سورة الممتحنة مدنية وهي ثلاث عشرة آية
بسم الله الرحمن الرحيم
[ ص: 252 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=2إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=3لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعملون بصير nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=4قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=5ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=6لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=7عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=8لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=9إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون ) .
هذه السورة مدنية ، ونزلت بسبب
nindex.php?page=showalam&ids=195حاطب بن أبي بلتعة ، كان قد وجه كتابا ، مع امرأة إلى
أهل مكة يخبرهم بأن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، متوجه إليهم لغزوهم ; فأطلع الله رسوله ، صلى الله عليه وسلم ، على ذلك ، ووجه إلى المرأة من أخذ الكتاب منها ، والقصة مشهورة في كتب الحديث والسير .
ومناسبة هذه السورة لما قبلها : أنه لما ذكر فيما قبلها حالة المنافقين والكفار ، افتتح هذه بالنهي عن موالاة الكفار والتودد إليهم ، وأضاف في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1عدوي ) تغليظا ، لجرمهم وإعلاما بحلول عقاب الله بهم . والعدو ينطلق على الواحد وعلى الجمع ، و " أولياء " مفعول ثان لتتخذوا . (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1تلقون ) : بيان لموالاتهم ، فلا موضع له من الإعراب ، أو استئناف إخبار . وقال
الحوفي nindex.php?page=showalam&ids=14423والزمخشري : حال من الضمير في ( لا تتخذوا ) ، أو صفة لأولياء ، وهذا تقدمه إليه
الفراء ، قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1تلقون إليهم بالمودة ) من صلة ( أولياء ) . انتهى . وعندهم أن النكرة توصل ، وعند
البصريين لا توصل بل توصف ، والحال والصفة قيد وهم قد نهوا عن اتخاذهم أولياء مطلقا ، والتقييد يدل على أنه يجوز أن يتخذوا أولياء إذا لم يكونوا في حال إلقاء المودة ، أو إذا لم يكن الأولياء متصفين بهذا الوصف ، وقد قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ) ، فدل على أنه لا يقتصر على تلك الحال ولا ذلك الوصف . والأولياء عبارة عن الإفضاء بالمودة ، ومفعول (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1تلقون ) محذوف ، أي تلقون إليهم أخبار رسول الله ، صلى الله عليه وسلم وأسراره . والباء في (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1بالمودة ) للسبب ، أي بسبب المودة التي بينهم . وقال
الكوفيون : الباء زائدة ، كما قيل : في : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=195ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) : أي أيديكم . قال
الحوفي : وقال
البصريون هي متعلقة بالمصدر
[ ص: 253 ] الذي دل عليه الفعل ، وكذلك قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25بإلحاد بظلم ) : أي إرادته بإلحاد . انتهى . فعلى هذا يكون (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1بالمودة ) متعلقا بالمصدر ، أي إلقاؤهم بالمودة ، وهذا ليس بجيد ، لأن فيه حذف المصدر ، وهو موصول ، وحذف الخبر ، إذ إلقاؤهم مبتدأ وبما يتعلق به ، ( وقد كفروا ) جملة حالية ، وذو الحال الضمير في (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1تلقون ) : أي توادونهم ، وهذه حالهم ، وهي الكفر بالله ، ولا يناسب الكافر بالله أن يود . وأجاز
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري أن يكون حالا من فاعل ( لا تتخذوا ) .
وقرأ الجمهور : (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1بما جاءكم ) ،
والجحدري والمعلى عن عاصم : لما باللام مكان الباء ، أي لأجل ما جاءكم . (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1يخرجون الرسول ) : استئناف ، كالتفسير لكفرهم ، أو حال من ضمير ( كفروا ) ، ( وإياكم ) : معطوف على الرسول . وقدم على إياكم الرسول لشرفه ، ولأنه الأصل للمؤمنين به . ولو تقدم الضمير لكان جائزا في العربية ، خلافا لمن خص ذلك بالضرورة ، قال : لأنك قادر على أن تأتي به متصلا ، فلا تفصل إلا في الضرورة ، وهو محجوج بهذه الآية وبقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=131ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله ) ، وقدم الموصول هنا على المخاطبين للسبق في الزمان وبغير ذلك من كلام العرب . و (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1أن تؤمنوا ) مفعول من أجله ، أي يخرجون لإيمانكم أو كراهة إيمانكم ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1إن كنتم خرجتم ) : شرط جوابه محذوف لدلالة ما تقدم عليه ، وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1لا تتخذوا عدوي ) ، ونصب " جهادا وابتغاء " على المصدر في موضع الحال ، أي مجاهدين ومبتغين ، أو على أنه مفعول من أجله . ( تسرون ) : استئناف ، أي تسرون وقد علمتم أني أعلم الإخفاء والإعلان ، وأطلع الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، على ذلك ، فلا طائل في فعلكم هذا . وقال
ابن عطية : ( تسرون ) بدل من (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1تلقون ) . انتهى ، وهو شبيه ببدل الاشتمال ، لأن الإلقاء يكون سرا وجهرا ، فهو ينقسم إلى هذين النوعين . وأجاز أيضا أن يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره : أنتم تسرون . والظاهر أن ( أعلم ) أفعل تفضيل ، ولذلك عداه بالباء . وأجاز
ابن عطية أن يكون مضارعا عدي بالباء قال : لأنك تقول علمت بكذا . (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1وأنا أعلم ) : جملة حالية ، والضمير في (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1ومن يفعله منكم ) ، الظاهر أنه إلى أقرب مذكور ، أي ومن يفعل الإسرار . وقال
ابن عطية : يعود على الاتخاذ ، وانتصب سواء على المفعول به على تقدير تعدي ضل ، أو على الظرف على تقدير اللزوم ، والسواء : الوسط .
ولما نهى المؤمنين عن
nindex.php?page=treesubj&link=18272اتخاذ الكفار أولياء وشرح ما به الولاية من الإلقاء بالمودة بينهم ، وذكر ما صنع الكفار بهم أولا من إخراج الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، والمؤمنين ، ذكر صنيعهم آخرا لو قدروا عليه من أنه إن تمكنوا منكم تظهر عداوتهم لكم ، ويبسطوا أيديهم بالقتل والتعذيب وألسنتهم بالسب ; وودوا لو ارتددتم عن دينكم الذي هو أحب الأشياء إليكم ، وهو سبب إخراجهم إياكم . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : فإن قلت : كيف أورد جواب الشرط مضارعا مثله ، ثم قال (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=2وودوا ) بلفظ الماضي ؟ قلت : الماضي ، وإن كان يجرى في باب الشرط مجرى المضارع في علم الإعراب ، فإنه فيه نكتة كأنه قيل : وودوا قبل كل شيء كفركم وارتدادكم ، يعني أنهم يريدون أن يلحقوا بكم مضار الدنيا والدين جميعا . انتهى . وكأن
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري فهم من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=2وودوا ) أنه معطوف على جواب الشرط ، فجعل ذلك سؤالا وجوابا . والذي يظهر أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=2وودوا ) ليس على جواب الشرط ، لأن ودادتهم كفرهم ليست مترتبة على الظفر بهم والتسلط عليهم ، بل هم وادون كفرهم على كل حال ، سواء أظفروا بهم أم لم يظفروا ، وإنما هو معطوف على جملة الشرط والجزاء ، أخبر تعالى بخبرين : أحدهما اتضاح عداوتهم والبسط إليهم ما ذكر على تقدير الظفر بهم ، والآخر ودادتهم كفرهم ، لا على تقدير الظفر بهم .
ولما كان حاطب قد اعتذر بأن له
بمكة قرابة ، فكتب إلى أهلها بما كتب ليرعوه في قرابته ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=3nindex.php?page=treesubj&link=29031لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم ) : أي قراباتكم الذين توالون الكفار من أجلهم ، وتتقربون إليهم محاماة عليهم . ويوم معمول لينفعكم أو
[ ص: 254 ] لـ " يفصل " . وقرأ الجمهور ; ( يفصل ) بالياء مخففا مبنيا للمفعول . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=13723الأعرج وعيسى وابن عامر : كذلك إلا أنه مشدد ، والمرفوع ، إما ( بينكم ) ، وهو مبني على الفتح لإضافته إلى مبني ، وإما ضمير المصدر المفهوم من يفصل ، أي يفصل هو ، أي الفصل . وقرأ
عاصم والحسن nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش : يفصل بالياء مخففا مبنيا للفاعل ;
وحمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي وابن وثاب : مبنيا للفاعل بالياء مضمومة مشددا ;
وأبو حيوة nindex.php?page=showalam&ids=12356وابن أبي عبلة : كذلك إلا أنه بالنون مشددا ; وهما أيضا
nindex.php?page=showalam&ids=15948وزيد بن علي : بالنون مفتوحة مخففا مبنيا للفاعل ;
وأبو حيوة أيضا : بالنون مضمومة ، فهذا ثماني قراءات .
ولما نهى عن
nindex.php?page=treesubj&link=18272موالاة الكفار ، ذكر قصة
إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، وأن من سيرته التبرؤ من الكفار ليقتدوا به في ذلك ويتأسوا . وقرأ الجمهور : إسوة بكسر الهمزة ، وعاصم بضمها ، وهما لغتان . ( والذين معه ) ، قيل : من آمن به . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري وغيره : الأنبياء معاصروه ، أو كانوا قريبا من عصره ، لأنه لم يرو أنه كان له أتباع مؤمنون في مكافحته لهم
ولنمروذ . ألا تراه قال
لسارة حين رحل إلى
الشام مهاجرا من بلد
نمروذ : ما على الأرض من يعبد الله غيري وغيرك ؟ والتأسي
بإبراهيم عليه السلام هو في التبرؤ من الشرك ، وهو في كل ملة وبرسولنا عليه الصلاة والسلام على الإطلاق في العقائد وأحكام الشرع . وقرأ الجمهور ; (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=4برآء ) جمع بريء ، كظريف وظرفاء ;
وعيسى : براء جمع بريء أيضا ، كظريف وظراف ;
وأبو جعفر : بضم الباء ، كتؤام وظؤار ، وهم اسم جمع ، الواحد بريء وتوأم وظئر ، ورويت عن
عيسى . قال
أبو حاتم : زعموا أن
عيسى الهمداني رووا عنه براء على فعال ، كالذي في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=26إنني براء مما تعبدون ) في الزخرف ، وهو مصدر على فعال يوصف به المفرد والجمع . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وبراء على إبدال الضم من الكسر ، كرخال ورباب . انتهى . فالضمة في ذلك ليست بدلا من كسرة ، بل هي ضمة أصلية ، وهو قريب من أوزان أسماء الجموع ، وليس جمع تكسير ، فتكون الضمة بدلا من الكسرة ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=4إلا قول إبراهيم ) استثناء من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=6أسوة حسنة ) ، قاله
قتادة nindex.php?page=showalam&ids=14423والزمخشري . قال
مجاهد وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=16566وعطاء الخراساني وغيرهم : المعنى أن الأسوة لكم في هذا الوجه لا في الوجه الآخر ، لأنه كان لعلمه ليست في نازلتكم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : فإن قلت : فإن كان قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=4لأستغفرن لك ) مستثنى من القول الذي هو (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=6أسوة حسنة ) ، فما بال قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=4وما أملك لك من الله من شيء ) ، وهو غير حقيق بالاستثناء ، ألا ترى إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=11فمن يملك لكم من الله شيئا ) ؟ قلت : أراد استثناء جملة قوله لأبيه ، والقصد إلى موعد الاستغفار له وما بعده مبني عليه وتابع له ، كأنه قال : أنا أستغفر لك وما في طاقتي إلا الاستغفار . انتهى . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : أولا بعد أن ذكر أن الاستثناء هو من قوله : (
nindex.php?page=treesubj&link=29031أسوة حسنة ) في مقالات قال : لأنه أراد بالأسوة الحسنة ، فهو الذي حق عليهم أن يأتسوا به ويتخذوه سنة يستنون بها . انتهى . والذين يظهر أنه مستثنى من مضاف
لإبراهيم تقديره : أسوة حسنة في مقالات
إبراهيم ومحاوراته لقومه إلا قول
إبراهيم لأبيه (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=4nindex.php?page=treesubj&link=29031لأستغفرن لك ) ، فليس فيه أسوة حسنة ، فيكون على هذا استثناء متصلا . وأما أن يكون قول
إبراهيم مندرجا في أسوة حسنة ، لأن معنى الأسوة هو الاقتداء والتأسي ، فالقول ليس مندرجا تحته ، لكنه مندرج تحت مقالات
إبراهيم عليه السلام . وقال
ابن عطية : ويحتمل أن يكون الاستثناء من التبري والقطيعة التي ذكرت ، لم تبق جملة إلا كذا . انتهى . وقيل : هو استثناء منقطع المعنى ، لكن قول
إبراهيم لأبيه (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=4لأستغفرن لك ) ، فلا تأسوا به فيه فتستغفروا وتفدوا آباءكم الكفار بالاستغفار . (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=4ربنا عليك توكلنا ) وما بعده ، الظاهر أنه من تمام قول
إبراهيم متصلا بما قبل الاستثناء ، وهو من جملة ما يتأسى به فيه ، وفصل بينهما بالاستثناء اعتناء بالاستثناء ولقربه من المستثنى منه ، ويجوز أن يكون أمرا من الله للمؤمنين ، أي قولوا ربنا عليك
[ ص: 255 ] توكلنا ، علمهم بذلك قطع العلائق التي بينهم وبين الكفار .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=5nindex.php?page=treesubj&link=29031ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا ) ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : لا تسلطهم علينا فيسبونا ويعذبونا . وقال
مجاهد : لا تعذبنا بأيديهم أو بعذاب من عندك ، فيظنوا أنهم محقون وأنا مبطلون ، فيفتنوا لذلك . وقال قريبا منه
قتادة وأبو مجلز ، وقول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أرجح لأنه دعاء لأنفسهم ، وعلى قول غيره دعاء للكافرين ، والضمير في فيهم عائد على
إبراهيم والذين معه ، وكررت الأسوة تأكيدا ، وأكد ذلك بالقسم أيضا ، ولمن يرجو بدل من ضمير الخطاب ، بدل بعض من كل .
وروي أنه لما نزلت هذه الآية ، عزم المسلمون على إظهار عداوات أقربائهم الكفار ، ولحقهم هم لكونهم لم يؤمنوا حتى يتوادوا ، فنزل ( عسى الله ) الآية مؤنسة ومرجئة ، فأسلم الجميع عام الفتح وصاروا إخوانا . ومن ذكر أن هذه المودة هي تزويج النبي ، صلى الله عليه وسلم ،
nindex.php?page=showalam&ids=10583أم حبيبة بنت أبي سفيان ، وأنها كانت بعد الفتح فقد أخطأ ، لأن تزويجها كان وقت هجرة
الحبشة ، وهذه الآيات سنة ست من الهجرة ، ولا يصح ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس إلا أن يسوقه مثالا ، وإن كان متقدما لهذه الآية ، لأنه استمر بعد الفتح كسائر ما نشأ من المودات ، قاله
ابن عطية . وعسى من الله تعالى واجبة الوقوع ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=7والله قدير ) على تقليب القلوب وتيسير العسير ، ( والله غفور ) لمن أسلم من المشركين .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=8nindex.php?page=treesubj&link=29031لا ينهاكم الله ) الآية ، قال
مجاهد : نزلت في قوم
بمكة آمنوا ولم يهاجروا ، فكانوا في رتبة سوء لتركهم فرض الهجرة . وقيل : في مؤمنين من
أهل مكة وغيرها تركوا الهجرة . وقال
الحسن وأبو صالح : في
خزاعة وبني الحارث بن كعب وكنانة ومزينة وقبائل من العرب ، كانوا مظاهرين للرسول محبين فيه وفي ظهوره . وقيل : فيمن لم يقاتل ولا أخرج ولا أظهر سوءا من كفار قريش . وقال
قرة الهمداني nindex.php?page=showalam&ids=16574وعطية العوفي : في قوم من
بني هاشم منهم
العباس . وقال
عبد الله بن الزبير : في النساء والصبيان من الكفرة . وقال
النحاس والثعلبي : أراد المستضعفين من المؤمنين الذين لم يستطيعوا الهجرة . وقيل : قدمت على
nindex.php?page=showalam&ids=64أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنه أمها
نفيلة بنت عبد العزى ، وهي مشركة ، بهدايا ، فلم تقبلها ولم تأذن لها بالدخول ، فنزلت الآية ، فأمرها رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، أن تدخلها منزلها وتقبل منها وتكفيها وتحسن إليها . قال
ابن عطية : وكانت المرأة فيما روي خالتها فسمتها أما ; وفي التحرير : أن
nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه طلق امرأته
نفيلة في الجاهلية ، وهي
أم أسماء بنت أبي بكر ، فقدمت في المدة التي فيها الهدنة وأهدت إلى أسماء قرطا وأشياء ، فكرهت أن تقبل منها ، فنزلت الآية . و (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=8أن تبروهم ) ، و (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=9أن تولوهم ) بدلان مما قبلهما ، بدل اشتمال .
سُورَةُ الْمُمْتَحَنَةِ مَدَنِيَّةٌ وَهِيَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ آيَةً
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
[ ص: 252 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=2إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=3لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=4قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=5رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=6لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=7عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=8لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=9إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) .
هَذِهِ السُّورَةُ مَدَنِيَّةٌ ، وَنَزَلَتْ بِسَبَبِ
nindex.php?page=showalam&ids=195حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ ، كَانَ قَدْ وَجَّهَ كِتَابًا ، مَعَ امْرَأَةٍ إِلَى
أَهْلِ مَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مُتَوَجِّهٌ إِلَيْهِمْ لِغَزْوِهِمْ ; فَأَطْلَعَ اللَّهُ رَسُولَهُ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، عَلَى ذَلِكَ ، وَوَجَّهَ إِلَى الْمَرْأَةِ مَنْ أَخَذَ الْكِتَابَ مِنْهَا ، وَالْقِصَّةُ مَشْهُورَةٌ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالسِّيَرِ .
وَمُنَاسَبَةُ هَذِهِ السُّورَةِ لِمَا قَبْلَهَا : أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ فِيمَا قَبْلَهَا حَالَةَ الْمُنَافِقِينَ وَالْكُفَّارِ ، افْتَتَحَ هَذِهِ بِالنَّهْيِ عَنْ مُوَالَاةِ الْكُفَّارِ وَالتَّوَدُّدِ إِلَيْهِمْ ، وَأَضَافَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1عَدُوِّي ) تَغْلِيظًا ، لِجُرْمِهِمْ وَإِعْلَامًا بِحُلُولِ عِقَابِ اللَّهِ بِهِمْ . وَالْعَدُوُّ يَنْطَلِقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَعَلَى الْجَمْعِ ، وَ " أَوْلِيَاءَ " مَفْعُولٌ ثَانٍ لِتَتَّخِذُوا . (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1تُلْقُونَ ) : بَيَانٌ لِمُوَالَاتِهِمْ ، فَلَا مَوْضِعَ لَهُ مِنَ الْإِعْرَابِ ، أَوِ اسْتِئْنَافُ إِخْبَارٍ . وَقَالَ
الْحَوْفِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=14423وَالزَّمَخْشَرِيُّ : حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي ( لَا تَتَّخِذُوا ) ، أَوْ صِفَةٌ لِأَوْلِيَاءَ ، وَهَذَا تَقَدَّمَهُ إِلَيْهِ
الْفَرَّاءُ ، قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ ) مِنْ صِلَةِ ( أَوْلِيَاءَ ) . انْتَهَى . وَعِنْدَهُمْ أَنَّ النَّكِرَةَ تُوصَلُ ، وَعِنْدَ
الْبَصْرِيِّينَ لَا تُوصَلُ بَلْ تُوصَفُ ، وَالْحَالُ وَالصِّفَةُ قَيْدٌ وَهُمْ قَدْ نُهُوا عَنِ اتِّخَاذِهِمْ أَوْلِيَاءَ مُطْلَقًا ، وَالتَّقْيِيدُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَّخِذُوا أَوْلِيَاءَ إِذَا لَمْ يَكُونُوا فِي حَالِ إِلْقَاءِ الْمَوَدَّةِ ، أَوْ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْأَوْلِيَاءُ مُتَّصِفِينَ بِهَذَا الْوَصْفِ ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ ) ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ وَلَا ذَلِكَ الْوَصْفِ . وَالْأَوْلِيَاءُ عِبَارَةٌ عَنِ الْإِفْضَاءِ بِالْمَوَدَّةِ ، وَمَفْعُولُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1تُلْقُونَ ) مَحْذُوفٌ ، أَيْ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ أَخْبَارَ رَسُولِ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسْرَارَهُ . وَالْبَاءُ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1بِالْمَوَدَّةِ ) لِلسَّبَبِ ، أَيْ بِسَبَبِ الْمَوَدَّةِ الَّتِي بَيْنَهُمْ . وَقَالَ
الْكُوفِيُّونَ : الْبَاءُ زَائِدَةٌ ، كَمَا قِيلَ : فِي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=195وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) : أَيْ أَيْدِيكُمْ . قَالَ
الْحَوْفِيُّ : وَقَالَ
الْبَصْرِيُّونَ هِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَصْدَرِ
[ ص: 253 ] الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْفِعْلُ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ) : أَيْ إِرَادَتُهُ بِإِلْحَادٍ . انْتَهَى . فَعَلَى هَذَا يَكُونُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1بِالْمَوَدَّةِ ) مُتَعَلِّقًا بِالْمَصْدَرِ ، أَيْ إِلْقَاؤُهُمْ بِالْمَوَدَّةِ ، وَهَذَا لَيْسَ بِجَيِّدٍ ، لِأَنَّ فِيهِ حَذْفَ الْمَصْدَرِ ، وَهُوَ مَوْصُولٌ ، وَحَذْفَ الْخَبَرِ ، إِذْ إِلْقَاؤُهُمْ مُبْتَدَأٌ وَبِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ، ( وَقَدْ كَفَرُوا ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ ، وَذُو الْحَالِ الضَّمِيرُ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1تُلْقُونَ ) : أَيْ تَوَادُّونَهُمْ ، وَهَذِهِ حَالُهُمْ ، وَهِيَ الْكُفْرُ بِاللَّهِ ، وَلَا يُنَاسِبُ الْكَافِرَ بِاللَّهِ أَنْ يُوَدَّ . وَأَجَازَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ فَاعِلٍ ( لَا تَتَّخِذُوا ) .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1بِمَا جَاءَكُمْ ) ،
وَالْجَحْدَرِيُّ وَالْمُعَلَّى عَنْ عَاصِمٍ : لِمَا بِاللَّامِ مَكَانَ الْبَاءِ ، أَيْ لِأَجْلِ مَا جَاءَكُمْ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ ) : اسْتِئْنَافٌ ، كَالتَّفْسِيرِ لِكُفْرِهِمْ ، أَوْ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ ( كَفَرُوا ) ، ( وَإِيَّاكُمْ ) : مَعْطُوفٌ عَلَى الرَّسُولِ . وَقَدَّمَ عَلَى إِيَّاكُمُ الرَّسُولَ لِشَرَفِهِ ، وَلِأَنَّهُ الْأَصْلُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ . وَلَوْ تَقَدَّمَ الضَّمِيرُ لَكَانَ جَائِزًا فِي الْعَرَبِيَّةِ ، خِلَافًا لِمَنْ خَصَّ ذَلِكَ بِالضَّرُورَةِ ، قَالَ : لِأَنَّكَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ تَأْتِيَ بِهِ مُتَّصِلًا ، فَلَا تُفْصَلُ إِلَّا فِي الضَّرُورَةِ ، وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=131وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ) ، وَقَدَّمَ الْمَوْصُولَ هُنَا عَلَى الْمُخَاطَبِينَ لِلسَّبْقِ فِي الزَّمَانِ وَبِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ . وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1أَنْ تُؤْمِنُوا ) مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ ، أَيْ يُخْرِجُونَ لِإِيمَانِكُمْ أَوْ كَرَاهَةَ إِيمَانِكُمْ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ ) : شَرْطٌ جَوَابُهُ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ مَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي ) ، وَنُصِبَ " جِهَادًا وَابْتِغَاءَ " عَلَى الْمَصْدَرِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ ، أَيْ مُجَاهِدِينَ وَمُبْتَغِينَ ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ . ( تُسِرُّونَ ) : اسْتِئْنَافٌ ، أَيْ تُسِرُّونَ وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَعْلَمُ الْإِخْفَاءَ وَالْإِعْلَانَ ، وَأُطْلِعُ الرَّسُولَ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، عَلَى ذَلِكَ ، فَلَا طَائِلَ فِي فِعْلِكُمْ هَذَا . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : ( تُسِرُّونَ ) بَدَلٌ مِنْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1تُلْقُونَ ) . انْتَهَى ، وَهُوَ شَبِيهٌ بِبَدَلِ الِاشْتِمَالِ ، لِأَنَّ الْإِلْقَاءَ يَكُونُ سِرًّا وَجَهْرًا ، فَهُوَ يَنْقَسِمُ إِلَى هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ . وَأَجَازَ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ : أَنْتُمْ تُسِرُّونَ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ ( أَعْلَمُ ) أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ ، وَلِذَلِكَ عَدَّاهُ بِالْبَاءِ . وَأَجَازَ
ابْنُ عَطِيَّةَ أَنْ يَكُونَ مُضَارِعًا عُدِّيَ بِالْبَاءِ قَالَ : لِأَنَّكَ تَقُولُ عَلِمْتُ بِكَذَا . (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1وَأَنَا أَعْلَمُ ) : جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ ، وَالضَّمِيرُ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ ) ، الظَّاهِرُ أَنَّهُ إِلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ ، أَيْ وَمَنْ يَفْعَلِ الْإِسْرَارَ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : يَعُودُ عَلَى الِاتِّخَاذِ ، وَانْتَصَبَ سَوَاءَ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ عَلَى تَقْدِيرِ تَعَدِّي ضَلَّ ، أَوْ عَلَى الظَّرْفِ عَلَى تَقْدِيرِ اللُّزُومِ ، وَالسَّوَاءُ : الْوَسَطُ .
وَلَمَّا نَهَى الْمُؤْمِنِينَ عَنِ
nindex.php?page=treesubj&link=18272اتِّخَاذِ الْكُفَّارِ أَوْلِيَاءَ وَشَرَحَ مَا بِهِ الْوِلَايَةُ مِنَ الْإِلْقَاءِ بِالْمَوَدَّةِ بَيْنَهُمْ ، وَذَكَرَ مَا صَنَعَ الْكُفَّارُ بِهِمْ أَوَّلًا مِنْ إِخْرَاجِ الرَّسُولِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالْمُؤْمِنِينَ ، ذَكَرَ صَنِيعَهُمْ آخِرًا لَوْ قَدَرُوا عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ إِنْ تَمَكَّنُوا مِنْكُمْ تَظْهَرْ عَدَاوَتُهُمْ لَكُمْ ، وَيَبْسُطُوا أَيْدِيَهُمْ بِالْقَتْلِ وَالتَّعْذِيبِ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسَّبِّ ; وَوَدُّوا لَوِ ارْتَدَدْتُمْ عَنْ دِينِكُمُ الَّذِي هُوَ أَحَبُّ الْأَشْيَاءِ إِلَيْكُمْ ، وَهُوَ سَبَبُ إِخْرَاجِهِمْ إِيَّاكُمْ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : فَإِنْ قُلْتَ : كَيْفَ أَوْرَدَ جَوَابَ الشَّرْطِ مُضَارِعًا مِثْلَهُ ، ثُمَّ قَالَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=2وَوَدُّوا ) بِلَفْظِ الْمَاضِي ؟ قُلْتُ : الْمَاضِي ، وَإِنْ كَانَ يُجْرَى فِي بَابِ الشَّرْطِ مُجْرَى الْمُضَارِعِ فِي عِلْمِ الْإِعْرَابِ ، فَإِنَّهُ فِيهِ نُكْتَةٌ كَأَنَّهُ قِيلَ : وَوَدُّوا قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ كُفْرَكُمْ وَارْتِدَادَكُمْ ، يَعْنِي أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُلْحِقُوا بِكُمْ مَضَارَّ الدُّنْيَا وَالدِّينِ جَمِيعًا . انْتَهَى . وَكَأَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيَّ فَهِمَ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=2وَوَدُّوا ) أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى جَوَابِ الشَّرْطِ ، فَجَعَلَ ذَلِكَ سُؤَالًا وَجَوَابًا . وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=2وَوَدُّوا ) لَيْسَ عَلَى جَوَابِ الشَّرْطِ ، لِأَنَّ وِدَادَتَهُمْ كُفْرَهُمْ لَيْسَتْ مُتَرَتِّبَةً عَلَى الظَّفَرِ بِهِمْ وَالتَّسَلُّطِ عَلَيْهِمْ ، بَلْ هُمْ وَادُّونَ كُفْرَهُمْ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، سَوَاءٌ أَظَفِرُوا بِهِمْ أَمْ لَمْ يَظْفَرُوا ، وَإِنَّمَا هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى جُمْلَةِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ ، أَخْبَرَ تَعَالَى بِخَبَرَيْنِ : أَحَدُهُمَا اتِّضَاحُ عَدَاوَتِهِمْ وَالْبَسْطُ إِلَيْهِمْ مَا ذَكَرَ عَلَى تَقْدِيرِ الظَّفَرِ بِهِمْ ، وَالْآخَرُ وِدَادَتُهُمْ كُفْرَهُمْ ، لَا عَلَى تَقْدِيرِ الظَّفَرِ بِهِمْ .
وَلَمَّا كَانَ حَاطِبٌ قَدِ اعْتَذَرَ بِأَنَّ لَهُ
بِمَكَّةَ قَرَابَةً ، فَكَتَبَ إِلَى أَهْلِهَا بِمَا كَتَبَ لِيَرْعَوْهُ فِي قَرَابَتِهِ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=3nindex.php?page=treesubj&link=29031لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ ) : أَيْ قَرَابَاتُكُمُ الَّذِينَ تُوَالُونَ الْكُفَّارَ مِنْ أَجْلِهِمْ ، وَتَتَقَرَّبُونَ إِلَيْهِمْ مُحَامَاةً عَلَيْهِمْ . وَيَوْمَ مَعْمُولٌ لِيَنْفَعَكُمْ أَوْ
[ ص: 254 ] لِـ " يَفْصِلُ " . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ ; ( يَفْصِلُ ) بِالْيَاءِ مُخَفَّفًا مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=13723الْأَعْرَجُ وَعِيسَى وَابْنُ عَامِرٍ : كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ مُشَدَّدٌ ، وَالْمَرْفُوعُ ، إِمَّا ( بَيْنَكُمْ ) ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ لِإِضَافَتِهِ إِلَى مَبْنِيٍّ ، وَإِمَّا ضَمِيرُ الْمَصْدَرِ الْمَفْهُومِ مِنْ يَفْصِلُ ، أَيْ يَفْصِلُ هُوَ ، أَيِ الْفَصْلُ . وَقَرَأَ
عَاصِمٌ وَالْحَسَنُ nindex.php?page=showalam&ids=13726وَالْأَعْمَشُ : يَفْصِلُ بِالْيَاءِ مُخَفَّفًا مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ ;
وَحَمْزَةُ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ وَابْنُ وَثَّابٍ : مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ بِالْيَاءِ مَضْمُومَةً مُشَدَّدًا ;
وَأَبُو حَيْوَةَ nindex.php?page=showalam&ids=12356وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ : كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ بِالنُّونِ مُشَدَّدًا ; وَهُمَا أَيْضًا
nindex.php?page=showalam&ids=15948وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ : بِالنُّونِ مَفْتُوحَةً مُخَفَّفًا مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ ;
وَأَبُو حَيْوَةَ أَيْضًا : بِالنُّونِ مَضْمُومَةً ، فَهَذَا ثَمَانِي قِرَاءَاتٍ .
وَلَمَّا نَهَى عَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=18272مُوَالَاةِ الْكُفَّارِ ، ذَكَرَ قِصَّةَ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، وَأَنَّ مِنْ سِيرَتِهِ التَّبَرُّؤَ مِنَ الْكُفَّارِ لِيَقْتَدُوا بِهِ فِي ذَلِكَ وَيَتَأَسَّوْا . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : إِسْوَةً بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ ، وَعَاصِمٌ بِضَمِّهَا ، وَهُمَا لُغَتَانِ . ( وَالَّذِينَ مَعَهُ ) ، قِيلَ : مَنْ آمَنَ بِهِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ : الْأَنْبِيَاءُ مُعَاصِرُوهُ ، أَوْ كَانُوا قَرِيبًا مِنْ عَصْرِهِ ، لِأَنَّهُ لَمْ يُرْوَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ أَتْبَاعٌ مُؤْمِنُونَ فِي مُكَافَحَتِهِ لَهُمْ
وَلِنُمْرُوذٍ . أَلَا تَرَاهُ قَالَ
لِسَارَّةَ حِينَ رَحَلَ إِلَى
الشَّامِ مُهَاجِرًا مِنْ بَلَدِ
نُمْرُوذٍ : مَا عَلَى الْأَرْضِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ غَيْرِي وَغَيْرُكِ ؟ وَالتَّأَسِّي
بِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ هُوَ فِي التَّبَرُّؤِ مِنَ الشِّرْكِ ، وَهُوَ فِي كُلِّ مِلَّةٍ وَبِرَسُولِنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي الْعَقَائِدِ وَأَحْكَامِ الشَّرْعِ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ ; (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=4بُرَآءُ ) جَمْعَ بَرِيءٍ ، كَظَرِيفٍ وَظُرَفَاءَ ;
وَعِيسَى : بَرَاءٌ جَمْعَ بَرِيءٍ أَيْضًا ، كَظَرِيفٍ وَظِرَافٍ ;
وَأَبُو جَعْفَرٍ : بِضَمِّ الْبَاءِ ، كَتُؤَامٍ وَظُؤَارٍ ، وَهُمُ اسْمُ جَمْعٍ ، الْوَاحِدُ بَرِيءٌ وَتَوْأَمٌ وَظِئْرٌ ، وَرُوِيَتْ عَنْ
عِيسَى . قَالَ
أَبُو حَاتِمٍ : زَعَمُوا أَنَّ
عِيسَى الْهَمْدَانِيَّ رَوَوْا عَنْهُ بَرَاءٌ عَلَى فَعَالٍ ، كَالَّذِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=26إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ ) فِي الزُّخْرُفِ ، وَهُوَ مَصْدَرٌ عَلَى فَعَالٍ يُوصَفُ بِهِ الْمُفْرَدُ وَالْجَمْعُ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَبُرَاءٌ عَلَى إِبْدَالِ الضَّمِّ مِنَ الْكَسْرِ ، كَرُخَالٍ وَرُبَابٍ . انْتَهَى . فَالضَّمَّةُ فِي ذَلِكَ لَيْسَتْ بَدَلًا مِنْ كَسْرَةٍ ، بَلْ هِيَ ضَمَّةٌ أَصْلِيَّةٌ ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ أَوْزَانِ أَسْمَاءِ الْجُمُوعِ ، وَلَيْسَ جَمْعَ تَكْسِيرٍ ، فَتَكُونُ الضَّمَّةُ بَدَلًا مِنَ الْكَسْرَةِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=4إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=6أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) ، قَالَهُ
قَتَادَةُ nindex.php?page=showalam&ids=14423وَالزَّمَخْشَرِيُّ . قَالَ
مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ nindex.php?page=showalam&ids=16566وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ : الْمَعْنَى أَنَّ الْأُسْوَةَ لَكُمْ فِي هَذَا الْوَجْهِ لَا فِي الْوَجْهِ الْآخَرِ ، لِأَنَّهُ كَانَ لِعِلْمِهِ لَيْسَتْ فِي نَازِلَتِكُمْ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : فَإِنْ قُلْتَ : فَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=4لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ ) مُسْتَثْنًى مِنَ الْقَوْلِ الَّذِي هُوَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=6أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) ، فَمَا بَالُ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=4وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ) ، وَهُوَ غَيْرُ حَقِيقٍ بِالِاسْتِثْنَاءِ ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=11فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ) ؟ قُلْتُ : أَرَادَ اسْتِثْنَاءَ جُمْلَةِ قَوْلِهِ لِأَبِيهِ ، وَالْقَصْدُ إِلَى مَوْعِدِ الِاسْتِغْفَارِ لَهُ وَمَا بَعْدَهُ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ وَتَابِعٌ لَهُ ، كَأَنَّهُ قَالَ : أَنَا أَسْتَغْفِرُ لَكَ وَمَا فِي طَاقَتِي إِلَّا الِاسْتِغْفَارُ . انْتَهَى . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : أَوَّلًا بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ هُوَ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=treesubj&link=29031أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) فِي مَقَالَاتٍ قَالَ : لِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْأُسْوَةِ الْحَسَنَةِ ، فَهُوَ الَّذِي حَقَّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَأْتَسُوا بِهِ وَيَتَّخِذُوهُ سُنَّةً يَسْتَنُّونَ بِهَا . انْتَهَى . وَالَّذِينَ يَظْهَرُ أَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ مُضَافٍ
لِإِبْرَاهِيمَ تَقْدِيرُهُ : أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي مَقَالَاتِ
إِبْرَاهِيمَ وَمُحَاوَرَاتِهِ لِقَوْمِهِ إِلَّا قَوْلَ
إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=4nindex.php?page=treesubj&link=29031لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ ) ، فَلَيْسَ فِيهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ، فَيَكُونُ عَلَى هَذَا اسْتِثْنَاءً مُتَّصِلًا . وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ قَوْلُ
إِبْرَاهِيمَ مُنْدَرِجًا فِي أُسْوَةٍ حَسَنَةٍ ، لِأَنَّ مَعْنَى الْأُسْوَةِ هُوَ الِاقْتِدَاءُ وَالتَّأَسِّي ، فَالْقَوْلُ لَيْسَ مُنْدَرِجًا تَحْتَهُ ، لَكِنَّهُ مُنْدَرِجٌ تَحْتَ مَقَالَاتِ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنَ التَّبَرِّي وَالْقَطِيعَةِ الَّتِي ذُكِرَتْ ، لَمْ تَبْقَ جُمْلَةٌ إِلَّا كَذَا . انْتَهَى . وَقِيلَ : هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعُ الْمَعْنَى ، لَكِنَّ قَوْلَ
إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=4لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ ) ، فَلَا تَأَسَّوْا بِهِ فِيهِ فَتَسْتَغْفِرُوا وَتُفْدُوا آبَاءَكُمُ الْكُفَّارَ بِالِاسْتِغْفَارِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=4رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا ) وَمَا بَعْدَهُ ، الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ تَمَامِ قَوْلِ
إِبْرَاهِيمَ مُتَّصِلًا بِمَا قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ ، وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يُتَأَسَّى بِهِ فِيهِ ، وَفَصَلَ بَيْنَهُمَا بِالِاسْتِثْنَاءِ اعْتِنَاءً بِالِاسْتِثْنَاءِ وَلِقُرْبِهِ مِنَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا مِنَ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ ، أَيْ قُولُوا رَبَّنَا عَلَيْكَ
[ ص: 255 ] تَوَكَّلْنَا ، عَلَّمَهُمْ بِذَلِكَ قَطْعَ الْعَلَائِقِ الَّتِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْكُفَّارِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=5nindex.php?page=treesubj&link=29031رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا ) ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : لَا تُسَلِّطْهُمْ عَلَيْنَا فَيَسُبُّونَا وَيُعَذِّبُونَا . وَقَالَ
مُجَاهِدٌ : لَا تُعَذِّبُنَا بِأَيْدِيهِمْ أَوْ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِكَ ، فَيَظُنُّوا أَنَّهُمْ مُحِقُّونَ وَأَنَّا مُبْطِلُونَ ، فَيُفْتَنُوا لِذَلِكَ . وَقَالَ قَرِيبًا مِنْهُ
قَتَادَةُ وَأَبُو مِجْلَزٍ ، وَقَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَرْجَحُ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ لِأَنْفُسِهِمْ ، وَعَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ دُعَاءٌ لِلْكَافِرِينَ ، وَالضَّمِيرُ فِي فِيهِمْ عَائِدٌ عَلَى
إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ ، وَكُرِّرَتِ الْأُسْوَةُ تَأْكِيدًا ، وَأُكِّدَ ذَلِكَ بِالْقَسَمِ أَيْضًا ، وَلِمَنْ يَرْجُو بَدَلٌ مِنْ ضَمِيرِ الْخِطَابِ ، بَدَلُ بَعْضِ مِنْ كُلٍّ .
وَرُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ، عَزَمَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى إِظْهَارِ عَدَاوَاتِ أَقْرِبَائِهِمُ الْكُفَّارِ ، وَلَحِقَهُمْ هَمٌّ لِكَوْنِهِمْ لَمْ يُؤْمِنُوا حَتَّى يَتَوَادُّوا ، فَنَزَلَ ( عَسَى اللَّهُ ) الْآيَةَ مُؤْنِسَةً وَمُرْجِئَةً ، فَأَسْلَمَ الْجَمِيعُ عَامَ الْفَتْحِ وَصَارُوا إِخْوَانًا . وَمَنْ ذَكَرَ أَنَّ هَذِهِ الْمَوَدَّةَ هِيَ تَزْوِيجُ النَّبِيِّ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=10583أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ ، وَأَنَّهَا كَانَتْ بَعْدَ الْفَتْحِ فَقَدْ أَخْطَأَ ، لِأَنَّ تَزْوِيجَهَا كَانَ وَقْتَ هِجْرَةِ
الْحَبَشَةِ ، وَهَذِهِ الْآيَاتُ سَنَةَ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ ، وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَّا أَنْ يَسُوقَهُ مِثَالًا ، وَإِنْ كَانَ مُتَقَدِّمًا لِهَذِهِ الْآيَةِ ، لِأَنَّهُ اسْتَمَرَّ بَعْدَ الْفَتْحِ كَسَائِرِ مَا نَشَأَ مِنَ الْمَوَدَّاتِ ، قَالَهُ
ابْنُ عَطِيَّةَ . وَعَسَى مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَاجِبَةُ الْوُقُوعِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=7وَاللَّهُ قَدِيرٌ ) عَلَى تَقْلِيبِ الْقُلُوبِ وَتَيْسِيرِ الْعَسِيرِ ، ( وَاللَّهُ غَفُورٌ ) لِمَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=8nindex.php?page=treesubj&link=29031لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ ) الْآيَةَ ، قَالَ
مُجَاهِدٌ : نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ
بِمَكَّةَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا ، فَكَانُوا فِي رُتْبَةِ سُوءٍ لِتَرْكِهِمْ فَرْضَ الْهِجْرَةِ . وَقِيلَ : فِي مُؤْمِنِينَ مِنْ
أَهْلِ مَكَّةَ وَغَيْرِهَا تَرَكُوا الْهِجْرَةَ . وَقَالَ
الْحَسَنُ وَأَبُو صَالِحٍ : فِي
خُزَاعَةَ وَبَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ وَكِنَانَةَ وَمُزَيْنَةَ وَقَبَائِلَ مِنَ الْعَرَبِ ، كَانُوا مُظَاهِرِينَ لِلرَّسُولِ مُحِبِّينَ فِيهِ وَفِي ظُهُورِهِ . وَقِيلَ : فِيمَنْ لَمْ يُقَاتِلْ وَلَا أَخْرَجَ وَلَا أَظْهَرَ سُوءًا مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ . وَقَالَ
قُرَّةُ الْهَمْدَانِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=16574وَعَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ : فِي قَوْمٍ مِنْ
بَنِي هَاشِمٍ مِنْهُمُ
الْعَبَّاسُ . وَقَالَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ : فِي النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ مِنَ الْكَفَرَةِ . وَقَالَ
النَّحَّاسُ وَالثَّعْلَبِيُّ : أَرَادَ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لَمْ يَسْتَطِيعُوا الْهِجْرَةَ . وَقِيلَ : قَدِمَتْ عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=64أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أُمُّهَا
نُفَيْلَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْعُزَّى ، وَهِيَ مُشْرِكَةٌ ، بِهَدَايَا ، فَلَمْ تَقْبَلْهَا وَلَمْ تَأْذَنْ لَهَا بِالدُّخُولِ ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ ، فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنْ تُدْخِلَهَا مَنْزِلَهَا وَتَقْبَلَ مِنْهَا وَتَكْفِيَهَا وَتُحْسِنَ إِلَيْهَا . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ فِيمَا رُوِيَ خَالَتَهَا فَسَمَّتْهَا أُمًّا ; وَفِي التَّحْرِيرِ : أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ
نُفَيْلَةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَهِيَ
أُمُّ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ ، فَقَدِمَتْ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي فِيهَا الْهُدْنَةُ وَأَهْدَتْ إِلَى أَسْمَاءَ قُرْطًا وَأَشْيَاءَ ، فَكَرِهَتْ أَنْ تَقْبَلَ مِنْهَا ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ . وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=8أَنْ تَبَرُّوهُمْ ) ، وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=9أَنْ تَوَلَّوْهُمْ ) بَدَلَانِ مِمَّا قَبْلَهُمَا ، بَدَلُ اشْتِمَالٍ .