[ ص: 326 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=13واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=14إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=15قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=16قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=17وما علينا إلا البلاغ المبين nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=18قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=19قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=20وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال ياقوم اتبعوا المرسلين nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=21اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=22وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=23أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=24إني إذا لفي ضلال مبين nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=25إني آمنت بربكم فاسمعون nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=26قيل ادخل الجنة قال ياليت قومي يعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=27بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين ) .
تقدم الكلام على ( اضرب ) مع المثل في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26أن يضرب مثلا ما بعوضة ) ، والقرية : أنطاكية ، فلا خلاف في قصة أصحاب القرية . (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=13إذ جاءها المرسلون ) هم ثلاثة ، جمعهم في المجيء ، وإن اختلفوا في زمن المجيء . (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=14nindex.php?page=treesubj&link=29007إذ أرسلنا إليهم اثنين ) . الظاهر من أرسلنا أنهم أنبياء أرسلهم الله ، ويدل عليه قول المرسل إليهم (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=15ما أنتم إلا بشر مثلنا ) . وهذه المحاورة لا تكون إلا مع من أرسله الله ، وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وكعب . وقال
قتادة وغيرهم من
الحواريين : بعثهم
عيسى - عليه السلام - حين رفع وصلب الذي ألقي عليه الشبه ، فافترق
الحواريون في الآفاق ، فقص الله قصة الذين ذهبوا إلى
أنطاكية ، وكان أهلها عباد أصنام ، صادق وصدوق ، قاله
وهب nindex.php?page=showalam&ids=16850وكعب الأحبار . وحكى
النقاش بن سمعان : ويحنا . وقال
مقاتل : تومان .
ويونس . ( فكذبوهما ) ، أي دعواهم إلى الله ، وأخبرا بأنهما رسولا الله ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=14nindex.php?page=treesubj&link=29007فكذبوهما فعززنا بثالث ) أي قوينا وشددنا ، قاله
مجاهد وابن قتيبة ، وقال ; يقال تعزز لحم الناقة إذا صلب ، وقال غيره : يقال المطر يعزز الأرض إذا لبدها وشدها ، ويقال للأرض الصلبة القرآن ، هذا على قراءة تشديد الزاي ، وهي قراءة الجمهور . وقرأ
الحسن ،
وأبو حيوة ،
وأبو بكر ،
والمفضل ،
وأبان : بالتخفيف . قال
أبو علي : فغلبنا . انتهى ، وذلك من قولهم من عزني ، وقوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=23وعزني في الخطاب ) . وقرأ
عبد الله :
[ ص: 327 ] بالثالث ، بألف ولام ، والثالث شمعون الصفا ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . وقال
كعب ،
ووهب : شلوم ; وقيل : يونس . وحذف مفعول فعززنا مشددا : أي قويناهما بثالث ، مخففا : فغلبناهم : أي بحجة ثالث وما يلطف به من التوصل إلى الدعاء إلى الله حتى من الملك على ما ذكر في قصتهم ، وستأتي هي أو بعض منها إن شاء الله . وجاء أولا مرسلون بغير لام لأنه ابتداء إخبار ، فلا يحتاج إلى توكيد بعد المحاورة . ( لمرسلون ) بلام التوكيد لأنه جواب عن إنكار ، وهؤلاء أمة أنكرت النبوات بقولها (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=15nindex.php?page=treesubj&link=29007وما أنزل الرحمن من شيء ) ، راجعتهم الرسل بأن ردوا العلم إلى الله وقنعوا بعلمه ، وأعلموهم أنهم إنما عليهم البلاغ فقط ، وما عليهم من هداهم وضلالهم ، وفي هذا وعيد لهم . ووصف البلاغ بالمبين ، وهو الواضح بالآيات الشاهدة بصحة الإرسال ، كما روي في هذه القصة من المعجزات الدالة على صدق الرسل من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الميت .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=18nindex.php?page=treesubj&link=29007قالوا إنا تطيرنا بكم ) أي تشاءمنا . قال
مقاتل : احتبس عليهم المطر . وقال آخر : أسرع فيهم الجذام عند تكذيبهم الرسل . قال
ابن عطية : والظاهر أن تطير هؤلاء كان سبب ما دخل فيهم من اختلاف الكلمة وافتتان الناس ، وهذا على نحو تطير
قريش بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى نحو ما خوطب به
موسى - عليه السلام - . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وذلك أنهم كرهوا دينهم ونفرت منه نفوسهم ، وعادة الجهال أن يتمنوا بكل شيء مالوا إليه واشتهوه وقبلته طباعهم ، ويتشاءموا بما نفروا عنه وكرهوه ، فإن أصابتهم نعمة أو بلاء قالوا : ببركة هذا وبشؤم هذا ، كما حكى الله عن القبط (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=131وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ) ; وعن مشرك
مكة (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك ) . انتهى . وعن
قتادة : إن أصابنا شيء كان من أجلكم . ( لنرجمنهم ) بالحجارة ، قاله
قتادة . (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=18عذاب أليم ) هو الحريق .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=19nindex.php?page=treesubj&link=29007قالوا طائركم معكم ) أي حظكم وما صار لكم من خير أو شر معكم ، أي من أفعالكم ، ليس هو من أجلنا بل بكفركم . وقرأ
الحسن ،
وابن هرمز ،
nindex.php?page=showalam&ids=16711وعمرو بن عبيد ،
nindex.php?page=showalam&ids=15916وزر بن حبيش : طيركم بياء ساكنة بعد الطاء . وقرأ
الحسن فيما نقل : اطيركم مصدر اطير الذي أصله تطير ، فأدغمت التاء في الطاء ، فاجتلبت همزة الوصل في الماضي والمصدر . وقرأ الجمهور : طائركم على وزن فاعل . وقرأ الجمهور (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=19أئن ذكرتم ) بهمزتين ، الأولى همزة الاستفهام ، والثانية همزة إن الشرطية ، فخففها الكوفيون
وابن عامر ، وسهلها باقي السبعة . وقرأ
زر : بهمزتين مفتوحتين ، وهي قراءة
أبي جعفر وطلحة ، إلا إنها البناء الثانية بين بين . وقال الشاعر في تحقيقها :
أإن كنت داود بن أحوى مرحلا فلست بداع لابن عمك محرما
والماجشوني ، وهو أبو سلمة يوسف بن يعقوب بن عبد الله بن أبي سلمة المدني : بهمزة واحدة مفتوحة ;
والحسن : بهاء مكسورة ;
وأبو عمرو في رواية ،
وزر أيضا : بمدة قبل الهمزة المفتوحة ، استثقل اجتماعهما ففصل بينهما بألف . وقرأ
أبو جعفر أيضا ،
والحسن أيضا ،
وقتادة ،
وعيسى الهمداني ،
nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش : أين بهمزة مفتوحة وياء ساكنة ، وفتح النون ظرف مكان . وروي هذا عن
عيسى الثقفي أيضا . فالقراءة الأولى على معنى : إن ذكرتم تتطيرون ، بجعل المحذوف مصب الاستفهام ، على مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه ، بجعله للشرط ، على مذهب
يونس ; فإن قدرته مضارعا كان مجزوما . والقراءة الثانية على معنى : ألإن ذكرتم تطيرتم ، فإن مفعول من أجله ، وكذلك الهمزة الواحدة المفتوحة والتي بمدة قبل الهمزة المفتوحة ; وقراءة الهمزة المكسورة وحدها ، فحرف شرط بمعنى الإخبار ، أي إن ذكرتم تطيرتم . والقراءة الثانية الأخيرة أين فيها ظرف أداة الشرط ، حذف جزاؤه للدلالة عليه وتقديره : أين ذكرتم صحبكم طائركم ، ويدل عليه قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=19طائركم معكم ) . ومن جوز تقديم الجزاء على الشرط ، وهم
[ ص: 328 ] الكوفيون وأبو زيد
nindex.php?page=showalam&ids=15153والمبرد ، يجوز أن يكون الجواب (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=19طائركم معكم ) ، وكان أصله : أين ذكرتم فطائركم معكم ، فلما قدم حذفت الفاء . وقرأ الجمهور : ذكرتم ، بتشديد الكاف ;
وأبو جعفر ،
وخالد بن إلياس ،
وطلحة ،
والحسن ،
وقتادة .
وأبو حيوة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش من طريق زائدة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13721والأصمعي عن نافع : بتخفيفها . (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=19بل أنتم قوم مسرفون ) مجاوزون الحد في ضلالكم ، فمن ثم أتاكم الشؤم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=20nindex.php?page=treesubj&link=29007وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى ) اسمه
حبيب ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وأبو مجلز nindex.php?page=showalam&ids=16850وكعب الأحبار ومجاهد ومقاتل . قيل : وهو
ابن إسرائيل ، وكان قصارا ، وقيل : إسكافا ، وقيل : كان ينحت الأصنام ، ويمكن أن يكون جامعا لهذه الصنائع . و (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=20من أقصى المدينة ) أي من أبعد مواضعها . فقيل : كان في خارج المدينة يعاني زرعا له . وقيل : كان في غار يعبد ربه . وقيل : كان مجذوما ، فميز له أقصى باب من أبوابها ، عبد الأصنام سبعين سنة يدعوهم لكشف ضره . فلما دعاه الرسل إلى عبادة الله قال : هل من آية ؟ قالوا : نعم ، ندعو ربنا القادر يفرج عنك ما بك ، فقال : إن هذا لعجيب لي سبعون سنة أدعو هذه الآلهة فلم تستطع ، يفرجه ربكم في غداة واحدة ؟ قالوا : نعم ، ربنا على ما يشاء قدير ، وهذه لا تنفع شيئا ولا تضر ، فآمن . ودعوا ربهم ، فكشف الله ما به ، كأن لم يكن به بأس . فأقبل على التكسب ، فإذا مشى ، تصدق بكسبه ، نصف لعياله ، ونصف يطعمه . فلما هم قومه بقتل الرسل جاءهم فقال (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=20nindex.php?page=treesubj&link=29007يا قوم اتبعوا المرسلين ) .
وحبيب هذا ممن آمن برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبينهما ستمائة سنة ، كما آمن به تبع الأكبر ،
وورقة بن نوفل وغيرهما ، ولم يؤمن بنبي غيره أحد إلا بعد ظهوره .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى : سباق الأمم ثلاثة ، لم يكفروا قط طرفة عين :
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب ، وصاحب يس ، ومؤمن آل فرعون . وأورد
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري قول
nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى حديثا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقدم قبل من حاله أنه كان مجذوما ، عبد الأصنام سبعين سنة ، فالله أعلم . وهنا تقدم (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=20من أقصى المدينة ) ، وفي القصص تأخر ، وهو من التفنن في البلاغة . (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=20رجل يسعى ) يمشي على قدميه .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=20nindex.php?page=treesubj&link=29007قال يا قوم اتبعوا المرسلين ) . الظاهر أنه لا يقول ذلك بعد تقدم إيمانه ، كما سبق في قصة . وقيل : جاء عيسى وسمع قولهم وفهمه فيما فهمه . روي أنه تعقب أمرهم وسبره بأن قال لهم : أتطلبون أجرا على دعوتكم هذه ؟ قالوا : لا ، فدعا عند ذلك قومه إلى اتباعهم والإيمان بهم ، واحتج عليهم بقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=21nindex.php?page=treesubj&link=29007اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون ) أي وهم هدى من الله . أمرهم أولا باتباع المرسلين ، أي هم رسل الله إليكم فاتبعوهم ، ثم أمرهم ثانيا بجملة جامعة في الترغيب ، في كونهم لا ينقص منهم من حطام دنياهم شيء ، وفي كونهم يهتدون بهداهم ، فيشتملون على خيري الدنيا والآخرة . وقد أجاز بعض النحويين في ( من ) أن تكون بدلا من ( المرسلين ) ، ظهر فيه العامل كما ظهر إذا كان حرف جر ، كقوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=33لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم ) . والجمهور : لا يعربون ما صرح فيه بالعامل الرافع والناصب ، بدلا ، بل يجعلون ذلك مخصوصا بحرف الجر . وإذا كان الرافع والناصب ، ذلك بالتتبيع لا بالبدل . وفي
nindex.php?page=treesubj&link=29007قوله ( nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=21اتبعوا من لا يسألكم أجرا ) ، دليل على نقص من يأخذ أجرا على شيء من أفعال الشرع التي هي لازمة له ، كالصلاة .
ولما أمرهم باتباع المرسلين ، أخذ يبدي الدليل في اتباعهم وعبادة الله ، فأبرزه في صورة نصحه لنفسه ، وهو يريد نصحهم ليتلطف بهم ويراد بهم ; ولأنه أدخل في إمحاض النصح حيث لا يريد لهم إلا ما يريد لنفسه ، فوضع قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=22وما لي لا أعبد الذي فطرني ) ، موضع : وما لكم لا تعبدون الذي فطركم ولذلك قال (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=22وإليه ترجعون ) ، ولولا أنه قصد ذلك لقال : وإليه أرجع . ثم أتبع الكلام كذلك مخاطبا لنفسه فقال (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=23nindex.php?page=treesubj&link=29007أأتخذ من دونه آلهة ) قاصرة عن كل شيء ، لا تنفع ولا تضر ؟ فإن أرادكم الله بضر ، وشفعت لكم ، لم تنفع شفاعتهم ، ولم يقدروا على إنقاذكم فيه ، أولا بانتفاء الجاه عن كون شفاعتهم لا تنفع ، ثم ثانيا بانتفاء القدر . فعبر
[ ص: 329 ] بانتفاء الإنقاذ عنه ، إذ هو نتيجته . وفتح ياء المتكلم في ( يردني ) مع
طلحة السمان ، كذا في كتاب
ابن عطية ، وفي كتاب
ابن خالويه طلحة بن مطرف ،
وعيسى الهمذاني ،
وأبو جعفر ، ورويت عن
نافع وعاصم وأبي عمرو . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وقرئ إن يردني الرحمن بضر بمعنى : إن يجعلني موردا للضر . انتهى . وهذا والله أعلم رأي في كتب القراءات ، يردني بفتح الياء ، فتوهم أنها ياء المضارعة ، فجعل الفعل متعديا بالياء المعدية كالهمزة ، فلذلك أدخل عليه همزة التعدية ، ونصب به اثنين . والذي في كتب القراء الشواذ أنها ياء الإضافة المحذوفة خطا ونطقا لالتقاء الساكنين . قال في كتاب
ابن خالويه : بفتح ياء الإضافة . وقال في اللوامح : إن يردني الرحمن بالفتح ، وهو أصل الياء عند البصرية ، لكن هذه محذوفة ، يعني البصرية ، أي المثبتة بالخط البربري بالبصر ، لكونها مكتوبة بخلاف المحذوفة خطا ولفظا ، فلا ترى بالبصر . ( إني إذا ) ، إن لم أعبد الذي فطرني واتخذت آلهة من دونه ، في حيرة واضحة لكل ذي عقل صحيح .
ثم صرح بإيمانه وصدع بالحق ، فقال مخاطبا لقومه (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=25إني آمنت بربكم ) أي الذي كفرتم به ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=25فاسمعون ) أي اسمعوا قولي وأطيعون ، فقد نبهتكم على الحق ، وأن العبادة لا تكون إلا لمن منه نشأتكم وإليه مرجعكم . والظاهر أن الخطاب بالكاف والميم وبالواو ، وهو لقومه ، والأمر على جهة المبالغة والتنبيه ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وكعب ووهب . وقيل : خاطب بقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=25فاسمعون ) الرسل ، على جهة الاستشهاد بهم والاستحفاظ للأمر عندهم . وقيل : الخطاب في ( بربكم ) ، وفي ( فاسمعون ) للرسل . لما نصح قومه أخذوا يرجمونه ، فأسرع نحو الرسل قبل أن يقتل فقال ذلك ، أي اسمعوا إيماني واشهدوا لي به .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=26قيل ادخل الجنة ) ظاهره أنه أمر حقيقي . وقيل : معناه وجبت لك الجنة ، فهو خبر بأنه قد استحق دخولها ، ولا يكون إلا بعد البعث ، ولم يأت في القرآن أنه قتل . فقال
الحسن : لما أراد قومه قتله ، رفعه الله إلى السماء ، فهو في الجنة لا يموت إلا بفناء السماوات وهلاك الجنة ، فإذا أعاد الله الجنة دخلها . وقيل : لما قال ذلك ، رفعوه إلى الملك ، فطول معهم الكلام ليشغلهم عن قتل الرسل إلى أن صرح لهم بإيمانه ، فوثبوا عليه فقتلوه بوطء الأرجل حتى خرج قلبه من دبره وألقي في بئر ، وهي الرس . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : رموه بالحجارة وهو يقول : " اللهم اهد قومي " ، حتى مات . وقال
الكلبي : رموه في حفرة ، وردوا التراب عليه فمات . وعن
الحسن : حرقوه حرقا ، وعلقوه في باب المدينة ، وقبره في سور
أنطاكية . وقيل : نشروه بالمناشير حتى خرج من بين رجليه . وعن
قتادة : أدخله الله الجنة ، وهو فيها حي يرزق . أراد قوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=169بل أحياء عند ربهم يرزقون ) فرحين ، وفي النسخة التي طالعنا من تفسير
ابن عطية ما نصه . وقرأ الجمهور : فاسمعون بفتح النون . قال
أبو حاتم : هذا خطأ لا يجوز لأنه أمر ، فإما حذف النون ، وإما كسرها على جهة البناء . انتهى ، يعني ياء المتكلم والنون للوقاية . وقوله : وقرأ الجمهور وهم فاحش ، ولا يكون ، والله أعلم ، إلا من الناسخ ; بل القراء مجمعون فيما أعلم على كسر النون ، سبعتهم وشواذهم ، إلا ما روي عن
عصمة عن
عاصم من فتح النون ، ذكره في الكامل مؤلف
أبي القاسم الهذلي ، ولعل ذلك وهم من عصمة . وقال
ابن عطية : هنا محذوف تواترت به الأحاديث والروايات ، وهو أنهم قتلوه ، فقيل له عند موته (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=26ادخل الجنة ) ، وذلك ، والله أعلم ، بأن عرض عليه مقعده منها ، وتحقق أنه من ساكنيها ، فرأى ما أقر عينه ، فلما حصل ذلك ، تمنى أن يعلم قومه بذلك . انتهى . وقول (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=26قيل ادخل الجنة ) كأنه جواب لسائل عن حاله عند لقاء ربه بعد ذلك التصلب في دينه فقيل (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=26ادخل الجنة ) ، ولم يأت التركيب : قيل له ; لأنه معلوم أنه المخاطب ، وتمنيه علم قومه بذلك هو مرتب على تقدير سؤال عن ما وجد من قوله عند ذلك استيفاقا ونصحا لهم ، أي لو علموا ذلك لآمنوا بالله . وفي الحديث : "
نصح قومه حيا وميتا " .
[ ص: 330 ] وقيل : تمنى ذلك ليعلموا أنهم كانوا على خطأ في أمره ، وهو على صواب ، فيندموا ويحزنهم ذلك ويبشر بذلك . وموجود في طباع البشر أن من أصاب خيرا في غير موطنه ، ود أن يعلم بذلك جيرانه وأترابه الذين نشأ فيهم . وبلغنا أن الوزير ذنك الدين المسيري ، وكان وزيرا لملك
مصر ، راح إلى قريته التي كان منها ، وهي مسير ، وهي من أصغر قرى
مصر ، فقيل له في ذلك ، فقال : أردت أن يراني عجائز مسير في هذه الحالة التي أنا فيها ، قال الشاعر :
والعز مطلوب وملتمس وأحبه ما نيل في الوطن
والظاهر أن ما في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=27بما غفر لي ربي ) مصدرية ، جوزوا أن يكون بمعنى الذي ، والعائد محذوف تقديره : بالذي غفره لي ربي من الذنوب ، وليس هذا بجيد ، إذ يؤول إلى تمني علمهم بالذنوب المغفرة ، والذي يحسن تمني علمهم بمغفرة ذنوبه وجعله من المكرمين . وأجاز
الفراء أن تكون ما استفهاما . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي : لو صح هذا ، يعني الاستفهام ، لقال بم من غير ألف . وقال
الفراء : يجوز أن يقال بما بالألف ، وأنشد فيه أبياتا . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ويحتمل أن تكون استفهامية ، يعني بأي شيء غفر لي ربي ، يريد ما كان منه معهم من المصابرة لإعزاز دين الله حتى قيل : إن قولك (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=27بما غفر لي ربي ) يريد ما كان منه معهم بطرح الألف أجود ، وإن كان إثباتها جائزا فقال : قد علمت بما صنعت هذا وبم صنعت . انتهى . والمشهور أن إثبات الألف في ما الاستفهامية ، إذا دخل عليها حرف جر ، مختص بالضرورة ، نحو قوله :
على ما قام يشتمني لئيم كخنزير تمرغ في رماد
وحذفها هو المعروف في الكلام ، نحو قوله :
على م يقول الرمح يثقل كاهلي إذا أنا لم أطعن إذا الخيل كرت
وقرئ : من المكرمين ، مشدد الراء مفتوح الكاف ; والجمهور : بإسكان الكاف وتخفيف الراء .
[ ص: 326 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=13وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=14إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=15قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=16قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=17وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=18قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=19قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=20وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=21اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=22وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=23أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=24إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=25إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=26قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=27بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ) .
تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ( اضْرِبْ ) مَعَ الْمَثَلِ فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً ) ، وَالْقَرْيَةُ : أَنْطَاكِيَةُ ، فَلَا خِلَافَ فِي قِصَّةِ أَصْحَابِ الْقَرْيَةِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=13إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ ) هُمْ ثَلَاثَةٌ ، جَمَعَهُمْ فِي الْمَجِيءِ ، وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي زَمَنِ الْمَجِيءِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=14nindex.php?page=treesubj&link=29007إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ ) . الظَّاهِرُ مِنْ أَرْسَلْنَا أَنَّهُمْ أَنْبِيَاءُ أَرْسَلَهُمُ اللَّهُ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْمُرْسَلِ إِلَيْهِمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=15مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا ) . وَهَذِهِ الْمُحَاوَرَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا مَعَ مَنْ أَرْسَلَهُ اللَّهُ ، وَهَذَا قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ وَكَعْبٍ . وَقَالَ
قَتَادَةُ وَغَيْرُهُمْ مِنَ
الْحَوَارِيِّينَ : بَعَثَهُمْ
عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حِينَ رُفِعَ وَصُلِبَ الَّذِي أُلْقِيَ عَلَيْهِ الشَّبَهُ ، فَافْتَرَقَ
الْحَوَارِيُّونَ فِي الْآفَاقِ ، فَقَصَّ اللَّهُ قِصَّةَ الَّذِينَ ذَهَبُوا إِلَى
أَنْطَاكِيَةَ ، وَكَانَ أَهْلُهَا عُبَّادَ أَصْنَامٍ ، صَادِقٌ وَصَدُوقٌ ، قَالَهُ
وَهْبٌ nindex.php?page=showalam&ids=16850وَكَعْبُ الْأَحْبَارِ . وَحَكَى
النَّقَّاشُ بْنُ سَمْعَانَ : وَيُحَنَّا . وَقَالَ
مُقَاتِلٌ : تُومَانُ .
وَيُونُسُ . ( فَكَذَّبُوهُمَا ) ، أَيْ دَعْوَاهُمْ إِلَى اللَّهِ ، وَأَخْبَرَا بِأَنَّهُمَا رَسُولَا اللَّهِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=14nindex.php?page=treesubj&link=29007فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ ) أَيْ قَوَّيْنَا وَشَدَّدْنَا ، قَالَهُ
مُجَاهِدٌ وَابْنُ قُتَيْبَةَ ، وَقَالَ ; يُقَالُ تَعَزَّزَ لَحْمُ النَّاقَةِ إِذَا صَلُبَ ، وَقَالَ غَيْرُهُ : يُقَالُ الْمَطَرُ يُعَزِّزُ الْأَرْضَ إِذَا لَبَدَهَا وَشَدَّهَا ، وَيُقَالُ لِلْأَرْضِ الصُّلْبَةِ الْقُرْآنُ ، هَذَا عَلَى قِرَاءَةِ تَشْدِيدِ الزَّايِ ، وَهِيَ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ . وَقَرَأَ
الْحَسَنُ ،
وَأَبُو حَيْوَةَ ،
وَأَبُو بَكْرٍ ،
وَالْمُفَضَّلُ ،
وَأَبَانٌ : بِالتَّخْفِيفِ . قَالَ
أَبُو عَلِيٍّ : فَغَلَبْنَا . انْتَهَى ، وَذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ مَنْ عَزَّنِي ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=23وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ ) . وَقَرَأَ
عَبْدُ اللَّهِ :
[ ص: 327 ] بِالثَّالِثِ ، بِأَلِفٍ وَلَامٍ ، وَالثَّالِثُ شَمْعُونُ الصَّفَا ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ . وَقَالَ
كَعْبٌ ،
وَوَهْبٌ : شَلُومُ ; وَقِيلَ : يُونُسُ . وَحُذِفَ مَفْعُولُ فَعَزَّزْنَا مُشَدَّدًا : أَيْ قَوَّيْنَاهُمَا بِثَالِثٍ ، مُخَفَّفًا : فَغَلَبْنَاهُمْ : أَيْ بِحُجَّةِ ثَالِثٍ وَمَا يَلْطُفُ بِهِ مِنَ التَّوَصُّلِ إِلَى الدُّعَاءِ إِلَى اللَّهِ حَتَّى مِنَ الْمَلِكِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي قِصَّتِهِمْ ، وَسَتَأْتِي هِيَ أَوْ بَعْضٌ مِنْهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ . وَجَاءَ أَوَّلًا مُرْسَلُونَ بِغَيْرِ لَامٍ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ إِخْبَارٍ ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَوْكِيدٍ بَعْدَ الْمُحَاوَرَةِ . ( لَمُرْسَلُونَ ) بِلَامِ التَّوْكِيدِ لِأَنَّهُ جَوَابٌ عَنْ إِنْكَارٍ ، وَهَؤُلَاءِ أُمَّةٌ أَنْكَرَتِ النُّبُوَّاتِ بِقَوْلِهَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=15nindex.php?page=treesubj&link=29007وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ ) ، رَاجَعَتْهُمُ الرُّسُلُ بِأَنْ رَدُّوا الْعِلْمَ إِلَى اللَّهِ وَقَنَعُوا بِعِلْمِهِ ، وَأَعْلَمُوهُمْ أَنَّهُمْ إِنَّمَا عَلَيْهِمُ الْبَلَاغُ فَقَطْ ، وَمَا عَلَيْهِمْ مِنْ هُدَاهُمْ وَضَلَالِهِمْ ، وَفِي هَذَا وَعِيدٌ لَهُمْ . وَوُصِفَ الْبَلَاغُ بِالْمُبِينِ ، وَهُوَ الْوَاضِحُ بِالْآيَاتِ الشَّاهِدَةِ بِصِحَّةِ الْإِرْسَالِ ، كَمَا رُوِيَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِ الرُّسُلِ مِنْ إِبْرَاءِ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ وَإِحْيَاءِ الْمَيِّتِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=18nindex.php?page=treesubj&link=29007قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ ) أَيْ تَشَاءَمْنَا . قَالَ
مُقَاتِلٌ : احْتَبَسَ عَلَيْهِمُ الْمَطَرُ . وَقَالَ آخَرُ : أَسْرَعَ فِيهِمُ الْجُذَامُ عِنْدَ تَكْذِيبِهِمُ الرُّسُلَ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَالظَّاهِرُ أَنَّ تَطَيُّرَ هَؤُلَاءِ كَانَ سَبَبَ مَا دَخَلَ فِيهِمْ مِنِ اخْتِلَافِ الْكَلِمَةِ وَافْتِتَانِ النَّاسِ ، وَهَذَا عَلَى نَحْوِ تَطَيُّرِ
قُرَيْشٍ بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى نَحْوِ مَا خُوطِبَ بِهِ
مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَرِهُوا دِينَهُمْ وَنَفَرَتْ مِنْهُ نُفُوسُهُمْ ، وَعَادَةُ الْجُهَّالِ أَنْ يَتَمَنَّوْا بِكُلِّ شَيْءٍ مَالُوا إِلَيْهِ وَاشْتَهَوْهُ وَقَبِلَتْهُ طِبَاعُهُمْ ، وَيَتَشَاءَمُوا بِمَا نَفَرُوا عَنْهُ وَكَرِهُوهُ ، فَإِنْ أَصَابَتْهُمْ نِعْمَةٌ أَوْ بَلَاءٌ قَالُوا : بِبَرَكَةِ هَذَا وَبِشُؤْمِ هَذَا ، كَمَا حَكَى اللَّهُ عَنِ الْقِبْطِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=131وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ ) ; وَعَنْ مُشْرِكِ
مَكَّةَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ ) . انْتَهَى . وَعَنْ
قَتَادَةَ : إِنْ أَصَابَنَا شَيْءٌ كَانَ مِنْ أَجْلِكُمْ . ( لَنَرْجُمَنَّهُمْ ) بِالْحِجَارَةِ ، قَالَهُ
قَتَادَةُ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=18عَذَابٌ أَلِيمٌ ) هُوَ الْحَرِيقُ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=19nindex.php?page=treesubj&link=29007قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ ) أَيْ حَظُّكُمْ وَمَا صَارَ لَكُمْ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ مَعَكُمْ ، أَيْ مِنْ أَفْعَالِكُمْ ، لَيْسَ هُوَ مِنْ أَجْلِنَا بَلْ بِكُفْرِكُمْ . وَقَرَأَ
الْحَسَنُ ،
وَابْنُ هُرْمُزَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16711وَعَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15916وَزَرُّ بْنُ حُبَيْشٍ : طَيْرُكُمْ بِيَاءٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَ الطَّاءِ . وَقَرَأَ
الْحَسَنُ فِيمَا نُقِلَ : اطَّيُّرْكُمْ مَصْدَرُ اطَّيَّرَ الَّذِي أَصْلُهُ تَطَيَّرَ ، فَأُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الطَّاءِ ، فَاجْتُلِبَتْ هَمْزَةُ الْوَصْلِ فِي الْمَاضِي وَالْمَصْدَرِ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : طَائِرُكُمْ عَلَى وَزْنِ فَاعِلٍ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=19أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ ) بِهَمْزَتَيْنِ ، الْأُولَى هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ ، وَالثَّانِيَةُ هَمْزَةُ إِنِ الشَّرْطِيَّةِ ، فَخَفَّفَهَا الْكُوفِيُّونَ
وَابْنُ عَامِرٍ ، وَسَهَّلَهَا بَاقِي السَّبْعَةِ . وَقَرَأَ
زِرٌّ : بِهَمْزَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ ، وَهِيَ قِرَاءَةُ
أَبِي جَعْفَرٍ وَطَلْحَةِ ، إِلَّا إِنَّهَا الْبِنَاءُ الثَّانِيَةُ بَيْنَ بَيْنَ . وَقَالَ الشَّاعِرُ فِي تَحْقِيقِهَا :
أَإِنْ كُنْتَ دَاوُدَ بْنَ أَحْوَى مَرْحَلَا فَلَسْتُ بِدَاعٍ لِابْنِ عَمِّكَ مَحْرَمَا
وَالْمَاجِشُونِيُّ ، وَهُوَ أَبُو سَلَمَةَ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَدَنِيُّ : بِهَمْزَةٍ وَاحِدَةٍ مَفْتُوحَةٍ ;
وَالْحَسَنُ : بِهَاءٍ مَكْسُورَةٍ ;
وَأَبُو عَمْرٍو فِي رِوَايَةٍ ،
وَزِرٌّ أَيْضًا : بِمَدَّةٍ قَبْلَ الْهَمْزَةِ الْمَفْتُوحَةِ ، اسْتَثْقَلَ اجْتِمَاعَهُمَا فَفَصَلَ بَيْنَهُمَا بِأَلِفٍ . وَقَرَأَ
أَبُو جَعْفَرٍ أَيْضًا ،
وَالْحَسَنُ أَيْضًا ،
وَقَتَادَةُ ،
وَعِيسَى الْهَمْدَانِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13726وَالْأَعْمَشُ : أَيْنَ بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَيَاءٍ سَاكِنَةٍ ، وَفَتْحِ النُّونِ ظَرْفَ مَكَانٍ . وَرُوِيَ هَذَا عَنْ
عِيسَى الثَّقَفِيِّ أَيْضًا . فَالْقِرَاءَةُ الْأُولَى عَلَى مَعْنَى : إِنْ ذُكِّرْتُمْ تَتَطَيَّرُونَ ، بِجَعْلِ الْمَحْذُوفِ مَصَبَّ الِاسْتِفْهَامِ ، عَلَى مَذْهَبِ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ ، بِجَعْلِهِ لِلشَّرْطِ ، عَلَى مَذْهَبِ
يُونُسَ ; فَإِنْ قَدَّرْتَهُ مُضَارِعًا كَانَ مَجْزُومًا . وَالْقِرَاءَةُ الثَّانِيَةُ عَلَى مَعْنَى : أَلَإِنْ ذُكِّرْتُمْ تَطَيَّرْتُمْ ، فَإِنْ مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ ، وَكَذَلِكَ الْهَمْزَةُ الْوَاحِدَةُ الْمَفْتُوحَةُ وَالَّتِي بِمَدَّةٍ قَبْلَ الْهَمْزَةِ الْمَفْتُوحَةِ ; وَقِرَاءَةُ الْهَمْزَةِ الْمَكْسُورَةِ وَحْدَهَا ، فَحَرْفُ شَرْطٍ بِمَعْنَى الْإِخْبَارِ ، أَيْ إِنْ ذُكِّرْتُمْ تَطَيَّرْتُمْ . وَالْقِرَاءَةُ الثَّانِيَةُ الْأَخِيرَةُ أَيْنَ فِيهَا ظَرْفُ أَدَاةِ الشَّرْطِ ، حُذِفَ جَزَاؤُهُ لِلدَّلَالَةِ عَلَيْهِ وَتَقْدِيرُهُ : أَيْنَ ذُكِّرْتُمْ صَحِبَكُمْ طَائِرُكُمْ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=19طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ ) . وَمَنْ جَوَّزَ تَقْدِيمَ الْجَزَاءِ عَلَى الشَّرْطِ ، وَهُمُ
[ ص: 328 ] الْكُوفِيُّونَ وَأَبُو زَيْدٍ
nindex.php?page=showalam&ids=15153وَالْمُبَرِّدُ ، يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=19طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ ) ، وَكَانَ أَصْلُهُ : أَيْنَ ذُكِّرْتُمْ فَطَائِرُكُمْ مَعَكُمْ ، فَلَمَّا قُدِّمَ حُذِفَتِ الْفَاءُ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : ذُكِّرْتُمْ ، بِتَشْدِيدِ الْكَافِ ;
وَأَبُو جَعْفَرٍ ،
وَخَالِدُ بْنُ إِلْيَاسَ ،
وَطَلْحَةُ ،
وَالْحَسَنُ ،
وَقَتَادَةُ .
وَأَبُو حَيْوَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13726وَالْأَعْمَشُ مِنْ طَرِيقِ زَائِدَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13721وَالْأَصْمَعِيُّ عَنْ نَافِعٍ : بِتَخْفِيفِهَا . (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=19بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ) مُجَاوِزُونَ الْحَدَّ فِي ضَلَالِكُمْ ، فَمَنْ ثَمَّ أَتَاكُمُ الشُّؤْمُ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=20nindex.php?page=treesubj&link=29007وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى ) اسْمُهُ
حَبِيبٌ ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو مِجْلَزٍ nindex.php?page=showalam&ids=16850وَكَعْبُ الْأَحْبَارِ وَمُجَاهِدٌ وَمُقَاتِلٌ . قِيلَ : وَهُوَ
ابْنُ إِسْرَائِيلَ ، وَكَانَ قَصَّارًا ، وَقِيلَ : إِسْكَافًا ، وَقِيلَ : كَانَ يَنْحِتُ الْأَصْنَامَ ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ جَامِعًا لِهَذِهِ الصَّنَائِعِ . وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=20مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ ) أَيْ مِنْ أَبْعَدِ مَوَاضِعِهَا . فَقِيلَ : كَانَ فِي خَارِجِ الْمَدِينَةِ يُعَانِي زَرْعًا لَهُ . وَقِيلَ : كَانَ فِي غَارٍ يَعْبُدُ رَبَّهُ . وَقِيلَ : كَانَ مَجْذُومًا ، فَمَيَّزَ لَهُ أَقْصَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِهَا ، عَبَدَ الْأَصْنَامَ سَبْعِينَ سَنَةً يَدْعُوهُمْ لِكَشْفِ ضُرِّهِ . فَلَمَّا دَعَاهُ الرُّسُلُ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ قَالَ : هَلْ مِنْ آيَةٍ ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، نَدْعُو رَبَّنَا الْقَادِرَ يُفَرِّجُ عَنْكَ مَا بِكَ ، فَقَالَ : إِنَّ هَذَا لَعَجِيبٌ لِي سَبْعُونَ سَنَةً أَدْعُو هَذِهِ الْآلِهَةَ فَلَمْ تَسْتَطِعْ ، يُفَرِّجُهُ رَبُّكُمْ فِي غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، رَبُّنَا عَلَى مَا يَشَاءُ قَدِيرٌ ، وَهَذِهِ لَا تَنْفَعُ شَيْئًا وَلَا تَضُرُّ ، فَآمَنَ . وَدَعَوْا رَبَّهُمْ ، فَكَشَفَ اللَّهُ مَا بِهِ ، كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ . فَأَقْبَلَ عَلَى التَّكَسُّبِ ، فَإِذَا مَشَى ، تَصَدَّقَ بِكَسْبِهِ ، نِصْفٌ لِعِيَالِهِ ، وَنِصْفٌ يُطْعِمُهُ . فَلَمَّا هَمَّ قَوْمُهُ بِقَتْلِ الرُّسُلِ جَاءَهُمْ فَقَالَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=20nindex.php?page=treesubj&link=29007يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ) .
وَحَبِيبٌ هَذَا مِمَّنْ آمَنَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَهُمَا سِتُّمِائَةِ سَنَةٍ ، كَمَا آمَنَ بِهِ تُبَّعٌ الْأَكْبَرُ ،
وَوَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ وَغَيْرُهُمَا ، وَلَمْ يُؤْمِنْ بِنَبِيٍّ غَيْرِهِ أَحَدٌ إِلَّا بَعْدَ ظُهُورِهِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12526ابْنُ أَبِي لَيْلَى : سُبَّاقُ الْأُمَمِ ثَلَاثَةٌ ، لَمْ يَكْفُرُوا قَطُّ طَرْفَةَ عَيْنٍ :
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَصَاحِبُ يس ، وَمُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ . وَأَوْرَدَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ قَوْلَ
nindex.php?page=showalam&ids=12526ابْنِ أَبِي لَيْلَى حَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَقَدَّمَ قَبْلُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ كَانَ مَجْذُومًا ، عَبَدَ الْأَصْنَامَ سَبْعِينَ سَنَةً ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَهُنَا تَقَدَّمَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=20مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ ) ، وَفِي الْقِصَصِ تَأَخَّرَ ، وَهُوَ مِنَ التَّفَنُّنِ فِي الْبَلَاغَةِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=20رَجُلٌ يَسْعَى ) يَمْشِي عَلَى قَدَمَيْهِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=20nindex.php?page=treesubj&link=29007قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ) . الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَقُولُ ذَلِكَ بَعْدَ تَقَدُّمِ إِيمَانِهِ ، كَمَا سَبَقَ فِي قِصَّةٍ . وَقِيلَ : جَاءَ عِيسَى وَسَمِعَ قَوْلَهُمْ وَفَهِمَهُ فِيمَا فَهِمَهُ . رُوِيَ أَنَّهُ تَعَقَّبَ أَمْرَهُمْ وَسَبَرَهُ بِأَنْ قَالَ لَهُمْ : أَتَطْلُبُونَ أَجْرًا عَلَى دَعْوَتِكُمْ هَذِهِ ؟ قَالُوا : لَا ، فَدَعَا عِنْدَ ذَلِكَ قَوْمَهُ إِلَى اتِّبَاعِهِمْ وَالْإِيمَانِ بِهِمْ ، وَاحْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=21nindex.php?page=treesubj&link=29007اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ ) أَيْ وَهُمْ هُدًى مِنَ اللَّهِ . أَمَرَهُمْ أَوَّلًا بِاتِّبَاعِ الْمُرْسَلِينَ ، أَيْ هُمْ رُسُلُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَاتَّبِعُوهُمْ ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ ثَانِيًا بِجُمَلَةٍ جَامِعَةٍ فِي التَّرْغِيبِ ، فِي كَوْنِهِمْ لَا يَنْقُصُ مِنْهُمْ مِنْ حُطَامِ دُنْيَاهُمْ شَيْءٌ ، وَفِي كَوْنِهِمْ يَهْتَدُونَ بِهُدَاهُمْ ، فَيَشْتَمِلُونَ عَلَى خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ . وَقَدْ أَجَازَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ فِي ( مَنْ ) أَنْ تَكُونَ بَدَلًا مِنَ ( الْمُرْسَلِينَ ) ، ظَهَرَ فِيهِ الْعَامِلُ كَمَا ظَهَرَ إِذَا كَانَ حَرْفَ جَرٍّ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=33لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ ) . وَالْجُمْهُورُ : لَا يُعْرِبُونَ مَا صُرِّحَ فِيهِ بِالْعَامِلِ الرَّافِعِ وَالنَّاصِبِ ، بَدَلًا ، بَلْ يَجْعَلُونَ ذَلِكَ مَخْصُوصًا بِحَرْفِ الْجَرِّ . وَإِذَا كَانَ الرَّافِعُ وَالنَّاصِبُ ، ذَلِكَ بِالتَّتْبِيعِ لَا بِالْبَدَلِ . وَفِي
nindex.php?page=treesubj&link=29007قَوْلِهِ ( nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=21اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا ) ، دَلِيلٌ عَلَى نَقْصِ مَنْ يَأْخُذُ أَجْرًا عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِ الشَّرْعِ الَّتِي هِيَ لَازِمَةٌ لَهُ ، كَالصَّلَاةِ .
وَلَمَّا أَمَرَهُمْ بِاتِّبَاعِ الْمُرْسَلِينَ ، أَخَذَ يُبْدِي الدَّلِيلَ فِي اتِّبَاعِهِمْ وَعِبَادَةِ اللَّهِ ، فَأَبْرَزَهُ فِي صُورَةِ نُصْحِهِ لِنَفْسِهِ ، وَهُوَ يُرِيدُ نُصْحَهُمْ لِيَتَلَطَّفَ بِهِمْ وَيُرَادُ بِهِمْ ; وَلِأَنَّهُ أَدْخَلُ فِي إِمْحَاضِ النُّصْحِ حَيْثُ لَا يُرِيدُ لَهُمْ إِلَّا مَا يُرِيدُ لِنَفْسِهِ ، فَوَضَعَ قَوْلَهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=22وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي ) ، مَوْضِعَ : وَمَا لَكُمْ لَا تَعْبُدُونَ الَّذِي فَطَرَكُمْ وَلِذَلِكَ قَالَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=22وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) ، وَلَوْلَا أَنَّهُ قَصَدَ ذَلِكَ لَقَالَ : وَإِلَيْهِ أَرْجِعُ . ثُمَّ أَتْبَعَ الْكَلَامَ كَذَلِكَ مُخَاطِبًا لِنَفْسِهِ فَقَالَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=23nindex.php?page=treesubj&link=29007أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً ) قَاصِرَةً عَنْ كُلِّ شَيْءٍ ، لَا تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ ؟ فَإِنْ أَرَادَكُمُ اللَّهُ بِضُرٍّ ، وَشَفَعَتْ لَكُمْ ، لَمْ تَنْفَعْ شَفَاعَتُهُمْ ، وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى إِنْقَاذِكُمْ فِيهِ ، أَوَّلًا بِانْتِفَاءِ الْجَاهِ عَنْ كَوْنِ شَفَاعَتِهِمْ لَا تَنْفَعُ ، ثُمَّ ثَانِيًا بِانْتِفَاءِ الْقَدْرِ . فَعَبَّرَ
[ ص: 329 ] بِانْتِفَاءِ الْإِنْقَاذِ عَنْهُ ، إِذْ هُوَ نَتِيجَتُهُ . وَفَتَحَ يَاءَ الْمُتَكَلِّمِ فِي ( يُرِدْنِيَ ) مَعَ
طَلْحَةَ السَّمَّانُ ، كَذَا فِي كِتَابِ
ابْنِ عَطِيَّةَ ، وَفِي كِتَابِ
ابْنِ خَالَوَيْهِ طَلْحَةُ بْنُ مُطَرِّفٍ ،
وَعِيسَى الْهَمَذَانِيُّ ،
وَأَبُو جَعْفَرٍ ، وَرُوِيَتْ عَنْ
نَافِعٍ وَعَاصِمٍ وَأَبِي عَمْرٍو . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَقُرِئَ إِنْ يَرِدْنِي الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ بِمَعْنَى : إِنْ يَجْعَلْنِي مُورِدًا لِلضُّرِّ . انْتَهَى . وَهَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ رَأْيٌ فِي كُتُبِ الْقِرَاءَاتِ ، يَرِدْنِي بِفَتْحِ الْيَاءِ ، فَتَوَهَّمَ أَنَّهَا يَاءُ الْمُضَارَعَةِ ، فَجَعَلَ الْفِعْلَ مُتَعَدِّيًا بِالْيَاءِ الْمُعَدِّيَةِ كَالْهَمْزَةِ ، فَلِذَلِكَ أَدْخَلَ عَلَيْهِ هَمْزَةَ التَّعْدِيَةِ ، وَنَصَبَ بِهِ اثْنَيْنِ . وَالَّذِي فِي كُتُبِ الْقُرَّاءِ الشَّوَاذِّ أَنَّهَا يَاءُ الْإِضَافَةِ الْمَحْذُوفَةِ خَطًّا وَنُطْقًا لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ . قَالَ فِي كِتَابِ
ابْنِ خَالَوَيْهِ : بِفَتْحِ يَاءِ الْإِضَافَةِ . وَقَالَ فِي اللَّوَامِحِ : إِنْ يَرِدْنِي الرَّحْمَنُ بِالْفَتْحِ ، وَهُوَ أَصْلُ الْيَاءِ عِنْدَ الْبَصَرِيَّةِ ، لَكِنْ هَذِهِ مَحْذُوفَةٌ ، يَعْنِي الْبَصَرِيَّةَ ، أَيِ الْمُثْبَتَةَ بِالْخَطِّ الْبَرْبَرِيِّ بِالْبَصَرِ ، لِكَوْنِهَا مَكْتُوبَةً بِخِلَافِ الْمَحْذُوفَةِ خَطًّا وَلَفْظًا ، فَلَا تُرَى بِالْبَصَرِ . ( إِنِّي إِذًا ) ، إِنْ لَمْ أَعْبُدِ الَّذِي فَطَرَنِي وَاتَّخَذْتُ آلِهَةً مِنْ دُونِهِ ، فِي حَيْرَةِ وَاضِحَةٍ لِكُلِّ ذِي عَقْلٍ صَحِيحٍ .
ثُمَّ صَرَّحَ بِإِيمَانِهِ وَصَدَعَ بِالْحَقِّ ، فَقَالَ مُخَاطِبًا لِقَوْمِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=25إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ ) أَيِ الَّذِي كَفَرْتُمْ بِهِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=25فَاسْمَعُونِ ) أَيِ اسْمَعُوا قَوْلِي وَأَطِيعُونِ ، فَقَدْ نَبَّهْتُكُمْ عَلَى الْحَقِّ ، وَأَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا لِمَنْ مِنْهُ نَشْأَتُكُمْ وَإِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخِطَابَ بِالْكَافِ وَالْمِيمِ وَبِالْوَاوِ ، وَهُوَ لِقَوْمِهِ ، وَالْأَمْرُ عَلَى جِهَةِ الْمُبَالَغَةِ وَالتَّنْبِيهِ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ وَكَعْبٌ وَوَهْبٌ . وَقِيلَ : خَاطَبَ بِقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=25فَاسْمَعُونِ ) الرُّسُلَ ، عَلَى جِهَةِ الِاسْتِشْهَادِ بِهِمْ وَالِاسْتِحْفَاظِ لِلْأَمْرِ عِنْدَهُمْ . وَقِيلَ : الْخِطَابُ فِي ( بِرَبِّكُمْ ) ، وَفِي ( فَاسْمَعُونِ ) لِلرُّسُلِ . لَمَّا نَصَحَ قَوْمَهُ أَخَذُوا يَرْجُمُونَهُ ، فَأَسْرَعَ نَحْوَ الرُّسُلِ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ فَقَالَ ذَلِكَ ، أَيِ اسْمَعُوا إِيمَانِي وَاشْهَدُوا لِي بِهِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=26قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَمْرٌ حَقِيقِيٌّ . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ وَجَبَتْ لَكَ الْجَنَّةُ ، فَهُوَ خَبَرٌ بِأَنَّهُ قَدِ اسْتَحَقَّ دُخُولَهَا ، وَلَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ الْبَعْثِ ، وَلَمْ يَأْتِ فِي الْقُرْآنِ أَنَّهُ قُتِلَ . فَقَالَ
الْحَسَنُ : لَمَّا أَرَادَ قَوْمُهُ قَتْلَهُ ، رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَى السَّمَاءِ ، فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ لَا يَمُوتُ إِلَّا بِفَنَاءِ السَّمَاوَاتِ وَهَلَاكِ الْجَنَّةِ ، فَإِذَا أَعَادَ اللَّهُ الْجَنَّةَ دَخَلَهَا . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ ذَلِكَ ، رَفَعُوهُ إِلَى الْمَلِكِ ، فَطَوَّلَ مَعَهُمُ الْكَلَامَ لِيُشْغِلَهُمْ عَنْ قَتْلِ الرُّسُلِ إِلَى أَنْ صَرَّحَ لَهُمْ بِإِيمَانِهِ ، فَوَثَبُوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ بِوَطْءِ الْأَرْجُلِ حَتَّى خَرَجَ قَلْبُهُ مِنْ دُبُرِهِ وَأُلْقِيَ فِي بِئْرٍ ، وَهِيَ الرَّسُّ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ : رَمَوْهُ بِالْحِجَارَةِ وَهُوَ يَقُولُ : " اللَّهُمَّ اهْدِ قَوْمِي " ، حَتَّى مَاتَ . وَقَالَ
الْكَلْبِيُّ : رَمَوْهُ فِي حُفْرَةٍ ، وَرَدُّوا التُّرَابَ عَلَيْهِ فَمَاتَ . وَعَنِ
الْحَسَنِ : حَرَقُوهُ حَرْقًا ، وَعَلَّقُوهُ فِي بَابِ الْمَدِينَةِ ، وَقَبْرُهُ فِي سُورِ
أَنْطَاكِيَةَ . وَقِيلَ : نَشَرُوهُ بِالْمَنَاشِيرِ حَتَّى خَرَجَ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ . وَعَنْ
قَتَادَةَ : أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ ، وَهُوَ فِيهَا حَيٌّ يُرْزَقُ . أَرَادَ قَوْلَهُ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=169بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) فَرِحِينَ ، وَفِي النُّسْخَةِ الَّتِي طَالَعْنَا مِنْ تَفْسِيرِ
ابْنِ عَطِيَّةَ مَا نَصَّهُ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : فَاسْمَعُونَ بِفَتْحِ النُّونِ . قَالَ
أَبُو حَاتِمٍ : هَذَا خَطَأٌ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ أَمْرٌ ، فَإِمَّا حَذْفُ النُّونِ ، وَإِمَّا كَسْرُهَا عَلَى جِهَةِ الْبِنَاءِ . انْتَهَى ، يَعْنِي يَاءَ الْمُتَكَلِّمِ وَالنُّونُ لِلْوِقَايَةِ . وَقَوْلُهُ : وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ وَهْمٌ فَاحِشٌ ، وَلَا يَكُونُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، إِلَّا مِنَ النَّاسِخِ ; بَلِ الْقُرَّاءُ مُجْمِعُونَ فِيمَا أَعْلَمُ عَلَى كَسْرِ النُّونِ ، سَبْعَتُهُمْ وَشَوَاذُّهُمْ ، إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ
عِصْمَةَ عَنْ
عَاصِمٍ مِنْ فَتْحِ النُّونِ ، ذَكَرَهُ فِي الْكَامِلِ مُؤَلِّفُ
أَبِي الْقَاسِمِ الْهُذَلِيِّ ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ وَهْمٌ مِنْ عِصْمَةَ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : هُنَا مَحْذُوفٌ تَوَاتَرَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ وَالرِّوَايَاتُ ، وَهُوَ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ ، فَقِيلَ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=26ادْخُلِ الْجَنَّةَ ) ، وَذَلِكَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، بِأَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ مِنْهَا ، وَتَحَقَّقَ أَنَّهُ مِنْ سَاكِنِيهَا ، فَرَأَى مَا أَقَرَّ عَيْنَهُ ، فَلَمَّا حَصَلَ ذَلِكَ ، تَمَنَّى أَنْ يَعْلَمَ قَوْمُهُ بِذَلِكَ . انْتَهَى . وَقَوْلُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=26قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ) كَأَنَّهُ جَوَابٌ لِسَائِلٍ عَنْ حَالِهِ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ بَعْدَ ذَلِكَ التَّصَلُّبِ فِي دِينِهِ فَقِيلَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=26ادْخُلِ الْجَنَّةَ ) ، وَلَمْ يَأْتِ التَّرْكِيبُ : قِيلَ لَهُ ; لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّهُ الْمُخَاطَبُ ، وَتَمَنِّيهِ عِلْمَ قَوْمِهِ بِذَلِكَ هُوَ مُرَتَّبٌ عَلَى تَقْدِيرِ سُؤَالٍ عَنْ مَا وَجَدَ مِنْ قَوْلِهِ عِنْدَ ذَلِكَ اسْتِيفَاقًا وَنُصْحًا لَهُمْ ، أَيْ لَوْ عَلِمُوا ذَلِكَ لَآمَنُوا بِاللَّهِ . وَفِي الْحَدِيثِ : "
نَصَحَ قَوْمَهُ حَيًّا وَمَيِّتًا " .
[ ص: 330 ] وَقِيلَ : تَمَنَّى ذَلِكَ لِيَعْلَمُوا أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى خَطَأٍ فِي أَمْرِهِ ، وَهُوَ عَلَى صَوَابٍ ، فَيَنْدَمُوا وَيُحْزِنَهُمْ ذَلِكَ وَيُبَشِّرَ بِذَلِكَ . وَمَوْجُودٌ فِي طِبَاعِ الْبَشَرِ أَنَّ مَنْ أَصَابَ خَيْرًا فِي غَيْرِ مَوْطِنِهِ ، وَدَّ أَنْ يَعْلَمَ بِذَلِكَ جِيرَانُهُ وَأَتْرَابُهُ الَّذِينَ نَشَأَ فِيهِمْ . وَبَلَغَنَا أَنَّ الْوَزِيرَ ذِنْكَ الدِّينِ الْمَسِيرِيَّ ، وَكَانَ وَزِيرًا لِمَلِكِ
مِصْرَ ، رَاحَ إِلَى قَرْيَتِهِ الَّتِي كَانَ مِنْهَا ، وَهِيَ مَسِيرُ ، وَهِيَ مِنْ أَصْغَرِ قُرَى
مِصْرَ ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ ، فَقَالَ : أَرَدْتُ أَنْ يَرَانِي عَجَائِزُ مَسِيرٍ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الَّتِي أَنَا فِيهَا ، قَالَ الشَّاعِرُ :
وَالْعِزُّ مَطْلُوبٌ وَمُلْتَمَسٌ وَأَحَبُّهُ مَا نِيلَ فِي الْوَطَنِ
وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=27بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي ) مَصْدَرِيَّةٌ ، جَوَّزُوا أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الَّذِي ، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ : بِالَّذِي غَفَرَهُ لِي رَبِّي مِنَ الذُّنُوبِ ، وَلَيْسَ هَذَا بِجَيِّدٍ ، إِذْ يُؤَوَّلُ إِلَى تَمَنِّي عِلْمِهِمْ بِالذُّنُوبِ الْمُغْفَرَةِ ، وَالَّذِي يَحْسُنُ تَمَنِّي عِلْمِهِمْ بِمَغْفِرَةِ ذُنُوبِهِ وَجَعْلِهِ مِنَ الْمُكْرَمِينَ . وَأَجَازَ
الْفَرَّاءُ أَنْ تَكُونَ مَا اسْتِفْهَامًا . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15080الْكِسَائِيُّ : لَوْ صَحَّ هَذَا ، يَعْنِي الِاسْتِفْهَامَ ، لَقَالَ بِمَ مِنْ غَيْرِ أَلِفٍ . وَقَالَ
الْفَرَّاءُ : يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ بِمَا بِالْأَلِفِ ، وَأَنْشَدَ فِيهِ أَبْيَاتًا . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ اسْتِفْهَامِيَّةً ، يَعْنِي بِأَيِّ شَيْءٍ غَفَرَ لِي رَبِّي ، يُرِيدُ مَا كَانَ مِنْهُ مَعَهُمْ مِنَ الْمُصَابَرَةِ لِإِعْزَازِ دِينِ اللَّهِ حَتَّى قِيلَ : إِنَّ قَوْلَكَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=27بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي ) يُرِيدُ مَا كَانَ مِنْهُ مَعَهُمْ بِطَرْحِ الْأَلِفِ أَجْوَدُ ، وَإِنْ كَانَ إِثْبَاتُهَا جَائِزًا فَقَالَ : قَدْ عَلِمْتُ بِمَا صَنَعْتُ هَذَا وَبِمَ صَنَعْتُ . انْتَهَى . وَالْمَشْهُورُ أَنَّ إِثْبَاتَ الْأَلِفِ فِي مَا الِاسْتِفْهَامِيَّةِ ، إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا حَرْفُ جَرٍّ ، مُخْتَصٍّ بِالضَّرُورَةِ ، نَحْوُ قَوْلِهِ :
عَلَى مَا قَامَ يَشْتُمُنِي لَئِيمٌ كَخِنْزِيرٍ تَمَرَّغَ فِي رَمَادِ
وَحَذْفُهَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْكَلَامِ ، نَحْوُ قَوْلِهِ :
عَلَى مَ يَقُولُ الرُّمْحُ يُثْقِلُ كَاهِلِي إِذَا أَنَا لَمْ أَطْعُنْ إِذَا الْخَيْلُ كَرَّتِ
وَقُرِئَ : مِنَ الْمُكَرَّمِينَ ، مُشَدَّدَ الرَّاءِ مَفْتُوحَ الْكَافِ ; وَالْجُمْهُورُ : بِإِسْكَانِ الْكَافِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ .