[ ص: 297 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=1الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=2ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=3يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=4وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك وإلى الله ترجع الأمور nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=5يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=6إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=7الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=8أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون ) .
هذه السورة مكية . ولما ذكر تعالى في آخر السورة التي قبلها هلاك المشركين أعداء المؤمنين ، وأنزلهم منازل العذاب ، تعين على المؤمنين حمده تعالى وشكره لنعمائه ووصفه بعظيم آلائه ، كما في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=45فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين ) .
وقرأ
الضحاك nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري : فطر ، جعله فعلا ماضيا ونصب ما بعده . قال
أبو الفضل الرازي : فإما على إضمار الذي فيكون نعتا لله عز وجل ، وإما بتقدير قد فيما قبله فيكون بمعنى الحال . انتهى . وحذف الموصول الاسمي لا يجوز عند البصريين ، وأما الحال فيكون حالا محكية ، والأحسن عندي أن يكون خبر مبتدأ محذوف ، أي هو فطر ، وتقدم شرح (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=1فاطر السماوات والأرض ) ، وأن المعنى خالقها بعد أن لم تكن ، والسماوات والأرض عبارة عن العالم .
وقال
أبو عبد الله الرازي : الحمد يكون في غالب الأمر على النعمة ، ونعم الله عاجلة ، و (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=1الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ) ، إشارة إلى النعمة العاجلة ودليله (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا ) ، و (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=1الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ) ، إشارة إليها أيضا ، وهي الاتقاء ، فإن الاتقاء والصلاح بالشرع والكتاب . والحمد في سورة
سبأ إشارة إلى نعمة الإيجاد والحشر ، ودليله (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=2يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها ) ، وقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=3وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة ) ، وهنا إشارة إلى نعمة البقاء في الآخرة ، ودليله (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=103وتتلقاهم الملائكة ) . ( ففاطر السماوات والأرض شاقهما لنزول الأرواح من السماء ، وخروج الأجساد من الأرض دليله (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=1جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة ) أي في ذلك اليوم . فأول هذه السورة متصل بآخر ما مضى ; لأن كما فعل بأشياعهم من قبل بيان لانقطاع رجاء من كان في شك مريب . ولما ذكر حالهم ذكر حال المؤمن وبشره بإرسال الملائكة إليهم مبشرين ، وأنه يفتح لهم أبواب الرحمة .
وقرأ
الحسن : جاعل بالرفع ، أي هو جاعل ;
وعبد الوارث عن
أبي عمرو : وجاعل رفعا بغير تنوين ، ( الملائكة ) نصبا ، حذف التنوين لالتقاء الساكنين . وقرأ
ابن يعمر ،
وخليد بن نشيط : جعل فعلا ماضيا ، ( الملائكة ) نصبا ، وذلك بعد قراءته ( فاطر ) بألف ، والجر كقراءة من قرأ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=96فالق الإصباح وجعل الليل سكنا ) . وقرأ
الحسن ،
وحميد بن قيس : رسلا بإسكان السين ، وهي لغة
تميم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وقرئ الذي فطر السماوات والأرض وجعل الملائكة . فمن قرأ : فطر وجعل ، فينبغي أن تكون هذه الجمل إخبارا من العبد إلى ما أسداه إلينا من النعم ، كما تقول : الفضل لزيد أحسن إلينا بكذا خولنا كذا ، يكون ذلك جهة بيان لفعله الجميل ، كذلك يكون في قوله : فطر ، جعل ; لأن في ذلك نعما لا تحصى . ومن قرأ : وجاعل ، فالأظهر أنهما اسما
[ ص: 298 ] فاعل بمعنى المضي ، فيكونان صفة لله ، ويجيء الخلاف في نصب رسلا . فمذهب
nindex.php?page=showalam&ids=14551السيرافي أنه منصوب باسم الفاعل ، وإن كان ماضيا لما لم يمكن إضافته إلى اسمين نصب الثاني . ومذهب
أبي علي أنه منصوب بإضمار فعل ، والترجيح بين المذهبين مذكور في النحو . وأما من نصب الملائكة فيتخرج على مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي وهشام في جواز إعمال الماضي النصب ، ويكون إذ ذاك إعرابه بدلا . وقيل : هو مستقبل تقديره : يجعل الملائكة رسلا ، ويكون أيضا إعرابه بدلا . ومعنى رسلا بالوحي وغيره من أوامره ، ولا يريد جميع الملائكة لأنهم ليسوا كلهم رسلا . فمن الرسل :
جبريل ،
وميكائيل ،
وإسرافيل ،
وعزرائيل ، والملائكة المتعاقبون ، والملائكة المسددون حكام العدل وغيرهم ، كالملك الذي أرسله الله إلى الأعمى والأبرص والأقرع .
و (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=1أجنحة ) جمع جناح ، صيغة جمع القلة ، وقياس جمع الكثرة فيه جنح على وزن فعل ، فإن كان لم يسمع كان ( أجنحة ) مستعملا في القليل والكثير . وتقدم الكلام على ( مثنى ) و ( ثلاث ) و ( رباع ) في أول النساء مشبعا ، ولكن المفسرون تعرضوا لكلام فيه هنا ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : مثنى وثلاث ورباع صفات الأجنحة ، وإنما لم تنصرف لتكرار العدل فيها ، وذلك أنها عدلت عن ألفاظ الأعداد من صيغ إلى صيغ أخر ، كما عدل عمر عن عامر ، وحذام عن حاذمة ، وعن تكرير إلى غير تكرير . وأما بالوصفية ، فلا تقترن الحال فيها بين المعدولة والمعدول عنها . ألا تراك تقول بنسوة أربع وبرجال ثلاثة فلا يعرج عليها ؟ انتهى . فجعل المانع للصرف هو تكرار العدل فيها ، والمشهور أنها امتنعت من الصرف للصفة والعدل . وأما قوله : ألا تراك ، فإنه قاس الصفة في هذا المعدول على الصفة في ( أفعل ) وفي ثلاثة ، وليس بصحيح ; لأن مطلق الصفة لم يعدوه علة ، بل اشترطوا فيه . فليس الشرط موجودا في أربع ; لأن شرطه أن لا يقبل تاء التأنيث . وليس شرطه في ثلاثة موجودا ; لأنه لم يجعل علة مع التأنيث . فقياس
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري قياس فاسد ، إذ غفل عن شرط كون الصفة علة . وقال
ابن عطية : عدلت عن حال التنكير ، فتعرفت بالعدل ، فهي لا تنصرف للعدل والتعريف ، وقيل : للعدل والصفة . انتهى . وهذا الثاني هو المشهور ، والأول قول لبعض الكوفيين . والظاهر أن الملك الواحد من صنف له جناحان ، وآخر ثلاثة ، وآخر أربعة ، وآخر أكثر من ذلك ، لما روي أن
ل جبريل ستمائة جناح ، منها اثنان يبلغ بهما المشرق إلى المغرب . قال
قتادة : وأخذ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري يتكلم على كيفية هذه الأجنحة ، وعلى صورة الثلاثة بما لا يجدي قائلا : يطالع ذلك في كتابه . وقالت فرقة : المعنى أن في كل جانب من الملك جناحان ، ولبعضهم ثلاثة ، ولبعضهم أربعة ، وإلا فلو كانت ثلاثة لواحد ، لما اعتدلت في معتاد ما رأينا نحن من الأجنحة . وقيل : بل هي ثلاثة لواحد ، كما يوجد لبعض الحيوانات . والظاهر أن المراد من الأجنحة ما وضعت له في اللغة .
وقال
أبو عبد الله الرازي : يزيل بحثه في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=1الحمد لله فاطر السماوات والأرض ) ، وهو الذي حكينا عنه أن قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=1جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع ) ، أقل ما يكون لذي الجناح ، إشارة إلى الجهة ، وبيانه أن الله ليس شيء فوقه ، وكل شيء تحت قدرته ونعمته ، والملائكة لهم وجه إلى الله يأخذون منه نعمه ويعطون من دونهم مما أخذوه بإذن الله ، كما قال تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=193نزل به الروح الأمين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=194على قلبك ) ، وقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=5علمه شديد القوى ) ، وقال تعالى في حقهم (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=5فالمدبرات أمرا ) ، النازعات فهما جناحان ، وفيهم من يفعل ما يفعل من الخير بواسطة ، وفيهم من يفعله لا بواسطة . فالفاعل بواسطة فيهم من له ثلاث جهات ، ومنهم من له أربع جهات وأكثر . انتهى . وبحثه في هذه ، وفي (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=1فاطر السماوات والأرض ) بحث عجيب ، وليس على طريقة فهم العرب من مدلولات الألفاظ التي حملها ما حمل . والظاهر أن مثنى وما بعده من صفات الأجنحة ، وقيل (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=1أولي أجنحة ) معترض ، ( ومثنى ) حال ، والعامل فعل محذوف يدل عليه (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=1رسلا ) ، أي يرسلون مثنى
[ ص: 299 ] وثلاث ورباع . قيل : وإنما جعلهم أولي أجنحة ; لأنه لما جعلهم رسلا ، جعل لهم أجنحة ليكون أسرع لنفاد الأمر وسرعة إنفاذ القضاء . فإن المسافة التي بين السماء والأرض لا تقطع بالأقدام إلا في سنين ، فجعلت لهم الأجنحة حتى ينالوا المكان البعيد في الوقت القريب كالطير .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=1يزيد في الخلق ما يشاء ) تقرير لما يقع في النفوس من التعجب والاستغراب من خبر الملائكة أولي أجنحة ، أي ليس هذا ببدع في قدرة الله ، فإنه يزيد في خلقه ما يشاء ، والظاهر عموم الخلق . وقال الفراء : هذا في الأجنحة التي للملائكة ، أي يزيد في خلق الملائكة الأجنحة . وقالوا : في هذه الزيادة الخلق الحسن ، أو حسن الصوت ، أو حسن الخط ، أو لملاحة في العينين أو الأنف ، أو خفة الروح ، أو الحسن ، أو جعودة الشعر ، أو العقل ، أو العلم ، أو الصنعة ، أو العفة في الفقراء ، والحلاوة في الفم ، وهذه الأقوال على سبيل التمثيل لا الحصر . والآية مطلقة تتناول كل زيادة في الخلق ، وقد شرحوا هذه الزيادة بالأشياء المستحسنة ، وما يشاء عام لا يخص مستحسنا دون غيره . وختم الآية بالقدرة على كل شيء يدل على ذلك ، والفتح والإرسال استعارة للإطلاق ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=2فلا مرسل له ) مكان لا فاتح له ، والمعنى : أي شيء يطلب الله .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=2من رحمة ) أي نعمة ورزق ، أو مطر ، أو صحة ، أو أمن ، أو غير ذلك من صنوف نعمائه التي لا يحاط بعددها . وما روي عن المفسرين المتقدمين من تفسير رحمة بشيء معين فليس على الحصر منه ، إنما هو مثال . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وتنكير الرحمة للإشاعة والإبهام ، كأنه قال : من أية رحمة كانت سماوية أو أرضية ، فلا يقدر أحد على إمساكها وحبسها ، وأي شيء يمسك الله فلا أحد يقدر على إطلاقه . انتهى . والعموم مفهوم من اسم الشرط ومن رحمة لبيان ذلك العام من أي صنف هو ، وهو مما اجتزئ فيه بالنكرة المفردة عن الجمع المعرف المطابق في العموم لاسم الشرط ، وتقديره : من الرحمات ، ومن في موضع الحال ، أي كائنا من الرحمات ، ولا يكون في موضع الصفة ; لأن اسم الشرط لا يوصف . والظاهر أن قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=2وما يمسك ) عام في الرحمة وفي غيرها ; لأنه لم يذكر له تبيين ، فهو باق على العموم في كل ما يمسك . فإن كان تفسيره (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=2من رحمة ) ، وحذفت لدلالة الأول عليه ، فيكون تذكير الضمير في (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=2فلا مرسل له من بعده ) حملا على لفظ ما ، وأنث في (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=2ممسك لها ) على معنى ما ; لأن معناها الرحمة . وقرئ : فلا مرسل لها ، بتأنيث الضمير ، وهو دليل على أن التفسير هو (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=2من رحمة ) ، وحذف لدلالة ما قبله عليه . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=2من رحمة ) من باب توبة ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=2فلا ممسك لها ) أي يتوبون إن شاءوا وإن أبوا ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=2وما يمسك ) من باب ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=2فلا مرسل له ) من بعده ، فهم لا يتوبون . وعنه أيضا (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=2من رحمة ) من هداية . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : فإن قلت : فما تقول فيمن فسر الرحمة بالتوبة وعزاه إلى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ؟ قلت : أراد بالتوبة : الهداية لها والتوفيق فيها ، وهو الذي أراده
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، إن قاله فمقبول ، وإن أراد أنه إن شاء أن يتوب العاصي تاب ، وإن لم يشأ لم يتب فمردود ; لأن الله تعالى يشاء التوبة أبدا ، ولا يجوز عليه أن لا يشاء بها . انتهى ، وهو على طريقة الاعتزال . (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=2من بعده ) هو على حذف مضاف ، أي من بعد إمساكه ، كقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=23فمن يهديه من بعد الله ) ، أي من بعد إضلال الله إياه ; لأن قبله وأضله الله على علم ، كقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=186من يضلل الله فلا هادي له ) ، وقدره
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري من بعد هداية الله ، وهو تقدير فاسد لا يناسب الآية ، جرى فيه على طريقة الاعتزال . (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=2وهو العزيز ) الغالب القادر على الإرسال والإمساك ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=2الحكيم ) الذي يرسل ويمسك ما اقتضته حكمته .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=3ياأيها الناس ) خطاب
لقريش ، وهو متجه لكل مؤمن وكافر ، ولا سيما من عبد غير الله ، وذكرهم بنعمه في إيجادهم . و (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=3اذكروا ) ليس أمرا بذكر اللسان ، ولكن به وبالقلب وبحفظ النعمة من كفرانها وشكرها ، كقولك لمن أنعمت عليه : اذكر أيادي عندك ، تريد حفظها وشكرها ، والجميع مغمورون في نعمة الله . فالخطاب عام اللفظ ، وإن كان نزل ذلك بسبب
قريش ، ثم استفهم على
[ ص: 300 ] جهة التقرير . (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=3هل من خالق غير الله ) أي فلا إله إلا الخالق ، ما تعبدون أنتم من الأصنام . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=17340ابن وثاب ،
وشقيق ،
وأبو جعفر ،
nindex.php?page=showalam&ids=15948وزيد بن علي ،
وحمزة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي : ( غير ) بالخفض ، نعتا على اللفظ ، و (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=3من خالق ) مبتدأ . و (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=3يرزقكم ) جوزوا أن يكون خبرا للمبتدأ ، وأن يكون صفته ، وأن يكون مستأنفا ، والخبر على هذين الوجهين محذوف تقديره لكم . وقرأ شيبة ، وعيسى ، والحسن ، وباقي السبعة (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=3غير ) بالرفع ، وجوزوا أن يكون نعتا على الموضع ، كما كان الخبر نعتا على اللفظ ، وهذا أظهر لتوافق القراءتين ; وأن يكون خبرا للمبتدأ ، وأن يكون فاعلا باسم الفاعل الذي هو خالق ; لأنه قد اعتمد على أداة الاستفهام ، فحسن إعماله ، كقولك : أقائم زيد في أحد وجهيه ؟ وفي هذا نظر ، وهو أن اسم الفاعل ، أو ما جرى مجراه ، إذا اعتمد على أداة الاستفهام وأجري مجرى الفعل ، فرفع ما بعده ، هل يجوز أن تدخل عليه من التي للاستغراق فتقول : هل من قائم الزيدون ؟ كما تقول : هل قائم الزيدون ؟ والظاهر أنه لا يجوز . ألا ترى أنه إذا جرى مجرى الفعل ، لا يكون فيه عموم خلافه إذا أدخلت عليه من ، ولا أحفظ مثله في لسان العرب ، وينبغي أن لا يقدم على إجازة مثل هذا إلا بسماع من كلام العرب ؟ وقرأ
الفضل بن إبراهيم النحوي : ( غير ) بالنصب على الاستثناء ، والخبر إما يرزقكم وإما محذوف ، ويرزقكم مستأنف ; وإذا كان يرزقكم مستأنفا ، كان أولى لانتفاء صدق خالق على غير الله ، بخلاف كونه صفة ، فإن الصفة تقيد ، فيكون ثم خالق غير الله ، لكنه ليس برازق . ومعنى (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=3من السماء ) بالمطر ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=3والأرض ) بالنبات ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=3لا إله إلا هو ) جملة مستقلة لا موضع لها من الإعراب . (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=3فأنى تؤفكون ) أي كيف يصرفون على التوحيد إلى الشرك ، وأن يكذبوك إلى الأمور ، تقدم الكلام على ذلك .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=5إن وعد الله حق ) شامل لجميع ما وعد من ثواب وعقاب وغير ذلك . وقرأ الجمهور (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=5الغرور ) بفتح الغين ، وفسره
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس بالشيطان . وقرأ
أبو حيوة ،
وأبو السمال : بضمها جمع غار ، أو مصدرا ، كقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=22فدلاهما بغرور ) ، وتقدم الكلام على ذلك في آخر
لقمان . (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=6إن الشيطان لكم عدو ) عداوته سبقت لأبينا
آدم ، وأي عداوة أعظم من أن يقول في بنيه (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=82لأغوينهم أجمعين ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=119ولأضلنهم ) ؟ (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=6فاتخذوه عدوا ) أي بالمقاطعة والمخالفة باتباع الشرع . ثم بين أن مقصوده في دعاء حزبه إنما هو تعذيبهم في النار ، يشترك هو وهم في العذاب ، فهو حريص على ذلك أشد الحرص حتى يبين صدق قوله في (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=39ولأغوينهم ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=119ولأضلنهم ) ; لأن الاشتراك فيما يسوء مما قد يتسلى به بخلاف المنفرد بالعذاب . ثم ذكر الفريقين ، وما أعد لهما من العقاب والثواب . وبدأ بالكفار لمجاورة قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=6إنما يدعو حزبه ) ، فأتبع خبر الكافر بحاله في الآخرة . قال
ابن عطية : واللام في ليكون لام الصيرورة ; لأنه لم يدعهم إلى السعير ، إنما اتفق أن صار أمرهم عن دعائه إلى ذلك . انتهى . ونقول : هو مما عبر فيه عن السبب بما تسبب عنه دعاؤهم إلى الكفر ، وتسبب عنه العذاب . و (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=7الذين كفروا ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=7والذين آمنوا ) . مبتدآن ، وجوز بعضهم في (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=7الذين كفروا ) أن يكون في موضع خفض بدلا (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=6من أصحاب السعير ) ، أو صفة ، وفي موضع نصب بدلا من حزبه ، وفي موضع رفع بدلا من ضمير (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=6ليكونوا ) ، وهذا كله بمعزل من فصاحة التقسيم وجزالة التركيب .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=8أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا ) أي فرأى سوء عمله حسنا ، ومن مبتدأ موصول ، وخبره محذوف . فالذي يقتضيه النظر أن يكون التقدير : كمن لم يزين له ، كقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=14أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=19أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=122أومن كان ميتا فأحييناه ) ، ثم قال (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=122كمن مثله في الظلمات ) ، وقاله
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي ، أي تقديره : تذهب نفسك عليهم حسرات لدلالة (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=8فلا تذهب نفسك عليهم ) . وقيل : التقدير : فرآه حسنا ، فأضله الله كمن هداه الله ، فحذف ذلك لدلالة (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=8فإن الله يضل من يشاء ) ، وذكر هذين الوجهين
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج . وشرح
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري هنا (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=8يضل من يشاء ) على
[ ص: 301 ] طريقته في غير موضع من كتابه ، من أن الإضلال هو خذلانه وتخليته شأنه ، وأتى بألفاظ كثيرة في هذا المعنى . وقرأ الجمهور ( أفمن زين ) مبنيا للمفعول ( سوء ) رفع . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16531عبيد بن عمير : زين له سوء ، مبنيا للفاعل ، ونصب سوء ; وعنه أيضا أسوأ على وزن أفعل منصوبا ; وأسوأ عمله : هو الشرك . وقراءة
طلحة : أمن بغير فاء ، قال صاحب اللوامح : للاستخبار بمعنى العامة للتقرير ، ويجوز أن يكون بمعنى حرف النداء ، فحذف التمام كما حذف من المشهور الجواب . انتهى . ويعني بالجواب : خبر المبتدأ ، وبالتمام : ما يؤدى لأجله ، أي تفكر وارجع إلى الله ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=8فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء ) تسلية للرسول عن كفر قومه ، ووجوب التسليم لله في إضلاله من يشاء وهداية من يشاء . وقرأ الجمهور (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=8فلا تذهب نفسك ) ، مبنيا للفاعل من ذهب ، ونفسك فاعل . وقرأ
أبو جعفر ،
وقتادة ،
وعيسى ،
والأشهب ،
وشيبة ،
وأبو حيوة ، وحميد nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش ،
وابن محيصن : تذهب من أذهب ، مسندا لضمير المخاطب (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=8نفسك ) نصب ، ورويت عن
نافع : والحسرة هم النفس على فوات أمر . وانتصب (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=8حسرات ) على أنه مفعول من أجله ، أي فلا تهلك نفسك للحسرات ، وعليهم متعلق ب (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=8تذهب ) ، كما تقول : هلك عليه حبا ، ومات عليه حزنا ، أو هو بيان للمتحسر عليه ، ولا يتعلق بحسرات لأنه مصدر ، فلا يتقدم معموله . وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون حالا ، كأن كلها صارت حسرات لفرط التحسر ، كما قال
جرير :
مشق الهواجر لحمهن مع السرى حتى ذهبن كلاكلا وصدورا
يريد : رجعن كلاكلا وصدورا ، أي لم يبق إلا كلاكلها وصدورها ، ومنه قوله :
فعلى إثرهم تساقط نفسي حسرات وذكرهم لي سقام
انتهى . وما ذكر من أن كلاكلا وصدورا حالان هو مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد : هو تمييز منقول من الفاعل ، أي حتى ذهبت كلاكلها وصدورها . ثم توعدهم بالعقاب على سوء صنعهم فقال (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=8إن الله عليم بما يصنعون ) أي فيجازيهم عليه .
[ ص: 297 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=1الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=2مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=3يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=4وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=5يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=6إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=7الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=8أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) .
هَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ . وَلَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى فِي آخِرِ السُّورَةِ الَّتِي قَبْلَهَا هَلَاكَ الْمُشْرِكِينَ أَعْدَاءِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَأَنْزَلَهُمْ مَنَازِلَ الْعَذَابِ ، تَعَيَّنَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَمْدُهُ تَعَالَى وَشُكْرُهُ لِنَعْمَائِهِ وَوَصْفُهُ بِعَظِيمِ آلَائِهِ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=45فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) .
وَقَرَأَ
الضَّحَّاكُ nindex.php?page=showalam&ids=12300وَالزَّهْرِيُّ : فَطَرَ ، جَعَلَهُ فِعْلًا مَاضِيًا وَنَصَبَ مَا بَعْدَهُ . قَالَ
أَبُو الْفَضْلِ الرَّازِيُّ : فَإِمَّا عَلَى إِضْمَارِ الَّذِي فَيَكُونُ نَعْتًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَإِمَّا بِتَقْدِيرِ قَدْ فِيمَا قَبْلَهُ فَيَكُونُ بِمَعْنَى الْحَالِ . انْتَهَى . وَحَذْفُ الْمَوْصُولِ الِاسْمِيِّ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ ، وَأَمَّا الْحَالُ فَيَكُونُ حَالًا مَحْكِيَّةً ، وَالْأَحْسَنُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ ، أَيْ هُوَ فَطَرَ ، وَتَقَدَّمَ شَرْحُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=1فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) ، وَأَنَّ الْمَعْنَى خَالِقُهَا بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ ، وَالسَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ عِبَارَةٌ عَنِ الْعَالَمِ .
وَقَالَ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ : الْحَمْدُ يَكُونُ فِي غَالِبِ الْأَمْرِ عَلَى النِّعْمَةِ ، وَنِعَمُ اللَّهِ عَاجِلَةٌ ، وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=1الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ) ، إِشَارَةٌ إِلَى النِّعْمَةِ الْعَاجِلَةِ وَدَلِيلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا ) ، وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=1الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ) ، إِشَارَةٌ إِلَيْهَا أَيْضًا ، وَهِيَ الِاتِّقَاءُ ، فَإِنَّ الِاتِّقَاءَ وَالصَّلَاحَ بِالشَّرْعِ وَالْكِتَابِ . وَالْحَمْدُ فِي سُورَةِ
سَبَأٍ إِشَارَةٌ إِلَى نِعْمَةِ الْإِيجَادِ وَالْحَشْرِ ، وَدَلِيلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=2يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا ) ، وَقَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=3وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ ) ، وَهُنَا إِشَارَةٌ إِلَى نِعْمَةِ الْبَقَاءِ فِي الْآخِرَةِ ، وَدَلِيلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=103وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ) . ( فَفَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَاقُّهُمَا لِنُزُولِ الْأَرْوَاحِ مِنَ السَّمَاءِ ، وَخُرُوجِ الْأَجْسَادِ مِنَ الْأَرْضِ دَلِيلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=1جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ . فَأَوَّلُ هَذِهِ السُّورَةِ مُتَّصِلٌ بِآخِرِ مَا مَضَى ; لِأَنَّ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ بَيَانٌ لِانْقِطَاعِ رَجَاءِ مَنْ كَانَ فِي شَكٍّ مُرِيبٍ . وَلَمَّا ذَكَرَ حَالَهُمْ ذَكَرَ حَالَ الْمُؤْمِنِ وَبَشَّرَهُ بِإِرْسَالِ الْمَلَائِكَةِ إِلَيْهِمْ مُبَشِّرِينَ ، وَأَنَّهُ يَفْتَحُ لَهُمْ أَبْوَابَ الرَّحْمَةِ .
وَقَرَأَ
الْحَسَنُ : جَاعِلٌ بِالرَّفْعِ ، أَيْ هُوَ جَاعِلٌ ;
وَعَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ
أَبِي عَمْرٍو : وَجَاعِلُ رَفْعًا بِغَيْرِ تَنْوِينٍ ، ( الْمَلَائِكَةَ ) نَصْبًا ، حُذِفَ التَّنْوِينُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ . وَقَرَأَ
ابْنُ يَعْمَرَ ،
وَخُلَيْدُ بْنُ نَشِيطٍ : جَعَلَ فِعْلًا مَاضِيًا ، ( الْمَلَائِكَةَ ) نَصْبًا ، وَذَلِكَ بَعْدَ قِرَاءَتِهِ ( فَاطِرِ ) بِأَلِفٍ ، وَالْجَرِّ كَقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=96فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا ) . وَقَرَأَ
الْحَسَنُ ،
وَحُمَيْدُ بْنُ قَيْسٍ : رُسْلًا بِإِسْكَانِ السِّينِ ، وَهِيَ لُغَةُ
تَمِيمٍ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَقُرِئَ الَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الْمَلَائِكَةَ . فَمَنْ قَرَأَ : فَطَرَ وَجَعَلَ ، فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْجُمَلُ إِخْبَارًا مِنَ الْعَبْدِ إِلَى مَا أَسْدَاهُ إِلَيْنَا مِنَ النِّعَمِ ، كَمَا تَقُولُ : الْفَضْلُ لِزَيْدٍ أَحْسَنَ إِلَيْنَا بِكَذَا خَوَّلَنَا كَذَا ، يَكُونُ ذَلِكَ جِهَةَ بَيَانٍ لِفِعْلِهِ الْجَمِيلِ ، كَذَلِكَ يَكُونُ فِي قَوْلِهِ : فَطَرَ ، جَعَلَ ; لِأَنَّ فِي ذَلِكَ نِعَمًا لَا تُحْصَى . وَمَنْ قَرَأَ : وَجَاعِلِ ، فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُمَا اسْمَا
[ ص: 298 ] فَاعِلٍ بِمَعْنَى الْمُضِيِّ ، فَيُكُونَانِ صِفَةً لِلَّهِ ، وَيَجِيءُ الْخِلَافُ فِي نَصْبِ رُسُلًا . فَمَذْهَبُ
nindex.php?page=showalam&ids=14551السِّيرَافِيِّ أَنَّهُ مَنْصُوبٌ بِاسْمِ الْفَاعِلِ ، وَإِنْ كَانَ مَاضِيًا لَمَّا لَمْ يُمْكِنْ إِضَافَتُهُ إِلَى اسْمَيْنِ نَصَبَ الثَّانِيَ . وَمَذْهَبُ
أَبِي عَلِيٍّ أَنَّهُ مَنْصُوبٌ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ ، وَالتَّرْجِيحُ بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ مَذْكُورٌ فِي النَّحْوِ . وَأَمَّا مَنْ نَصَبَ الْمَلَائِكَةَ فَيَتَخَرَّجُ عَلَى مَذْهَبِ
nindex.php?page=showalam&ids=15080الْكِسَائِيِّ وَهِشَامٍ فِي جَوَازِ إِعْمَالِ الْمَاضِي النَّصْبَ ، وَيَكُونُ إِذْ ذَاكَ إِعْرَابُهُ بَدَلًا . وَقِيلَ : هُوَ مُسْتَقْبَلٌ تَقْدِيرُهُ : يَجْعَلُ الْمَلَائِكَةَ رُسُلًا ، وَيَكُونُ أَيْضًا إِعْرَابُهُ بَدَلًا . وَمَعْنَى رُسُلًا بِالْوَحْيِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَوَامِرِهِ ، وَلَا يُرِيدُ جَمِيعَ الْمَلَائِكَةِ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا كُلُّهُمْ رُسُلًا . فَمِنَ الرُّسُلِ :
جِبْرِيلُ ،
وَمِيكَائِيلُ ،
وَإِسْرَافِيلُ ،
وَعِزْرَائِيلُ ، وَالْمَلَائِكَةُ الْمُتَعَاقِبُونَ ، وَالْمَلَائِكَةُ الْمُسَدِّدُونَ حُكَّامُ الْعَدْلِ وَغَيْرُهُمْ ، كَالْمَلَكِ الَّذِي أَرْسَلَهُ اللَّهُ إِلَى الْأَعْمَى وَالْأَبْرَصِ وَالْأَقْرَعِ .
وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=1أَجْنِحَةٍ ) جَمْعُ جَنَاحٍ ، صِيغَةُ جَمْعِ الْقِلَّةِ ، وَقِيَاسُ جَمْعِ الْكَثْرَةِ فِيهِ جَنَحَ عَلَى وَزْنِ فَعَلَ ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يُسْمَعْ كَانَ ( أَجْنِحَةٍ ) مُسْتَعْمَلًا فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ . وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ( مَثْنَى ) وَ ( ثُلَاثَ ) وَ ( رُبَاعَ ) فِي أَوَّلِ النِّسَاءِ مُشْبَعًا ، وَلَكِنِ الْمُفَسِّرُونَ تَعَرَّضُوا لِكَلَامٍ فِيهِ هُنَا ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ صِفَاتُ الْأَجْنِحَةِ ، وَإِنَّمَا لَمْ تَنْصَرِفْ لِتَكْرَارِ الْعَدْلِ فِيهَا ، وَذَلِكَ أَنَّهَا عُدِلَتْ عَنْ أَلْفَاظِ الْأَعْدَادِ مِنْ صِيَغٍ إِلَى صِيَغٍ أُخَرَ ، كَمَا عُدِلَ عُمَرُ عَنْ عَامِرٍ ، وَحَذَامِ عَنْ حَاذِمَةٍ ، وَعَنْ تَكْرِيرٍ إِلَى غَيْرِ تَكْرِيرٍ . وَأَمَّا بِالْوَصْفِيَّةِ ، فَلَا تَقْتَرِنُ الْحَالُ فِيهَا بَيْنَ الْمَعْدُولَةِ وَالْمَعْدُولِ عَنْهَا . أَلَا تَرَاكَ تَقُولُ بِنِسْوَةٍ أَرْبَعٍ وَبِرِجَالٍ ثَلَاثَةٍ فَلَا يُعَرَّجُ عَلَيْهَا ؟ انْتَهَى . فَجَعَلَ الْمَانِعَ لِلصَّرْفِ هُوَ تَكْرَارُ الْعَدْلِ فِيهَا ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا امْتَنَعَتْ مِنَ الصَّرْفِ لِلصِّفَةِ وَالْعَدْلِ . وَأَمَّا قَوْلُهُ : أَلَا تَرَاكَ ، فَإِنَّهُ قَاسَ الصِّفَةَ فِي هَذَا الْمَعْدُولِ عَلَى الصِّفَةِ فِي ( أَفْعَلَ ) وَفِي ثَلَاثَةٍ ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ ; لِأَنَّ مُطْلَقَ الصِّفَةِ لَمْ يَعُدُّوهُ عِلَّةً ، بَلِ اشْتَرَطُوا فِيهِ . فَلَيْسَ الشَّرْطُ مَوْجُودًا فِي أَرْبَعٍ ; لِأَنَّ شَرْطَهُ أَنْ لَا يَقْبَلَ تَاءَ التَّأْنِيثِ . وَلَيْسَ شَرْطُهُ فِي ثَلَاثَةٍ مَوْجُودًا ; لِأَنَّهُ لَمْ يُجْعَلْ عِلَّةً مَعَ التَّأْنِيثِ . فَقِيَاسُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيِّ قِيَاسٌ فَاسِدٌ ، إِذْ غَفَلَ عَنْ شَرْطِ كَوْنِ الصِّفَةِ عِلَّةً . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : عُدِلَتْ عَنْ حَالِ التَّنْكِيرِ ، فَتَعَرَّفَتْ بِالْعَدْلِ ، فَهِيَ لَا تَنْصَرِفُ لِلْعَدْلِ وَالتَّعْرِيفِ ، وَقِيلَ : لِلْعَدْلِ وَالصِّفَةِ . انْتَهَى . وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الْمَشْهُورُ ، وَالْأَوَّلُ قَوْلٌ لِبَعْضِ الْكُوفِيِّينَ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَلَكَ الْوَاحِدَ مِنْ صِنْفٍ لَهُ جَنَاحَانِ ، وَآخَرَ ثَلَاثَةٌ ، وَآخَرَ أَرْبَعَةٌ ، وَآخَرَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ
لِ جِبْرِيلَ سِتَّمِائَةِ جَنَاحٍ ، مِنْهَا اثْنَانِ يَبْلُغُ بِهِمَا الْمَشْرِقَ إِلَى الْمَغْرِبِ . قَالَ
قَتَادَةُ : وَأَخَذَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ يَتَكَلَّمُ عَلَى كَيْفِيَّةِ هَذِهِ الْأَجْنِحَةِ ، وَعَلَى صُورَةِ الثَّلَاثَةِ بِمَا لَا يُجْدِي قَائِلًا : يُطَالِعُ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ . وَقَالَتْ فِرْقَةٌ : الْمَعْنَى أَنَّ فِي كُلِّ جَانِبٍ مِنَ الْمَلَكِ جَنَاحَانِ ، وَلِبَعْضِهِمْ ثَلَاثَةٌ ، وَلِبَعْضِهِمْ أَرْبَعَةٌ ، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَتْ ثَلَاثَةً لِوَاحِدٍ ، لَمَا اعْتَدَلَتْ فِي مُعْتَادٍ مَا رَأَيْنَا نَحْنُ مِنَ الْأَجْنِحَةِ . وَقِيلَ : بَلْ هِيَ ثَلَاثَةٌ لِوَاحِدٍ ، كَمَا يُوجَدُ لِبَعْضِ الْحَيَوَانَاتِ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْأَجْنِحَةِ مَا وُضِعَتْ لَهُ فِي اللُّغَةِ .
وَقَالَ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ : يُزِيلُ بَحْثَهُ فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=1الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) ، وَهُوَ الَّذِي حَكَيْنَا عَنْهُ أَنَّ قَوْلَهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=1جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ) ، أَقَلُّ مَا يَكُونُ لِذِي الْجَنَاحِ ، إِشَارَةً إِلَى الْجِهَةِ ، وَبَيَانُهُ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ شَيْءٌ فَوْقَهُ ، وَكُلُّ شَيْءٍ تَحْتَ قُدْرَتِهِ وَنِعْمَتِهِ ، وَالْمَلَائِكَةُ لَهُمْ وَجْهٌ إِلَى اللَّهِ يَأْخُذُونَ مِنْهُ نِعَمَهُ وَيُعْطُونَ مَنْ دُونَهُمْ مِمَّا أَخَذُوهُ بِإِذْنِ اللَّهِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=193نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=194عَلَى قَلْبِكَ ) ، وَقَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=5عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ) ، وَقَالَ تَعَالَى فِي حَقِّهِمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=5فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا ) ، النَّازِعَاتِ فَهُمَا جَنَاحَانِ ، وَفِيهِمْ مَنْ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُ مِنَ الْخَيْرِ بِوَاسِطَةٍ ، وَفِيهِمْ مَنْ يَفْعَلُهُ لَا بِوَاسِطَةٍ . فَالْفَاعِلُ بِوَاسِطَةٍ فِيهِمْ مَنْ لَهُ ثَلَاثُ جِهَاتٍ ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ أَرْبَعُ جِهَاتٍ وَأَكْثَرُ . انْتَهَى . وَبَحْثُهُ فِي هَذِهِ ، وَفِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=1فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) بَحْثٌ عَجِيبٌ ، وَلَيْسَ عَلَى طَرِيقَةِ فَهْمِ الْعَرَبِ مِنْ مَدْلُولَاتِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي حَمَّلَهَا مَا حَمَّلَ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَثْنَى وَمَا بَعْدَهُ مِنْ صِفَاتِ الْأَجْنِحَةِ ، وَقِيلَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=1أُولِي أَجْنِحَةٍ ) مُعْتَرِضٌ ، ( وَمَثْنَى ) حَالٌ ، وَالْعَامِلُ فِعْلٌ مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=1رُسُلًا ) ، أَيْ يُرْسَلُونَ مَثْنَى
[ ص: 299 ] وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ . قِيلَ : وَإِنَّمَا جَعَلَهُمْ أُولِي أَجْنِحَةٍ ; لِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَهُمْ رُسُلًا ، جَعَلَ لَهُمْ أَجْنِحَةً لِيَكُونَ أَسْرَعَ لِنَفَادِ الْأَمْرِ وَسُرْعَةِ إِنْفَاذِ الْقَضَاءِ . فَإِنَّ الْمَسَافَةَ الَّتِي بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا تُقْطَعُ بِالْأَقْدَامِ إِلَّا فِي سِنِينَ ، فَجُعِلَتْ لَهُمُ الْأَجْنِحَةُ حَتَّى يَنَالُوا الْمَكَانَ الْبَعِيدَ فِي الْوَقْتِ الْقَرِيبِ كَالطَّيْرِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=1يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ ) تَقْرِيرٌ لِمَا يَقَعُ فِي النُّفُوسِ مِنَ التَّعَجُّبِ وَالِاسْتِغْرَابِ مِنْ خَبَرِ الْمَلَائِكَةِ أُولِي أَجْنِحَةٍ ، أَيْ لَيْسَ هَذَا بِبِدْعٍ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ ، فَإِنَّهُ يَزِيدُ فِي خَلْقِهِ مَا يَشَاءُ ، وَالظَّاهِرُ عُمُومُ الْخَلْقِ . وَقَالَ الْفَرَّاءُ : هَذَا فِي الْأَجْنِحَةِ الَّتِي لِلْمَلَائِكَةِ ، أَيْ يَزِيدُ فِي خَلْقِ الْمَلَائِكَةِ الْأَجْنِحَةَ . وَقَالُوا : فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ الْخَلْقُ الْحَسَنُ ، أَوْ حُسْنُ الصَّوْتِ ، أَوْ حُسْنُ الْخَطِّ ، أَوْ لِمَلَاحَةٍ فِي الْعَيْنَيْنِ أَوِ الْأَنْفِ ، أَوْ خِفَّةُ الرُّوحِ ، أَوِ الْحُسْنُ ، أَوْ جُعُودَةُ الشَّعْرِ ، أَوِ الْعَقْلُ ، أَوِ الْعِلْمُ ، أَوِ الصَّنْعَةُ ، أَوِ الْعِفَّةُ فِي الْفُقَرَاءِ ، وَالْحَلَاوَةُ فِي الْفَمِ ، وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ لَا الْحَصْرِ . وَالْآيَةُ مُطْلَقَةٌ تَتَنَاوَلُ كُلَّ زِيَادَةٍ فِي الْخَلْقِ ، وَقَدْ شَرَحُوا هَذِهِ الزِّيَادَةَ بِالْأَشْيَاءِ الْمُسْتَحْسَنَةِ ، وَمَا يَشَاءُ عَامٌّ لَا يَخُصُّ مُسْتَحْسَنًا دُونَ غَيْرِهِ . وَخَتَمَ الْآيَةَ بِالْقُدْرَةِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ، وَالْفَتْحُ وَالْإِرْسَالُ اسْتِعَارَةٌ لِلْإِطْلَاقِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=2فَلَا مُرْسِلَ لَهُ ) مَكَانَ لَا فَاتِحَ لَهُ ، وَالْمَعْنَى : أَيُّ شَيْءٍ يَطْلُبُ اللَّهُ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=2مِنْ رَحْمَةٍ ) أَيْ نِعْمَةٍ وَرِزْقٍ ، أَوْ مَطَرٍ ، أَوْ صِحَّةٍ ، أَوْ أَمْنٍ ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صُنُوفِ نَعْمَائِهِ الَّتِي لَا يُحَاطُ بِعَدَدِهَا . وَمَا رُوِيَ عَنِ الْمُفَسِّرِينَ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ تَفْسِيرِ رَحْمَةٍ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ فَلَيْسَ عَلَى الْحَصْرِ مِنْهُ ، إِنَّمَا هُوَ مِثَالٌ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَتَنْكِيرُ الرَّحْمَةِ لِلْإِشَاعَةِ وَالْإِبْهَامِ ، كَأَنَّهُ قَالَ : مِنْ أَيَّةِ رَحْمَةٍ كَانَتْ سَمَاوِيَّةً أَوْ أَرْضِيَّةً ، فَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى إِمْسَاكِهَا وَحَبْسِهَا ، وَأَيُّ شَيْءٍ يُمْسِكُ اللَّهُ فَلَا أَحَدَ يَقْدِرُ عَلَى إِطْلَاقِهِ . انْتَهَى . وَالْعُمُومُ مَفْهُومٌ مِنِ اسْمِ الشَّرْطِ وَمِنْ رَحْمَةٍ لِبَيَانِ ذَلِكَ الْعَامِّ مِنْ أَيِّ صِنْفٍ هُوَ ، وَهُوَ مِمَّا اجْتُزِئَ فِيهِ بِالنَّكِرَةِ الْمُفْرَدَةِ عَنِ الْجَمْعِ الْمُعَرَّفِ الْمُطَابِقِ فِي الْعُمُومِ لِاسْمِ الشَّرْطِ ، وَتَقْدِيرُهُ : مِنَ الرَّحَمَاتِ ، وَمِنْ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ ، أَيْ كَائِنًا مِنَ الرَّحَمَاتِ ، وَلَا يَكُونُ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ ; لِأَنَّ اسْمَ الشَّرْطِ لَا يُوصَفُ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=2وَمَا يُمْسِكْ ) عَامٌّ فِي الرَّحْمَةِ وَفِي غَيْرِهَا ; لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ لَهُ تَبْيِينٌ ، فَهُوَ بَاقٍ عَلَى الْعُمُومِ فِي كُلِّ مَا يُمْسِكُ . فَإِنْ كَانَ تَفْسِيرُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=2مِنْ رَحْمَةٍ ) ، وَحُذِفَتْ لِدَلَالَةِ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ ، فَيَكُونُ تَذْكِيرُ الضَّمِيرِ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=2فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ ) حَمْلًا عَلَى لَفْظِ مَا ، وَأُنِّثَ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=2مُمْسِكَ لَهَا ) عَلَى مَعْنَى مَا ; لِأَنَّ مَعْنَاهَا الرَّحْمَةُ . وَقُرِئَ : فَلَا مُرْسِلَ لَهَا ، بِتَأْنِيثِ الضَّمِيرِ ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّفْسِيرَ هُوَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=2مِنْ رَحْمَةٍ ) ، وَحُذِفَ لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ . وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=2مِنْ رَحْمَةٍ ) مِنْ بَابِ تَوْبَةٍ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=2فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ) أَيْ يَتُوبُونَ إِنْ شَاءُوا وَإِنْ أَبَوْا ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=2وَمَا يُمْسِكْ ) مِنْ بَابٍ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=2فَلَا مُرْسِلَ لَهُ ) مِنْ بَعْدِهِ ، فَهُمْ لَا يَتُوبُونَ . وَعَنْهُ أَيْضًا (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=2مِنْ رَحْمَةٍ ) مِنْ هِدَايَةٍ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : فَإِنْ قُلْتَ : فَمَا تَقُولُ فِيمَنْ فَسَّرَ الرَّحْمَةَ بِالتَّوْبَةِ وَعَزَاهُ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ؟ قُلْتُ : أَرَادَ بِالتَّوْبَةِ : الْهِدَايَةَ لَهَا وَالتَّوْفِيقَ فِيهَا ، وَهُوَ الَّذِي أَرَادَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ، إِنْ قَالَهُ فَمَقْبُولٌ ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ إِنْ شَاءَ أَنْ يَتُوبَ الْعَاصِي تَابَ ، وَإِنْ لَمْ يَشَأْ لَمْ يَتُبْ فَمَرْدُودٌ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَشَاءُ التَّوْبَةَ أَبَدًا ، وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَشَاءَ بِهَا . انْتَهَى ، وَهُوَ عَلَى طَرِيقَةِ الِاعْتِزَالِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=2مِنْ بَعْدِهِ ) هُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ ، أَيْ مِنْ بَعْدِ إِمْسَاكِهِ ، كَقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=23فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ ) ، أَيْ مِنْ بَعْدِ إِضْلَالِ اللَّهِ إِيَّاهُ ; لِأَنَّ قَبْلَهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ ، كَقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=186مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ ) ، وَقَدَّرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ مِنْ بَعْدِ هِدَايَةِ اللَّهِ ، وَهُوَ تَقْدِيرٌ فَاسِدٌ لَا يُنَاسِبُ الْآيَةَ ، جَرَى فِيهِ عَلَى طَرِيقَةِ الِاعْتِزَالِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=2وَهُوَ الْعَزِيزُ ) الْغَالِبُ الْقَادِرُ عَلَى الْإِرْسَالِ وَالْإِمْسَاكِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=2الْحَكِيمُ ) الَّذِي يُرْسِلُ وَيُمْسِكُ مَا اقْتَضَتْهُ حِكْمَتُهُ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=3يَاأَيُّهَا النَّاسُ ) خِطَابٌ
لِقُرَيْشٍ ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ ، وَلَا سِيَّمَا مَنْ عَبَدَ غَيْرَ اللَّهِ ، وَذَكَّرَهُمْ بِنِعَمِهِ فِي إِيجَادِهِمْ . وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=3اذْكُرُوا ) لَيْسَ أَمْرًا بِذِكْرِ اللِّسَانِ ، وَلَكِنْ بِهِ وَبِالْقَلْبِ وَبِحِفْظِ النِّعْمَةِ مِنْ كُفْرَانِهَا وَشُكْرِهَا ، كَقَوْلِكَ لِمَنْ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ : اذْكُرْ أَيَادِيَّ عِنْدَكَ ، تُرِيدُ حِفْظَهَا وَشُكْرَهَا ، وَالْجَمِيعُ مَغْمُورُونَ فِي نِعْمَةِ اللَّهِ . فَالْخِطَابُ عَامُّ اللَّفْظِ ، وَإِنْ كَانَ نَزَلَ ذَلِكَ بِسَبَبِ
قُرَيْشٍ ، ثُمَّ اسْتَفْهَمَ عَلَى
[ ص: 300 ] جِهَةِ التَّقْرِيرِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=3هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ ) أَيْ فَلَا إِلَهَ إِلَّا الْخَالِقُ ، مَا تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ مِنَ الْأَصْنَامِ . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=17340ابْنُ وَثَّابٍ ،
وَشَقِيقٌ ،
وَأَبُو جَعْفَرٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15948وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ ،
وَحَمْزَةُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ : ( غَيْرِ ) بِالْخَفْضِ ، نَعْتًا عَلَى اللَّفْظِ ، وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=3مِنْ خَالِقٍ ) مُبْتَدَأٌ . وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=3يَرْزُقُكُمْ ) جَوَّزُوا أَنْ يَكُونَ خَبَرًا لِلْمُبْتَدَأِ ، وَأَنْ يَكُونَ صِفَتَهُ ، وَأَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا ، وَالْخَبَرُ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ لَكُمْ . وَقَرَأَ شَيْبَةُ ، وَعِيسَى ، وَالْحَسَنُ ، وَبَاقِي السَّبْعَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=3غَيْرُ ) بِالرَّفْعِ ، وَجَوَّزُوا أَنْ يَكُونَ نَعْتًا عَلَى الْمَوْضِعِ ، كَمَا كَانَ الْخَبَرُ نَعْتًا عَلَى اللَّفْظِ ، وَهَذَا أَظْهَرُ لِتَوَافُقِ الْقِرَاءَتَيْنِ ; وَأَنْ يَكُونَ خَبَرًا لِلْمُبْتَدَأِ ، وَأَنْ يَكُونَ فَاعِلًا بَاسِمِ الْفَاعِلِ الَّذِي هُوَ خَالِقٌ ; لِأَنَّهُ قَدِ اعْتَمَدَ عَلَى أَدَاةِ الِاسْتِفْهَامِ ، فَحَسُنَ إِعْمَالُهُ ، كَقَوْلِكَ : أَقَائِمٌ زَيْدٌ فِي أَحَدِ وَجْهَيْهِ ؟ وَفِي هَذَا نَظَرٌ ، وَهُوَ أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ ، أَوْ مَا جَرَى مَجْرَاهُ ، إِذَا اعْتَمَدَ عَلَى أَدَاةِ الِاسْتِفْهَامِ وَأَجْرِيَ مُجْرَى الْفِعْلِ ، فَرَفَعَ مَا بَعْدَهُ ، هَلْ يَجُوزُ أَنْ تَدْخُلَ عَلَيْهِ مِنَ الَّتِي لِلِاسْتِغْرَاقِ فَتَقُولُ : هَلْ مِنْ قَائِمٍ الزَّيْدُونَ ؟ كَمَا تَقُولُ : هَلْ قَائِمٌ الزَّيْدُونَ ؟ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ . أَلَا تَرَى أَنَّهُ إِذَا جَرَى مَجْرَى الْفِعْلِ ، لَا يَكُونُ فِيهِ عُمُومٌ خِلَافُهُ إِذَا أَدْخَلْتَ عَلَيْهِ مِنْ ، وَلَا أَحْفَظُ مِثْلَهُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُقَدَّمَ عَلَى إِجَازَةِ مِثْلِ هَذَا إِلَّا بِسَمَاعٍ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ ؟ وَقَرَأَ
الْفَضْلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ النَّحْوِيُّ : ( غَيْرَ ) بِالنَّصْبِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ ، وَالْخَبَرُ إِمَّا يَرْزُقُكُمْ وَإِمَّا مَحْذُوفٌ ، وَيَرْزُقُكُمْ مُسْتَأْنَفٌ ; وَإِذَا كَانَ يَرْزُقُكُمْ مُسْتَأْنِفًا ، كَانَ أَوْلَى لِانْتِفَاءِ صِدْقِ خَالِقٍ عَلَى غَيْرِ اللَّهِ ، بِخِلَافِ كَوْنِهِ صِفَةً ، فَإِنَّ الصِّفَةَ تُقَيِّدُ ، فَيَكُونُ ثَمَّ خَالِقٌ غَيْرُ اللَّهِ ، لَكِنَّهُ لَيْسَ بِرَازِقٍ . وَمَعْنَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=3مِنَ السَّمَاءِ ) بِالْمَطَرِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=3وَالْأَرْضِ ) بِالنَّبَاتِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=3لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ) جُمْلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَا مَوْضِعَ لَهَا مِنَ الْإِعْرَابِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=3فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ) أَيْ كَيْفَ يُصْرَفُونَ عَلَى التَّوْحِيدِ إِلَى الشِّرْكِ ، وَأَنْ يُكَذِّبُوكَ إِلَى الْأُمُورِ ، تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=5إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ) شَامِلٌ لِجَمِيعِ مَا وَعَدَ مِنْ ثَوَابٍ وَعِقَابٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=5الْغَرُورُ ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ ، وَفَسَّرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ بِالشَّيْطَانِ . وَقَرَأَ
أَبُو حَيْوَةَ ،
وَأَبُو السَّمَّالِ : بِضَمِّهَا جَمْعَ غَارٍ ، أَوْ مَصْدَرًا ، كَقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=22فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ) ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي آخِرِ
لُقْمَانَ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=6إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ ) عَدَاوَتُهُ سَبَقَتْ لِأَبِينَا
آدَمَ ، وَأَيُّ عَدَاوَةٍ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَقُولَ فِي بَنِيهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=82لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=119وَلَأُضِلَّنَّهُمْ ) ؟ (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=6فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ) أَيْ بِالْمُقَاطَعَةِ وَالْمُخَالَفَةِ بِاتِّبَاعِ الشَّرْعِ . ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ مَقْصُودَهُ فِي دُعَاءِ حِزْبِهِ إِنَّمَا هُوَ تَعْذِيبُهُمْ فِي النَّارِ ، يَشْتَرِكُ هُوَ وَهُمْ فِي الْعَذَابِ ، فَهُوَ حَرِيصٌ عَلَى ذَلِكَ أَشَدَّ الْحِرْصِ حَتَّى يُبَيِّنَ صِدْقَ قَوْلِهِ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=39وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=119وَلَأُضِلَّنَّهُمْ ) ; لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِيمَا يَسُوءُ مِمَّا قَدْ يَتَسَلَّى بِهِ بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ بِالْعَذَابِ . ثُمَّ ذَكَرَ الْفَرِيقَيْنِ ، وَمَا أَعَدَّ لَهُمَا مِنَ الْعِقَابِ وَالثَّوَابِ . وَبَدَأَ بِالْكُفَّارِ لِمُجَاوِرَةِ قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=6إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ ) ، فَأَتْبَعَ خَبَرَ الْكَافِرِ بِحَالِهِ فِي الْآخِرَةِ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَاللَّامُ فِي لِيَكُونَ لَامُ الصَّيْرُورَةِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَدْعُهُمْ إِلَى السَّعِيرِ ، إِنَّمَا اتَّفَقَ أَنْ صَارَ أَمْرُهُمْ عَنْ دُعَائِهِ إِلَى ذَلِكَ . انْتَهَى . وَنَقُولُ : هُوَ مِمَّا عُبِّرَ فِيهِ عَنِ السَّبَبِ بِمَا تَسَبَّبَ عَنْهُ دُعَاؤُهُمْ إِلَى الْكُفْرِ ، وَتَسَبَّبَ عَنْهُ الْعَذَابُ . وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=7الَّذِينَ كَفَرُوا ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=7وَالَّذِينَ آمَنُوا ) . مُبْتَدَآنِ ، وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=7الَّذِينَ كَفَرُوا ) أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ بَدَلًا (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=6مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ) ، أَوْ صِفَةً ، وَفِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بَدَلًا مِنْ حِزْبِهِ ، وَفِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بَدَلًا مِنْ ضَمِيرِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=6لِيَكُونُوا ) ، وَهَذَا كُلُّهُ بِمَعْزِلٍ مِنْ فَصَاحَةِ التَّقْسِيمِ وَجَزَالَةِ التَّرْكِيبِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=8أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ) أَيْ فَرَأَى سُوءَ عَمَلِهِ حَسَنًا ، وَمَنْ مُبْتَدَأٌ مَوْصُولٌ ، وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ . فَالَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ : كَمَنْ لَمْ يُزَيَّنْ لَهُ ، كَقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=14أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=19أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=122أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ ) ، ثُمَّ قَالَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=122كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ ) ، وَقَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15080الْكِسَائِيُّ ، أَيْ تَقْدِيرُهُ : تَذْهَبُ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ لِدَلَالَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=8فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ ) . وَقِيلَ : التَّقْدِيرُ : فَرَآهُ حَسَنًا ، فَأَضَلَّهُ اللَّهُ كَمَنْ هَدَاهُ اللَّهُ ، فَحُذِفَ ذَلِكَ لِدَلَالَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=8فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ ) ، وَذَكَرَ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ . وَشَرَحَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ هُنَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=8يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ ) عَلَى
[ ص: 301 ] طَرِيقَتِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ ، مِنْ أَنَّ الْإِضْلَالَ هُوَ خِذْلَانُهُ وَتَخْلِيَتُهُ شَأْنَهُ ، وَأَتَى بِأَلْفَاظٍ كَثِيرَةٍ فِي هَذَا الْمَعْنَى . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ ( أَفَمَنْ زُيِّنَ ) مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ ( سُوءُ ) رُفِعَ . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=16531عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ : زَيَّنَّ لَهُ سُوءَ ، مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ ، وَنَصَبَ سُوءَ ; وَعَنْهُ أَيْضًا أَسْوَأَ عَلَى وَزْنِ أَفْعَلَ مَنْصُوبًا ; وَأَسْوَأُ عَمَلِهِ : هُوَ الشِّرْكُ . وَقِرَاءَةُ
طَلْحَةَ : أَمَنْ بِغَيْرِ فَاءٍ ، قَالَ صَاحِبُ اللَّوَامِحِ : لِلِاسْتِخْبَارِ بِمَعْنَى الْعَامَّةِ لِلتَّقْرِيرِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى حَرْفِ النِّدَاءِ ، فَحُذِفَ التَّمَامُ كَمَا حُذِفَ مِنَ الْمَشْهُورِ الْجَوَابُ . انْتَهَى . وَيَعْنِي بِالْجَوَابِ : خَبَرَ الْمُبْتَدَأِ ، وَبِالتَّمَامِ : مَا يُؤَدَّى لِأَجْلِهِ ، أَيْ تَفَكَّرْ وَارْجِعْ إِلَى اللَّهِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=8فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ) تَسْلِيَةٌ لِلرَّسُولِ عَنْ كُفْرِ قَوْمِهِ ، وَوُجُوبُ التَّسْلِيمِ لِلَّهِ فِي إِضْلَالِهِ مَنْ يَشَاءُ وَهِدَايَةِ مَنْ يَشَاءُ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=8فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ ) ، مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ مِنْ ذَهَبَ ، وَنَفْسُكَ فَاعِلٌ . وَقَرَأَ
أَبُو جَعْفَرٍ ،
وَقَتَادَةُ ،
وَعِيسَى ،
وَالْأَشْهَبُ ،
وَشَيْبَةُ ،
وَأَبُو حَيْوَةَ ، وَحُمَيْدٌ nindex.php?page=showalam&ids=13726وَالْأَعْمَشُ ،
وَابْنُ مُحَيْصِنٍ : تُذْهِبْ مِنْ أَذْهَبَ ، مُسْنَدًا لِضَمِيرِ الْمُخَاطَبِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=8نَفْسُكَ ) نُصِبَ ، وَرُوِيَتْ عَنْ
نَافِعٍ : وَالْحَسْرَةُ هَمُّ النَّفْسِ عَلَى فَوَاتِ أَمْرٍ . وَانْتُصِبَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=8حَسَرَاتٍ ) عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ ، أَيْ فَلَا تَهْلِكْ نَفْسُكَ لِلْحَسَرَاتِ ، وَعَلَيْهِمْ مُتَعَلِّقٌ بِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=8تَذْهَبْ ) ، كَمَا تَقُولُ : هَلَكَ عَلَيْهِ حُبًّا ، وَمَاتَ عَلَيْهِ حُزْنًا ، أَوْ هُوَ بَيَانٌ لِلْمُتَحَسَّرِ عَلَيْهِ ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِحَسَرَاتٍ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ ، فَلَا يَتَقَدَّمُ مَعْمُولُهُ . وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ : وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا ، كَأَنَّ كُلَّهَا صَارَتْ حَسَرَاتٍ لِفَرْطِ التَّحَسُّرِ ، كَمَا قَالَ
جَرِيرٌ :
مَشَقَ الْهَوَاجِرُ لَحْمَهُنَّ مَعَ السُّرَى حَتَّى ذَهَبْنَ كَلَاكِلًا وَصُدُورَا
يُرِيدُ : رَجَعْنَ كَلَاكِلًا وَصُدُورًا ، أَيْ لَمْ يَبْقَ إِلَّا كَلَاكِلُهَا وَصُدُورُهَا ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ :
فَعَلَى إِثْرِهِمْ تَسَاقَطُ نَفْسِي حَسَرَاتٍ وَذِكْرُهُمْ لِي سَقَامُ
انْتَهَى . وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ كَلَاكِلًا وَصُدُورًا حَالَانِ هُوَ مَذْهَبُ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15153الْمُبَرِّدُ : هُوَ تَمْيِيزٌ مَنْقُولٌ مِنَ الْفَاعِلِ ، أَيْ حَتَّى ذَهَبَتْ كَلَاكِلُهَا وَصُدُورُهَا . ثُمَّ تَوَعَّدَهُمْ بِالْعِقَابِ عَلَى سُوءِ صُنْعِهِمْ فَقَالَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=8إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) أَيْ فَيُجَازِيهِمْ عَلَيْهِ .