(
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=22nindex.php?page=treesubj&link=29005قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=24قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=25قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=26قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=27قل أروني الذين ألحقتم به شركاء كلا بل هو الله العزيز الحكيم nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=28وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=29ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=30قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=31وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=32قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=33وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون ) .
[ ص: 275 ] لما بين حال الشاكرين وحال الكافرين ، وذكر
قريشا ومن لم يؤمن بمن مضى ، عاد إلى خطابهم فقال ( قل ) ، يا
محمد للمشركين الذين ضرب لهم المثل بقصة
سبأ المعروفة عندهم بالنقل في أخبارهم وأشعارهم ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=22ادعوا الذين زعمتم ) ، وهم معبوداتهم من الملائكة والأصنام ، وهو أمر بدعاء هو تعجيز وإقامة للحجة . وروي أن ذلك نزل عند الجوع الذي أصاب
قريشا ، أي ادعوهم ليكشفوا عنكم ما حل بكم ، والجئوا إليهم فيما يعن لكم . وزعم : من الأفعال التي تتعدى إلى اثنين إذا كانت اعتقادية ، والمفعول الأول هو الضمير المحذوف العائد على الذين ، والثاني محذوف أيضا لدلالة المعنى ، ونابت صفته منابه ، التقدير : الذي زعمتموهم آلهة من دونه ; وحسن حذف الثاني قيام صفته مقامه ، ولولا ذلك ما حسن ، إذ في حذف إحدى مفعولي ظن وأخواتها اختصارا خلاف ، منع ذلك
ابن ملكوت ، وأجازه الجمهور ، وهو مع ذلك قليل ، ولا يجوز أن يكون الثاني من دونه ; لأنه لا يستقل كلاما . لو قلت : هم من دونه ، لم يصح ، ولا الجملة من قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=22لا يملكون مثقال ذرة ) ; لأنه لو كانت هذه النسبة مزعومة لهم لكانوا معترفين بالحق قائلين له . ولو
[ ص: 276 ] كان ذلك توحيدا منهم ، وأن آلهتهم ومعبوداتهم لا يملكون شيئا باعترافهم . ثم أخبر عن آلهتهم أنهم لا يملكون مثقال ذرة ، وهو أحقر الأشياء ، وإذا انتفى ملك الأحقر عنهم ، فملك الأعظم أولى . ثم ذكر مقر ذلك المثقال ، وهو السماوات والأرض . ثم أخبر أنهم ما لهم في السماوات ولا في الأرض من شركة ، فنفى نوعي الملك من الاستبداد والشركة . ثم نفى الإعانة منهم له تعالى في شيء مما أنشأ بقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=22وما له منهم من ظهير ) ، فبين عجز معبوداتهم من جميع الجهات .
ولما كان من العرب من يعبد الملائكة لتشفع له ، نفى أن شفاعتهم تنفع ، والنفي منسحب على الشفاعة ، أي لا شفاعة لهم فتنفع ، وليس المعنى أنهم يشفعون ، ولا تنفع شفاعتهم ، أي لا يقع من معبوداتهم شفاعة أصلا . ولأن عابديهم كفار ، فإن كان المعبودون أصناما أو كفارا ، كفرعون ، فسلب الشفاعة عنهم ظاهر ، وإن كانوا ملائكة أو غيرهم ممن عبد ،
كعيسى عليه السلام ، فشفاعتهم إذا وجدت تكون لمؤمن . و (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23إلا لمن أذن له ) استثناء مفرغ ، فالمستثنى منه محذوف تقديره : ولا تنفع الشفاعة لأحد (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23إلا لمن أذن له ) . واحتمل قوله لأحد أن يكون مشفوعا له ، وهو الظاهر ، فيكون قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23إلا لمن أذن له ) ، أي المشفوع ، أذن لأجله أن يشفع فيه ; والشافع ليس بمذكور ، وإنما دل عليه المعنى . واحتمل أن يكون شافعا ، فيكون قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23إلا لمن أذن له ) بمعنى : إلا لشافع أذن له أن يشفع ، والمشفوع ليس بمذكور ، إنما دل عليه المعنى . وعلى هذا الاحتمال تكون اللام في ( أذن له ) لام التبليغ ، لا لام العلة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : يقول : الشفاعة لزيد على معنى أنه الشافع ، كما يقول : الكرم لزيد ، وعلى معنى أنه المشفوع له ، كما تقول : القيام لزيد ، فاحتمل قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له ) أن يكون على أحد هذين الوجهين ، أي لا تنفع الشفاعة إلا كائنة لمن أذن له من الشافعين ومطلقة له ، أو لا تنفع الشفاعة إلا كائنة لمن أذن له ، أي لشفيعه ، أو هي اللام الثانية في قولك : أذن لزيد لعمرو ، أي لأجله ، وكأنه قيل : إلا لمن وقع الإذن للشفيع لأجله ، وهذا وجه لطيف ، وهو الوجه ، وهذا تكذيب لقولهم : هؤلاء شفعاؤنا عند الله . انتهى . فجعل إلا لمن أذن له استثناء مفرغا من الأحوال ، ولذلك قدره : إلا كائنة ، وعلى ما قررناه استثناء من الذوات .
وقال
أبو عبد الله الرازي : المذاهب المفضية إلى الشرك أربعة : قائل : إن الله خلق السماوات وجعل الأرض والأرضيات في حكمها ، ونحن من جملة الأرضيات ، فنعبد الكواكب والملائكة السماوية ، وهم إلهنا ، والله إلههم ، فأبطل بقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=22لا يملكون ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=22في السماوات ) ، كما اعترفتم ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=22ولا في الأرض ) ، خلاف ما زعمتم . وقائل : السماوات من الله استبدادا ، والأرضيات منه بواسطة الكواكب ، فإنه تعالى خلق العناصر والتركيبات التي فيها بالاتصالات وحركات وطوالع ، فجعلوا مع الله شركاء في الأرض ، والأولون جعلوا الأرض لغيره ، فأبطل بقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=22وما لهم فيهما من شرك ) ، أي الأرض ، كالسماء لله لا لغيره ، ولا لغيره فيهما نصيب . وقائل : التركيبات والحوادث من الله ، لكن فوض إلى الكواكب ، وفعل المأذون ينسب إلى الآذن ، ويسلب عن المأذون له فيه ، جعلوا السماوات معينة لله ، فأبطل بقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=22وما له منهم من ظهير ) وقائل : نعبد الأصنام التي هي صور الملائكة ليشفعوا لنا ، فأبطل بقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23ولا تنفع الشفاعة ) ، الجملة ، و ( أل ) في الشفاعة الظاهر أنها للعموم ، أي شفاعة جميع الخلق . وقيل : للعهد ، أي شفاعة الملائكة التي زعموها شركاء وشفعاء . انتهى ، وفيه بعض تلخيص . وقال
أبو البقاء : اللام في (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23لمن أذن له ) يجوز أن تتعلق بالشفاعة ، لأنك تقول : أشفعت له ، وأنت تعلق بـ ( تنفع ) . انتهى ، وهذا فيه قلة ; لأن المفعول متأخر ، فدخول اللام عليه قليل . وقرأ
أبو عمرو ،
وحمزة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي : أذن بضم الهمزة ; وباقي السبعة : بفتحها ، أي أذن الله له . والظاهر أن الضمير في قوله ( قلوبهم ) عائد على ما عادت عليه
[ ص: 277 ] الضمائر التي للغيبة في قوله ( لا يملكون ) ، وفي ( ما لهم ) ، و ( ما له منهم ) ، وهم الملائكة الذين دعوهم آلهة وشفعاء ، ويكون التقدير : إلا لمن أذن له منهم .
و ( حتى ) تدل على الغاية ، وليس في الكلام عائد على أن حتى غاية له . فقال
ابن عطية : في الكلام حذف يدل عليه الظاهر ، كأنه قال : ولا هم شفعاء كما تحبون أنتم ، بل هم عبدة أو مسلمون أبدا ، يعني منقادون ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23حتى إذا فزع عن قلوبهم ) . قال : وتظاهرت الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23حتى إذا فزع عن قلوبهم ) ، إنما هي في الملائكة إذا سمعت الوحي ، أي
جبريل ، وبالأمر يأمر الله به سمعت ، كجر سلسلة الحديد على الصفوان ، فتفزع عند ذلك تعظيما وهيبة . وقيل : خوف أن تقوم الساعة ، فإذا فزع ذلك عن قلوبهم ، أي أطير الفزع عنها وكشف ، يقول بعضهم لبعض ول
جبريل (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23ماذا قال ربكم ) ؟ فيقول المسئولون : قال (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23الحق وهو العلي الكبير ) ، وبهذا المعنى من ذكر الملائكة في صدر الآيات تتسق هذه الآية على الأولى ، ومن لم يشعر أن الملائكة مشار إليهم من أول قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=22الذين زعمتم ) لم تتصل له هذه الآية بما قبلها ، فلذلك اضطرب المفسرون في تفسيرها حتى قال بعضهم في الكفار ، بعد حلول الموت : ففزع عن قلوبهم بفقد الحياة ، فرأوا الحقيقة ، وزال فزعهم مما يقال لهم في حياتهم ، فيقال لهم حينئذ (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23ماذا قال ربكم ) ؟ فيقولون : قال الحق ، يقرون حين لا ينفعكم الإقرار . وقالت فرقة : الآية في جميع العالم . وقوله ( حتى ) ، يريد في الآخرة ، والتأويل الأول في الملائكة هو الصحيح ، وهو الذي تظاهرت به الأحاديث ، وهذا بعيد . انتهى . وإذا كان الضمير في (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23عن قلوبهم ) لا يعود على (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=22الذين زعمتم ) ، كان عائدا على من عاد عليه الضمير في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=20ولقد صدق عليهم إبليس ) ، ويكون الضمير في ( عليهم ) عائدا على جميع الكفار ، ويكون حتى غاية لقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=20فاتبعوه ) ، ويكون التفزيع حالة مفارقة الحياة ، أو يجعل اتباعهم إياه مستصحبا لهم إلى يوم القيامة مجازا .
والجملة بعد من قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=22قل ادعوا ) اعتراضية بين المغيا والغاية . قال
ابن زيد : أقروا بالله حين لا ينفعهم الإقرار ، فالمعنى : فزع الشيطان عن قلوبهم وفارقهم ما كان يطلبهم به ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23قالوا ماذا قال ربكم ) . وقال
الحسن : وإنما يقال للمشركين (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23ماذا قال ربكم ) على لسان الأنبياء ، فأقروا حين لا ينفع . وقيل ( حتى ) غاية متعلقة بقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=22زعمتم ) ، أي زعمتم الكفر إلى غاية التفزيع ، ثم تركتم ما زعمتم وقلتم : قال الحق . انتهى . فيكون في الكلام التفات من خطاب في (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=22زعمتم ) إلى غيبة في (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23فزع عن قلوبهم ) . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : فإذا أذن فزع ودام فزعه حتى إذا أزيل التفزيع عن قلوبهم . قال بعض الشافعين من الملائكة لبعض الملائكة (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23ماذا قال ربكم ) في قبول شفاعتنا ؟ فيجيب بعضهم لبعض : قال أي الله الحق ، أي القول الحق ، وهو قبول شفاعتهم ، إذا كان تعالى أذن لهم في ذلك ، ولا يأذن إلا وهو مريد لقبول الشفاعة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : فإن قلت بم اتصل قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23حتى إذا فزع عن قلوبهم ) ؟ ولا شيء وقعت حتى غاية له . قلت : بما فهم من هذا الكلام من أن ثم انتظار الإذن وتوقفا وتمهلا وفزعا من الراجين للشفاعة والشفعاء ، هل يؤذن لهم أو لا يؤذن ؟ وأنه لا يطلق الإذن إلا بعد ملي من الزمان وطول من التربص . ومثل هذه الحال دل عليه قوله ، عز من قائل :
[ ص: 278 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=37رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن لا يملكون منه خطابا nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=38يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ) ، كأنه قيل : يتربصون ويتوقفون مليا فزعين وهلين .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23nindex.php?page=treesubj&link=29005حتى إذا فزع عن قلوبهم ) أي كشف الفزع من قلوب الشافعين والمشفوع لهم بكلمة يتكلم بها رب العزة في إطلاق الإذن . تباشروا بذلك وسأل بعضهم بعضا (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23ماذا قال ربكم ) ؟ قال الحق ، أي القول الحق ، وهو الإذن بالشفاعة لمن ارتضى . انتهى . وتلخص من هذا أن حتى غائية إما لمنطوق وهو زعمتم ، ويكون الضمير في (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23عن قلوبهم ) التفاتا ، وهو للكفار ، أو هو فاتبعوه ، وفيه تناسق الضمائر لغائب . والفصل بالاعتراض والضمير أيضا للكفار ، والضمير في ( قالوا ) للملائكة ، وضمير الخطاب في ( ربكم ) ، والغائب في ( قالوا ) الثانية للكفار . وإما لمحذوف ، فما قدره
ابن عطية لا يصح أن يغيا ; لأن ما بعد الغاية مخالف لما قبلها ، وهم عبدة منقادون دائما لا ينفكون عن ذلك ، لا إذا فزع عن قلوبهم ، ولا إذا لم يفزع ، وحمل ذلك على الملائكة حال الوحي لا يناسب الآية ، وكون النبي - صلى الله عليه وسلم - في قصة الوحي قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374809فإذا جاءهم جبريل فزع عن قلوبهم " ، لا يدل على أن هذه الآية في الملائكة حالة تكلم الله بالوحي . والحديث رواه
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا تكلم الله عز وجل بالوحي سمع أهل السماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا ، فيصعقون ، فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم
جبريل عليه السلام ، فإذا جاءهم
جبريل فزع عن قلوبهم ، فيقولون : يا
جبريل ماذا قال ربك ؟ قال : فيقول الحق : " فينادون الحق " . وما قدره
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري يحتمل ، إلا أن فيه تخصيص الذين زعمتم من دونه بالملائكة ، والذين عبدوهم ملائكة وغيرهم ، وتخصيص من أذن له بالملائكة أيضا ، والمأذون لهم في الشفاعة الملائكة وغيرهم . ألا ترى إلى ما حكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في " الشفاعة في قوله عز وجل " .
وقرئ : فزع مشددا ، من الفزع ، مبنيا للمفعول ، أي أطير الفزع عن قلوبهم . وفعل تأتي لمعان منها : الإزالة ، وهذا منه نحوه : قردت البعير ، أي أزلت القراد عنه . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ،
وطلحة ،
nindex.php?page=showalam&ids=11904وأبو المتوكل الناجي ،
وابن السميفع ،
وابن عامر : مبنيا للفاعل من الفزع أيضا ، والضمير الفاعل في فزع إن كان الضمير في عن قلوبهم للملائكة ، فهو الله ، وإن كان للكفار ، فالضمير لمغويهم . وقرأ
الحسن ( فزع ) من الفزع ، بتخفيف الزاي ، مبنيا للمفعول ، و (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23عن قلوبهم ) في موضع رفع به ، كقولك : انطلق يزيد . وقرأ
الحسن أيضا ،
وأبو المتوكل أيضا ،
وقتادة ،
ومجاهد : فزع مشددا ، مبنيا للفاعل من الفزع . وقرأ
الحسن أيضا : كذلك ، إلا أنه خفف الزاي . وقرأ
عبد الله بن عمر ،
والحسن أيضا ،
nindex.php?page=showalam&ids=12341وأيوب السختياني ،
وقتادة أيضا ،
وأبو مجلز : فرغ من الفراغ ، مشدد الراء ، مبنيا للمفعول . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ،
وعيسى افرنقع : عن قلوبهم ، بمعنى انكشف عنها ، وقيل : تفرق . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : والكلمة مركبة من حروف المفارقة مع زيادة العين ، كما ركب قمطر من حروف القمط مع زيادة الراء . انتهى . فإن عني
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري أن العين من حروف الزيادة ، وكذلك الراء ، وهو ظاهر كلامه ، فليس بصحيح ; لأن العين والراء ليستا من حروف الزيادة . وإن عنى أن الكلمة فيها حروف ، وما ذكروا زائدا إلى ذلك العين والراء كمادة فرقع وقمطر ، فهو صحيح لولا إيهام ما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في هذه الكلمة ، لم أذكر هذه القراءة لمخالفتها سواد المصحف . وقالوا أيضا في قوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23حتى إذا فزع ) أقوالا غير ما سبق . قال كعب : إذا تكلم الله عز وجل بلا كيف ضربت الملائكة بأجنحتها وخرت فزعا ، قالوا فيما بينهم (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23ماذا قال ربكم قالوا الحق ) . وقيل : إذا دعاهم إسرافيل من قبورهم ، قالوا مجيبين ماذا ، وهو من الفزع الذي هو الدعاء والاستصراخ ، كما قاله زهير :
[ ص: 279 ] إذا فزعوا طاروا إلى مستغيثهم طوال الرماح لا ضعاف ولا عزل
وقيل : هو فزع ملائكة أدنى السماوات عند نزول المدبرات إلى الأرض . وقيل : لما كانت الفترة بين
عيسى ومحمد - صلى الله عليه وسلم - وبعث الله
محمدا ، أنزل الله
جبريل بالوحي ، فظنت الملائكة أنه قد نزل بشيء من أمر الساعة ، وصعقوا لذلك ، فجعل
جبريل يمر بكل سماء ويكشف عنهم الفزع ويخبرهم أنه الوحي ، قاله
قتادة ومقاتل وابن السائب . وقيل : الملائكة المعقبات الذين يختلفون إلى أهل الأرض ، ويكتبون أعمالهم إذا أرسلهم الله فانحدروا ، سمع لهم صوت شديد ، فيحسب الذين هم أسفل منهم من الملائكة أنه من أمر الساعة ، فيخرون سجدا يصعقون ، رواه
الضحاك عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود .
وهذه الأقوال والتي قبلها لا تكاد تلائم ألفاظ القرآن ، فالله أسأل أن يرزقنا فهم كتابه ، وأقربها عندي أن يكون الضمير في ( قلوبهم ) عائدا على من عاد عليه اتبعوه وعليهم ، وممن هو منها في شك ، وتكون الجملة بعد ذلك اعتراضا . وقوله ( قالوا ) ، أي الملائكة ، لأولئك المتبعين الشاكين يسألونهم سؤال توبيخ (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23ماذا قال ربكم ) ، على لسان من بعث إليكم بعد أن كشف الغطاء عن قلوبهم ، فيقرون إذ ذاك أن الذي قاله ، وجاءت به أنبياؤه ، وهو الحق ، لا الباطل الذي كنا فيه من اتباع إبليس وشكنا في البعث . ( ماذا ) يحتمل أن تكون ما منصوبة بقال ، أي أي شيء قال ربكم ، وأن يكون في موضع رفع على أن ( ذا ) موصولة ، أي ما الذي قال ربكم ، وذا خبره ، ومعمول قال ضمير محذوف عائد على الموصول . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=12356ابن أبي عبلة : قالوا الحق ، برفع الحق ، خبر مبتدأ ، أي مقوله الحق ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23وهو العلي الكبير ) ، تنزيه منهم له تعالى وتمجيد . ثم رجع إلى خطاب الكفار فسألهم عمن يرزقهم ، محتجا عليهم بأن رازقهم هو الله ، إذ لا يمكن أن يقولوا إن آلهتهم ترزقهم وتسألهم أنهم (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=22لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ) ، وأمره بأن يتولى الإجابة والإقرار عنهم بقوله ( قل الله ) ; لأنهم قد لا يجيبون حبا في العناد وإيثارا للشرك . ومعلوم أنه لا جواب لهم ولا لأحد إلا بأن يقول هو الله . ( وإنا ) أي الموحدين الرازق العابدين ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=24أو إياكم ) المشركين العابدين الأصنام والجمادات . (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=24لعلى هدى ) أي طريقة مستقيمة ، أو في حيرة واضحة بينة . والمعنى : أن أحد الفريقين منا ومنكم لعلى أحد الأمرين من الهدى والضلال ، أخرج الكلام مخرج الشك والاحتمال . ومعلوم أن من عبد الله ووحده هو على الهدى ، وأن من عبد غيره من جماد أو غيره في ضلال . وهذه الجملة تضمنت الإنصاف واللطف في الدعوى إلى الله ، وقد علم من سمعها أنها جملة اتصاف ، والرد بالتورية والتعريض أبلغ من الرد بالتصريح ، ونحوه قول العرب : أخزى الله الكاذب مني ومنك ، يقول ذاك من يتيقن أن صاحبه هو الكاذب ، ونظيره قول الشاعر :
فأيي ما وأيك كان شرا فسيق إلى المقادة في هوان
وقال
حسان :
أتهجوه ولست له بكفء فشركما لخيركما الفداء
وهذا النوع يسمى في علم البيان : استدراج المخاطب . يذكر له أمرا يسلمه ، وإن كان بخلاف ما ذكر حتى يصغي إليه إلى ما يلقيه إليه ، إذ لو بدأ به بما يكره لم يصغ ، ولا يزال ينقله من حال إلى حال حتى يتبين له الحق ويقبله . وهنا لما سمعوا الترداد بينه وبينهم ، ظهر لهم أنه غير جازم أن الحق معه ، فقال لهم بطريق الاستدلال : إن آلهتكم لا تملك مثقال ذرة ، ولا تنفع ولا تضر ; لأنها جماد ، وهم يعلمون ذلك ، فتحقق أن الرازق لهم والنافع والضار هو الله سبحانه . وقيل : معنى الجملة استنقاص المشركين والاستهزاء بهم ، وقد بينوا أن آلهتهم لا ترزقهم شيئا ولا تنفع ولا تضر ، فأراد الله من نبيه ، وأمره أن يوبخهم ويستنقصهم ويكذبهم بقول غير مكشوف ، إن كان ذلك أبلغ في استنقاصهم ، كقولك : إن أحدنا لكاذب ، وقد
[ ص: 280 ] علمت أن من خاطبته هو الكاذب ، ولكنك وبخته بلفظ غير مكشوف . و ( أو ) هنا على موضوعها لكونها لأحد الشيئين ، أو الأشياء . وخبر (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=24إنا أو إياكم ) هو (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=24لعلى هدى أو في ضلال مبين ) ، ولا يحتاج إلى تقدير حذف ، إذ المعنى : أن أحدنا لفي أحد هذين ، كقولك : زيد أو عمرو في القصر ، أو في المسجد ، لا يحتاج هذا إلى تقدير حذف ، إذ معناه : أحد هذين في أحد هذين . وقيل : الخبر محذوف ، فقيل : خبر لا ( وله ) ، والتقدير : وإنا لعلى هدى أو في ضلال مبين ، فحذف لدلالة خبر ما بعده عليه ، فلعلى هدى أو في ضلال مبين المثبت خبر عنه ، أو إياكم ، إذ هو على تقدير إنا ، ولكنها لما حذفت اتصل الضمير ، وقيل : خبر الثاني ، والتقدير : أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ، وحذف لدلالة خبر الأول عليه ، وهو هذا المثبت (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=24لعلى هدى أو في ضلال مبين ) ، ولا حاجة لهذا التقدير من الحذف لو كان ما بعد ( أو ) غير معطوف بها ، نحو : زيد أو عمرو قائم ، كان يحتاج إلى هذا التقدير ، وإن مع ما يصلح أن يكون خبرا لأن اسمها عطف عليه بأو ، والخبر معطوف بأو ، فلا يحتاج إليه . وذهب
أبو عبيدة إلى أن أو بمعنى الواو ، فيكون من باب اللف والنشر ، والتقدير : وإنا لعلى هدى ، وإياكم في ضلال مبين ، فأخبر عن كل بما ناسبه ، ولا حاجة إلى إخراج أو عن موضوعها . وجاء في الهدى بعلى ; لأن صاحبه ذو استعلاء ، وتمكن مما هو عليه ، يتصرف حيث شاء . وجاء في الضلال بعن لأنه منغمس في حيرة مرتبك فيها لا يدري أين يتوجه .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=22nindex.php?page=treesubj&link=29005قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=24قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=25قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=26قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=27قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=28وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=29وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنَّ كُنْتُمْ صَادِقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=30قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=31وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينِ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=32قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينِ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=33وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينِ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) .
[ ص: 275 ] لَمَّا بَيَّنَ حَالَ الشَّاكِرِينَ وَحَالَ الْكَافِرِينَ ، وَذَكَرَ
قُرَيْشًا وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِمَنْ مَضَى ، عَادَ إِلَى خِطَابِهِمْ فَقَالَ ( قُلْ ) ، يَا
مُحَمَّدُ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ ضُرِبَ لَهُمُ الْمَثَلُ بِقِصَّةِ
سَبَأٍ الْمَعْرُوفَةِ عِنْدَهُمْ بِالنَّقْلِ فِي أَخْبَارِهِمْ وَأَشْعَارِهِمْ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=22ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ ) ، وَهُمْ مَعْبُودَاتُهُمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَصْنَامِ ، وَهُوَ أَمْرٌ بِدُعَاءٍ هُوَ تَعْجِيزٌ وَإِقَامَةٌ لِلْحُجَّةِ . وَرُوِيَ أَنَّ ذَلِكَ نَزَلَ عِنْدَ الْجُوعِ الَّذِي أَصَابَ
قُرَيْشًا ، أَيِ ادْعُوهُمْ لِيَكْشِفُوا عَنْكُمْ مَا حَلَّ بِكُمْ ، وَالْجَئُوا إِلَيْهِمْ فِيمَا يَعِنُّ لَكُمْ . وَزَعَمَ : مِنَ الْأَفْعَالِ الَّتِي تَتَعَدَّى إِلَى اثْنَيْنِ إِذَا كَانَتِ اعْتِقَادِيَّةً ، وَالْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ هُوَ الضَّمِيرُ الْمَحْذُوفُ الْعَائِدُ عَلَى الَّذِينَ ، وَالثَّانِي مَحْذُوفٌ أَيْضًا لِدَلَالَةِ الْمَعْنَى ، وَنَابَتْ صِفَتُهُ مَنَابَهُ ، التَّقْدِيرُ : الَّذِي زَعَمْتُمُوهُمْ آلِهَةً مِنْ دُونِهِ ; وَحَسَّنَ حَذْفَ الثَّانِي قِيَامُ صِفَتِهِ مَقَامَهُ ، وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا حَسُنَ ، إِذْ فِي حَذْفِ إِحْدَى مَفْعُولَيْ ظَنَّ وَأَخَوَاتِهَا اخْتِصَارًا خِلَافٌ ، مَنَعَ ذَلِكَ
ابْنُ مَلَكُوتٍ ، وَأَجَازَهُ الْجُمْهُورُ ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ قَلِيلٌ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي مِنْ دُونِهِ ; لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِلُّ كَلَامًا . لَوْ قُلْتُ : هُمْ مِنْ دُونِهِ ، لَمْ يَصِحَّ ، وَلَا الْجُمْلَةُ مِنْ قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=22لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ) ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ هَذِهِ النِّسْبَةُ مَزْعُومَةً لَهُمْ لَكَانُوا مُعْتَرِفِينَ بِالْحَقِّ قَائِلِينَ لَهُ . وَلَوْ
[ ص: 276 ] كَانَ ذَلِكَ تَوْحِيدًا مِنْهُمْ ، وَأَنَّ آلِهَتَهُمْ وَمَعْبُودَاتِهِمْ لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا بِاعْتِرَافِهِمْ . ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْ آلِهَتِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ، وَهُوَ أَحْقَرُ الْأَشْيَاءِ ، وَإِذَا انْتَفَى مِلْكُ الْأَحْقَرِ عَنْهُمْ ، فَمِلْكُ الْأَعْظَمِ أَوْلَى . ثُمَّ ذَكَرَ مَقَرَّ ذَلِكَ الْمِثْقَالِ ، وَهُوَ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ . ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ مَا لَهُمْ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شِرْكَةٍ ، فَنَفَى نَوْعَيِ الْمُلْكِ مِنَ الِاسْتِبْدَادِ وَالشِّرْكَةِ . ثُمَّ نَفَى الْإِعَانَةَ مِنْهُمْ لَهُ تَعَالَى فِي شَيْءٍ مِمَّا أَنْشَأَ بِقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=22وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ ) ، فَبَيَّنَ عَجْزَ مَعْبُودَاتِهِمْ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ .
وَلَمَّا كَانَ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَعْبُدُ الْمَلَائِكَةَ لِتَشْفَعَ لَهُ ، نَفَى أَنَّ شَفَاعَتَهُمْ تَنْفَعُ ، وَالنَّفْيُ مُنْسَحِبٌ عَلَى الشَّفَاعَةِ ، أَيْ لَا شَفَاعَةَ لَهُمْ فَتَنْفَعُ ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ يَشْفَعُونَ ، وَلَا تَنْفَعُ شَفَاعَتُهُمْ ، أَيْ لَا يَقَعُ مِنْ مَعْبُودَاتِهِمْ شَفَاعَةٌ أَصْلًا . وَلِأَنَّ عَابِدِيهِمْ كُفَّارٌ ، فَإِنْ كَانَ الْمَعْبُودُونَ أَصْنَامًا أَوْ كُفَّارًا ، كَفِرْعَوْنَ ، فَسَلْبُ الشَّفَاعَةِ عَنْهُمْ ظَاهِرٌ ، وَإِنْ كَانُوا مَلَائِكَةً أَوْ غَيْرَهُمْ مِمَّنْ عُبِدَ ،
كَعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَشَفَاعَتُهُمْ إِذَا وُجِدَتْ تَكُونُ لِمُؤْمِنٍ . وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ) اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ ، فَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ : وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ لِأَحَدٍ (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ) . وَاحْتَمَلَ قَوْلُهُ لِأَحَدٍ أَنْ يَكُونَ مَشْفُوعًا لَهُ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ ، فَيَكُونَ قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ) ، أَيِ الْمَشْفُوعِ ، أَذِنَ لِأَجْلِهِ أَنْ يَشْفَعَ فِيهِ ; وَالشَّافِعُ لَيْسَ بِمَذْكُورٍ ، وَإِنَّمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْمَعْنَى . وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ شَافِعًا ، فَيَكُونَ قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ) بِمَعْنَى : إِلَّا لِشَافِعٍ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَشْفَعَ ، وَالْمَشْفُوعُ لَيْسَ بِمَذْكُورٍ ، إِنَّمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْمَعْنَى . وَعَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ تَكُونُ اللَّامُ فِي ( أَذِنَ لَهُ ) لَامَ التَّبْلِيغِ ، لَا لَامَ الْعِلَّةِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : يَقُولُ : الشَّفَاعَةُ لِزَيْدٍ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ الشَّافِعُ ، كَمَا يَقُولُ : الْكَرَمُ لِزَيْدٍ ، وَعَلَى مَعْنَى أَنَّهُ الْمَشْفُوعُ لَهُ ، كَمَا تَقُولُ : الْقِيَامُ لِزَيْدٍ ، فَاحْتَمَلَ قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ) أَنْ يَكُونَ عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ ، أَيْ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا كَائِنَةً لِمَنْ أَذِنَ لَهُ مِنَ الشَّافِعِينَ وَمُطْلَقَةً لَهُ ، أَوْ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا كَائِنَةً لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ، أَيْ لِشَفِيعِهِ ، أَوْ هِيَ اللَّامُ الثَّانِيَةُ فِي قَوْلِكَ : أَذِنَ لِزَيْدٍ لِعَمْرٍو ، أَيْ لِأَجْلِهِ ، وَكَأَنَّهُ قِيلَ : إِلَّا لِمَنْ وَقَعَ الْإِذْنُ لِلشَّفِيعِ لِأَجْلِهِ ، وَهَذَا وَجْهٌ لَطِيفٌ ، وَهُوَ الْوَجْهُ ، وَهَذَا تَكْذِيبٌ لِقَوْلِهِمْ : هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ . انْتَهَى . فَجَعَلَ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ اسْتِثْنَاءً مُفَرَّغًا مِنَ الْأَحْوَالِ ، وَلِذَلِكَ قَدَّرَهُ : إِلَّا كَائِنَةً ، وَعَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنَ الذَّوَاتِ .
وَقَالَ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ : الْمَذَاهِبُ الْمُفْضِيَةُ إِلَى الشِّرْكِ أَرْبَعَةٌ : قَائِلٌ : إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَجَعَلَ الْأَرْضَ وَالْأَرْضِيَّاتِ فِي حُكْمِهَا ، وَنَحْنُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَرْضِيَّاتِ ، فَنَعْبُدُ الْكَوَاكِبَ وَالْمَلَائِكَةَ السَّمَاوِيَّةَ ، وَهُمْ إِلَهُنَا ، وَاللَّهُ إِلَهُهُمْ ، فَأُبْطِلَ بِقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=22لَا يَمْلِكُونَ ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=22فِي السَّمَاوَاتِ ) ، كَمَا اعْتَرَفْتُمْ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=22وَلَا فِي الْأَرْضِ ) ، خِلَافَ مَا زَعَمْتُمْ . وَقَائِلٌ : السَّمَاوَاتُ مِنَ اللَّهِ اسْتِبْدَادًا ، وَالْأَرْضِيَّاتُ مِنْهُ بِوَاسِطَةِ الْكَوَاكِبِ ، فَإِنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ الْعَنَاصِرَ وَالتَّرْكِيبَاتِ الَّتِي فِيهَا بِالِاتِّصَالَاتِ وَحَرَكَاتٍ وَطَوَالِعَ ، فَجَعَلُوا مَعَ اللَّهِ شُرَكَاءَ فِي الْأَرْضِ ، وَالْأَوَّلُونَ جَعَلُوا الْأَرْضَ لِغَيْرِهِ ، فَأُبْطِلَ بِقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=22وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ ) ، أَيِ الْأَرْضُ ، كَالسَّمَاءِ لِلَّهِ لَا لِغَيْرِهِ ، وَلَا لِغَيْرِهِ فِيهِمَا نَصِيبٌ . وَقَائِلٌ : التَّرْكِيبَاتُ وَالْحَوَادِثُ مِنَ اللَّهِ ، لَكِنْ فَوَّضَ إِلَى الْكَوَاكِبِ ، وَفِعْلُ الْمَأْذُونِ يُنْسَبُ إِلَى الْآذِنِ ، وَيُسَلَبُ عَنِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِيهِ ، جَعَلُوا السَّمَاوَاتِ مُعَيَّنَةً لِلَّهِ ، فَأُبْطِلَ بِقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=22وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ ) وَقَائِلٌ : نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ الَّتِي هِيَ صُوَرُ الْمَلَائِكَةِ لِيَشْفَعُوا لَنَا ، فَأُبْطِلَ بِقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ ) ، الْجُمْلَةُ ، وَ ( أَلْ ) فِي الشَّفَاعَةِ الظَّاهِرُ أَنَّهَا لِلْعُمُومِ ، أَيْ شَفَاعَةُ جَمِيعِ الْخَلْقِ . وَقِيلَ : لِلْعَهْدِ ، أَيْ شَفَاعَةُ الْمَلَائِكَةِ الَّتِي زَعَمُوهَا شُرَكَاءَ وَشُفَعَاءَ . انْتَهَى ، وَفِيهِ بَعْضُ تَلْخِيصٍ . وَقَالَ
أَبُو الْبَقَاءِ : اللَّامُ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ) يَجُوزُ أَنْ تَتَعَلَّقَ بِالشَّفَاعَةِ ، لِأَنَّكَ تَقُولُ : أَشْفَعْتُ لَهُ ، وَأَنْتَ تَعَلَّقَ بِـ ( تَنْفَعُ ) . انْتَهَى ، وَهَذَا فِيهِ قِلَّةٌ ; لِأَنَّ الْمَفْعُولَ مُتَأَخِّرٌ ، فَدُخُولُ اللَّامِ عَلَيْهِ قَلِيلٌ . وَقَرَأَ
أَبُو عَمْرٍو ،
وَحَمْزَةُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ : أُذِنَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ ; وَبَاقِي السَّبْعَةِ : بِفَتْحِهَا ، أَيْ أَذِنَ اللَّهُ لَهُ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ ( قُلُوبِهِمْ ) عَائِدٌ عَلَى مَا عَادَتْ عَلَيْهِ
[ ص: 277 ] الضَّمَائِرُ الَّتِي لِلْغَيْبَةِ فِي قَوْلِهِ ( لَا يَمْلِكُونَ ) ، وَفِي ( مَا لَهُمْ ) ، وَ ( مَا لَهُ مِنْهُمْ ) ، وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ دَعَوْهُمْ آلِهَةً وَشُفَعَاءَ ، وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ : إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ مِنْهُمْ .
وَ ( حَتَّى ) تَدُلُّ عَلَى الْغَايَةِ ، وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ عَائِدٌ عَلَى أَنَّ حَتَّى غَايَةٌ لَهُ . فَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ الظَّاهِرُ ، كَأَنَّهُ قَالَ : وَلَا هُمْ شُفَعَاءُ كَمَا تُحِبُّونَ أَنْتُمْ ، بَلْ هُمْ عَبْدَةٌ أَوْ مُسْلِمُونَ أَبَدًا ، يَعْنِي مُنْقَادُونَ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ ) . قَالَ : وَتَظَاهَرَتِ الْأَحَادِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ قَوْلَهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ ) ، إِنَّمَا هِيَ فِي الْمَلَائِكَةِ إِذَا سَمِعَتِ الْوَحْيَ ، أَيْ
جِبْرِيلَ ، وَبِالْأَمْرِ يَأْمُرُ اللَّهُ بِهِ سَمِعَتْ ، كَجَرِّ سِلْسِلَةِ الْحَدِيدِ عَلَى الصَّفْوَانِ ، فَتَفْزَعُ عِنْدَ ذَلِكَ تَعْظِيمًا وَهَيْبَةً . وَقِيلَ : خَوْفٌ أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ ، فَإِذَا فُزِّعَ ذَلِكَ عَنْ قُلُوبِهِمْ ، أَيْ أُطِيرَ الْفَزَعُ عَنْهَا وَكُشِفَ ، يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ وَلِ
جِبْرِيلَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ) ؟ فَيَقُولُ الْمَسْئُولُونَ : قَالَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ) ، وَبِهَذَا الْمَعْنَى مِنْ ذِكْرِ الْمَلَائِكَةِ فِي صَدْرِ الْآيَاتِ تَتَّسِقُ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى الْأُولَى ، وَمَنْ لَمْ يَشْعُرْ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ مُشَارٌ إِلَيْهِمْ مِنْ أَوَّلِ قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=22الَّذِينَ زَعَمْتُمْ ) لَمْ تَتَّصِلْ لَهُ هَذِهِ الْآيَةُ بِمَا قَبْلَهَا ، فَلِذَلِكَ اضْطَرَبَ الْمُفَسِّرُونَ فِي تَفْسِيرِهَا حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ فِي الْكُفَّارِ ، بَعْدَ حُلُولِ الْمَوْتِ : فَفُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ بِفَقْدِ الْحَيَاةِ ، فَرَأَوُا الْحَقِيقَةَ ، وَزَالَ فَزَعُهُمْ مِمَّا يُقَالُ لَهُمْ فِي حَيَاتِهِمْ ، فَيُقَالُ لَهُمْ حِينَئِذٍ (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ) ؟ فَيَقُولُونَ : قَالَ الْحَقَّ ، يُقِرُّونَ حِينَ لَا يَنْفَعُكُمُ الْإِقْرَارُ . وَقَالَتْ فِرْقَةٌ : الْآيَةُ فِي جَمِيعِ الْعَالَمِ . وَقَوْلُهُ ( حَتَّى ) ، يُرِيدُ فِي الْآخِرَةِ ، وَالتَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ فِي الْمَلَائِكَةِ هُوَ الصَّحِيحُ ، وَهُوَ الَّذِي تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ ، وَهَذَا بِعِيدٌ . انْتَهَى . وَإِذَا كَانَ الضَّمِيرُ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23عَنْ قُلُوبِهِمْ ) لَا يَعُودُ عَلَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=22الَّذِينَ زَعَمْتُمْ ) ، كَانَ عَائِدًا عَلَى مَنْ عَادَ عَلَيْهِ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=20وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ) ، وَيَكُونُ الضَّمِيرُ فِي ( عَلَيْهِمْ ) عَائِدًا عَلَى جَمِيعِ الْكُفَّارِ ، وَيَكُونُ حَتَّى غَايَةً لِقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=20فَاتَّبَعُوهُ ) ، وَيَكُونُ التَّفْزِيعُ حَالَةَ مُفَارَقَةِ الْحَيَاةِ ، أَوْ يُجْعَلُ اتِّبَاعُهُمْ إِيَّاهُ مُسْتَصْحِبًا لَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَجَازًا .
وَالْجُمْلَةُ بَعْدَ مِنْ قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=22قُلِ ادْعُوا ) اعْتِرَاضِيَّةٌ بَيْنَ الْمُغَيَّا وَالْغَايَةِ . قَالَ
ابْنُ زَيْدٍ : أَقَرُّوا بِاللَّهِ حِينَ لَا يَنْفَعُهُمُ الْإِقْرَارُ ، فَالْمَعْنَى : فَزَّعَ الشَّيْطَانُ عَنْ قُلُوبِهِمْ وَفَارَقَهُمْ مَا كَانَ يَطْلُبُهُمْ بِهِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ) . وَقَالَ
الْحَسَنُ : وَإِنَّمَا يُقَالُ لِلْمُشْرِكِينَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ) عَلَى لِسَانِ الْأَنْبِيَاءِ ، فَأَقَرُّوا حِينَ لَا يَنْفَعُ . وَقِيلَ ( حَتَّى ) غَايَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=22زَعَمْتُمْ ) ، أَيْ زَعَمْتُمُ الْكُفْرَ إِلَى غَايَةِ التَّفْزِيعِ ، ثُمَّ تَرَكْتُمْ مَا زَعَمْتُمْ وَقُلْتُمْ : قَالَ الْحَقَّ . انْتَهَى . فَيَكُونُ فِي الْكَلَامِ الْتِفَاتٌ مِنْ خِطَابٍ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=22زَعَمْتُمْ ) إِلَى غَيْبَةٍ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ ) . وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : فَإِذَا أُذِّنَ فَزِعَ وَدَامَ فَزَعُهُ حَتَّى إِذَا أُزِيلَ التَّفْزِيعُ عَنْ قُلُوبِهِمْ . قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِينَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لِبَعْضِ الْمَلَائِكَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ) فِي قَبُولِ شَفَاعَتِنَا ؟ فَيُجِيبُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : قَالَ أَيِ اللَّهُ الْحَقَّ ، أَيِ الْقَوْلَ الْحَقَّ ، وَهُوَ قَبُولُ شَفَاعَتِهِمْ ، إِذَا كَانَ تَعَالَى أَذِنَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ ، وَلَا يَأْذَنُ إِلَّا وَهُوَ مُرِيدٌ لِقَبُولِ الشَّفَاعَةِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : فَإِنْ قُلْتَ بِمَ اتَّصَلَ قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ ) ؟ وَلَا شَيْءَ وَقَعَتْ حَتَّى غَايَةً لَهُ . قُلْتُ : بِمَا فُهِمَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ أَنَّ ثَمَّ انْتِظَارَ الْإِذْنِ وَتَوَقُّفًا وَتَمَهُّلًا وَفَزَعًا مِنَ الرَّاجِينَ لِلشَّفَاعَةِ وَالشُّفَعَاءِ ، هَلْ يُؤْذَنُ لَهُمْ أَوْ لَا يُؤْذَنُ ؟ وَأَنَّهُ لَا يُطْلَقُ الْإِذْنُ إِلَّا بَعْدَ مَلِيٍّ مِنَ الزَّمَانِ وَطُولٍ مِنَ التَّرَبُّصِ . وَمِثْلُ هَذِهِ الْحَالِ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ، عَزَّ مِنْ قَائِلٍ :
[ ص: 278 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=37رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=38يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا ) ، كَأَنَّهُ قِيلَ : يَتَرَبَّصُونَ وَيَتَوَقَّفُونَ مَلِيًّا فَزِعِينَ وَهِلِينَ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23nindex.php?page=treesubj&link=29005حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ ) أَيْ كُشِفَ الْفَزَعُ مِنْ قُلُوبِ الشَّافِعِينَ وَالْمَشْفُوعِ لَهُمْ بِكَلِمَةٍ يَتَكَلَّمُ بِهَا رَبُّ الْعِزَّةِ فِي إِطْلَاقِ الْإِذِنِ . تَبَاشَرُوا بِذَلِكَ وَسَأَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ) ؟ قَالَ الْحَقَّ ، أَيِ الْقَوْلَ الْحَقَّ ، وَهُوَ الْإِذْنُ بِالشَّفَاعَةِ لِمَنِ ارْتَضَى . انْتَهَى . وَتَلَخَّصَ مِنْ هَذَا أَنَّ حَتَّى غَائِيَّةٌ إِمَّا لِمَنْطُوقٍ وَهُوَ زَعَمْتُمْ ، وَيَكُونُ الضَّمِيرُ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23عَنْ قُلُوبِهِمْ ) الْتِفَاتًا ، وَهُوَ لِلْكُفَّارِ ، أَوْ هُوَ فَاتَّبَعُوهُ ، وَفِيهِ تَنَاسُقُ الضَّمَائِرِ لِغَائِبٍ . وَالْفَصْلُ بِالِاعْتِرَاضِ وَالضَّمِيرُ أَيْضًا لِلْكُفَّارِ ، وَالضَّمِيرُ فِي ( قَالُوا ) لِلْمَلَائِكَةِ ، وَضَمِيرُ الْخِطَابِ فِي ( رَبُّكُمْ ) ، وَالْغَائِبِ فِي ( قَالُوا ) الثَّانِيَةِ لِلْكُفَّارِ . وَإِمَّا لِمَحْذُوفٍ ، فَمَا قَدَّرَهُ
ابْنُ عَطِيَّةَ لَا يَصِحُّ أَنْ يُغَيَّا ; لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْغَايَةِ مُخَالِفٌ لِمَا قَبْلَهَا ، وَهُمْ عَبْدَةٌ مُنْقَادُونَ دَائِمًا لَا يَنْفَكُّونَ عَنْ ذَلِكَ ، لَا إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ ، وَلَا إِذَا لَمْ يُفَزَّعْ ، وَحَمْلُ ذَلِكَ عَلَى الْمَلَائِكَةِ حَالَ الْوَحْيِ لَا يُنَاسِبُ الْآيَةَ ، وَكَوْنُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قِصَّةِ الْوَحْيِ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374809فَإِذَا جَاءَهُمْ جِبْرِيلُ فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ " ، لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي الْمَلَائِكَةِ حَالَةَ تَكَلُّمِ اللَّهِ بِالْوَحْيِ . وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنُ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : " إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالْوَحْيِ سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ صَلْصَلَةً كَجَرِّ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفَا ، فَيُصْعَقُونَ ، فَلَا يَزَالُونَ كَذَلِكَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ
جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَإِذَا جَاءَهُمْ
جِبْرِيلُ فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ ، فَيَقُولُونَ : يَا
جِبْرِيلُ مَاذَا قَالَ رَبُّكَ ؟ قَالَ : فَيَقُولُ الْحَقَّ : " فَيُنَادُونَ الْحَقَّ " . وَمَا قَدَّرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ يُحْتَمَلُ ، إِلَّا أَنَّ فِيهِ تَخْصِيصَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ بِالْمَلَائِكَةِ ، وَالَّذِينَ عَبَدُوهُمْ مَلَائِكَةٌ وَغَيْرُهُمْ ، وَتَخْصِيصَ مَنْ أَذِنَ لَهُ بِالْمَلَائِكَةِ أَيْضًا ، وَالْمَأْذُونُ لَهُمْ فِي الشَّفَاعَةِ الْمَلَائِكَةُ وَغَيْرُهُمْ . أَلَا تَرَى إِلَى مَا حَكَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي " الشَّفَاعَةِ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ " .
وَقُرِئَ : فُزِّعَ مُشَدَّدًا ، مِنَ الْفَزَعِ ، مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ ، أَيْ أُطِيرَ الْفَزَعُ عَنْ قُلُوبِهِمْ . وَفُعِّلَ تَأْتِي لِمَعَانٍ مِنْهَا : الْإِزَالَةُ ، وَهَذَا مِنْهُ نَحْوُهُ : قَرَّدْتُ الْبَعِيرَ ، أَيْ أَزَلْتُ الْقُرَادَ عَنْهُ . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنُ مَسْعُودٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنُ عَبَّاسٍ ،
وَطَلْحَةُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11904وَأَبُو الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيُّ ،
وَابْنُ السَّمَيْفَعِ ،
وَابْنُ عَامِرٍ : مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ مِنَ الْفَزَعِ أَيْضًا ، وَالضَّمِيرُ الْفَاعِلُ فِي فَزَعَ إِنْ كَانَ الضَّمِيرُ فِي عَنْ قُلُوبِهِمْ لِلْمَلَائِكَةِ ، فَهُوَ اللَّهُ ، وَإِنْ كَانَ لِلْكُفَّارِ ، فَالضَّمِيرُ لِمُغْوِيهِمْ . وَقَرَأَ
الْحَسَنُ ( فُزِعَ ) مِنَ الْفَزَعِ ، بِتَخْفِيفِ الزَّايِ ، مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ ، وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23عَنْ قُلُوبِهِمْ ) فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِهِ ، كَقَوْلِكَ : انْطَلَقَ يَزِيدُ . وَقَرَأَ
الْحَسَنُ أَيْضًا ،
وَأَبُو الْمُتَوَكِّلِ أَيْضًا ،
وَقَتَادَةُ ،
وَمُجَاهِدٌ : فَزَّعَ مُشَدَّدًا ، مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ مِنَ الْفَزَعِ . وَقَرَأَ
الْحَسَنُ أَيْضًا : كَذَلِكَ ، إِلَّا أَنَّهُ خَفَّفَ الزَّايَ . وَقَرَأَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ،
وَالْحَسَنُ أَيْضًا ،
nindex.php?page=showalam&ids=12341وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ ،
وَقَتَادَةُ أَيْضًا ،
وَأَبُو مِجْلَزٍ : فُرِّغَ مِنَ الْفَرَاغِ ، مُشَدَّدَ الرَّاءِ ، مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنُ مَسْعُودٍ ،
وَعِيسَى افْرَنْقَعَ : عَنْ قُلُوبِهِمْ ، بِمَعْنَى انْكَشَفَ عَنْهَا ، وَقِيلَ : تَفَرَّقَ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَالْكَلِمَةُ مُرَكَّبَةٌ مِنْ حُرُوفِ الْمُفَارَقَةِ مَعَ زِيَادَةِ الْعَيْنِ ، كَمَا رُكِّبَ قَمْطَرَ مِنْ حُرُوفِ الْقَمْطِ مَعَ زِيَادَةِ الرَّاءِ . انْتَهَى . فَإِنْ عَنِيَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ أَنَّ الْعَيْنَ مِنْ حُرُوفِ الزِّيَادَةِ ، وَكَذَلِكَ الرَّاءُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ ، فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ ; لِأَنَّ الْعَيْنَ وَالرَّاءَ لَيْسَتَا مِنْ حُرُوفِ الزِّيَادَةِ . وَإِنْ عَنَى أَنَّ الْكَلِمَةَ فِيهَا حُرُوفٌ ، وَمَا ذَكَرُوا زَائِدًا إِلَى ذَلِكَ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ كَمَادَّةِ فَرْقَعَ وَقَمْطَرَ ، فَهُوَ صَحِيحٌ لَوْلَا إِيهَامُ مَا قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ ، لَمْ أَذْكُرْ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ لِمُخَالَفَتِهَا سَوَادَ الْمُصْحَفِ . وَقَالُوا أَيْضًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23حَتَّى إِذَا فُزِّعَ ) أَقْوَالًا غَيْرَ مَا سَبَقَ . قَالَ كَعْبٌ : إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِلَا كَيْفٍ ضَرَبَتِ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا وَخَرَّتْ فَزَعًا ، قَالُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ ) . وَقِيلَ : إِذَا دَعَاهُمْ إِسْرَافِيلُ مِنْ قُبُورِهِمْ ، قَالُوا مُجِيبِينَ مَاذَا ، وَهُوَ مِنَ الْفَزَعِ الَّذِي هُوَ الدُّعَاءُ وَالِاسْتِصْرَاخُ ، كَمَا قَالَهُ زُهَيْرٌ :
[ ص: 279 ] إِذَا فَزِعُوا طَارُوا إِلَى مُسْتَغِيثِهِمْ طِوَالَ الرِّمَاحِ لَا ضِعَافٌ وَلَا عُزْلُ
وَقِيلَ : هُوَ فَزَعُ مَلَائِكَةِ أَدْنَى السَّمَاوَاتِ عِنْدَ نُزُولِ الْمُدَبِّرَاتِ إِلَى الْأَرْضِ . وَقِيلَ : لَمَّا كَانَتِ الْفَتْرَةُ بَيْنَ
عِيسَى وَمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَعَثَ اللَّهُ
مُحَمَّدًا ، أَنْزَلَ اللَّهُ
جِبْرِيلَ بِالْوَحْيِ ، فَظَنَّتِ الْمَلَائِكَةُ أَنَّهُ قَدْ نَزَلَ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِ السَّاعَةِ ، وَصَعِقُوا لِذَلِكَ ، فَجُعِلَ
جِبْرِيلُ يَمُرُّ بِكُلِّ سَمَاءٍ وَيَكْشِفُ عَنْهُمُ الْفَزَعَ وَيُخْبِرُهُمْ أَنَّهُ الْوَحْيُ ، قَالَهُ
قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ وَابْنُ السَّائِبِ . وَقِيلَ : الْمَلَائِكَةُ الْمُعَقِّبَاتُ الَّذِينَ يَخْتَلِفُونَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ ، وَيَكْتُبُونَ أَعْمَالَهُمْ إِذَا أَرْسَلَهُمُ اللَّهُ فَانْحَدَرُوا ، سُمِعَ لَهُمْ صَوْتٌ شَدِيدٌ ، فَيَحْسَبُ الَّذِينَ هُمْ أَسْفَلُ مِنْهُمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَنَّهُ مِنْ أَمْرِ السَّاعَةِ ، فَيَخِرُّونَ سُجَّدًا يُصْعَقُونَ ، رَوَاهُ
الضَّحَّاكُ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ .
وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ وَالَّتِي قَبْلَهَا لَا تَكَادُ تُلَائِمُ أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ ، فَاللَّهَ أَسْأَلُ أَنْ يَرْزُقَنَا فَهْمَ كِتَابِهِ ، وَأَقْرَبُهَا عِنْدِي أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِي ( قُلُوبِهِمْ ) عَائِدًا عَلَى مَنْ عَادَ عَلَيْهِ اتَّبَعُوهُ وَعَلَيْهِمْ ، وَمِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ ، وَتَكُونُ الْجُمْلَةُ بَعْدَ ذَلِكَ اعْتِرَاضًا . وَقَوْلُهُ ( قَالُوا ) ، أَيِ الْمَلَائِكَةُ ، لِأُولَئِكَ الْمُتَّبِعِينَ الشَّاكِينَ يَسْأَلُونَهُمْ سُؤَالَ تَوْبِيخٍ (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ) ، عَلَى لِسَانِ مَنْ بُعِثَ إِلَيْكُمْ بَعْدَ أَنْ كُشِفَ الْغِطَاءُ عَنْ قُلُوبِهِمْ ، فَيُقِرُّونَ إِذْ ذَاكَ أَنَّ الَّذِي قَالَهُ ، وَجَاءَتْ بِهِ أَنْبِيَاؤُهُ ، وَهُوَ الْحَقُّ ، لَا الْبَاطِلُ الَّذِي كُنَّا فِيهِ مِنِ اتِّبَاعِ إِبْلِيسَ وَشَكِّنَا فِي الْبَعْثِ . ( مَاذَا ) يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مَا مَنْصُوبَةً بِقَالَ ، أَيْ أَيَّ شَيْءٍ قَالَ رَبُّكُمْ ، وَأَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى أَنَّ ( ذَا ) مَوْصُولَةٌ ، أَيْ مَا الَّذِي قَالَ رَبُّكُمْ ، وَذَا خَبَرُهُ ، وَمَعْمُولُ قَالَ ضَمِيرٌ مَحْذُوفٌ عَائِدٌ عَلَى الْمَوْصُولِ . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=12356ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ : قَالُوا الْحَقُّ ، بِرَفْعِ الْحَقِّ ، خَبَرُ مُبْتَدَأٍ ، أَيْ مَقُولُهُ الْحَقُّ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ) ، تَنْزِيهٌ مِنْهُمْ لَهُ تَعَالَى وَتَمْجِيدٌ . ثُمَّ رَجَعَ إِلَى خِطَابِ الْكُفَّارِ فَسَأَلَهُمْ عَمَّنْ يَرْزُقُهُمْ ، مُحْتَجًّا عَلَيْهِمْ بِأَنَّ رَازِقَهُمْ هُوَ اللَّهُ ، إِذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقُولُوا إِنَّ آلِهَتَهُمْ تَرْزُقُهُمْ وَتَسْأَلُهُمْ أَنَّهُمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=22لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ) ، وَأَمَرَهُ بِأَنْ يَتَوَلَّى الْإِجَابَةَ وَالْإِقْرَارَ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ ( قُلِ اللَّهُ ) ; لِأَنَّهُمْ قَدْ لَا يُجِيبُونَ حُبًّا فِي الْعِنَادِ وَإِيثَارًا لِلشِّرْكِ . وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا جَوَابَ لَهُمْ وَلَا لِأَحَدٍ إِلَّا بِأَنْ يَقُولَ هُوَ اللَّهُ . ( وَإِنَّا ) أَيِ الْمُوَحِّدِينَ الرَّازِقَ الْعَابِدِينَ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=24أَوْ إِيَّاكُمْ ) الْمُشْرِكِينَ الْعَابِدِينَ الْأَصْنَامَ وَالْجَمَادَاتِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=24لَعَلَى هُدًى ) أَيْ طَرِيقَةٍ مُسْتَقِيمَةٍ ، أَوْ فِي حَيْرَةٍ وَاضِحَةٍ بَيِّنَةٍ . وَالْمَعْنَى : أَنَّ أَحَدَ الْفَرِيقَيْنِ مِنَّا وَمِنْكُمْ لَعَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مِنَ الْهُدَى وَالضَّلَالِ ، أُخْرِجَ الْكَلَامُ مُخْرَجَ الشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ . وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ عَبَدَ اللَّهَ وَوَحَّدَهُ هُوَ عَلَى الْهُدَى ، وَأَنَّ مَنْ عَبَدَ غَيْرَهُ مِنْ جَمَادٍ أَوْ غَيْرِهِ فِي ضَلَالٍ . وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ تَضَمَّنَتِ الْإِنْصَافَ وَاللُّطْفَ فِي الدَّعْوَى إِلَى اللَّهِ ، وَقَدْ عَلِمَ مَنْ سَمِعَهَا أَنَّهَا جُمْلَةُ اتِّصَافٍ ، وَالرَّدُّ بِالتَّوْرِيَةِ وَالتَّعْرِيضِ أَبْلَغُ مِنَ الرَّدِّ بِالتَّصْرِيحِ ، وَنَحْوُهُ قَوْلُ الْعَرَبِ : أَخْزَى اللَّهُ الْكَاذِبَ مِنِّي وَمِنْكَ ، يَقُولُ ذَاكَ مَنْ يَتَيَقَّنُ أَنَّ صَاحِبَهُ هُوَ الْكَاذِبُ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ :
فَأَيِّيَ مَا وَأَيَّكَ كَانَ شَرًّا فَسِيقَ إِلَى الْمَقَادَةِ فِي هَوَانِ
وَقَالَ
حَسَّانُ :
أَتَهْجُوهُ وَلَسْتَ لَهُ بِكُفْءٍ فَشَرُّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الْفِدَاءُ
وَهَذَا النَّوْعُ يُسَمَّى فِي عِلْمِ الْبَيَانِ : اسْتِدْرَاجُ الْمُخَاطَبِ . يَذْكُرُ لَهُ أَمْرًا يُسَلِّمُهُ ، وَإِنْ كَانَ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَ حَتَّى يُصْغِيَ إِلَيْهِ إِلَى مَا يُلْقِيهِ إِلَيْهِ ، إِذْ لَوْ بَدَأَ بِهِ بِمَا يَكْرَهُ لَمْ يُصْغِ ، وَلَا يَزَالُ يَنْقُلُهُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ الْحَقُّ وَيَقْبَلَهُ . وَهُنَا لَمَّا سَمِعُوا التَّرْدَادَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ ، ظَهَرَ لَهُمْ أَنَّهُ غَيْرُ جَازِمٍ أَنَّ الْحَقَّ مَعَهُ ، فَقَالَ لَهُمْ بِطَرِيقِ الِاسْتِدْلَالِ : إِنَّ آلِهَتَكُمْ لَا تَمْلِكُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ، وَلَا تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ ; لِأَنَّهَا جَمَادٌ ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ ، فَتَحَقَّقَ أَنَّ الرَّازِقَ لَهُمْ وَالنَّافِعَ وَالضَّارَّ هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ . وَقِيلَ : مَعْنَى الْجُمْلَةِ اسْتِنْقَاصُ الْمُشْرِكِينَ وَالِاسْتِهْزَاءُ بِهِمْ ، وَقَدْ بَيَّنُوا أَنَّ آلِهَتَهُمْ لَا تَرْزُقُهُمْ شَيْئًا وَلَا تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ ، فَأَرَادَ اللَّهُ مِنْ نَبِيِّهِ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُوَبِّخَهُمْ وَيَسْتَنْقِصَهُمْ وَيُكَذِّبَهُمْ بِقَوْلٍ غَيْرِ مَكْشُوفٍ ، إِنْ كَانَ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي اسْتِنْقَاصِهِمْ ، كَقَوْلِكَ : إِنَّ أَحَدَنَا لَكَاذِبٌ ، وَقَدْ
[ ص: 280 ] عَلِمْتَ أَنَّ مَنْ خَاطَبْتَهُ هُوَ الْكَاذِبُ ، وَلَكِنَّكَ وَبَّخْتَهُ بِلَفْظٍ غَيْرِ مَكْشُوفٍ . وَ ( أَوْ ) هَنَا عَلَى مَوْضُوعِهَا لِكَوْنِهَا لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ ، أَوِ الْأَشْيَاءِ . وَخَبَرُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=24إِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ ) هُوَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=24لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ) ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرِ حَذْفٍ ، إِذِ الْمَعْنَى : أَنَّ أَحَدَنَا لَفِي أَحَدِ هَذَيْنِ ، كَقَوْلِكَ : زَيْدٌ أَوْ عَمْرٌو فِي الْقَصْرِ ، أَوْ فِي الْمَسْجِدِ ، لَا يَحْتَاجُ هَذَا إِلَى تَقْدِيرِ حَذْفٍ ، إِذْ مَعْنَاهُ : أَحَدُ هَذَيْنِ فِي أَحَدِ هَذَيْنِ . وَقِيلَ : الْخَبَرُ مَحْذُوفٌ ، فَقِيلَ : خَبَرُ لَا ( وَلَهَ ) ، وَالتَّقْدِيرُ : وَإِنَّا لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ، فَحُذِفَ لِدَلَالَةِ خَبَرِ مَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ ، فَلَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ الْمُثْبَتُ خَبَرٌ عَنْهُ ، أَوْ إِيَّاكُمْ ، إِذْ هُوَ عَلَى تَقْدِيرِ إِنَّا ، وَلَكِنَّهَا لَمَّا حُذِفَتِ اتَّصَلَ الضَّمِيرُ ، وَقِيلَ : خَبَرُ الثَّانِي ، وَالتَّقْدِيرُ : أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ، وَحُذِفَ لِدَلَالَةِ خَبَرِ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ ، وَهُوَ هَذَا الْمُثْبَتُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=24لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ) ، وَلَا حَاجَةَ لِهَذَا التَّقْدِيرِ مِنَ الْحَذْفِ لَوْ كَانَ مَا بَعْدَ ( أَوْ ) غَيْرَ مَعْطُوفٍ بِهَا ، نَحْوُ : زَيْدٌ أَوْ عَمْرٌو قَائِمٌ ، كَانَ يَحْتَاجُ إِلَى هَذَا التَّقْدِيرِ ، وَإِنَّ مَعَ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا لِأَنَّ اسْمَهَا عُطِفَ عَلَيْهِ بِأَوْ ، وَالْخَبَرُ مَعْطُوفٌ بِأَوْ ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ . وَذَهَبَ
أَبُو عُبَيْدَةَ إِلَى أَنَّ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ ، وَالتَّقْدِيرُ : وَإِنَّا لَعَلَى هُدًى ، وَإِيَّاكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ، فَأَخْبَرَ عَنْ كُلٍّ بِمَا نَاسَبَهُ ، وَلَا حَاجَةَ إِلَى إِخْرَاجِ أَوْ عَنْ مَوْضُوعِهَا . وَجَاءَ فِي الْهُدَى بِعَلَى ; لِأَنَّ صَاحِبَهُ ذُو اسْتِعْلَاءٍ ، وَتَمَكُّنٍ مِمَّا هُوَ عَلَيْهِ ، يَتَصَرَّفُ حَيْثُ شَاءَ . وَجَاءَ فِي الضَّلَالِ بِعَنْ لِأَنَّهُ مُنْغَمِسٌ فِي حَيْرَةٍ مُرْتَبِكٌ فِيهَا لَا يَدْرِي أَيْنَ يَتَوَجَّهُ .