(
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=59قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أم ما يشركون nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=60أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=61أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=62أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=63أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته أإله مع الله تعالى الله عما يشركون nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=64أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=65قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=66بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون ) .
[ ص: 88 ] لما فرغ من قصص هذه السورة ، أمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - بحمده - تعالى - والسلام على المصطفين ، وأخذ في مباينة واجب الوجود الله - تعالى - ومباينة الأصنام والأديان التي أشركوها مع الله وعبدوها . وابتدأ في هذا التقرير
لقريش وغيرهم بالحمدلة ، وكأنها صدر خطبة لما يلقي من البراهين الدالة على الوحدانية والعلم والقدرة . وقد اقتدى بذلك المسلمون في تصانيف كتبهم وخطبهم ووعظهم ، فافتتحوا بتحميد الله ، والصلاة على
محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتبعهم المترسلون في أوائل كتب الفتوح والتهاني والحوادث التي لها شأن . وقيل : هو متصل بما قبله ، وأمر الرسول - عليه السلام - بتحميد الله على هلاك الهالكين من كفار الأمم ، والسلام على الأنبياء وأتباعهم الناجين .
وقيل : " قل " ، خطاب
للوط - عليه السلام - أن يحمد الله على هلاك كفار قومه (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=59ويسلم على عباده الذين اصطفى ) . وعزا هذا القول
ابن عطية للفراء ، وقال : هذه عجمة من
الفراء . وقرأ
أبو السماك : ( قل الحمد لله ) ، وكذا : " قل الحمد لله سيريكم " بفتح اللام ، وعباده المصطفون ، يعم الأنبياء وأتباعهم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : العباد المسلم عليهم هم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اصطفاهم لنبيه ، وفي اختصاصهم بذلك توبيخ للمعاصرين من الكفار . وقال
أبو عبد الله الرازي : لما ذكر - تعالى - أحوال الأنبياء ، وأن من كذبهم استؤصل بالعذاب ، وأن ذلك مرتفع عن أمة الرسول ، أمره - تعالى - بحمده على ما خصه من هذه النعمة ، وتسليمه على الأنبياء الذين صبروا على مشاق الرسالة . انتهى ، وفيه تلخيص .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=59nindex.php?page=treesubj&link=28998_29437آلله خير أما يشركون ) استفهام فيه تبكيت وتوبيخ وتهكم بحالهم ، وتنبيه على موضع التباين بين الله - تعالى - وبين الأوثان ، إذ معلوم عند من له عقل أنه لا شركة في الخيرية بين الله - تعالى - وبينهم ، وكثيرا ما يجيء هذا النوع من أفعل التفضيل حيث يعلم ويتحقق أنه لا شركة فيها وإنما يذكر على سبيل إلزام الخصم وتنبيهه على خطأ مرتكبه . والظاهر أن هذا الاستفهام هو عن خبرية الذوات ، فقيل : جاء على اعتقاد المشركين حيث اعتقدوا في آلهتهم خيرا بوجه ما ، وقيل : في الكلام حذف في موضعين ، التقدير : أتوحيد الله خير أم عبادة ما يشركون ؟ فما في أم ما بمعنى الذي . وقيل : ما مصدرية ، والحذف من الأول ، أي أتوحيد الله خير أم شرككم ؟ وقيل : خير ليست للتفضيل ، فهي كما تقول : الصلاة خير ، يعني خيرا من الخيور . وقيل : التقدير ذو خير . والظاهر أن خيرا أفعل التفضيل ، وأن الاستفهام في نحو هذا يجيء لبيان فساد ما عليه الخصم ، وتنبيهه على خطئه ، وإلزامه الإقرار بحصر التفضيل في جانب واحد ، وانتفائه عن الآخر ، وقرأ الجمهور : " تشركون " ، بتاء الخطاب ؛
والحسن ،
[ ص: 89 ] وقتادة ،
وعاصم ،
وأبو عمرو : بياء الغيبة . وأم في " أم ما " متصلة ، لأن المعنى : أيهما خير ؟ وفي ( أم من خلق ) وما بعده منفصلة . ولما ذكر الله خيرا ، عدد - سبحانه - الخيرات والمنافع التي هي آثار رحمته وفضله ، كما عددها في غير موضع من كتابه ، توقيفا لهم على ما أبدع من المخلوقات ، وأنهم لا يجدون بدا من الإقرار بذلك لله تعالى .
وقرأ الجمهور : " أمن خلق " ، وفي الأربعة بعدها بشد الميم ، وهي ميم أم أدغمت في ميم من . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش : بتخفيفها جعلها همزة الاستفهام ، أدخلت على من ، ومن في القراءتين مبتدأ وخبره . قال
ابن عطية : تقديره : يكفر بنعمته ويشك به ، ونحو هذا من المعنى . وقدره
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : خير أما يشركون ، فقدر ما أثبت في الاستفهام الأول ؛ بدأ أولا في الاستفهام باسم الذات ، ثم انتقل فيه إلى الصفات . وقال
أبو الفضل الرازي في ( كتاب اللوامح ) له : ولا بد من إضمار جملة معادلة ، وصار ذلك المضمر كالمنطوق به لدلالة الفحوى عليه . وتقدير تلك الجملة : أمن خلق السماوات كمن لم يخلق ، وكذلك أخواتها ، وقد أظهر في غير هذا الموضع ما أضمر فيها لقوله - تعالى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=17أفمن يخلق كمن لا يخلق ) . انتهى . وتسمية هذا المقدر جملة ، إن أراد بها جملة من الألفاظ فهو صحيح ، وإن أراد الجملة المصطلح عليها في النحو فليس كذلك ، بل هو مضمر من قبيل المفرد . وبدأ - تعالى - بذكر إنشاء مقر العالم العلوي والسفلي ، وإنزال ما به قوام العالم السفلي وقال : ( لكم ) أي لأجلكم ، على سبيل الامتنان ، وأن ذلك من أجلكم . ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=60فأنبتنا ) وهذا التفات من الغيبة إلى التكلم بنون العظمة دالا على اختصاصه بذلك ، وأنه لم ينبت تلك الحدائق المختلفة الأصناف والألوان والطعوم والروائح بماء واحد إلا هو - تعالى . وقد رشح هذا الاختصاص بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=60ما كان لكم أن تنبتوا شجرها ) .
ولما كان
nindex.php?page=treesubj&link=28661خلق السماوات والأرض ، وإنزال الماء من السماء ، لا شبهة للعاقل في أن ذلك لا يكون إلا لله ، وكان الإنبات مما قد يتسبب فيه الإنسان بالبذر والسقي والتهيئة ، ويسوغ لفاعل السبب نسبة فعل المسبب إليه ، بين - تعالى - اختصاصه بذلك بطريق الالتفات وتأكيد ذلك بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=60ما كان لكم أن تنبتوا شجرها ) . ألا ترى أن المتسبب لذلك قد لا يأتي على وفق مراده ؟ ولو أتى فهو جاهل بطبعه ومقداره وكيفيته ، فكيف يكون فاعلا لها ؟ والبهجة : الجمال والنضرة والحسن ؛ لأن الناظر فيها يبتهج ، أي يسر ويفرح . وقرأ الجمهور : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=60ذات ) بالإفراد (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=60بهجة ) بسكون الهاء ، وجمع التكسير يجري في الوصف مجرى الواحدة ، كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25أزواج مطهرة ) وهو على معنى جماعة . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=12356ابن أبي عبلة ، " ذوات " ، بالجمع ، بهجة بتحريك الهاء بالفتح .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=60ما كان لكم أن تنبتوا شجرها ) قد تقدم أن نفي مثل هذه الكينونة قد يكون ذلك لاستحالة وقوعه كهذا ، أو لامتناع وقوعه شرعا ، أو لنفي الأولوية . والمعنى هنا : أن إنبات ذلك منكم محال ؛ لأنه إبراز شيء من العدم إلى الوجود ، وهذا ليس بمقدور إلا لله تعالى . ولما ذكر منته عليهم ، خاطبهم بذلك ؛ ثم لما ذكر ذمهم ، عدل من الخطاب إلى الغيبة فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=60بل هم قوم يعدلون ) إما التفاتا ، وإما إخبارا للرسول - صلى الله عليه وسلم - بحالهم ، أي يعدلون عن الحق ، أو يعدلون به غيره ، أي يجعلون له عديلا ومثيلا . وقرئ : إلها ، بالنصب ، بمعنى : أتدعون أو أتشركون ؟ وقرئ : أإله ، بتخفيف الهمزتين وتليين الثانية ، والفصل بينهما بألف . ولما ذكر - تعالى - أنه منشئ السماوات والأرض ، ذكر شيئا مشتركا بين السماء والأرض ، وهو إنزال الماء من السماء وإنبات الحدائق بالأرض ، ذكر شيئا مختصا بالأرض ، وهو جعلها قرارا ، أي مستقرا لكم ، بحيث يمكنكم الإقامة بها والاستقرار عليها ، ولا يديرها الفلك ، قيل : لأنها مضمحلة في جنب الفلك ، كالنقطة في الرحى .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=61وجعل خلالها ) أي بين أماكنها ، في شعابها وأوديتها (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=61أنهارا وجعل لها رواسي ) أي جبالا ثوابت حتى لا تتكفأ بكم وتميد . والبحران : العذب والملح ، والحاجز : الفاصل ، من قدرته - تعالى - ، قاله
الضحاك . وقال
مجاهد : بحر السماء
[ ص: 90 ] والأرض ، والحاجز من الهواء . وقال
الحسن : بحر
فارس والروم ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : بحر
العراق والشام ، والحاجز من الأرض . قال
ابن عطية : مختارا لهذا القول في الحاجز : هو ما جعل الله بينهما من حواجز الأرض وموانعها ، على رقتها في بعض المواضع ، ولطافتها التي لولا قدرته لبلع الملح العذب . وكان
ابن عطية قد قدم أن البحرين : العذب بجملته ، والماء الأجاج بجملته ؛ ولما كانت كل واحدة منه عظيمة مستقلة ، تكرر فيها العامل في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=61وجعل ) فكانت من عطف الجمل المستقل كل واحدة منها بالامتنان ، ولم يشرك في عامل واحد فيكون من عطف المفردات . ولأبي
عبد الله الرازي في ذكر هذه الامتنانات الأربع كلام من علم الطبيعة - والحكماء على زعمه - خارج عن مذاهب العرب ، يوقف عليه في كتابه . والمضطر : اسم مفعول ، وهو الذي أحوجه مرض أو فقر أو حادث من حوادث الدهر إلى الالتجاء إلى الله والتضرع إليه ، فيدعوه لكشف ما اعتراه من ذلك وإزالته عنه . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : هو المجهود . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : هو الذي لا حول ولا قوة له . وقيل : هو المذنب إذا استغفر ، وإجابته إياه مقرونة بمشيئته - تعالى - فليس كل مضطر دعا يجيبه الله في كشف ما به . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : الإجابة موقوفة على أن يكون المدعو به مصلحة ، ولهذا لا يحسن الدعاء إلا شارطا فيه المصلحة . انتهى ، وهو على طريق الاعتزال في مراعاة المصلحة من الله تعالى .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=62ويكشف السوء ) هو كل ما يسوء ، وهو عام في كل ضر انتقل من حالة المضطر ، وهو خاص إلى أعم ، وهو ما يسوء ، سواء كان المكشوف عنه في حالة الاضطرار أو فيما دونها . وخلفاء : أي الأمم السالفة ، أو في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أو خلفاء النبي - صلى الله عليه وسلم - من بعده ، أو خلفاء الكفار في أرضهم ، أو الملك والتسلط ، أقوال . وقرأ
الحسن في رواية : " ونجعلكم " بنون المتكلم ، كأنه استئناف إخبار ووعد ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=55ليستخلفنهم في الأرض ) .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=62ويجعلكم خلفاء الأرض ) انتقال من حالة المضطر إلى رتبة مغايرة لحالة الاضطرار ، وهي حالة الخلافة ، فهما ظرفان . وكم رأينا في الدنيا ممن بلغ حالة الاضطرار ثم صار ملكا متسلطا . وقرأ الجمهور : " تذكرون " ، بتاء الخطاب ؛
والحسن ،
nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش ،
وأبو عمرو : بياء الغيبة ، والذال في القراءتين مشددة لإدغام التاء فيها . وقرأ
أبو حيوة : تتذكرون ، بتاءين . وظلمة البر هي ظلمة الليل ، وهي الحقيقة ، وتنطلق مجازا على الجهل وعلى انبهام الأمر فيقال : أظلم علي الأمر . وقال الشاعر :
تجلت عمـايـات الرجـال عـن الصبـا
أي جهالات الصبا . وهداية البر تكون بالعلامات ، وهداية البحر بالنجوم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=63ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته ) تقدم تفسير نظير هذه الجملة . وقرئ : عما تشركون ، بتاء الخطاب . (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=64أمن يبدأ الخلق ) الظاهر أن الخلق هو المخلوق ، وبدؤه : اختراعه وإنشاؤه . ويظهر أن المقصود هو من يعيده الله في الآخرة من الإنس والجن والملك ، لا عموم المخلوق . وقال
ابن عطية : والمقصود بنو
آدم من حيث ذكر الإعادة ، والإعادة البعث من القبور ، ويحتمل أن يريد بالخلق مصدر خلق ، ويكون يبدأ ويعيد استعارة للإتقان والإحسان ، كما تقول : فلان يبدئ ويعيد في أمر كذا إذا كان يتقنه . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ( فإن قلت ) : كيف قال لهم أمن يبدأ الخلق ثم يعيده وهم منكرون الإعادة ؟ ( قلت ) : قد أنعم عليهم بالتمكين من المعرفة والإقرار ، فلم يبق لهم عذر في الإنكار . انتهى .
ولما كان إيجاد بني
آدم إنعاما إليهم وإحسانا ، ولا تتم النعمة إلا بالرزق قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=64ومن يرزقكم من السماء ) بالمطر (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=64والأرض ) بالنبات ؟ (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=64قل هاتوا برهانكم ) أي أحضروا حجتكم ودليلكم على ما تدعون من إنكار شيء مما تقدم تقريره (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=64إن كنتم صادقين ) في أن مع الله إلها آخر . فأين دليلكم عليه ؟ وهذا راجع إلى ما تقدم من جميع الاستفهام الذي جيء به على سبيل التقرير ، وناسب ختم كل استفهام بما تقدمه .
[ ص: 91 ] لما ذكر إيجاد العالم العلوي والسفلي ، وما امتن به من إنزال المطر وإنبات الحدائق ، اقتضى ذلك أن لا يعبد إلا موجد العالم والممتن بما به قوام الحياة ، فختم بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=60بل هم قوم يعدلون ) أي عن عبادته ، أو يعدلون به غيره مما هو مخلوق مخترع . ولما ذكر جعل الأرض مستقرا ، وتفجير الأنهار ، وإرساء الجبال ، وكان ذلك تنبيها على تعقل ذلك والفكر فيه ، ختم بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=61بل أكثرهم لا يعلمون ) إذ كان فيهم من يعلم ويفكر في ذلك . ولما ذكر إجابة دعاء المضطر ، وكشف السوء ، واستخلافهم في الأرض ، ناسب أن يستحضر الإنسان دائما هذه المنة ، فختم بقوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=62قليلا ما تذكرون " ، إشارة إلى توالي النسيان إذا صار في خير وزال اضطراره وكشف السوء عنه ، كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=8نسي ما كان يدعو إليه من قبل ) . ولما ذكر الهداية في الظلمات ، وإرسال الرياح نشرا ، ومعبوداتهم لا تهدي ولا ترسل ، وهم يشركون بها الله ، قال - تعالى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=63عما يشركون ) . واعتقب كل واحدة من هذه الجمل قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=60أإله مع الله ) على سبيل التوكيد والتقرير أنه لا إله إلا هو تعالى .
قيل : سأل الكفار عن وقت القيامة التي وعدهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - وألحوا عليه ، فنزل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=65قل لا يعلم من في السماوات والأرض ) الآية . والمتبادر إلى الذهن أن من فاعل بـ " يعلم " ، و " الغيب " مفعول ، و " إلا الله " استثناء منقطع لعدم اندراجه في مدلول لفظ من ، وجاء مرفوعا على لغة
تميم ، ودلت الآية على أنه تعالى هو المنفرد بعلم الغيب . وعن
عائشة - رضي الله عنها - : من زعم أن
محمدا يعلم ما في غد ، فقد أعظم الفرية على الله ، والله - تعالى - يقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=65قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله ) ولا يقال : إنه مندرج في مدلول من ، فيكون في السماوات والأرض ظرفا حقيقيا للمخلوقين فيهما ، ومجازيا بالنسبة إليه تعالى ، أي هو فيها بعلمه ؛ لأن في ذلك جمعا بين الحقيقة والمجاز ، وأكثر العلماء ينكر ذلك ، وإنكاره هو الصحيح . ومن أجاز ذلك فيصح عنده أن يكون استثناء متصلا ، وارتفع على البدل أو الصفة ، والرفع أفصح من النصب على الاستثناء ؛ لأنه استثناء من نفي متقدم ، والظاهر عموم الغيب . وقيل : المراد غيب الساعة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ( فإن قلت ) : ما الداعي إلى اختيار المذهب التميمي على الحجازي ؟ يعني في كونه استثناء منقطعا ، إذ ليس مندرجا تحت " من " ، ولم أختر الرفع على لغة
تميم ، ولم نختر النصب على لغة الحجاز ، قال : ( قلت ) : دعت إلى ذلك نكتة سرية ، حيث أخرج المستثنى مخرج قوله : إلا اليعافير ، بعد قوله : ليس بها أنيس ، ليئول المعنى إلى قولك : إن كان الله ممن في السماوات والأرض ، فهم يعلمون الغيب ، يعني أن علمهم الغيب في استحالته كاستحالة أن يكون الله منهم . كما أن معنى : ما في البيت إن كانت اليعافير أنيسا ، ففيها أنيس بناء للقول بخلوها عن الأنيس . انتهى . وكان
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري قد قدم قوله : ( فإن قلت ) : لم أرفع اسم الله ، والله سبحانه أن يكون ممن في السماوات والأرض ؟ ( قلت ) : جاء على لغة
بني تميم ، حيث يقولون : ما في الدار أحد إلا حمار ، كأن أحدا لم يذكر ، ومنه قوله :
عشية ما تغني الرماح مكانها ولا النبل إلا المشرفي المصمم
وقوله : ما أتاني زيد إلا عمرو ، وما أعانه إخوانكم إلا إخوانه . انتهى . وملخصه أنه يقول : لو نصب لكان مندرجا تحت المستثنى منه ، وإذا رفع كان بدلا ، والمبدل منه في نية الطرح ، فصار العامل كأنه مفرغ له ؛ لأن البدل على نية تكرار العامل ، فكأنه قيل : قل لا يعلم الغيب إلا الله . ولو أعرب " من " مفعولا ، و " الغيب " بدل منه ، وإلا الله هو الفاعل ، أي لا يعلم غيب من في السماوات والأرض إلا الله ، أي الأشياء الغائبة التي تحدث في العالم ، وهم لا يعلمون بحدوثها ، أي لا يسبق علمهم بذلك ، لكان وجها حسنا ، وكان الله - تعالى - هو المخصوص بسابق علمه فيما يحدث في العالم . وأيان : تقدم الكلام فيها في أواخر الأعراف ، وهي هنا اسم استفهام بمعنى متى ، وهي معمولة لـ " يبعثون " و " يشعرون " معلق ، والجملة التي فيها
[ ص: 92 ] استفهام في موضع نصب به . وقرأ
السلمي : إيان ، بكسر الهمزة ، وهي لغة قبيلته
بني سليم . ولما نفى علم الغيب عنهم على العموم ، نفى عنهم هذا الغيب المخصوص ، وهو وقت الساعة والبعث ، فصار منتفيا مرتين ؛ إذ هو مندرج في عموم الغيب ومنصوص عليه بخصوصه .
وقرأ الجمهور : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=66بل ادارك ) أصله تدارك ، فأدغمت التاء في الدال فسكنت ، فاجتلبت همزة الوصل . وقرأ
أبي : أم تدارك ، على الأصل ، وجعل أم بدل . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16049سليمان بن يسار أخوه : بل ادرك ، بنقل حركة الهمزة إلى اللام ، وشد الدال بناء على أن وزنه افتعل ، فأدغم الدال ، وهي فاء الكلمة في التاء بعد قلبها دالا ، فصار قلب الثاني للأول لقولهم : اثرد ، وأصله اثترد من الثرد ، والهمزة المحذوفة المنقول حركتها إلى اللام هي همزة الاستفهام ، أدخلت على ألف الوصل فانحذفت ألف الوصل ، ثم انحذفت هي وألقيت حركتها على لام بل . وقرأ
أبو رجاء nindex.php?page=showalam&ids=13723والأعرج ،
وشيبة ،
وطلحة ،
وتوبة العنبري : كذلك ، إلا أنهم كسروا لام بل ؛ وروي ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
وعاصم ،
nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش . وقرأ
ابن كثير ،
وأبو عمرو ،
وأبو جعفر ، وأهل
مكة : بل ادرك ، على وزن افعل ، بمعنى تفاعل ، ورويت عن
أبي بكر ، عن
عاصم . وقرأ
عبد الله في رواية ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس في رواية ،
nindex.php?page=showalam&ids=12486وابن أبي جمرة ، وغيره عنه ، والحسن ،
وقتادة ،
وابن محيصن : بل آدرك ، بمدة بعد همزة الاستفهام ، وأصله أأدرك ، فقلب الثانية ألفا تخفيفا ، كراهة الجمع بين همزتين ، وأنكر
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبو عمرو بن العلاء هذه الرواية ووجهها . وقال
أبو حاتم : لا يجوز الاستفهام بعد بل ؛ لأن بل إيجاب ، والاستفهام في هذا الموضع إنكار بمعنى : لم يكن كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=19أشهدوا خلقهم ) أي لم يشهدوا ، فلا يصح وقوعهما معا للتنافي الذي بين الإيجاب والإنكار . انتهى . وقد أجاز بعض المتأخرين الاستفهام بعد بل ، وشبهه بقول القائل : أخبزا أكلت بل أماء شربت ؟ على ترك الكلام الأول والأخذ في الثاني . وقرأ
مجاهد : أم ادرك ، جعل أم بدل بل ، وادرك على وزن افعل . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أيضا : بل آدارك ، بهمزة داخلة على ادارك ، فيسقط همزة الوصل المجتلبة ، لأجل الإدغام والنطق بالساكن . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود أيضا : بل أأدرك ، بهمزتين ، همزة الاستفهام وهمزة أفعل . وقرأ
الحسن أيضا ،
nindex.php?page=showalam&ids=13723والأعرج : بل أدرك ، بهمزة وإدغام فاء الكلمة ، وهي الدال في تاء افتعل ، بعد صيرورة التاء دالا . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=17274ورش في رواية : بل ادرك ، بحذف همزة ادرك ونقل حركتها إلى اللام . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أيضا : بلى ادرك ، بحرف الإيجاب الذي يوجب به المستفهم المنفي . وقرئ : بل آأدرك ، بألف بين الهمزتين . فأما قراءة من قرأ بالاستفهام ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : هو للتقريع بمعنى لم يدرك علمهم على الإنكار عليهم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : هو استفهام على وجه الإنكار لإدراك علمهم ، وكذلك قراءة من قرأ : أم ادرك ، وأم تدارك ؛ لأنها أم التي بمعنى بل والهمزة . انتهى . وقال
ابن عطية : هو على معنى الهزء بالكفرة والتقرير لهم على ما هو في غاية البعد عنهم ، أي أعلموا أمر الآخرة وأدركها علمهم . وأما قراءة من قرأ على الخبر ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : المعنى : بل تدارك علمهم ما جهلوه في الدنيا ، أي علموه في الآخرة ، بمعنى : تكامل علمهم في الآخرة بأن كل ما وعدوا به حق ، وهذا حقيقة إثبات العلم لهم ، لمشاهدتهم عيانا في الآخرة ما وعدوا به غيبا في الدنيا ، وكونه بمعنى المضي ، ومعناه الاستقبال ، لأن الإخبار به صدق ، فكأنه قد وقع . وقال
ابن عطية : يحتمل معنيين : أحدهما : أنه تناهي علمهم ، كما تقول : أدرك النبات وغيره ، أي تناهى وتتابع علمهم بالآخرة إلى أن يعرفوا لها مقدارا فيؤمنوا ، وإنما لهم ظنون كاذبة ؛ أو إلى أن لا يعرفوا لها وقتا ، وتكون في بمعنى الباء متعلقة بعلمهم ، وقد تعدى العلم بالباء ، كما تقول : علمي بزيد كذا ، ويسوغ حمل هذه القراءة على معنى التوقيف والاستفهام ، وجاء إنكارا لأنهم لم يدركوا شيئا نافعا . والثاني : أن أدرك : بمعنى يدرك ، أي
[ ص: 93 ] علمهم في الآخرة يدرك وقت القيامة ، ويرون العذاب والحقائق التي كذبوا بها ، وأما في الدنيا فلا . وهذا تأويل
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، ونحا إليه
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج ، و " في " على بابها من الظرفية متعلقة بتدارك . انتهى ، وفيه بعض تلخيص وزيادة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : هو على وجهين : أحدهما : أن أسباب استحكام العلم وتكامله بأن القيامة كائنة لا ريب فيها قد حصلت لهم ومكنوا من معرفته وهم شاكون جاهلون ، وذلك قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=66بل هم في شك منها بل هم منها عمون ) يريد المشركين ممن في السماوات والأرض ؛ لأنهم لما كانوا في جملتهم نسب فعلهم إلى الجميع ، كما يقال : بنو فلان فعلوا كذا ، وإنما فعله ناس منهم . والوجه الثاني : أن وصفهم باستحكامه وتكامله تهكم بهم ، كما تقول لأجهل الناس : ما أعلمك ، على سبيل الهزء به ، وذلك حيث شكوا وعموا عن إتيانه الذي هو طريق إلى علم مشكوك ، فضلا عن أن يعرفوا وقت كونه الذي لا طريق إلى معرفته . وفي ادرك علمهم وادارك وجه آخر ، وهو أن يكون ادرك بمعنى انتهى وفني ، من قولهم : ادركت الثمرة ؛ لأن تلك غايتها التي عندها تعدم . وقد فسر الحسن باضمحل علمهم وتدارك ، من تدارك بنو فلان إذا تتابعوا في الهلاك . انتهى .
وقال
الكرماني : العلم هنا بمعنى الحكم والقول ، أي تتابع منهم القول والحكم في الآخرة ، وكثر منهم الخوض فيها ، فنفاها بعضهم ، وشك فيها بعضهم ، واستبعدها بعضهم . وقال
الفراء : بل ادرك ، فيصير بمعنى الجحد ، ولذلك نظائر ؛ أي لم يعلموا حدوثها وكونها ، ودل على ذلك (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=66بل هم في شك منها ) فصارت " في " في الكلام بمعنى الباء ، أي لم يدرك علمهم بالآخرة . قال
الفراء : ويقوي هذا الوجه قراءة من قرأ : أدرك ، بالاستفهام . انتهى . وأما قراءة من قرأ بلى بحرف الجواب بدل بل ، فقال
أبو حاتم : إن كان بلى جوابا لكلام تقدم ، جاز أن يستفهم به ، كأن قوما أنكروا ما تقدم من القدرة ، فقيل لهم : بلى إيجابا لما نفوا ثم استؤنف بعده الاستفهام وعودل بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=66بل هم في شك منها ) بمعنى : أم هم في شك منها ؛ لأن حروف العطف قد تتناوب ، وكف عن الجملتين بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=66بل هم منها عمون ) . انتهى . يعني أن المعنى : أدرك علمهم بالآخرة أم شكوا ؟ فـ ( بل ) بمعنى أم ، عودل بها الهمزة ، وهذا ضعيف جدا ، وهو أن تكون بل بمعنى أم وتعادل همزة الاستفهام .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ( فإن قلت ) : فمن قرأ بلى ادرك ؟ ( قلت ) : لما جاء ببلى بعد قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=65وما يشعرون ) كان معناه : بلى يشعرون ، ثم فسر الشعور بقوله : ادرك علمهم في الآخرة ، على سبيل التهكم الذي معناه المبالغة في نفي العلم ، فكأنه قال : شعورهم بوقت الآخرة أنهم لا يعلمون كونها ، فيرجع إلى المبالغة في نفي الشعور على أبلغ ما يكون . وأما من قرأ : بلى أدرك ؟ ، على الاستفهام فمعناه : يشعرون متى يبعثون ، ثم أنكر علمهم بكونها ، وإذا أنكر علمهم بكونها ، لم يتحصل لهم شعور بوقت كونها ؛ لأن العلم بوقت الكائن تابع للعلم بكون الكائن . ( فإن قلت ) : هذه الإضرابات الثلاث ما معناه ؟ ( قلت ) : ما هي إلا تنزيل لأحوالهم ، وصفهم أولا بأنهم لا يشعرون وقت البعث ، ثم بأنهم لا يعلمون أن القيامة كائنة ، ثم بأنهم يخبطون في شك ومرية فلا يزيلونه ، والإزالة مستطاعة ، وقد جعل الآخرة مبدأ عماهم ومنشأه ، فلذلك عداه بمن دون عن ؛ لأن العاقبة والجزاء هو الذي جعلهم كالبهائم لا يتدبرون ولا يبصرون . انتهى .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=59قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمْ مَا يُشْرِكُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=60أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=61أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=62أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=63أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=64أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=65قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=66بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ ) .
[ ص: 88 ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ قَصَصِ هَذِهِ السُّورَةِ ، أَمَرَ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَمْدِهِ - تَعَالَى - وَالسَّلَامِ عَلَى الْمُصْطَفَيْنَ ، وَأَخَذَ فِي مُبَايَنَةِ وَاجِبِ الْوُجُودِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَمُبَايِنَةِ الْأَصْنَامِ وَالْأَدْيَانِ الَّتِي أَشْرَكُوهَا مَعَ اللَّهِ وَعَبَدُوهَا . وَابْتَدَأَ فِي هَذَا التَّقْرِيرِ
لِقُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ بِالْحَمْدَلَةِ ، وَكَأَنَّهَا صَدْرُ خُطْبَةٍ لِمَا يُلْقِي مِنَ الْبَرَاهِينِ الدَّالَّةِ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ وَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ . وَقَدِ اقْتَدَى بِذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ فِي تَصَانِيفَ كُتُبِهِمْ وَخُطَبِهِمْ وَوَعْظِهِمْ ، فَافْتَتَحُوا بِتَحْمِيدِ اللَّهِ ، وَالصَّلَاةِ عَلَى
مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَبِعَهُمُ الْمُتَرَسِّلُونَ فِي أَوَائِلِ كُتُبِ الْفُتُوحِ وَالتَّهَانِي وَالْحَوَادِثِ الَّتِي لَهَا شَأْنٌ . وَقِيلَ : هُوَ مُتَّصِلٌ بِمَا قَبْلَهُ ، وَأَمَرَ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِتَحْمِيدِ اللَّهِ عَلَى هَلَاكِ الْهَالِكِينَ مِنْ كُفَّارِ الْأُمَمِ ، وَالسَّلَامِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَأَتْبَاعِهِمُ النَّاجِينَ .
وَقِيلَ : " قُلِ " ، خِطَابٌ
لِلُوطٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ عَلَى هَلَاكِ كُفَّارِ قَوْمِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=59وَيُسَلِّمُ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى ) . وَعَزَا هَذَا الْقَوْلَ
ابْنُ عَطِيَّةَ لِلْفَرَّاءِ ، وَقَالَ : هَذِهِ عُجْمَةٌ مِنَ
الْفَرَّاءِ . وَقَرَأَ
أَبُو السِّمَاكِ : ( قُلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ ) ، وَكَذَا : " قُلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرَيْكُمْ " بِفَتْحِ اللَّامِ ، وَعِبَادُهُ الْمُصْطَفَوْنَ ، يَعُمُّ الْأَنْبِيَاءَ وَأَتْبَاعَهُمْ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : الْعِبَادُ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِمْ هُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اصْطَفَاهُمْ لِنَبِيِّهِ ، وَفِي اخْتِصَاصِهِمْ بِذَلِكَ تَوْبِيخٌ لِلْمُعَاصِرِينَ مِنَ الْكُفَّارِ . وَقَالَ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ : لَمَّا ذَكَرَ - تَعَالَى - أَحْوَالَ الْأَنْبِيَاءِ ، وَأَنَّ مَنْ كَذَّبَهُمُ اسْتُؤْصِلَ بِالْعَذَابِ ، وَأَنَّ ذَلِكَ مُرْتَفِعٌ عَنْ أُمَّةِ الرَّسُولِ ، أَمَرَهُ - تَعَالَى - بِحَمْدِهِ عَلَى مَا خَصَّهُ مِنْ هَذِهِ النِّعْمَةِ ، وَتَسْلِيمِهِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ صَبَرُوا عَلَى مَشَاقِّ الرِّسَالَةِ . انْتَهَى ، وَفِيهِ تَلْخِيصٌ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=59nindex.php?page=treesubj&link=28998_29437آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ ) اسْتِفْهَامٌ فِيهِ تَبْكِيتٌ وَتَوْبِيخٌ وَتَهَكُّمٌ بِحَالِهِمْ ، وَتَنْبِيهٌ عَلَى مَوْضِعِ التَّبَايُنِ بَيْنَ اللَّهِ - تَعَالَى - وَبَيْنَ الْأَوْثَانِ ، إِذْ مَعْلُومٌ عِنْدَ مَنْ لَهُ عَقْلٌ أَنَّهُ لَا شَرِكَةَ فِي الْخَيْرِيَّةِ بَيْنَ اللَّهِ - تَعَالَى - وَبَيْنَهُمْ ، وَكَثِيرًا مَا يَجِيءُ هَذَا النَّوْعُ مِنْ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ حَيْثُ يُعْلَمُ وَيُتَحَقَّقُ أَنَّهُ لَا شَرِكَةَ فِيهَا وَإِنَّمَا يُذْكَرُ عَلَى سَبِيلِ إِلْزَامِ الْخَصْمِ وَتَنْبِيهِهِ عَلَى خَطَأِ مُرْتَكِبِهِ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الِاسْتِفْهَامَ هُوَ عَنْ خَبَرِيَّةِ الذَّوَاتِ ، فَقِيلَ : جَاءَ عَلَى اعْتِقَادِ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ اعْتَقَدُوا فِي آلِهَتِهِمْ خَيْرًا بِوَجْهٍ مَا ، وَقِيلَ : فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ فِي مَوْضِعَيْنِ ، التَّقْدِيرُ : أَتَوْحِيدُ اللَّهِ خَيْرٌ أَمْ عِبَادَةُ مَا يُشْرِكُونَ ؟ فَمَا فِي أَمْ مَا بِمَعْنَى الَّذِي . وَقِيلَ : مَا مَصْدَرِيَّةٌ ، وَالْحَذْفُ مِنَ الْأَوَّلِ ، أَيْ أَتَوْحِيدُ اللَّهِ خَيْرٌ أَمْ شِرْكُكُمْ ؟ وَقِيلَ : خَيْرٌ لَيْسَتْ لِلتَّفْضِيلِ ، فَهِيَ كَمَا تَقُولُ : الصَّلَاةُ خَيْرٌ ، يَعْنِي خَيْرًا مِنَ الْخُيُورِ . وَقِيلَ : التَّقْدِيرُ ذُو خَيْرٍ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ خَيْرًا أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ ، وَأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ فِي نَحْوِ هَذَا يَجِيءُ لِبَيَانِ فَسَادِ مَا عَلَيْهِ الْخَصْمُ ، وَتَنْبِيهِهِ عَلَى خَطَئِهِ ، وَإِلْزَامِهِ الْإِقْرَارَ بِحَصْرِ التَّفْضِيلِ فِي جَانِبٍ وَاحِدٍ ، وَانْتِفَائِهِ عَنِ الْآخَرِ ، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : " تُشْرِكُونَ " ، بِتَاءِ الْخِطَابِ ؛
وَالْحَسَنُ ،
[ ص: 89 ] وَقَتَادَةُ ،
وَعَاصِمٌ ،
وَأَبُو عَمْرٍو : بِيَاءِ الْغَيْبَةِ . وَأَمْ فِي " أَمْ مَا " مُتَّصِلَةٌ ، لِأَنَّ الْمَعْنَى : أَيُّهُمَا خَيْرٌ ؟ وَفِي ( أَمْ مَنْ خَلَقَ ) وَمَا بَعْدَهُ مُنْفَصِلَةٌ . وَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ خَيْرًا ، عَدَّدَ - سُبْحَانَهُ - الْخَيْرَاتِ وَالْمَنَافِعَ الَّتِي هِيَ آثَارُ رَحْمَتِهِ وَفَضْلِهِ ، كَمَا عَدَّدَهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ ، تَوْقِيفًا لَهُمْ عَلَى مَا أَبْدَعَ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ ، وَأَنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ بُدًّا مِنَ الْإِقْرَارِ بِذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : " أَمَّنْ خَلَقَ " ، وَفِي الْأَرْبَعَةِ بَعْدَهَا بِشَدِّ الْمِيمِ ، وَهِيَ مِيمُ أَمْ أُدْغِمَتْ فِي مِيمِ مَنْ . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الْأَعْمَشُ : بِتَخْفِيفِهَا جَعَلَهَا هَمْزَةَ الِاسْتِفْهَامِ ، أُدْخِلَتْ عَلَى مَنْ ، وَمَنْ فِي الْقِرَاءَتَيْنِ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : تَقْدِيرُهُ : يَكْفُرُ بِنِعْمَتِهِ وَيَشُكُّ بِهِ ، وَنَحْوُ هَذَا مِنَ الْمَعْنَى . وَقَدَّرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ ، فَقَدَّرَ مَا أُثْبِتَ فِي الِاسْتِفْهَامِ الْأَوَّلِ ؛ بَدَأَ أَوَّلًا فِي الِاسْتِفْهَامِ بِاسْمِ الذَّاتِ ، ثُمَّ انْتَقَلَ فِيهِ إِلَى الصِّفَاتِ . وَقَالَ
أَبُو الْفَضْلِ الرَّازِيُّ فِي ( كِتَابِ اللَّوَامِحِ ) لَهُ : وَلَا بُدَّ مِنْ إِضْمَارِ جُمْلَةٍ مُعَادِلَةٍ ، وَصَارَ ذَلِكَ الْمُضْمَرُ كَالْمَنْطُوقِ بِهِ لِدَلَالَةِ الْفَحْوَى عَلَيْهِ . وَتَقْدِيرُ تِلْكَ الْجُمْلَةِ : أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ كَمَنْ لَمْ يَخْلُقْ ، وَكَذَلِكَ أَخَوَاتُهَا ، وَقَدْ أَظْهَرَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ مَا أَضْمَرَ فِيهَا لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=17أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ ) . انْتَهَى . وَتَسْمِيَةُ هَذَا الْمُقَدَّرِ جُمْلَةً ، إِنْ أَرَادَ بِهَا جُمْلَةً مِنَ الْأَلْفَاظِ فَهُوَ صَحِيحٌ ، وَإِنْ أَرَادَ الْجُمْلَةَ الْمُصْطَلَحَ عَلَيْهَا فِي النَّحْوِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ ، بَلْ هُوَ مُضْمَرٌ مِنْ قَبِيلِ الْمُفْرَدِ . وَبَدَأَ - تَعَالَى - بِذِكْرِ إِنْشَاءِ مَقَرِّ الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ ، وَإِنْزَالِ مَا بِهِ قِوَامُ الْعَالَمِ السُّفْلِيِّ وَقَالَ : ( لَكُمْ ) أَيْ لِأَجْلِكُمْ ، عَلَى سَبِيلِ الِامْتِنَانِ ، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِكُمْ . ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=60فَأَنْبَتْنَا ) وَهَذَا الْتِفَاتٌ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى التَّكَلُّمِ بِنُونِ الْعَظَمَةِ دَالًّا عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِذَلِكَ ، وَأَنَّهُ لَمْ يُنْبِتْ تِلْكَ الْحَدَائِقَ الْمُخْتَلِفَةَ الْأَصْنَافِ وَالْأَلْوَانِ وَالطَّعُومِ وَالرَّوَائِحِ بِمَاءٍ وَاحِدٍ إِلَّا هُوَ - تَعَالَى . وَقَدْ رُشِّحَ هَذَا الِاخْتِصَاصُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=60مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا ) .
وَلَمَّا كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=28661خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، وَإِنْزَالُ الْمَاءِ مِنَ السَّمَاءِ ، لَا شُبْهَةَ لِلْعَاقِلِ فِي أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا لِلَّهِ ، وَكَانَ الْإِنْبَاتُ مِمَّا قَدْ يَتَسَبَّبُ فِيهِ الْإِنْسَانُ بِالْبَذْرِ وَالسَّقْيِ وَالتَّهْيِئَةِ ، وَيَسُوغُ لِفَاعِلِ السَّبَبِ نِسْبَةُ فِعْلِ الْمُسَبَّبِ إِلَيْهِ ، بَيَّنَ - تَعَالَى - اخْتِصَاصَهُ بِذَلِكَ بِطَرِيقِ الِالْتِفَاتِ وَتَأْكِيدِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=60مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا ) . أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُتَسَبِّبَ لِذَلِكَ قَدْ لَا يَأْتِي عَلَى وَفْقِ مُرَادِهِ ؟ وَلَوْ أَتَى فَهُوَ جَاهِلٌ بِطَبْعِهِ وَمِقْدَارِهِ وَكَيْفِيَّتِهِ ، فَكَيْفَ يَكُونُ فَاعِلًا لَهَا ؟ وَالْبَهْجَةُ : الْجَمَالُ وَالنُّضْرَةُ وَالْحُسْنُ ؛ لِأَنَّ النَّاظِرَ فِيهَا يَبْتَهِجُ ، أَيْ يُسَرُّ وَيَفْرَحُ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=60ذَاتَ ) بِالْإِفْرَادِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=60بَهْجَةٍ ) بِسُكُونِ الْهَاءِ ، وَجَمْعُ التَّكْسِيرِ يَجْرِي فِي الْوَصْفِ مَجْرَى الْوَاحِدَةِ ، كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ ) وَهُوَ عَلَى مَعْنَى جَمَاعَةٍ . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=12356ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ ، " ذَوَاتِ " ، بِالْجَمْعِ ، بَهَجَةٍ بِتَحْرِيكِ الْهَاءِ بِالْفَتْحِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=60مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ نَفْيَ مِثْلِ هَذِهِ الْكَيْنُونَةِ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ لِاسْتِحَالَةِ وُقُوعِهِ كَهَذَا ، أَوْ لِامْتِنَاعِ وُقُوعِهِ شَرْعًا ، أَوْ لِنَفْيِ الْأَوْلَوِيَّةِ . وَالْمَعْنَى هُنَا : أَنَّ إِنْبَاتَ ذَلِكَ مِنْكُمْ مُحَالٌ ؛ لِأَنَّهُ إِبْرَازُ شَيْءٍ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ ، وَهَذَا لَيْسَ بِمَقْدُورٍ إِلَّا لِلَّهِ تَعَالَى . وَلَمَّا ذَكَرَ مِنَّتَهُ عَلَيْهِمْ ، خَاطَبَهُمْ بِذَلِكَ ؛ ثُمَّ لَمَّا ذَكَرَ ذَمَّهُمْ ، عَدَلَ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=60بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ) إِمَّا الْتِفَاتًا ، وَإِمَّا إِخْبَارًا لِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَالِهِمْ ، أَيْ يَعْدِلُونَ عَنِ الْحَقِّ ، أَوْ يَعْدِلُونَ بِهِ غَيْرَهُ ، أَيْ يَجْعَلُونَ لَهُ عَدِيلًا وَمَثِيلًا . وَقُرِئَ : إِلَهًا ، بِالنَّصْبِ ، بِمَعْنَى : أَتَدْعُونَ أَوْ أَتَشْرَكُونَ ؟ وَقُرِئَ : أَإِلَهٌ ، بِتَخْفِيفِ الْهَمْزَتَيْنِ وَتَلْيِينِ الثَّانِيَةِ ، وَالْفَصْلِ بَيْنَهُمَا بِأَلِفٍ . وَلَمَّا ذَكَرَ - تَعَالَى - أَنَّهُ مُنْشِئُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، ذَكَرَ شَيْئًا مُشْتَرَكًا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، وَهُوَ إِنْزَالُ الْمَاءِ مِنَ السَّمَاءِ وَإِنْبَاتُ الْحَدَائِقِ بِالْأَرْضِ ، ذَكَرَ شَيْئًا مُخْتَصًّا بِالْأَرْضِ ، وَهُوَ جَعْلُهَا قَرَارًا ، أَيْ مُسْتَقَرًّا لَكُمْ ، بِحَيْثُ يُمْكِنُكُمُ الْإِقَامَةُ بِهَا وَالِاسْتِقْرَارُ عَلَيْهَا ، وَلَا يُدِيرُهَا الْفَلَكُ ، قِيلَ : لِأَنَّهَا مُضْمَحِلَّةٌ فِي جَنْبِ الْفَلَكِ ، كَالنُّقْطَةِ فِي الرَّحَى .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=61وَجَعَلَ خِلَالَهَا ) أَيْ بَيْنَ أَمَاكِنِهَا ، فِي شِعَابِهَا وَأَوْدِيَتِهَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=61أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ ) أَيْ جِبَالًا ثَوَابِتَ حَتَّى لَا تَتَكَفَّأَ بِكُمْ وَتَمِيدَ . وَالْبَحْرَانِ : الْعَذْبُ وَالْمِلْحُ ، وَالْحَاجِزُ : الْفَاصِلُ ، مِنْ قُدْرَتِهِ - تَعَالَى - ، قَالَهُ
الضَّحَّاكُ . وَقَالَ
مُجَاهِدٌ : بَحْرُ السَّمَاءِ
[ ص: 90 ] وَالْأَرْضِ ، وَالْحَاجِزُ مِنَ الْهَوَاءِ . وَقَالَ
الْحَسَنُ : بَحْرُ
فَارِسَ وَالرُّومُ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ : بَحْرُ
الْعِرَاقِ وَالشَّامِ ، وَالْحَاجِزُ مِنَ الْأَرْضِ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : مُخْتَارًا لِهَذَا الْقَوْلِ فِي الْحَاجِزِ : هُوَ مَا جَعَلَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا مِنْ حَوَاجِزِ الْأَرْضِ وَمَوَانِعِهَا ، عَلَى رِقَّتِهَا فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ ، وَلَطَافَتِهَا الَّتِي لَوْلَا قُدْرَتُهُ لَبَلَعَ الْمِلْحُ الْعَذْبَ . وَكَانَ
ابْنُ عَطِيَّةَ قَدْ قَدَّمَ أَنَّ الْبَحْرَينِ : الْعَذْبُ بِجُمْلَتِهِ ، وَالْمَاءُ الْأُجَاجُ بِجُمْلَتِهِ ؛ وَلَمَّا كَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُ عَظِيمَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ ، تَكَرَّرَ فِيهَا الْعَامِلُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=61وَجَعَلَ ) فَكَانَتْ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ الْمُسْتَقِلِّ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا بِالِامْتِنَانِ ، وَلَمْ يُشْرَكْ فِي عَامِلٍ وَاحِدٍ فَيَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْمُفْرَدَاتِ . وَلِأَبِي
عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيِّ فِي ذِكْرِ هَذِهِ الِامْتِنَانَاتِ الْأَرْبَعِ كَلَامٌ مِنْ عِلْمِ الطَّبِيعَةِ - وَالْحُكَمَاءِ عَلَى زَعْمِهِ - خَارِجٌ عَنْ مَذَاهِبِ الْعَرَبِ ، يُوقَفُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ . وَالْمُضْطَرُّ : اسْمُ مَفْعُولٍ ، وَهُوَ الَّذِي أَحْوَجَهُ مَرَضٌ أَوْ فَقْرٌ أَوْ حَادِثٌ مِنْ حَوَادِثِ الدَّهْرِ إِلَى الِالْتِجَاءِ إِلَى اللَّهِ وَالتَّضَرُّعِ إِلَيْهِ ، فَيَدْعُوهُ لِكَشْفِ مَا اعْتَرَاهُ مِنْ ذَلِكَ وَإِزَالَتِهِ عَنْهُ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : هُوَ الْمَجْهُودُ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ : هُوَ الَّذِي لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ لَهُ . وَقِيلَ : هُوَ الْمُذْنِبُ إِذَا اسْتَغْفَرَ ، وَإِجَابَتُهُ إِيَّاهُ مَقْرُونَةٌ بِمَشِيئَتِهِ - تَعَالَى - فَلَيْسَ كُلُّ مُضْطَرٍّ دَعَا يُجِيبُهُ اللَّهُ فِي كَشْفِ مَا بِهِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : الْإِجَابَةُ مَوْقُوفَةٌ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَدْعُوُّ بِهِ مَصْلَحَةً ، وَلِهَذَا لَا يَحْسُنُ الدُّعَاءُ إِلَّا شَارِطًا فِيهِ الْمَصْلَحَةَ . انْتَهَى ، وَهُوَ عَلَى طَرِيقِ الِاعْتِزَالِ فِي مُرَاعَاةِ الْمُصْلِحَةِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=62وَيَكْشِفُ السُّوءَ ) هُوَ كُلُّ مَا يَسُوءُ ، وَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ ضُرٍّ انْتَقَلَ مِنْ حَالَةِ الْمُضْطَرِّ ، وَهُوَ خَاصٌّ إِلَى أَعَمَّ ، وَهُوَ مَا يَسُوءُ ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَكْشُوفُ عَنْهُ فِي حَالَةِ الِاضْطِرَارِ أَوْ فِيمَا دُونَهَا . وَخُلَفَاءَ : أَيِ الْأُمَمَ السَّالِفَةَ ، أَوْ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ ، أَوْ خُلَفَاءَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ بَعْدِهِ ، أَوْ خُلَفَاءَ الْكُفَّارِ فِي أَرْضِهِمْ ، أَوِ الْمُلْكِ وَالتَّسَلُّطِ ، أَقْوَالٌ . وَقَرَأَ
الْحَسَنُ فِي رِوَايَةِ : " وَنَجْعَلُكُمْ " بِنُونِ الْمُتَكَلِّمِ ، كَأَنَّهُ اسْتِئْنَافُ إِخْبَارٍ وَوَعْدٍ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=55لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ) .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=62وَيَجْعَلَكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ) انْتِقَالٌ مِنْ حَالَةِ الْمُضْطَرِّ إِلَى رُتْبَةٍ مُغَايِرَةٍ لِحَالَةِ الِاضْطِرَارِ ، وَهِيَ حَالَةُ الْخِلَافَةِ ، فَهُمَا ظَرْفَانِ . وَكَمْ رَأَيْنَا فِي الدُّنْيَا مِمَّنْ بَلَغَ حَالَةَ الِاضْطِرَارِ ثُمَّ صَارَ مَلِكًا مُتَسَلِّطًا . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : " تَذَكَّرُونَ " ، بِتَاءِ الْخِطَابِ ؛
وَالْحَسَنُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13726وَالْأَعْمَشُ ،
وَأَبُو عَمْرٍو : بِيَاءِ الْغَيْبَةِ ، وَالذَّالُ فِي الْقِرَاءَتَيْنِ مُشَدِّدَةٌ لِإِدْغَامِ التَّاءِ فِيهَا . وَقَرَأَ
أَبُو حَيْوَةَ : تَتَذَكَّرُونَ ، بِتَاءَيْنِ . وَظُلْمَةُ الْبَرِّ هِيَ ظُلْمَةُ اللَّيْلِ ، وَهِيَ الْحَقِيقَةُ ، وَتَنْطَلِقُ مَجَازًا عَلَى الْجَهْلِ وَعَلَى انْبِهَامِ الْأَمْرِ فَيُقَالُ : أَظْلَمَ عَلَيَّ الْأَمْرُ . وَقَالَ الشَّاعِرُ :
تَجَلَّتْ عَمَـايَـاتُ الرِّجَـالِ عَـنِ الصِّبَـا
أَيْ جَهَالَاتِ الصِّبَا . وَهِدَايَةُ الْبَرِّ تَكُونُ بِالْعَلَامَاتِ ، وَهِدَايَةُ الْبَحْرِ بِالنُّجُومِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=63وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ) تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ نَظِيرِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ . وَقُرِئَ : عَمَّا تُشْرِكُونَ ، بِتَاءِ الْخِطَابِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=64أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْخَلْقَ هُوَ الْمَخْلُوقُ ، وَبَدْؤُهُ : اخْتِرَاعُهُ وَإِنْشَاؤُهُ . وَيَظْهَرُ أَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ مَنْ يُعِيدُهُ اللَّهُ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَالْمَلَكِ ، لَا عُمُومَ الْمَخْلُوقِ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَالْمَقْصُودُ بَنُو
آدَمَ مِنْ حَيْثُ ذِكْرُ الْإِعَادَةِ ، وَالْإِعَادَةُ الْبَعْثُ مِنَ الْقُبُورِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْخَلْقِ مَصْدَرَ خَلَقَ ، وَيَكُونُ يَبْدَأُ وَيُعِيدُ اسْتِعَارَةً لِلْإِتْقَانِ وَالْإِحْسَانِ ، كَمَا تَقُولُ : فُلَانٌ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ فِي أَمْرِ كَذَا إِذَا كَانَ يُتْقِنُهُ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : ( فَإِنْ قُلْتَ ) : كَيْفَ قَالَ لَهُمْ أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُمْ مُنْكِرُونَ الْإِعَادَةَ ؟ ( قُلْتُ ) : قَدْ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِالتَّمْكِينِ مِنَ الْمَعْرِفَةِ وَالْإِقْرَارِ ، فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ عُذْرٌ فِي الْإِنْكَارِ . انْتَهَى .
وَلَمَّا كَانَ إِيجَادُ بَنِي
آدَمَ إِنْعَامًا إِلَيْهِمْ وَإِحْسَانًا ، وَلَا تَتِمُّ النِّعْمَةُ إِلَّا بِالرِّزْقِ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=64وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ ) بِالْمَطَرِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=64وَالْأَرْضِ ) بِالنَّبَاتِ ؟ (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=64قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ) أَيْ أَحْضِرُوا حُجَّتَكُمْ وَدَلِيلَكُمْ عَلَى مَا تَدَّعُونَ مِنْ إِنْكَارِ شَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=64إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) فِي أَنَّ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ . فَأَيْنَ دَلِيلُكُمْ عَلَيْهِ ؟ وَهَذَا رَاجِعٌ إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ جَمِيعِ الِاسْتِفْهَامِ الَّذِي جِيءَ بِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّقْرِيرِ ، وَنَاسَبَ خَتْمَ كُلِّ اسْتِفْهَامٍ بِمَا تَقَدَّمَهُ .
[ ص: 91 ] لَمَّا ذَكَرَ إِيجَادَ الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ ، وَمَا امْتَنَّ بِهِ مِنْ إِنْزَالِ الْمَطَرِ وَإِنْبَاتِ الْحَدَائِقِ ، اقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ لَا يُعْبَدَ إِلَّا مُوجِدُ الْعَالَمِ وَالْمُمْتَنُّ بِمَا بِهِ قِوَامُ الْحَيَاةِ ، فَخَتَمَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=60بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ) أَيْ عَنْ عِبَادَتِهِ ، أَوْ يَعْدِلُونَ بِهِ غَيْرَهُ مِمَّا هُوَ مَخْلُوقٌ مُخْتَرَعٌ . وَلَمَّا ذَكَرَ جَعْلَ الْأَرْضِ مُسْتَقَرًّا ، وَتَفْجِيرَ الْأَنْهَارِ ، وَإِرْسَاءَ الْجِبَالِ ، وَكَانَ ذَلِكَ تَنْبِيهًا عَلَى تَعَقُّلِ ذَلِكَ وَالْفِكْرِ فِيهِ ، خَتَمَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=61بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ) إِذْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَعْلَمُ وَيُفَكِّرُ فِي ذَلِكَ . وَلَمَّا ذَكَرَ إِجَابَةَ دُعَاءِ الْمُضْطَرِّ ، وَكَشْفَ السُّوءِ ، وَاسْتِخْلَافَهُمْ فِي الْأَرْضِ ، نَاسَبَ أَنْ يَسْتَحْضِرَ الْإِنْسَانُ دَائِمًا هَذِهِ الْمِنَّةَ ، فَخَتَمَ بِقَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=62قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ " ، إِشَارَةً إِلَى تَوَالِي النِّسْيَانِ إِذَا صَارَ فِي خَيْرٍ وَزَالَ اضْطِرَارُهُ وَكَشْفِ السُّوءِ عَنْهُ ، كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=8نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ ) . وَلَمَّا ذَكَرَ الْهِدَايَةَ فِي الظُّلُمَاتِ ، وَإِرْسَالَ الرِّيَاحِ نُشُرًا ، وَمَعْبُودَاتُهُمْ لَا تَهْدِي وَلَا تُرْسِلُ ، وَهُمْ يُشْرِكُونَ بِهَا اللَّهَ ، قَالَ - تَعَالَى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=63عَمَّا يُشْرِكُونَ ) . وَاعْتَقَبَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْجُمَلِ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=60أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ ) عَلَى سَبِيلِ التَّوْكِيدِ وَالتَّقْرِيرِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ تَعَالَى .
قِيلَ : سَأَلَ الْكُفَّارَ عَنْ وَقْتِ الْقِيَامَةِ الَّتِي وَعَدَهُمُ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَلَحُّوا عَلَيْهِ ، فَنَزَلَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=65قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) الْآيَةَ . وَالْمُتَبَادِرُ إِلَى الذِّهْنِ أَنَّ مَنْ فَاعِلٌ بِـ " يَعْلَمُ " ، وَ " الْغَيْبَ " مَفْعُولٌ ، وَ " إِلَّا اللَّهُ " اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ لِعَدَمِ انْدِرَاجِهِ فِي مَدْلُولِ لَفْظِ مَنْ ، وَجَاءَ مَرْفُوعًا عَلَى لُغَةِ
تَمِيمٍ ، وَدَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِعِلْمِ الْغَيْبِ . وَعَنْ
عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - : مَنْ زَعَمَ أَنَّ
مُحَمَّدًا يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ ، فَقَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَةَ عَلَى اللَّهِ ، وَاللَّهُ - تَعَالَى - يَقُولُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=65قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ) وَلَا يُقَالُ : إِنَّهُ مُنْدَرِجٌ فِي مَدْلُولِ مَنْ ، فَيَكُونُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ظَرْفًا حَقِيقِيًّا لِلْمَخْلُوقِينَ فِيهِمَا ، وَمَجَازِيًّا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ تَعَالَى ، أَيْ هُوَ فِيهَا بِعِلْمِهِ ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ ، وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ يُنْكِرُ ذَلِكَ ، وَإِنْكَارُهُ هُوَ الصَّحِيحُ . وَمَنْ أَجَازَ ذَلِكَ فَيَصِحُّ عِنْدَهُ أَنْ يَكُونَ اسْتِثْنَاءً مُتَّصِلًا ، وَارْتَفَعَ عَلَى الْبَدَلِ أَوِ الصِّفَةِ ، وَالرَّفْعُ أَفْصَحُ مِنَ النَّصْبِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ نَفْيٍ مُتَقَدِّمٍ ، وَالظَّاهِرُ عُمُومُ الْغَيْبِ . وَقِيلَ : الْمُرَادُ غَيْبُ السَّاعَةِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : ( فَإِنْ قُلْتَ ) : مَا الدَّاعِي إِلَى اخْتِيَارِ الْمَذْهَبِ التَّمِيمِيِّ عَلَى الْحِجَازِيِّ ؟ يَعْنِي فِي كَوْنِهِ اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا ، إِذْ لَيْسَ مُنْدَرِجًا تَحْتَ " مَنْ " ، وَلَمْ أَخْتَرِ الرَّفْعَ عَلَى لُغَةِ
تَمِيمٍ ، وَلَمْ نَخْتَرِ النَّصْبَ عَلَى لُغَةِ الْحِجَازِ ، قَالَ : ( قُلْتُ ) : دَعَتْ إِلَى ذَلِكَ نُكْتَةٌ سِرِّيَّةٌ ، حَيْثُ أَخْرَجَ الْمُسْتَثْنَى مُخْرَجَ قَوْلِهِ : إِلَّا الْيَعَافِيرُ ، بَعْدَ قَوْلِهِ : لَيْسَ بِهَا أَنِيسٌ ، لِيَئُولَ الْمَعْنَى إِلَى قَوْلِكَ : إِنْ كَانَ اللَّهُ مِمَّنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، فَهُمْ يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ، يَعْنِي أَنَّ عِلْمَهُمُ الْغَيْبَ فِي اسْتِحَالَتِهِ كَاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ مِنْهُمْ . كَمَا أَنَّ مَعْنَى : مَا فِي الْبَيْتِ إِنْ كَانَتِ الْيَعَافِيرُ أَنِيسًا ، فَفِيهَا أَنِيسٌ بِنَاءً لِلْقَوْلِ بِخُلُوِّهَا عَنِ الْأَنِيسِ . انْتَهَى . وَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ قَدْ قَدَّمَ قَوْلَهُ : ( فَإِنْ قُلْتَ ) : لِمَ أَرْفَعُ اسْمَ اللَّهِ ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ؟ ( قُلْتُ ) : جَاءَ عَلَى لُغَةِ
بَنِي تَمِيمٍ ، حَيْثُ يَقُولُونَ : مَا فِي الدَّارِ أَحَدٌ إِلَّا حِمَارٌ ، كَأَنَّ أَحَدًا لَمْ يُذْكَرْ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ :
عَشِيَّةَ مَا تُغْنِي الرِّمَاحُ مَكَانَهَا وَلَا النِّبْلُ إِلَّا الْمَشْرِفِيُّ الْمُصَمَّمُ
وَقَوْلُهُ : مَا أَتَانِي زَيْدٌ إِلَّا عَمْرٌو ، وَمَا أَعَانَهُ إِخْوَانُكُمْ إِلَّا إِخْوَانُهُ . انْتَهَى . وَمُلَخَّصُهُ أَنَّهُ يَقُولُ : لَوْ نُصِبَ لَكَانَ مُنْدَرِجًا تَحْتَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ، وَإِذَا رُفِعَ كَانَ بَدَلًا ، وَالْمُبْدَلُ مِنْهُ فِي نِيَّةِ الطَّرْحِ ، فَصَارَ الْعَامِلُ كَأَنَّهُ مُفَرِّغٌ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ عَلَى نِيَّةِ تَكْرَارِ الْعَامِلِ ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ : قُلْ لَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ . وَلَوْ أَعْرَبَ " مَنْ " مَفْعُولًا ، وَ " الْغَيْبَ " بَدَلٌ مِنْهُ ، وَإِلَّا اللَّهُ هُوَ الْفَاعِلُ ، أَيْ لَا يَعْلَمُ غَيْبَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا اللَّهُ ، أَيِ الْأَشْيَاءَ الْغَائِبَةَ الَّتِي تَحْدُثُ فِي الْعَالَمِ ، وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ بِحُدُوثِهَا ، أَيْ لَا يَسْبِقُ عِلْمَهُمْ بِذَلِكَ ، لَكَانَ وَجْهًا حَسَنًا ، وَكَانَ اللَّهُ - تَعَالَى - هُوَ الْمَخْصُوصُ بِسَابِقِ عِلْمِهِ فِيمَا يَحْدُثُ فِي الْعَالَمِ . وَأَيَّانَ : تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهَا فِي أَوَاخِرِ الْأَعْرَافِ ، وَهِيَ هُنَا اسْمُ اسْتِفْهَامٍ بِمَعْنَى مَتَى ، وَهِيَ مَعْمُولَةٌ لِـ " يَبْعَثُونَ " وَ " يُشْعِرُونَ " مُعَلَّقٌ ، وَالْجُمْلَةُ الَّتِي فِيهَا
[ ص: 92 ] اسْتِفْهَامٌ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِهِ . وَقَرَأَ
السُّلَمِيُّ : إِيَّانَ ، بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ ، وَهِيَ لُغَةُ قَبِيلَتِهِ
بَنِي سُلَيْمٍ . وَلَمَّا نَفَى عِلْمَ الْغَيْبِ عَنْهُمْ عَلَى الْعُمُومِ ، نَفَى عَنْهُمْ هَذَا الْغَيْبَ الْمَخْصُوصَ ، وَهُوَ وَقْتُ السَّاعَةِ وَالْبَعْثِ ، فَصَارَ مُنْتَفِيًا مَرَّتَيْنِ ؛ إِذْ هُوَ مُنْدَرِجٌ فِي عُمُومِ الْغَيْبِ وَمَنْصُوصٌ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=66بَلِ ادَّارَكَ ) أَصْلُهُ تَدَارَكَ ، فَأُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الدَّالِ فَسُكِّنَتْ ، فَاجْتُلِبَتْ هَمْزَةُ الْوَصْلِ . وَقَرَأَ
أُبَيٌّ : أَمْ تَدَارَكَ ، عَلَى الْأَصْلِ ، وَجَعَلَ أَمْ بَدَلَ . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=16049سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ أَخُوهُ : بَلِ ادَّرَكَ ، بِنَقْلِ حَرَكَةِ الْهَمْزَةِ إِلَى اللَّامِ ، وَشَدِّ الدَّالِ بِنَاءً عَلَى أَنْ وَزَنَهُ افْتَعَلَ ، فَأَدْغَمَ الدَّالَ ، وَهِيَ فَاءُ الْكَلِمَةِ فِي التَّاءِ بَعْدَ قَلْبِهَا دَالًا ، فَصَارَ قَلْبُ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ لِقَوْلِهِمْ : اثَّرَدَ ، وَأَصْلُهُ اثْتَرَدَ مِنَ الثَّرْدِ ، وَالْهَمْزَةُ الْمَحْذُوفَةُ الْمَنْقُولُ حَرَكَتُهَا إِلَى اللَّامِ هِيَ هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ ، أُدْخِلَتْ عَلَى أَلِفِ الْوَصْلِ فَانْحَذَفَتْ أَلِفُ الْوَصْلِ ، ثُمَّ انْحَذَفَتْ هِيَ وَأُلْقِيَتْ حَرَكَتُهَا عَلَى لَامِ بَلْ . وَقَرَأَ
أَبُو رَجَاءٍ nindex.php?page=showalam&ids=13723وَالْأَعْرَجُ ،
وَشَيْبَةُ ،
وَطَلْحَةُ ،
وَتَوْبَةُ الْعَنْبَرِيُّ : كَذَلِكَ ، إِلَّا أَنَّهُمْ كَسَرُوا لَامَ بَلْ ؛ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ،
وَعَاصِمٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13726وَالْأَعْمَشِ . وَقَرَأَ
ابْنُ كَثِيرٍ ،
وَأَبُو عَمْرٍو ،
وَأَبُو جَعْفَرٍ ، وَأَهْلُ
مَكَّةَ : بَلِ ادَّرَكَ ، عَلَى وَزْنِ افَّعَلَ ، بِمَعْنَى تَفَاعَلَ ، وَرُوِيَتْ عَنْ
أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ
عَاصِمٍ . وَقَرَأَ
عَبْدُ اللَّهِ فِي رِوَايَةٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12486وَابْنُ أَبِي جَمْرَةَ ، وَغَيْرُهُ عَنْهُ ، وَالْحَسَنُ ،
وَقَتَادَةُ ،
وَابْنُ مُحَيْصِنٍ : بَلْ آدْرَكَ ، بِمَدَّةٍ بَعْدِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ ، وَأَصْلُهُ أَأَدْرَكَ ، فَقَلَبَ الثَّانِيَةَ أَلِفًا تَخْفِيفًا ، كَرَاهَةَ الْجَمْعِ بَيْنَ هَمْزَتَيْنِ ، وَأَنْكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=12114أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَوَجْهَهَا . وَقَالَ
أَبُو حَاتِمٍ : لَا يَجُوزُ الِاسْتِفْهَامُ بَعْدَ بَلْ ؛ لِأَنَّ بَلْ إِيجَابٌ ، وَالِاسْتِفْهَامُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إِنْكَارٌ بِمَعْنَى : لَمْ يَكُنْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=19أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ ) أَيْ لَمْ يَشْهَدُوا ، فَلَا يَصِحُّ وُقُوعُهُمَا مَعًا لِلتَّنَافِي الَّذِي بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْإِنْكَارِ . انْتَهَى . وَقَدْ أَجَازَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الِاسْتِفْهَامَ بَعْدَ بَلْ ، وَشَبَّهَهُ بِقَوْلِ الْقَائِلِ : أَخُبْزًا أَكَلْتَ بَلْ أَمَاءً شَرِبْتَ ؟ عَلَى تَرْكِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ وَالْأَخْذِ فِي الثَّانِي . وَقَرَأَ
مُجَاهِدٌ : أَمِ ادَّرَكَ ، جَعَلَ أَمْ بَدَلَ بَلْ ، وَادَّرَكَ عَلَى وَزْنِ افَّعَلَ . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا : بَلْ آدَّارَكَ ، بِهَمْزَةٍ دَاخِلَةٍ عَلَى ادَّارَكَ ، فَيُسْقِطُ هَمْزَةَ الْوَصْلِ الْمُجْتَلَبَةَ ، لِأَجْلِ الْإِدْغَامِ وَالنُّطْقِ بِالسَّاكِنِ . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنُ مَسْعُودٍ أَيْضًا : بَلْ أَأَدَّرَكَ ، بِهَمْزَتَيْنِ ، هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَهَمْزَةِ أَفَّعَلَ . وَقَرَأَ
الْحَسَنُ أَيْضًا ،
nindex.php?page=showalam&ids=13723وَالْأَعْرَجُ : بَلْ أَدَّرَكَ ، بِهَمْزَةٍ وَإِدْغَامِ فَاءِ الْكَلِمَةِ ، وَهِيَ الدَّالُ فِي تَاءِ افْتَعَلَ ، بَعْدَ صَيْرُورَةِ التَّاءِ دَالًا . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=17274وَرْشٌ فِي رِوَايَةٍ : بَلِ ادَّرَكَ ، بِحَذْفِ هَمْزَةِ ادَّرَكَ وَنَقْلِ حَرَكَتِهَا إِلَى اللَّامِ . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا : بَلَى ادَّرَكَ ، بِحَرْفِ الْإِيجَابِ الَّذِي يُوجَبُ بِهِ الْمُسْتَفْهَمُ الْمَنْفِيُّ . وَقُرِئَ : بَلْ آأَدَّرَكَ ، بِأَلِفٍ بَيْنِ الْهَمْزَتَيْنِ . فَأَمَّا قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ بِالِاسْتِفْهَامِ ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : هُوَ لِلتَّقْرِيعِ بِمَعْنَى لَمْ يُدْرِكْ عِلْمَهُمْ عَلَى الْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : هُوَ اسْتِفْهَامٌ عَلَى وَجْهِ الْإِنْكَارِ لِإِدْرَاكِ عِلْمِهِمْ ، وَكَذَلِكَ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ : أَمِ ادَّرَكَ ، وَأَمْ تَدَارَكَ ؛ لِأَنَّهَا أَمِ الَّتِي بِمَعْنَى بَلْ وَالْهَمْزَةِ . انْتَهَى . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : هُوَ عَلَى مَعْنَى الْهُزْءِ بِالْكَفَرَةِ وَالتَّقْرِيرِ لَهُمْ عَلَى مَا هُوَ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ عَنْهُمْ ، أَيْ أَعَلِمُوا أَمْرَ الْآخِرَةِ وَأَدْرَكَهَا عِلْمُهُمْ . وَأَمَّا قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ عَلَى الْخَبَرِ ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : الْمَعْنَى : بَلْ تَدَارَكَ عِلْمُهُمْ مَا جَهِلُوهُ فِي الدُّنْيَا ، أَيْ عَلِمُوهُ فِي الْآخِرَةِ ، بِمَعْنَى : تَكَامَلَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بِأَنَّ كُلَّ مَا وُعِدُوا بِهِ حَقٌّ ، وَهَذَا حَقِيقَةُ إِثْبَاتِ الْعِلْمِ لَهُمْ ، لِمُشَاهَدَتِهِمْ عَيَانًا فِي الْآخِرَةِ مَا وُعِدُوا بِهِ غَيْبًا فِي الدُّنْيَا ، وَكَوْنُهُ بِمَعْنَى الْمُضِيِّ ، وَمَعْنَاهُ الِاسْتِقْبَالُ ، لِأَنَّ الْإِخْبَارَ بِهِ صِدْقٌ ، فَكَأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ تَنَاهِي عِلْمِهِمْ ، كَمَا تَقُولُ : أَدْرَكَ النَّبَاتُ وَغَيْرُهُ ، أَيْ تَنَاهَى وَتَتَابَعَ عِلْمُهُمْ بِالْآخِرَةِ إِلَى أَنْ يَعْرِفُوا لَهَا مِقْدَارًا فَيُؤْمِنُوا ، وَإِنَّمَا لَهُمْ ظُنُونٌ كَاذِبَةٌ ؛ أَوْ إِلَى أَنْ لَا يَعْرِفُوا لَهَا وَقْتًا ، وَتَكُونُ فِي بِمَعْنَى الْبَاءِ مُتَعَلِّقَةً بِعِلْمِهِمْ ، وَقَدْ تَعَدَّى الْعِلْمُ بِالْبَاءِ ، كَمَا تَقُولُ : عِلْمِي بِزَيْدٍ كَذَا ، وَيَسُوغُ حَمْلَ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ عَلَى مَعْنَى التَّوْقِيفِ وَالِاسْتِفْهَامِ ، وَجَاءَ إِنْكَارًا لِأَنَّهُمْ لَمْ يُدْرِكُوا شَيْئًا نَافِعًا . وَالثَّانِي : أَنَّ أَدْرَكَ : بِمَعْنَى يُدْرِكُ ، أَيْ
[ ص: 93 ] عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ يُدْرَكُ وَقْتَ الْقِيَامَةِ ، وَيَرَوْنَ الْعَذَابَ وَالْحَقَائِقَ الَّتِي كَذَّبُوا بِهَا ، وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَلَا . وَهَذَا تَأْوِيلُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَنَحَا إِلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ ، وَ " فِي " عَلَى بَابِهَا مِنَ الظَّرْفِيَّةِ مُتَعَلِّقَةٌ بِتَدَارَكَ . انْتَهَى ، وَفِيهِ بَعْضُ تَلْخِيصٍ وَزِيَادَةٍ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : هُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ أَسْبَابَ اسْتِحْكَامِ الْعِلْمِ وَتَكَامُلِهِ بِأَنَّ الْقِيَامَةَ كَائِنَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا قَدْ حَصَلَتْ لَهُمْ وَمُكِّنُوا مِنْ مَعْرِفَتِهِ وَهُمْ شَاكُّونَ جَاهِلُونَ ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=66بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ ) يُرِيدُ الْمُشْرِكِينَ مِمَّنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا فِي جُمْلَتِهِمْ نَسَبَ فِعْلَهُمْ إِلَى الْجَمِيعِ ، كَمَا يُقَالُ : بَنُو فُلَانٍ فَعَلُوا كَذَا ، وَإِنَّمَا فَعَلَهُ نَاسٌ مِنْهُمْ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ وَصْفَهُمْ بِاسْتِحْكَامِهِ وَتَكَامُلِهِ تَهَكُّمٌ بِهِمْ ، كَمَا تَقُولُ لِأَجْهَلِ النَّاسِ : مَا أَعْلَمَكَ ، عَلَى سَبِيلِ الْهُزْءِ بِهِ ، وَذَلِكَ حَيْثُ شَكُّوا وَعَمُوا عَنْ إِتْيَانِهِ الَّذِي هُوَ طَرِيقٌ إِلَى عِلْمٍ مَشْكُوكٍ ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَعْرِفُوا وَقْتَ كَوْنِهِ الَّذِي لَا طَرِيقَ إِلَى مَعْرِفَتِهِ . وَفِي ادَّرَكَ عِلْمُهُمْ وَادَّارَكَ وَجْهٌ آخَرُ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ ادَّرَكَ بِمَعْنَى انْتَهَى وَفَنِيَ ، مِنْ قَوْلِهِمْ : ادَّرَكَتِ الثَّمَرَةُ ؛ لِأَنَّ تِلْكَ غَايَتُهَا الَّتِي عِنْدَهَا تُعْدَمُ . وَقَدْ فَسَّرَ الْحَسَنُ بِاضْمَحَلَّ عِلْمُهُمْ وَتَدَارَكَ ، مِنْ تَدَارَكَ بَنُو فُلَانٍ إِذَا تَتَابَعُوا فِي الْهَلَاكِ . انْتَهَى .
وَقَالَ
الْكِرْمَانِيُّ : الْعِلْمُ هُنَا بِمَعْنَى الْحُكْمِ وَالْقَوْلِ ، أَيْ تَتَابَعَ مِنْهُمُ الْقَوْلُ وَالْحُكْمُ فِي الْآخِرَةِ ، وَكَثُرَ مِنْهُمُ الْخَوْضُ فِيهَا ، فَنَفَاهَا بَعْضُهُمْ ، وَشَكَّ فِيهَا بَعْضُهُمْ ، وَاسْتَبْعَدَهَا بَعْضُهُمْ . وَقَالَ
الْفَرَّاءُ : بَلِ ادَّرَكَ ، فَيَصِيرُ بِمَعْنَى الْجَحْدِ ، وَلِذَلِكَ نَظَائِرُ ؛ أَيْ لَمْ يَعْلَمُوا حُدُوثَهَا وَكَوْنَهَا ، وَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=66بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا ) فَصَارَتْ " فِي " فِي الْكَلَامِ بِمَعْنَى الْبَاءِ ، أَيْ لَمْ يُدْرِكْ عِلْمُهُمْ بِالْآخِرَةِ . قَالَ
الْفَرَّاءُ : وَيُقَوِّي هَذَا الْوَجْهَ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ : أَدَّرَكَ ، بِالِاسْتِفْهَامِ . انْتَهَى . وَأَمَّا قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ بَلَى بِحَرْفِ الْجَوَابِ بَدَلَ بَلْ ، فَقَالَ
أَبُو حَاتِمٍ : إِنْ كَانَ بَلَى جَوَابًا لِكَلَامٍ تَقَدَّمَ ، جَازَ أَنْ يُسْتَفْهَمَ بِهِ ، كَأَنَّ قَوْمًا أَنْكَرُوا مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْقُدْرَةِ ، فَقِيلَ لَهُمْ : بَلَى إِيجَابًا لَمَّا نَفَوْا ثُمَّ اسْتُؤْنِفَ بَعْدَهُ الِاسْتِفْهَامُ وَعُودِلَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=66بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا ) بِمَعْنَى : أَمْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا ؛ لِأَنَّ حُرُوفَ الْعَطْفِ قَدْ تَتَنَاوَبُ ، وَكَفَّ عَنِ الْجُمْلَتَيْنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=66بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ ) . انْتَهَى . يَعْنِي أَنَّ الْمَعْنَى : أَدَّرَكَ عِلْمُهُمْ بِالْآخِرَةِ أَمْ شَكُّوا ؟ فَـ ( بَلْ ) بِمَعْنَى أَمْ ، عُودِلَ بِهَا الْهَمْزَةُ ، وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ بَلْ بِمَعْنَى أَمْ وَتُعَادِلُ هَمْزَةَ الِاسْتِفْهَامِ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : ( فَإِنْ قُلْتَ ) : فَمَنْ قَرَأَ بَلَى ادَّرَكَ ؟ ( قُلْتُ ) : لَمَّا جَاءَ بِبَلَى بَعْدَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=65وَمَا يَشْعُرُونَ ) كَانَ مَعْنَاهُ : بَلَى يَشْعُرُونَ ، ثُمَّ فُسِّرَ الشُّعُورُ بِقَوْلِهِ : ادَّرَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ ، عَلَى سَبِيلِ التَّهَكُّمِ الَّذِي مَعْنَاهُ الْمُبَالَغَةُ فِي نَفْيِ الْعِلْمِ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : شُعُورُهُمْ بِوَقْتِ الْآخِرَةِ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ كَوْنَهَا ، فَيَرْجِعُ إِلَى الْمُبَالَغَةِ فِي نَفْيِ الشُّعُورِ عَلَى أَبْلَغِ مَا يَكُونُ . وَأَمَّا مَنْ قَرَأَ : بَلَى أَدَّرَكَ ؟ ، عَلَى الِاسْتِفْهَامِ فَمَعْنَاهُ : يَشْعُرُونَ مَتَى يُبْعَثُونَ ، ثُمَّ أَنْكَرَ عِلْمَهُمْ بِكَوْنِهَا ، وَإِذَا أَنْكَرَ عِلْمَهُمْ بِكَوْنِهَا ، لَمْ يَتَحَصَّلْ لَهُمْ شُعُورٌ بِوَقْتِ كَوْنِهَا ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِوَقْتِ الْكَائِنِ تَابِعٌ لِلْعِلْمِ بِكَوْنِ الْكَائِنِ . ( فَإِنْ قُلْتَ ) : هَذِهِ الْإِضْرَابَاتُ الثَّلَاثُ مَا مَعْنَاهُ ؟ ( قُلْتُ ) : مَا هِيَ إِلَّا تَنْزِيلٌ لِأَحْوَالِهِمْ ، وَصَفَهُمْ أَوَّلًا بِأَنَّهُمْ لَا يَشْعُرُونَ وَقْتَ الْبَعْثِ ، ثُمَّ بِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ الْقِيَامَةَ كَائِنَةٌ ، ثُمَّ بِأَنَّهُمْ يَخْبِطُونَ فِي شَكٍّ وَمِرْيَةٍ فَلَا يُزِيلُونَهُ ، وَالْإِزَالَةُ مُسْتَطَاعَةٌ ، وَقَدْ جَعَلَ الْآخِرَةَ مَبْدَأَ عَمَاهُمْ وَمَنْشَأَهُ ، فَلِذَلِكَ عَدَّاهُ بِمَنْ دُونَ عَنْ ؛ لِأَنَّ الْعَاقِبَةَ وَالْجَزَاءَ هُوَ الَّذِي جَعَلَهُمْ كَالْبَهَائِمِ لَا يَتَدَبَّرُونَ وَلَا يُبْصِرُونَ . انْتَهَى .