدَتْ . وَقَالَ
الْحَسَنُ : لَا خَيْرَ فِيهِمْ ، مِنْ قَوْلِهِمْ : أَرْضٌ بُورٌ ، أَيْ : مُعَطَّلَةٌ لَا نَبَاتَ فِيهَا . وَقِيلَ : ( بُورًا ) عُمْيًا عَنِ الْحَقِّ .
( فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ ) هَذَا مِنْ قَوْلِ اللَّهِ بِلَا خِلَافٍ وَهِيَ مُفَاجَأَةٌ ، فَالِاحْتِجَاجُ وَالْإِلْزَامُ حَسَنَةٌ رَابِعَةٌ وَخَاصَّةٌ إِذَا انْضَمَّ إِلَيْهَا الِالْتِفَاتُ ، وَهُوَ عَلَى إِضْمَارِ الْقَوْلِ كَقَوْلِهِ : ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ ) إِلَى قَوْلِهِ ( فَقَدْ جَاءَكُمْ ) ، أَيْ فَقُلْنَا : قَدْ جَاءَكُمْ . وَقَوْلِ الشَّاعِرِ :
قَالُوا خُرَاسَانُ أَقْصَى مَا يُرَادُ بِنَا ثُمَّ الْقُفُولُ فَقَدْ جِئْنَا خُرَاسَانَا
أَيْ : فَقُلْنَا قَدْ جِئْنَا ، وَكَذَلِكَ هَذَا ، أَيْ : فَقُلْنَا قَدْ كَذَّبُوكُمْ ، فَإِنْ كَانَ الْمُجِيبُ الْأَصْنَامَ فَالْخِطَابُ لِلْكُفَّارِ ، أَيْ : قَدْ كَذَّبَتْكُمْ مَعْبُودَاتُكُمْ مِنَ الْأَصْنَامِ بِقَوْلِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=18مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا ) ، وَإِنْ كَانَ الْخِطَابُ لِلْمَعْبُودِينَ مِنَ الْعُقَلَاءِ
عِيسَى وَالْمَلَائِكَةِ
وَعُزَيْرٍ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - ، وَهُوَ الظَّاهِرُ ; لَتَنَاسَقَ الْخِطَابُ مَعَ قَوْلِهِ : ( أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ ) ، أَيْ : كَذَّبَكُمُ الْمَعْبُودُونَ ( بِمَا تَقُولُونَ ) أَيْ : بِقَوْلِهِمْ : إِنَّكُمْ أَضْلَلْتُمُوهُمْ ، وَزَعْمِهِمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ . وَمَنْ قَرَأَ ( بِمَا تَقُولُونَ ) بِتَاءِ الْخِطَابِ ، فَالْمَعْنَى فِيمَا تَقُولُونَ ، أَيْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=18سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ ) . وَقِيلَ : الْخِطَابُ لِلْكُفَّارِ الْعَابِدِينَ ، أَيْ : كَذَّبَكُمُ الْمَعْبُودُونَ بِمَا تَقُولُونَ مِنَ الْجَوَابِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=18سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا ) أَوْ فِيمَا تَقُولُونَ أَنْتُمْ مِنَ الِافْتِرَاءِ عَلَيْهِمْ خُوطِبُوا عَلَى جِهَةِ التَّوْبِيخِ وَالتَّقْرِيعِ . وَقِيلَ : هُوَ خِطَابٌ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيَا ، أَيْ : قَدْ كَذَّبَكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْكُفَّارُ فِي الدُّنْيَا فِيمَا تَقُولُونَهُ مِنَ التَّوْحِيدِ وَالشَّرْعِ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ ( بِمَا تَقُولُونَ ) بِالتَّاءِ مِنْ فَوْقُ .
وَأَبُو حَيْوَةَ وَابْنُ الصَّلْتِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16832قُنْبُلٍ بِالْيَاءِ مِنْ تَحْتُ .
وَقَرَأَ
حَفْصٌ ،
وَأَبُو حَيْوَةَ nindex.php?page=showalam&ids=13726وَالْأَعْمَشُ وَطَلْحَةُ ( فَمَا تَسْتَطِيعُونَ ) بِتَاءِ الْخِطَابِ ، وَيُؤَيِّدُ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ
[ ص: 490 ] أَنَّ الْخِطَابَ فِي ( كَذَّبُوكُمْ ) لِلْكُفَّارِ الْعَابِدِينَ . وَذُكِرَ عَنِ
ابْنِ كَثِيرٍ وَأَبِي بَكْرٍ أَنَّهُمَا قَرَآ ( بِمَا يَقُولُونَ فَمَا يَسْتَطِيعُونَ ) بِالْيَاءِ فِيهِمَا ، أَيْ : هُمْ . ( صَرْفًا ) أَيْ : صَرْفَ الْعَذَابِ أَوْ تَوْبَةً أَوْ حِيلَةً مِنْ قَوْلِهِمْ إِنَّهُ لَيَتَصَرَّفُ ، أَيْ : يَحْتَالُ ، هَذَا إِنْ كَانَ الْخِطَابُ فِي ( كَذَّبُوكُمْ ) لِلْكُفَّارِ ، فَالتَّاءُ جَارِيَةٌ عَلَى ذَلِكَ ، وَالْيَاءُ الْتِفَاتٌ ، وَإِنْ كَانَ لِلْمَعْبُودِينَ فَالتَّاءُ الْتِفَاتٌ . وَالْيَاءُ جَارِيَةٌ عَلَى ضَمِيرِ ( كَذَّبُوكُمْ ) الْمَرْفُوعِ ، وَإِنْ كَانَ الْخِطَابُ لِلْمُؤْمِنِينَ أُمَّةِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي قَوْلِهِ : ( فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ ) فَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ شَدِيدُو الشَّكِيمَةِ فِي التَّكْذِيبِ . ( فَمَا تَسْتَطِيعُونَ ) أَنْتُمْ صَرْفَهُمْ عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ . وَبِالْيَاءِ فَمَا يَسْتَطِيعُونَ ( صَرْفًا ) لِأَنْفُسِهِمْ عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ . أَوْ مَا يَسْتَطِيعُونَ صَرْفَكُمْ عَنِ الْحَقِّ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ . ( وَلَا نَصْرًا ) لِأَنْفُسِهِمْ مِنَ الْبَلَاءِ الَّذِي اسْتَوْجَبُوهُ بِتَكْذِيبِهِمْ .
( وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ عَامٌّ . وَقِيلَ : خِطَابٌ لِلْمُؤْمِنِينَ . وَقِيلَ : خِطَابٌ لِلْكَافِرِينَ . وَالظُّلْمُ هُنَا الشِّرْكُ ; قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ،
وَالْحَسَنُ nindex.php?page=showalam&ids=13036وَابْنُ جُرَيْجٍ ، وَيُحْتَمَلُ دُخُولُ الْمَعَاصِي غَيْرِ الشِّرْكِ فِي الظُّلْمِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ :
nindex.php?page=treesubj&link=30438الْعَذَابُ الْكَبِيرُ لَاحِقٌ لِكُلِّ مَنْ ظَلَمَ وَالْكَافِرُ ظَالِمٌ ; لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=13إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) وَالْفَاسِقُ ظَالِمٌ ; لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=11وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) ، انْتَهَى ، وَفِيهِ دَسِيسَةُ الِاعْتِزَالِ . وَقُرِئَ : " يُذِقْهُ " بِيَاءِ الْغَيْبَةِ ، أَيِ : اللَّهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ . وَقِيلَ : هُوَ ، أَيِ : الظُّلْمُ ، وَهُوَ الْمَصْدَرُ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِ : ( بِظُلْمٍ ) ، أَيْ : يُذِقْهُ الظُّلْمُ .
وَلَمَّا تَقَدَّمَ الطَّعْنُ عَلَى الرَّسُولِ بِأَكْلِ الطَّعَامِ وَالْمَشْيِ فِي الْأَسْوَاقِ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهَا عَادَةٌ مُسْتَمِرَّةٌ فِي كُلِّ رِسَالَةٍ ، وَمَفْعُولُ ( أَرْسَلْنَا ) عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجِ nindex.php?page=showalam&ids=14423وَالزَّمَخْشَرِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُمَا مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ أَحَدًا . وَقَدَّرَهُ
ابْنُ عَطِيَّةَ رِجَالًا أَوْ رُسُلًا . وَعَادَ الضَّمِيرُ فِي ( إِنَّهُمْ ) عَلَى ذَلِكَ الْمَحْذُوفِ ، كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=164وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ ) أَيْ : وَمَا مَنَّا أَحَدٌ ، وَالْجُمْلَةُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ صِفَةٌ ، أَعْنِي قَوْلَهُ : ( إِلَّا إِنَّهُمْ ) كَأَنَّهُ قَالَ : إِلَّا آكِلِينَ وَمَاشِينَ . وَعِنْدَ
الْفَرَّاءِ الْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ وَهُوَ مَوْصُولٌ مُقَدَّرٌ بَعْدَ إِلَّا أَيْ إِلَّا مَنْ . ( إِنَّهُمْ ) وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى ( مِنْ ) عَلَى مَعْنَاهَا ، فَيَكُونُ اسْتِثْنَاءً مُفَرَّغًا ، وَقِيلَ : ( إِنَّهُمْ ) قَبْلَهُ قَوْلٌ مَحْذُوفٌ ، أَيْ : ( إِلَّا ) قِيلَ : ( إِنَّهُمْ ) ، وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ مَرْجُوحَانِ فِي الْعَرَبِيَّةِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ : التَّقْدِيرُ إِلَّا وَإِنَّهُمْ ، يَعْنِي أَنَّ الْجُمْلَةَ حَالِيَّةٌ ، وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ . وَقَدْ رَدَّ عَلَى مَنْ قَالَ : إِنَّ مَا بَعْدَ إِلَّا قَدْ يَجِيءُ صِفَةً ، وَأَمَّا حَذْفُ الْمَوْصُولِ فَضَعِيفٌ ، وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى حِكَايَةِ الْحَالِ أَيْضًا
أَبُو الْبَقَاءِ ، قَالَ : وَقِيلَ لَوْ لَمْ تَكُنِ اللَّامُ لَكُسِرَتْ ; لَأَنَّ الْجُمْلَةَ حَالِيَّةٌ إِذِ الْمَعْنَى إِلَّا وَهُمْ يَأْكُلُونَ . وَقُرِئَ ( أَنَّهُمْ ) بِالْفَتْحِ عَلَى زِيَادَةِ اللَّامِ وَأَنَّ مَصْدَرِيَّةٌ التَّقْدِيرُ إِلَّا أَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ ، أَيْ : مَا جَعَلْنَاهُمْ رُسُلًا إِلَى النَّاسِ إِلَّا لِكَوْنِهِمْ مِثْلَهُمْ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : ( وَيَمْشُونَ ) مُضَارِعُ مَشَى خَفِيفًا . وَقَرَأَ
عَلِيٌّ nindex.php?page=showalam&ids=10وَابْنُ مَسْعُودٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ( يُمَشَّوْنَ ) مُشَدَّدًا مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ ، أَيْ : يُمَشِّيهِمْ حَوَائِجُهُمْ وَالنَّاسُ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَلَوْ قُرِئَ ( يُمَشَّوْنَ ) ; لَكَانَ أَوْجَهَ لَوْلَا الرِّوَايَةُ ، انْتَهَى . وَقَدْ قَرَأَ كَذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=14510أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ مُشَدَّدًا مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ ، وَهِيَ بِمَعْنَى ( يَمْشُونَ ) قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ . قَالَ الشَّاعِرُ :
وَمَشَى بِأَعْطَانِ الْمَبَاءَةِ وَابْتَغَى قَلَائِصَ مِنْهَا صَعْبَةٌ وَرَكُوبُ
( وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ ) . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : هُوَ عَامٌّ لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ ، فَالصَّحِيحُ فِتْنَةٌ لِلْمَرِيضِ ، وَالْغَنِيُّ فِتْنَةٌ لِلْفَقِيرِ ، وَالْفَقِيرُ الشَّاكِرُ فِتْنَةٌ لِلْغَنِيِّ ، وَالرَّسُولُ الْمَخْصُوصُ بِكَرَامَةِ النُّبُوَّةِ فِتْنَةٌ لِأَشْرَافِ النَّاسِ الْكُفَّارِ فِي عَصْرِهِ ، وَكَذَلِكَ الْعُلَمَاءُ وَحُكَّامُ الْعَدْلِ . وَقَدْ تَلَا
ابْنُ الْقَاسِمِ هَذِهِ الْآيَةَ حِينَ رَأَى
أَشْهَبَ ، انْتَهَى . وَرُوِيَ قَرِيبٌ مِنْ هَذِهِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَالتَّوْقِيفُ بِأَتَصْبِرُونَ خَاصٌّ لِلْمُؤْمِنِينَ الْمُحِقِّينَ فَهُوَ لِأُمَّةِ
مُحَمَّدٍ ، كَأَنَّهُ جَعَلَ إِمْهَالَ الْكُفَّارِ فِتْنَةً لِلْمُؤْمِنِينَ ، أَيِ : اخْتِبَارًا ثُمَّ وَقَّفَهُمْ . هَلْ تَصْبِرُونَ أَمْ لَا ؟ ثُمَّ أَعْرَبَ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=20وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا ) عَنِ الْوَعْدِ لِلصَّابِرِينَ وَالْوَعِيدِ لِلْعَاصِينَ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : ( فِتْنَةً ) أَيْ : مِحْنَةً وَبَلَاءً ، وَهَذَا تَصَبُّرٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا قَالُوهُ وَاسْتَبْعَدُوهُ
[ ص: 491 ] مِنْ أَكْلِهِ الطَّعَامَ وَمَشْيِهِ فِي الْأَسْوَاقِ بَعْدَمَا احْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِسَائِرِ الرُّسُلِ ، يَقُولُ : جَرَتْ عَادَتِي وَمُوجَبُ حِكْمَتِي عَلَى ابْتِلَاءِ بَعْضِكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ بِبَعْضٍ . وَالْمَعْنَى أَنَّهُ ابْتَلَى الْمُرْسَلِينَ بِالْمُرْسَلِ إِلَيْهِمْ وَمُنَاصَبَتِهِمْ لَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَأَقَاوِيلِهِمُ الْخَارِجَةِ عَنْ حَدِّ الْإِنْصَافِ وَأَنْوَاعِ أَذَاهُمْ ، وَطَلَبَ مِنْهُمُ الصَّبْرَ الْجَمِيلَ ، وَنَحْوُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=186وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ) الْآيَةَ . وَمَوْقِعُ ( أَتَصْبِرُونَ ) بَعْدَ ذِكْرِ الْفِتْنَةِ مَوْقِعُ ( أَيُّكُمْ ) بَعْدَ الِابْتِلَاءِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=2لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ) .
( بَصِيرًا ) عَالِمًا بِالصَّوَابِ فِيمَا يَبْتِلِي بِهِ وَبِغَيْرِهِ ، فَلَا يَضِيقَنَّ صَدْرُكَ وَلَا تَسْتَخِفَّنَّكَ أَقَاوِيلُهُمْ ، فَإِنَّ فِي صَبْرِكَ عَلَيْهِمْ سَعَادَةً وَفَوْزَكَ فِي الدَّارَيْنِ . وَقِيلَ : هُوَ تَسْلِيَةٌ عَمَّا عَيَّرُوهُ بِهِ مِنَ الْفَقْرِ حِينَ قَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=8أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ ) وَأَنَّهُ جَعَلَ
nindex.php?page=treesubj&link=32944الْأَغْنِيَاءَ فِتْنَةً لِلْفُقَرَاءِ ; لِيَنْظُرَ هَلْ تَصْبِرُونَ ؟ وَأَنَّهَا حِكْمَتُهُ وَمَشِيئَتُهُ يُغْنِي مَنْ يَشَاءُ وَيُفْقِرُ مَنْ يَشَاءُ . وَقِيلَ : جَعَلْنَاكَ فِتْنَةً لَهُمْ ; لِأَنَّكَ لَوْ كُنْتَ غَنِيًّا صَاحِبَ كُنُوزٍ وَجَنَّاتٍ ; لَكَانَ مَيْلُهُمْ إِلَيْكَ وَطَاعَتُهُمْ لَكَ لِلدُّنْيَا أَوْ مَمْزُوجَةً بِالدُّنْيَا ، وَإِنَّمَا بَعَثْنَاكَ فَقِيرًا ; لِتَكُونَ طَاعَةُ مَنْ يُطِيعُكَ مِنْهُمْ خَالِصَةً لِوَجْهِ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ طَمَعٍ دُنْيَوِيٍّ . وَقِيلَ : كَانَ
أَبُو جَهْلٍ وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَالْعَاصِي بْنُ وَائِلٍ وَمَنْ فِي طَبَقَتِهِمْ يَقُولُونَ : إِنْ أَسْلَمْنَا وَقَدْ أَسْلَمَ قَبْلَنَا
عَمَّارٌ وَصُهَيْبٌ وَبِلَالٌ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ ، فَرُفِعُوا عَلَيْنَا إِدْلَالًا بِالسَّابِقَةِ ، فَهُوَ افْتِتَانُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ ، انْتَهَى . وَفِيهِ تَكْثِيرٌ ، وَهَذَا الْقَوْلُ الْأَخِيرُ قَوْلُ
الْكَلْبِيِّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=14888وَالْفَرَّاءِ nindex.php?page=showalam&ids=14416وَالزَّجَّاجِ . وَالْأَوْلَى أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=20وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً ) يَشْمَلُ مَعَانِيَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ كُلِّهَا ; لِأَنَّ بَيْنَ الْجَمِيعِ قَدْرًا مُشْتَرَكًا . وَقِيلَ : فِي قَوْلِهِ : ( أَتَصْبِرُونَ ) إِنَّهُ اسْتِفْهَامٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ ، أَيِ : اصْبِرُوا ، وَالظَّاهِرُ حَمْلُ الرَّجَاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنِ اسْتِعْمَالِهِ ، وَالْمَعْنَى لَا يَأْمُلُونَ لِقَاءَنَا بِالْخَيْرِ وَثَوَابَنَا عَلَى الطَّاعَةِ لِتَكْذِيبِهِمْ بِالْبَعْثِ لِكُفْرِهِمْ بِمَا جِئْتُ بِهِ . وَقَالَ
أَبُو عُبَيْدَةَ وَقَوْمٌ : مَعْنَاهُ لَا يَخَافُونَ . وَقَالَ
الْفَرَّاءُ : ( لَا يَرْجُونَ نُشُورًا ) لَا يَخَافُونَ ، وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ تِهَامِيَّةٌ ، وَهِيَ أَيْضًا مِنْ لُغَةِ هُذَيْلٍ إِذَا كَانَ مَعَ الرَّجَاءِ جَحْدٌ ذَهَبُوا بِهِ إِلَى مَعْنَى الْخَوْفِ . فَتَقُولُ : فُلَانٌ لَا يَرْجُو رَبَّهُ يُرِيدُونَ لَا يَخَافُ رَبَّهُ ، وَمِنْ ذَلِكَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=13مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا ) ، أَيْ : لَا تَخَافُونَ لِلَّهِ عَظَمَةً ، وَإِذَا قَالُوا : فُلَانٌ يَرْجُو رَبَّهُ فَهَذَا مَعْنَى الرَّجَاءِ لَا عَلَى الْخَوْفِ . وَقَالَ الشَّاعِرُ :
إِذَا لَسَعَتْهُ النَّحْلُ لَمْ يَرْجُ لَسْعَهَا وَحَالَفَهَا فِي بَيْتِ نَوْبٍ عَوَامِلِ
وَقَالَ آخَرُ :
لَا تَرْتَجِي حِينَ تُلَاقِي الذَّائِدَا أَسَبْعَةً لَاقَتْ مَعًا أَمْ وَاحِدَا
انْتَهَى . وَمِنْ لَازِمِ الرَّجَاءِ لِلثَّوَابِ الْخَوْفُ مِنَ الْعِقَابِ ، وَمَنْ كَانَ مُكَذِّبًا بِالْبَعْثِ لَا يَرْجُو ثَوَابًا وَلَا يَخَافُ عِقَابًا ، وَمَنْ تَأَوَّلَ لَمْ يَرْجُ لَسْعَهَا عَلَى مَعْنَى لَمْ يَرْجُ دَفْعَهَا وَلَا الِانْفِكَاكَ عَنْهَا . فَهُوَ لِذَلِكَ يُوَطَّنُ عَلَى الصَّبْرِ وَيُجِدُّ فِي شُغْلِهِ ، فَتَأْوِيلُهُ مُمْكِنٌ ، لَكِنَّ
الْفَرَّاءَ وَغَيْرَهُ نَقَلُوا ذَلِكَ لُغَةً لِهُذَيْلٍ فِي النَّفْيِ ، وَالشَّاعِرُ هُذَلِيٌّ ; فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُتَكَلَّفَ لِلتَّأْوِيلِ وَأَنْ يُحْمَلَ عَلَى لُغَتِهِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=21لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ ) فَتُخْبِرَنَا أَنَّكَ رَسُولٌ حَقًّا . ( أَوْ نَرَى رَبَّنَا ) فَيُخْبِرَنَا بِذَلِكَ ; قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنُ جُرَيْجٍ وَغَيْرُهُ . وَهَذِهِ كَمَا قَالَتِ
الْيَهُودُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=55لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً ) ، وَكَقَوْلِهِمْ - أَعْنِي الْمُشْرِكِينَ - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=92أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا ) ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي سَبِيلِ التَّعَنُّتِ ، وَإِلَّا فَمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ كَافٍ لَوْ وُفِّقُوا . ( لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا ) ، أَيْ : تَكَبَّرُوا . ( فِي أَنْفُسِهِمْ ) ، أَيْ : عَظَّمُوا أَنْفُسَهُمْ بِسُؤَالِ رُؤْيَةِ اللَّهِ ، وَهُمْ لَيْسُوا بِأَهْلٍ لَهَا . وَالْمَعْنَى أَنَّ سُؤَالَ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ لِمَا أَضْمَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مِنَ الِاسْتِكْبَارِ عَنِ الْحَقِّ وَهُوَ الْكُفْرُ وَالْعِنَادُ الْكَامِنُ فِي قُلُوبِهِمُ الظَّاهِرُ عَنْهُ مَا لَا يَقَعُ لَهُمْ ، كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=56إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ ) ، وَاللَّامُ فِي ( لَقَدِ ) جَوَابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ ، وَ ( عَتَوْا ) تَجَاوَزُوا الْحَدَّ فِي الظُّلْمِ وَوَصَفَهُ بِكَبِيرٍ مُبَالَغَةً فِي إِفْرَاطِهِ ، أَيْ لَمْ يَجْسُرُوا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْعَظِيمِ إِلَّا لِأَنَّهُمْ بَلَغُوا غَايَةَ الِاسْتِكْبَارِ وَأَقْصَى الْعُتُوِّ . وَجَاءَ هُنَا
[ ص: 492 ] ( عُتُوًّا ) عَلَى الْأَصْلِ ، وَفِي
مَرْيَمَ ( عِتِيًّا ) عَلَى اسْتِثْقَالِ اجْتِمَاعِ الْوَاوَيْنِ وَالْقَلْبِ لِمُنَاسَبَةِ الْفَوَاصِلِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : ( عَتَوْا ) كَفَرُوا أَشَدَّ الْكُفْرِ وَأَفْحَشُوا . وَقَالَ
عِكْرِمَةُ : تَجَبَّرُوا . وَقَالَ
ابْنُ سَلَامٍ : عَصَوْا . وَقَالَ
ابْنُ عِيسَى : أَسْرَفُوا . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : هَذِهِ الْجُمْلَةُ فِي حُسْنِ اسْتِيفَائِهَا غَايَةٌ فِي أُسْلُوبِهَا . وَنَحْوُهُ قَوْلُ الْقَائِلِ :
وَجَارَةِ جَسَّاسٍ أَبَأْنَا بِنَابِهَا كُلَيْبًا غَلَتْ نَابٌ كُلَيْبٌ بَوَاؤُهَا
فِي نَحْوِ هَذَا الْفِعْلِ دَلِيلٌ عَلَى التَّعَجُّبِ مِنْ غَيْرِ لَفْظِ تَعَجُّبٍ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَعْنَى مَا أَشَدَّ اسْتِكْبَارَهُمْ ، وَمَا أَكْثَرَ عُتُوَّهُمْ ، وَمَا أَغْلَى نَابًا بَوَاؤُهَا كُلَيْبٌ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=22يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ ) ( يَوْمَ ) مَنْصُوبٌ بِـ ( اذْكُرْ ) ، وَهُوَ أَقْرَبُ أَوْ بِفِعْلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ ( لَا بُشْرَى ) ، أَيْ : يَمْنَعُونَ الْبُشْرَى وَلَا يَعْمَلُ فِيهِ ( لَا بُشْرَى ) ; لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ ; وَلِأَنَّهُ مَنْفِيٌّ بِلَا الَّتِي لِنَفْيِ الْجِنْسِ ; لِأَنَّهُ لَا يَعْمَلُ مَا بَعْدَهَا فِيمَا قَبْلَهَا ، وَكَذَا الدَّاخِلَةُ عَلَى الْأَسْمَاءِ عَامِلَةٌ عَمَلَ لَيْسَ ، وَدُخُولُ ( لَا ) عَلَى ( بُشْرَى ) ; لِانْتِفَاءِ أَنْوَاعِ الْبُشْرَى ، وَهَذَا الْيَوْمُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ; لِقَوْلِهِ بَعْدُ ( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا ) . وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ : عِنْدَ الْمَوْتِ ، وَالْمَعْنَى أَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اقْتَرَحُوا نُزُولَ الْمَلَائِكَةِ لَا يَعْرِفُونَ مَا يَكُونُ لَهُمْ إِذَا رَأَوْهُمْ مِنَ الشَّرِّ ، وَانْتِفَاءِ الْبِشَارَةِ ، وَحُصُولِ الْخَسَارِ وَالْمَكْرُوهِ . وَاحْتَمَلَ ( بُشْرَى ) أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا مَعَ ( لَا ) ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ فِي نِيَّةِ التَّنْوِينِ مَنْصُوبَ اللَّفْظِ ، وَمُنِعَ مِنَ الصَّرْفِ لِلتَّأْنِيثِ اللَّازِمِ ، فَإِنْ كَانَ مَبْنِيًّا مَعَ ( لَا ) احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ ( يَوْمَئِذٍ ) وَ ( لِلْمُجْرِمِينَ ) خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ أَوْ نَعْتٌ لِبُشْرَى ، أَوْ مُتَعَلِّقٌ بِمَا تَعَلَّقَ بِهِ الْخَبَرُ ، وَأَنْ يَكُونَ ( يَوْمَئِذٍ ) صِفَةً لِبُشْرَى ، وَالْخَبَرُ ( لِلْمُجْرِمِينَ ) وَيَجِيءُ خِلَافُ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ ،
وَالْأَخْفَشِ هَلِ الْخَبَرُ لِنَفْسِ ( لَا ) أَوِ الْخَبَرُ لِلْمُبْتَدَأِ الَّذِي هُوَ مَجْمُوعُ ( لَا ) وَمَا بُنِيَ مَعَهَا ؟ وَإِنْ كَانَ فِي نِيَّةِ التَّنْوِينِ وَهُوَ مُعْرَبٌ ، جَازَ أَنْ يَكُونَ ( يَوْمَئِذٍ ) مَعْمُولًا لِبُشْرَى ، وَأَنْ يَكُونَ صِفَةً ، وَالْخَبَرُ مِنَ الْخَبَرِ . وَأَجَازَ أَنْ يَكُونَ ( يَوْمَئِذٍ ) وَ ( لِلْمُجْرِمِينَ ) خَبَرٌ ، وَجَازَ أَنْ يَكُونَ ( يَوْمَئِذٍ ) خَبَرًا وَ ( لِلْمُجْرِمِينَ ) صِفَةً ، وَالْخَبَرُ إِذَا كَانَ الِاسْمَ لَيْسَ مَبْنِيًّا لِنَفْسِ لَا بِإِجْمَاعٍ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَ ( يَوْمَئِذٍ ) لِلتَّكْرِيرِ وَتَبِعَهُ
أَبُو الْبَقَاءِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَكْرِيرًا ، سَوَاءٌ أُرِيدَ بِهِ التَّوْكِيدُ اللَّفْظِيُّ أَمْ أُرِيدَ بِهِ الْبَدَلُ ; لِأَنَّ ( يَوْمَ ) مَنْصُوبٌ بِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مَنِ اذْكُرْ أَوْ مِنْ يَعْدَمُونَ الْبُشْرَى ، وَمَا بَعْدَ ( لَا ) الْعَامِلَةِ فِي الِاسْمِ لَا يَعْمَلُ فِيهِ مَا قَبْلَهَا ، وَعَلَى تَقْدِيرِهِ يَكُونُ الْعَامِلُ فِيهِ مَا قَبْلَ إِلَّا ، وَالظَّاهِرُ عُمُومُ الْمُجْرِمِينَ فَيَنْدَرِجُ هَؤُلَاءِ الْقَائِلُونَ فِيهِمْ . قِيلَ : وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَضْعِ الظَّاهِرِ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي ( وَيَقُولُونَ ) عَائِدٌ عَلَى الْقَائِلِينَ ; لِأَنَّ الْمُحَدَّثَ عَنْهُمْ كَانُوا يَطْلُبُونَ نُزُولَ الْمَلَائِكَةِ ، ، ثُمَّ إِذَا رَأَوْهُمْ كَرِهُوا لِقَاءَهُمْ وَفَزِعُوا مِنْهُمْ ; لِأَنَّهُمْ لَا يَلْقَوْنَهُمْ إِلَّا بِمَا يَكْرَهُونَ ، فَقَالُوا عِنْدَ رُؤْيَتِهِمْ مَا كَانُوا يَقُولُونَهُ عِنْدَ لِقَاءِ الْعَدُوِّ وَنُزُولِ الشِّدَّةِ ، وَقَالَ مَعْنَاهُ
مُجَاهِدٌ ، قَالَ : ( حِجْرًا ) عَوَاذًا يَسْتَعِيذُونَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ . وَقَالَ
مُجَاهِدٌ nindex.php?page=showalam&ids=13036وَابْنُ جُرَيْجٍ : كَانَتِ الْعَرَبُ إِذَا كَرِهَتْ شَيْئًا قَالُوا : حِجْرًا . وَقَالَ
أَبُو عُبَيْدَةَ : هَاتَانِ اللَّفْظَتَانِ عُوذَةٌ لِلْعَرَبِ يَقُولُهُمَا مَنْ خَافَ آخَرَ فِي الْحَرَمِ أَوْ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ إِذَا لَقِيَهُ وَبَيْنَهُمَا تِرَةٌ ، انْتَهَى . وَمِنْهُ قَوْلُ
الْمُتَلَمِّسِ :
حَنَّتْ إِلَى النَّخْلَةِ الْقُصْوَى فَقُلْتُ لَهَا حِجْرٌ حَرَامٌ أَلَا تِلْكَ الدَّهَالِيسُ
أَيْ : هَذَا الَّذِي حَنَنْتِ إِلَيْهِ هُوَ مَمْنُوعٌ ، وَذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ ( حِجْرًا ) فِي الْمَصَادِرِ الْمَنْصُوبَةِ غَيْرِ الْمُتَصَرِّفَةِ . وَقَالَ بَعْضُ الرُّجَّازِ :
قَالَتْ وَفِيهَا حَيْرَةٌ وَذُعْرُ عَوَذٌ يُرَى مِنْكُمْ وَحِجْرُ
وَأَنَّهُ وَاجِبٌ إِضْمَارُ نَاصِبِهَا . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ : وَيَقُولُ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ أَتَفْعَلُ كَذَا ؟ فَيَقُولُ : حِجْرًا ، وَهِيَ مِنْ حَجَرَهُ إِذَا مَنَعَهُ ; لِأَنَّ الْمُسْتَعِيذَ طَالِبٌ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَمْنَعَ الْمَكْرُوهَ لَا يَلْحَقَهُ . وَقَرَأَ
أَبُو رَجَاءٍ ،
وَالْحَسَنُ [ ص: 493 ] وَالضَّحَّاكُ ( حُجْرًا ) بِضَمِّ الْحَاءِ . وَقِيلَ : الضَّمِيرُ فِي ( وَيَقُولُونَ ) عَائِدٌ عَلَى الْمَلَائِكَةِ ، أَيْ : تَقُولُ الْمَلَائِكَةُ لِلْمُجْرِمِينَ : ( حِجْرًا مَحْجُورًا ) عَلَيْكُمُ الْبُشْرَى ، وَ ( مَحْجُورًا ) صِفَةٌ تُؤَكِّدُ مَعْنَى ( حِجْرًا ) ، كَمَا قَالُوا : مَوْتٌ مَائِتٌ ، وَذَيْلٌ ذَائِلٌ ، وَالْقُدُومُ الْحَقِيقِيُّ مُسْتَحِيلٌ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ، فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ حُكْمِهِ بِذَلِكَ وَإِنْفَاذِهِ . قِيلَ : أَوْ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ ، أَيْ قَدِمَتْ مَلَائِكَتُنَا ، وَأَسْنَدَ ذَلِكَ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ عَنْ أَمْرِهِ ، وَحَسُنَتْ لَفْظَةُ ( قَدِمْنَا ) ; لِأَنَّ الْقَادِمَ عَلَى شَيْءٍ مَكْرُوهٍ لَمْ يُقَرِّرْهُ وَلَا أَمَرَ بِهِ مُغَيِّرٌ لَهُ وَمُذْهِبٌ ، فَمَثَّلَتْ حَالَ هَؤُلَاءِ وَأَعْمَالَهُمُ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي كُفْرِهِمْ ، مِنْ صِلَةِ رَحِمٍ ، وَإِغَاثَةِ مَلْهُوفٍ ، وَقِرَى ضَيْفٍ ، وَمَنٍّ عَلَى أَسِيرٍ . وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَكَارِمِهِمْ ، بِحَالِ قَوْمٍ خَالَفُوا سُلْطَانَهُمْ فَقَصَدَ إِلَى مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ فَمَزَّقَهَا بِحَيْثُ لَمْ يَتْرُكْ لَهَا أَثَرًا ، وَفِي أَمْثَالِهِمْ : أَقَلُّ مِنَ الْهَبَاءِ ، وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=23هَبَاءً مَنْثُورًا ) صِفَةٌ لِلْهَبَاءِ ، شَبَّهَهُ بِالْهَبَاءِ لِقِلَّتِهِ وَأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ ، ثُمَّ وَصَفَهُ بِمَنْثُورًا ; لِأَنَّ الْهَبَاءَ تَرَاهُ مُنْتَظِمًا مَعَ الضَّوْءِ فَإِذَا حَرَّكَتْهُ الرِّيحُ رَأَيْتَهُ قَدْ تَنَاثَرَ وَذَهَبَ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : أَوْ جَعَلَهُ - يَعْنِي ( مَنْثُورًا ) - مَفْعُولًا ثَالِثًا لِجَعَلْنَاهُ ، أَيْ : ( فَجَعَلْنَاهُ ) جَامِعًا لِحَقَارَةِ الْهَبَاءِ وَالتَّنَاثُرِ . كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=65كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ) ، أَيْ : جَامِعِينَ لِلْمَسْخِ وَالْخَسْءِ ، انْتَهَى . وَخَالَفَ
ابْنُ دُرُسْتُوَيْهِ فَخَالَفَ النَّحْوِيِّينَ فِي مَنْعِهِ أَنْ يَكُونَ لِكَانَ خَبَرَانِ وَأَزْيَدُ . وَقِيَاسُ قَوْلِهِ فِي جَعَلَ أَنْ يُمْنَعَ أَنْ يَكُونَ لَهَا خَبَرٌ ثَالِثٌ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : الْهَبَاءُ الْمَنْثُورُ مَا تَسْفِي بِهِ الرِّيَاحُ وَتَبُثُّهُ . وَعَنْهُ أَيْضًا : الْهَبَاءُ الْمَاءُ الْمُهْرَاقُ ، وَالْمُسْتَقَرُّ مَكَانُ الِاسْتِقْرَارِ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ . وَالْمَقِيلُ الْمَكَانُ الَّذِي يَأْوُونَ إِلَيْهِ فِي الِاسْتِرْوَاحِ إِلَى الْأَزْوَاجِ وَالتَّمَتُّعِ ، وَلَا نَوْمَ فِي الْجَنَّةِ فَسُمِّيَ مَكَانُ اسْتِرْوَاحِهِمْ إِلَى الْحُورِ ( مَقِيلًا ) ، عَلَى طَرِيقِ التَّشْبِيهِ ; إِذِ الْمَكَانُ الْمُتَخَيَّرُ لِلْقَيْلُولَةِ يَكُونُ أَطْيَبَ الْمَوَاضِعِ . وَفِي لَفْظِ ( أَحْسَنُ ) رَمْزٌ إِلَى مَا يَتَزَيَّنُ بِهِ مُقِيلُهُمْ مِنْ حُسْنِ الْوُجُوهِ وَمَلَاحَةِ الصُّوَرِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ التَّحَاسِينِ . وَ ( خَيْرٌ ) قِيلَ : لَيْسَتْ عَلَى بَابِهَا مِنِ اسْتِعْمَالِهَا دَلَالَةً عَلَى الْأَفْضَلِيَّةِ ، فَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ خَيْرٌ فِي مُسْتَقَرِّ أَهْلِ النَّارِ ، وَيُمْكِنُ إِبْقَاؤُهَا عَلَى بَابِهَا وَيَكُونُ التَّفْضِيلُ وَقَعَ بَيْنَ الْمُسْتَقِرِّينَ وَالْمُقِيلِينَ بِاعْتِبَارِ الزَّمَانِ الْوَاقِعِ ذَلِكَ فِيهِ . فَالْمَعْنَى ( خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا ) فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْكُفَّارِ الْمُتْرَفِينَ فِي الدُّنْيَا ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=24وَأَحْسَنُ مَقِيلًا ) فِي الْآخِرَةِ مِنْ أُولَئِكَ فِي الدُّنْيَا . وَقِيلَ : ( خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا ) مِنْهُمْ لَوْ كَانَ لَهُمْ مُسْتَقَرٌّ ، فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ وُجُودُ مُسْتَقَرٍّ لَهُمْ فِيهِ خَيْرٌ . وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنِ عَبَّاسٍ ،
وَالنَّخَعِيِّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13033وَابْنِ جُبَيْرٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13036وَابْنِ جُرَيْجٍ ،
وَمُقَاتِلٍ :
nindex.php?page=treesubj&link=30362إِنَّ الْحِسَابَ يَكْمُلُ فِي مِقْدَارِ نِصْفِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا ، وَيُقِيلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ .