بئس مثل القوم    . قال  الزمخشري    : بئس مثلا مثل القوم . انتهى . فخرجه على أن يكون التمييز محذوفا ، وفي ( بئس ) ضمير يفسره ( مثلا ) الذي ادعى حذفه . وقد نص  سيبويه  على أن التمييز الذي يفسره الضمير المستكن في ( نعم وبئس ) وما أجري مجراهما لا يجوز حذفه . وقال ابن عطية    : والتقدير : بئس المثل مثل القوم . انتهى . وهذا ليس بشيء ; لأن فيه حذف الفاعل ، وهو لا يجوز . والظاهر أن مثل القوم فاعل ( بئس ) والذين كفروا هو المخصوص بالذم على حذف مضاف ، أي مثل الذين كذبوا بآيات الله ، وهم اليهود  ، أو يكون الذين كذبوا صفة للقوم ، والمخصوص بالذم محذوف ، التقدير : بئس مثل القوم المكذبين مثلهم ، أي : مثل هؤلاء الذين حملوا التوراة . روي أنه لما ظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتبت يهود المدينة ليهود خيبر    : إن اتبعتموه أطعناكم ، وإن خالفتموه خالفناه ، فقالوا لهم : نحن أبناء خليل الرحمن ، ومنا عزير ابن الله والأنبياء ، ومتى كانت النبوة في العرب ؟ نحن أحق بها من محمد  ، ولا سبيل إلى اتباعه ، فنزلت : قل ياأيها الذين هادوا  وكانوا يقولون نحن أبناء الله وأحباؤه ، وإن كان قولكم حقا فتمنوا أن تنقلوا سريعا إلى دار كرامته المعدة لأوليائه ، وتقدم تفسير نظير بقية الآية في سورة البقرة . وقرأ الجمهور : فتمنوا الموت بضم الواو . وابن يعمر  وابن أبي إسحاق  وابن السميقع  بكسرها ، وعن ابن السميقع  أيضا فتحها . وحكى  الكسائي  عن بعض الأعراب أنه قرأ بالهمز مضمومة بدل الواو ، وهذا كقراءة من قرأ " تلوؤن " بالهمز بدل الواو . قال  الزمخشري    : ولا فرق بين ( لا ولن ) في أن كل واحد منهما نفي للمستقبل ، إلا أن في ( لن ) تأكيدا وتشديدا ليس في ( لا ) فأتى مرة بلفظ التأكيد : ولن يتمنوه  ومرة بغير لفظه : ولا يتمنونه  وهذا منه رجوع عن مذهبه في أن ( لن ) تقتضي النفي على التأبيد إلى مذهب الجماعة في أنها لا تقتضيه ، وأما قوله إلا أن في ( لن ) تأكيدا وتشديدا ليس في ( لا ) فيحتاج ذلك إلى نقل عن مستقري اللسان . 
وقرأ الجمهور : ( فإنه ) والفاء دخلت في خبر ( إن ) إذ جرى مجرى صفته ، فكأن إن باشرت ( الذي ) وفي ( الذي ) معنى الشرط ، فدخلت الفاء في الخبر ، وقد منع هذا قوم منهم الفراء  ، وجعلوا الفاء زائدة . وقرأ  زيد بن علي    " إنه " بغير فاء ، وخرجه  الزمخشري  على الاستئناف ، وخبر ( إن ) هو ( الذي ) كأنه قال : قل إن الموت هو الذي تفرون منه . انتهى . ويحتمل أن يكون خبر ( إن ) هو قوله " إنه ملاقيكم " ، فالجملة خبر ( إن ) ويحتمل أن يكون ( إنه ) توكيدا ; لأن الموت وملاقيكم خبر إن . لما طال الكلام أكد الحرف مصحوبا بضمير الاسم الذي لإن . إذا نودي  أي : إذا أذن ، وكان الأذان عند قعود الإمام على المنبر ، وكذا كان في زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان إذا صعد على المنبر أذن على باب المسجد ، فإذا نزل بعد الخطبة أقيمت الصلاة . وكذا كان في عهد أبي بكر  وعمر  إلى زمان عثمان  ، كثر الناس وتباعدت المنازل ، فزاد مؤذنا آخر على داره التي تسمى الزوراء ، فإذا جلس على المنبر أذن الثاني ، فإذا نزل من المنبر أقيمت الصلاة ، ولم يعب ذلك أحد على عثمان    - رضى الله عنه . ( فإن قلت ) ( من ) في قوله : من يوم الجمعة  ما هي ؟ ( قلت ) : هي بيان لإذا وتفسير له . انتهى . وقرأ الجمهور " الجمعة " بضم الميم ، وابن الزبير  وأبو حيوة   وابن أبي عبلة  ، ورواية عن أبي عمرو   وزيد بن علي   والأعمش    : بسكونها ، وهي لغة تميم ، ولغة بفتحها لم يقرأ بها ، وكان هذا اليوم يسمى عروبة ، ويقال : العروبة . قيل : أول من سماه الجمعة كعب بن لؤي  ، وأول جمعة صليت جمعة سعد بن زرارة  ، صلى بهم ركعتين وذكرهم ، فسموه يوم الجمعة لاجتماعهم فيه ، فأنزل الله آية الجمعة ، فهي أول جمعة جمعت في الإسلام    . وأما أول جمعة جمعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه لما قدم المدينة  نزل بقباء  على بني عمرو بن عوف  ، وأقام بها يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس ، وأسس   [ ص: 268 ] مسجدهم ، ثم خرج يوم الجمعة عامدا المدينة  ، فأدرك صلاة الجمعة في بني سالم بن عوف  ، في بطن واد لهم ، فخطب وصلى الجمعة . والظاهر وجوب السعي لقوله تعالى : فاسعوا إلى ذكر الله  وأنه يكون في المشي خفة وبدار . وقال الحسن  وقتادة  ومالك  وغيرهم : إنما تؤتى الصلاة بالسكينة ، والسعي هو بالنية والإرادة والعمل ، وليس الإسراع في المشي ، كالسعي بين الصفا  والمروة  ، وإنما هو بمعنى قوله تعالى : وأن ليس للإنسان إلا ما سعى  فالقيام والوضوء ولبس الثوب والمشي كله سعي . والظاهر أن الخطاب بالأمر بالسعي للمؤمنين عموما ، وأنها فرض على الأعيان . وعن بعض الشافعية ، أنها فرض كفاية ، وعن مالك  رواية شاذة أنها سنة . وقال القاضي  أبو بكر بن العربي    : ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " الرواح إلى الجمعة واجب على كل مسلم   " . وقالوا : المأمور بالسعي المؤمن الصحيح الحر الذكر المقيم . فلو حضر غيره أجزأتهم . انتهى . 
والمسافة التي يسعى منها إلى صلاة الجمعة لم تتعرض الآية لها ، واختلف الفقهاء في ذلك . فقال ابن عمرو   وأبو هريرة  وأنس   والزهري    : ستة أميال . وقيل : خمسة . وقال ربيعة    : أربعة أميال . وروي ذلك عن  الزهري   وابن المنكدر    . وقال مالك  والليث    : ثلاثة . وقال أبو حنيفة  وأصحابه : على من في المصر ، سمع النداء أو لم يسمع ، لا على من هو خارج المصر ، وإن سمع النداء . وعن  ابن عمر   وابن المسيب   والزهري  وأحمد  وإسحاق    : على من سمع النداء . وعن ربيعة    : على من إذا سمع النداء وخرج من بيته ماشيا أدرك الصلاة . وقرأ كبراء من الصحابة والتابعين : ( فامضوا ) بدل ( فاسعوا ) وينبغي أن يحمل على التفسير من حيث أنه لا يراد بالسعي هنا الإسراع في المشي ، ففسروه بالمضي ، ولا يكون قرآنا لمخالفته سواد ما أجمع عليه المسلمون . 
وذكر الله هنا الخطبة ، قاله  ابن المسيب  ، وهي شرط في انعقاد الجمعة عند الجمهور . وقال الحسن    : هي مستحبة ، والظاهر أنه يجزئ من ذكر الله - تعالى - ما يسمى ذكرا . قال أبو حنيفة    : لو قال : الحمد لله ، أو سبحان الله واقتصر عليه جاز ، وقال غيره : لا بد من كلام يسمى خطبة ، وهو قول  الشافعي  وأبي سفيان  ومحمد بن الحسن    . والظاهر تحريم البيع ، وأنه لا يصح . وقال ابن العربي    : يفسخ ، وهو الصحيح . وقال  الشافعي    : ينعقد ولا يفسخ ، وكل ما يشغل من العقود كلها فهو حرام شرعا ، مفسوخ ورعا . انتهى . وإنما ذكر البيع من بين سائر المحرمات ; لأنه أكثر ما يشتغل به أصحاب الأسواق ، إذ يكثر الوافدون الأمصار من القرى ويجتمعون للتجارة إذا تعالى النهار ، فأمروا بالبدار إلى تجارة الآخرة ، ونهوا عن تجارة الدنيا ، ووقت التحريم  من الزوال إلى الفراغ من الصلاة ، قاله الضحاك  والحسن  وعطاء    . وقال ناس غيرهم : من وقت أذان الخطبة إلى الفراغ ، والإشارة بـ ( ذلكم ) إلى السعي وترك البيع ، والأمر بالانتشار والابتغاء أمر إباحة ، وفضل الله هو ما يلبسه في حالة حسنة ، كعيادة المريض ، وصلة صديق ، واتباع جنازة ، وأخذ في بيع وشراء ، وتصرفات دينية ودنيوية ، فأمر مع ذلك بإكثار ذكر الله . وقال مكحول  والحسن   وابن المسيب    : الفضل المأمور بابتغائه  هو العلم . وقال  جعفر الصادق    : ينبغي أن يكون فجر صبح يوم السبت ، ويعني أن يكون بقية يوم الجمعة في عبادة . وروي أنه كان أصاب أهل المدينة  جوع وغلاء سعر ، فقدم دحية  ببعير تحمل ميرة . قال مجاهد    : وكان من عرفهم أن يدخل بالطبل والمعازف من درابها ، فدخلت بها ، فانفضوا إلى رؤية ذلك وسماعه ، وتركوه - صلى الله عليه وسلم - قائما على المنبر في اثني عشر رجلا . قال جابر    : أنا أحدهم . قال أبو بكر غالب بن عطية    : هم العشرة المشهود لهم بالجنة ، والحادي عشر قيل : عمار    . وقيل :  ابن مسعود    . وقيل : ثمانية . قالوا : فنزلت : وإذا رأوا تجارة    . وقرأ الجمهور : " إليها " بضمير التجارة .  وابن أبي عبلة    : " إليه " بضمير اللهو ،   [ ص: 269 ] وكلاهما جائز ، نص عليه الأخفش  عن العرب . وقال ابن عطية    : وقال " إليها " ولم يقل إليهما تهمما بالأهم ، إذ كانت سبب اللهو ، ولم يكن اللهو سببها . وتأمل أن قدمت " التجارة " على " اللهو " في الرؤية لأنها أهم ، وأخرت مع التفضيل لتقع النفس أولا على الأبين . انتهى . وفي قوله : " قائما " دلالة على مشروعية القيام في الخطبة    . وأول من استراح في الخطبة عثمان  ، وأول من خطب جالسا معاوية    . وقرئ : " إليهما " بالتثنية للضمير ، كقوله تعالى : إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما    . وتخريجه على أن يتجوز بأو ، فتكون بمعنى الواو . وقد تقدم غير هذا التخريج في قوله : فالله أولى بهما  في موضعه في سورة النساء . وناسب ختمها بقوله : والله خير الرازقين  لأنهم كانوا قد مسهم شيء من غلاء الأسعار ، كما تقدم في سبب النزول ، وقد ملأ المفسرون كثيرا من أوراقهم بأحكام وخلاف في مسائل الجمعة مما لا تعلق لها بلفظ القرآن . 
				
						
						
