(
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=46nindex.php?page=treesubj&link=29001ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته ولتجري الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=47ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=48الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=49وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=50فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=51ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=52فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=53وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون ) .
[ ص: 178 ] لما ذكر تعالى ظهور الفساد والهلاك بسبب الشرك ، ذكر ظهور الصلاح . والكريم لا يذكر لإحسانه عوضا ، ويذكر لعقابه سببا ; لئلا يتوهم به الظلم ; فذكر من إعلام قدرة إرسال الرياح مبشرات بالمطر ; لأنها متقدمة . والمبشرات : رياح الرحمة ، الجنوب والشمال والصبا ، وأما الدبور ، فريح العذاب ، وليس تبشيرها مقتصرا به على المطر ، بل لها تبشيرات بسبب السفن والسير بها إلى مقاصد أهلها ، وكأنه بدأ أولا بشيء عام ، وهو التبشير . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش : الريح ، مفردا ، وأراد معنى الجمع ، ولذلك قرأ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=46مبشرات ) . ثم ذكر من أعظم تباشيرها إذاقة الرحمة ، وهي نزول المطر ، ويتبعه حصول الخصب ، والريح الذي معه الهبوب ، وإزالة العفونة من الهواء ، وتذرية الحبوب ، وغير ذلك . (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=46وليذيقكم ) عطف على معنى ( مبشرات ) ، فالعامل أن يرسل ، ويكون عطفا على التوهم ، كأنه قيل : ليبشروكم ، والحال والصفة قد يجيئان ، وفيهما معنى التعليل . تقول : أهن زيدا سيئا وأكرم زيدا العالم ، تريد لإساءته ولعلمه . وقيل : ما يتعلق به اللام محذوف ، أي : ولكنا أرسلناها . وقيل : الواو في ( وليذيقكم ) زائدة . و ( بأمره ) أي : بأمر الله ، يعني أن جريانها ، لما كان مسندا إليها ، أخبر أنه بأمره تعالى . ( من فضله ) مما يهيئ لكم من الريح في التجارات في البحر ، ومن غنائم أهل الشرك . ثم بين لرسوله بأن ضرب له مثل من أرسل من الأنبياء ، ولما كان تعالى بين الأصلين : المبدأ والمعاد ، بين ذكر الأصل الثالث ، وهو النبوة ; وفي الكلام حذف تقديره : وآمن به بعض وكذب بعض (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=47فانتقمنا من الذين أجرموا ) .
وفي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=47وكان حقا علينا نصر المؤمنين ) تبشير للرسول وأمته بالنصر والظفر ، إذ أخبر أن المؤمنين بأولئك المؤمنين نصروا ، وفي لفظ ( حقا ) مبالغة في التحتم ، وتكريم للمؤمنين ، وإظهار لفضيلة سابقة الإيمان ، حيث جعلهم مستحقين النصر والظفر . والظاهر أن ( حقا ) خبر كان ، و (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=47نصر المؤمنين ) الاسم ، وأخر لكون ما تعلق به فاصلة للاهتمام بالجزاء ، إذ هو محط الفائدة . وقال
ابن عطية : وقف بعض القراء على ( حقا ) وجعله من الكلام المتقدم ، ثم استأنف جملة من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=47علينا نصر المؤمنين ) وهذا قول ضعيف ; لأنه لم يدر قدر ما عرضه في نظم الآية . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وقد يوقف على ( حقا ) ومعناه : وكان الانتقام منهم حقا ، ثم يبتدأ علينا (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=47نصر المؤمنين ) . انتهى . وفي الوقف على (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=47وكان حقا ) بيان أنه لم يكن الانتقام ظلما ، بل عدلا ; لأنه لم يكن إلا بعد كون بقائهم غير مفيد إلا زيادة الإثم وولادة الفاجر الكافر ، فكان عدمهم خيرا من وجودهم الخبيث .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=48الله الذي يرسل الرياح ) هذا متعلق بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=46ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات ) والجملة التي بينهما اعتراض ، جاءت تأنيسا للرسول ، وتسلية ووعدا بالنصر ، ووعيدا لأهل الكفر ، وفي إرسالها قدرة وحكمة . أما القدرة ، فإن الهواء اللطيف الذي يسبقه البرق بحيث يقلع الشجر ويهدم البناء ، وهو ليس بذاته يفعل ذلك ، بل بفاعل مختار . وأما الحكمة ، ففيما يفضي إليه نفس الهبوب من إثارة السحب ، وإخراج الماء منه ، وإنبات الزرع ، ودر الضرع ، واختصاصه بناس دون ناس ; وهذه حكمة بالغة معروفة بالمشيئة والإثارة ، تحريكها وتسييرها . والبسط : نشرها في الآفاق ، والكسف : القطع . وتقدم الكلام على قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=48فترى الودق يخرج من خلاله ) وذكر الخلاف في ( كسفا ) وحاله من جهة القراء . والضمير في : ( من خلاله ) الظاهر أنه عائد على السحاب ، إذ هو المحدث عنه ، وذكر الضمير لأن السحاب اسم جنس يجوز تذكيره وتأنيثه . قيل : ويحتمل أن يعود على ( كسفا ) في قراءة من سكن العين ، والمراد بالسماء : سمت السماء ، كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=24وفرعها في السماء ) . (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=48فإذا أصاب به من يشاء ) أي : أرض من يشاء إصابتها ، فاجأهم الاستبشار ، ولم يتأخر سرورهم . وقال
الأخفش : ( من قبله ) تأكيد لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=49من قبل أن ينزل عليهم ) .
وقال
ابن عطية : أفاد الإعلام بسرعة
[ ص: 179 ] تقلب قلوب البشر من الإبلاس إلى الاستبشار ، وذلك أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=49من قبل أن ينزل عليهم ) يحتمل الفسحة في الزمان ، أي : من قبل أن ينزل بكثير ، كالأيام ونحوه ، فجاء قوله : ( من قبل ) بمعنى : أن ذلك متصل بالمطر ، فهو تأكيد مقيد . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وبمعنى التوكيد ، فيه الدلالة على أن عهدهم بالمطر قد تطاول وبعد ، فاستحكم يأسهم وتمادى إبلاسهم ، فكان الاستبشار على قدر اهتمامهم بذلك . انتهى . وما ذكره
ابن عطية nindex.php?page=showalam&ids=14423والزمخشري من فائدة التأكيد في قوله : ( من قبله ) غير ظاهر ، وإنما هو عند ذكره لمجرد التوكيد ، ويفيد رفع المجاز فقط . وقال
قطرب : التقدير : وإن كانوا من قبل التنزيل ، من قبل المطر . انتهى . وصار من قبل إنزال المطر : من قبل المطر ، وهذا تركيب لا يسوغ في كلام فصيح ، فضلا عن القرآن . وقيل : التقدير : من قبل تنزيل الغيث : من قبل أن يزرعوا ، ودل المطر على الزرع ; لأنه يخرج بسبب المطر ; ودل على ذلك قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=51فرأوه مصفرا ) يعني الزرع . انتهى . وهذا لا يستقيم ; لأن (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=49من قبل أن ينزل عليهم ) متعلق بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=49لمبلسين ) . ولا يمكن من قبل الزرع أن يتعلق بـ : " مبلسين " ; لأن حرفي جر لا يتعلقان بعامل واحد إلا إن كان بواسطة حرف العطف ، أو على جهة البدل . وليس التركيب هنا ومن قبله بحرف العطف ، ولا يصح فيه البدل ، إذ إنزال الغيث ليس هو الزرع ، ولا الزرع بعضه . وقد يتخيل فيه بدل الاشتمال بتكلف ؛ إما لاشتمال الإنزال على الزرع ، بمعنى أن الزرع يكون ناشئا عن الإنزال ، فكأن الإنزال مشتمل عليه ، وهذا على مذهب من يقول : الأول يشتمل على الثاني . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد : الثاني السحاب ، ويحتاج أيضا إلى حرف عطف حتى يمكن تعلق الحرفين بـ : " مبلسين " . وقال
علي بن عيسى : من قبل الإرسال . وقال
الكرماني : ومن قبل الاستبشار ; لأنه قرنه بالإبلاس ، ولأنه من عليهم بالاستبشار . انتهى . ويحتاج قوله وقول
ابن عيسى إلى حرف العطف ، فإن ادعى في قوله من جعل الضمير في ( من قبله ) عائد إلى غير إنزال الغيث أن حرف العطف محذوف ، أمكن ، لكن في حذف حرف العطف خلاف ، أي : أينقاس أم لا ينقاس ؟ أما حذفه مع الجمل فجائز ، وأما وحده فهو الذي فيه الخلاف .
وقرأ
الحرميان ،
وأبو عمرو ،
وأبو بكر : إلى " أثر " ، بالإفراد ; وباقي السبعة : بالجمع ; وسلام : بكسر الهمزة وإسكان الثاء . وقرأ
الجحدري ،
وابن السميقع ،
وأبو حيوة : " تحيي " ، بالتاء للتأنيث ، والضمير عائد على الرحمة . وقال صاحب اللوامح : وإنما أنث الأثر لاتصاله بالرحمة إضافة إليها ، فاكتسب التأنيث منها ، ومثل ذلك لا يجوز إلا إذا كان المضاف بمعنى المضاف إليه ، أو من سببه . وأما إذا كان أجنبيا ، فلا يجوز بحال . انتهى . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15948زيد بن علي : " نحيي " ، بنون العظمة ; والجمهور : ( يحيي ) بياء الغيبة ، والضمير لله ، ويدل عليه قراءة (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=50آثار ) بالجمع ، وقيل : يعود على " أثر " في قراءة من أفرد . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابن جني : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=50كيف يحيي ) جملة منصوبة الموضع على الحال حملا على المعنى ، كأنه قال : محييا ، وهذا فيه نظر . ( إن ذلك ) أي : القادر على إحياء الأرض بعد موتها ، هو الذي يحيي الناس بعد موتهم . وهذا الإخبار على جهة القياس في البعث ، والبعث من الأشياء التي هو قادر عليها تعالى .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=51ولئن أرسلنا ريحا ) أخبر تعالى عن حال تقلب ابن
آدم ، أنه بعد الاستبشار بالمطر ، بعث الله ريحا ، فاصفر بها النبات . لظلوا يكفرون قلقا منهم ، والريح التي تصفر النبات صر حرور ، وهما مما يصبح به النبات هشيما ، والحرور جنب الشمال إذا عصفت . والضمير في (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=51فرأوه ) عائد على ما يفهم من سياق الكلام ، وهو النبات . وقيل : إلى الأثر ; لأن الرحمة هي الغيث ، وأثرها هو النبات . ومن قرأ : ( آثار ) ، بالجمع ، رجع الضمير إلى آثار الرحمة ، وهو النبات ، واسم النبات يقع على القليل والكثير ; لأنه مصدر سمي به ما ينبت . وقال
ابن عيسى : الضمير في (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=51فرأوه ) عائد على السحاب ; لأن السحاب إذا اصفر لم يمطر ; وقيل : على الريح ، وهذان قولان ضعيفان . وقرأ
صباح بن حبيش : " مصفارا " ، بألف بعد الفاء . واللام في ( ولئن ) مؤذنة بقسم محذوف
[ ص: 180 ] وجوابه ( لظلوا ) ، وهو مما وضع فيه الماضي موضع المستقبل اتساعا تقديره : ليظلن ، ونظيره قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=145ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك ) أي : ما يتبعون ، ذمهم تعالى في جميع أحوالهم ، كان عليهم أن يتوكلوا على فضل الله فقنطوا ، وإن شكروا نعمته فلم يزيدوا على الفرح والاستبشار ، وإن تصبروا على بلائه كفروا . والضمير في ( من بعده ) عائد على الاصفرار ، أي : من بعد اصفرار النبات تجحدون نعمته . وتقدم الكلام على قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=52فإنك لا تسمع الموتى ) إلى قوله : ( فهم مسلمون ) في أواخر النمل ، إلا أن هنا الربط بالفاء في قوله : ( فإنك ) .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=46nindex.php?page=treesubj&link=29001وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=47وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=48اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=49وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=50فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=51وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=52فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=53وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعْ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ ) .
[ ص: 178 ] لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى ظُهُورَ الْفَسَادِ وَالْهَلَاكِ بِسَبَبِ الشِّرْكِ ، ذَكَرَ ظُهُورَ الصَّلَاحِ . وَالْكَرِيمُ لَا يَذْكُرُ لِإِحْسَانِهِ عِوَضًا ، وَيَذْكُرُ لِعِقَابِهِ سَبَبًا ; لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ بِهِ الظُّلْمُ ; فَذَكَرَ مِنْ إِعْلَامِ قُدْرَةِ إِرْسَالِ الرِّيَاحِ مُبَشِّرَاتٍ بِالْمَطَرِ ; لِأَنَّهَا مُتَقَدِّمَةٌ . وَالْمُبَشِّرَاتُ : رِيَاحُ الرَّحْمَةِ ، الْجَنُوبُ وَالشَّمَالُ وَالصَّبَا ، وَأَمَّا الدَّبُّورُ ، فَرِيحُ الْعَذَابِ ، وَلَيْسَ تَبْشِيرُهَا مُقْتَصَرًا بِهِ عَلَى الْمَطَرِ ، بَلْ لَهَا تَبْشِيرَاتٌ بِسَبَبِ السُّفُنِ وَالسَّيْرِ بِهَا إِلَى مَقَاصِدِ أَهْلِهَا ، وَكَأَنَّهُ بَدَأَ أَوَّلًا بِشَيْءٍ عَامٍّ ، وَهُوَ التَّبْشِيرُ . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الْأَعْمَشُ : الرِّيحُ ، مُفْرَدًا ، وَأَرَادَ مَعْنَى الْجَمْعِ ، وَلِذَلِكَ قَرَأَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=46مُبَشِّرَاتٍ ) . ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ أَعْظَمِ تَبَاشِيرِهَا إِذَاقَةَ الرَّحْمَةِ ، وَهِيَ نُزُولُ الْمَطَرِ ، وَيَتْبَعُهُ حُصُولُ الْخِصْبِ ، وَالرِّيحُ الَّذِي مَعَهُ الْهَبُوبُ ، وَإِزَالَةُ الْعُفُونَةِ مِنَ الْهَوَاءِ ، وَتَذْرِيَةُ الْحُبُوبِ ، وَغَيْرُ ذَلِكَ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=46وَلِيُذِيقَكُمْ ) عَطْفٌ عَلَى مَعْنَى ( مُبَشِّرَاتٍ ) ، فَالْعَامِلُ أَنْ يُرْسِلَ ، وَيَكُونُ عَطْفًا عَلَى التَّوَهُّمِ ، كَأَنَّهُ قِيلَ : لِيُبَشِّرُوكُمْ ، وَالْحَالُ وَالصِّفَةُ قَدْ يَجِيئَانِ ، وَفِيهِمَا مَعْنَى التَّعْلِيلِ . تَقُولُ : أُهِنْ زَيْدًا سَيِّئًا وَأُكْرِمْ زَيْدًا الْعَالِمَ ، تُرِيدُ لِإِسَاءَتِهِ وَلِعِلْمِهِ . وَقِيلَ : مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ اللَّامُ مَحْذُوفٌ ، أَيْ : وَلَكِنَّا أَرْسَلْنَاهَا . وَقِيلَ : الْوَاوُ فِي ( وَلِيُذِيقَكُمْ ) زَائِدَةٌ . وَ ( بِأَمْرِهِ ) أَيْ : بِأَمْرِ اللَّهِ ، يَعْنِي أَنَّ جَرَيَانَهَا ، لَمَّا كَانَ مُسْنَدًا إِلَيْهَا ، أَخْبَرَ أَنَّهُ بِأَمْرِهِ تَعَالَى . ( مِنْ فَضْلِهِ ) مِمَّا يُهَيِّئُ لَكُمْ مِنَ الرِّيحِ فِي التِّجَارَاتِ فِي الْبَحْرِ ، وَمِنْ غَنَائِمِ أَهْلِ الشِّرْكِ . ثُمَّ بَيَّنَ لِرَسُولِهِ بِأَنْ ضَرَبَ لَهُ مَثَلُ مَنْ أَرْسَلَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ، وَلَمَّا كَانَ تَعَالَى بَيَّنَ الْأَصْلَيْنِ : الْمَبْدَأِ وَالْمَعَادِ ، بَيَّنَ ذِكْرَ الْأَصْلِ الثَّالِثِ ، وَهُوَ النُّبُوَّةُ ; وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ : وَآمَنَ بِهِ بَعْضٌ وَكَذَّبَ بَعْضٌ (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=47فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا ) .
وَفِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=47وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ) تَبْشِيرٌ لِلرَّسُولِ وَأُمَّتِهِ بِالنَّصْرِ وَالظَّفَرِ ، إِذْ أَخْبَرَ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ بِأُولَئِكَ الْمُؤْمِنِينَ نُصِرُوا ، وَفِي لَفْظِ ( حَقًّا ) مُبَالَغَةٌ فِي التَّحَتُّمِ ، وَتَكْرِيمٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ، وَإِظْهَارٌ لِفَضِيلَةِ سَابِقَةِ الْإِيمَانِ ، حَيْثُ جَعَلَهُمْ مُسْتَحِقِّينَ النَّصْرَ وَالظَّفَرَ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ ( حَقًّا ) خَبَرُ كَانَ ، وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=47نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ) الِاسْمُ ، وَأُخِّرَ لِكَوْنِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ فَاصِلَةً لِلِاهْتِمَامِ بِالْجَزَاءِ ، إِذْ هُوَ مَحَطُّ الْفَائِدَةِ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَقَفَ بَعْضُ الْقُرَّاءِ عَلَى ( حَقًّا ) وَجَعَلَهُ مِنَ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ جُمْلَةً مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=47عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ) وَهَذَا قَوْلٌ ضَعِيفٌ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَدْرِ قَدْرَ مَا عَرَضَهُ فِي نَظْمِ الْآيَةِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَقَدْ يُوقَفُ عَلَى ( حَقًّا ) وَمَعْنَاهُ : وَكَانَ الِانْتِقَامُ مِنْهُمْ حَقًّا ، ثُمَّ يُبْتَدَأُ عَلَيْنَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=47نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ) . انْتَهَى . وَفِي الْوَقْفِ عَلَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=47وَكَانَ حَقًّا ) بَيَانُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الِانْتِقَامُ ظُلْمًا ، بَلْ عَدْلًا ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ إِلَّا بَعْدَ كَوْنِ بَقَائِهِمْ غَيْرَ مُفِيدٍ إِلَّا زِيَادَةُ الْإِثْمِ وَوِلَادَةُ الْفَاجِرِ الْكَافِرِ ، فَكَانَ عُدْمُهُمْ خَيْرًا مِنْ وُجُودِهِمُ الْخَبِيثِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=48اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ ) هَذَا مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=46وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ ) وَالْجُمْلَةُ الَّتِي بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضٌ ، جَاءَتْ تَأْنِيسًا لِلرَّسُولِ ، وَتَسْلِيَةً وَوَعْدًا بِالنَّصْرِ ، وَوَعِيدًا لِأَهْلِ الْكُفْرِ ، وَفِي إِرْسَالِهَا قُدْرَةٌ وَحِكْمَةٌ . أَمَّا الْقُدْرَةُ ، فَإِنَّ الْهَوَاءَ اللَّطِيفَ الَّذِي يَسْبِقُهُ الْبَرْقُ بِحَيْثُ يَقْلَعُ الشَّجَرَ وَيَهْدِمُ الْبِنَاءَ ، وَهُوَ لَيْسَ بِذَاتِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ ، بَلْ بِفَاعِلٍ مُخْتَارٍ . وَأَمَّا الْحِكْمَةُ ، فَفِيمَا يُفْضِي إِلَيْهِ نَفْسُ الْهُبُوبِ مِنْ إِثَارَةِ السُّحُبِ ، وَإِخْرَاجِ الْمَاءِ مِنْهُ ، وَإِنْبَاتِ الزَّرْعِ ، وَدَرِّ الضَّرْعِ ، وَاخْتِصَاصِهِ بِنَاسٍ دُونَ نَاسٍ ; وَهَذِهِ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِالْمَشِيئَةِ وَالْإِثَارَةِ ، تَحْرِيكُهَا وَتَسْيِيرُهَا . وَالْبَسْطُ : نَشْرُهَا فِي الْآفَاقِ ، وَالْكِسَفُ : الْقِطَعُ . وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=48فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ ) وَذَكَرَ الْخِلَافَ فِي ( كِسَفًا ) وَحَالُهُ مِنْ جِهَةِ الْقُرَّاءِ . وَالضَّمِيرُ فِي : ( مِنْ خِلَالِهِ ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ عَائِدٌ عَلَى السَّحَابِ ، إِذْ هُوَ الْمُحَدِّثُ عَنْهُ ، وَذُكِّرَ الضَّمِيرُ لِأَنَّ السَّحَابَ اسْمُ جِنْسٍ يَجُوزُ تَذْكِيرُهُ وَتَأْنِيثُهُ . قِيلَ : وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ عَلَى ( كِسَفًا ) فِي قِرَاءَةِ مَنْ سَكَّنَ الْعَيْنَ ، وَالْمُرَادُ بِالسَّمَاءِ : سَمَتِ السَّمَاءُ ، كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=24وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ) . (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=48فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ ) أَيْ : أَرْضَ مَنْ يَشَاءُ إِصَابَتُهَا ، فَاجَأَهُمُ الِاسْتِبْشَارُ ، وَلَمْ يَتَأَخَّرْ سُرُورُهُمْ . وَقَالَ
الْأَخْفَشُ : ( مِنْ قَبْلِهِ ) تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=49مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ ) .
وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : أَفَادَ الْإِعْلَامَ بِسُرْعَةِ
[ ص: 179 ] تَقَلُّبِ قُلُوبِ الْبَشَرِ مِنَ الْإِبْلَاسِ إِلَى الِاسْتِبْشَارِ ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=49مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ ) يَحْتَمِلُ الْفُسْحَةَ فِي الزَّمَانِ ، أَيْ : مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ بِكَثِيرٍ ، كَالْأَيَّامِ وَنَحْوِهِ ، فَجَاءَ قَوْلُهُ : ( مِنْ قَبْلِ ) بِمَعْنَى : أَنَّ ذَلِكَ مُتَّصِلٌ بِالْمَطَرِ ، فَهُوَ تَأْكِيدٌ مُقَيَّدٌ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَبِمَعْنَى التَّوْكِيدِ ، فِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ عَهْدَهُمْ بِالْمَطَرِ قَدْ تَطَاوَلَ وَبَعُدَ ، فَاسْتَحْكَمَ يَأْسُهُمْ وَتَمَادَى إِبْلَاسُهُمْ ، فَكَانَ الِاسْتِبْشَارُ عَلَى قَدْرِ اهْتِمَامِهِمْ بِذَلِكَ . انْتَهَى . وَمَا ذَكَرَهُ
ابْنُ عَطِيَّةَ nindex.php?page=showalam&ids=14423وَالزَّمَخْشَرِيُّ مِنْ فَائِدَةِ التَّأْكِيدِ فِي قَوْلِهِ : ( مِنْ قَبْلِهِ ) غَيْرُ ظَاهِرٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَ ذِكْرِهِ لِمُجَرَّدِ التَّوْكِيدِ ، وَيُفِيدُ رَفْعَ الْمَجَازِ فَقَطْ . وَقَالَ
قُطْرُبٌ : التَّقْدِيرُ : وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ التَّنْزِيلِ ، مِنْ قَبْلِ الْمَطَرِ . انْتَهَى . وَصَارَ مِنْ قَبْلِ إِنْزَالِ الْمَطَرِ : مِنْ قَبْلِ الْمَطَرِ ، وَهَذَا تَرْكِيبٌ لَا يَسُوغُ فِي كَلَامٍ فَصِيحٍ ، فَضْلًا عَنِ الْقُرْآنِ . وَقِيلَ : التَّقْدِيرُ : مِنْ قَبْلِ تَنْزِيلِ الْغَيْثِ : مِنْ قَبْلِ أَنْ يَزْرَعُوا ، وَدَلَّ الْمَطَرُ عَلَى الزَّرْعِ ; لِأَنَّهُ يَخْرُجُ بِسَبَبِ الْمَطَرِ ; وَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=51فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا ) يَعْنِي الزَّرْعَ . انْتَهَى . وَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ ; لِأَنَّ (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=49مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=49لَمُبْلِسِينَ ) . وَلَا يُمْكِنُ مِنْ قَبْلِ الزَّرْعِ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِـ : " مُبْلِسِينَ " ; لِأَنَّ حَرْفَيْ جَرٍّ لَا يَتَعَلَّقَانِ بِعَامِلٍ وَاحِدٍ إِلَّا إِنْ كَانَ بِوَاسِطَةِ حَرْفِ الْعَطْفِ ، أَوْ عَلَى جِهَةِ الْبَدَلِ . وَلَيْسَ التَّرْكِيبُ هُنَا وَمِنْ قَبْلِهِ بِحَرْفِ الْعَطْفِ ، وَلَا يَصِحُّ فِيهِ الْبَدَلُ ، إِذْ إِنْزَالُ الْغَيْثِ لَيْسَ هُوَ الزَّرْعَ ، وَلَا الزَّرْعُ بَعْضَهُ . وَقَدْ يُتَخَيَّلُ فِيهِ بَدَلُ الِاشْتِمَالِ بِتَكَلُّفٍ ؛ إِمَّا لِاشْتِمَالِ الْإِنْزَالِ عَلَى الزَّرْعِ ، بِمَعْنَى أَنَّ الزَّرْعَ يَكُونُ نَاشِئًا عَنِ الْإِنْزَالِ ، فَكَأَنَّ الْإِنْزَالَ مُشْتَمِلٌ عَلَيْهِ ، وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ : الْأَوَّلُ يَشْتَمِلُ عَلَى الثَّانِي . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15153الْمُبَرِّدُ : الثَّانِي السَّحَابُ ، وَيَحْتَاجُ أَيْضًا إِلَى حَرْفِ عَطْفٍ حَتَّى يُمْكِنَ تَعَلُّقُ الْحَرْفَيْنِ بِـ : " مُبْلِسِينَ " . وَقَالَ
عَلِيُّ بْنُ عِيسَى : مِنْ قَبْلِ الْإِرْسَالِ . وَقَالَ
الْكِرْمَانِيُّ : وَمِنْ قَبْلِ الِاسْتِبْشَارِ ; لِأَنَّهُ قَرَنَهُ بِالْإِبْلَاسِ ، وَلِأَنَّهُ مَنَّ عَلَيْهِمْ بِالِاسْتِبْشَارِ . انْتَهَى . وَيَحْتَاجُ قَوْلُهُ وَقَوْلُ
ابْنِ عِيسَى إِلَى حَرْفِ الْعَطْفِ ، فَإِنِ ادَّعَى فِي قَوْلِهِ مِنْ جَعْلِ الضَّمِيرِ فِي ( مِنْ قَبْلِهِ ) عَائِدٌ إِلَى غَيْرِ إِنْزَالِ الْغَيْثِ أَنَّ حَرْفَ الْعَطْفِ مَحْذُوفٌ ، أَمْكَنَ ، لَكِنْ فِي حَذْفِ حَرْفِ الْعَطْفِ خِلَافٌ ، أَيْ : أَيَنْقَاسُ أَمْ لَا يَنْقَاسُ ؟ أَمَّا حَذْفُهُ مَعَ الْجُمَلِ فَجَائِزٌ ، وَأَمَّا وَحْدَهُ فَهُوَ الَّذِي فِيهِ الْخِلَافُ .
وَقَرَأَ
الْحَرَمِيَّانِ ،
وَأَبُو عَمْرٍو ،
وَأَبُو بَكْرٍ : إِلَى " أَثَرِ " ، بِالْإِفْرَادِ ; وَبَاقِي السَّبْعَةِ : بِالْجَمْعِ ; وَسَلَامٌ : بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الثَّاءِ . وَقَرَأَ
الْجَحْدَرِيُّ ،
وَابْنُ السَّمَيْقَعِ ،
وَأَبُو حَيْوَةَ : " تُحْيِي " ، بِالتَّاءِ لِلتَّأْنِيثِ ، وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الرَّحْمَةِ . وَقَالَ صَاحِبُ اللَّوَامِحِ : وَإِنَّمَا أَنَّثَ الْأَثَرَ لِاتِّصَالِهِ بِالرَّحْمَةِ إِضَافَةً إِلَيْهَا ، فَاكْتَسَبَ التَّأْنِيثَ مِنْهَا ، وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إِلَّا إِذَا كَانَ الْمُضَافُ بِمَعْنَى الْمُضَافِ إِلَيْهِ ، أَوْ مِنْ سَبَبِهِ . وَأَمَّا إِذَا كَانَ أَجْنَبِيًّا ، فَلَا يَجُوزُ بِحَالٍ . انْتَهَى . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=15948زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ : " نُحْيِي " ، بِنُونِ الْعَظْمَةِ ; وَالْجُمْهُورُ : ( يُحْيِي ) بِيَاءِ الْغَيْبَةِ ، وَالضَّمِيرُ لِلَّهِ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=50آثَارِ ) بِالْجَمْعِ ، وَقِيلَ : يَعُودُ عَلَى " أَثَرِ " فِي قِرَاءَةِ مَنْ أَفْرَدَ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابْنُ جِنِّي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=50كَيْفَ يُحْيِي ) جُمْلَةٌ مَنْصُوبَةُ الْمَوْضِعِ عَلَى الْحَالِ حَمْلًا عَلَى الْمَعْنَى ، كَأَنَّهُ قَالَ : مُحْيِيًا ، وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ . ( إِنَّ ذَلِكَ ) أَيِ : الْقَادِرُ عَلَى إِحْيَاءِ الْأَرْضِ بَعْدَ مَوْتِهَا ، هُوَ الَّذِي يُحْيِي النَّاسَ بَعْدَ مَوْتِهِمْ . وَهَذَا الْإِخْبَارُ عَلَى جِهَةِ الْقِيَاسِ فِي الْبَعْثِ ، وَالْبَعْثُ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي هُوَ قَادِرٌ عَلَيْهَا تَعَالَى .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=51وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا ) أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ حَالِ تَقَلُّبِ ابْنِ
آدَمَ ، أَنَّهُ بَعْدَ الِاسْتِبْشَارِ بِالْمَطَرِ ، بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا ، فَاصْفَرَّ بِهَا النَّبَاتُ . لَظَلُّوا يَكْفُرُونَ قَلَقًا مِنْهُمْ ، وَالرِّيحُ الَّتِي تُصَفِّرُ النَّبَاتَ صِرٌّ حَرُورٌ ، وَهُمَا مِمَّا يُصْبِحُ بِهِ النَّبَاتُ هَشِيمًا ، وَالْحَرُورُ جَنْبُ الشَّمَالِ إِذَا عَصَفَتْ . وَالضَّمِيرُ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=51فَرَأَوْهُ ) عَائِدٌ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ ، وَهُوَ النَّبَاتُ . وَقِيلَ : إِلَى الْأَثَرِ ; لِأَنَّ الرَّحْمَةَ هِيَ الْغَيْثُ ، وَأَثَرُهَا هُوَ النَّبَاتُ . وَمَنْ قَرَأَ : ( آثَارِ ) ، بِالْجَمْعِ ، رَجَّعَ الضَّمِيرَ إِلَى آثَارِ الرَّحْمَةِ ، وَهُوَ النَّبَاتُ ، وَاسْمُ النَّبَاتِ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ ; لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ سُمِّيَ بِهِ مَا يَنْبُتُ . وَقَالَ
ابْنُ عِيسَى : الضَّمِيرُ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=51فَرَأَوْهُ ) عَائِدٌ عَلَى السَّحَابِ ; لِأَنَّ السَّحَابَ إِذَا اصْفَرَّ لَمْ يُمْطِرْ ; وَقِيلَ : عَلَى الرِّيحِ ، وَهَذَانِ قَوْلَانِ ضَعِيفَانِ . وَقَرَأَ
صَبَاحُ بْنُ حُبَيْشٍ : " مِصْفَارًّا " ، بِأَلِفٍ بَعْدِ الْفَاءِ . وَاللَّامُ فِي ( وَلَئِنْ ) مُؤْذِنَةٌ بِقَسَمٍ مَحْذُوفٍ
[ ص: 180 ] وَجَوَابُهُ ( لَظَلُّوا ) ، وَهُوَ مِمَّا وُضِعَ فِيهِ الْمَاضِي مَوْضِعَ الْمُسْتَقْبَلِ اتِّسَاعًا تَقْدِيرُهُ : لَيَظَلُّنَّ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=145وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ ) أَيْ : مَا يَتَّبِعُونَ ، ذَمَّهُمْ تَعَالَى فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِمْ ، كَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَوَكَّلُوا عَلَى فَضْلِ اللَّهِ فَقَنِطُوا ، وَإِنْ شَكَرُوا نِعْمَتَهُ فَلَمْ يَزِيدُوا عَلَى الْفَرَحِ وَالِاسْتِبْشَارِ ، وَإِنْ تَصْبِرُوا عَلَى بَلَائِهِ كَفَرُوا . وَالضَّمِيرُ فِي ( مِنْ بَعْدِهِ ) عَائِدٌ عَلَى الِاصْفِرَارِ ، أَيْ : مِنْ بَعْدِ اصْفِرَارِ النَّبَاتِ تَجْحَدُونَ نِعْمَتَهُ . وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=52فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى ) إِلَى قَوْلِهِ : ( فَهُمْ مُسْلِمُونَ ) فِي أَوَاخِرِ النَّمْلِ ، إِلَّا أَنَّ هُنَا الرَّبْطَ بِالْفَاءِ فِي قَوْلِهِ : ( فَإِنَّكَ ) .