قوله عز وجل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=21nindex.php?page=treesubj&link=29028سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=22ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=23لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=24الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز ) .
[ ص: 225 ] ولما ذكر تعالى ما في الآخرة من المغفرة ، أمر بالمسابقة إليها ، والمعنى : سابقوا إلى سبب مغفرة ، وهو الإيمان وعمل الطاعات . وقد مثل بعضهم المسابقة في أنواع ; فقال
عبد الله : كونوا في أول صف في القتال . وقال
أنس : اشهدوا تكبيرة الإحرام مع الإمام . وقال
علي : كن أول داخل في المسجد وآخر خارج . واستدل بهذا السبق على أن أول أوقات الصلوات أفضل ، وجاء لفظ سابقوا كأنهم في مضمار يجرون إلى غاية مسابقين إليهم . ( عرضها ) : أي مساحتها في السعة ، كما قال : فذو دعاء عريض ، أو العرض خلاف الطول . فإذا وصف العرض بالبسطة ، عرف أن الطول أبسط وأمد . ( أعدت ) : يدل على أنها مخلوقة ، وتكرر ذلك في القرآن يقوي ذلك ، والسنة ناصة على ذلك ، وذلك يرد على
المعتزلة في قولهم : إنها الآن غير مخلوقة وستخلق . ( ذلك ) : أي الموعود من المغفرة والجنة ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=21فضل الله ) : عطاؤه ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=21يؤتيه من يشاء ) : وهم المؤمنون .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=22ما أصاب من مصيبة ) : أي مصيبة ، وذكر فعلها ، وهو جائز التذكير والتأنيث ، ومن التأنيث (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=5ما تسبق من أمة أجلها ) . ولفظ مصيبة يدل على الشر ، لأن عرفها ذلك . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ما معناه : أنه أراد عرف المصيبة ، وهو استعمالها في الشر ، وخصصها بالذكر لأنها أهم على البشر . والمصيبة في الأرض مثل القحط والزلزلة وعاهة الزرع ، وفي الأنفس : الأسقام والموت . وقيل : المراد بالمصيبة الحوادث كلها من خير وشر ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=22إلا في كتاب ) : هو اللوح المحفوظ ، أي مكتوبة فيه ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=22من قبل أن نبرأها ) : أي نخلقها . برأ : خلق ، والضمير في نبرأها الظاهر أنه يعود على المصيبة ، لأنها هي المحدث عنها ، وذكر الأرض والأنفس هو على سبيل محل المصيبة . وقيل : يعود على الأرض . وقيل : على الأنفس ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وقتادة وجماعة . وذكر
المهدوي جواز عود الضمير على جميع ما ذكر . قال
ابن عطية : وهي كلها معارف صحاح ، لأن الكتاب السابق أزلي قبل هذه كلها . انتهى . ( إن ذلك ) : أي يحصل كل ما ذكر في كتاب وتقديره ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=22على الله يسير ) : أي سهل ، وإن كان عسيرا على العباد .
ثم بين تعالى الحكمة في إعلامنا بذلك الذي فعله من تقدير ذلك وسبق قضائه به فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=23لكي لا تأسوا ) : أي تحزنوا ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=23على ما فاتكم ) ، لأن العبد إن أعلم ذلك سلم ، وعلم أن ما فاته لم يكن ليصيبه ، وما أصابه لم يكن ليخطئه ، فلذلك لا يحزن على فائت ، لأنه ليس بصدد أن يفوته ، فهون عليه أمر حوادث الدنيا بذلك ، إذ قد وطن نفسه على هذه العقيدة . ويظهر أن المراد بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=153لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ) : أن يلحق الحزن الشديد على ما فات من الخير فيحدث عنه التسخط وعدم الرضا بالمقدور . (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=23ولا تفرحوا بما آتاكم ) : أن يفرح الفرح المؤدي إلى البطر المنهي عنه في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=76لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين ) ، فإن الحزن قد ينشأ عنه البطر ، ولذلك ختم بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=23والله لا يحب كل مختال فخور ) . فالفرح بما ناله من حطام الدنيا يلحقه في نفسه الخيلاء والافتخار والتكبر على الناس ، فمثل هذا هو المنهي عنه . وأما الحزن على ما فات من طاعة الله والفرح بنعم الله والشكر عليها والتواضع فهو مندوب إليه .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : ليس أحد إلا يحزن ويفرح ، ولكن من أصابته مصيبة فجعلها صبرا ، ومن أصاب خيرا جعله شكرا . انتهى ، يعني هو المحمود . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : فإن قلت : فلا أحد يملك نفسه عند مضرة تنزل به ، ولا عند منفعة ينالها أن لا يحزن ولا يفرح . قلت : المراد : الحزن المخرج إلى ما يذهل صاحبه عن الصبر والتسليم لأمر الله تعالى ورجاء ثواب الصابرين ، والفرح المطغي الملهي عن الشكر . فأما الحزن الذي لا يكاد الإنسان يخلو منه مع الاستسلام والسرور بنعمة الله والاعتداد بها مع الشكر ، فلا بأس به . انتهى . وقرأ الجمهور : بما آتاكم : أي أعطاكم ;
وعبد الله : أوتيتم ، مبنيا للمفعول : أي أعطيتم ;
وأبو عمرو : آتاكم : أي جاءكم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=24الذين يبخلون ) : أي هم الذين يبخلون ، أو يكون الذين مبتدأ محذوف الخبر على جهة
[ ص: 226 ] الإبهام تقديره : مذمومون ، أو موعودون بالعذاب ، أو مستغنى عنهم ، أو على إضمار أعني فهو في موضع نصب ، أو في موضع نصب صفة لكل مختال ، وإن كان نكرة ، فهو مخصص نوعا ما ، فيسوغ لذلك وصفه بالمعرفة . قال
ابن عطية : هذا مذهب
الأخفش . انتهى .
عظمت الدنيا في أعينهم ، فبخلوا أن يؤدوا منها حقوق الله تعالى ، وما كفاهم ذلك حتى أمروا الناس بالبخل ورغبوهم في الإمساك ، والظاهر أنهم أمروا الناس حقيقة . وقيل : كانوا قدوة فيه ، فكأنهم يأمرون به . (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=24ومن يتول ) عن ما أمر الله به . وقرأ الجمهور : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=24فإن الله هو ) ; وقرأ
نافع وابن عامر : بإسقاط هو ، وكذا في مصاحف
المدينة والشام ، وكلتا القراءتين متواترة . فمن أثبت هو ، فقال
أبو علي الفارسي : يحسن أن يكون فصلا ، قال : ولا يحسن أن يكون ابتداء ، لأن حذف الابتداء غير سائغ . انتهى . يعني أنه في القراءة الأخرى حذف ، ولو كان مبتدأ لم يجز حذفه ، لأنك إذا قلت : إن زيدا هو الفاضل ، فأعربت هو مبتدأ ، لم يجز حذفه ، لأن ما بعده من قولك الفاضل صالح أن يكون خبرا لأن ، فلا يبقى دليل على حذف هو الرابط . ونظيره : (
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=6الذين هم يراءون ) ، لا يجوز حذف هم ، لأن ما بعده يصلح أن يكون صلة ، فلا يبقى دليل على المحذوف . وما ذهب إليه
أبو علي ليس بشيء ، لأنه بنى ذلك على توافق القراءتين وتركيب إحداهما على الأخرى ، وليس كذلك . ألا ترى أنه يكون قراءتان في لفظ واحد ، ولكل منهما توجيه يخالف الآخر ، كقراءة من قرأ : والله أعلم بما وضعت . بضم التاء ، والقراءة الأخرى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=36بما وضعت ) بتاء التأنيث فضم التاء يقتضي أن الجملة من كلام
أم مريم ، وتاء التأنيث تقتضي أنها من كلام الله تعالى ، وهذا كثير في القراءات المتواترة . فكذلك هذا يجوز أن يكون هو مبتدأ في قراءة من أثبته ، وإن كان لم يرد في القراءة الأخرى ، ولكل من التركيبين في الإعراب حكم يخصه .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25لقد أرسلنا رسلنا بالبينات ) : الظاهر أن الرسل هنا هم من بني آدم ، والبينات : الحجج والمعجزات . (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25وأنزلنا معهم الكتاب ) : " الكتاب " اسم جنس ، ومعهم حال مقدرة ، أي وأنزلنا الكتاب صائرا معهم ، أي مقدرا صحبته لهم ، لأن الرسل منزلين هم والكتاب . ولما أشكل لفظ معهم على الزمخشري ، فسر الرسل بغير ما فسرناه ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25لقد أرسلنا رسلنا ) ، يعني : الملائكة ، إلى الأنبياء بالحجج والمعجزات ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25وأنزلنا معهم الكتاب ) : أي الوحي ، ( والميزان ) . وروي أن
جبريل عليه السلام نزل بالميزان ، فدفعه إلى
نوح وقال : مر قومك يزنوا به . (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25وأنزلنا الحديد ) ، قيل : نزل
آدم من الجنة ومعه خمسة أشياء من حديد السندان والكلبتان والميقعة والمطرقة والإبرة . وروي : ومعه المسن والمسحاة . وعن النبي ، صلى الله عليه وسلم ،
أن الله تعالى أنزل أربع بركات من السماء إلى الأرض ، أنزل الحديد والنار والماء والملح . انتهى . وأكثر المتأولين على أن المراد بالميزان : العدل ، فقال
ابن زيد وغيره : أراد بالموازين : المعرفة بين الناس ، وهذا جزء من العدل . (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25ليقوم الناس بالقسط ) : الظاهر أنه علة لإنزال الميزان فقط ، ويجوز أن يكون علة لإنزال الكتاب والميزان معا ، لأن القسط هو العدل في جميع الأشياء من سائر التكاليف ، فإنه لا يجور في شيء منها ، ولذلك جاء : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=18شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط ) .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25وأنزلنا الحديد ) : عبر عن إيجاده بالإنزال ، كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=6وأنزل لكم من الأنعام ) . وأيضا فإن الأوامر وجميع القضايا والأحكام لما كانت تلقى من السماء ، جعل الكل نزولا منها ، قاله
ابن عطية . وقال الجمهور : أراد بالحديد جنسه من المعادن . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : نزل آدم من الجنة ومعه السندان والكلبتان والميقعة . (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25فيه بأس شديد ) : أي السلاح الذي
[ ص: 227 ] يباشر به القتال ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25ومنافع للناس ) : في مصالحهم ومعايشهم وصنائعهم ; فما من صناعة إلا والحديد آلة فيها . (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25وليعلم الله ) علة لإنزال الكتاب والميزان والحديد . (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25من ينصره ورسله ) بالحجج والبراهين المنتزعة من الكتاب المنزل ، وبإقامة العدل ، وبما يعمل من آلة الحرب للجهاد في سبيل الله . قال
ابن عطية : أي ليعلمه موجودا ، فالتغير ليس في علم الله ، بل في هذا الحدث الذي خرج من العدم إلى الوجود . وقوله : ( بالغيب ) معناه : بما سمع من الأوصاف الغائبة عنه ، فآمن بها لقيام الأدلة عليها .
ولما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25من ينصره ورسله ) ، ذكر تعالى أنه غني عن نصرته بقدرته وعزته ، وأنه إنما كلفهم الجهاد لمنفعة أنفسهم ، وتحصيل ما يترتب لهم من الثواب . وقال
ابن عطية : ويترتب معنى الآية بأن الله تعالى أخبر بأنه أرسل رسله ، وأنزل كتبا وعدلا مشروعا ، وسلاحا يحارب به من عاند ولم يهتد بهدي الله ، فلم يبق عذر . وفي الآية ، على هذا التأويل ، حث على القتال .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=21nindex.php?page=treesubj&link=29028سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=22مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=23لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=24الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ) .
[ ص: 225 ] وَلَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى مَا فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْمَغْفِرَةِ ، أَمَرَ بِالْمُسَابَقَةِ إِلَيْهَا ، وَالْمَعْنَى : سَابِقُوا إِلَى سَبَبِ مَغْفِرَةٍ ، وَهُوَ الْإِيمَانُ وَعَمَلُ الطَّاعَاتِ . وَقَدْ مَثَّلَ بَعْضُهُمُ الْمُسَابَقَةَ فِي أَنْوَاعٍ ; فَقَالَ
عَبْدُ اللَّهِ : كُونُوا فِي أَوَّلِ صَفٍّ فِي الْقِتَالِ . وَقَالَ
أَنَسٌ : اشْهَدُوا تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ مَعَ الْإِمَامِ . وَقَالَ
عَلِيٌّ : كُنْ أَوَّلَ دَاخِلٍ فِي الْمَسْجِدِ وَآخِرَ خَارِجٍ . وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا السَّبْقِ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ أَفْضَلُ ، وَجَاءَ لَفْظُ سَابِقُوا كَأَنَّهُمْ فِي مِضْمَارٍ يَجْرُونَ إِلَى غَايَةٍ مُسَابِقِينَ إِلَيْهِمْ . ( عَرْضُهَا ) : أَيْ مِسَاحَتُهَا فِي السِّعَةِ ، كَمَا قَالَ : فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ ، أَوِ الْعَرْضُ خِلَافُ الطُّولِ . فَإِذَا وُصِفَ الْعَرْضُ بِالْبَسْطَةِ ، عُرِفَ أَنَّ الطُّولَ أَبْسَطُ وَأَمَدُّ . ( أُعِدَّتْ ) : يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ ، وَتَكَرُّرُ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ يُقَوِّي ذَلِكَ ، وَالسُّنَّةُ نَاصَّةٌ عَلَى ذَلِكَ ، وَذَلِكَ يَرُدُّ عَلَى
الْمُعْتَزِلَةِ فِي قَوْلِهِمْ : إِنَّهَا الْآنَ غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ وَسَتُخْلَقُ . ( ذَلِكَ ) : أَيِ الْمَوْعُودُ مِنَ الْمَغْفِرَةِ وَالْجَنَّةِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=21فَضْلُ اللَّهِ ) : عَطَاؤُهُ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=21يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ) : وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=22مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ ) : أَيْ مُصِيبَةٍ ، وَذَكَرَ فِعْلَهَا ، وَهُوَ جَائِزُ التَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ ، وَمِنَ التَّأْنِيثِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=5مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا ) . وَلَفْظُ مُصِيبَةٍ يَدُلُّ عَلَى الشَّرِّ ، لِأَنَّ عُرْفَهَا ذَلِكَ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ مَا مَعْنَاهُ : أَنَّهُ أَرَادَ عُرْفَ الْمُصِيبَةِ ، وَهُوَ اسْتِعْمَالُهَا فِي الشَّرِّ ، وَخَصَّصَهَا بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا أَهَمُّ عَلَى الْبَشَرِ . وَالْمُصِيبَةُ فِي الْأَرْضِ مِثْلُ الْقَحْطِ وَالزَّلْزَلَةِ وَعَاهَةِ الزَّرْعِ ، وَفِي الْأَنْفُسِ : الْأَسْقَامُ وَالْمَوْتُ . وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِالْمُصِيبَةِ الْحَوَادِثُ كُلُّهَا مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=22إِلَّا فِي كِتَابٍ ) : هُوَ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ ، أَيْ مَكْتُوبَةٍ فِيهِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=22مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا ) : أَيْ نَخْلُقَهَا . بَرَأَ : خَلَقَ ، وَالضَّمِيرُ فِي نَبْرَأَهَا الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَعُودُ عَلَى الْمُصِيبَةِ ، لِأَنَّهَا هِيَ الْمُحَدَّثُ عَنْهَا ، وَذِكْرُ الْأَرْضِ وَالْأَنْفُسِ هُوَ عَلَى سَبِيلِ مَحَلِّ الْمُصِيبَةِ . وَقِيلَ : يَعُودُ عَلَى الْأَرْضِ . وَقِيلَ : عَلَى الْأَنْفُسِ ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَجَمَاعَةٌ . وَذَكَرَ
الْمَهْدَوِيُّ جَوَازَ عَوْدِ الضَّمِيرِ عَلَى جَمِيعِ مَا ذُكِرَ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَهِيَ كُلُّهَا مَعَارِفُ صِحَاحٌ ، لِأَنَّ الْكِتَابَ السَّابِقَ أَزَلِيٌّ قَبْلَ هَذِهِ كُلِّهَا . انْتَهَى . ( إِنَّ ذَلِكَ ) : أَيْ يَحْصُلُ كُلُّ مَا ذُكِرَ فِي كِتَابٍ وَتَقْدِيرُهُ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=22عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) : أَيْ سَهْلٌ ، وَإِنْ كَانَ عَسِيرًا عَلَى الْعِبَادِ .
ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى الْحِكْمَةَ فِي إِعْلَامِنَا بِذَلِكَ الَّذِي فَعَلَهُ مِنْ تَقْدِيرِ ذَلِكَ وَسَبْقِ قَضَائِهِ بِهِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=23لِكَيْ لَا تَأْسَوْا ) : أَيْ تَحْزَنُوا ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=23عَلَى مَا فَاتَكُمْ ) ، لِأَنَّ الْعَبْدَ إِنْ أُعْلِمَ ذَلِكَ سَلِمَ ، وَعَلِمَ أَنَّ مَا فَاتَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ ، وَمَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ ، فَلِذَلِكَ لَا يَحْزَنُ عَلَى فَائِتٍ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَدَدِ أَنْ يُفَوِّتَهُ ، فَهَوَّنَ عَلَيْهِ أَمْرَ حَوَادِثِ الدُّنْيَا بِذَلِكَ ، إِذْ قَدْ وَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَى هَذِهِ الْعَقِيدَةِ . وَيَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=153لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ ) : أَنْ يُلْحِقَ الْحُزْنَ الشَّدِيدَ عَلَى مَا فَاتَ مِنَ الْخَيْرِ فَيَحْدُثَ عَنْهُ التَّسَخُّطُ وَعَدَمُ الرِّضَا بِالْمَقْدُورِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=23وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ) : أَنْ يَفْرَحَ الْفَرَحَ الْمُؤَدِّيَ إِلَى الْبَطَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=76لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ) ، فَإِنَّ الْحُزْنَ قَدْ يَنْشَأُ عَنْهُ الْبَطَرُ ، وَلِذَلِكَ خَتَمَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=23وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) . فَالْفَرَحُ بِمَا نَالَهُ مِنْ حُطَامِ الدُّنْيَا يَلْحَقُهُ فِي نَفْسِهِ الْخُيَلَاءُ وَالِافْتِخَارُ وَالتَّكَبُّرُ عَلَى النَّاسِ ، فَمِثْلُ هَذَا هُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ . وَأَمَّا الْحُزْنُ عَلَى مَا فَاتَ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَالْفَرَحُ بِنِعَمِ اللَّهِ وَالشُّكْرُ عَلَيْهَا وَالتَّوَاضُعُ فَهُوَ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : لَيْسَ أَحَدٌ إِلَّا يَحْزَنُ وَيَفْرَحُ ، وَلَكِنْ مَنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ فَجَعَلَهَا صَبْرًا ، وَمَنْ أَصَابَ خَيْرًا جَعَلَهُ شُكْرًا . انْتَهَى ، يَعْنِي هُوَ الْمَحْمُودُ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : فَإِنْ قُلْتَ : فَلَا أَحَدَ يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ مَضَرَّةٍ تَنْزِلُ بِهِ ، وَلَا عِنْدَ مَنْفَعَةٍ يَنَالُهَا أَنْ لَا يَحْزَنَ وَلَا يَفْرَحَ . قُلْتُ : الْمُرَادُ : الْحُزْنُ الْمُخْرِجُ إِلَى مَا يُذْهِلُ صَاحِبَهُ عَنِ الصَّبْرِ وَالتَّسْلِيمِ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَجَاءِ ثَوَابِ الصَّابِرِينَ ، وَالْفَرَحُ الْمُطْغِي الْمُلْهِي عَنِ الشُّكْرِ . فَأَمَّا الْحُزْنُ الَّذِي لَا يَكَادُ الْإِنْسَانُ يَخْلُو مِنْهُ مَعَ الِاسْتِسْلَامِ وَالسُّرُورِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ وَالِاعْتِدَادِ بِهَا مَعَ الشُّكْرِ ، فَلَا بَأْسَ بِهِ . انْتَهَى . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : بِمَا آتَاكُمْ : أَيْ أَعْطَاكُمْ ;
وَعَبْدُ اللَّهِ : أُوتِيتُمْ ، مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ : أَيْ أُعْطِيتُمْ ;
وَأَبُو عَمْرٍو : آتَاكُمْ : أَيْ جَاءَكُمْ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=24الَّذِينَ يَبْخَلُونَ ) : أَيْ هُمُ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ ، أَوْ يَكُونُ الَّذِينَ مُبْتَدَأً مَحْذُوفَ الْخَبَرِ عَلَى جِهَةِ
[ ص: 226 ] الْإِبْهَامِ تَقْدِيرُهُ : مَذْمُومُونَ ، أَوْ مَوْعُودُونَ بِالْعَذَابِ ، أَوْ مُسْتَغْنًى عَنْهُمْ ، أَوْ عَلَى إِضْمَارِ أَعْنِي فَهُوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ ، أَوْ فِي مَوْضِعِ نَصْبِ صِفَةٍ لِكُلِّ مُخْتَالٍ ، وَإِنْ كَانَ نَكِرَةً ، فَهُوَ مُخَصِّصٌ نَوْعًا مَا ، فَيَسُوغُ لِذَلِكَ وَصْفُهُ بِالْمَعْرِفَةِ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : هَذَا مَذْهَبُ
الْأَخْفَشِ . انْتَهَى .
عَظُمَتِ الدُّنْيَا فِي أَعْيُنِهِمْ ، فَبَخِلُوا أَنْ يُؤَدُّوا مِنْهَا حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَمَا كَفَاهُمْ ذَلِكَ حَتَّى أَمَرُوا النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَرَغَّبُوهُمْ فِي الْإِمْسَاكِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ أَمَرُوا النَّاسَ حَقِيقَةً . وَقِيلَ : كَانُوا قُدْوَةً فِيهِ ، فَكَأَنَّهُمْ يَأْمُرُونَ بِهِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=24وَمَنْ يَتَوَلَّ ) عَنْ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=24فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ ) ; وَقَرَأَ
نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ : بِإِسْقَاطِ هُوَ ، وَكَذَا فِي مَصَاحِفِ
الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ ، وَكِلْتَا الْقِرَاءَتَيْنِ مُتَوَاتِرَةٌ . فَمَنْ أَثْبَتَ هُوَ ، فَقَالَ
أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ : يَحْسُنُ أَنْ يَكُونَ فَصْلًا ، قَالَ : وَلَا يَحْسُنُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءً ، لِأَنَّ حَذْفَ الِابْتِدَاءِ غَيْرُ سَائِغٍ . انْتَهَى . يَعْنِي أَنَّهُ فِي الْقِرَاءَةِ الْأُخْرَى حُذِفَ ، وَلَوْ كَانَ مُبْتَدَأً لَمْ يَجُزْ حَذْفُهُ ، لِأَنَّكَ إِذَا قُلْتَ : إِنَّ زَيْدًا هُوَ الْفَاضِلُ ، فَأَعْرَبْتَ هُوَ مُبْتَدَأً ، لَمْ يَجُزْ حَذْفُهُ ، لِأَنَّ مَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِكَ الْفَاضِلُ صَالِحٌ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا لِأَنَّ ، فَلَا يَبْقَى دَلِيلٌ عَلَى حَذْفِ هُوَ الرَّابِطِ . وَنَظِيرُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=6الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ ) ، لَا يَجُوزُ حَذْفُ هُمْ ، لِأَنَّ مَا بَعْدَهُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ صِلَةً ، فَلَا يَبْقَى دَلِيلٌ عَلَى الْمَحْذُوفِ . وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ
أَبُو عَلِيٍّ لَيْسَ بِشَيْءٍ ، لِأَنَّهُ بَنَى ذَلِكَ عَلَى تَوَافُقِ الْقِرَاءَتَيْنِ وَتَرْكِيبِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ . أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَكُونُ قِرَاءَتَانِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا تَوْجِيهٌ يُخَالِفُ الْآخَرَ ، كَقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ : وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعْتُ . بِضَمِّ التَّاءِ ، وَالْقِرَاءَةُ الْأُخْرَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=36بِمَا وَضَعَتْ ) بِتَاءِ التَّأْنِيثِ فَضَمُّ التَّاءِ يَقْتَضِي أَنَّ الْجُمْلَةَ مِنْ كَلَامِ
أُمِّ مَرْيَمَ ، وَتَاءُ التَّأْنِيثِ تَقْتَضِي أَنَّهَا مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَهَذَا كَثِيرٌ فِي الْقِرَاءَاتِ الْمُتَوَاتِرَةِ . فَكَذَلِكَ هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُوَ مُبْتَدَأً فِي قِرَاءَةِ مَنْ أَثْبَتَهُ ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُرِدْ فِي الْقِرَاءَةِ الْأُخْرَى ، وَلِكُلٍّ مِنَ التَّرْكِيبَيْنِ فِي الْإِعْرَابِ حُكْمٌ يَخُصُّهُ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ ) : الظَّاهِرُ أَنَّ الرُّسُلَ هُنَا هُمْ مِنْ بَنِي آدَمَ ، وَالْبَيِّنَاتُ : الْحُجَجُ وَالْمُعْجِزَاتُ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ ) : " الْكِتَابَ " اسْمُ جِنْسٍ ، وَمَعَهُمْ حَالٌ مُقَدَّرَةٌ ، أَيْ وَأَنْزَلْنَا الْكِتَابَ صَائِرًا مَعَهُمْ ، أَيْ مُقَدِّرًا صُحْبَتَهُ لَهُمْ ، لِأَنَّ الرُّسُلَ مُنْزَلِينَ هُمْ وَالْكِتَابُ . وَلَمَّا أَشْكَلَ لَفْظُ مَعَهُمْ عَلَى الزَّمَخْشَرِيِّ ، فَسَّرَ الرُّسُلَ بِغَيْرِ مَا فَسَّرْنَاهُ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا ) ، يَعْنِي : الْمَلَائِكَةَ ، إِلَى الْأَنْبِيَاءِ بِالْحُجَجِ وَالْمُعْجِزَاتِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ ) : أَيِ الْوَحْيَ ، ( وَالْمِيزَانَ ) . وَرُوِيَ أَنَّ
جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَزَلَ بِالْمِيزَانِ ، فَدَفَعَهُ إِلَى
نُوحٍ وَقَالَ : مُرْ قَوْمَكَ يَزِنُوا بِهِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ ) ، قِيلَ : نَزَلَ
آدَمُ مِنَ الْجَنَّةِ وَمَعَهُ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ مِنْ حَدِيدٍ السِّنْدَانُ وَالْكَلْبَتَانِ وَالْمِيقَعَةُ وَالْمِطْرَقَةُ وَالْإِبْرَةُ . وَرُوِيَ : وَمَعَهُ الْمِسَنُّ وَالْمِسْحَاةُ . وَعَنِ النَّبِيِّ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ أَرْبَعَ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ، أَنْزَلَ الْحَدِيدَ وَالنَّارَ وَالْمَاءَ وَالْمِلْحَ . انْتَهَى . وَأَكْثَرُ الْمُتَأَوِّلِينَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمِيزَانِ : الْعَدْلُ ، فَقَالَ
ابْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُهُ : أَرَادَ بِالْمَوَازِينِ : الْمَعْرِفَةَ بَيْنَ النَّاسِ ، وَهَذَا جُزْءٌ مِنَ الْعَدْلِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ) : الظَّاهِرُ أَنَّهُ عِلَّةٌ لِإِنْزَالِ الْمِيزَانِ فَقَطْ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً لِإِنْزَالِ الْكِتَابِ وَالْمِيزَانِ مَعًا ، لِأَنَّ الْقِسْطَ هُوَ الْعَدْلُ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ مِنْ سَائِرِ التَّكَالِيفِ ، فَإِنَّهُ لَا يَجُورُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ، وَلِذَلِكَ جَاءَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=18شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ) .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ ) : عَبَّرَ عَنْ إِيجَادِهِ بِالْإِنْزَالِ ، كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=6وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ) . وَأَيْضًا فَإِنَّ الْأَوَامِرَ وَجَمِيعَ الْقَضَايَا وَالْأَحْكَامِ لَمَّا كَانَتْ تُلْقَى مِنَ السَّمَاءِ ، جُعِلَ الْكُلُّ نُزُولًا مِنْهَا ، قَالَهُ
ابْنُ عَطِيَّةَ . وَقَالَ الْجُمْهُورُ : أَرَادَ بِالْحَدِيدِ جِنْسَهُ مِنَ الْمَعَادِنِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : نَزَلَ آدَمُ مِنَ الْجَنَّةِ وَمَعَهُ السِّنْدَانِ وَالْكَلْبَتَانِ وَالْمِيقَعَةُ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ) : أَيِ السِّلَاحُ الَّذِي
[ ص: 227 ] يُبَاشَرُ بِهِ الْقِتَالُ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ) : فِي مَصَالِحِهِمْ وَمَعَايِشِهِمْ وَصَنَائِعِهِمْ ; فَمَا مِنْ صِنَاعَةٍ إِلَّا وَالْحَدِيدُ آلَةٌ فِيهَا . (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ ) عِلَّةٌ لِإِنْزَالِ الْكِتَابِ وَالْمِيزَانِ وَالْحَدِيدِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ ) بِالْحُجَجِ وَالْبَرَاهِينِ الْمُنْتَزَعَةِ مِنَ الْكِتَابِ الْمُنَزَّلِ ، وَبِإِقَامَةِ الْعَدْلِ ، وَبِمَا يُعْمَلُ مِنْ آلَةِ الْحَرْبِ لِلْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : أَيْ لِيَعْلَمَهُ مَوْجُودًا ، فَالتَّغَيُّرُ لَيْسَ فِي عِلْمِ اللَّهِ ، بَلْ فِي هَذَا الْحَدَثِ الَّذِي خَرَجَ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ . وَقَوْلُهُ : ( بِالْغَيْبِ ) مَعْنَاهُ : بِمَا سَمِعَ مِنَ الْأَوْصَافِ الْغَائِبَةِ عَنْهُ ، فَآمَنَ بِهَا لِقِيَامِ الْأَدِلَّةِ عَلَيْهَا .
وَلَمَّا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ ) ، ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُ غَنِيٌّ عَنْ نُصْرَتِهِ بِقُدْرَتِهِ وَعِزَّتِهِ ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا كَلَّفَهُمُ الْجِهَادَ لِمَنْفَعَةِ أَنْفُسِهِمْ ، وَتَحْصِيلِ مَا يَتَرَتَّبُ لَهُمْ مِنَ الثَّوَابِ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَيَتَرَتَّبُ مَعْنَى الْآيَةِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ بِأَنَّهُ أَرْسَلَ رُسُلَهُ ، وَأَنْزَلَ كُتُبًا وَعَدْلًا مَشْرُوعًا ، وَسِلَاحًا يُحَارَبُ بِهِ مَنْ عَانَدَ وَلَمْ يَهْتَدِ بِهَدْيِ اللَّهِ ، فَلَمْ يَبْقَ عُذْرٌ . وَفِي الْآيَةِ ، عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ ، حَثٌّ عَلَى الْقِتَالِ .