(
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=183nindex.php?page=treesubj&link=28997ولا تبخسوا الناس أشياءهم ) الجملة والتي تليها تقدم الكلام عليهما . ولما تقدم أمره - عليه السلام - إياهم بتقوى الله ، أمرهم ثانيا بتقوى من أوجدهم وأوجد من قبلهم ، تنبيها على أن من أوجدهم قادر على أن يعذبهم ويهلكهم . وعطف عليهم (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=184والجبلة ) إيذانا بذلك ، فكأنه قيل : يصيركم إلى ما صار إليه أولوكم ، فاتقوا الله الذي تصيرون إليه . وقرأ الجمهور : " والجبلة " بكسر الجيم والباء وشد اللام . وقرأ
أبو حصين ،
nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش ،
والحسن : بخلاف عنه ، بضمها والشد للام . وقرأ
السلمي : " والجبلة " ، بكسر الجيم وسكون الباء ، وفي نسخة عنه : فتح الجيم وسكون الباء ، وهي من جبلوا على كذا ، أي خلقوا . قيل : وتشديد اللام في القراءتين في بناءين للمبالغة . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : الجبلة : عشرة آلاف . ( وما أنت ) جاء هنا بالواو ، وفي قصة
هود : ( ما أنت ) بغير واو . فقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : إذا دخلت الواو فقد قصد معنيان ، كلاهما مخالف للرسالة عندهم ، التسحير والبشرية ، وأن الرسول لا يجوز أن يكون مسحرا ، ولا يجوز أن يكون بشرا ، وإذا تركت الواو فلم يقصد إلا معنى واحد ، وهو كونه مسحرا ، ثم قرر بكونه بشرا . انتهى .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=186وإن نظنك لمن الكاذبين ) إن هي المخففة من الثقيلة ، واللام في " لمن " هي الفارقة ، خلافا للكوفيين ، فـ " إن " عندهم نافية واللام بمعنى إلا ، وتقدم الخلاف في نحو ذلك في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143وإن كانت لكبيرة ) في البقرة . ثم طلبوا منه إسقاط كسف ، من السماء عليهم ، وليس له ذلك ، فالمعنى : إن كنت صادقا ، فادفع الذي أرسلك أن يسقط علينا كسفا ، أي قطعة ، أو قطعا على حسب التسكين والتحريك . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وكلاهما جمع كسفة ، نحو : قطع وشذر . وقيل : الكسف والكسفة ، كالريع والريعة ، وهي القطعة وكسفة : قطعة ، والسماء : السحاب أو المظلة . ودل طلبهم ذلك على التصميم على الجحود والتكذيب . ولما طلبوا منه ما طلبوا ، أحال علم ذلك إلى الله - تعالى - وأنه هو العالم بأعمالكم ، وبما تستوجبون عليها من العقاب ، فهو يعاقبكم بما شاء .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=189فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة ) وهو نحو مما اقترحوا . ولم يذكر الله كيفية عذاب يوم الظلة ، حتى إن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : من حدثك ما عذاب يوم الظلة فقد كذب ، وذكر في حديثها تطويلات . فروى أنه حبس عنهم الريح سبعا ، فابتلوا بحر عظيم يأخذ بأنفاسهم ، لا ينفعهم ظل ولا ماء ، فاضطروا إلى أن خرجوا إلى البرية ، فأظلتهم سحابة وجدوا لها بردا ونسيما ، فاجتمعوا تحتها ، فأمطرت
[ ص: 39 ] عليهم نارا فأحرقتهم . وكرر ما كرر في أوائل هذه القصص ، تنبيها على أن طريقة الأنبياء واحدة لا اختلاف فيها ، وهي الدعاء إلى توحيد الله وعبادته ورفض ما سواه ، وأنهم ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - مشتركون في ذلك ، وأن ما جاء به - صلى الله عليه وسلم - هو ما جاءت به الرسل قبله ، وتلك عادة الأنبياء .
قال
ابن عطية : وجاءت الألفاظ في دعاء كل واحد من هؤلاء الأنبياء واحدة بعينها ، إذ كان الإيمان المدعو إليه معنى واحدا بعينه . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ( فإن قلت ) : كيف كرر في هذه السورة في أول كل قصة وآخرها ما كرر ؟ ( قلت ) : كل قصة منها كتنزيل برأسه ، وفيها من الاعتبار مثل ما في غيرها . فكانت كل واحدة منها تدلي بحق ، إلى أن تفتتح بمثل ما افتتحت به صاحبتها ، وأن تختتم بمثل ذلك مما اختتمت به ، ولأن التكرير تقرير للمعاني في النفوس ، وتثبيت لها في الصدور ، ولأن هذه القصص طرقت بهذا آذان وقر عن الإنصات للحق ، وقلوب غلف عن تدبره ، فأوثرت بالوعظ والتذكير ، وروجعت بالترديد والتكرير .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=183nindex.php?page=treesubj&link=28997وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ ) الْجُمْلَةُ وَالَّتِي تَلِيهَا تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا . وَلَمَّا تَقَدَّمَ أَمْرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِيَّاهُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ ، أَمَرَهُمْ ثَانِيًا بِتَقْوَى مَنْ أَوَجَدَهُمْ وَأَوْجَدَ مَنْ قَبْلَهُمْ ، تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ مَنْ أَوْجَدَهُمْ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُعَذِّبَهُمْ وَيُهْلِكَهُمْ . وَعَطَفَ عَلَيْهِمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=184وَالْجِبِلَّةَ ) إِيذَانًا بِذَلِكَ ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ : يُصَيِّرُكُمْ إِلَى مَا صَارَ إِلَيْهِ أَوَّلُوكُمْ ، فَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَصِيرُونَ إِلَيْهِ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : " وَالْجِبِلَّةَ " بِكَسْرِ الْجِيمِ وَالْبَاءِ وَشَدِّ اللَّامِ . وَقَرَأَ
أَبُو حَصِينٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13726وَالْأَعْمَشُ ،
وَالْحَسَنُ : بِخِلَافٍ عَنْهُ ، بِضَمِّهَا وَالشَّدِّ لِلَّامِ . وَقَرَأَ
السُّلَمِيُّ : " وَالْجِبْلَةَ " ، بِكَسْرِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْبَاءِ ، وَفِي نُسْخَةٍ عَنْهُ : فَتْحُ الْجِيمِ وَسُكُونُ الْبَاءِ ، وَهِيَ مِنْ جُبِلُوا عَلَى كَذَا ، أَيْ خُلِقُوا . قِيلَ : وَتَشْدِيدُ اللَّامِ فِي الْقِرَاءَتَيْنِ فِي بِنَاءَيْنِ لِلْمُبَالِغَةِ . وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ : الْجِبِلَّةُ : عَشَرَةُ آلَافٍ . ( وَمَا أَنْتَ ) جَاءَ هُنَا بِالْوَاوِ ، وَفِي قِصَّةِ
هُودٍ : ( مَا أَنْتَ ) بِغَيْرِ وَاوٍ . فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : إِذَا دَخَلَتِ الْوَاوُ فَقَدْ قُصِدَ مَعْنَيَانِ ، كِلَاهُمَا مُخَالِفٌ لِلرِّسَالَةِ عِنْدَهُمْ ، التَّسْحِيرُ وَالْبَشَرِيَّةُ ، وَأَنَّ الرَّسُولَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسَحَّرًا ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَشَرًا ، وَإِذَا تُرِكَتِ الْوَاوُ فَلَمْ يُقْصَدْ إِلَّا مَعْنًى وَاحِدٌ ، وَهُوَ كَوْنُهُ مُسَحَّرًا ، ثُمَّ قَرَّرَ بِكَوْنِهِ بَشَرًا . انْتَهَى .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=186وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ) إِنْ هِيَ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ ، وَاللَّامُ فِي " لَمِنَ " هِيَ الْفَارِقَةُ ، خِلَافًا لِلْكُوفِيِّينَ ، فَـ " إِنْ " عِنْدَهُمْ نَافِيَةٌ وَاللَّامُ بِمَعْنَى إِلَّا ، وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي نَحْوِ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً ) فِي الْبَقَرَةِ . ثُمَّ طَلَبُوا مِنْهُ إِسْقَاطَ كِسَفٍ ، مِنَ السَّمَاءِ عَلَيْهِمْ ، وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ، فَالْمَعْنَى : إِنْ كُنْتَ صَادِقًا ، فَادْفَعِ الَّذِي أَرْسَلَكَ أَنْ يُسْقِطَ عَلَيْنَا كِسَفًا ، أَيْ قِطْعَةً ، أَوْ قِطَعًا عَلَى حَسَبِ التَّسْكِينِ وَالتَّحْرِيكِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَكِلَاهُمَا جَمْعُ كِسْفَةٍ ، نَحْوَ : قِطَعٍ وَشِذَرٍ . وَقِيلَ : الْكِسَفُ وَالْكِسْفَةُ ، كَالرِّيعِ وَالرِّيعَةُ ، وَهِيَ الْقِطْعَةُ وَكِسْفَةٌ : قِطْعَةٌ ، وَالسَّمَاءُ : السَّحَابُ أَوِ الْمِظَلَّةُ . وَدَلَّ طَلَبُهُمْ ذَلِكَ عَلَى التَّصْمِيمِ عَلَى الْجُحُودِ وَالتَّكْذِيبِ . وَلَمَّا طَلَبُوا مِنْهُ مَا طَلَبُوا ، أَحَالَ عِلْمَ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى - وَأَنَّهُ هُوَ الْعَالِمُ بِأَعْمَالِكُمْ ، وَبِمَا تَسْتَوْجِبُونَ عَلَيْهَا مِنَ الْعِقَابِ ، فَهُوَ يُعَاقِبُكُمْ بِمَا شَاءَ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=189فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ ) وَهُوَ نَحْوٌ مِمَّا اقْتَرَحُوا . وَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ كَيْفِيَّةَ عَذَابِ يَوْمِ الظُّلَّةِ ، حَتَّى إِنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ : مَنْ حَدَّثَكَ مَا عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ فَقَدْ كَذَبَ ، وَذَكَرَ فِي حَدِيثِهَا تَطْوِيلَاتٍ . فَرَوَى أَنَّهُ حَبَسَ عَنْهُمُ الرِّيحَ سَبْعًا ، فَابْتُلُوا بِحَرٍّ عَظِيمٍ يَأْخُذُ بِأَنْفَاسِهِمْ ، لَا يَنْفَعُهُمْ ظِلٌّ وَلَا مَاءٌ ، فَاضْطُرُّوا إِلَى أَنْ خَرَجُوا إِلَى الْبَرِّيَّةِ ، فَأَظَلَّتْهُمْ سَحَابَةٌ وَجَدُوا لَهَا بَرْدًا وَنَسِيمًا ، فَاجْتَمَعُوا تَحْتَهَا ، فَأَمْطَرَتْ
[ ص: 39 ] عَلَيْهِمْ نَارًا فَأَحْرَقَتْهُمْ . وَكَرَّرَ مَا كَرَّرَ فِي أَوَائِلِ هَذِهِ الْقَصَصِ ، تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ طَرِيقَةَ الْأَنْبِيَاءِ وَاحِدَةٌ لَا اخْتِلَافَ فِيهَا ، وَهِيَ الدُّعَاءُ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ وَعِبَادَتِهِ وَرَفْضِ مَا سِوَاهُ ، وَأَنَّهُمْ وَرَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُشْتَرِكُونَ فِي ذَلِكَ ، وَأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ قَبْلَهُ ، وَتِلْكَ عَادَةُ الْأَنْبِيَاءِ .
قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَجَاءَتِ الْأَلْفَاظُ فِي دُعَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاءِ وَاحِدَةً بِعَيْنِهَا ، إِذْ كَانَ الْإِيمَانُ الْمَدْعُوُّ إِلَيْهِ مَعْنًى وَاحِدًا بِعَيْنِهِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : ( فَإِنْ قُلْتَ ) : كَيْفَ كَرَّرَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ فِي أَوَّلِ كُلِّ قِصَّةٍ وَآخِرِهَا مَا كَرَّرَ ؟ ( قُلْتُ ) : كُلُّ قِصَّةٍ مِنْهَا كَتَنْزِيلٍ بِرَأْسِهِ ، وَفِيهَا مِنَ الِاعْتِبَارِ مِثْلُ مَا فِي غَيْرِهَا . فَكَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا تُدْلِي بِحَقٍّ ، إِلَى أَنْ تُفْتَتَحَ بِمِثْلِ مَا افْتُتِحَتْ بِهِ صَاحِبَتُهَا ، وَأَنْ تُخْتَتَمَ بِمِثْلِ ذَلِكَ مِمَّا اخْتُتِمَتْ بِهِ ، وَلِأَنَّ التَّكْرِيرَ تَقْرِيرٌ لِلْمَعَانِي فِي النُّفُوسِ ، وَتَثْبِيتٌ لَهَا فِي الصُّدُورِ ، وَلِأَنَّ هَذِهِ الْقَصَصَ طُرِقَتْ بِهَذَا آذَانٌ وُقْرٌ عَنِ الْإِنْصَاتِ لِلْحَقِّ ، وَقُلُوبٌ غُلْفٌ عَنْ تَدَبُّرِهِ ، فَأُوثِرَتْ بِالْوَعْظِ وَالتَّذْكِيرِ ، وَرُوجِعَتْ بِالتَّرْدِيدِ وَالتَّكْرِيرِ .