(
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=22وتلك نعمة تمنها علي ) وتلك إشارة إلى المصدر المفهوم من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=18ألم نـربك فينا وليدا ) ؛ وذكر بهذا آخرا على ما بدأ به فرعون في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=18ألم نربك ) . والظاهر أن هذا الكلام إقرار من موسى - عليه السلام - بالنعمة ، كأنه يقول : وتربيتك لي نعمة علي من حيث عبدت غيري وتركتني واتخذتني ولدا ، ولكن لا يدفع ذلك رسالتي . وإلى هذا التأويل ذهب
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي nindex.php?page=showalam&ids=16935والطبري . وقال
قتادة : هذا منه على جهة الإنكار عليه أن تكون نعمة ، كأنه يقول : أويصح لك أن تعتد علي نعمة ترك قتلي من أجل أنك ظلمت
بني إسرائيل وقتلتهم ؟ أي ليست بنعمة ، لأن الواجب كان أن لا تقتلني ولا تقتلهم ولا تستعبدهم بالقتل والخدمة وغير ذلك . وقرأ
الضحاك : " وتلك نعمة ما لك أن تمنها " ، وهذه قراءة تؤيد هذا التأويل ، وهذا التأويل فيه مخالفة لفرعون ونقض كلامه كله . والقول الأول فيه إنصاف واعتراف . وقال
الأخفش nindex.php?page=showalam&ids=14888والفراء : قبل الواو همزة استفهام يراد به الإنكار ، وحذفت لدلالة المعنى عليها ، ورده النحاس بأنها لا تحذف ، لأنها حرف يحدث معها معنى ، إلا إن كان في الكلام أم لا خلاف في ذلك إلا شيئا قاله
الفراء من أنه يجوز حذفها مع أفعال الشك ، وحكى : ترى زيدا منطلقا ، بمعنى : ألا ترى ؟ وكان
nindex.php?page=showalam&ids=13676الأخفش الأصغر يقول : أخذه من ألفاظ العامة . وقال
الضحاك : الكلام إذا خرج مخرج التبكيت يكون باستفهام وبغير استفهام ، والمعنى : لو لم يقتل
بني إسرائيل لرباني أبواي ، فأي نعمة لك علي فأنت تمن علي بما لا يجب أن تمن به . وقيل : اتخاذك
بني إسرائيل عبيدا أحبط نعمتك التي تمن بها . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وأبى - يعني
موسى عليه السلام - أن يسمي نعمته أن
[ ص: 12 ] لا نعمة ، حيث بين أن حقيقة إنعامه تعبد
بني إسرائيل ، لأن تعبدهم وقصدهم بذبح أبنائهم هو السبب في حصوله عنده وتربيته ، فكأنه امتن عليه بتعبيد قومه إذا حققت . وتعبيدهم : تذليلهم واتخاذهم عبيدا ، يقال : عبدت الرجل وأعبدته ، إذا اتخذته عبدا ، قال الشاعر :
علام يعبدني قومي وقد كثرت فيهم أباعر ما شاءوا وعبدان
( فإن قلت ) : وتلك إشارة إلى ماذا ؟ و " أن عبدت " ما محلها من الإعراب ؟ ( قلت ) : تلك إشارة إلى خصلة شنعاء مبهمة ، لا يدرى ما هي إلا بتفسيرها ؛ ومحل " أن عبدت " الرفع ، عطف بيان لتلك ، ونظيره قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=66وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين ) والمعنى : تعبيدك
بني إسرائيل نعمة تمنها علي . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : يجوز أن يكون في موضع نصب ، المعنى أنها صارت نعمة علي ، لأن عبدت
بني إسرائيل ، أي لو لم تفعل لكفلني أهلي ولم يلقوني في اليم . انتهى . وقال
الحوفي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=22أن عبدت بني إسرائيل ) في موضع نصب مفعول من أجله . وقال
أبو البقاء : بدل ، ولما أخبر
موسى فرعون بأنه رسول رب العالمين ، لم يسأل إذ ذاك فيقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=23وما رب العالمين ) ؟ بل أخذ في المداهاة وتذكار التربية والتقبيح لما فعله من قتل القبطي . فلما أجابه عن ذلك انقطعت حجته في التربية والقتل ، وكان في قوله : " رسول رب العالمين " دعاء إلى الإقرار بربوبية الله ، وإلى طاعة رب العالم ، فأخذ فرعون يستفهم عن الذي ذكر
موسى أنه رسول من عنده . والظاهر أن سؤاله إنما كان على سبيل المباهتة والمكابرة والمرادة ، وكان عالما بالله . ويدل عليه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=102لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر ) ولكنه تعامى عن ذلك طلبا للرياسة ودعوى الإلهية ، واستفهم بما استفهاما عن مجهول من الأشياء . قال
nindex.php?page=showalam&ids=17140مكي : كما يستفهم عن الأجناس ، وقد ورد له استفهام بمن في موضع آخر ، ويشبه أنها مواطن . انتهى . والموضع الآخر قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=49فمن ربكما يا موسى ) ؟ ولما سأله فرعون ، وكان السؤال بما التي هي من سؤال عن الماهية ، ولم يمكن الجواب بالماهية ، أجاب بالصفات التي تبين للسامع أنه لا مشاركة لفرعون فيها ، وهي ربوبية السماوات والأرض وما بينهما . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وهذا السؤال لا يخلو أن يريد به أي شيء من الأشياء التي شوهدت وعرفت أجناسها ، فأجاب بما يستدل عليه من أفعاله الخاصة ، ليعرفه أنه ليس مما شاهد وعرف من الأجرام والأعراض ، وأنه شيء مخالف لجميع الأشياء (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11ليس كمثله شيء ) . وإما أن يريد أنه شيء على الإطلاق تفتيشا عن حقيقة الخاصة ما هي ، فأجاب بأن الذي سألت عنه ليس إليه سبيل ، وهو الكافي في معرفته معرفة بيانه بصفاته استدلالا بأفعاله الخاصة على ذلك ؛ وأما التفتيش عن حقيقة الخاصة التي هي فوق فطر العقول ، فتفتيش عما لا سبيل إليه ، والسائل عنه متعنت غير طالب للحق . والذي يليق بحال فرعون ، ويدل عليه الكلام ، أن كون سؤاله إنكارا لأن يكون للعالمين رب سواه ، ألا ترى أنه يعلم حدوثه بعد العدم ؟ وأنه محل للحوادث ؟ وأنه لم يدع الإلهية إلا في محل ملكه مصر ؟ وأنه لم يكن ملك الأرض ؟ بل كان فيها ملوك غيره ، وأنبياء في ذلك الزمان يدعون إلى الله
كشعيب - عليه السلام - ؟ وأنه كان مقرا بالله تعالى في باطن أمره ؟ وجاء قوله : ( وما بينهما ) على التثنية ، والعائد عليه الضمير مجموع اعتبارا للجنسين : جنس السماء ، وجنس الأرض ؛ كما ثنى المظهر في قوله :
بيـن رمـاحي مـالك ونهشـل
اعتبارا للجنسين : وقال
أبو عبد الله الرازي يحتمل أن يقال : كان عالما بالله ولكنه قال ما قال طلبا للملك والرياسة . وقد ذكر - تعالى - في كتابه ما يدل على أنه كان عارفا بالله ، وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=102لقد علمت ما أنزل هؤلاء ) الآية . ويحتمل أنه كان على مذهب
الدهرية من أن الأفلاك واجبة الوجود لذواتها ، وأن حركاتها أسباب لحصول الحوادث بالفاعل المختار ، ثم اعتقد أنه بمنزلة إله لأهل إقليمه من حيث استعبدهم وملك
[ ص: 13 ] زمام أمرهم . ويحتمل أن يقال : كان على مذهب
الحلولية القائلين بأن ذات الإله تقرر بجسد إنسان معين حتى يكون الإله - سبحانه - بمنزلة روح كل إنسان بالنسبة إلى جسده ، وبهذه التقديرات كان يسمي نفسه إلها . انتهى . ومعنى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=24إن كنتم موقنين ) إن كان يرجى منكم الإيقان الذي يؤدي إلى النظر الصحيح ، نفعكم هذا الجواب ، وإلا لم ينفعكم ؛ أو إن كنتم موقنين بشيء قط ، فهذا أولى ما توقنون به لظهوره وإنارة دليله . وهذه المحاورة من فرعون تدل على أن
موسى - عليه السلام - دعاه إلى التوحيد .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=25قال لمن حوله ) هم أشراف قومه . قيل : كانوا خمسمائة رجل عليهم الأساور ، وكانت للملوك خاصة . (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=25ألا تستمعون ) أي ألا تصغون إلى هذه المقالة إغراء به وتعجبا ، إذ كانت عقيدتهم أن فرعون ربهم ومعبودهم . قال
ابن عطية : والفراعنة قبله كذلك ، وهذه ضلالة منها في
مصر وديارنا إلى اليوم بقية . انتهى . يشير إلى ما أدركه في عصره من
ملوك العبيديين الذين كان أتباعهم تدعي فيهم الإلهية ، وأقاموا ملوكا بمصر ، من زمان
المعز إلى زمان
العاضد ، إلى أن محى الله دولتهم بظهور
nindex.php?page=showalam&ids=16236الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب بن شاري - رضي الله عنه - فلقد كانت له مآثر في الإسلام منها : فتح بيت المقدس وبلاد كثيرة من سواحل الشام ، كان
النصارى مستولين عليها ، فاستنقذها منهم . (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=26قال ربكم ورب آبائكم الأولين ) نبههم على منشئهم ومنشإ آبائهم ، وجاء في قوله : الأولين ، دلالة على إماتتهم بعد إيجادهم . وانتقل من الاستدلال بالعام إلى ما يخصهم ، ليكون أوضح لهم في بيان بطل دعوى فرعون الإلهية ، إذ كان آباؤهم الأولون تقدموا فرعون في الوجود ، فمحال أن يكون وهو في العدم إلها لهم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=22وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ ) وَتِلْكَ إِشَارَةٌ إِلَى الْمَصْدَرِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=18أَلَمْ نُـرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا ) ؛ وَذَكَّرَ بِهَذَا آخِرًا عَلَى مَا بَدَأَ بِهِ فِرْعَوْنُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=18أَلَمْ نُرَبِّكَ ) . وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ إِقْرَارٌ مِنْ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالنِّعْمَةِ ، كَأَنَّهُ يَقُولُ : وَتَرْبِيَتُكَ لِي نِعْمَةٌ عَلَيَّ مِنْ حَيْثُ عَبَّدْتَ غَيْرِي وَتَرَكْتَنِي وَاتَّخَذْتَنِي وَلَدًا ، وَلَكِنْ لَا يَدْفَعُ ذَلِكَ رِسَالَتِي . وَإِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ ذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ nindex.php?page=showalam&ids=16935وَالطَّبَرَيُّ . وَقَالَ
قَتَادَةُ : هَذَا مِنْهُ عَلَى جِهَةِ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ أَنْ تَكُونَ نِعْمَةً ، كَأَنَّهُ يَقُولُ : أَوَيَصِحُّ لَكَ أَنْ تَعْتَدَّ عَلَيَّ نِعْمَةَ تَرْكِ قَتْلِي مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ ظَلَمْتَ
بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقَتَلْتَهُمْ ؟ أَيْ لَيْسَتْ بِنِعْمَةٍ ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ كَانَ أَنْ لَا تَقْتُلَنِي وَلَا تَقْتُلَهُمْ وَلَا تَسْتَعْبِدَهُمْ بِالْقَتْلِ وَالْخِدْمَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ . وَقَرَأَ
الضَّحَّاكُ : " وَتِلْكَ نِعْمَةٌ مَا لَكَ أَنْ تَمُنَّهَا " ، وَهَذِهِ قِرَاءَةٌ تُؤَيَّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِفِرْعَوْنَ وَنَقْضُ كَلَامِهِ كُلِّهِ . وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ فِيهِ إِنْصَافٌ وَاعْتِرَافٌ . وَقَالَ
الْأَخْفَشُ nindex.php?page=showalam&ids=14888وَالْفَرَّاءُ : قَبْلَ الْوَاوِ هَمْزَةُ اسْتِفْهَامٍ يُرَادُ بِهِ الْإِنْكَارُ ، وَحُذِفَتْ لِدَلَالَةِ الْمَعْنَى عَلَيْهَا ، وَرَدَّهُ النَّحَّاسُ بِأَنَّهَا لَا تُحْذَفُ ، لِأَنَّهَا حَرْفٌ يَحْدُثُ مَعَهَا مَعْنًى ، إِلَّا إِنْ كَانَ فِي الْكَلَامِ أَمْ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ إِلَّا شَيْئًا قَالَهُ
الْفَرَّاءُ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ حَذْفُهَا مَعَ أَفْعَالِ الشَّكِّ ، وَحَكَى : تَرَى زَيْدًا مُنْطَلِقًا ، بِمَعْنَى : أَلَا تَرَى ؟ وَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=13676الْأَخْفَشُ الْأَصْغَرُ يَقُولُ : أَخَذَهُ مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامَّةِ . وَقَالَ
الضَّحَّاكُ : الْكَلَامُ إِذَا خَرَجَ مَخْرَجَ التَّبْكِيتِ يَكُونُ بِاسْتِفْهَامٍ وَبِغَيْرِ اسْتِفْهَامٍ ، وَالْمَعْنَى : لَوْ لَمْ يُقَتِّلْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ لَرَبَّانِي أَبَوَايَ ، فَأَيُّ نِعْمَةٍ لَكَ عَلَيَّ فَأَنْتَ تَمُنُّ عَلَيَّ بِمَا لَا يَجِبُ أَنْ تَمُنَّ بِهِ . وَقِيلَ : اتِّخَاذُكَ
بَنِي إِسْرَائِيلَ عَبِيدًا أَحْبَطَ نِعْمَتَكَ الَّتِي تَمُنُّ بِهَا . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَأَبَى - يَعْنِي
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يُسَمِّيَ نِعْمَتَهُ أَنْ
[ ص: 12 ] لَا نِعْمَةَ ، حَيْثُ بَيَّنَ أَنَّ حَقِيقَةَ إِنْعَامِهِ تَعَبُّدُ
بَنِي إِسْرَائِيلَ ، لِأَنَّ تَعَبُّدَهُمْ وَقَصْدَهُمْ بِذَبْحِ أَبْنَائِهِمْ هُوَ السَّبَبُ فِي حُصُولِهِ عِنْدَهُ وَتَرْبِيَتِهِ ، فَكَأَنَّهُ امْتَنَّ عَلَيْهِ بِتَعْبِيدِ قَوْمِهِ إِذَا حَقَّقْتَ . وَتَعْبِيدُهُمْ : تَذْلِيلُهُمْ وَاتِّخَاذُهُمْ عَبِيدًا ، يُقَالُ : عَبَّدْتُ الرَّجُلَ وَأَعْبَدْتُهُ ، إِذَا اتَّخَذْتُهُ عَبْدًا ، قَالَ الشَّاعِرُ :
عَلَامَ يُعْبِدُنِي قَوْمِي وَقَدْ كَثُرَتْ فِيهِمْ أَبَاعِرُ مَا شَاءُوا وَعُبْدَانُ
( فَإِنْ قُلْتَ ) : وَتِلْكَ إِشَارَةٌ إِلَى مَاذَا ؟ وَ " أَنْ عَبَّدْتَ " مَا مَحَلُّهَا مِنَ الْإِعْرَابِ ؟ ( قُلْتُ ) : تِلْكَ إِشَارَةٌ إِلَى خَصْلَةٍ شَنْعَاءَ مُبْهَمَةٍ ، لَا يُدْرَى مَا هِيَ إِلَّا بِتَفْسِيرِهَا ؛ وَمَحَلُّ " أَنْ عَبَّدْتَ " الرَّفْعُ ، عَطْفُ بَيَانٍ لِتِلْكَ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=66وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ ) وَالْمَعْنَى : تَعْبِيدُكَ
بَنِي إِسْرَائِيلَ نِعْمَةٌ تَمَنُّهَا عَلَيَّ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ ، الْمَعْنَى أَنَّهَا صَارَتْ نِعْمَةً عَلَيَّ ، لِأَنْ عَبَّدْتَ
بَنِي إِسْرَائِيلَ ، أَيْ لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَكَفَلَنِي أَهْلِي وَلَمْ يُلْقُونِي فِي الْيَمِّ . انْتَهَى . وَقَالَ
الْحَوْفِيُّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=22أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) فِي مَوْضِعِ نَصْبِ مَفْعُولٍ مِنْ أَجْلِهِ . وَقَالَ
أَبُو الْبَقَاءِ : بَدَلٌ ، وَلَمَّا أَخْبَرَ
مُوسَى فِرْعَوْنَ بِأَنَّهُ رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، لَمْ يَسْأَلْ إِذْ ذَاكَ فَيَقُولُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=23وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ) ؟ بَلْ أَخَذَ فِي الْمُدَاهَاةِ وَتَذْكَارِ التَّرْبِيَةِ وَالتَّقْبِيحِ لِمَا فَعَلَهُ مِنْ قَتْلِ الْقِبْطِيِّ . فَلَمَّا أَجَابَهُ عَنْ ذَلِكَ انْقَطَعَتْ حُجَّتُهُ فِي التَّرْبِيَةِ وَالْقَتْلِ ، وَكَانَ فِي قَوْلِهِ : " رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ " دُعَاءٌ إِلَى الْإِقْرَارِ بِرُبُوبِيَّةِ اللَّهِ ، وَإِلَى طَاعَةِ رَبِّ الْعَالَمِ ، فَأَخَذَ فِرْعَوْنُ يَسْتَفْهِمُ عَنِ الَّذِي ذَكَرَ
مُوسَى أَنَّهُ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِهِ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ سُؤَالَهُ إِنَّمَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَاهَتَةِ وَالْمُكَابَرَةِ وَالْمُرَادَّةِ ، وَكَانَ عَالِمًا بِاللَّهِ . وَيَدُلُّ عَلَيْهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=102لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ ) وَلَكِنَّهُ تَعَامَى عَنْ ذَلِكَ طَلَبًا لِلرِّيَاسَةِ وَدَعْوَى الْإِلَهِيَّةِ ، وَاسْتَفْهَمَ بِمَا اسْتِفْهَامًا عَنْ مَجْهُولٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17140مَكِّيٌّ : كَمَا يُسْتَفْهَمُ عَنِ الْأَجْنَاسِ ، وَقَدْ وَرَدَ لَهُ اسْتِفْهَامٌ بِمَنْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ، وَيُشْبِهُ أَنَّهَا مَوَاطِنُ . انْتَهَى . وَالْمَوْضِعُ الْآخَرُ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=49فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى ) ؟ وَلَمَّا سَأَلَهُ فِرْعَوْنُ ، وَكَانَ السُّؤَالُ بِمَا الَّتِي هِيَ مِنْ سُؤَالٍ عَنِ الْمَاهِيَّةِ ، وَلَمْ يُمْكِنِ الْجَوَابُ بِالْمَاهِيَّةِ ، أَجَابَ بِالصِّفَاتِ الَّتِي تُبَيِّنُ لِلسَّامِعِ أَنَّهُ لَا مُشَارَكَةَ لِفِرْعَوْنَ فِيهَا ، وَهِيَ رُبُوبِيَّةُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَهَذَا السُّؤَالُ لَا يَخْلُو أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَيُّ شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي شُوهِدَتْ وَعُرِفَتْ أَجْنَاسُهَا ، فَأَجَابَ بِمَا يُسْتَدَلَّ عَلَيْهِ مِنْ أَفْعَالِهِ الْخَاصَّةِ ، لِيُعَرِّفَهُ أَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا شَاهَدَ وَعَرَفَ مِنَ الْأَجْرَامِ وَالْأَعْرَاضِ ، وَأَنَّهُ شَيْءٌ مُخَالِفٌ لِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) . وَإِمَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ شَيْءٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ تَفْتِيشًا عَنْ حَقِيقَةِ الْخَاصَّةِ مَا هِيَ ، فَأَجَابَ بِأَنَّ الَّذِي سَأَلْتَ عَنْهُ لَيْسَ إِلَيْهِ سَبِيلٌ ، وَهُوَ الْكَافِي فِي مَعْرِفَتِهِ مَعْرِفَةُ بَيَانِهِ بِصِفَاتِهِ اسْتِدْلَالًا بِأَفْعَالِهِ الْخَاصَّةِ عَلَى ذَلِكَ ؛ وَأَمَّا التَّفْتِيشُ عَنْ حَقِيقَةِ الْخَاصَّةِ الَّتِي هِيَ فَوْقَ فِطَرِ الْعُقُولِ ، فَتَفْتِيشٌ عَمَّا لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ ، وَالسَّائِلُ عَنْهُ مُتَعَنِّتٌ غَيْرُ طَالِبٍ لِلْحَقِّ . وَالَّذِي يَلِيقُ بِحَالِ فِرْعَوْنَ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ ، أَنَّ كَوْنَ سُؤَالِهِ إِنْكَارًا لِأَنْ يَكُونَ لِلْعَالَمِينَ رَبٌّ سِوَاهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَعْلَمُ حُدُوثَهُ بَعْدَ الْعَدَمِ ؟ وَأَنَّهُ مَحَلٌّ لِلْحَوَادِثِ ؟ وَأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ الْإِلَهِيَّةَ إِلَّا فِي مَحَلِّ مُلْكِهِ مِصْرَ ؟ وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَلِكَ الْأَرْضِ ؟ بَلْ كَانَ فِيهَا مُلُوكٌ غَيْرُهُ ، وَأَنْبِيَاءُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ يَدْعُونَ إِلَى اللَّهِ
كَشُعَيْبٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ؟ وَأَنَّهُ كَانَ مُقِرًا بِاللَّهِ تَعَالَى فِي بَاطِنِ أَمْرِهِ ؟ وَجَاءَ قَوْلُهُ : ( وَمَا بَيْنَهُمَا ) عَلَى التَّثْنِيَةِ ، وَالْعَائِدُ عَلَيْهِ الضَّمِيرُ مَجْمُوعٌ اعْتِبَارًا لِلْجِنْسَيْنِ : جِنْسِ السَّمَاءِ ، وَجِنْسِ الْأَرْضِ ؛ كَمَا ثَنَّى الْمَظْهَرُ فِي قَوْلِهِ :
بَيْـنَ رِمَـاحَيْ مَـالِكٍ وَنَهْشَـلِ
اعْتِبَارًا لِلْجِنْسَيْنِ : وَقَالَ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ : كَانَ عَالِمًا بِاللَّهِ وَلَكِنَّهُ قَالَ مَا قَالَ طَلَبًا لِلْمُلْكِ وَالرِّيَاسَةِ . وَقَدْ ذَكَرَ - تَعَالَى - فِي كِتَابِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عَارِفًا بِاللَّهِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=102لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ ) الْآيَةَ . وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ عَلَى مَذْهَبِ
الدَّهْرِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْأَفْلَاكَ وَاجِبَةُ الْوُجُودِ لِذَوَاتِهَا ، وَأَنَّ حَرَكَاتِهَا أَسْبَابٌ لِحُصُولِ الْحَوَادِثِ بِالْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ ، ثُمَّ اعْتَقَدَ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ إِلَهٍ لِأَهْلِ إِقْلِيمِهِ مِنْ حَيْثُ اسْتَعْبَدَهُمْ وَمَلَكَ
[ ص: 13 ] زِمَامَ أَمْرِهِمْ . وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ : كَانَ عَلَى مَذْهَبِ
الْحُلُولِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ ذَاتَ الْإِلَهِ تُقَرَّرُ بِجَسَدِ إِنْسَانٍ مُعَيَّنٍ حَتَّى يَكُونَ الْإِلَهُ - سُبْحَانَهُ - بِمَنْزِلَةِ رُوحِ كُلِّ إِنْسَانٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى جَسَدِهِ ، وَبِهَذِهِ التَّقْدِيرَاتِ كَانَ يُسَمِّي نَفْسَهُ إِلَهًا . انْتَهَى . وَمَعْنَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=24إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ ) إِنْ كَانَ يُرْجَى مِنْكُمُ الْإِيقَانُ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى النَّظَرِ الصَّحِيحِ ، نَفَعَكُمْ هَذَا الْجَوَابُ ، وَإِلَّا لَمْ يَنْفَعْكُمْ ؛ أَوْ إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ بِشَيْءٍ قَطُّ ، فَهَذَا أَوْلَى مَا تُوقِنُونَ بِهِ لِظُهُورِهِ وَإِنَارَةِ دَلِيلِهِ . وَهَذِهِ الْمُحَاوَرَةُ مِنْ فِرْعَوْنَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ
مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دَعَاهُ إِلَى التَّوْحِيدِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=25قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ ) هُمْ أَشْرَافُ قَوْمِهِ . قِيلَ : كَانُوا خَمْسَمِائَةِ رَجُلٍ عَلَيْهِمُ الْأَسَاوِرُ ، وَكَانَتْ لِلْمُلُوكِ خَاصَّةً . (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=25أَلَا تَسْتَمِعُونَ ) أَيْ أَلَا تُصْغُونَ إِلَى هَذِهِ الْمَقَالَةِ إِغْرَاءً بِهِ وَتَعَجُّبًا ، إِذْ كَانَتْ عَقِيدَتُهُمْ أَنَّ فِرْعَوْنَ رَبُّهُمْ وَمَعْبُودُهُمْ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَالْفَرَاعِنَةُ قَبْلَهُ كَذَلِكَ ، وَهَذِهِ ضَلَالَةٌ مِنْهَا فِي
مِصْرَ وَدِيَارِنَا إِلَى الْيَوْمِ بَقِيَّةٌ . انْتَهَى . يُشِيرُ إِلَى مَا أَدْرَكَهُ فِي عَصْرِهِ مِنْ
مُلُوكِ الْعُبَيْدِيِّينَ الَّذِينَ كَانَ أَتْبَاعُهُمْ تَدَّعِي فِيهِمُ الْإِلَهِيَّةَ ، وَأَقَامُوا مُلُوكًا بِمِصْرَ ، مِنْ زَمَانِ
الْمُعِزِّ إِلَى زَمَانِ
الْعَاضِدِ ، إِلَى أَنْ مَحَى اللَّهُ دَوْلَتَهُمْ بِظُهُورِ
nindex.php?page=showalam&ids=16236الْمَلِكِ النَّاصِرِ صَلَاحِ الدِّينِ يُوسُفَ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ شَارِي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَلَقَدْ كَانَتْ لَهُ مَآثِرُ فِي الْإِسْلَامِ مِنْهَا : فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَبِلَادٍ كَثِيرَةٍ مِنْ سَوَاحِلِ الشَّامِ ، كَانَ
النَّصَارَى مُسْتَوْلِينَ عَلَيْهَا ، فَاسْتَنْقَذَهَا مِنْهُمْ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=26قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ) نَبَّهَهُمْ عَلَى مَنْشَئِهِمْ وَمَنْشَإِ آبَائِهِمْ ، وَجَاءَ فِي قَوْلِهِ : الْأَوَّلِينَ ، دَلَالَةٌ عَلَى إِمَاتَتِهِمْ بَعْدَ إِيجَادِهِمْ . وَانْتَقَلَ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِالْعَامِّ إِلَى مَا يَخُصُّهُمْ ، لِيَكُونَ أَوْضَحَ لَهُمْ فِي بَيَانِ بُطْلِ دَعْوَى فِرْعَوْنَ الْإِلَهِيَّةَ ، إِذْ كَانَ آبَاؤُهُمُ الْأَوَّلُونَ تَقَدَّمُوا فِرْعَوْنَ فِي الْوُجُودِ ، فَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ وَهُوَ فِي الْعَدَمِ إِلَهًا لَهُمْ .