(
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=29004يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليما حكيما nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=2واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=3وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=4ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=5ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=6النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا كان ذلك في الكتاب مسطورا nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=7وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=8ليسأل الصادقين عن صدقهم وأعد للكافرين عذابا أليما ) .
[ ص: 210 ] هذه السورة مدنية . وتقدم أن نداءه - صلى الله عليه وسلم - : ( يا أيها النبي ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=41ياأيها الرسول ) هو على سبيل التشريف والتكرمة والتنويه بمحله وفضيلته ، وجاء نداء غيره باسمه ، كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=33ياآدم ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=32يانوح ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=76ياإبراهيم ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=55ياموسى ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=26ياداود ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=55ياعيسى ) . وحيث ذكره على سبيل الإخبار عنه بأنه رسوله ، صرح باسمه فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29محمد رسول الله ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=144وما محمد إلا رسول ) أعلم أنه رسوله ، ولقنهم أن يسموه بذلك . وحيث لم يقصد الإعلام بذلك ، جاء اسمه كما جاء في النداء : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128لقد جاءكم رسول من أنفسكم ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=30وقال الرسول يارب ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=6النبي أولى بالمؤمنين ) وغير ذلك من الآي . وأمره بالتقوى للمتلبس بها ، أمر بالديمومة عليها والازدياد منها . والظاهر أنه أمر للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وإذا كان هو مأمورا بذلك ، فغيره أولى بالأمر . وقيل : هو خطاب له لفظا ، وهو لأمته .
وروي أنه لما قدم المدينة ، وكان يحب إسلام اليهود ، فبايعه ناس منهم على النفاق ، وكان يلين لهم جانبه ، وكانوا يظهرون النصائح في طرق المخادعة ، ولحلفه وحرصه على ائتلافهم ربما كان يسمع منهم ، فنزلت تحذيرا له منهم وتنبيها على عداوتهم . وروي أيضا أن
أبا سفيان ،
nindex.php?page=showalam&ids=28وعكرمة بن أبي جهل ،
وأبا الأعور السلمي قدموا في الموادعة التي كانت بينهم وبينه ، وقام
عبد الله بن أبي ،
ومعتب بن قشير ،
والجد بن قيس فقالوا له : ارفض ذكر آلهتنا وقل : إنها تشفع وتنفع ، وندعك وربك ; فشق ذلك عليه وعلى المؤمنين ، وهموا بقتلهم ، فنزلت . وناسب أن نهاه عن طاعة الكفار ، وهم المتظاهرون به ، وعن طاعة المنافقين ، وهم الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر . فالسببان حاويان الطائفتين ، أي : ولا تطع الكافرين من
أهل مكة ، والمنافقين من
أهل المدينة ، فيما طلبوا إليك . وروي أن
أهل مكة دعوه إلى أن يرجع إلى دينهم ، ويعطوه شطر أموالهم ، ويزوجه
شيبة بن ربيعة بنته ; وخوفه منافقو المدينة أنهم يقتلونه إن لم يرجع ، فنزلت .
ومناسبة أول هذه السورة لآخر ما قبلها واضحة ، وهو أنه حكى أنهم يستعجلون الفتح ، وهو الفصل بينهم ، وأخبر تعالى أنه يوم الفتح لا ينفعهم إيمانهم ، فأمره في أول هذه السورة بتقوى الله ، ونهاه عن طاعة الكفار والمنافقين فيما أرادوا به . (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=1إن الله كان عليما حكيما ) عليما بالصواب من الخطأ ، والمصلحة من المفسدة ; حكيما لا يضع الأشياء إلا مواضعها منوطة بالحكمة ; أو عليما حيث أمر بتقواه ، وأنها تكون عن صميم القلب ، حكيما حيث نهى عن طاعة الكفار والمنافقين . وقيل : هي تسلية للرسول ، أي : عليما بمن يتقي ، حكيما في هدي من شاء وإضلال من شاء . ثم أمره باتباع ما أوحي إليه ، وهو القرآن ، والاقتصار عليه ، وترك مراسيم الجاهلية . وقرأ
أبو عمرو : " بما يعملون " ، الأولى والثانية بياء الغيبة ; وباقي السبعة : بتاء الخطاب ، فجاز في الأولى أن يكون من باب الالتفات ، وجاز أن يكون مناسبا لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=2واتبع ) ثم أمره
[ ص: 211 ] بتفويض أمره إلى الله . وتقدم الكلام في ( كفى بالله ) في أول ما وقع في القرآن . روي أنه كان في
بني فهر رجل فيهم يقال له :
أبو معمر جميل بن أسد ، وقيل :
حميد بن معمر بن حبيب بن وهب بن حارثة بن جمح ، وفيه يقول الشاعر :
وكيف ثوائي بالمدينة بعدما قضى وطرا منها جميل بن معمر
يدعي أن له قلبين ، ويقال له : ذو القلبين ، وكان يقول : أنا أذكى من
محمد وأفهم ; فلما بلغته هزيمة
بدر طاش لبه وحدث
nindex.php?page=showalam&ids=12026أبا سفيان بن حرب بحديث كالمختل ، فنزلت . وقال
الحسن : هم جماعة ، يقول الواحد منهم : نفس تأمرني ونفس تنهاني . وقيل : إن بعض المنافقين قال إن
محمدا له قلبان ; لأنه ربما كان في شيء ، فنزع في غيره نزعة ثم عاد إلى شأنه ، فنفى الله ذلك عنه وعن كل أحد . قيل : وجه نظم هذه الآية بما قبلها ، أنه تعالى لما أمر بالتقوى ، كان من حقها أن لا يكون في القلب تقوى غير الله ، فإن المرء ليس له قلبان يتقي بأحدهما الله وبالآخر غيره ، وهو لا يتقي غيره إلا بصرف القلب عن جهة الله إلى غيره ، ولا يليق ذلك بمن يتقي الله حق تقاته . انتهى ، ملخصا . ولم يجعل الله للإنسان قلبين ; لأنه إما أن يفعل أحدهما مثل ما يفعل الآخر من أفعال القلوب ، فلا حاجة إلى أحدهما ، أو غيره ، فيؤدي إلى اتصاف الإنسان بكونه مريدا كارها عالما ظانا شاكا موقنا في حال واحدة . وذكر الجوف ، وإن كان المعلوم أن القلب لا يكون إلا بالجوف ، زيادة للتصوير والتجلي للمدلول عليه ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=46ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) . فإذا سمع بذلك ، صور لنفسه جوفا يشتمل على قلبين يسرع إلى إنكار ذلك .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=4nindex.php?page=treesubj&link=29004وما جعل أزواجكم ) لم يجعل تعالى الزوجة المظاهر منها أما ; لأن الأم مخدومة مخفوض لها جناح الذل ، والزوجة مستخدمة متصرف فيها بالاستفراش وغيره كالمملوك ، وهما حالتان متنافيتان . وقرأ قالون وقنبل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=4اللائي ) هنا ، وفي المجادلة والطلاق : بالهمزة من غير ياء ;
nindex.php?page=showalam&ids=17274وورش : بياء مختلسة الكسرة ;
nindex.php?page=showalam&ids=13869والبزي وأبو عمرو : بياء ساكنة بدلا من الهمزة ، وهو بدل مسموع لا مقيس ، وهي لغة
قريش ; وباقي السبعة : بالهمز وياء بعدها . وقرأ
عاصم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=4تظاهرون ) بالتاء للخطاب ، وفي المجادلة : بالياء للغيبة ، مضارع " ظاهر " ; وبشد الظاء والهاء : الحرميان
وأبو عمرو ; وبشد الظاء وألف بعدها :
ابن عامر ; وبتخفيفها والألف :
حمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ; ووافق
ابن عامر الآخرين في المجادلة ; وباقي السبعة فيها بشدها . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=17340ابن وثاب ، فيما نقل
ابن عطية : بضم الياء وسكون الظاء وكسر الهاء ، مضارع أظهر ; وفيما حكى
أبو بكر الرازي عنه : بتخفيف الظاء ، لحذفهم تاء المطاوعة وشد الهاء . وقرأ
الحسن : "
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=18تظهرون " ، بضم التاء وتخفيف الظاء وشد الهاء ، مضارع ظهر ، مشدد الهاء . وقرأ
هارون ، عن
أبي عمرو : "
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=18تظهرون " ، بفتح التاء والهاء وسكون الظاء ، مضارع ظهر ، مخفف الهاء ، وفي مصحف
أبي : " تتظهرون " ، بتاءين . فتلك تسع قراءات ، والمعنى : قال لها : أنت علي كظهر أمي . فتلك الأفعال مأخوذة من هذا اللفظ كقوله : لبى المحرم إذا قال : لبيك ، وأفف إذا قال : أف . وعدي الفعل بمن ; لأن الظهار كان طلاقا في الجاهلية ، فيتجنبون المظاهر منها ، كما يتجنبون المطلقة ، والمعنى : أنه تباعد منها بجهة الظهار وغيره ، أي : من امرأته . لما ضمن معنى التباعد ، عدي بمن ، وكنوا عن البطن بالظهر إبعادا لما يقارب الفرج ، ولكونهم كانوا يقولون : يحرم إتيان المرأة وظهرها للسماء ، وأهل
المدينة يقولون : يجيء الولد إذ ذاك أحول ، فبالغوا في التغليظ في تحريم الزوجة ، فشبهها بالظهر ، ثم بالغ فجعلها كظهر أمه . وروي أن
nindex.php?page=showalam&ids=138زيد بن حارثة من
كلب سبي صغيرا ، فاشتراه
nindex.php?page=showalam&ids=137حكيم بن حزام لعمته
nindex.php?page=showalam&ids=10640خديجة ، فوهبته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وجاء أبوه وعمه بفدائه ، وذلك قبل بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأعتقه ، وكانوا يقولون :
زيد بن محمد ، فنزلت .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=4nindex.php?page=treesubj&link=29004وما جعل أدعياءكم أبناءكم ) الآية : وكانوا
[ ص: 212 ] في الجاهلية وصدر الإسلام إذا تبنى الرجل ولد غيره صار يرثه . وأدعياء : جمع دعي ، فعيل بمعنى مفعول ، جاء شاذا ، وقياسه فعلى ، كجريح وجرحى ، وإنما هذا الجمع قياس فعيل المعتل اللام بمعنى فاعل ، نحو تقي وأتقياء . شبهوا أدعياء بتقي ، فجمعوه جمعه شذوذا ، كما شذوا في جمع أسير وقتيل فقالوا : أسراء وقتلاء ، وقد سمع المقيس فيهما فقالوا : أسرى وقتلى . والبنوة تقتضي التأصل في النسب ، والدعوة إلصاق عارض بالتسمية ، فلا يجتمع في الشيء الواحد أن يكون أصيلا غير أصيل . ( ذلكم ) أي : دعاؤهم أبناء مجرد قول لا حقيقة لمدلوله ، إذ لا يواطئ اللفظ الاعتقاد ، إذ يعلم حقيقة أنه ليس ابنه . (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=4والله يقول الحق ) أي : ما يوافق ظاهرا وباطنا . (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=4وهو يهدي السبيل ) أي : سبيل الحق ، وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=5ادعوهم لآبائهم ) أو سبيل الشرع والإيمان . وقرأ الجمهور : يهدي مضارع هدى ;
وقتادة : بضم الياء وفتح الهاء وشد الدال . و (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=5أقسط ) أفعل التفضيل ، وتقدم الكلام فيه في أواخر البقرة ، ومعناه : أعدل . ولما أمر بأن يدعى المتبنى لأبيه إن علم قالوا :
nindex.php?page=showalam&ids=138زيد بن حارثة (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=5ومواليكم ) ; ولذلك قالوا :
سالم مولى
أبي حذيفة . وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري أن
أبا بكرة قرأ هذه الآية ثم قال : أنا ممن لا يعرف أبوه ، فأنا أخوكم في الدين ومولاكم . قال
الرازي : ولو علم والله أباه حمارا لانتمى إليه ، ورجال الحديث يقولون فيه :
nindex.php?page=showalam&ids=130نفيع بن الحارث . وفي الحديث : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374790من ادعى إلى غير أبيه متعمدا حرم الله عليه الجنة " . (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=5فيما أخطأتم به ) قيل : رفع الحرج عنهم فيما كان قبل النهي ، وهذا ضعيف لا يوصف بالخطأ ما كان قبل النهي . وقيل : فيما سبق إليه اللسان . إما على سبيل الغلط ، إن كان سبق ذلك إليهم قبل النهي ، فجرى ذلك على ألسنتهم غلطا ، أو على سبيل التحنن والشفقة ، إذ كثيرا ما يقول الإنسان للصغير : يا بني ، كما يقول للكبير : يا أبي ، على سبيل التوقير والتعظيم . و " ما " عطف على " ما أخطأتم " ، أي : ولكن الجناح فيما تعمدت قلوبكم . وأجيز أن تكون " ما " في موضع رفع بالابتداء ، أي : ولكن ما تعمدت قلوبكم فيه الجناح . ( وكان الله غفورا ) للعامد إذا تاب ( رحيما ) حيث رفع الجناح عن المخطئ .
وكونه ، عليه السلام (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=6nindex.php?page=treesubj&link=29004أولى بالمؤمنين من أنفسهم ) أي : أرأف بهم وأعطف عليهم ، إذ هو يدعوهم إلى النجاة ، وأنفسهم تدعوهم إلى الهلاك . ومنه قوله ، عليه السلام : "
أنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقتحمون فيها تقحم الفراش " . ومن حيث ينزل لهم منزلة الأب . وكذلك في مصحف
أبي ، وقراءة
عبد الله : " وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم " ، يعني في الدين . وقال
مجاهد : كل نبي أبو أمته . وقد قيل في قول
لوط عليه السلام : هؤلاء بناتي ، إنه أراد المؤمنات ، أي : بناته في الدين ; ولذلك جاء : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=10إنما المؤمنون إخوة ) أي : في الدين . وعنه عليه السلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374791ما من مؤمن إلا وأنا أولى به في الدنيا والآخرة " . واقرءوا إن شئتم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=6النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ) فأيما مؤمن هلك وترك مالا ، فليرثه عصبته من كانوا ; وإن ترك دينا أو ضياعا فإلي . قيل : وأطلق في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=6أولى بالمؤمنين ) أي : في كل شيء ، ولم يقيد . فيجب أن يكون أحب إليهم من أنفسهم ، وحكمه أنفذ عليهم من حكمها ، وحقوقه آثر ، إلى غير ذلك مما يجب عليهم في حقه . انتهى . ولو أريد هذا المعنى ، لكان التركيب : المؤمنون أولى بالنبي منهم بأنفسهم . (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=6nindex.php?page=treesubj&link=29004وأزواجه أمهاتهم ) أي : مثل أمهاتهم في التوقير والاحترام . وفي بعض الأحكام : من تحريم نكاحهن ، وغير ذلك مما جرين فيه مجرى الأجانب . وظاهر قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=6وأزواجه ) كل من أطلق عليها أنها زوجة له ، عليه السلام ، من طلقها ومن لم يطلقها . وقيل : لا يثبت هذا الحكم لمطلقة . وقيل : من دخل بها ثبتت حرمتها قطعا . وهم
عمر برجم امرأة فارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونكحت بعده ، فقالت له : ولم هذا ، وما ضرب علي حجابا ، ولا سميت للمسلمين أما ؟ فكف عنها . كان أولا بالمدينة توارث بأخوة الإسلام وبالهجرة ، ثم حكم تعالى بأن أولي الأرحام أحق بالتوارث من الأخ في الإسلام ، أو بالهجرة في كتاب الله ، أي : في اللوح المحفوظ ، أو في القرآن من
[ ص: 213 ] المؤمنين والمهاجرين ، أي : أولى من المؤمنين الذين كانوا يتوارثون بمجرد الإيمان ، ومن المهاجرين الذين كانوا يتوارثون بالهجرة . وهذا هو الظاهر ، فيكون " من " هنا كهي في : زيد أفضل من عمرو . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : يجوز أن يكون بيانا لأولي الأرحام ، أي : الأقرباء من هؤلاء بعضهم أولى بأن يرث بعضا من الأجانب . انتهى . والظاهر عموم قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=6إلى أوليائكم ) فيشمل جميع أقسامه ، من قريب وأجنبي ، مؤمن وكافر ، يحسن إليه ويصله في حياته ، ويوصي له عند الموت ، قاله
قتادة والحسن وعطاء nindex.php?page=showalam&ids=12691وابن الحنفية . وقال
مجاهد ،
وابن زيد ،
والرماني وغيره : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=6إلى أوليائكم ) مخصوص بالمؤمنين .
وسياق ما تقدم في المؤمنين يعضد هذا ، لكن ولاية النسب لا تدفع في الكافر ، إنما تدفع في أن تلقي إليه بالمودة ، كولي الإسلام . وهذا الاستثناء في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=6إلا أن تفعلوا ) هو مما يفهم من الكلام ، أي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=6وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض ) في النفع بميراث وغيره . وعدي بـ : إلى ; لأن المعنى : إلا أن توصلوا إلى أوليائكم ، كان ذلك إشارة إلى ما في الآيتين . ( في الكتاب ) إما اللوح ، وإما القرآن ، على ما تقدم . (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=6مسطورا ) أي : مثبتا بالأسطار ، وهذه الجملة مستأنفة كالخاتمة لما ذكر من الأحكام ، ولما كان ما سبق أحكام عن الله تعالى ، وكان فيها أشياء مما كانت في الجاهلية ، وأشياء في الإسلام نسخت . أتبعه بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=7وإذا أخذنا من النبيين ميثاقهم ) أي : في تبليغ الشرائع والدعاء إلى الله ، فلست بدعا في تبليغك عن الله . والعامل في " إذ " ، قاله
الحوفي وابن عطية ، يجوز أن يكون ( مسطورا ) ، أي : مسطورا في أم الكتاب ، وحين أخذنا . وقيل : العامل : واذكر حين أخذنا ، وهذا الميثاق هو في تبليغ رسالات الله والدعاء إلى الإيمان ، ولا يمنعهم من ذلك مانع ، لا من خوف ولا طمع . قال
الكلبي : أخذ ميثاقهم بالتبليغ . وقال قتادة : بتصديق بعضهم بعضا ، والإعلان بأن
محمدا رسول الله ، وإعلان رسول الله أن لا نبي بعده . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج وغيره : الذي أخذ عليهم وقت استخراج البشر من صلب آدم كالذر ، قالوا : فأخذ الله حينئذ ميثاق النبيين بالتبليغ وتصديق بعضهم بعضا ، وبجميع ما تضمنته النبوة . وروي نحوه عن
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب ، وخص هؤلاء الخمسة بالذكر بعد دخولهم في جملة النبيين ، وقيل : هم أولو العزم ، لشرفهم وفضلهم على غيرهم . وقدم
محمد ، - صلى الله عليه وسلم - لكونه أفضل منهم ، وأكثرهم أتباعا . وقدم
نوح في آية الشورى في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=13شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا ) الآية ; لأن إيراده على خلاف الإيراد ، فهناك أورده على طريق وصف دين الإسلام بالأصالة ، فكأنه قال : شرع لكم الدين الأصيل الذي بعث عليه
نوح في العهد القديم ، وبعث عليه
محمد - صلى الله عليه وسلم - خاتم الأنبياء في العهد الحديث ، وبعث عليه من توسط بينهما من الأنبياء المشاهير .
والميثاق الثاني هو الأول ، وكرر لأجل صفته . والغلظ : من صفة الأجسام ، واستعير للمعنى مبالغا في حرمته وعظمته وثقل فرط تحمله . وقيل : الميثاق الغليظ : اليمين بالله على الوفاء بما حمله . واللام في (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=8ليسأل ) قيل : يحتمل أن تكون لام الصيرورة ، أي : أخذ الميثاق على الأنبياء ليصير الأمر إلى كذا . والظاهر أنها لام " كي " ، أي : بعثنا الرسل وأخذنا عليهم المواثيق في التبليغ ، لكي يجعل الله خلقه فرقتين : فرقة يسألها عن صدقها على معنى إقامة الحجة ، فتجيب بأنها قد صدقت الله في إيمانها وجميع أفعالها ، فيثيبها على ذلك ; وفرقة كفرت ، فينالها ما أعد لها من العذاب . فالصادقون على هذا المسئولون هم : المؤمنون . والهاء في ( صدقهم ) عائدة عليهم ، ومفعول ( صدقهم ) محذوف تقديره : عن صدقهم عهده . أو يكون ( صدقهم ) في معنى تصديقهم ، ومفعوله محذوف ، أي : عن تصديقهم الأنبياء ; لأن من قال للصادق صدقت ، كان صادقا في قوله . أو ليسأل الأنبياء الذي أجابتهم به أممهم ، حكاه
علي بن عيسى ; أو ليسأل عن الوفاء بالميثاق الذي أخذه عليهم ، حكاه
ابن شجرة ; أو ليسأل الأنبياء عن تبليغهم الرسالة إلى قومهم ، قاله
مجاهد ، وفي هذا تنبيه ،
[ ص: 214 ] أي : إذا كان الأنبياء يسألون ، فكيف بمن سواهم ؟ وقال
مجاهد أيضا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=8ليسأل الصادقين ) أراد المؤدين عن الرسل . انتهى . وسؤال الرسل تبكيت للكافرين بهم ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ) وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=6فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين ) . ( وأعد ) معطوف على ( أخذنا ) لأن المعنى : أن الله أكد على الأنبياء الدعاء إلى دينه لأجل إثابة المؤمنين . (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=8وأعد للكافرين عذابا أليما ) أو على ما دل عليه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=8ليسأل الصادقين ) كأنه قال : فأثاب المؤمنين وأعد للكافرين ، قالهما
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري . ويجوز أن يكون حذف من الأول ما أثيب به الصادقون ، وهم المؤمنون ، وذكرت العلة ; وحذف من الثاني العلة ، وذكر ما عوقبوا به . وكان التقدير : ليسأل الصادقين عن صدقهم ، فأثابهم ; ويسأل الكافرين عما أجابوا به رسلهم ، كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=65ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين فعميت عليهم الأنباء ) و (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=31أعد لهم عذابا أليما ) فحذف من الأول ما أثبت مقابله في الثاني ، ومن الثاني ما أثبت مقابله في الأول ، وهذه طريقة بليغة ، وقد تقدم لنا ذكر ذلك في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=171ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق ) وأمعنا الكلام هناك .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=29004يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=2وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=3وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=4مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=5ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=6النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=7وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=8لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا ) .
[ ص: 210 ] هَذِهِ السُّورَةُ مَدَنِيَّةٌ . وَتَقَدَّمَ أَنَّ نِدَاءَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=41يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ ) هُوَ عَلَى سَبِيلِ التَّشْرِيفِ وَالتَّكْرِمَةِ وَالتَّنْوِيهِ بِمَحَلِّهِ وَفَضِيلَتِهِ ، وَجَاءَ نِدَاءُ غَيْرِهِ بِاسْمِهِ ، كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=33يَاآدَمُ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=32يَانُوحُ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=76يَاإِبْرَاهِيمُ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=55يَامُوسَى ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=26يَادَاوُدُ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=55يَاعِيسَى ) . وَحَيْثُ ذَكَرَهُ عَلَى سَبِيلِ الْإِخْبَارِ عَنْهُ بِأَنَّهُ رَسُولُهُ ، صَرَّحَ بِاسْمِهِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=144وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ ) أَعْلَمَ أَنَّهُ رَسُولُهُ ، وَلَقَّنَهُمْ أَنْ يُسَمُّوهُ بِذَلِكَ . وَحَيْثُ لَمْ يَقْصِدِ الْإِعْلَامَ بِذَلِكَ ، جَاءَ اسْمُهُ كَمَا جَاءَ فِي النِّدَاءِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=30وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=6النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ ) وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيِ . وَأَمَرَهُ بِالتَّقْوَى لِلْمُتَلَبِّسِ بِهَا ، أَمَرَ بِالدَّيْمُومَةِ عَلَيْهَا وَالِازْدِيَادِ مِنْهَا . وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَمْرٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَإِذَا كَانَ هُوَ مَأْمُورًا بِذَلِكَ ، فَغَيْرُهُ أَوْلَى بِالْأَمْرِ . وَقِيلَ : هُوَ خِطَابٌ لَهُ لَفْظًا ، وَهُوَ لِأُمَّتِهِ .
وَرُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ ، وَكَانَ يُحِبُّ إِسْلَامَ الْيَهُودِ ، فَبَايَعَهُ نَاسٌ مِنْهُمْ عَلَى النِّفَاقِ ، وَكَانَ يَلِينُ لَهُمْ جَانِبُهُ ، وَكَانُوا يُظْهِرُونَ النَّصَائِحَ فِي طُرُقِ الْمُخَادَعَةِ ، وَلِحَلِفِهِ وَحِرْصِهِ عَلَى ائْتِلَافِهِمْ رُبَّمَا كَانَ يَسْمَعُ مِنْهُمْ ، فَنَزَلَتْ تَحْذِيرًا لَهُ مِنْهُمْ وَتَنْبِيهًا عَلَى عَدَاوَتِهِمْ . وَرُوِيَ أَيْضًا أَنَّ
أَبَا سُفْيَانَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=28وَعِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ ،
وَأَبَا الْأَعْوَرِ السُّلَمِيَّ قَدِمُوا فِي الْمُوَادَعَةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ ، وَقَامَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ،
وَمُعَتِّبُ بْنُ قُشَيْرٍ ،
وَالْجَدُّ بْنُ قَيْسٍ فَقَالُوا لَهُ : ارْفُضْ ذِكْرَ آلِهَتِنَا وَقُلْ : إِنَّهَا تَشْفَعُ وَتَنْفَعُ ، وَنَدَعُكَ وَرَبَّكَ ; فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ، وَهَمُّوا بِقَتْلِهِمْ ، فَنَزَلَتْ . وَنَاسَبَ أَنْ نَهَاهُ عَنْ طَاعَةِ الْكُفَّارِ ، وَهُمُ الْمُتَظَاهِرُونَ بِهِ ، وَعَنْ طَاعَةِ الْمُنَافِقِينَ ، وَهُمُ الَّذِينَ يُظْهِرُونَ الْإِيمَانَ وَيُبَطِّنُونَ الْكُفْرَ . فَالسَّبَبَانِ حَاوِيَانِ الطَّائِفَتَيْنِ ، أَيْ : وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ مِنْ
أَهْلِ مَكَّةَ ، وَالْمُنَافِقِينَ مِنْ
أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، فِيمَا طَلَبُوا إِلَيْكَ . وَرُوِيَ أَنَّ
أَهْلَ مَكَّةَ دَعَوْهُ إِلَى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى دِينِهِمْ ، وَيُعْطُوهُ شَطْرَ أَمْوَالِهِمْ ، وَيُزَوِّجَهُ
شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ بِنْتَهُ ; وَخَوَّفَهُ مُنَافِقُو الْمَدِينَةِ أَنَّهُمْ يَقْتُلُونَهُ إِنْ لَمْ يَرْجِعْ ، فَنَزَلَتْ .
وَمُنَاسَبَةُ أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ لِآخِرِ مَا قَبْلَهَا وَاضِحَةٌ ، وَهُوَ أَنَّهُ حَكَى أَنَّهُمْ يَسْتَعْجِلُونَ الْفَتْحَ ، وَهُوَ الْفَصْلُ بَيْنَهُمْ ، وَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ ، فَأَمَرَهُ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ بِتَقْوَى اللَّهِ ، وَنَهَاهُ عَنْ طَاعَةِ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ فِيمَا أَرَادُوا بِهِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=1إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ) عَلِيمًا بِالصَّوَابِ مِنَ الْخَطَأِ ، وَالْمَصْلَحَةِ مِنَ الْمَفْسَدَةِ ; حَكِيمًا لَا يَضَعُ الْأَشْيَاءَ إِلَّا مَوَاضِعَهَا مَنُوطَةً بِالْحِكْمَةِ ; أَوْ عَلِيمًا حَيْثُ أَمَرَ بِتَقْوَاهُ ، وَأَنَّهَا تَكُونُ عَنْ صَمِيمِ الْقَلْبِ ، حَكِيمًا حَيْثُ نَهَى عَنْ طَاعَةِ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ . وَقِيلَ : هِيَ تَسْلِيَةٌ لِلرَّسُولِ ، أَيْ : عَلِيمًا بِمَنْ يَتَّقِي ، حَكِيمًا فِي هَدْيِ مَنْ شَاءَ وَإِضْلَالِ مَنْ شَاءَ . ثُمَّ أَمَرَهُ بِاتِّبَاعِ مَا أُوحِيَ إِلَيْهِ ، وَهُوَ الْقُرْآنُ ، وَالِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ ، وَتَرْكِ مَرَاسِيمِ الْجَاهِلِيَّةِ . وَقَرَأَ
أَبُو عَمْرٍو : " بِمَا يَعْمَلُونَ " ، الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ بِيَاءِ الْغَيْبَةِ ; وَبَاقِي السَّبْعَةِ : بِتَاءِ الْخِطَابِ ، فَجَازَ فِي الْأُولَى أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ الِالْتِفَاتِ ، وَجَازَ أَنْ يَكُونَ مُنَاسِبًا لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=2وَاتَّبِعْ ) ثُمَّ أَمَرَهُ
[ ص: 211 ] بِتَفْوِيضِ أَمْرِهِ إِلَى اللَّهِ . وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ( كَفَى بِاللَّهِ ) فِي أَوَّلِ مَا وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ . رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ فِي
بَنِي فِهْرٍ رَجُلٌ فِيهِمْ يُقَالُ لَهُ :
أَبُو مَعْمَرٍ جَمِيلُ بْنُ أَسَدٍ ، وَقِيلَ :
حُمَيْدُ بْنُ مَعْمَرِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ جُمَحَ ، وَفِيهِ يَقُولُ الشَّاعِرُ :
وَكَيْفَ ثَوَائِي بِالْمَدِينَةِ بَعْدَمَا قَضَى وَطَرًا مِنْهَا جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرِ
يَدَّعِي أَنَّ لَهُ قَلْبَيْنِ ، وَيُقَالُ لَهُ : ذُو الْقَلْبَيْنِ ، وَكَانَ يَقُولُ : أَنَا أَذْكَى مِنْ
مُحَمَّدٍ وَأَفْهَمُ ; فَلَمَّا بَلَغَتْهُ هَزِيمَةُ
بَدْرٍ طَاشَ لُبُّهُ وَحَدَّثَ
nindex.php?page=showalam&ids=12026أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ بِحَدِيثٍ كَالْمُخْتَلِّ ، فَنَزَلَتْ . وَقَالَ
الْحَسَنُ : هُمْ جَمَاعَةٌ ، يَقُولُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ : نَفْسٌ تَأْمُرُنِي وَنَفْسٌ تَنْهَانِي . وَقِيلَ : إِنَّ بَعْضَ الْمُنَافِقِينَ قَالَ إِنَّ
مُحَمَّدًا لَهُ قَلْبَانِ ; لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ فِي شَيْءٍ ، فَنَزَعَ فِي غَيْرِهِ نَزْعَةً ثُمَّ عَادَ إِلَى شَأْنِهِ ، فَنَفَى اللَّهُ ذَلِكَ عَنْهُ وَعَنْ كُلِّ أَحَدٍ . قِيلَ : وَجْهُ نَظْمِ هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا ، أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ بِالتَّقْوَى ، كَانَ مِنْ حَقِّهَا أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْقَلْبِ تَقْوَى غَيْرِ اللَّهِ ، فَإِنَّ الْمَرْءَ لَيْسَ لَهُ قَلْبَانِ يَتَّقِي بِأَحَدِهِمَا اللَّهَ وَبِالْآخَرِ غَيْرَهُ ، وَهُوَ لَا يَتَّقِي غَيْرَهُ إِلَّا بِصَرْفِ الْقَلْبِ عَنْ جِهَةِ اللَّهِ إِلَى غَيْرِهِ ، وَلَا يَلِيقُ ذَلِكَ بِمَنْ يَتَّقِي اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ . انْتَهَى ، مُلَخَّصًا . وَلَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لِلْإِنْسَانِ قَلْبَيْنِ ; لِأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يَفْعَلَ أَحَدُهُمَا مِثْلَ مَا يَفْعَلُ الْآخَرُ مِنْ أَفْعَالِ الْقُلُوبِ ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى أَحَدِهِمَا ، أَوْ غَيْرَهُ ، فَيُؤَدِّي إِلَى اتِّصَافِ الْإِنْسَانِ بِكَوْنِهِ مُرِيدًا كَارِهًا عَالِمًا ظَانًّا شَاكًّا مُوقِنًا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ . وَذُكِرَ الْجَوْفُ ، وَإِنْ كَانَ الْمَعْلُومُ أَنَّ الْقَلْبَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالْجَوْفِ ، زِيَادَةً لِلتَّصْوِيرِ وَالتَّجَلِّي لِلْمَدْلُولِ عَلَيْهِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=46وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) . فَإِذَا سَمِعَ بِذَلِكَ ، صَوَّرَ لِنَفْسِهِ جَوْفًا يَشْتَمِلُ عَلَى قَلْبَيْنِ يُسْرِعُ إِلَى إِنْكَارِ ذَلِكَ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=4nindex.php?page=treesubj&link=29004وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمْ ) لَمْ يَجْعَلْ تَعَالَى الزَّوْجَةَ الْمُظَاهَرَ مِنْهَا أُمًّا ; لِأَنَّ الْأُمَّ مَخْدُومَةٌ مَخْفُوضٌ لَهَا جَنَاحُ الذُّلِّ ، وَالزَّوْجَةَ مُسْتَخْدَمَةٌ مُتَصَرَّفٌ فِيهَا بِالِاسْتِفْرَاشِ وَغَيْرِهِ كَالْمَمْلُوكِ ، وَهُمَا حَالَتَانِ مُتَنَافِيَتَانِ . وَقَرَأَ قَالُونُ وَقُنْبُلٌ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=4اللَّائِي ) هُنَا ، وَفِي الْمُجَادِلَةِ وَالطَّلَاقِ : بِالْهَمْزَةِ مِنْ غَيْرِ يَاءٍ ;
nindex.php?page=showalam&ids=17274وَوَرْشٌ : بِيَاءٍ مُخْتَلِسَةِ الْكَسْرَةِ ;
nindex.php?page=showalam&ids=13869وَالْبَزِّيُّ وَأَبُو عَمْرٍو : بِيَاءٍ سَاكِنَةٍ بَدَلًا مِنَ الْهَمْزَةِ ، وَهُوَ بَدَلٌ مَسْمُوعٌ لَا مَقِيسٌ ، وَهِيَ لُغَةُ
قُرَيْشٍ ; وَبَاقِي السَّبْعَةِ : بِالْهَمْزِ وَيَاءٍ بَعْدَهَا . وَقَرَأَ
عَاصِمٌ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=4تُظَاهِرُونَ ) بِالتَّاءِ لِلْخِطَابِ ، وَفِي الْمُجَادِلَةِ : بِالْيَاءِ لِلْغَيْبَةِ ، مُضَارِعَ " ظَاهَرَ " ; وَبِشَدِّ الظَّاءِ وَالْهَاءِ : الْحَرَمِيَّانِ
وَأَبُو عَمْرٍو ; وَبِشَدِّ الظَّاءِ وَأَلِفٍ بَعْدَهَا :
ابْنُ عَامِرٍ ; وَبِتَخْفِيفِهَا وَالْأَلِفِ :
حَمْزَةُ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ ; وَوَافَقَ
ابْنُ عَامِرٍ الْآخَرِينَ فِي الْمُجَادِلَةِ ; وَبَاقِي السَّبْعَةِ فِيهَا بِشَدِّهَا . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=17340ابْنُ وَثَّابٍ ، فِيمَا نَقَلَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : بِضَمِّ الْيَاءِ وَسُكُونِ الظَّاءِ وَكَسْرِ الْهَاءِ ، مُضَارِعَ أَظْهَرَ ; وَفِيمَا حَكَى
أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ عَنْهُ : بِتَخْفِيفِ الظَّاءِ ، لِحَذْفِهِمْ تَاءَ الْمُطَاوَعَةِ وَشَدِّ الْهَاءِ . وَقَرَأَ
الْحَسَنُ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=18تُظْهِرُونَ " ، بِضَمِّ التَّاءِ وَتَخْفِيفِ الظَّاءِ وَشَدِّ الْهَاءِ ، مُضَارِعَ ظَهَّرَ ، مُشَدَّدِ الْهَاءِ . وَقَرَأَ
هَارُونُ ، عَنْ
أَبِي عَمْرٍو : "
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=18تُظْهِرُونَ " ، بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْهَاءِ وَسُكُونِ الظَّاءِ ، مُضَارِعَ ظَهَرَ ، مُخَفَّفِ الْهَاءِ ، وَفِي مُصْحَفِ
أُبَيٍّ : " تَتَظَهَّرُونَ " ، بِتَاءَيْنِ . فَتِلْكَ تِسْعُ قِرَاءَاتٍ ، وَالْمَعْنَى : قَالَ لَهَا : أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي . فَتِلْكَ الْأَفْعَالُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ كَقَوْلِهِ : لَبَّى الْمُحْرِمُ إِذَا قَالَ : لَبَّيْكَ ، وَأَفَّفَ إِذَا قَالَ : أُفٍّ . وَعُدِّيَ الْفِعْلُ بِمِنْ ; لِأَنَّ الظِّهَارَ كَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَيَتَجَنَّبُونَ الْمُظَاهَرَ مِنْهَا ، كَمَا يَتَجَنَّبُونَ الْمُطَلَّقَةَ ، وَالْمَعْنَى : أَنَّهُ تَبَاعَدَ مِنْهَا بِجِهَةِ الظِّهَارِ وَغَيْرِهِ ، أَيْ : مِنِ امْرَأَتِهِ . لَمَّا ضُمِّنَ مَعْنَى التَّبَاعُدِ ، عُدِّيَ بِمِنْ ، وَكَنَّوْا عَنِ الْبَطْنِ بِالظَّهْرِ إِبْعَادًا لِمَا يُقَارِبُ الْفَرْجَ ، وَلِكَوْنِهِمْ كَانُوا يَقُولُونَ : يَحْرُمُ إِتْيَانُ الْمَرْأَةِ وَظَهْرُهَا لِلسَّمَاءِ ، وَأَهْلُ
الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ : يَجِيءُ الْوَلَدُ إِذْ ذَاكَ أَحْوَلَ ، فَبَالَغُوا فِي التَّغْلِيظِ فِي تَحْرِيمِ الزَّوْجَةِ ، فَشَبَّهَهَا بِالظَّهْرِ ، ثُمَّ بَالَغَ فَجَعَلَهَا كَظَهْرِ أُمِّهِ . وَرُوِيَ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=138زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ مِنْ
كَلْبٍ سُبِيَ صَغِيرًا ، فَاشْتَرَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=137حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ لِعَمَّتِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=10640خَدِيجَةَ ، فَوَهَبَتْهُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَجَاءَ أَبُوهُ وَعَمُّهُ بِفِدَائِهِ ، وَذَلِكَ قَبْلَ بَعْثَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَعْتَقَهُ ، وَكَانُوا يَقُولُونَ :
زَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، فَنَزَلَتْ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=4nindex.php?page=treesubj&link=29004وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ) الْآيَةَ : وَكَانُوا
[ ص: 212 ] فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَصَدْرِ الْإِسْلَامِ إِذَا تَبَنَّى الرَّجُلُ وَلَدَ غَيْرِهِ صَارَ يَرِثُهُ . وَأَدْعِيَاءُ : جَمْعُ دَعِيٍّ ، فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ ، جَاءَ شَاذًّا ، وَقِيَاسُهُ فَعْلَى ، كَجَرِيحٍ وَجَرْحَى ، وَإِنَّمَا هَذَا الْجَمْعُ قِيَاسُ فَعِيلٍ الْمُعْتَلِّ اللَّامِ بِمَعْنَى فَاعِلٍ ، نَحْوُ تَقِيٍّ وَأَتْقِيَاءَ . شَبَّهُوا أَدْعِيَاءَ بِتَقِيٍّ ، فَجَمَعُوهُ جَمْعَهُ شُذُوذًا ، كَمَا شَذُّوا فِي جَمْعِ أَسِيرٍ وَقَتِيلٍ فَقَالُوا : أُسَرَاءَ وَقُتَلَاءَ ، وَقَدْ سُمِعَ الْمَقِيسُ فِيهِمَا فَقَالُوا : أَسْرَى وَقَتْلَى . وَالْبُنُوَّةُ تَقْتَضِي التَّأَصُّلَ فِي النَّسَبِ ، وَالدَّعْوَةُ إِلْصَاقَ عَارِضٍ بِالتَّسْمِيَةِ ، فَلَا يَجْتَمِعُ فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ أَنْ يَكُونَ أَصِيلًا غَيْرَ أَصِيلٍ . ( ذَلِكُمْ ) أَيْ : دُعَاؤُهُمْ أَبْنَاءَ مُجَرَّدُ قَوْلٍ لَا حَقِيقَةَ لِمَدْلُولِهِ ، إِذْ لَا يُوَاطِئُ اللَّفْظُ الِاعْتِقَادَ ، إِذْ يُعْلَمُ حَقِيقَةً أَنَّهُ لَيْسَ ابْنَهُ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=4وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ ) أَيْ : مَا يُوَافِقُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا . (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=4وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ) أَيْ : سَبِيلَ الْحَقِّ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=5ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ ) أَوْ سَبِيلَ الشَّرْعِ وَالْإِيمَانِ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : يَهْدِي مُضَارِعَ هَدَى ;
وَقَتَادَةُ : بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْهَاءِ وَشَدِّ الدَّالِ . وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=5أَقْسَطُ ) أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ فِي أَوَاخِرِ الْبَقَرَةِ ، وَمَعْنَاهُ : أَعْدَلُ . وَلَمَّا أَمَرَ بِأَنْ يُدْعَى الْمُتَبَنَّى لِأَبِيهِ إِنْ عُلِمَ قَالُوا :
nindex.php?page=showalam&ids=138زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=5وَمَوَالِيكُمْ ) ; وَلِذَلِكَ قَالُوا :
سَالِمٌ مَوْلَى
أَبِي حُذَيْفَةَ . وَذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرِيُّ أَنَّ
أَبَا بَكْرَةَ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ ثُمَّ قَالَ : أَنَا مِمَّنْ لَا يُعْرَفُ أَبُوهُ ، فَأَنَا أَخُوكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوْلَاكُمْ . قَالَ
الرَّازِيُّ : وَلَوْ عَلِمَ وَاللَّهِ أَبَاهُ حِمَارًا لَانْتَمَى إِلَيْهِ ، وَرِجَالُ الْحَدِيثِ يَقُولُونَ فِيهِ :
nindex.php?page=showalam&ids=130نُفَيْعُ بْنُ الْحَارِثِ . وَفِي الْحَدِيثِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374790مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ مُتَعَمِّدًا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ " . (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=5فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ ) قِيلَ : رَفَعَ الْحَرَجَ عَنْهُمْ فِيمَا كَانَ قَبْلَ النَّهْيِ ، وَهَذَا ضَعِيفٌ لَا يُوصَفُ بِالْخَطَأِ مَا كَانَ قَبْلَ النَّهْيِ . وَقِيلَ : فِيمَا سَبَقَ إِلَيْهِ اللِّسَانُ . إِمَّا عَلَى سَبِيلِ الْغَلَطِ ، إِنْ كَانَ سَبَقَ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ قَبْلَ النَّهْيِ ، فَجَرَى ذَلِكَ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ غَلَطًا ، أَوْ عَلَى سَبِيلِ التَّحَنُّنِ وَالشَّفَقَةِ ، إِذْ كَثِيرًا مَا يَقُولُ الْإِنْسَانُ لِلصَّغِيرِ : يَا بُنَيَّ ، كَمَا يَقُولُ لِلْكَبِيرِ : يَا أَبِي ، عَلَى سَبِيلِ التَّوْقِيرِ وَالتَّعْظِيمِ . وَ " مَا " عَطْفٌ عَلَى " مَا أَخْطَأْتُمْ " ، أَيْ : وَلَكِنَّ الْجُنَاحَ فِيمَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ . وَأُجِيزَ أَنْ تَكُونَ " مَا " فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ ، أَيْ : وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ فِيهِ الْجُنَاحَ . ( وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا ) لِلْعَامِدِ إِذَا تَابَ ( رَحِيمًا ) حَيْثُ رَفَعَ الْجُنَاحَ عَنِ الْمُخْطِئِ .
وَكَوْنُهُ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=6nindex.php?page=treesubj&link=29004أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) أَيْ : أَرْأَفُ بِهِمْ وَأَعْطَفُ عَلَيْهِمْ ، إِذْ هُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى النَّجَاةِ ، وَأَنْفُسُهُمْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهَلَاكِ . وَمِنْهُ قَوْلُهُ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ : "
أَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ وَأَنْتُمْ تَقْتَحِمُونَ فِيهَا تَقَحُّمَ الْفَرَاشِ " . وَمِنْ حَيْثُ يَنْزِلُ لَهُمْ مَنْزِلَةَ الْأَبِ . وَكَذَلِكَ فِي مُصْحَفِ
أُبَيٍّ ، وَقِرَاءَةُ
عَبْدِ اللَّهِ : " وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ " ، يَعْنِي فِي الدِّينِ . وَقَالَ
مُجَاهِدٌ : كُلُّ نَبِيٍّ أَبُو أُمَّتِهِ . وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْلِ
لُوطٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ : هَؤُلَاءِ بَنَاتِي ، إِنَّهُ أَرَادَ الْمُؤْمِنَاتِ ، أَيْ : بَنَاتُهُ فِي الدِّينِ ; وَلِذَلِكَ جَاءَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=10إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) أَيْ : فِي الدِّينِ . وَعَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374791مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَأَنَا أَوْلَى بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ " . وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=6النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ هَلَكَ وَتَرَكَ مَالًا ، فَلْيَرِثْهُ عَصَبَتُهُ مَنْ كَانُوا ; وَإِنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضِيَاعًا فَإِلَيَّ . قِيلَ : وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=6أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ ) أَيْ : فِي كُلِّ شَيْءٍ ، وَلَمْ يُقَيِّدْ . فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، وَحُكْمُهُ أَنْفَذَ عَلَيْهِمْ مِنْ حُكْمِهَا ، وَحُقُوقُهُ آثَرَ ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِمْ فِي حَقِّهِ . انْتَهَى . وَلَوْ أُرِيدَ هَذَا الْمَعْنَى ، لَكَانَ التَّرْكِيبُ : الْمُؤْمِنُونَ أَوْلَى بِالنَّبِيِّ مِنْهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=6nindex.php?page=treesubj&link=29004وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ) أَيْ : مِثْلُ أُمَّهَاتِهِمْ فِي التَّوْقِيرِ وَالِاحْتِرَامِ . وَفِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ : مِنْ تَحْرِيمِ نِكَاحِهِنَّ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا جَرَيْنَ فِيهِ مَجْرَى الْأَجَانِبِ . وَظَاهِرُ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=6وَأَزْوَاجُهُ ) كُلُّ مَنْ أُطْلِقَ عَلَيْهَا أَنَّهَا زَوْجَةٌ لَهُ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، مَنْ طَلَّقَهَا وَمَنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا . وَقِيلَ : لَا يَثْبُتُ هَذَا الْحُكْمُ لِمُطَلَّقَةٍ . وَقِيلَ : مَنْ دَخَلَ بِهَا ثَبَتَتْ حُرْمَتُهَا قَطْعًا . وَهَمَّ
عُمَرُ بِرَجْمِ امْرَأَةٍ فَارَقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَنَكَحَتْ بَعْدَهُ ، فَقَالَتْ لَهُ : وَلِمَ هَذَا ، وَمَا ضَرَبَ عَلَيَّ حِجَابًا ، وَلَا سُمِّيتُ لِلْمُسْلِمِينَ أُمًّا ؟ فَكَفَّ عَنْهَا . كَانَ أَوَّلًا بِالْمَدِينَةِ تَوَارُثٌ بِأُخُوَّةِ الْإِسْلَامِ وَبِالْهِجْرَةِ ، ثُمَّ حَكَمَ تَعَالَى بِأَنَّ أُولِي الْأَرْحَامِ أَحَقُّ بِالتَّوَارُثِ مِنَ الْأَخِ فِي الْإِسْلَامِ ، أَوْ بِالْهِجْرَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ ، أَيْ : فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ ، أَوْ فِي الْقُرْآنِ مِنَ
[ ص: 213 ] الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ ، أَيْ : أَوْلَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ كَانُوا يَتَوَارَثُونَ بِمُجَرَّدِ الْإِيمَانِ ، وَمِنَ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ كَانُوا يَتَوَارَثُونَ بِالْهِجْرَةِ . وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ ، فَيَكُونُ " مِنْ " هُنَا كَهِيَ فِي : زَيْدٌ أَفْضَلُ مِنْ عَمْرٍو . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِأُولِي الْأَرْحَامِ ، أَيِ : الْأَقْرِبَاءُ مِنْ هَؤُلَاءِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِأَنْ يَرِثَ بَعْضًا مِنَ الْأَجَانِبِ . انْتَهَى . وَالظَّاهِرُ عُمُومُ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=6إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ ) فَيَشْمَلُ جَمِيعَ أَقْسَامِهِ ، مِنْ قَرِيبٍ وَأَجْنَبِيٍّ ، مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ ، يُحْسِنُ إِلَيْهِ وَيَصِلُهُ فِي حَيَاتِهِ ، وَيُوصِي لَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ ، قَالَهُ
قَتَادَةُ وَالْحَسَنُ وَعَطَاءٌ nindex.php?page=showalam&ids=12691وَابْنُ الْحَنَفِيَّةِ . وَقَالَ
مُجَاهِدٌ ،
وَابْنُ زَيْدٍ ،
وَالرُّمَّانِيُّ وَغَيْرُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=6إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ ) مَخْصُوصٌ بِالْمُؤْمِنِينَ .
وَسِيَاقُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمُؤْمِنِينَ يُعَضِّدُ هَذَا ، لَكِنَّ وِلَايَةَ النَّسَبِ لَا تُدْفَعُ فِي الْكَافِرِ ، إِنَّمَا تُدْفَعُ فِي أَنْ تُلْقِيَ إِلَيْهِ بِالْمَوَدَّةِ ، كَوَلِيِّ الْإِسْلَامِ . وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=6إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا ) هُوَ مِمَّا يُفْهَمُ مِنَ الْكَلَامِ ، أَيْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=6وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ ) فِي النَّفْعِ بِمِيرَاثٍ وَغَيْرِهِ . وَعُدِّيَ بِـ : إِلَى ; لِأَنَّ الْمَعْنَى : إِلَّا أَنْ تُوصِلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ ، كَانَ ذَلِكَ إِشَارَةً إِلَى مَا فِي الْآيَتَيْنِ . ( فِي الْكِتَابِ ) إِمَّا اللَّوْحُ ، وَإِمَّا الْقُرْآنُ ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=6مَسْطُورًا ) أَيْ : مُثْبَتًا بِالْأَسْطَارِ ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ كَالْخَاتِمَةِ لِمَا ذُكِرَ مِنَ الْأَحْكَامِ ، وَلَمَّا كَانَ مَا سَبَقَ أَحْكَامٌ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَكَانَ فِيهَا أَشْيَاءُ مِمَّا كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَأَشْيَاءُ فِي الْإِسْلَامِ نُسِخَتْ . أَتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=7وَإِذَا أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ ) أَيْ : فِي تَبْلِيغِ الشَّرَائِعِ وَالدُّعَاءِ إِلَى اللَّهِ ، فَلَسْتُ بِدْعًا فِي تَبْلِيغِكَ عَنِ اللَّهِ . وَالْعَامِلُ فِي " إِذْ " ، قَالَهُ
الْحَوْفِيُّ وَابْنُ عَطِيَّةَ ، يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ( مَسْطُورًا ) ، أَيْ : مَسْطُورًا فِي أُمِّ الْكِتَابِ ، وَحِينَ أَخَذْنَا . وَقِيلَ : الْعَامِلُ : وَاذْكُرْ حِينَ أَخَذْنَا ، وَهَذَا الْمِيثَاقُ هُوَ فِي تَبْلِيغِ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَالدُّعَاءِ إِلَى الْإِيمَانِ ، وَلَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ مَانِعٌ ، لَا مِنْ خَوْفٍ وَلَا طَمَعٍ . قَالَ
الْكَلْبِيُّ : أُخِذَ مِيثَاقُهُمْ بِالتَّبْلِيغِ . وَقَالَ قَتَادَةُ : بِتَصْدِيقِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا ، وَالْإِعْلَانِ بِأَنَّ
مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَإِعْلَانِ رَسُولِ اللَّهِ أَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ وَغَيْرُهُ : الَّذِي أُخِذَ عَلَيْهِمْ وَقْتَ اسْتِخْرَاجِ الْبَشَرِ مِنْ صُلْبِ آدَمَ كَالذَّرِّ ، قَالُوا : فَأَخَذَ اللَّهُ حِينَئِذٍ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ بِالتَّبْلِيغِ وَتَصْدِيقِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا ، وَبِجَمِيعِ مَا تَضَمَّنَتْهُ النُّبُوَّةُ . وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=34أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، وَخُصَّ هَؤُلَاءِ الْخَمْسَةُ بِالذِّكْرِ بَعْدَ دُخُولِهِمْ فِي جُمْلَةِ النَّبِيِّينَ ، وَقِيلَ : هُمْ أُولُو الْعَزْمِ ، لِشَرَفِهِمْ وَفَضْلِهِمْ عَلَى غَيْرِهِمْ . وَقُدِّمَ
مُحَمَّدٌ ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكَوْنِهِ أَفْضَلَ مِنْهُمْ ، وَأَكْثَرَهُمْ أَتْبَاعًا . وَقُدِّمَ
نُوحٌ فِي آيَةِ الشُّورَى فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=13شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا ) الْآيَةَ ; لِأَنَّ إِيرَادَهُ عَلَى خِلَافِ الْإِيرَادِ ، فَهُنَاكَ أَوْرَدَهُ عَلَى طَرِيقِ وَصْفِ دِينِ الْإِسْلَامِ بِالْأَصَالَةِ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : شَرَعَ لَكُمُ الدِّينَ الْأَصِيلَ الَّذِي بُعِثَ عَلَيْهِ
نُوحٌ فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ ، وَبُعِثَ عَلَيْهِ
مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ فِي الْعَهْدِ الْحَدِيثِ ، وَبُعِثَ عَلَيْهِ مَنْ تَوَسَّطَ بَيْنَهُمَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ الْمَشَاهِيرِ .
وَالْمِيثَاقُ الثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ ، وَكُرِّرَ لِأَجْلِ صِفَتِهِ . وَالْغِلَظُ : مِنْ صِفَةِ الْأَجْسَامِ ، وَاسْتُعِيرَ لِلْمَعْنَى مُبَالَغًا فِي حُرْمَتِهِ وَعَظَمَتِهِ وَثِقَلِ فَرْطِ تَحَمُّلِهِ . وَقِيلَ : الْمِيثَاقُ الْغَلِيظُ : الْيَمِينُ بِاللَّهِ عَلَى الْوَفَاءِ بِمَا حَمَلَهُ . وَاللَّامُ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=8لِيَسْأَلَ ) قِيلَ : يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ لَامَ الصَّيْرُورَةِ ، أَيْ : أَخَذَ الْمِيثَاقَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ لِيَصِيرَ الْأَمْرُ إِلَى كَذَا . وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَامُ " كَيْ " ، أَيْ : بَعَثْنَا الرُّسُلَ وَأَخَذْنَا عَلَيْهِمُ الْمَوَاثِيقَ فِي التَّبْلِيغِ ، لِكَيْ يَجْعَلَ اللَّهُ خَلْقَهُ فِرْقَتَيْنِ : فِرْقَةً يَسْأَلُهَا عَنْ صِدْقِهَا عَلَى مَعْنَى إِقَامَةِ الْحُجَّةِ ، فَتُجِيبُ بِأَنَّهَا قَدْ صَدَقَتِ اللَّهَ فِي إِيمَانِهَا وَجَمِيعِ أَفْعَالِهَا ، فَيُثِيبُهَا عَلَى ذَلِكَ ; وَفِرْقَةً كَفَرَتْ ، فَيَنَالُهَا مَا أَعَدَّ لَهَا مِنَ الْعَذَابِ . فَالصَّادِقُونَ عَلَى هَذَا الْمَسْئُولُونَ هُمُ : الْمُؤْمِنُونَ . وَالْهَاءُ فِي ( صِدْقِهِمْ ) عَائِدَةٌ عَلَيْهِمْ ، وَمَفْعُولُ ( صِدْقِهِمْ ) مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ : عَنْ صِدْقِهِمْ عَهْدَهُ . أَوْ يَكُونُ ( صِدْقِهِمْ ) فِي مَعْنَى تَصْدِيقِهِمْ ، وَمَفْعُولُهُ مَحْذُوفٌ ، أَيْ : عَنْ تَصْدِيقِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ ; لِأَنَّ مَنْ قَالَ لِلصَّادِقِ صَدَقْتَ ، كَانَ صَادِقًا فِي قَوْلِهِ . أَوْ لِيَسْأَلَ الْأَنْبِيَاءَ الَّذِي أَجَابَتْهُمْ بِهِ أُمَمَهُمْ ، حَكَاهُ
عَلِيُّ بْنُ عِيسَى ; أَوْ لِيَسْأَلَ عَنِ الْوَفَاءِ بِالْمِيثَاقِ الَّذِي أَخَذَهُ عَلَيْهِمْ ، حَكَاهُ
ابْنُ شَجَرَةَ ; أَوْ لِيَسْأَلَ الْأَنْبِيَاءَ عَنْ تَبْلِيغِهِمُ الرِّسَالَةَ إِلَى قَوْمِهِمْ ، قَالَهُ
مُجَاهِدٌ ، وَفِي هَذَا تَنْبِيهٌ ،
[ ص: 214 ] أَيْ : إِذَا كَانَ الْأَنْبِيَاءُ يُسْأَلُونَ ، فَكَيْفَ بِمَنْ سِوَاهُمْ ؟ وَقَالَ
مُجَاهِدٌ أَيْضًا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=8لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ ) أَرَادَ الْمُؤَدِّينَ عَنِ الرُّسُلِ . انْتَهَى . وَسُؤَالُ الرُّسُلِ تَبْكِيتٌ لِلْكَافِرِينَ بِهِمْ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ) وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=6فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ) . ( وَأَعَدَّ ) مَعْطُوفٌ عَلَى ( أَخَذْنَا ) لِأَنَّ الْمَعْنَى : أَنَّ اللَّهَ أَكَّدَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ الدُّعَاءَ إِلَى دِينِهِ لِأَجْلِ إِثَابَةِ الْمُؤْمِنِينَ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=8وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا ) أَوْ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=8لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ ) كَأَنَّهُ قَالَ : فَأَثَابَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ ، قَالَهُمَا
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حُذِفَ مِنَ الْأَوَّلِ مَا أُثِيبَ بِهِ الصَّادِقُونَ ، وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ ، وَذُكِرَتِ الْعِلَّةُ ; وَحُذِفَ مِنَ الثَّانِي الْعِلَّةُ ، وَذُكِرَ مَا عُوقِبُوا بِهِ . وَكَانَ التَّقْدِيرُ : لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ ، فَأَثَابَهُمْ ; وَيَسْأَلَ الْكَافِرِينَ عَمَّا أَجَابُوا بِهِ رُسُلَهُمْ ، كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=65وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ ) وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=31أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ) فَحُذِفَ مِنَ الْأَوَّلِ مَا أُثْبِتَ مُقَابِلُهُ فِي الثَّانِي ، وَمِنَ الثَّانِي مَا أُثْبِتَ مُقَابِلُهُ فِي الْأَوَّلِ ، وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ بَلِيغَةٌ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ لَنَا ذِكْرُ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=171وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ ) وَأَمْعَنَّا الْكَلَامَ هُنَاكَ .