(
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=36وإلى مدين أخاهم شعيبا فقال ياقوم اعبدوا الله وارجوا اليوم الآخر ولا تعثوا في الأرض مفسدين nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=37فكذبوه فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=38وعادا وثمودا وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=39وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=40فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=41مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=42إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء وهو العزيز الحكيم nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=43وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=44وخلق الله السماوات والأرض بالحق إن في ذلك لآية للمؤمنين nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=45اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ) .
( وإلى مدين ) أي : وإلى
مدين أرسلنا ، أو بعثنا ، مما يتعدى بإلى . أمرهم بعبادة الله ، والإيمان بالبعث واليوم الآخر . والأمر بالرجاء أمر بفعل ما يترتب الرجاء عليه ، أقام المسبب مقام السبب . والمعنى : وافعلوا ما ترجون به الثواب من الله ، أو يكون أمرا بالرجاء على تقدير تحصيل شرطه ، وهو الإيمان بالله . وقال
أبو عبيدة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=36وارجوا ) خافوا جزاء اليوم الآخر من انتقام الله منكم ; إن لم تعبدوه . وتضمن الأمر بالعبادة والرجاء أنه إن لم يفعلوا ذلك ، وقع بهم العذاب ; كذلك جاء : ( فكذبوه ) وجاءت ثمرة التكذيب ، وهي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=37فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين ) وتقدم تفسير مثل هذه الجمل . وانتصب (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=38وعادا وثمود ) بإضمار أهلكنا ، لدلالة فأخذتهم الرجفة عليه . وقيل : بالعطف على الضمير في ( فأخذتهم ) ، وأبعد الكسائي في عطفه على الذين
[ ص: 152 ] من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=3ولقد فتنا الذين من قبلهم ) . وقرأ : ثمود ، بغير تنوين ;
حمزة ،
وشيبة ،
والحسن ،
وحفص ، وباقي السبعة : بالتنوين . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=17340ابن وثاب : "
وعاد وثمود " ، بالخفض فيهما والتنوين عطفا على ( مدين ) ، أي : وأرسلنا إلى
عاد وثمود . (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=38وقد تبين لكم ) أي : ذلك ، أي : ما وصف لكم من إهلاكهم من جهة مساكنهم ، إذا نظرتم إليها عند مروركم لها ، وكان أهل
مكة يمرون عليها في أسفارهم . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش : " مساكنهم " ، بالرفع من غير " من " ، فيكون فاعلا بـ : ( تبين ) .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=38وزين لهم الشيطان ) أي : بوسوسته وإغوائه ( أعمالهم ) القبيحة . ( فصدهم عن سبيل الله ) ; وهي طريق الإيمان بالله ورسله . (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=38وكانوا مستبصرين ) أي : في كفرهم لهم به بصر وإعجاب قاله ،
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
ومجاهد ،
والضحاك . وقيل : عقلاء ، يعلمون أن الرسالة والآيات حق ، ولكنهم كفروا عنادا ، وجحدوا بها ، واستيقنتها أنفسهم . ( وقارون ) معطوف على ما قبله ، أو منصوب بإضمار " اذكر " . ( فاستكبروا ) أي : عن الإقرار بالصانع وعبادته في الأرض ، إشارة إلى قلة عقولهم ; لأن من في الأرض يشعر بالضعف ، ومن في السماء يشعر بالقوة ، ومن في السماء لا يستكبرون عن عبادة الله ، فكيف من في الأرض ؟ (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=39وما كانوا سابقين ) الأمم إلى الكفر ، أي : تلك عادة الأمم مع رسلهم . والحاصب
لقوم لوط ، وهي ريح عاصف فيها حصى ، وقيل : ملك كان يرميهم . والصيحة
لمدين وثمود ، والخسف
لقارون ، والغرق
لقوم نوح وفرعون وقومه . وقال
ابن عطية : ويشبه أن يدخل
قوم عاد في الحاصب ; لأن تلك الريح لا بد كانت تحصبهم بأمور مؤذية ، والحاصب : هو العارض من ريح أو سحاب إذا رمي بشيء ، ومنه قول
nindex.php?page=showalam&ids=14899الفرزدق :
مستقبلين شمال الشأم تضربهم بحاصب كنديف القطن منثور
ومنه قول
الأخطل :
ترمي العضاة بحاصب من ثلجها حتى تبيت على العضاه جفالا
العنكبوت حيوان معروف ، ووزنه فعللوت ، ويؤنث ويذكر ، فمن تذكيره قول الشاعر :
على هطالهم منهم بيوت كأن العنكبوت هو ابتناها
ويجمع : عناكب ، ويصغر : عنيكيب . يشبه تعالى الكفار في عبادتهم الأصنام ، وبنائهم أمورهم عليها بالعنكبوت التي تبني وتجتهد ، وأمرها كله ضعيف ، متى مسته أدنى هامة أو هامة أذهبته ، فكذلك أمر أولئك ، وسعيهم مضمحل ، لا قوة له ولا معتمد . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : الغرض تشبيه ما اتخذوه متكلا ومعتمدا في دينهم ، وتولوه من دون الله ، مما هو مثل عند الناس في الوهن وضعف القوة ، وهو نسج العنكبوت . ألا ترى إلى مقطع التشبيه ، وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=41إن أوهن البيوت لبيت العنكبوت ) ؟ انتهى . يعني بقوله : ألا ترى إلى مقطع التشبيه بما ذكر أولا من أن الغرض تشبيه المتخذ بالبيت ، لا تشبيه المتخذ بالعنكبوت ؟ والذي يظهر ، هو تشبيه المتخذ من دون الله وليا ، بالعنكبوت المتخذة بيتا ، أي : فلا اعتماد للمتخذ على وليه من دون الله ، كما أن العنكبوت لا اعتمادها على بيتها في استظلال وسكنى ، بل لو دخلت فيه خرقته . ثم بين حال بيتها ، وأنه في غاية الوهن ، بحيث لا ينتفع به . كما أن تلك الأصنام لا تنفع ولا تجدي شيئا البتة ، وقوله : ( لو كانوا يعلمون ) ليس مرتبطا بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=41وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت ) لأن كل أحد يعلم ذلك ، فلا يقال فيه : لو كانوا يعلمون ; وإنما المعنى : لو كانوا يعلمون أن هذا مثلهم ، وأن أمر دينهم بالغ من الوهن هذه الغاية لأقلعوا عنه ، وما اتخذوا الأصنام آلهة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : إذا صح تشبيه ما اعتمدوه في دينهم ببيت العنكبوت ، وقد صح أن أوهن البيوت بيت العنكبوت ، فقد تبين أن دينهم أوهن الأديان ، لو كانوا يعلمون ; أو أخرج الكلام بعد تصحيح التشبيه مخرج المجاز ، وكأنه قال : وإن
[ ص: 153 ] أوهن ما يعتمد عليه في الدين عبادة الأوثان ، لو كانوا يعلمون . ولقائل أن يقول : مثل المشرك الذي يعبد الوثن ، بالقياس إلى المؤمن الذي يعبد الله ، مثل عنكبوت يتخذ بيتا ، بالإضافة إلى رجل بنى بيتا بآجر وجص أو نحته من صخر . فكما أن أوهن البيوت ، إذا استقريتها بيتا ، بيت العنكبوت ، كذلك أضعف الأديان ، إذا استقريتها دينا ، عبادة الأوثان ، لو كانوا يعلمون . انتهى .
وما ذكره من قوله : ولقائل أن يقول إلخ . لا يدل عليه لفظ الآية ، وإنما هو تحميل للفظ ما لا يحتمله ، كعادته في كثير من تفسيره . وقرأ
أبو عمرو ،
وسلام : ( يعلم ما ) ، بالإدغام ; والجمهور : بالفك ; والجمهور : " تدعون " ، بتاء الخطاب ;
وأبو عمرو ،
وعاصم : بخلاف ، بياء الغيبة ; وجوزوا في ( ما ) أن يكون مفعولا بـ : ( يدعون ) ، أي : يعلم الذين يدعون من دونه من جميع الأشياء ، أي : يعلم حالهم ، وأنهم لا قدرة لهم . وأن تكون نافية ، أي : لستم تدعون من دونه شيئا له بال ولا قدر ، فيصلح أن يسمى شيئا ، وأن يكون استفهاما ، كأنه قدر على جهة التوبيخ على هذا المعبود من جميع الأشياء ، وهي في هذين الوجهين مقتطعة من ( يعلم ) ، واعتراض بين يعلم وبين قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=42وهو العزيز الحكيم ) . وجوز أبو علي أن يكون ( ما ) استفهاما منصوبا بـ : ( يدعون ) ، و ( يعلم ) معلقة ; فالجملة في موضع نصب بها ، والمعنى : أن الله يعلم أوثانا تدعون من دونه ، أم غيرها لا يخفى عليه ذلك . والجملة تأكيد للمثل ، وإذا كانت ( ما ) نافية ، كان في الجملة زيادة على المثل ، حيث لم يجعل تعالى ما يدعونه شيئا . ( وهو العزيز الحكيم ) فيه تجهيل لهم ، حيث عبدوا ما ليس بشيء ; لأنه جماد ليس معه مصحح العلم والقدرة أصلا ، وتركوا عبادة القادر القاهر الحكيم الذي لا يفعل شيئا إلا لحكمة . (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=43وما يعقلها إلا العالمون ) أي : لا يعقل صحتها وحسنها وفائدتها .
وكان جهلة
قريش يقولون : إن رب
محمد يضرب المثل بالذباب والعنكبوت ، ويضحكون من ذلك ، وما علموا أن الأمثال والتشبيهات طرق إلى المعاني المحتجبة ، فتبرزها وتصورها للفهم ، كما صور هذا التشبيه الفرق بين حال المشرك وحال الموحد . والإشارة بقوله : ( وتلك الأمثال ) إلى هذا المثل ، وما تقدم من الأمثال في السور . وعن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية فقال :
" العالم من عقل عن الله فعمل بطاعته واجتنب سخطه " .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=44خلق الله السماوات والأرض ) فيه تنبيه على صغر قدر الأوثان التي عبدوها . ومعنى ( بالحق ) بالواجب الثابت ، لا بالعبث واللعب ، إذ جعلها مساكن عباده ، وعبرة ودلائل على عظيم قدرته وباهر حكمته . والظاهر أن الصلاة هي المعهودة ، والمعنى : من شأنها أنها إذا أديت على ما يجب من فروضها وسننها والخشوع فيها ، والتدبر لما يتلو فيها ، وتقدير المثول بين يدي الله تعالى ، أن (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=45تنهى عن الفحشاء والمنكر ) . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
والكلبي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج ،
nindex.php?page=showalam&ids=15741وحماد بن أبي سليمان : تنهى ما دام المصلي فيها . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : الصلاة هنا القرآن . وقال
ابن بحر : الصلاة : الدعاء ، أي : أقم الدعاء إلى أمر الله ، وأما من تراه من المصلين يتعاطى المعاصي ، فإن صلاته تلك ليست بالوصف الذي تقدم .
وفي الحديث أن فتى من الأنصار كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يدع شيئا من الفواحش والسرقة إلا ارتكبه ، فقيل ذلك للنبي ، فقال : " إن صلاته تنهاه " . فلم يلبث أن تاب وصلحت حاله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألم أقل لكم ؟ " ولا يدل اللفظ على أن كل صلاة تنهى ، بل المعنى ، أنه يوجد ذلك فيها ، ولا يكون على العموم . كما تقول : فلان يأمر بالمعروف ، أي : من شأنه ذلك ، ولا يلزم منه أن كل معروف يأمر به . والظاهر أن ( أكبر ) أفعل تفضيل . فقال
عبد الله ،
وسلمان ،
وأبو الدرداء ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ،
وأبو قرة : معناه ولذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه . وقال
قتادة ،
وابن زيد : أكبر من كل شيء ; وقيل : ولذكر الله في الصلاة أكبر منه خارج الصلاة ، أي : أكبر ثوابا ; وقيل : أكبر من سائر أركان الصلاة ; وقيل : ولذكر الله نهيه أكبر من نهي الصلاة ; وقيل : أكبر من كل
[ ص: 154 ] العبادة . وقال
ابن عطية : وعندي أن المعنى : ولذكر الله أكبر على الإطلاق ، أي : هو الذي ينهى عن الفحشاء والمنكر ، والجزء الذي منه في الصلاة ينهى ، كما ينهى في غير الصلاة ; لأن الانتهاء لا يكون إلا من ذاكر الله مراقبه ، وثواب ذلك الذاكر أن يذكره الله في ملأ خير من ملئه ، والحركات التي في الصلاة لا تأثير لها في النهي ،
nindex.php?page=treesubj&link=24412والذكر النافع هو مع العلم وإقبال القلب وتفرغه إلا من الله . وأما ما لا يجاوز اللسان ففي رتبة أخرى . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : يريد والصلاة أكبر من غيرها من الطاعات ، وسماها بذكر الله ، كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=9فاسعوا إلى ذكر الله ) وإنما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=45ولذكر الله ) لتستقل بالتعليل ، كأنه قال : والصلاة أكبر ; لأنها ذكر الله مما تصنعون من الخير والشر فيجازيكم ، وفيه وعيد وحث على المراقبة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=36وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=37فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=38وَعَادًا وَثَمُودًا وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=39وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=40فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=41مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=42إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=43وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=44وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=45اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ) .
( وَإِلَى مَدْيَنَ ) أَيْ : وَإِلَى
مَدْيَنَ أَرْسَلْنَا ، أَوْ بَعَثْنَا ، مِمَّا يَتَعَدَّى بِإِلَى . أَمَرَهُمْ بِعِبَادَةِ اللَّهِ ، وَالْإِيمَانِ بِالْبَعْثِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ . وَالْأَمْرُ بِالرَّجَاءِ أَمْرٌ بِفِعْلِ مَا يَتَرَتَّبُ الرَّجَاءُ عَلَيْهِ ، أَقَامَ الْمُسَبِّبَ مَقَامَ السَّبَبِ . وَالْمَعْنَى : وَافْعَلُوا مَا تَرْجُونَ بِهِ الثَّوَابَ مِنَ اللَّهِ ، أَوْ يَكُونُ أَمْرًا بِالرَّجَاءِ عَلَى تَقْدِيرِ تَحْصِيلِ شَرْطِهِ ، وَهُوَ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ . وَقَالَ
أَبُو عُبَيْدَةَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=36وَارْجُوا ) خَافُوا جَزَاءَ الْيَوْمِ الْآخِرِ مِنَ انْتِقَامِ اللَّهِ مِنْكُمْ ; إِنْ لَمْ تَعْبُدُوهُ . وَتَضَمَّنَ الْأَمْرُ بِالْعِبَادَةِ وَالرَّجَاءِ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ ، وَقَعَ بِهِمُ الْعَذَابُ ; كَذَلِكَ جَاءَ : ( فَكَذَّبُوهُ ) وَجَاءَتْ ثَمَرَةُ التَّكْذِيبِ ، وَهِيَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=37فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ) وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ مِثْلِ هَذِهِ الْجُمَلِ . وَانْتَصَبَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=38وَعَادًا وَثَمُودَ ) بِإِضْمَارِ أَهْلَكْنَا ، لِدَلَالَةِ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ عَلَيْهِ . وَقِيلَ : بِالْعَطْفِ عَلَى الضَّمِيرِ فِي ( فَأَخَذَتْهُمْ ) ، وَأَبْعَدَ الْكِسَائِيُّ فِي عَطْفِهِ عَلَى الَّذِينَ
[ ص: 152 ] مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=3وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) . وَقَرَأَ : ثَمُودَ ، بِغَيْرِ تَنْوِينٍ ;
حَمْزَةُ ،
وَشَيْبَةُ ،
وَالْحَسَنُ ،
وَحَفْصٌ ، وَبَاقِي السَّبْعَةِ : بِالتَّنْوِينِ . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=17340ابْنُ وَثَّابٍ : "
وَعَادٍ وَثَمُودٍ " ، بِالْخَفْضِ فِيهِمَا وَالتَّنْوِينِ عَطْفًا عَلَى ( مَدْيَنَ ) ، أَيْ : وَأَرْسَلْنَا إِلَى
عَادٍ وَثَمُودَ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=38وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ ) أَيْ : ذَلِكَ ، أَيْ : مَا وُصِفَ لَكُمْ مِنْ إِهْلَاكِهِمْ مِنْ جِهَةِ مَسَاكِنِهِمْ ، إِذَا نَظَرْتُمْ إِلَيْهَا عِنْدَ مُرُورِكُمْ لَهَا ، وَكَانَ أَهْلُ
مَكَّةَ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا فِي أَسْفَارِهِمْ . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الْأَعْمَشُ : " مَسَاكِنُهُمْ " ، بِالرَّفْعِ مِنْ غَيْرِ " مِنْ " ، فَيَكُونُ فَاعِلًا بِـ : ( تَبَيَّنَ ) .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=38وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ ) أَيْ : بِوَسْوَسَتِهِ وَإِغْوَائِهِ ( أَعْمَالَهُمْ ) الْقَبِيحَةَ . ( فَصَدَّهُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) ; وَهِيَ طَرِيقُ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=38وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ ) أَيْ : فِي كُفْرِهِمْ لَهُمْ بِهِ بَصَرٌ وَإِعْجَابٌ قَالَهُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ،
وَمُجَاهِدٌ ،
وَالضَّحَّاكُ . وَقِيلَ : عُقَلَاءُ ، يَعْلَمُونَ أَنَّ الرِّسَالَةَ وَالْآيَاتِ حَقٌّ ، وَلَكِنَّهُمْ كَفَرُوا عِنَادًا ، وَجَحَدُوا بِهَا ، وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ . ( وَقَارُونَ ) مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ ، أَوْ مَنْصُوبٌ بِإِضْمَارِ " اذْكُرْ " . ( فَاسْتَكْبَرُوا ) أَيْ : عَنِ الْإِقْرَارِ بِالصَّانِعِ وَعِبَادَتِهِ فِي الْأَرْضِ ، إِشَارَةً إِلَى قِلَّةِ عُقُولِهِمْ ; لِأَنَّ مَنْ فِي الْأَرْضِ يَشْعُرُ بِالضَّعْفِ ، وَمَنْ فِي السَّمَاءِ يَشْعُرُ بِالْقُوَّةِ ، وَمَنْ فِي السَّمَاءِ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ ، فَكَيْفَ مَنْ فِي الْأَرْضِ ؟ (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=39وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ ) الْأُمَمَ إِلَى الْكُفْرِ ، أَيْ : تِلْكَ عَادَةُ الْأُمَمِ مَعَ رُسُلِهِمْ . وَالْحَاصِبُ
لِقَوْمِ لُوطٍ ، وَهِيَ رِيحٌ عَاصِفٌ فِيهَا حَصًى ، وَقِيلَ : مَلَكٌ كَانَ يَرْمِيهِمْ . وَالصَّيْحَةُ
لِمَدْيَنَ وَثَمُودَ ، وَالْخَسْفُ
لِقَارُونَ ، وَالْغَرَقُ
لِقَوْمِ نُوحٍ وَفِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَيُشْبِهُ أَنْ يَدْخُلَ
قَوْمُ عَادٍ فِي الْحَاصِبِ ; لِأَنَّ تِلْكَ الرِّيحَ لَا بُدَّ كَانَتْ تَحْصُبُهُمْ بِأُمُورٍ مُؤْذِيَةٍ ، وَالْحَاصِبُ : هُوَ الْعَارِضُ مِنْ رِيحٍ أَوْ سَحَابٍ إِذَا رُمِيَ بِشَيْءٍ ، وَمِنْهُ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=14899الْفَرَزْدَقِ :
مُسْتَقْبِلِينَ شَمَالَ الشَّأْمِ تَضْرِبُهُمْ بِحَاصِبٍ كَنَدِيفِ الْقُطْنِ مَنْثُورِ
وَمِنْهُ قَوْلُ
الْأَخْطَلِ :
تَرْمِي الْعِضَاةَ بِحَاصِبٍ مِنْ ثَلْجِهَا حَتَّى تَبِيتَ عَلَى الْعِضَاهِ جُفَالَا
الْعَنْكَبُوتُ حَيَوَانٌ مَعْرُوفٌ ، وَوَزْنُهُ فَعْلَلُوتٌ ، وَيُؤَنَّثُ وَيُذَكَّرُ ، فَمِنْ تَذْكِيرِهِ قَوْلُ الشَّاعِرِ :
عَلَى هَطَّالِهِمْ مِنْهُمْ بُيُوتٌ كَأَنَّ الْعَنْكَبُوتَ هُوَ ابْتَنَاهَا
وَيُجْمَعُ : عَنَاكِبُ ، وَيُصَغَّرُ : عُنَيْكِيبٌ . يُشَبِّهُ تَعَالَى الْكُفَّارَ فِي عِبَادَتِهِمُ الْأَصْنَامَ ، وَبِنَائِهِمْ أُمُورَهُمْ عَلَيْهَا بِالْعَنْكَبُوتِ الَّتِي تَبْنِي وَتَجْتَهِدُ ، وَأَمْرُهَا كُلُّهُ ضَعِيفٌ ، مَتَى مَسَّتْهُ أَدْنَى هَامَةٍ أَوْ هَامَّةٍ أَذْهَبَتْهُ ، فَكَذَلِكَ أَمْرُ أُولَئِكَ ، وَسَعْيُهُمْ مُضْمَحِلٌّ ، لَا قُوَّةَ لَهُ وَلَا مُعْتَمَدٌ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : الْغَرَضُ تَشْبِيهُ مَا اتَّخَذُوهُ مُتَّكَلًا وَمُعْتَمَدًا فِي دِينِهِمْ ، وَتَوَلَّوْهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ، مِمَّا هُوَ مَثَلٌ عِنْدِ النَّاسِ فِي الْوَهْنِ وَضَعْفِ الْقُوَّةِ ، وَهُوَ نَسْجُ الْعَنْكَبُوتِ . أَلَا تَرَى إِلَى مَقْطَعِ التَّشْبِيهِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=41إِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ ) ؟ انْتَهَى . يَعْنِي بِقَوْلِهِ : أَلَا تَرَى إِلَى مَقْطَعِ التَّشْبِيهِ بِمَا ذَكَرَ أَوَّلًا مِنْ أَنَّ الْغَرَضَ تَشْبِيهُ الْمُتَّخِذِ بِالْبَيْتِ ، لَا تَشْبِيهُ الْمُتَّخِذِ بِالْعَنْكَبُوتِ ؟ وَالَّذِي يَظْهَرُ ، هُوَ تَشْبِيهُ الْمُتَّخِذِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا ، بِالْعَنْكَبُوتِ الْمُتَّخِذَةِ بَيْتًا ، أَيْ : فَلَا اعْتِمَادَ لِلْمُتَّخِذِ عَلَى وَلِيِّهِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ، كَمَا أَنَّ الْعَنْكَبُوتَ لَا اعْتِمَادُهَا عَلَى بَيْتِهَا فِي اسْتِظْلَالٍ وَسُكْنَى ، بَلْ لَوْ دَخَلَتْ فِيهِ خَرَقَتْهُ . ثُمَّ بَيَّنَ حَالَ بَيْتِهَا ، وَأَنَّهُ فِي غَايَةِ الْوَهْنِ ، بِحَيْثُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ . كَمَا أَنَّ تِلْكَ الْأَصْنَامَ لَا تَنْفَعُ وَلَا تُجْدِي شَيْئًا الْبَتَّةَ ، وَقَوْلُهُ : ( لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) لَيْسَ مَرْتَبِطًا بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=41وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ ) لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ ذَلِكَ ، فَلَا يُقَالُ فِيهِ : لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ; وَإِنَّمَا الْمَعْنَى : لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا مَثَلُهُمْ ، وَأَنَّ أَمْرَ دِينِهِمْ بَالِغٌ مِنَ الْوَهْنِ هَذِهِ الْغَايَةَ لَأَقْلَعُوا عَنْهُ ، وَمَا اتَّخَذُوا الْأَصْنَامَ آلِهَةً .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : إِذَا صَحَّ تَشْبِيهُ مَا اعْتَمَدُوهُ فِي دِينِهِمْ بِبَيْتِ الْعَنْكَبُوتِ ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ بَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ ، فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ دِينَهُمْ أَوْهَنَ الْأَدْيَانِ ، لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ; أَوْ أُخْرِجَ الْكَلَامُ بَعْدَ تَصْحِيحِ التَّشْبِيهِ مَخْرَجَ الْمَجَازِ ، وَكَأَنَّهُ قَالَ : وَإِنَّ
[ ص: 153 ] أَوْهَنَ مَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي الدِّينِ عِبَادَةُ الْأَوْثَانِ ، لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ . وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : مَثَلُ الْمُشْرِكِ الَّذِي يَعْبُدُ الْوَثَنَ ، بِالْقِيَاسِ إِلَى الْمُؤْمِنَ الَّذِي يَعْبُدُ اللَّهَ ، مَثَلُ عَنْكَبُوتٍ يَتَّخِذُ بَيْتًا ، بِالْإِضَافَةِ إِلَى رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا بِآجُرٍّ وَجِصٍّ أَوْ نَحَتَهُ مِنْ صَخْرٍ . فَكَمَا أَنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ ، إِذَا اسْتَقْرَيْتَهَا بَيْتًا ، بَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ ، كَذَلِكَ أَضْعَفُ الْأَدْيَانِ ، إِذَا اسْتَقْرَيْتَهَا دِينًا ، عِبَادَةُ الْأَوْثَانِ ، لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ . انْتَهَى .
وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِهِ : وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إِلَخْ . لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُ الْآيَةِ ، وَإِنَّمَا هُوَ تَحْمِيلٌ لِلَّفْظِ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ ، كَعَادَتِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ تَفْسِيرِهِ . وَقَرَأَ
أَبُو عَمْرٍو ،
وَسَلَامٌ : ( يَعْلَمُ مَا ) ، بِالْإِدْغَامِ ; وَالْجُمْهُورُ : بِالْفَكِّ ; وَالْجُمْهُورُ : " تَدْعُونَ " ، بِتَاءِ الْخِطَابِ ;
وَأَبُو عَمْرٍو ،
وَعَاصِمٌ : بِخِلَافٍ ، بِيَاءِ الْغَيْبَةِ ; وَجَوَّزُوا فِي ( مَا ) أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا بِـ : ( يَدْعُونَ ) ، أَيْ : يَعْلَمُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ ، أَيْ : يَعْلَمُ حَالَهُمْ ، وَأَنَّهُمْ لَا قُدْرَةَ لَهُمْ . وَأَنْ تَكُونَ نَافِيَةً ، أَيْ : لَسْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ شَيْئًا لَهُ بَالٌ وَلَا قَدْرٌ ، فَيَصْلُحُ أَنْ يُسَمَّى شَيْئًا ، وَأَنْ يَكُونَ اسْتِفْهَامًا ، كَأَنَّهُ قُدِّرَ عَلَى جِهَةِ التَّوْبِيخِ عَلَى هَذَا الْمَعْبُودِ مِنْ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ ، وَهِيَ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ مُقْتَطَعَةٌ مِنْ ( يَعْلَمُ ) ، وَاعْتِرَاضٌ بَيْنَ يَعْلَمُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=42وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) . وَجَوَّزَ أَبُو عَلِيٍّ أَنْ يَكُونَ ( مَا ) اسْتِفْهَامًا مَنْصُوبًا بِـ : ( يَدْعُونَ ) ، وَ ( يَعْلَمُ ) مُعَلَّقَةٌ ; فَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِهَا ، وَالْمَعْنَى : أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَوْثَانًا تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ، أَمْ غَيْرَهَا لَا يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ . وَالْجُمْلَةُ تَأْكِيدٌ لِلْمَثَلِ ، وَإِذَا كَانَتْ ( مَا ) نَافِيَةً ، كَانَ فِي الْجُمْلَةِ زِيَادَةٌ عَلَى الْمَثَلِ ، حَيْثُ لَمْ يَجْعَلْ تَعَالَى مَا يَدْعُونَهُ شَيْئًا . ( وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) فِيهِ تَجْهِيلٌ لَهُمْ ، حَيْثُ عَبَدُوا مَا لَيْسَ بِشَيْءٍ ; لِأَنَّهُ جَمَادٌ لَيْسَ مَعَهُ مُصَحَّحُ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ أَصْلًا ، وَتَرَكُوا عِبَادَةَ الْقَادِرِ الْقَاهِرِ الْحَكِيمِ الَّذِي لَا يَفْعَلُ شَيْئًا إِلَّا لِحِكْمَةٍ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=43وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ) أَيْ : لَا يَعْقِلُ صِحَّتَهَا وَحُسْنَهَا وَفَائِدَتَهَا .
وَكَانَ جَهَلَةُ
قُرَيْشٍ يَقُولُونَ : إِنَّ رَبَّ
مُحَمَّدٍ يَضْرِبُ الْمَثَلَ بِالذُّبَابِ وَالْعَنْكَبُوتِ ، وَيَضْحَكُونَ مِنْ ذَلِكَ ، وَمَا عَلِمُوا أَنَّ الْأَمْثَالَ وَالتَّشْبِيهَاتِ طُرُقٌ إِلَى الْمَعَانِي الْمُحْتَجَبَةِ ، فَتُبْرِزُهَا وَتُصَوِّرُهَا لِلْفَهْمِ ، كَمَا صَوَّرَ هَذَا التَّشْبِيهُ الْفَرْقَ بَيْنَ حَالِ الْمُشْرِكِ وَحَالِ الْمُوَحِّدِ . وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ : ( وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ ) إِلَى هَذَا الْمَثَلِ ، وَمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَمْثَالِ فِي السُّوَرِ . وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ فَقَالَ :
" الْعَالِمُ مَنْ عَقِلَ عَنِ اللَّهِ فَعَمِلَ بِطَاعَتِهِ وَاجْتَنَبَ سُخْطَهُ " .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=44خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ) فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى صِغَرِ قَدْرِ الْأَوْثَانِ الَّتِي عَبَدُوهَا . وَمَعْنَى ( بِالْحَقِّ ) بِالْوَاجِبِ الثَّابِتِ ، لَا بِالْعَبَثِ وَاللَّعِبِ ، إِذْ جَعَلَهَا مَسَاكِنَ عِبَادِهِ ، وَعِبْرَةً وَدَلَائِلَ عَلَى عَظِيمِ قُدْرَتِهِ وَبَاهِرِ حِكْمَتِهِ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ الصَّلَاةَ هِيَ الْمَعْهُودَةُ ، وَالْمَعْنَى : مِنْ شَأْنِهَا أَنَّهَا إِذَا أُدِّيَتْ عَلَى مَا يَجِبُ مِنْ فُرُوضِهَا وَسُنَنِهَا وَالْخُشُوعِ فِيهَا ، وَالتَّدَبُّرِ لِمَا يَتْلُو فِيهَا ، وَتَقْدِيرُ الْمُثُولِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى ، أَنْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=45تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ) . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ،
وَالْكَلْبِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13036وَابْنُ جُرَيْجٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15741وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ : تَنْهَى مَا دَامَ الْمُصَلِّي فِيهَا . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنُ عُمَرَ : الصَّلَاةُ هُنَا الْقُرْآنُ . وَقَالَ
ابْنُ بَحْرٍ : الصَّلَاةُ : الدُّعَاءُ ، أَيْ : أَقِمِ الدُّعَاءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ، وَأَمَّا مَنْ تَرَاهُ مِنَ الْمُصَلِّينَ يَتَعَاطَى الْمَعَاصِيَ ، فَإِنَّ صَلَاتَهُ تِلْكَ لَيْسَتْ بِالْوَصْفِ الَّذِي تَقَدَّمَ .
وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ فَتًى مِنَ الْأَنْصَارِ كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَا يَدَعُ شَيْئًا مِنَ الْفَوَاحِشِ وَالسَّرِقَةِ إِلَّا ارْتَكَبَهُ ، فَقِيلَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ، فَقَالَ : " إِنَّ صَلَاتَهُ تَنْهَاهُ " . فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ تَابَ وَصَلُحَتْ حَالُهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ ؟ " وَلَا يَدُلُّ اللَّفْظُ عَلَى أَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ تَنْهَى ، بَلِ الْمَعْنَى ، أَنَّهُ يُوجَدُ ذَلِكَ فِيهَا ، وَلَا يَكُونُ عَلَى الْعُمُومِ . كَمَا تَقُولُ : فُلَانٌ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ ، أَيْ : مِنْ شَأْنِهِ ذَلِكَ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ مَعْرُوفٍ يَأْمُرُ بِهِ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ ( أَكْبَرُ ) أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ . فَقَالَ
عَبْدُ اللَّهِ ،
وَسَلْمَانُ ،
وَأَبُو الدَّرْدَاءِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنُ عَبَّاسٍ ،
وَأَبُو قُرَّةَ : مَعْنَاهُ وَلَذِكْرُ اللَّهِ إِيَّاكُمْ أَكْبَرُ مِنْ ذِكْرِكُمْ إِيَّاهُ . وَقَالَ
قَتَادَةُ ،
وَابْنُ زَيْدٍ : أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ; وَقِيلَ : وَلَذِكْرُ اللَّهِ فِي الصَّلَاةِ أَكْبَرُ مِنْهُ خَارِجَ الصَّلَاةِ ، أَيْ : أَكْبَرُ ثَوَابًا ; وَقِيلَ : أَكْبَرُ مِنْ سَائِرِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ ; وَقِيلَ : وَلَذِكْرُ اللَّهِ نَهْيُهُ أَكْبَرُ مِنْ نَهْيِ الصَّلَاةِ ; وَقِيلَ : أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ
[ ص: 154 ] الْعِبَادَةِ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَعِنْدِي أَنَّ الْمَعْنَى : وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ عَلَى الْإِطْلَاقِ ، أَيْ : هُوَ الَّذِي يَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ، وَالْجُزْءُ الَّذِي مِنْهُ فِي الصَّلَاةِ يَنْهَى ، كَمَا يَنْهَى فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ ; لِأَنَّ الِانْتِهَاءَ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ ذَاكِرِ اللَّهِ مُرَاقِبِهِ ، وَثَوَابُ ذَلِكَ الذَّاكِرِ أَنْ يَذْكُرَهُ اللَّهُ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْ مَلَئِهِ ، وَالْحَرَكَاتُ الَّتِي فِي الصَّلَاةِ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي النَّهْيِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=24412وَالذِّكْرُ النَّافِعُ هُوَ مَعَ الْعِلْمِ وَإِقْبَالِ الْقَلْبِ وَتَفَرُّغِهِ إِلَّا مِنَ اللَّهِ . وَأَمَّا مَا لَا يُجَاوِزُ اللِّسَانَ فَفِي رُتْبَةٍ أُخْرَى . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : يُرِيدُ وَالصَّلَاةُ أَكْبَرُ مِنْ غَيْرِهَا مِنَ الطَّاعَاتِ ، وَسَمَّاهَا بِذِكْرِ اللَّهِ ، كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=9فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ) وَإِنَّمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=45وَلَذِكْرُ اللَّهِ ) لِتَسْتَقِلَّ بِالتَّعْلِيلِ ، كَأَنَّهُ قَالَ : وَالصَّلَاةُ أَكْبَرُ ; لِأَنَّهَا ذِكْرُ اللَّهِ مِمَّا تَصْنَعُونَ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَيُجَازِيكُمْ ، وَفِيهِ وَعِيدٌ وَحَثٌّ عَلَى الْمُرَاقَبَةِ .