(
nindex.php?page=treesubj&link=28997أو ينفعونكم بتقربكم إليهم ودعائكم إياهم أو يضرون ) بترك عبادتكم إياهم ، فإذا لم ينفعوا ولم يضروا ، فما معنى عبادتكم لها ؟ (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=74قالوا بل وجدنا ) هذه حيدة عن جواب الاستفهام ، لأنهم لو قالوا : يسمعوننا وينفعوننا ويضروننا ، فضحوا أنفسهم بالكذب الذي لا يمترى فيه ، ولو قالوا : يسمعوننا ولا يضروننا ، أسجلوا على أنفسهم بالخطأ المحض ، فعدلوا إلى التقليد البحت لآبائهم في عبادتها من غير برهان ولا حجة . والكاف في موضع نصب بـ " يفعلون " ، أي يفعلون في عبادتهم تلك الأصنام مثل ذلك الفعل الذي يفعله ، وهو عبادتهم ؛ والحيدة عن الجواب من علامات انقطاع الحجة . وبل هنا إضراب عن جوابه لما سأل وأخذ في شيء آخر لم يسألهم عنه انقطاعا وإقرارا بالعجز .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=76وآباؤكم الأقدمون ) وصفهم بالأقدمين دلالة على تقادم عبادة الأصنام فيهم ، وإذ كانوا قد عبدوها في زمان
نوح - عليه السلام - فزمان من بعده ؟ وعدو : يكون للمفرد والجمع ، كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=4هم العدو فاحذرهم ) قيل : شبه بالمصدر ، كالقبول والولوع . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وإنما قال :
[ ص: 24 ] عدو لي ، تصورا للمسألة في نفسه على معنى : أي فكرت في أمري ، فرأيت عبادتي لها عبادة للعدو ، فاجتنبتها وآثرت عبادة من الخير كله منه ، وأراهم بذلك أنها نصيحة نصح بها نفسه أولا ، وبنى عليها تدبير أمره ، لينظروا ويقولوا : ما نصحنا
إبراهيم إلا بما نصح به نفسه ، وما أراد لنا إلا ما أراد لروحه ، ليكون أدنى لهم إلى القبول ، وأبعث على الاستماع منه . ولو قال : فإنه عدو لكم ، لم يكن بتلك المثابة ، ولأنه دخل في باب من التعريض ، وقد يبلغ التعريض للمنصوح ما لا يبلغ التصريح ، لأنه ربما يتأمل فيه ، فربما قاده التأميل إلى التقبل . ومنه ما يحكى عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رضي الله عنه - أن رجلا واجهه بشيء فقال : لو كنت بحيث أنت لاحتجت إلى أدب ؛ وسمع رجل ناسا يتحدثون عن الحجر فقال : ما هو بيتي ولا بيتكم . انتهى . وهو كلام فيه تكثير على عادته ، وذهاب من ذهب إلى أن قوله : ( فإنهم عدو لي ) من المقلوب والأصل : فإني عدو لهم ، لأن الأصنام لا تعادي لكونها جمادا ، وإنما هو عاداها ليس بشيء ، ولا ضرورة تدعو إلى ذلك . ألا ترى إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=82كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا ) فهذا معنى العداوة ، ولأن المغري على عداوتها عدو الإنسان ، وهو الشيطان . وقيل : لأنه - تعالى - يحيـي ما عبدوه من الأصنام حتى يبترءوا من عبدتهم ، ويوبخوهم . وقيل : هو على حذف ، أي : فإن عبادهم عدو لي . والظاهر إقرار الاستثناء في موضعه من غير تقديم ولا تأخير . وقال
الجرجاني : تقديره : أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون إلا رب العالمين ، فإنهم عدو لي ، وإلا : بمعنى دون وسوى . انتهى . فجعله مستثنى مما بعد " كنتم تعبدون " ، ولا حاجة إلى هذا التقدير لصحة أن يكون مستثنى من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=77فإنهم عدو لي ) . وجعله جماعة - منهم
الفراء واتبعه
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري - استثناء منقطعا ، أي لكن رب العالمين ، لأنهم فهموا من قوله : ما كنتم تعبدون أنهم الأصنام . وأجاز
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج أن يكون استثناء متصلا على أنهم كانوا يعبدون الله ويعبدون معه الأصنام ، فأعلمهم أنه تبرأ مما يعبدون إلا الله ، وأجازوا في (
الذي خلقني ) النصب على الصفة لرب العالمين ، أو بإضمار ، أعني ، والرفع خبر مبتدأ محذوف ، أي هو الذي . وقال
الحوفي : ويجوز أن يكون (
الذي خلقني ) رفعا بالابتداء (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=78فهو يهدين ) ابتداء وخبر في موضع الخبر عن الذي ، ودخلت الفاء لما في الكلام من معنى الشرط . انتهى . وليس " الذي " هنا فيه معنى اسم الشرط لأنه خاص ، ولا يتخيل فيه العموم ، فليس نظير : الذي يأتيني فله درهم ، وأيضا ليس الفعل الذي هو خلق لا يمكن فيه تحدد بالنسبة إلى
إبراهيم .
وتابع
أبو البقاء الحوفي في إعرابه هذا ، لكنه لم يقل : ودخلت الفاء لما في الكلام من معنى الشرط . فإن كان أراد ذلك ، فليس بجيد لما ذكرناه ، وإن لم يرده ، فلا يجوز ذلك إلا على زيادة الفاء ، على مذهب
الأخفش في نحو : زيد فاضربه ؛ الذي خلقني بقدرته فهو يهدين إلى طاعته . وقيل : إلى جنته . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : فهو يهدين ، يريد أنه حين أتم خلقه ، ونفخ فيه الروح عقب هدايته المتصلة التي لا تنقطع إلى ما يصلحه ويعينه ، وإلا فمن هداه إلى أن يغتذي بالدم في البطن امتصاصا ؟ ومن هداه إلى معرفة الثدي عند الولادة ؟ وإلى معرفة مكانه ؟ ومن هداه لكيفية الارتضاع ؟ إلى غير ذلك من هدايات المعاش والمعاد . انتهى . والظاهر أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=79يطعمني ويسقين ) الطعام المعروف المعهود ، والسقي المعهود ، وفيه تعديد نعمة الرزق . وقال
أبو بكر الوراق : يطعمني بلا طعام ، ويسقيني بلا شراب ، كما جاء إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني ولما كان الخلق لا يمكن أن يدعيه أحد لم يؤكد فيه بهو ، فلم يكن التركيب الذي هو خلقني ، ولما كانت الهداية قد يمكن ادعاؤها . والإطعام والسقي كذلك أكد بهو في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=78فهو يهدين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=79والذي هو يطعمني ) وذكر بعد نعمة الخلق والهداية ما تدوم به الحياة ويستمر به نظام الخلق ، وهو الغذاء والشرب . ولما كان ذلك سببا لغلبة إحدى الكيفيات على الأخرى بزيادة الغذاء أو
[ ص: 25 ] نقصانه ، فيحدث بذلك مرض ذكر نعمته ، بإزالة ما حدث من السقم ، وأضاف المرض إلى نفسه ، ولم يأت التركيب : وإذا أمرضني ، وإن كان - تعالى - هو الفاعل لذلك ،
وإبراهيم - عليه السلام - عدد نعم الله - تعالى - عليه ، والشفاء محبوب والمرض مكروه . ولما لم يكن المرض منها ، لم يضفه إلى الله . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=15639جعفر الصادق ؛ ولعله لا يصح : وإذا مرضت بالذنوب شفاني بالتوبة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وإنما قال : مرضت دون أمرضني ، لأن كثيرا من أسباب المرض يحدث بتفريط من الإنسان في مطاعمه ومشاربه وغير ذلك . ومن ثم قال الحكماء : لو قيل لأكثر الموتى : ما سبب آجالكم ؟ لقالوا : التخم ، ولما كان الشفاء قد يعزى إلى الطبيب ، وإلى الدواء على سبيل المجاز ؛ كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=69فيه شفاء للناس ) أكد بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=80فهو يشفين ) أي الذي هو يهدين ويطعمني ويسقين هو الله لا غيره .
ولما كانت الإماتة بعد البعث ، لا يمكن إسنادها إلا إلى الله ، لم يحتج إلى توكيد ، ودعوى نمروذ الإماتة والإحياء هي منه على سبيل المخرفة والقحة ، وكذلك لم يحتج إلى تأكيد في : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=82والذي أطمع ) . وأثبت
ابن أبي إسحاق ياء المتكلم في يهديني وما بعده ، وهي رواية عن
نافع . والطمع عبارة عن الرجاء ،
وإبراهيم - عليه السلام - كان جازما بالمغفرة . فقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : لم يجزم القول بالمغفرة ، وفيه تعليم لأممهم ، وليكون لطفا بهم في اجتناب المعاصي والحذر منها ، وطلب المغفرة مما يفرط منهم . انتهى . ورده
الرازي قال : " لأن حاصله يرجع إلى أنه . . . . " ، ونطق بكلمة لا أذكرها ، وبعدها " على نفسه لأجل تعليم الأمة " ، وهو باطل قطعا . وقال
الجبائي : أراد به سائر المؤمنين ، لأنهم الذين يطمعون ولا يقطعون . ورده
الرازي بأن جعل كلام الواحد من كلام غيره ، مما يبطل نظم الكلام . وقال
الحسن : المراد بالطمع اليقين . وقال
الرازي : لا يستقيم هذا إلا على مذهبنا ، حيث قلنا : إنه لا يجب على الله شيء ، وإنه يحسن منه كل شيء ، ولا اعتراض لأحد عليه في فعله . وقال
ابن عطية : أوقف - عليه الصلاة والسلام - نفسه على الطمع في المغفرة ، وهذا دليل على شدة خوفه مع منزلته وخلته .
وقرأ الجمهور : خطيئتي على الإفراد ،
والحسن : خطاياي على الجمع ، وذهب الأكثرون إلى أنها قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=89إني سقيم ) و (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=63بل فعله كبيرهم ) و " هي أختي " في سارة . وقالت فرقة : أراد بالخطيئة اسم الجنس ، قدرها في كل أمره من غير تعيين . قال
ابن عطية : وهذا أظهر عندي ، لأن تلك الثلاث قد خرجها كثير من العلماء على المعاريض . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : المراد ما يندر منه في بعض الصغائر ، لأن الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - معصومون مختارون على العالمين ، وهي قوله . . . . وذكر الثلاثة ، ثم قال وما هي إلا معاريض ، كلام وتخيلات للكفرة ، وليست بخطايا يطلب لها الاستغفار . ( فإن قلت ) : إذا لم يندر منهم إلا الصغائر ، وهي تقع مكفرة ، فما له أثبت لنفسه خطيئة أو خطايا ، وطمع أن يغفر له ؟ ( قلت : الجواب ) ما سبق ، أن استغفار الأنبياء تواضع منهم لربهم وهضم لأنفسهم ، ويدل عليه قوله : أطمع ، ولم يجزم القول . انتهى . و ( يوم الدين ) ظرف ، والعامل فيه يغفر ، والغفران ، وإن كان في الدنيا ، فأثره لا يتبين إلا يوم الجزاء ، وهو في الدنيا لا يعلم إلا بإعلام الله - تعالى . وضعف
أبو عبد الله الرازي حمل الخطيئة على تلك الثلاث ، لأن نسبة ما لا يطابق إلى
إبراهيم غير جائز ، وحمله على سبيل التواضع قال : لأنه إن طابق في هذا الموضع زال الإشكال ، وإن لم يطابق رجع حاصل الجواب إلى إلحاق المعصية به ، لأجل تنزيهه عن المعصية . قال : والجواب الصحيح أن يحمل ذلك على ترك الأولى ، وقد يسمى خطأ . فإن من باع جوهرة تساوي ألفا بدينار ، قيل : أخطأ ، وترك الأولى على الأنبياء جائز . انتهى ، وفيه بعض تلخيص وتبديل ألفاظ للأدب بما يناسب مقام النبوة .
وقدم
إبراهيم - عليه السلام - الثناء على الله - تعالى ، وذكره بالأوصاف الحسنة بين يدي طلبته ومسألته ، ثم سأله - تعالى - فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=83رب هب لي حكما ) فدل على أن تقديم الثناء على المسألة من المهمات .
[ ص: 26 ] والظاهر أن الحكم هو الفصل بين الناس بالحق . وقيل : الحكم : الحكمة والنبوة ، لأنها حاصلة تتلو طلب النبوة ؛ لأن النبي ذو حكمة وذو حكم بين الناس . وقال
أبو عبد الله الرازي : لا يجوز تفسير الحكم بالنبوة ؛ لأنها حاصلة ، فلو طلب النبوة لكانت مطلوبة ، إما عين الحاصلة أو غيرها . والأول محال ؛ لأن تحصيل الحاصل محال ، والثاني محال ؛ لأنه يمنع أن يكون الشخص الواحد نبيا مرتين ، بل المراد من الحكم ما هو كمال النبوة العملية ، وذلك بأن يكون عالما بالخير لأجل العمل به . انتهى . وقال
ابن عطية : وقد فسر الحكم بالحكمة والنبوة ، قال : ودعاؤه - عليه السلام - في مثل هذا هو في التثبت والدوام . وإلحاقه بالصالحين : توفيقه لعمل ينتظمه في جملتهم ، أو يجمع بينه وبينهم في الجنة . وقد أجابه - تعالى 0 حيث قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=130وإنه في الآخرة لمن الصالحين ) .
قال
أبو عبد الله الرازي : وإنما قدم قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=83هب لي حكما ) على قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=83وألحقني بالصالحين ) لأن القوة النظرية مقدمة على القوة العملية ، لأنه يمكنه أن يعلم الحق ، وإن لم يعمل به ، وعكسه غير ممكن ، لأن العلم صفة الروح ، والعمل صفة البدن ، وكما أن الروح أشرف من البدن ، كذلك العلم أفضل من الإصلاح . انتهى . ولسان الصدق ، قال
ابن عطية : هو الثناء وتخليد المكانة بإجماع من المفسرين . وكذلك أجاب الله دعوته ، فكل ملة تتمسك به وتعظمه ، وهو على الحنيفية التي جاء بها
محمد - صلى الله عليه وسلم - . قال
nindex.php?page=showalam&ids=17140مكي : وقيل : معنى سؤاله أن يكون من ذريته في آخر الزمان من يقوم بالحق ، فأجيبت الدعوة في
محمد - عليه السلام - وهذا معنى حسن ، إلا أن لفظ الآية لا يعطيه إلا بتحكم على اللفظ . انتهى . ولما طلب سعادة الدنيا ، طلب سعادة الآخرة ، وهي جنة النعيم ، وشبهها بما يورث ، لأنه الذي يقسم في الدنيا شبه غنيمة الدنيا بغنيمة الآخرة ، وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=63تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا ) .
ولما فرغ من مطالب الدنيا والآخرة لنفسه ، طلب لأشد الناس التصاقا به ، وهو أصله الذي كان ناشئا عنه ، وهو أبوه ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=86واغفر لأبي ) وطلبه المغفرة مشروط بالإسلام ، وطلب المشروط يتضمن طلب الشرط ، فحاصله : أنه دعا بالإسلام . وكان وعده ذلك يوضحه قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=114وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله ) أي الموافاة على الكفر تبرأ منه . وقيل : كان قال له إنه على دينه باطنا وعلى دين نمروذ ظاهرا ، تقية وخوفا ، فدعا له لاعتقاده أن الأمر كذلك ، فلما تبين له خلاف ذلك تبرأ منه ، ولذلك قال في دعائه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=86واغفر لأبي إنه كان من الضالين ) . فلولا اعتقاده أنه في الحال ليس بضال ما قال ذلك . (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=87ولا تخزني ) إما من الخزي ، وهو الهوان ، وإما من الخزاية ، وهي الحياء . والضمير في ( يبعثون ) ضمير العباد ؛ لأنه معلوم ، أو ضمير ( الضالين ) ويكون من جملة الاستغفار ؛ لأنه يكون المعنى : يوم يبعث الضالون . وأتى فيهم : ( يوم لا ينفع ) بدلا من : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=87يوم يبعثون ) . (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=88مال ولا بنون ) أي كما ينفع في الدنيا يفديه ماله ويذب عنه بنوه . وقيل : المراد بالبنين جميع الأعوان . وقيل : المعنى يوم لا ينفع إعلاق بالدنيا ومحاسنها ، فقصد من ذلك الذكر العظيم والأكثر ؛ لأن المال والبنين هي زينة الحياة الدنيا . والظاهر أن الاستثناء منقطع ، أي لكن من أتى الله بقلب سليم ينفعه سلامة قلبه . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ولك أن تجعل الاستثناء منقطعا ، ولا بد لك مع ذلك من تقدير المضاف ، وهو الحال المراد بها السلامة ، وليست من جنس المال والبنين حتى يئول المعنى إلى أن المال والبنين لا ينفعان ، وإنما ينفع سلامة القلب ، ولو لم يقدر المضاف لم يتحصل للاستثناء معنى . انتهى . ولا ضرورة تدعو إلى حذف مضاف ، كما ذكر ، إذ قدرناه ، لكن (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=89من أتى الله بقلب سليم ) ينفعه ذلك ، وقد جعله
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في أول توجيه متصلا بتأويل ، قال : إلا من أتى الله : إلا حال من أتى الله بقلب سليم ، وهو من قوله :
تحيــة بينهــم ضــرب وجيــع
وما ثوابه إلا السيف .
ومثاله أن يقال : هل لزيد
[ ص: 27 ] مال وبنون ؟ فيقول : ماله وبنوه سلامة قلبه ، تريد نفي المال والبنين عنه ، وإثبات سلامة القلب له بدلا عن ذلك . وإن شئت حملت الكلام على المعنى ، وجعلت المال والبنين في معنى الغنى ، كأنه قيل : يوم لا ينفع غنى إلا غنى من أتى الله بقلب سليم ، لأن غنى الرجل في دينه بسلامة قلبه ، كما أن غناه في دنياه بماله وبنيه . انتهى . وجعله بعضهم استثناء مفرغا ، فمن مفعول ، والتقدير : لا ينفع مال ولا بنون أحدا إلا من أتى الله بقلب سليم ، فإنه ينفعه ماله المصروف في وجوه البر ، وبنوه الصلحاء ، إذ كان أنفقه في طاعة الله ، وأرشد بنيه إلى الدين ، وعلمهم الشرائع وسلامة القلب - خلوصه من الشرك والمعاصي ، وعلق الدنيا المتروكة وإن كانت مباحة كالمال والبنين . وقال سفيان : هو الذي يلقى ربه وليس في قلبه شيء غيره ، وهذا يقتضي عمومه اللفظ ، ولكن السليم من الشرك هو الأعم . وقال
الجنيد : بقلب لديغ من خشية الله ، والسليم : اللديغ . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : هو من بدع التفاسير وصدق .
(
nindex.php?page=treesubj&link=28997أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ بِتَقَرُّبِكُمْ إِلَيْهِمْ وَدُعَائِكُمْ إِيَّاهُمْ أَوْ يَضُرُّونَ ) بِتَرْكِ عِبَادَتِكُمْ إِيَّاهُمْ ، فَإِذَا لَمْ يَنْفَعُوا وَلَمْ يَضُرُّوا ، فَمَا مَعْنَى عِبَادَتِكُمْ لَهَا ؟ (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=74قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا ) هَذِهِ حَيْدَةٌ عَنْ جَوَابِ الِاسْتِفْهَامِ ، لِأَنَّهُمْ لَوْ قَالُوا : يَسْمَعُونَنَا وَيَنْفَعُونَنَا وَيَضُرُّونَنَا ، فَضَحُوا أَنْفُسَهُمْ بِالْكَذِبِ الَّذِي لَا يُمْتَرَى فِيهِ ، وَلَوْ قَالُوا : يَسْمَعُونَنَا وَلَا يَضُرُّونَنَا ، أَسْجَلُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْخَطَأِ الْمَحْضِ ، فَعَدَلُوا إِلَى التَّقْلِيدِ الْبَحْتِ لِآبَائِهِمْ فِي عِبَادَتِهَا مِنْ غَيْرِ بُرْهَانٍ وَلَا حُجَّةٍ . وَالْكَافُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِـ " يَفْعَلُونَ " ، أَيْ يَفْعَلُونَ فِي عِبَادَتِهِمْ تِلْكَ الْأَصْنَامَ مِثْلَ ذَلِكَ الْفِعْلِ الَّذِي يَفْعَلُهُ ، وَهُوَ عِبَادَتُهُمْ ؛ وَالْحَيْدَةُ عَنِ الْجَوَابِ مِنْ عَلَامَاتِ انْقِطَاعِ الْحُجَّةِ . وَبَلْ هُنَا إِضْرَابٌ عَنْ جَوَابِهِ لَمَّا سَأَلَ وَأَخَذَ فِي شَيْءٍ آخَرَ لَمْ يَسْأَلْهُمْ عَنْهُ انْقِطَاعًا وَإِقْرَارًا بِالْعَجْزِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=76وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ ) وَصَفَهُمْ بِالْأَقْدَمِينَ دَلَالَةً عَلَى تَقَادُمِ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ فِيهِمْ ، وَإِذْ كَانُوا قَدْ عَبَدُوهَا فِي زَمَانِ
نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَزَمَانِ مَنْ بَعْدَهُ ؟ وَعَدُوٌّ : يَكُونُ لِلْمُفْرَدِ وَالْجَمْعِ ، كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=4هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ) قِيلَ : شُبِّهَ بِالْمَصْدَرِ ، كَالْقَبُولِ وَالْوَلُوعِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَإِنَّمَا قَالَ :
[ ص: 24 ] عَدُوٌّ لِي ، تَصَوُّرًا لِلْمَسْأَلَةِ فِي نَفْسِهِ عَلَى مَعْنَى : أَيْ فَكَّرْتُ فِي أَمْرِي ، فَرَأَيْتُ عِبَادَتِي لَهَا عِبَادَةً لِلْعَدُوِّ ، فَاجْتَنَبْتُهَا وَآثَرْتُ عِبَادَةً مَنِ الْخَيْرُ كُلُّهُ مِنْهُ ، وَأَرَاهُمْ بِذَلِكَ أَنَّهَا نَصِيحَةٌ نَصَحَ بِهَا نَفْسَهُ أَوَّلًا ، وَبَنَى عَلَيْهَا تَدْبِيرَ أَمْرِهِ ، لِيَنْظُرُوا وَيَقُولُوا : مَا نَصَحَنَا
إِبْرَاهِيمُ إِلَّا بِمَا نَصَحَ بِهِ نَفْسَهُ ، وَمَا أَرَادَ لَنَا إِلَّا مَا أَرَادَ لِرُوحِهِ ، لِيَكُونَ أَدْنَى لَهُمْ إِلَى الْقَبُولِ ، وَأَبْعَثَ عَلَى الِاسْتِمَاعِ مِنْهُ . وَلَوْ قَالَ : فَإِنَّهُ عَدُوٌّ لَكُمْ ، لَمْ يَكُنْ بِتِلْكَ الْمَثَابَةِ ، وَلِأَنَّهُ دَخَلَ فِي بَابٍ مِنَ التَّعْرِيضِ ، وَقَدْ يُبْلِغُ التَّعْرِيضُ لِلْمَنْصُوحِ مَا لَا يُبْلِغُ التَّصْرِيحُ ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَتَأَمَّلُ فِيهِ ، فَرُبَّمَا قَادَهُ التَّأْمِيلُ إِلَى التَّقَبُّلِ . وَمِنْهُ مَا يُحْكَى عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَجُلًا وَاجَهَهُ بِشَيْءٍ فَقَالَ : لَوْ كُنْتُ بِحَيْثُ أَنْتَ لَاحْتَجْتُ إِلَى أَدَبٍ ؛ وَسَمِعَ رَجُلٌ نَاسًا يَتَحَدَّثُونَ عَنِ الْحِجْرِ فَقَالَ : مَا هُوَ بَيْتِي وَلَا بَيْتُكُمْ . انْتَهَى . وَهُوَ كَلَامٌ فِيهِ تَكْثِيرٌ عَلَى عَادَتِهِ ، وَذَهَابُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ قَوْلَهُ : ( فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي ) مِنَ الْمَقْلُوبِ وَالْأَصْلُ : فَإِنِّي عَدُوٌّ لَهُمْ ، لِأَنَّ الْأَصْنَامَ لَا تُعَادِي لِكَوْنِهَا جَمَادًا ، وَإِنَّمَا هُوَ عَادَاهَا لَيْسَ بِشَيْءٍ ، وَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إِلَى ذَلِكَ . أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=82كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا ) فَهَذَا مَعْنَى الْعَدَاوَةِ ، وَلِأَنَّ الْمُغْرِيَ عَلَى عَدَاوَتِهَا عَدُوُّ الْإِنْسَانِ ، وَهُوَ الشَّيْطَانُ . وَقِيلَ : لِأَنَّهُ - تَعَالَى - يُحْيِـي مَا عَبَدُوهُ مِنَ الْأَصْنَامِ حَتَّى يَبْتَرِءُوا مِنْ عَبَدَتِهِمْ ، وَيُوَبِّخُوهُمْ . وَقِيلَ : هُوَ عَلَى حَذْفٍ ، أَيْ : فَإِنَّ عُبَّادَهُمْ عَدُوٌّ لِي . وَالظَّاهِرُ إِقْرَارُ الِاسْتِثْنَاءِ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيمٍ وَلَا تَأْخِيرٍ . وَقَالَ
الْجُرْجَانِيُّ : تَقْدِيرُهُ : أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ ، فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي ، وَإِلَّا : بِمَعْنَى دُونَ وَسِوَى . انْتَهَى . فَجَعَلَهُ مُسْتَثْنًى مِمَّا بَعْدَ " كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ " ، وَلَا حَاجَةَ إِلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لِصِحَّةِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=77فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي ) . وَجَعَلَهُ جَمَاعَةٌ - مِنْهُمِ
الْفَرَّاءُ وَاتَّبَعَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ - اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا ، أَيْ لَكِنَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ ، لِأَنَّهُمْ فَهِمُوا مِنْ قَوْلِهِ : مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنَّهُمُ الْأَصْنَامُ . وَأَجَازَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ أَنْ يَكُونَ اسْتِثْنَاءً مُتَّصِلًا عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ اللَّهَ وَيَعْبُدُونَ مَعَهُ الْأَصْنَامَ ، فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ تَبَرَّأَ مِمَّا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ ، وَأَجَازُوا فِي (
الَّذِي خَلَقَنِي ) النَّصْبَ عَلَى الصِّفَةِ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ، أَوْ بِإِضْمَارِ ، أَعْنِي ، وَالرَّفْعُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ ، أَيْ هُوَ الَّذِي . وَقَالَ
الْحَوْفِيُّ : وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ (
الَّذِي خَلَقَنِي ) رَفْعًا بِالِابْتِدَاءِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=78فَهُوَ يَهْدِينِ ) ابْتِدَاءٌ وَخَبَرٌ فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ عَنِ الَّذِي ، وَدَخَلَتِ الْفَاءُ لِمَا فِي الْكَلَامِ مِنْ مَعْنَى الشَّرْطِ . انْتَهَى . وَلَيْسَ " الَّذِي " هُنَا فِيهِ مَعْنَى اسْمِ الشَّرْطِ لِأَنَّهُ خَاصٌّ ، وَلَا يُتَخَيَّلُ فِيهِ الْعُمُومُ ، فَلَيْسَ نَظِيرَ : الَّذِي يَأْتِينِي فَلَهُ دِرْهَمٌ ، وَأَيْضًا لَيْسَ الْفِعْلُ الَّذِي هُوَ خَلَقَ لَا يُمْكِنُ فِيهِ تَحَدُّدٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى
إِبْرَاهِيمَ .
وَتَابَعَ
أَبُو الْبَقَاءِ الْحَوْفِيُّ فِي إِعْرَابِهِ هَذَا ، لَكِنَّهُ لَمْ يَقُلْ : وَدَخَلَتِ الْفَاءُ لِمَا فِي الْكَلَامِ مِنْ مَعْنَى الشَّرْطِ . فَإِنْ كَانَ أَرَادَ ذَلِكَ ، فَلَيْسَ بِجَيِّدٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْهُ ، فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ إِلَّا عَلَى زِيَادَةِ الْفَاءِ ، عَلَى مَذْهَبِ
الْأَخْفَشِ فِي نَحْوِ : زَيْدٌ فَاضْرِبْهُ ؛ الَّذِي خَلَقَنِي بِقُدْرَتِهِ فَهُوَ يَهْدِينِ إِلَى طَاعَتِهِ . وَقِيلَ : إِلَى جَنَّتِهِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : فَهُوَ يَهْدِينِ ، يُرِيدُ أَنَّهُ حِينَ أَتَمَّ خَلْقَهُ ، وَنَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ عَقَّبَ هِدَايَتَهُ الْمُتَّصِلَةَ الَّتِي لَا تَنْقَطِعُ إِلَى مَا يُصْلِحُهُ وَيُعِينُهُ ، وَإِلَّا فَمَنْ هَدَاهُ إِلَى أَنْ يَغْتَذِيَ بِالدَّمِ فِي الْبَطْنِ امْتِصَاصًا ؟ وَمَنْ هَدَاهُ إِلَى مَعْرِفَةِ الثَّدْيِ عِنْدَ الْوِلَادَةِ ؟ وَإِلَى مَعْرِفَةِ مَكَانِهِ ؟ وَمَنْ هَدَاهُ لِكَيْفِيَّةِ الِارْتِضَاعِ ؟ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ هِدَايَاتِ الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ . انْتَهَى . وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=79يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ) الطَّعَامُ الْمَعْرُوفُ الْمَعْهُودُ ، وَالسَّقْيُ الْمَعْهُودُ ، وَفِيهِ تَعْدِيدُ نِعْمَةِ الرِّزْقِ . وَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ الْوَرَّاقُ : يُطْعِمُنِي بِلَا طَعَامٍ ، وَيَسْقِينِي بِلَا شَرَابٍ ، كَمَا جَاءَ إِنِّي أَبَيْتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي وَلَمَّا كَانَ الْخَلْقُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَدَّعِيَهُ أَحَدٌ لَمْ يُؤَكِّدْ فِيهِ بِهُوَ ، فَلَمْ يَكُنِ التَّرْكِيبُ الَّذِي هُوَ خَلَقَنِي ، وَلَمَّا كَانَتِ الْهِدَايَةُ قَدْ يُمْكِنُ ادِّعَاؤُهَا . وَالْإِطْعَامُ وَالسَّقْيُ كَذَلِكَ أَكَّدَ بِهُوَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=78فَهُوَ يَهْدِينِ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=79وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي ) وَذَكَرَ بَعْدَ نِعْمَةِ الْخَلْقِ وَالْهِدَايَةِ مَا تَدُومُ بِهِ الْحَيَاةُ وَيَسْتَمِرُّ بِهِ نِظَامُ الْخَلْقِ ، وَهُوَ الْغِذَاءُ وَالشُّرْبِ . وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِغَلَبَةِ إِحْدَى الْكَيْفِيَّاتِ عَلَى الْأُخْرَى بِزِيَادَةِ الْغِذَاءِ أَوْ
[ ص: 25 ] نُقْصَانِهِ ، فَيَحْدُثُ بِذَلِكَ مَرَضٌ ذَكَرَ نِعْمَتَهُ ، بِإِزَالَةِ مَا حَدَثَ مِنَ السَّقَمِ ، وَأَضَافَ الْمَرَضَ إِلَى نَفْسِهِ ، وَلَمْ يَأْتِ التَّرْكِيبُ : وَإِذَا أَمْرَضَنِي ، وَإِنْ كَانَ - تَعَالَى - هُوَ الْفَاعِلُ لِذَلِكَ ،
وَإِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَدَّدَ نِعَمَ اللَّهِ - تَعَالَى - عَلَيْهِ ، وَالشِّفَاءُ مَحْبُوبٌ وَالْمَرَضُ مَكْرُوهٌ . وَلَمَّا لَمْ يَكُنِ الْمَرَضُ مِنْهَا ، لَمْ يُضِفْهُ إِلَى اللَّهِ . وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15639جَعْفَرٍ الصَّادِقِ ؛ وَلَعَلَّهُ لَا يَصِحُّ : وَإِذَا مَرِضْتُ بِالذُّنُوبِ شَفَانِي بِالتَّوْبَةِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَإِنَّمَا قَالَ : مَرِضْتُ دُونَ أَمْرَضَنِي ، لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَسْبَابِ الْمَرَضِ يَحْدُثُ بِتَفْرِيطٍ مِنَ الْإِنْسَانِ فِي مَطَاعِمِهِ وَمَشَارِبِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ . وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْحُكَمَاءُ : لَوْ قِيلَ لَأَكْثَرِ الْمَوْتَى : مَا سَبَبُ آجَالِكُمْ ؟ لَقَالُوا : الْتُخَمُ ، وَلَمَّا كَانَ الشِّفَاءُ قَدْ يُعْزَى إِلَى الطَّبِيبِ ، وَإِلَى الدَّوَاءِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ ؛ كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=69فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ ) أَكَّدَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=80فَهُوَ يَشْفِينِ ) أَيِ الَّذِي هُوَ يَهْدِينِ وَيُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ هُوَ اللَّهُ لَا غَيْرُهُ .
وَلَمَّا كَانَتِ الْإِمَاتَةُ بَعْدَ الْبَعْثِ ، لَا يُمْكِنُ إِسْنَادُهَا إِلَّا إِلَى اللَّهِ ، لَمْ يَحْتَجْ إِلَى تَوْكِيدٍ ، وَدَعْوَى نُمْرُوذَ الْإِمَاتَةَ وَالْإِحْيَاءَ هِيَ مِنْهُ عَلَى سَبِيلِ الْمَخْرَفَةِ وَالْقِحَةِ ، وَكَذَلِكَ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى تَأْكِيدٍ فِي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=82وَالَّذِي أَطْمَعُ ) . وَأَثْبَتَ
ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ يَاءَ الْمُتَكَلِّمِ فِي يَهْدِينِي وَمَا بَعْدَهُ ، وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ
نَافِعٍ . وَالطَّمَعُ عِبَارَةٌ عَنِ الرَّجَاءِ ،
وَإِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ جَازِمًا بِالْمَغْفِرَةِ . فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : لَمْ يَجْزِمِ الْقَوْلَ بِالْمَغْفِرَةِ ، وَفِيهِ تَعْلِيمٌ لِأُمَمِهِمْ ، وَلِيَكُونَ لُطْفًا بِهِمْ فِي اجْتِنَابِ الْمَعَاصِي وَالْحَذَرِ مِنْهَا ، وَطَلَبِ الْمَغْفِرَةِ مِمَّا يَفْرُطُ مِنْهُمْ . انْتَهَى . وَرَدَّهُ
الرَّازِيُّ قَالَ : " لِأَنَّ حَاصِلَهُ يَرْجِعُ إِلَى أَنَّهُ . . . . " ، وَنَطَقَ بِكَلِمَةٍ لَا أَذْكُرُهَا ، وَبَعْدَهَا " عَلَى نَفْسِهِ لِأَجْلِ تَعْلِيمِ الْأُمَّةِ " ، وَهُوَ بَاطِلٌ قَطْعًا . وَقَالَ
الْجُبَّائِيُّ : أَرَادَ بِهِ سَائِرَ الْمُؤْمِنِينَ ، لِأَنَّهُمُ الَّذِينَ يَطْمَعُونَ وَلَا يَقْطَعُونَ . وَرَدَّهُ
الرَّازِيُّ بِأَنْ جَعَلَ كَلَامَ الْوَاحِدِ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ ، مِمَّا يُبْطِلُ نَظْمَ الْكَلَامِ . وَقَالَ
الْحَسَنُ : الْمُرَادُ بِالطَّمَعِ الْيَقِينُ . وَقَالَ
الرَّازِيُّ : لَا يَسْتَقِيمُ هَذَا إِلَّا عَلَى مَذْهَبِنَا ، حَيْثُ قُلْنَا : إِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى اللَّهِ شَيْءٌ ، وَإِنَّهُ يَحْسُنُ مِنْهُ كُلُّ شَيْءٍ ، وَلَا اعْتِرَاضَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ فِي فِعْلِهِ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : أَوْقَفَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَفْسَهُ عَلَى الطَّمَعِ فِي الْمَغْفِرَةِ ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى شِدَّةِ خَوْفِهِ مَعَ مَنْزِلَتِهِ وَخَلَّتِهِ .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : خَطِيئَتِي عَلَى الْإِفْرَادِ ،
وَالْحَسَنُ : خَطَايَايَ عَلَى الْجَمْعِ ، وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّهَا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=89إِنِّي سَقِيمٌ ) وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=63بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ ) وَ " هِيَ أُخْتِي " فِي سَارَّةَ . وَقَالَتْ فِرْقَةٌ : أَرَادَ بِالْخَطِيئَةِ اسْمَ الْجِنْسِ ، قَدَّرَهَا فِي كُلِّ أَمْرِهِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَهَذَا أَظْهَرُ عِنْدِي ، لِأَنَّ تِلْكَ الثَّلَاثَ قَدْ خَرَّجَهَا كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْمَعَارِيضِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : الْمُرَادُ مَا يَنْدُرُ مِنْهُ فِي بَعْضِ الصَّغَائِرِ ، لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ - عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَعْصُومُونَ مُخْتَارُونَ عَلَى الْعَالَمِينَ ، وَهِيَ قَوْلُهُ . . . . وَذَكَرَ الثَّلَاثَةَ ، ثُمَّ قَالَ وَمَا هِيَ إِلَّا مَعَارِيضُ ، كَلَامٌ وَتَخَيُّلَاتٌ لِلْكَفَرَةِ ، وَلَيْسَتْ بِخَطَايَا يُطْلَبُ لَهَا الِاسْتِغْفَارُ . ( فَإِنْ قُلْتَ ) : إِذَا لَمْ يَنْدُرْ مِنْهُمْ إِلَّا الصَّغَائِرُ ، وَهِيَ تَقَعُ مُكَفَّرَةً ، فَمَا لَهُ أَثْبَتَ لِنَفْسِهِ خَطِيئَةً أَوْ خَطَايَا ، وَطَمِعَ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ ؟ ( قُلْتُ : الْجَوَابُ ) مَا سَبَقَ ، أَنَّ اسْتِغْفَارَ الْأَنْبِيَاءِ تَوَاضُعٌ مِنْهُمْ لِرَبِّهِمْ وَهَضْمٌ لِأَنْفُسِهِمْ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ : أَطْمَعُ ، وَلَمْ يَجْزِمِ الْقَوْلَ . انْتَهَى . وَ ( يَوْمَ الدِّينِ ) ظَرْفٌ ، وَالْعَامِلُ فِيهِ يَغْفِرُ ، وَالْغُفْرَانُ ، وَإِنْ كَانَ فِي الدُّنْيَا ، فَأَثَرُهُ لَا يَتَبَيَّنُ إِلَّا يَوْمَ الْجَزَاءِ ، وَهُوَ فِي الدُّنْيَا لَا يُعْلَمُ إِلَّا بِإِعْلَامِ اللَّهِ - تَعَالَى . وَضَعَّفَ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ حَمْلَ الْخَطِيئَةِ عَلَى تِلْكَ الثَّلَاثِ ، لِأَنَّ نِسْبَةَ مَا لَا يُطَابِقُ إِلَى
إِبْرَاهِيمَ غَيْرُ جَائِزٍ ، وَحَمَلَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّوَاضُعِ قَالَ : لِأَنَّهُ إِنْ طَابَقَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ زَالَ الْإِشْكَالُ ، وَإِنْ لَمْ يُطَابِقْ رَجَعَ حَاصِلُ الْجَوَابِ إِلَى إِلْحَاقِ الْمَعْصِيَةِ بِهِ ، لِأَجْلِ تَنْزِيهِهِ عَنِ الْمَعْصِيَةِ . قَالَ : وَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى تَرْكِ الْأَوْلَى ، وَقَدْ يُسَمَّى خَطَأً . فَإِنَّ مَنْ بَاعَ جَوْهَرَةً تُسَاوِي أَلْفًا بِدِينَارٍ ، قِيلَ : أَخْطَأَ ، وَتَرْكُ الْأَوْلَى عَلَى الْأَنْبِيَاءِ جَائِزٌ . انْتَهَى ، وَفِيهِ بَعْضُ تَلْخِيصٍ وَتَبْدِيلِ أَلْفَاظٍ لِلْأَدَبِ بِمَا يُنَاسِبُ مَقَامَ النُّبُوَّةِ .
وَقَدَّمَ
إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الثَّنَاءَ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى ، وَذَكَرَهُ بِالْأَوْصَافِ الْحَسَنَةِ بَيْنَ يَدَيْ طَلِبَتِهِ وَمَسْأَلَتِهِ ، ثُمَّ سَأَلَهُ - تَعَالَى - فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=83رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا ) فَدَلَّ عَلَى أَنَّ تَقْدِيمَ الثَّنَاءِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ مِنَ الْمُهِمَّاتِ .
[ ص: 26 ] وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ هُوَ الْفَصْلُ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ . وَقِيلَ : الْحُكْمُ : الْحِكْمَةُ وَالنُّبُوَّةُ ، لِأَنَّهَا حَاصِلَةٌ تَتْلُو طَلَبَ النُّبُوَّةِ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ذُو حِكْمَةٍ وَذُو حُكْمٍ بَيْنَ النَّاسِ . وَقَالَ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ : لَا يَجُوزُ تَفْسِيرُ الْحُكْمِ بِالنُّبُوَّةِ ؛ لِأَنَّهَا حَاصِلَةٌ ، فَلَوْ طَلَبَ النُّبُوَّةَ لَكَانَتْ مَطْلُوبَةً ، إِمَّا عَيْنُ الْحَاصِلَةِ أَوْ غَيْرُهَا . وَالْأَوَّلُ مُحَالٌ ؛ لِأَنَّ تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ مُحَالٌ ، وَالثَّانِي مُحَالٌ ؛ لِأَنَّهُ يُمْنَعُ أَنْ يَكُونَ الشَّخْصُ الْوَاحِدُ نَبِيًّا مَرَّتَيْنِ ، بَلِ الْمُرَادُ مِنَ الْحُكْمِ مَا هُوَ كَمَالُ النُّبُوَّةِ الْعَمَلِيَّةِ ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْخَيْرِ لِأَجْلِ الْعَمَلِ بِهِ . انْتَهَى . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَقَدْ فَسَّرَ الْحُكْمَ بِالْحِكْمَةِ وَالنُّبُوَّةِ ، قَالَ : وَدُعَاؤُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي مِثْلِ هَذَا هُوَ فِي التَّثَبُّتِ وَالدَّوَامِ . وَإِلْحَاقُهُ بِالصَّالِحِينَ : تَوْفِيقُهُ لِعَمَلٍ يَنْتَظِمُهُ فِي جُمْلَتِهِمْ ، أَوْ يَجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فِي الْجَنَّةِ . وَقَدْ أَجَابَهُ - تَعَالَى 0 حَيْثُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=130وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ) .
قَالَ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ : وَإِنَّمَا قَدَّمَ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=83هَبْ لِي حُكْمًا ) عَلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=83وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ) لِأَنَّ الْقُوَّةَ النَّظَرِيَّةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْقُوَّةِ الْعَمَلِيَّةِ ، لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْلَمَ الْحَقَّ ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ ، وَعَكْسُهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ ، لِأَنَّ الْعِلْمَ صِفَةُ الرُّوحِ ، وَالْعَمَلَ صِفَةُ الْبَدَنِ ، وَكَمَا أَنَّ الرُّوحَ أَشْرَفُ مِنَ الْبَدَنِ ، كَذَلِكَ الْعِلْمُ أَفْضَلُ مِنَ الْإِصْلَاحِ . انْتَهَى . وَلِسَانُ الصِّدْقِ ، قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : هُوَ الثَّنَاءُ وَتَخْلِيدُ الْمَكَانَةِ بِإِجْمَاعٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ . وَكَذَلِكَ أَجَابَ اللَّهُ دَعْوَتَهُ ، فَكُلُّ مِلَّةٍ تَتَمَسَّكُ بِهِ وَتُعَظِّمُهُ ، وَهُوَ عَلَى الْحَنِيفِيَّةِ الَّتِي جَاءَ بِهَا
مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17140مَكِّيٌّ : وَقِيلَ : مَعْنَى سُؤَالِهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ مَنْ يَقُومُ بِالْحَقِّ ، فَأُجِيبَتِ الدَّعْوَةُ فِي
مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهَذَا مَعْنًى حَسَنٌ ، إِلَّا أَنَّ لَفْظَ الْآيَةِ لَا يُعْطِيهِ إِلَّا بِتَحَكُّمٍ عَلَى اللَّفْظِ . انْتَهَى . وَلَمَّا طَلَبَ سَعَادَةَ الدُّنْيَا ، طَلَبَ سَعَادَةَ الْآخِرَةِ ، وَهِيَ جَنَّةُ النَّعِيمِ ، وَشَبَّهَهَا بِمَا يُوَرَّثُ ، لِأَنَّهُ الَّذِي يُقَسَّمُ فِي الدُّنْيَا شَبَّهَ غَنِيمَةَ الدُّنْيَا بِغَنِيمَةِ الْآخِرَةِ ، وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=63تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا ) .
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ مَطَالِبِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لِنَفْسِهِ ، طَلَبَ لِأَشَدِّ النَّاسِ الْتِصَاقًا بِهِ ، وَهُوَ أَصْلُهُ الَّذِي كَانَ نَاشِئًا عَنْهُ ، وَهُوَ أَبُوهُ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=86وَاغْفِرْ لِأَبِي ) وَطَلَبُهُ الْمَغْفِرَةَ مَشْرُوطٌ بِالْإِسْلَامِ ، وَطَلَبُ الْمَشْرُوطِ يَتَضَمَّنُ طَلَبَ الشَّرْطِ ، فَحَاصِلُهُ : أَنَّهُ دَعَا بِالْإِسْلَامِ . وَكَانَ وَعْدُهُ ذَلِكَ يُوَضِّحُهُ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=114وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ ) أَيِ الْمُوَافَاةُ عَلَى الْكُفْرِ تَبَرَّأَ مِنْهُ . وَقِيلَ : كَانَ قَالَ لَهُ إِنَّهُ عَلَى دِينِهِ بَاطِنًا وَعَلَى دِينِ نُمْرُوذَ ظَاهِرًا ، تَقِيَّةً وَخَوْفًا ، فَدَعَا لَهُ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ خِلَافُ ذَلِكَ تَبَرَّأَ مِنْهُ ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي دُعَائِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=86وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ ) . فَلَوْلَا اعْتِقَادُهُ أَنَّهُ فِي الْحَالِ لَيْسَ بِضَالٍّ مَا قَالَ ذَلِكَ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=87وَلَا تُخْزِنِي ) إِمَّا مِنَ الْخِزْيِ ، وَهُوَ الْهَوَانُ ، وَإِمَّا مِنَ الْخِزَايَةِ ، وَهِيَ الْحَيَاءُ . وَالضَّمِيرُ فِي ( يُبْعَثُونَ ) ضَمِيرُ الْعِبَادِ ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ ، أَوْ ضَمِيرُ ( الضَّالِّينَ ) وَيَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ الِاسْتِغْفَارِ ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ الْمَعْنَى : يَوْمَ يُبْعَثُ الضَّالُّونَ . وَأَتَى فِيهِمْ : ( يَوْمَ لَا يَنْفَعُ ) بَدَلًا مِنْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=87يَوْمَ يُبْعَثُونَ ) . (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=88مَالٌ وَلَا بَنُونَ ) أَيْ كَمَا يَنْفَعُ فِي الدُّنْيَا يَفْدِيهِ مَالُهُ وَيَذُبُّ عَنْهُ بَنُوهُ . وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِالْبَنِينَ جَمِيعُ الْأَعْوَانِ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى يَوْمَ لَا يَنْفَعُ إِعْلَاقٌ بِالدُّنْيَا وَمَحَاسِنِهَا ، فَقَصَدَ مِنْ ذَلِكَ الذِّكْرَ الْعَظِيمَ وَالْأَكْثَرَ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ وَالْبَنِينَ هِيَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا . وَالظَّاهِرُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ ، أَيْ لَكِنْ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ يَنْفَعُهُ سَلَامَةُ قَلْبِهِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعًا ، وَلَا بُدَّ لَكَ مَعَ ذَلِكَ مِنْ تَقْدِيرِ الْمُضَافِ ، وَهُوَ الْحَالُ الْمُرَادُ بِهَا السَّلَامَةُ ، وَلَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْمَالِ وَالْبَنِينَ حَتَّى يَئُولَ الْمَعْنَى إِلَى أَنَّ الْمَالَ وَالْبَنِينَ لَا يَنْفَعَانِ ، وَإِنَّمَا يَنْفَعُ سَلَامَةُ الْقَلْبِ ، وَلَوْ لَمْ يُقَدَّرِ الْمُضَافُ لَمْ يَتَحَصَّلْ لِلِاسْتِثْنَاءِ مَعْنًى . انْتَهَى . وَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إِلَى حَذْفِ مُضَافٍ ، كَمَا ذُكِرَ ، إِذْ قَدَّرْنَاهُ ، لَكِنْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=89مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) يَنْفَعُهُ ذَلِكَ ، وَقَدْ جَعَلَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ فِي أَوَّلِ تَوْجِيهٍ مُتَّصِلًا بِتَأْوِيلٍ ، قَالَ : إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ : إِلَّا حَالَ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ، وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِ :
تَحِيَّــةُ بَيْنِهِــمْ ضَــرْبٌ وَجِيــعٌ
وَمَا ثَوَابُهُ إِلَّا السَّيْفُ .
وَمِثَالُهُ أَنْ يُقَالَ : هَلْ لِزَيْدٍ
[ ص: 27 ] مَالٌ وَبَنُونَ ؟ فَيَقُولُ : مَالُهُ وَبَنُوهُ سَلَامَةُ قَلْبِهِ ، تُرِيدُ نَفْيَ الْمَالِ وَالْبَنِينَ عَنْهُ ، وَإِثْبَاتَ سَلَامَةِ الْقَلْبِ لَهُ بَدَلًا عَنْ ذَلِكَ . وَإِنْ شِئْتَ حَمَلْتَ الْكَلَامَ عَلَى الْمَعْنَى ، وَجَعَلْتَ الْمَالَ وَالْبَنِينَ فِي مَعْنَى الْغِنَى ، كَأَنَّهُ قِيلَ : يَوْمَ لَا يَنْفَعُ غِنًى إِلَّا غِنَى مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ، لِأَنَّ غِنَى الرَّجُلِ فِي دِينِهِ بِسَلَامَةِ قَلْبِهِ ، كَمَا أَنَّ غِنَاهُ فِي دُنْيَاهُ بِمَالِهِ وَبَنِيهِ . انْتَهَى . وَجَعَلَهُ بَعْضُهُمُ اسْتِثْنَاءً مُفَرَّغًا ، فَمَنْ مَفْعُولٌ ، وَالتَّقْدِيرُ : لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ أَحَدًا إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ، فَإِنَّهُ يَنْفَعُهُ مَالُهُ الْمَصْرُوفُ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ ، وَبَنُوهُ الصُّلَحَاءُ ، إِذْ كَانَ أَنْفَقَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ ، وَأَرْشَدَ بَنِيهِ إِلَى الدِّينِ ، وَعَلَّمَهُمُ الشَّرَائِعَ وَسَلَامَةَ الْقَلْبِ - خُلُوصَهُ مِنَ الشِّرْكِ وَالْمَعَاصِي ، وَعِلَقِ الدُّنْيَا الْمَتْرُوكَةِ وَإِنْ كَانَتْ مُبَاحَةً كَالْمَالِ وَالْبَنِينَ . وَقَالَ سُفْيَانُ : هُوَ الَّذِي يَلْقَى رَبَّهُ وَلَيْسَ فِي قَلْبِهِ شَيْءٌ غَيْرَهُ ، وَهَذَا يَقْتَضِي عُمُومَهُ اللَّفْظُ ، وَلَكِنَّ السَّلِيمَ مِنَ الشِّرْكِ هُوَ الْأَعَمُّ . وَقَالَ
الْجُنَيْدُ : بِقَلْبٍ لَدِيغٍ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ، وَالسَّلِيمُ : اللَّدِيغُ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : هُوَ مِنْ بِدَعِ التَّفَاسِيرِ وَصَدَقَ .