[ ص: 467 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=41nindex.php?page=treesubj&link=29011ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=42تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=43لا جرم أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=44فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=45فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=47وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=48قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=49وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=50قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=51إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=52يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار )
بدأ المؤمن بذكر المتسبب عن دعوتهم ، وأبدى التفاضل بينهما . ولما ذكر المسببين ، ذكر سببهما ، وهو دعاؤهم إلى الكفر والشرك ، ودعاؤه إياهم إلى الإيمان والتوحيد .
وأتى بصيغة العزيز ، وهو الذي لا نظير له ، والغالب الذي العالم كلهم في قبضته يتصرف فيهم كما يشاء ، الغفار لذنوب من رجع إليه وآمن به ، وأوصل سبب دعائهم بمسببه ، وهو الكفر والنار ، وأخر سبب مسببه ليكون افتتاح كلامه واختتامه بما يدعو إلى الخير .
وبدأ أولا بجملة اسمية ، وهو الاستفهام المتضمن التعجب من حالتهم ، وختم أيضا بجملة اسمية ليكون أبلغ في توكيد الأخبار . وجاء في حقهم (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=41وتدعونني ) بالجملة الفعلية التي لا تقتضي توكيدا ، إذ دعوتهم باطلة لا ثبوت لها ، فتؤكد . و (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=42ما ليس لي به علم ) هي الأوثان ، أي : لم يتعلق به علمي ، إذ ليس لها مدخل في الألوهية ولا
لفرعون .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ( فإن قلت ) : لم جاء بالواو في النداء الثالث دون الثاني ؟ .
( قلت ) : لأن الثاني داخل في كلام هو بيان للمجمل وتفسير له ، فأعطى الداخل عليه حكمه في امتناع دخول الواو ، وأما الثالث فداخل على كلام ليس بتلك المثابة . انتهى .
وتقدم الكلام على لا جرم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري هنا ، وروي عن العرب : لا جرم أنه يفعل بضم الجيم وسكون الراء ، يريد لا بد ، وفعل وفعل أخوان ، كرشد ورشد ، وعدم وعدم .
( أنما ) أي : أن الذي (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=43تدعونني إليه ) أي : إلى عبادته ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=43ليس له دعوة ) ، أي : قدر وحق يجب أن يدعى إليه ، أو ليس له دعوة إلى نفسه ؛ لأن الجماد لا يدعو ، والمعبود بالحق يدعو العباد إلى طاعته ، ثم يدعو العباد إليها إظهارا لدعوة ربهم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : المعنى ليس له استجابة دعوة توجب الألوهية في الدنيا ولا في الآخرة ، أو دعوة مستجابة ، جعلت الدعوة التي لا استجابة لها ولا منفعة كلا دعوة ، أو سميت الاستجابة باسم الدعوة ، كما سمي الفعل المجازى عليه باسم الجزاء في قوله : (
كما تدين تدان ) .
وقال
الكلبي : ليست له شفاعة في الدنيا ولا في الآخرة ، وكان
فرعون أولا يدعو الناس إلى عبادة الأصنام ، ثم دعاهم إلى عبادة البقر ، وكانت تعبد ما دامت شابة ، فإذا هزلت أمر بذبحها ودعا بأخرى لتعبد . فلما طال عليه الزمان قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=24أنا ربكم الأعلى ) .
ولما ذكر انتفاء دعوة ما عبد من دون الله وذكر أن مرد الجميع إلى الله ، أي : إلى جزائه ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=43وأن المسرفين ) : وهم المشركون
[ ص: 468 ] في قول
قتادة ، والسفاكون للدماء بغير حلها في قول
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ،
ومجاهد . وقيل : من غلب شره خيره هو المسرف . وقال
عكرمة : هم الجبارون المتكبرون .
وختم المؤمن كلامه بخاتمة لطيفة توجب التخويف والتهديد وهي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=44فستذكرون ما أقول لكم ) أي : إذا حل بكم عقاب الله .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=44وأفوض أمري ) إلى قضاء الله وقدره ، لا إليكم ولا إلى أصنامكم ، وكانوا قد توعدوه .
ثم ذكر ما يوجب التفويض ، وهو كونه تعالى بصيرا بأحوال العباد وبمقادير حاجاتهم .
قال
مقاتل : لما قال هذه الكلمات ، قصدوا قتله ; فهرب هذا المؤمن إلى الجبل ، فلم يقدروا عليه .
وقيل : لما أظهر إيمانه ، بعث
فرعون في طلبه ألف رجل ; فمنهم من أدركه ، فذب السباع عنه وأكلتهم السباع ، ومنهم من مات في الجبال عطشا ، ومنهم من رجع إلى
فرعون خائبا ، فاتهمه وقتله وصلبه . وقيل : نجا مع
موسى في البحر ، وفر في جملة من فر معه .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=45فوقاه الله سيئات ما مكروا ) أي : شدائد مكرهم التي تسوؤه ، وما هموا به من أنواع العذاب لمن خالفهم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=45وحاق بآل فرعون سوء العذاب ) ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : هو ما حاق بالألف الذين بعثهم
فرعون في طلب المؤمن ، من أكل السباع ، والموت بالعطش ، والقتل والصلب ، كما تقدم .
وقيل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=45سوء العذاب ) : هو الغرق في الدنيا والحرق في الآخرة .
( النار ) بدل من (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=45سوء العذاب ) ، أو خبر مبتدأ محذوف ، كأنه قيل : ما سوء العذاب : قيل : النار ، أو مبتدأ خبره (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46يعرضون ) ، ويقوي هذا الوجه قراءة من نصب ، أي : تدخلون النار يعرضون عليها .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ويجوز أن ينصب على الاختصاص .
والظاهر أن عرضهم على النار مخصوص بهذين الوقتين ، ويجوز أن يراد بذكر الطرفين الدوام في الدنيا ، والظاهر أن العرض خلاف الإحراق . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : عرضهم عليها : إحراقهم بها ، يقال : عرض الإمام الأسارى على السيف إذا قتلهم به . انتهى .
والظاهر أن العرض هو في الدنيا . وروي ذلك عن
الهذيل بن شرحبيل ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ،
والسدي : أن أرواحهم في جوف طيور سود ، تروح بهم وتغدو إلى النار . وقال رجل
nindex.php?page=showalam&ids=13760للأوزاعي : رأيت طيورا بيضا تغدو من البحر ، ثم تروح بالعشي سودا مثلها ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي : تلك التي في حواصلها أرواح
آل فرعون ، يحرق رياشها وتسود بالعرض على النار . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب وغيره : أراد أنهم يعرضون في الآخرة على تقدير ما بين الغدو والعشي ، إذ لا غدو ولا عشي في الآخرة ، وإنما ذلك على التقدير بأيام الدنيا .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : تعرض أرواح
آل فرعون ومن كان مثلهم من الكفار على النار بالغداة والعشي ، يقال : هذه داركم .
وفي صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ،
ومسلم ، من حديث
ابن عمران ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374847إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي ، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة ، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار ، يقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة " .
واستدل
مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=14980ومحمد بن كعب وعكرمة ومقاتل بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ) أي : عند موتهم على عذاب القبر في الدنيا . والظاهر تمام الجملة عند قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46وعشيا ) ، وأن يوم القيامة معمول لمحذوف على إضمار القول ، أي : ويوم القيامة يقال لهم : ادخلوا . وقيل : و ( يوم ) معطوف على (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46وعشيا ) فالعامل فيه (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46يعرضون ) و (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46أدخلوا ) على إضمار الفعل . وقيل : العامل في ( يوم ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46أدخلوا ) . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=13723الأعرج ،
وأبو جعفر ،
وشيبة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش ،
وابن وثاب ،
وطلحة ،
ونافع ،
وحمزة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ،
وحفص : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46أدخلوا ) ، أمرا للخزنة من أدخل .
وعلي ،
والحسن ،
وقتادة ،
وابن كثير ، والعربيان ،
وأبو بكر : أمرا من دخل (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46آل فرعون أشد العذاب ) . قيل : وهو الهاوية . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي : بلغنا أنهم ألفا ألف وستمائة ألف .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=47nindex.php?page=treesubj&link=29011وإذ يتحاجون في النار ) : الظاهر أن الضمير عائد على
فرعون . وقال
[ ص: 469 ] ابن عطية : والضمير في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=47يتحاجون ) لجميع كفار الأمم ، وهذا ابتداء قصص لا يختص
بآل فرعون ، والعامل في ( إذ ) فعل مضمر تقديره واذكروا .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري : وإذ هذه عطف على قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=18إذ القلوب لدى الحناجر ) ، وهذا بعيد . انتهى .
والمحاجة : التحاور بالحجة والخصومة . والضعفاء أي : في القدر والمنزلة في الدنيا . والذين استكبروا أي : عن الإيمان واتباع الرسل .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=47إنا كنا لكم تبعا ) أي : ذوي تبع ، فتبع مصدر أو اسم جمع لتابع ، كآيم وأيم ، وخادم وخدم ، وغائب وغيب .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=47فهل أنتم مغنون عنا ) أي : حاملون عنا ؟ فأجابوهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=48إنا كل فيها ) ، وأن حكم الله قد نفذ فينا وفيكم ، إنا مستمرون في النار .
وقرأ
ابن السميقع ،
وعيسى بن عمران : ( كلا ) بنصب ( كل ) . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ،
وابن عطية : على التوكيد لاسم إن ، وهو معرفة ، والتنوين عوض من المضاف إليه ، يريد : إنا كلنا فيها . انتهى .
وخبر إن هو فيها ، ومن رفع ( كلا ) فعلى الابتداء ، وخبره فيها ، والجملة خبر إن . وقال
ابن مالك في تصنيفه ( تسهيل الفوائد ) : وقد تكلم على ( كل ) ولا يستغنى بنية إضافته ، خلافا
للفراء nindex.php?page=showalam&ids=14423والزمخشري . انتهى ، وهذا المذهب منقول عن الكوفيين ، وقد رد
ابن مالك على هذا المذهب بما قرره في شرحه ( التسهيل ) .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ( فإن قلت ) : هل يجوز أن يكون ( كلا ) حالا قد عمل ( فيها ) فيها ؟ ( قلت ) : لا ؛ لأن الظرف لا يعمل ، والحال متقدمة ، كما يعمل في الظرف متقدما ، تقول : كل يوم لك ثوب ، ولا تقول : قائما في الدار زيد . انتهى .
وهذا الذي منعه أجازه
الأخفش إذا توسطت الحال ، نحو : زيد قائما في الدار ، وزيد قائما عندك ، والتمثيل الذي ذكره ليس مطابقا في الآية ؛ لأن الآية تقدم فيها المسند إليه الحكم ، وهو اسم إن ، وتوسطت الحال إذا قلنا إنها حال ، وتأخر العامل فيها ، وأما تمثيله بقوله : ولا تقول : قائما في الدار زيد ، تأخر فيه المسند والمسند إليه ، وقد ذكر بعضهم أن المنع في ذلك إجماع من النحاة .
وقال
ابن مالك : والقول المرضي عندي أن كلا في القراءة المذكورة منصوب على أن الضمير المرفوع المنوي في ( فيها ) وفيها هو العامل ، وقد تقدمت الحال عليه مع عدم تصرفه ، كما قدمت في قراءة من قرأ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=67والسماوات مطويات بيمينه ) . وفي قول
النابغة الذبياني :
رهط ابن كوز محقبي أدراعهم فيهم ورهط ربيعة بن حذار
وقال بعض الطائيين :
دعا فأجبنا وهو بادي ذلة لديكم فكان النصر غير قريب
انتهى . وهذا التخريج هو على مذهب
الأخفش ، كما ذكرناه ، والذي أختاره في تخريج هذه القراءة أن ( كلا ) بدل من اسم إن ؛ لأن ( كلا ) يتصرف فيهما بالابتداء ونواسخه وغير ذلك ، فكأنه قال : إن كلا بدل من اسم إن ؛ لأن كلا فيها ، وإذا كانوا قد تأولوا حولا أكتعا ويوما أجمعا على البدل ، مع أنهما لا يليان العوامل ، فإن يدعى في ( كل ) البدل أولى ، وأيضا فتنكير ( كل ) ونصبه حالا في غاية الشذوذ ، والمشهور
[ ص: 470 ] أن كلا معرفة إذا قطعت عن الإضافة . حكي : مررت بكل قائما ، وببعض جالسا في الفصيح الكثير في كلامهم ، وقد شذ نصب كل على الحال في قولهم : مررت بهم كلا ، أي : جميعا .
( فإن قلت ) : كيف يجعله بدلا ، وهو بدل كل من كل من ضمير المتكلم ، وهو لا يجوز على مذهب البصريين ؟ .
( قلت ) : مذهب
الأخفش والكوفيين جوازه ، وهو الصحيح ، على أن هذا ليس مما وقع فيه الخلاف ، بل إذا كان البدل يفيد الإحاطة ، جاز أن يبدل من ضمير المتكلم وضمير المخاطب ، لا نعلم خلافا في ذلك ، كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=114تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا ) ، وكقولك : مررت بكم صغيركم وكبيركم ، معناه : مررت بكم كلكم ، وتكون لنا عيدا كلنا . فإذا جاز ذلك فيما هو بمعنى الإحاطة ، فجوازه فيما دل على الإحاطة ، وهو ( كل ) أولى ، ولا التفات لمنع المبرد البدل فيه ؛ لأنه بدل من ضمير المتكلم ؛ لأنه لم يتحقق مناط الخلاف .
ولما أجاب الضعفاء المستكبرون قالوا جميعا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=49لخزنة جهنم ) ، وأبرز ما أضيف إليه الخزنة ، ولم يأت ضميرا ، فكان يكون التركيب لخزنتها ، لما في ذكر جهنم من التهويل ، وفيها أطغى الكفار وأعتاهم . ولعل الكفار توهموا أن ملائكة جهنم الموكلين بعذاب تلك الطغاة هم أقرب منزلة عند الله من غيرهم من الملائكة الموكلين ببقية دركات النار ، فرجوا أن يجيبوهم ويدعوا لهم بالتخفيف ، فراجعتهم الخزنة على سبيل التوبيخ لهم والتقرير : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=50أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات ) ، فأجابوا بأنهم أتتهم ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=50قالوا ) أي : الخزنة ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=50فادعوا ) أنتم على معنى الهزء بهم ، أو فادعوا أنتم ، فإنا لا نجترئ على ذلك . والظاهر أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=50وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ) من كلام الخزنة أي : دعاؤكم لا ينفع ولا يجدي . وقيل : هو من كلام الله تعالى إخبارا منه
لمحمد - صلى الله عليه وسلم - .
وجاءت هذه الأخبار معبرا عنها بلفظ الماضي الواقع لتيقن وقوعها .
ثم ذكر تعالى أنه ينصر رسله ويظفرهم بأعدائهم ، كما فعل
بموسى - عليه السلام - حيث أهلك عدوه
فرعون وقومه ، وفيه تبشير للرسول - عليه السلام - بنصره على قومه ، ( في الحياة الدنيا ) ، العاقبة الحسنة لهم ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=51ويوم يقوم الأشهاد ) : وهو يوم القيامة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : ينصرهم بالغلبة ، وفي الآخرة بالعذاب . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : بالانتقام من أعدائهم . وقال
أبو العالية : بإفلاح حجتهم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي أيضا : ما قتل قوم قط نبيا أو قوما من دعاة الحق إلا بعث الله من ينتقم لهم ، فصاروا منصورين فيها وإن قتلوا . انتهى .
ألا ترى إلى قتلة
الحسين - رضي الله عنه - كيف سلط الله عليهم
المختار بن عبيد يتبعهم واحدا واحدا حتى قتلهم ؟
وبختنصر تتبع
اليهود حين قتلوا
يحيى بن زكريا ، عليهما السلام ؟ وقيل : والنصر خاص بمن أظهره الله تعالى على أمته ،
كنوح وموسى ومحمد عليهم السلام ؛ لأنا نجد من الأنبياء من قتله قومه ،
كيحيى ، ومن لم ينصر عليهم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : الخبر عام ، وذلك أن نصرة الرسل والأنبياء واقعة ولا بد إما في حياة الرسول المنصور ،
كنوح وموسى - عليهما السلام - وإما بعد موته . ألا ترى إلى ما صنع الله تعالى
ببني إسرائيل بعد قتلهم
يحيى - عليه السلام - من تسليط
بختنصر حتى انتصر
ليحيى - عليه السلام - ؟ وقرأ الجمهور : ( يقوم ) بالياء ;
وابن هرمز ،
وإسماعيل ،
والمنقري عن
أبي عمرو : بتاء التأنيث . الجماعة . والأشهاد ، جمع شهيد ، كشريف وأشراف ، أو جمع شاهد ، كصاحب وأصحاب ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=41فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد ) . وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) ، والظاهر أنه من الشهادة . وقيل : من المشاهدة ، بمعنى الحضور .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=52يوم لا ينفع ) : بدل من ( يوم ) ( يقوم ) . وقرئ : ( تنفع ) بالتاء وبالياء ، وتقدم ذكر الخلاف في ذلك في آخر الروم ، ويحتمل أنهم يعتذرون ولا تقبل معذرتهم ، أو أنهم لا معذرة لهم فتقبل .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=52ولهم اللعنة ) والإبعاد من الله .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=52ولهم سوء الدار ) : سوء عاقبة الدار .
[ ص: 467 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=41nindex.php?page=treesubj&link=29011وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=42تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=43لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=44فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=45فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=47وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=48قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=49وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=50قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=51إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=52يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ )
بَدَأَ الْمُؤْمِنُ بِذِكْرِ الْمُتَسَبَّبِ عَنْ دَعْوَتِهِمْ ، وَأَبْدَى التَّفَاضُلَ بَيْنَهُمَا . وَلَمَّا ذَكَرَ الْمُسَبِّبَيْنِ ، ذَكَرَ سَبَبَهُمَا ، وَهُوَ دُعَاؤُهُمْ إِلَى الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ ، وَدُعَاؤُهُ إِيَّاهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ وَالتَّوْحِيدِ .
وَأَتَى بِصِيغَةِ الْعَزِيزِ ، وَهُوَ الَّذِي لَا نَظِيرَ لَهُ ، وَالْغَالِبُ الَّذِي الْعَالَمُ كُلُّهُمْ فِي قَبْضَتِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهِمْ كَمَا يَشَاءُ ، الْغَفَّارُ لِذُنُوبِ مَنْ رَجَعَ إِلَيْهِ وَآمَنُ بِهِ ، وَأَوْصَلَ سَبَبَ دُعَائِهِمْ بِمُسَبِّبِهِ ، وَهُوَ الْكُفْرُ وَالنَّارُ ، وَأَخَّرَ سَبَبَ مُسَبِّبِهِ لِيَكُونَ افْتِتَاحَ كَلَامِهِ وَاخْتِتَامِهِ بِمَا يَدْعُو إِلَى الْخَيْرِ .
وَبَدَأَ أَوَّلًا بِجُمْلَةٍ اسْمِيَّةٍ ، وَهُوَ الْاسْتِفْهَامُ الْمُتَضَمِّنُ التَّعَجُّبَ مِنْ حَالَتِهِمْ ، وَخَتَمَ أَيْضًا بِجُمْلَةٍ اسْمِيَّةٍ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي تَوْكِيدِ الْأَخْبَارِ . وَجَاءَ فِي حَقِّهِمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=41وَتَدْعُونَنِي ) بِالْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ الَّتِي لَا تَقْتَضِي تَوْكِيدًا ، إِذْ دَعَوْتُهُمْ بَاطِلَةٌ لَا ثُبُوتَ لَهَا ، فَتُؤَكَّدُ . وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=42مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ) هِيَ الْأَوْثَانُ ، أَيْ : لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ عِلْمِي ، إِذْ لَيْسَ لَهَا مَدْخَلٌ فِي الْأُلُوهِيَّةِ وَلَا
لِفِرْعَوْنَ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : ( فَإِنْ قُلْتَ ) : لِمَ جَاءَ بِالْوَاوِ فِي النِّدَاءِ الثَّالِثِ دُونَ الثَّانِي ؟ .
( قُلْتُ ) : لِأَنَّ الثَّانِيَ دَاخِلٌ فِي كَلَامٍ هُوَ بَيَانٌ لِلْمُجْمَلِ وَتَفْسِيرٌ لَهُ ، فَأَعْطَى الدَّاخِلَ عَلَيْهِ حُكْمَهُ فِي امْتِنَاعِ دُخُولِ الْوَاوِ ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَدَاخِلٌ عَلَى كَلَامٍ لَيْسَ بِتِلْكَ الْمَثَابَةِ . انْتَهَى .
وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى لَا جَرَمَ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ هُنَا ، وَرُوِيَ عَنِ الْعَرَبِ : لَا جُرْمَ أَنَّهُ يَفْعَلُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ ، يُرِيدُ لَا بُدَّ ، وَفَعَلٌ وَفُعْلٌ أَخَوَانِ ، كَرَشَدٍ وَرُشْدٍ ، وَعَدَمٍ وَعُدْمٍ .
( أَنَّمَا ) أَيْ : أَنَّ الَّذِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=43تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ) أَيْ : إِلَى عِبَادَتِهِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=43لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ ) ، أَيْ : قَدْرٌ وَحَقٌّ يَجِبُ أَنْ يُدْعَى إِلَيْهِ ، أَوْ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ إِلَى نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ الْجَمَادَ لَا يَدْعُو ، وَالْمَعْبُودُ بِالْحَقِّ يَدْعُو الْعِبَادَ إِلَى طَاعَتِهِ ، ثُمَّ يَدْعُو الْعِبَادَ إِلَيْهَا إِظْهَارًا لِدَعْوَةِ رَبِّهِمْ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ : الْمَعْنَى لَيْسَ لَهُ اسْتِجَابَةُ دَعْوَةٍ تُوجِبُ الْأُلُوهِيَّةَ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ ، أَوْ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ ، جُعِلَتِ الدَّعْوَةُ الَّتِي لَا اسْتِجَابَةَ لَهَا وَلَا مَنْفَعَةَ كَلَا دَعْوَةٍ ، أَوْ سُمِّيَتِ الِاسْتِجَابَةُ بِاسْمِ الدَّعْوَةِ ، كَمَا سُمِّيَ الْفِعْلُ الْمُجَازَى عَلَيْهِ بِاسْمِ الْجَزَاءِ فِي قَوْلِهِ : (
كَمَا تَدِينُ تُدَانُ ) .
وَقَالَ
الْكَلْبِيُّ : لَيْسَتْ لَهُ شَفَاعَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ ، وَكَانَ
فِرْعَوْنُ أَوَّلًا يَدْعُو النَّاسَ إِلَى عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ ، ثُمَّ دَعَاهُمْ إِلَى عِبَادَةِ الْبَقَرِ ، وَكَانَتْ تُعْبَدُ مَا دَامَتْ شَابَّةً ، فَإِذَا هَزُلَتْ أَمَرَ بِذَبْحِهَا وَدَعَا بِأُخْرَى لِتُعْبَدَ . فَلَمَّا طَالَ عَلَيْهِ الزَّمَانُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=24أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ) .
وَلَمَّا ذَكَرَ انْتِفَاءَ دَعْوَةِ مَا عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَذَكَرَ أَنَّ مَرَدَّ الْجَمِيعِ إِلَى اللَّهِ ، أَيْ : إِلَى جَزَائِهِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=43وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ ) : وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ
[ ص: 468 ] فِي قَوْلِ
قَتَادَةَ ، وَالسَّفَّاكُونَ لِلدِّمَاءِ بِغَيْرِ حِلِّهَا فِي قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ ،
وَمُجَاهِدٍ . وَقِيلَ : مَنْ غَلَبَ شَرُّهُ خَيْرَهُ هُوَ الْمُسْرِفُ . وَقَالَ
عِكْرِمَةُ : هُمُ الْجَبَّارُونَ الْمُتَكَبِّرُونَ .
وَخَتَمَ الْمُؤْمِنُ كَلَامَهُ بِخَاتِمَةٍ لَطِيفَةٍ تُوجِبُ التَّخْوِيفَ وَالتَّهْدِيدَ وَهِيَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=44فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ) أَيْ : إِذَا حَلَّ بِكُمْ عِقَابُ اللَّهِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=44وَأُفَوِّضُ أَمْرِي ) إِلَى قَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ ، لَا إِلَيْكُمْ وَلَا إِلَى أَصْنَامِكُمْ ، وَكَانُوا قَدْ تَوَعَّدُوهُ .
ثُمَّ ذَكَرَ مَا يُوجِبُ التَّفْوِيضَ ، وَهُوَ كَوْنُهُ تَعَالَى بَصِيرًا بِأَحْوَالِ الْعِبَادِ وَبِمَقَادِيرِ حَاجَاتِهِمْ .
قَالَ
مُقَاتِلٌ : لَمَّا قَالَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ ، قَصَدُوا قَتْلَهُ ; فَهَرَبَ هَذَا الْمُؤْمِنُ إِلَى الْجَبَلِ ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ .
وَقِيلَ : لَمَّا أَظْهَرَ إِيمَانَهُ ، بَعَثَ
فِرْعَوْنُ فِي طَلَبِهِ أَلْفَ رَجُلٍ ; فَمِنْهُمْ مَنْ أَدْرَكَهُ ، فَذَبَّ السِّبَاعُ عَنْهُ وَأَكَلَتْهُمُ السِّبَاعُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ مَاتَ فِي الْجِبَالِ عَطَشًا ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَجَعَ إِلَى
فِرْعَوْنَ خَائِبًا ، فَاتَّهَمَهُ وَقَتَلَهُ وَصَلَبَهُ . وَقِيلَ : نَجَا مَعَ
مُوسَى فِي الْبَحْرِ ، وَفَرَّ فِي جُمْلَةِ مَنْ فَرَّ مَعَهُ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=45فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا ) أَيْ : شَدَائِدَ مَكْرِهِمُ الَّتِي تَسُوؤُهُ ، وَمَا هَمُّوا بِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ لِمَنْ خَالَفَهُمْ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=45وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ ) ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : هُوَ مَا حَاقَ بِالْأَلْفِ الَّذِينَ بَعَثَهُمْ
فِرْعَوْنُ فِي طَلَبِ الْمُؤْمِنِ ، مِنْ أَكْلِ السِّبَاعِ ، وَالْمَوْتِ بِالْعَطَشِ ، وَالْقَتْلِ وَالصَّلْبِ ، كَمَا تَقَدَّمَ .
وَقِيلَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=45سُوءُ الْعَذَابِ ) : هُوَ الْغَرَقُ فِي الدُّنْيَا وَالْحَرْقُ فِي الْآخِرَةِ .
( النَّارُ ) بَدَلٌ مِنْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=45سُوءُ الْعَذَابِ ) ، أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ ، كَأَنَّهُ قِيلَ : مَا سُوءُ الْعَذَابِ : قِيلَ : النَّارُ ، أَوْ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46يُعْرَضُونَ ) ، وَيُقَوِّي هَذَا الْوَجْهَ قِرَاءَةُ مَنْ نَصَبَ ، أَيْ : تَدْخُلُونَ النَّارَ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَيَجُوزُ أَنْ يُنْصَبَ عَلَى الِاخْتِصَاصِ .
وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَرْضَهُمْ عَلَى النَّارِ مَخْصُوصٌ بِهَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِذِكْرِ الطَّرَفَيْنِ الدَّوَامُ فِي الدُّنْيَا ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعَرْضَ خِلَافُ الْإِحْرَاقِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : عَرْضُهُمْ عَلَيْهَا : إِحْرَاقُهُمْ بِهَا ، يُقَالُ : عَرَضَ الْإِمَامُ الْأُسَارَى عَلَى السَّيْفِ إِذَا قَتَلَهُمْ بِهِ . انْتَهَى .
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعَرْضَ هُوَ فِي الدُّنْيَا . وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ
الْهُذَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ ، وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ ،
وَالسُّدِّيِّ : أَنَّ أَرْوَاحَهُمْ فِي جَوْفِ طُيُورٍ سُودٍ ، تَرُوحُ بِهِمْ وَتَغْدُو إِلَى النَّارِ . وَقَالَ رَجُلٌ
nindex.php?page=showalam&ids=13760لِلْأَوْزَاعِيِّ : رَأَيْتُ طُيُورًا بِيضًا تَغْدُو مِنَ الْبَحْرِ ، ثُمَّ تَرُوحُ بِالْعَشِيِّ سُودًا مِثْلُهَا ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13760الْأَوْزَاعِيُّ : تِلْكَ الَّتِي فِي حَوَاصِلِهَا أَرْوَاحُ
آلِ فِرْعَوْنَ ، يُحْرَقُ رِيَاشُهَا وَتَسْوَدُّ بِالْعَرْضِ عَلَى النَّارِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14980مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ وَغَيْرُهُ : أَرَادَ أَنَّهُمْ يُعْرَضُونَ فِي الْآخِرَةِ عَلَى تَقْدِيرِ مَا بَيْنَ الْغُدُوِّ وَالْعَشِيِّ ، إِذْ لَا غُدُوَّ وَلَا عَشِيَّ فِي الْآخِرَةِ ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى التَّقْدِيرِ بِأَيَّامِ الدُّنْيَا .
وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ : تُعْرَضُ أَرْوَاحُ
آلِ فِرْعَوْنَ وَمَنْ كَانَ مِثْلَهُمْ مِنَ الْكُفَّارِ عَلَى النَّارِ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ، يُقَالُ : هَذِهِ دَارُكُمْ .
وَفِي صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ ،
وَمُسْلِمٍ ، مِنْ حَدِيثِ
ابْنِ عِمْرَانَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374847إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدَهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ ، يُقَالُ هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " .
وَاسْتَدَلَّ
مُجَاهِدٌ nindex.php?page=showalam&ids=14980وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ وَعِكْرِمَةُ وَمُقَاتِلٌ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ) أَيْ : عِنْدَ مَوْتِهِمْ عَلَى عَذَابِ الْقَبْرِ فِي الدُّنْيَا . وَالظَّاهِرُ تَمَامُ الْجُمْلَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46وَعَشِيًّا ) ، وَأَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعْمُولٌ لِمَحْذُوفٍ عَلَى إِضْمَارِ الْقَوْلِ ، أَيْ : وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ لَهُمْ : ادْخُلُوا . وَقِيلَ : وَ ( يَوْمَ ) مَعْطُوفٌ عَلَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46وَعَشِيًّا ) فَالْعَامِلُ فِيهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46يُعْرَضُونَ ) وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46أَدْخِلُوا ) عَلَى إِضْمَارِ الْفِعْلِ . وَقِيلَ : الْعَامِلُ فِي ( يَوْمَ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46أَدْخِلُوا ) . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=13723الْأَعْرَجُ ،
وَأَبُو جَعْفَرٍ ،
وَشَيْبَةُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13726وَالْأَعْمَشُ ،
وَابْنُ وَثَّابٍ ،
وَطَلْحَةُ ،
وَنَافِعٌ ،
وَحَمْزَةُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ ،
وَحَفْصٌ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46أَدْخِلُوا ) ، أَمْرًا لِلْخَزَنَةِ مِنْ أَدْخَلَ .
وَعَلِيٌّ ،
وَالْحَسَنُ ،
وَقَتَادَةُ ،
وَابْنُ كَثِيرٍ ، وَالْعَرَبِيَّانِ ،
وَأَبُو بَكْرٍ : أَمْرًا مِنْ دَخَلَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ) . قِيلَ : وَهُوَ الْهَاوِيَةُ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13760الْأَوْزَاعِيُّ : بَلَغَنَا أَنَّهُمْ أَلْفَا أَلْفٍ وَسِتُّمِائَةِ أَلْفٍ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=47nindex.php?page=treesubj&link=29011وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ ) : الظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى
فِرْعَوْنَ . وَقَالَ
[ ص: 469 ] ابْنُ عَطِيَّةَ : وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=47يَتَحَاجُّونَ ) لِجَمِيعِ كَفَّارِ الْأُمَمِ ، وَهَذَا ابْتِدَاءُ قَصَصٍ لَا يَخْتَصُّ
بِآلِ فِرْعَوْنَ ، وَالْعَامِلُ فِي ( إِذْ ) فِعْلٌ مُضْمَرٌ تَقْدِيرُهُ وَاذْكُرُوا .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرِيُّ : وَإِذْ هَذِهِ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=18إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ ) ، وَهَذَا بَعِيدٌ . انْتَهَى .
وَالْمُحَاجَّةُ : التَّحَاوُرُ بِالْحُجَّةِ وَالْخُصُومَةِ . وَالضُّعَفَاءُ أَيْ : فِي الْقَدَرِ وَالْمَنْزِلَةِ فِي الدُّنْيَا . وَالَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا أَيْ : عَنِ الْإِيمَانِ وَاتِّبَاعِ الرُّسُلِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=47إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا ) أَيْ : ذَوِي تَبَعٍ ، فَتَبَعٌ مَصْدَرٌ أَوِ اسْمُ جَمْعٍ لِتَابِعٍ ، كَآيِمٍ وَأَيَمٍ ، وَخَادِمِ وَخَدَمٍ ، وَغَائِبٍ وَغَيَبٍ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=47فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا ) أَيْ : حَامِلُونَ عَنَّا ؟ فَأَجَابُوهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=48إِنَّا كُلٌّ فِيهَا ) ، وَأَنَّ حُكْمَ اللَّهِ قَدْ نَفَذَ فِينَا وَفِيكُمْ ، إِنَّا مُسْتَمِرُّونَ فِي النَّارِ .
وَقَرَأَ
ابْنُ الْسَّمَيْقَعِ ،
وَعِيسَى بْنُ عِمْرَانَ : ( كُلًّا ) بِنَصْبِ ( كُلٌّ ) . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ ،
وَابْنُ عَطِيَّةَ : عَلَى التَّوْكِيدِ لِاسْمِ إِنَّ ، وَهُوَ مَعْرِفَةٌ ، وَالتَّنْوِينُ عِوَضٌ مِنَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ ، يُرِيدُ : إِنَّا كُلُّنَا فِيهَا . انْتَهَى .
وَخَبَرُ إِنَّ هُوَ فِيهَا ، وَمَنْ رَفَعَ ( كُلًّا ) فَعَلَى الِابْتِدَاءِ ، وَخَبَرُهُ فِيهَا ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ إِنَّ . وَقَالَ
ابْنُ مَالِكٍ فِي تَصْنِيفِهِ ( تَسْهِيلِ الْفَوَائِدِ ) : وَقَدْ تَكَلَّمَ عَلَى ( كُلٌّ ) وَلَا يُسْتَغْنَى بِنِيَّةِ إِضَافَتِهِ ، خِلَافًا
لِلْفَرَّاءِ nindex.php?page=showalam&ids=14423وَالزَّمَخْشَرِيِّ . انْتَهَى ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ مَنْقُولٌ عَنِ الْكُوفِيِّينَ ، وَقَدْ رَدَّ
ابْنُ مَالِكٍ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ بِمَا قَرَّرَهُ فِي شَرْحِهِ ( التَّسْهِيلِ ) .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : ( فَإِنْ قُلْتَ ) : هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ( كُلًّا ) حَالًا قَدْ عَمِلَ ( فِيهَا ) فِيهَا ؟ ( قُلْتُ ) : لَا ؛ لِأَنَّ الظَّرْفَ لَا يَعْمَلُ ، وَالْحَالُ مُتَقَدِّمَةٌ ، كَمَا يَعْمَلُ فِي الظَّرْفِ مُتَقَدِّمًا ، تَقُولُ : كُلُّ يَوْمٍ لَكَ ثَوْبٌ ، وَلَا تَقُولُ : قَائِمًا فِي الدَّارِ زَيْدٌ . انْتَهَى .
وَهَذَا الَّذِي مَنَعَهُ أَجَازَهُ
الْأَخْفَشُ إِذَا تَوَسَّطَتِ الْحَالُ ، نَحْوُ : زَيْدٌ قَائِمًا فِي الدَّارِ ، وَزَيْدٌ قَائِمًا عِنْدَكَ ، وَالتَّمْثِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ لَيْسَ مُطَابِقًا فِي الْآيَةِ ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ تَقَدَّمَ فِيهَا الْمُسْنَدُ إِلَيْهِ الْحُكْمُ ، وَهُوَ اسْمُ إِنَّ ، وَتَوَسَّطَتِ الْحَالُ إِذَا قُلْنَا إِنَّهَا حَالٌ ، وَتَأَخَّرَ الْعَامِلُ فِيهَا ، وَأَمَّا تَمْثِيلُهُ بِقَوْلِهِ : وَلَا تَقُولُ : قَائِمًا فِي الدَّارِ زَيْدٌ ، تَأَخَّرَ فِيهِ الْمُسْنَدُ وَالْمُسْنَدُ إِلَيْهِ ، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمَنْعَ فِي ذَلِكَ إِجْمَاعٌ مِنَ النُّحَاةِ .
وَقَالَ
ابْنُ مَالِكٍ : وَالْقَوْلُ الْمَرْضِيُّ عِنْدِي أَنَّ كُلًّا فِي الْقِرَاءَةِ الْمَذْكُورَةِ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ الْمَرْفُوعَ الْمَنَوِيَّ فِي ( فِيهَا ) وَفِيهَا هُوَ الْعَامِلُ ، وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْحَالُ عَلَيْهِ مَعَ عَدَمِ تَصَرُّفِهِ ، كَمَا قُدِّمَتْ فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=67وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ) . وَفِي قَوْلِ
النَّابِغَةِ الذُّبْيَانِيِّ :
رَهْطُ ابْنِ كُوزٍ مُحْقِبِي أَدْرَاعَهُمْ فِيهِمْ وَرَهْطُ رَبِيعَةَ بْنِ حَذَارِ
وَقَالَ بَعْضُ الطَّائِيِّينَ :
دَعَا فَأَجَبْنَا وَهُوَ بَادَّيَّ ذِلَّةً لَدَيْكُمْ فَكَانَ النَّصْرُ غَيْرَ قَرِيبِ
انْتَهَى . وَهَذَا التَّخْرِيجُ هُوَ عَلَى مَذْهَبِ
الْأَخْفَشِ ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ ، وَالَّذِي أَخْتَارُهُ فِي تَخْرِيجِ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ أَنَّ ( كُلًّا ) بَدَلٌ مِنِ اسْمِ إِنَّ ؛ لِأَنَّ ( كُلًّا ) يَتَصَرَّفُ فِيهِمَا بِالِابْتِدَاءِ وَنَوَاسِخِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : إِنَّ كُلًّا بَدَلٌ مِنِ اسْمِ إِنَّ ؛ لِأَنَّ كُلًّا فِيهَا ، وَإِذَا كَانُوا قَدْ تَأَوَّلُوا حَوْلًا أَكْتَعًا وَيَوْمًا أَجْمَعًا عَلَى الْبَدَلِ ، مَعَ أَنَّهُمَا لَا يَلِيَانِ الْعَوَامِلَ ، فَإِنْ يُدَّعَى فِي ( كُلٌّ ) الْبَدَلُ أَوْلَى ، وَأَيْضًا فَتَنْكِيرُ ( كُلٌّ ) وَنَصْبُهُ حَالًا فِي غَايَةِ الشُّذُوذِ ، وَالْمَشْهُورُ
[ ص: 470 ] أَنَّ كُلًّا مَعْرِفَةٌ إِذَا قُطِعَتْ عَنِ الْإِضَافَةِ . حُكِيَ : مَرَرْتُ بِكُلٍّ قَائِمًا ، وَبِبَعْضٍ جَالِسًا فِي الْفَصِيحِ الْكَثِيرِ فِي كَلَامِهِمْ ، وَقَدْ شَذَّ نَصْبُ كُلٍّ عَلَى الْحَالِ فِي قَوْلِهِمْ : مَرَرْتُ بِهِمْ كُلًّا ، أَيْ : جَمِيعًا .
( فَإِنْ قُلْتَ ) : كَيْفَ يَجْعَلُهُ بَدَلًا ، وَهُوَ بَدَلُ كُلٍّ مِنْ كُلٍّ مِنْ ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ عَلَى مَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ ؟ .
( قُلْتُ ) : مَذْهَبُ
الْأَخْفَشِ وَالْكُوفِيِّينَ جَوَازُهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، عَلَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِمَّا وَقَعَ فِيهِ الْخِلَافُ ، بَلْ إِذَا كَانَ الْبَدَلُ يُفِيدُ الْإِحَاطَةَ ، جَازَ أَنْ يُبْدَلَ مِنْ ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ وَضَمِيرِ الْمُخَاطَبِ ، لَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي ذَلِكَ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=114تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا ) ، وَكَقَوْلِكِ : مَرَرْتُ بِكُمْ صَغِيرِكُمْ وَكَبِيرِكُمْ ، مَعْنَاهُ : مَرَرْتُ بِكُمْ كُلِّكُمْ ، وَتَكُونُ لَنَا عِيدًا كُلِّنَا . فَإِذَا جَازَ ذَلِكَ فِيمَا هُوَ بِمَعْنَى الْإِحَاطَةِ ، فَجَوَازُهُ فِيمَا دَلَّ عَلَى الْإِحَاطَةِ ، وَهُوَ ( كُلٌّ ) أَوْلَى ، وَلَا الْتِفَاتَ لِمَنْعِ الْمُبَرِّدِ الْبَدَلَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ مَنَاطُ الْخِلَافِ .
وَلَمَّا أَجَابَ الضُّعَفَاءُ الْمُسْتَكْبِرُونَ قَالُوا جَمِيعًا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=49لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ) ، وَأَبْرَزَ مَا أُضِيفَ إِلَيْهِ الْخَزَنَةُ ، وَلَمْ يَأْتِ ضَمِيرًا ، فَكَانَ يَكُونُ التَّرْكِيبُ لِخَزَنَتِهَا ، لِمَا فِي ذِكْرِ جَهَنَّمَ مِنَ التَّهْوِيلِ ، وَفِيهَا أَطْغَى الْكُفَّارِ وَأَعْتَاهُمْ . وَلَعَلَّ الْكُفَّارَ تَوَهَّمُوا أَنَّ مَلَائِكَةَ جَهَنَّمَ الْمُوَكَّلِينَ بِعَذَابِ تِلْكَ الطُّغَاةِ هُمْ أَقْرَبُ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ مِنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ الْمُوَكَّلِينَ بِبَقِيَّةِ دَرَكَاتِ النَّارِ ، فَرَجَوْا أَنْ يُجِيبُوهُمْ وَيَدْعُوا لَهُمْ بِالتَّخْفِيفِ ، فَرَاجَعَتْهُمُ الْخَزَنَةُ عَلَى سَبِيلِ التَّوْبِيخِ لَهُمْ وَالتَّقْرِيرِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=50أَوْلَمَ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ) ، فَأَجَابُوا بِأَنَّهُمْ أَتَتْهُمْ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=50قَالُوا ) أَيِ : الْخَزَنَةُ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=50فَادْعُوا ) أَنْتُمْ عَلَى مَعْنَى الْهُزْءِ بِهِمْ ، أَوْ فَادْعُوا أَنْتُمْ ، فَإِنَّا لَا نَجْتَرِئُ عَلَى ذَلِكَ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=50وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ ) مِنْ كَلَامِ الْخَزَنَةِ أَيْ : دُعَاؤُكُمْ لَا يَنْفَعُ وَلَا يُجْدِي . وَقِيلَ : هُوَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى إِخْبَارًا مِنْهُ
لِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
وَجَاءَتْ هَذِهِ الْأَخْبَارُ مُعَبَّرًا عَنْهَا بِلَفْظِ الْمَاضِي الْوَاقِعِ لِتَيَقُّنِ وُقُوعِهَا .
ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُ يَنْصُرُ رُسُلَهُ وَيُظْفِرُهُمْ بِأَعْدَائِهِمْ ، كَمَا فَعَلَ
بِمُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَيْثُ أَهْلَكَ عَدُوَّهُ
فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ ، وَفِيهِ تَبْشِيرٌ لِلرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِنَصْرِهِ عَلَى قَوْمِهِ ، ( فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) ، الْعَاقِبَةُ الْحَسَنَةُ لَهُمْ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=51وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ) : وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : يَنْصُرُهُمْ بِالْغَلَبَةِ ، وَفِي الْآخِرَةِ بِالْعَذَابِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ : بِالِانْتِقَامِ مِنْ أَعْدَائِهِمْ . وَقَالَ
أَبُو الْعَالِيَةِ : بِإِفْلَاحِ حُجَّتِهِمْ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ أَيْضًا : مَا قَتَلَ قَوْمٌ قَطُّ نَبِيًّا أَوْ قَوْمًا مِنْ دُعَاةِ الْحَقِّ إِلَّا بَعَثَ اللَّهُ مَنْ يَنْتَقِمُ لَهُمْ ، فَصَارُوا مَنْصُورِينَ فِيهَا وَإِنْ قُتِلُوا . انْتَهَى .
أَلَا تَرَى إِلَى قَتَلَةِ
الْحُسَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَيْفَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ
الْمُخْتَارَ بْنَ عُبَيْدٍ يَتْبَعُهُمْ وَاحِدًا وَاحِدًا حَتَّى قَتَلَهُمْ ؟
وَبُخْتُنَصَّرُ تَتَبَعَ
الْيَهُودَ حِينَ قَتَلُوا
يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ ؟ وَقِيلَ : وَالنَّصْرُ خَاصٌّ بِمَنْ أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أُمَّتِهِ ،
كَنُوحٍ وَمُوسَى وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ ؛ لِأَنَّا نَجِدُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مَنْ قَتَلَهُ قَوْمُهُ ،
كَيَحْيَى ، وَمَنْ لَمْ يُنْصَرْ عَلَيْهِمْ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ : الْخَبَرُ عَامٌّ ، وَذَلِكَ أَنَّ نُصْرَةَ الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَاقِعَةٌ وَلَا بُدَّ إِمَّا فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ الْمَنْصُورِ ،
كَنُوحٍ وَمُوسَى - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - وَإِمَّا بَعْدَ مَوْتِهِ . أَلَا تَرَى إِلَى مَا صَنَعَ اللَّهُ تَعَالَى
بِبَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ قَتْلِهِمْ
يَحْيَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ تَسْلِيطِ
بُخْتُنَصَّرَ حَتَّى انْتَصَرَ
لِيَحْيَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ؟ وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : ( يَقُومُ ) بِالْيَاءِ ;
وَابْنُ هُرْمُزَ ،
وَإِسْمَاعِيلُ ،
وَالْمِنْقَرِيُّ عَنْ
أَبِي عَمْرٍو : بِتَاءِ التَّأْنِيثِ . الْجَمَاعَةُ . وَالْأَشْهَادُ ، جَمْعُ شَهِيدٍ ، كَشَرِيفٍ وَأَشْرَافٍ ، أَوْ جَمْعُ شَاهِدٍ ، كَصَاحِبٍ وَأَصْحَابٍ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=41فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ ) . وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ) ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنَ الشَّهَادَةِ . وَقِيلَ : مِنَ الْمُشَاهَدَةِ ، بِمَعْنَى الْحُضُورِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=52يَوْمَ لَا يَنْفَعُ ) : بَدَلٌ مِنْ ( يَوْمَ ) ( يَقُومُ ) . وَقُرِئَ : ( تَنْفَعُ ) بِالتَّاءِ وَبِالْيَاءِ ، وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ فِي آخِرِ الرُّومِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ يَعْتَذِرُونَ وَلَا تُقْبَلُ مَعْذِرَتُهُمْ ، أَوْ أَنَّهُمْ لَا مَعْذِرَةَ لَهُمْ فَتُقْبَلُ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=52وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ ) وَالْإِبْعَادُ مِنَ اللَّهِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=52وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) : سُوءُ عَاقِبَةِ الدَّارِ .