[ ص: 344 ] ( سورة الجن مكية وهي ثمان وعشرون آية )
( بسم الله الرحمن الرحيم )
(
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=29043قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=2يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=3وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=4وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=5وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=6وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=7وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=8وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=9وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=10وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=11وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=12وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=13وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=14وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=15وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=16وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=17لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=18وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=19وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=20قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=21قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=22قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=23إلا بلاغا من الله ورسالاته ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=24حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=25قل إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمدا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=26عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=27إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=28ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا ) . الجد : لغة العظمة والجلال ، وجد في عيني : عظم وجل . وقال
أبو عبيدة والأخفش : الملك والسلطان ، والجد : الحظ ، والجد : أبو الأب . الحرس : اسم جمع ، الواحد حارس ، كغيب واحده غائب ، وقد جمع على أحراس . قال الشاعر :
تجاوزت أحراسا وأهوال معشر
كشاهد وأشهاد ، والحارس : الحافظ للشيء يرقبه . القدد : السير المختلفة ، الواحدة قدة . قال الشاعر :
القابض الباسط الهادي بطاعته في فتنة الناس إذ أهواؤهم قدد
( وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15102الكميت ) :
جمعت بالرأي منهم كل رافضة إذ هم طرائق في أهوائهم قدد
تحرى الشيء : طلبه باجتهاد وتوخاه وقصده . الغدق : الكثير . اللبد ، جمع لبدة : وهو تراكم بعضه فوق بعض ، ومنه لبدة الأسد . ويقال للجراد الكثير المتراكم : لبد ، ومنه اللبد الذي يفرش . يلبد صوفه : يدخل بعضه في بعض .
[ ص: 345 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=1قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=2يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=3وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=4وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=5وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=6وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=7وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=8وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=9وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=10وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=11وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=12وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=13وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=14وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=15وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا ) .
[ ص: 346 ] هذه السورة مكية . ووجه مناسبتها لما قبلها : أنه لما حكى تمادي قوم
نوح في الكفر وعكوفهم على عبادة الأصنام ، وكان - عليه الصلاة والسلام - أول رسول إلى الأرض ، كما أن
محمدا - صلى الله عليه وسلم - آخر رسول إلى الأرض ، والعرب الذي هو منهم - عليه الصلاة والسلام - كانوا عباد أصنام كقوم
نوح ، حتى أنهم عبدوا أصناما مثل أصنام أولئك في الأسماء ، وكان ما جاء به
محمد - صلى الله عليه وسلم - من القرآن هاديا إلى الرشد ، وقد سمعته العرب ، وتوقف عن الإيمان به أكثرهم ، أنزل الله تعالى سورة الجن إثر سورة
نوح ، تبكيتا لقريش والعرب في كونهم تباطأوا عن الإيمان ، إذ كانت الجن خيرا منهم وأقبل للإيمان ، هذا وهم من غير جنس الرسول - صلى الله عليه وسلم ، ومع ذلك فبنفس ما سمعوا القرآن استعظموه وآمنوا به للوقت ، وعرفوا أنه ليس من نمط كلام الناس ، بخلاف العرب فإنه نزل بلسانهم وعرفوا كونه معجزا ، وهم مع ذلك مكذبون له ولمن جاء به حسدا وبغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده .
وقرأ الجمهور : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=1قل أوحي ) رباعيا .
nindex.php?page=showalam&ids=12356وابن أبي عبلة والعتكي ، عن
أبي عمرو ،
وأبو أناس جوية بن عائد الأسدي : ( وحى ) ثلاثيا ، يقال : وحى وأوحى بمعنى واحد . قال
العجاج : .
وحى إليها القرار فاستقرت
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15948زيد بن علي وجوية ، فيما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي nindex.php?page=showalam&ids=12356وابن أبي عبلة أيضا : ( أحى ) بإبدال الواو همزة ، كما قالوا في وعد : أعد . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وهو من القلب المطلق جوازه في كل واو مضمومة . انتهى . وليس كما ذكر ، بل في ذلك تفصيل ، وذلك أن الواو المضمومة قد تكون أولا وحشوا وآخرا ، ولكل منها أحكام ، وفي بعضها خلاف وتفصيل مذكور في النحو . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وقد أطلقه المازني في المكسور أيضا ، كإشاح وإسادة وإعاء أخيه . انتهى ، وهذا تكثير وتبجح . وكان يذكر هذا في (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=76وعاء أخيه ) في سورة يوسف . وعن
المازني في ذلك قولان : أحدهما : القياس كما قال ، والآخر : قصر ذلك على السماع .
و (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=1أنه استمع ) في موضع المفعول الذي لم يسم فاعله ، أي : استماع (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=1نفر من الجن ) والمشهور أن هذا الاستماع هو المذكور في الأحقاف في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=29وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن ) وهي قصة واحدة . وقيل : قصتان ، والجن الذين أتوه
بمكة جن
نصيبين ، والذين أتوه
بنخلة جن نينوى ، والسورة التي استمعوها ، قال
عكرمة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=1اقرأ باسم ربك ) . وقيل : سورة الرحمن . ولم تتعرض الآية ، لا هنا ولا في سورة الأحقاف ، إلى أنه رآهم وكلمهم ، عليه الصلاة والسلام . ويظهر من الحديث
" أن ذلك كان مرتين ، إحداهما في مبدأ مبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، وهو في الوقت الذي أخبر فيه nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود أنه لم يكن معه ليلة الجن ، وقد كانوا فقدوه - عليه الصلاة والسلام - فالتمسوه في الأودية والشعاب فلم يجدوه ، فلما أصبح ، إذا هو جاء من قبل حراء ، وفيه : أتاني داعي الجن ، فذهبت معه [ ص: 347 ] وقرأت عليهم القرآن ، فانطلق بنا وأرانا آثارهم وآثار نارهم . والمرة الأخرى كان معه nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، وقد استندب - صلى الله عليه وسلم - من يقوم معه إلى أن يتلو القرآن على الجن ، فلم يقم أحد غير nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود ، فذهب معه إلى الحجون عند الشعب ، فخط عليه خطا وقال : لا تجاوزه . فانحدر عليه - صلى الله عليه وسلم - أمثال الحجر يجرون الحجارة بأقدامهم يمشون يقرعون في دفوفهم كما تقرع النسوة في دفوفهن ، حتى غشوه فلا أراه فقمت ، فأومأ إلي بيده أن اجلس . فتلا القرآن ، فلم يزل صوته يرتفع واختفوا في الأرض حتى ما أراهم " . الحديث . ويدل على أنهما قصتان ، اختلافهم في العدد ، فقيل : سبعة ، وقيل : تسعة ، وعن زر : كانوا ثلاثة من أهل
حران ، وأربعة من أهل
نصيبين ، قرية
باليمن غير القرية التي
بالعراق . وعن
عكرمة : كانوا اثني عشر ألفا من جزيرة
الموصل ، وأين سبعة من اثني عشر ألفا ؟
(
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=1فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا ) أي : قالوا لقومهم لما رجعوا إليهم ، ووصفوا ( قرآنا ) بقولهم ( عجبا ) وصفا بالمصدر على سبيل المبالغة ، أي : هو عجب في نفسه لفصاحة كلامه ، وحسن مبانيه ، ودقة معانيه ، وغرابة أسلوبه ، وبلاغة مواعظه ، وكونه مباينا لسائر الكتب . والعجب ما خرج عن أحد أشكاله ونظائره . (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=2يهدي إلى الرشد ) أي : يدعو إلى الصواب . وقيل : إلى التوحيد والإيمان . وقرأ الجمهور : ( الرشد ) بضم الراء وسكون الشين .
وعيسى : بضمهما . وعنه أيضا : فتحهما . (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=2فآمنا به ) أي : بالقرآن . ولما كان الإيمان به متضمنا الإيمان بالله وبوحدانيته وبراءة من الشرك ، قالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=2ولن نشرك بربنا أحدا ) . وقرأ الحرميان والأبوان : بفتح الهمزة من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=3وأنه تعالى ) وما بعده ، وهي اثنتا عشرة آية آخرها (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=14وأنا منا المسلمون ) . وباقي السبعة بالكسر . فأما الكسر فواضح ; لأنها معطوفات على قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=1إنا سمعنا ) فهي داخلة في معمول القول . وأما الفتح ، فقال
أبو حاتم : هو على ( أوحي ) فهو كله في موضع رفع على ما لم يسم فاعله . انتهى . وهذا لا يصح ; لأن من المعطوفات ما لا يصح دخوله تحت ( أوحي ) وهو كل ما كان فيه ضمير المتكلم ، كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=9وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع ) . ألا ترى أنه لا يلائم (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=1أوحي إلي ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=9أنا كنا نقعد منها مقاعد ) وكذلك باقيها ؟ وخرجت قراءة الفتح على أن تلك كلها معطوفة على الضمير المجرور في ( به ) من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=2فآمنا به ) أي : وبأنه ، وكذلك باقيها ، وهذا جائز على مذهب الكوفيين ، وهو الصحيح . وقد تقدم احتجاجنا على صحة ذلك في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217وكفر به والمسجد الحرام ) . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17140مكي : هو أجود في أن منه في غيرها لكثرة حذف حرف الجر مع أن . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : وجهه أن يكون محمولا على آمنا به ; لأنه معناه : صدقناه وعلمناه ، فيكون المعنى : فآمنا به أنه تعالى جد ربنا . وسبقه إلى نحوه
الفراء قال : فتحت أن لوقوع الإيمان عليها ، وأنت تجد الإيمان يحسن في بعض ما فتح دون بعض ، فلا يمنعك ذلك من إمضائهن على الفتح ، فإنه يحسن فيه ما يوجب فتح أن نحو : صدقنا وشهدنا .
وأشار
الفراء إلى أن بعض ما فتح لا يناسب تسليط آمنا عليه ، نحو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=5وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا ) وتبعهما
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ، فقال : ومن فتح كلهن ، فعطفا على محل الجار والمجرور في (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=13آمنا به ) ، كأنه قيل : صدقناه وصدقنا أنه تعالى جد ربنا ، وأنه كان يقول سفيهنا ، وكذلك البواقي . انتهى . ولم يتفطن لما تفطن له
الفراء من أن بعضها لا يحسن أن يعمل فيه ( آمنا ) . وقرأ الجمهور : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=3جد ربنا ) بفتح الجيم ورفع الدال ، مضافا إلى ربنا أي : عظمته ، قاله الجمهور . وقال
أنس والحسن : غناه . وقال
مجاهد : ذكره . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : قدره وأمره . وقرأ
عكرمة : ( جد ) منونا ( ربنا ) مرفوع الباء ، كأنه قال : عظيم هو ربنا ، فربنا بدل ، والجد في اللغة العظيم . وقرأ
حميد بن قيس : جد بضم الجيم مضافا ، ومعناه العظيم ، حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه ، وهو من إضافة الصفة إلى الموصوف ، والمعنى : تعالى ربنا العظيم . وقرأ
[ ص: 348 ] عكرمة : جدا ربنا ، بفتح الجيم والدال منونا ، ورفع ( ربنا ) وانتصب جدا على التمييز المنقول من الفاعل ، أصله (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=3تعالى جد ربنا ) . وقرأ
قتادة وعكرمة أيضا : جدا بكسر الجيم والتنوين نصبا ( ربنا ) رفع . قال
ابن عطية : نصب جدا على الحال ، ومعناه : تعالى حقيقة ومتمكنا . وقال غيره : هو صفة لمصدر محذوف تقديره : تعاليا جدا ، وربنا مرفوع بتعالى . وقرأ ابن السميقع : جدي ربنا ، أي : جدواه ونفعه . وقرأ الجمهور : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=4يقول سفيهنا ) : هو إبليس . وقيل : هو اسم جنس لكل سفيه ، وإبليس مقدم السفهاء . والشطط : التعدي وتجاوز الجد . قال
الأعشى :
أينتهون ولن ينهى ذوي شطط كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل
ويقال : أشط في السوم إذا أبعد فيه ، أي : قولا هو في نفسه شطط ، وهو نسبة الصاحبة والولد إلى الله تعالى . (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=5وأنا ظننا ) الآية . أي : كنا حسنا الظن بالإنس والجن ، واعتقدنا أن أحدا لا يجترئ على أن يكذب على الله فينسب إليه الصاحبة والولد ، فاعتقدنا صحة ما أغوانا به إبليس ومردته حتى سمعنا القرآن فتبينا كذبهم . وقرأ الجمهور : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=5أن لن تقول ) مضارع قال .
والحسن والجحدري وعبد الرحمن بن أبي بكرة ،
ويعقوب وابن مقسم : تقول مضارع تتقول ، حذفت إحدى التاءين وانتصب ( كذبا ) في قراءة الجمهور بـ ( تقول ) لأن الكذب نوع من القول ، أو على أنه صفة لمصدر محذوف ، أي : قولا كذبا ، أي : مكذوبا فيه . وفي قراءة الشاذ على أنه مصدر لـ ( تقول ) لأنه هو الكذب ، فصار كـ ( قعدت جلوسا ) .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=6وأنه كان رجال ) . روى الجمهور أن الرجل كان إذا أراد المبيت أو الحلول في واد نادى بأعلى صوته : يا عزيز هذا الوادي ! إني أعوذ بك من السفهاء الذين في طاعتك ، فيعتقد بذلك أن الجني الذي بالوادي يمنعه ويحميه . فروي أن الجن كانت تقول عند ذلك : لا نملك لكم ولا لأنفسنا من الله شيئا . قال
مقاتل : أول من تعوذ بالجن قوم من
اليمن ، ثم
بنو حنيفة ، ثم فشا ذلك في العرب . والظاهر أن الضمير المرفوع في ( فزادوهم ) عائد على (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=6رجال من الإنس ) إذ هم المحدث عنهم ، وهو قول
مجاهد والنخعي nindex.php?page=showalam&ids=16531وعبيد بن عمير . ( فزادوهم ) أي : الإنس ( رهقا ) أي : جراءة وانتخاء وطغيانا وغشيان المحارم وإعجابا ; بحيث قالوا : سدنا الإنس والجن ، وفسر قوم الرهق بالإثم . وأنشد
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري في ذلك بيت
الأعشى :
لا شيء ينفعني من دون رؤيتها لا يشتفي وامق ما لم يصب رهقا
قال معناه : ما لم يغش محرما ، والمعنى : زادت الإنس الجن مأثما ; لأنهم عظموهم فزادوهم استحلالا لمحارم الله تعالى . وقال
قتادة وأبو العالية والربيع وابن زيد : ( فزادوهم ) أي : الجن زادت الإنس مخافة يتخيلون لهم بمنتهى طاقتهم ، ويغوونهم لما رأوا من خفة أحلامهم ، فازدروهم واحتقروهم . وقال
ابن جبير : ( رهقا ) : كفرا . وقيل : لا يطلق لفظ الرجال على الجن ، فالمعنى : وإنه كان رجال من الإنس يعوذون من شر الجن برجال من الإنس ، وكان الرجل يقول مثلا : أعوذ
nindex.php?page=showalam&ids=21بحذيفة بن اليمان من جن هذا الوادي ، وهذا قول غريب . ( وأنهم ) أي : كفار الإنس (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=7ظنوا كما ظننتم ) أيها الجن ، يخاطب به بعضهم بعضا . وظنوا وظننتم ، كل منهما يطلب (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=7أن لن يبعث ) فالمسألة من باب الإعمال ، وأن هي المخففة من الثقيلة . وقيل : الضمير في ( وأنهم ) يعود على الجن ، والخطاب في ظننتم
لقريش ، وهذه والتي قبلها هما من الموحى به لا من كلام الجن : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=7أن لن يبعث الله أحدا ) : الظاهر أنه بعثة الرسالة إلى الخلق ، وهو أنسب لما تقدم من الآي ولما تأخر . وقيل : بعث القيامة . (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=8وأنا لمسنا السماء ) : أصل اللمس المس ، ثم استعير للتطلب ، والمعنى : طلبنا بلوغ السماء ; لاستماع كلام أهلها فوجدناها ملئت . الظاهر أن وجد هنا بمعنى صادف وأصاب ، وتعدت إلى واحد ، والجملة من ( ملئت ) في موضع الحال ، وأجيز أن تكون تعدت إلى اثنين ، ( فملئت ) في
[ ص: 349 ] موضع المفعول الثاني . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=13723الأعرج : مليت بالياء دون همز ، والجمهور بالهمز ، وشديدا : صفة للحرس على اللفظ ; لأنه اسم جمع ، كما قال :
أخشى رجيلا أو ركيبا عاديا
ولو لحظ المعنى لقال : شدادا بالجمع . والظاهر أن المراد بالحرس : الملائكة ، أي : حافظين من أن تقربها الشياطين ، وشهبا جمع شهاب ، وهو ما يرجم به الشياطين إذا استمعوا . قيل : ويحتمل أن يكون الشهب هم الحرس ، وكرر المعنى لما اختلف اللفظ نحو :
وهند أتى من دونها النأي والبعد
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=8فوجدناها ملئت ) يدل على أنها كانت قبل ذلك يطرقون السماء ولا يجدونها قد ملئت . ( مقاعد ) جمع مقعد ، وقد فسر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صورة قعود الجن
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374969أنهم كانوا واحدا فوق واحد ، فمتى أحرق الأعلى طلع الذي تحته مكانه ، فكانوا يسترقون الكلمة فيلقونها إلى الكهان ويزيدون معها ، ثم يزيد الكهان الكلمة مائة كذبة . (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=9فمن يستمع الآن ) الآن ظرف زمان للحال ، ويستمع مستقبل ، فاتسع في الظرف واستعمل للاستقبال ، كما قال :
سأسعى الآن إذ بلغت أناها
فالمعنى : فمن يقع منه استماع في الزمان الآتي (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=9يجد له شهابا رصدا ) أي : يرصده فيحرقه ، هذا لمن استمع . وأما السمع فقد انقطع ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=212إنهم عن السمع لمعزولون ) . والرجم كان في الجاهلية ، وذلك مذكور في أشعارهم ، ويدل عليه الحديث حين رأى - عليه الصلاة والسلام - نجما قد رمي به ، قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374970ما كنتم تقولون في مثل هذا في الجاهلية " ؟ قالوا : كنا نقول : يموت عظيم أو يولد عظيم . قال
أوس بن حجر :
وانقض كالدري يتبعه نقع يثور تخاله طنبا
وقال
عوف بن الجزع :
فرد علينا العير من دون إلفه أو الثور كالدري يتبعه الدم
وقال
بشر بن أبي حازم :
والعير يرهقها الغبار ، وجحشها ينقض خلفهما انقضاض الكوكب
قال
التبريزي : وهؤلاء الشعراء كلهم جاهليون ليس فيهم مخضرم ، وقال
معمر : قلت
nindex.php?page=showalam&ids=12300للزهري : أكان يرمى بالنجوم في الجاهلية ؟ قال : نعم ، قلت : أرأيت قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=9وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع ) ؟ فقال : غلظت وشدد أمرها حين بعث رسول الله ، صلى الله عليه وسلم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13974الجاحظ : القول بالرمي أصح ; لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=8فوجدناها ملئت ) وهذا إخبار عن الجن أنه زيد في حرس السماء حتى امتلأت ، ولما روى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وذكر الحديث السابق . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : تابعا
nindex.php?page=showalam&ids=13974للجاحظ ، وفي قوله دليل على أن الحرس هو الملء والكثرة ، فلذلك (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=9نقعد منها مقاعد ) أي : كنا نجد فيها بعض المقاعد خالية من الحرس والشهب ، والآن ملئت المقاعد كلها . انتهى . وهذا كله يبطل قول من قال : إن الرجم حدث بعد مبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو إحدى آياته . والظاهر أن رصدا على معنى : ذوي شهاب راصدين بالرجم ، وهم الملائكة الذين يرجمونهم بالشهب ويمنعونهم من الاستماع .
ولما رأوا ما حدث من كثرة الرجم ومنع الاستراق قالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=10أنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض ) وهو كفرهم بهذا النبي - صلى الله عليه وسلم ، فينزل بهم الشر (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=10أم أراد بهم ربهم رشدا ) فيؤمنون به فيرشدون . وحين ذكروا الشر لم يسندوه إلى الله تعالى ، وحين ذكروا الرشد أسندوه إليه تعالى . (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=11وأنا منا الصالحون ) : أخبروا بما هم عليه من صلاح وغيره . (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=11ومنا دون ذلك ) أي : دون الصالحين ، ويقع " دون " في مواضع موقع غير ، فكأنه قال : ومنا غير صالحين . ويجوز أن يريدوا : ومنا دون ذلك في الصلاح ، أي : فيهم أبرار وفيهم من هو غير كامل في الصلاح ، " ودون " في موضع الصفة لمحذوف ، أي : ومنا قوم دون ذلك . ويجوز حذف هذا الموصوف في التفصيل " بمن " ، حتى في الجمل ، قالوا : منا ظعن ومنا أقام ، يريدون : منا فريق ظعن ومنا
[ ص: 350 ] فريق أقام ، والجملة من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=11كنا طرائق قددا ) تفسير للقسمة المتقدمة . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وعكرمة وقتادة : أهواء مختلفة ، وقيل : فرقا مختلفة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : أي كنا ذوي مذاهب مختلفة ، أو كنا في اختلاف أحوالنا مثل الطرائق المختلفة ، أو كنا في طرائق مختلفة كقوله :
كما عسل الطريق الثعلب
أو كانت طرائقنا قددا ، على حذف المضاف الذي هو الطرائق ، وإقامة الضمير المضاف إليه مقامه . انتهى . وفي تقديريه الأولين حذف المضاف من طرائق وإقامة المضاف إليه مقامه ، إذ حذف ذوي ومثل . وأما التقدير الثالث ، وهو أن ينتصب على إسقاط ( في ) فلا يجوز ذلك إلا في الضرورة ، وقد نص
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه على أن عسل الطريق شاذ ، فلا يخرج القرآن عليه . (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=12وأنا ظننا أن لن نعجز الله ) أي : أيقنا ( في الأرض ) أي : كائنين في الأرض (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=12ولن نعجزه هربا ) أي : من الأرض إلى السماء ، و ( في الأرض ) و ( هربا ) حالان ، أي : فارين أو هاربين . (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=13وأنا لما سمعنا الهدى ) : وهو القرآن (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=13آمنا به ) أي : بالقرآن (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=13فمن يؤمن بربه فلا يخاف ) أي : فهو لا يخاف . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=17340ابن وثاب nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش والجمهور : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=13فلا يخاف ) وخرجت قراءتهما على النفي . وقيل : الفاء زائدة ولا نفي . وليس بشيء ، وكان الجواب بالفاء أجود من المجيء بالفعل مجزوما دون الفاء ; لأنه إذا كان بالفاء كان على إضمار مبتدأ ، أي : فهو لا يخاف . والجملة الاسمية أدل وآكد من الفعلية على تحقق مضمون الجملة . ( بخسا ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : نقص الحسنات (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=13ولا رهقا ) قال : زيادة في السيئات (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=13ولا رهقا ) قيل : تحميل ما لا يطاق . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : أي جزاء بخس ولا رهق ; لأنه لم يبخس أحدا حقا ولا رهق ظلم أحد ، فلا يخاف جزاءهما . ويجوز أن يراد : فلا يخاف أن يبخس ، بل يجزى الجزاء الأوفى ، ولا أن ترهقه ذلة من قوله عز وجل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=43ترهقهم ذلة ) . انتهى .
وقرأ الجمهور : ( بخسا ) بسكون الخاء .
وابن وثاب بفتحها . (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=14ومنا القاسطون ) أي الكافرون الجائرون عن الحق . قال
مجاهد وقتادة : وألبأس القاسط الظالم ، ومنه قول الشاعر :
قوم هم قتلوا ابن هند عنوة وهمو أقسطوا على النعمان
وجاء هذا التقسيم ، وإن كان قد تقدم (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=11وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك ) ليذكر حال الفريقين من النجاة والهلكة ، ويرغب من يدخل في الإسلام . والظاهر أن (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=14فمن أسلم ) إلى آخر الشرطين من كلام الجن . وقال
ابن عطية : الوجه أن يكون (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=14فمن أسلم ) مخاطبة من الله تعالى
لمحمد - صلى الله عليه وسلم - ويؤيده ما بعد من الآيات . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=13723الأعرج : ( رشدا ) ، بضم الراء وسكون الشين . والجمهور بفتحهما . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وقد زعم من لا يرى للجن ثوابا أن الله تعالى أوعد قاسطيهم وما وعد مسلميهم ، وكفى به وعيدا ، أي : فأولئك تحروا رشدا ، فذكر سبب الثواب وموجبه ، والله أعدل من أن يعاقب القاسط ولا يثيب الراشد . انتهى ، وفيه دسيسة الاعتزال في قوله : وموجبه .
[ ص: 344 ] ( سُورَةُ الْجِنِّ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ ثَمَانٍ وَعِشْرُونَ آيَةً )
( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ )
(
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=29043قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=2يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=3وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=4وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=5وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=6وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=7وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=8وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=9وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=10وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=11وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=12وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=13وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=14وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=15وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=16وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=17لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=18وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=19وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=20قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=21قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=22قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=23إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=24حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=25قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=26عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=27إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=28لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَ شَيْءٍ عَدَدًا ) . الْجَدُّ : لُغَةً الْعَظَمَةُ وَالْجَلَالُ ، وَجَدَّ فِي عَيْنِي : عَظُمَ وَجَلَّ . وَقَالَ
أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْأَخْفَشُ : الْمُلْكُ وَالسُّلْطَانُ ، وَالْجَدُّ : الْحَظُّ ، وَالْجَدُّ : أَبُو الْأَبِ . الْحَرْسُ : اسْمُ جَمْعٍ ، الْوَاحِدُ حَارِسٌ ، كَغَيْبٍ وَاحِدُهُ غَائِبٌ ، وَقَدْ جُمِعَ عَلَى أَحْرَاسٍ . قَالَ الشَّاعِرُ :
تَجَاوَزْتُ أَحْرَاسًا وَأَهْوَالَ مَعْشَرٍ
كَشَاهِدٍ وَأَشْهَادٍ ، وَالْحَارِسُ : الْحَافِظُ لِلشَّيْءِ يَرْقُبُهُ . الْقِدَدُ : السِّيَرُ الْمُخْتَلِفَةُ ، الْوَاحِدَةُ قِدَةٌ . قَالَ الشَّاعِرُ :
الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الْهَادِي بِطَاعَتِهِ فِي فِتْنَةِ النَّاسِ إِذْ أَهْوَاؤُهُمْ قِدَدُ
( وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15102الْكُمَيْتُ ) :
جُمِعَتْ بِالرَّأْيِ مِنْهُمْ كُلُّ رَافِضَةٍ إِذْ هُمْ طَرَائِقُ فِي أَهْوَائِهِمْ قِدَدُ
تَحَرَّى الشَّيْءَ : طَلَبَهُ بِاجْتِهَادٍ وَتَوَخَّاهُ وَقَصَدَهُ . الْغَدَقُ : الْكَثِيرُ . اللُّبَدُ ، جَمْعُ لِبْدَةٍ : وَهُوَ تَرَاكُمُ بَعْضِهِ فَوْقَ بَعْضٍ ، وَمِنْهُ لِبْدَةُ الْأَسَدِ . وَيُقَالُ لِلْجَرَادِ الْكَثِيرِ الْمُتَرَاكِمِ : لِبَدٌ ، وَمِنْهُ اللَّبَدُ الَّذِي يُفْرَشُ . يُلَبِّدُ صُوفَهُ : يُدْخِلُ بَعْضَهُ فِي بَعْضٍ .
[ ص: 345 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=1قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=2يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=3وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=4وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=5وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=6وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=7وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=8وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=9وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=10وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=11وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=12وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=13وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=14وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=15وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا ) .
[ ص: 346 ] هَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ . وَوَجْهُ مُنَاسَبَتِهَا لِمَا قَبْلَهَا : أَنَّهُ لَمَّا حَكَى تَمَادِي قَوْمِ
نُوحٍ فِي الْكُفْرِ وَعُكُوفِهِمْ عَلَى عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ ، وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوَّلَ رَسُولٍ إِلَى الْأَرْضِ ، كَمَا أَنَّ
مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آخِرُ رَسُولٍ إِلَى الْأَرْضِ ، وَالْعَرَبُ الَّذِي هُوَ مِنْهُمْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانُوا عُبَّادَ أَصْنَامٍ كَقَوْمِ
نُوحٍ ، حَتَّى أَنَّهُمْ عَبَدُوا أَصْنَامًا مِثْلَ أَصْنَامِ أُولَئِكَ فِي الْأَسْمَاءِ ، وَكَانَ مَا جَاءَ بِهِ
مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْقُرْآنِ هَادِيًا إِلَى الرُّشْدِ ، وَقَدْ سَمِعَتْهُ الْعَرَبُ ، وَتَوَقَّفَ عَنِ الْإِيمَانِ بِهِ أَكْثَرُهُمْ ، أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى سُورَةَ الْجِنِّ إِثْرَ سُورَةِ
نُوحٍ ، تَبْكِيتًا لِقُرَيْشٍ وَالْعَرَبِ فِي كَوْنِهِمْ تَبَاطَأُوا عَنِ الْإِيمَانِ ، إِذْ كَانَتِ الْجِنُّ خَيْرًا مِنْهُمْ وَأَقْبَلَ لِلْإِيمَانِ ، هَذَا وَهُمْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَعَ ذَلِكَ فَبِنَفْسِ مَا سَمِعُوا الْقُرْآنِ اسْتَعْظَمُوهُ وَآمَنُوا بِهِ لِلْوَقْتِ ، وَعَرَفُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَمَطِ كَلَامِ النَّاسِ ، بِخِلَافِ الْعَرَبِ فَإِنَّهُ نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ وَعَرَفُوا كَوْنَهُ مُعْجِزًا ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ مُكَذِّبُونَ لَهُ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حَسَدًا وَبَغْيًا أَنْ يُنِزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=1قُلْ أُوحِيَ ) رُبَاعِيًّا .
nindex.php?page=showalam&ids=12356وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ وَالْعَتَكِيُّ ، عَنْ
أَبِي عَمْرٍو ،
وَأَبُو أُنَاسٍ جُوَيَّةُ بْنُ عَائِدٍ الْأَسَدِيُّ : ( وَحَى ) ثُلَاثِيًّا ، يُقَالُ : وَحَى وَأَوْحَى بِمَعْنًى وَاحِدٍ . قَالَ
الْعَجَّاجُ : .
وَحَى إِلَيْهَا الْقَرَارَ فَاسْتَقَرَّتْ
وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=15948زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَجُوَيَّةُ ، فِيمَا رُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=15080الْكِسَائِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=12356وَابْنِ أَبِي عَبْلَةَ أَيْضًا : ( أَحَى ) بِإِبْدَالِ الْوَاوِ هَمْزَةً ، كَمَا قَالُوا فِي وَعَدَ : أَعَدَ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَهُوَ مِنَ الْقَلْبِ الْمُطْلَقِ جَوَازُهُ فِي كُلِّ وَاوٍ مَضْمُومَةٍ . انْتَهَى . وَلَيْسَ كَمَا ذَكَرَ ، بَلْ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْوَاوَ الْمَضْمُومَةَ قَدْ تَكُونُ أَوَّلًا وَحَشْوًا وَآخِرًا ، وَلِكُلٍّ مِنْهَا أَحْكَامٌ ، وَفِي بَعْضِهَا خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ مَذْكُورٌ فِي النَّحْوِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَقَدْ أَطْلَقَهُ الْمَازِنِيُّ فِي الْمَكْسُورِ أَيْضًا ، كِإِشَاحٍ وَإِسَادَةٍ وَإِعَاءِ أَخِيهِ . انْتَهَى ، وَهَذَا تَكْثِيرٌ وَتَبَجُّحٌ . وَكَانَ يَذْكُرُ هَذَا فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=76وِعَاءِ أَخِيهِ ) فِي سُورَةِ يُوسُفَ . وَعَنِ
الْمَازِنِيِّ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : الْقِيَاسُ كَمَا قَالَ ، وَالْآخَرُ : قَصْرُ ذَلِكَ عَلَى السَّمَاعِ .
وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=1أَنَّهُ اسْتَمَعَ ) فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ ، أَيِ : اسْتِمَاعَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=1نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ ) وَالْمَشْهُورُ أَنَّ هَذَا الِاسْتِمَاعَ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْأَحْقَافِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=29وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ ) وَهِيَ قِصَّةٌ وَاحِدَةٌ . وَقِيلَ : قِصَّتَانِ ، وَالْجِنُّ الَّذِينَ أَتَوْهُ
بِمَكَّةَ جِنُّ
نَصِيبِينَ ، وَالَّذِينَ أَتَوْهُ
بِنَخْلَةَ جِنُّ نَيْنَوَى ، وَالسُّورَةُ الَّتِي اسْتَمَعُوهَا ، قَالَ
عِكْرِمَةُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=1اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ) . وَقِيلَ : سُورَةُ الرَّحْمَنِ . وَلَمْ تَتَعَرَّضِ الْآيَةُ ، لَا هُنَا وَلَا فِي سُورَةِ الْأَحْقَافِ ، إِلَى أَنَّهُ رَآهُمْ وَكَلَّمَهُمْ ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ . وَيَظْهَرُ مِنَ الْحَدِيثِ
" أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مَرَّتَيْنِ ، إِحْدَاهُمَا فِي مَبْدَأِ مَبْعَثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَخْبَرَ فِيهِ nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ لَيْلَةَ الْجِنِّ ، وَقَدْ كَانُوا فَقَدُوهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَالْتَمَسُوهُ فِي الْأَوْدِيَةِ وَالشِّعَابِ فَلَمْ يَجِدُوهُ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ ، إِذَا هُوَ جَاءٍ مِنْ قِبَلِ حِرَاءٍ ، وَفِيهِ : أَتَانِي دَاعِي الْجِنِّ ، فَذَهَبْتُ مَعَهُ [ ص: 347 ] وَقَرَأْتُ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ ، فَانْطَلَقَ بِنَا وَأَرَانَا آثَارَهُمْ وَآثَارَ نَارِهِمْ . وَالْمَرَّةُ الْأُخْرَى كَانَ مَعَهُ nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنُ مَسْعُودٍ ، وَقَدِ اسْتَنْدَبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ يَقُومُ مَعَهُ إِلَى أَنْ يَتْلُوَ الْقُرْآنَ عَلَى الْجِنِّ ، فَلَمْ يَقُمْ أَحَدٌ غَيْرُ nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، فَذَهَبَ مَعَهُ إِلَى الْحَجُونِ عِنْدَ الشِّعْبِ ، فَخَطَّ عَلَيْهِ خَطًّا وَقَالَ : لَا تُجَاوِزْهُ . فَانْحَدَرَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْثَالُ الْحَجَرِ يَجُرُّونَ الْحِجَارَةَ بِأَقْدَامِهِمْ يَمْشُونَ يَقْرَعُونَ فِي دُفُوفِهِمْ كَمَا تَقْرَعُ النِّسْوَةُ فِي دُفُوفِهِنَّ ، حَتَّى غَشَوْهُ فَلَا أَرَاهُ فَقُمْتُ ، فَأَوْمَأَ إِلَيَّ بِيَدِهِ أَنِ اجْلِسْ . فَتَلَا الْقُرْآنَ ، فَلَمْ يَزَلْ صَوْتُهُ يَرْتَفِعُ وَاخْتَفَوْا فِي الْأَرْضِ حَتَّى مَا أَرَاهُمْ " . الْحَدِيثِ . وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا قِصَّتَانِ ، اخْتِلَافُهُمْ فِي الْعَدَدِ ، فَقِيلَ : سَبْعَةٌ ، وَقِيلَ : تِسْعَةٌ ، وَعَنْ زِرٍّ : كَانُوا ثَلَاثَةً مِنْ أَهْلِ
حَرَّانَ ، وَأَرْبَعَةً مِنْ أَهْلِ
نَصِيبِينَ ، قَرْيَةٌ
بِالْيَمَنِ غَيْرُ الْقَرْيَةِ الَّتِي
بِالْعِرَاقِ . وَعَنْ
عِكْرِمَةَ : كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا مِنْ جَزِيرَةِ
الْمُوصِلِ ، وَأَيْنَ سَبْعَةٌ مِنَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا ؟
(
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=1فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ) أَيْ : قَالُوا لِقَوْمِهِمْ لَمَّا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ ، وَوَصَفُوا ( قُرْآنًا ) بِقَوْلِهِمْ ( عَجَبًا ) وَصْفًا بِالْمَصْدَرِ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ ، أَيْ : هُوَ عَجَبٌ فِي نَفْسِهِ لِفَصَاحَةِ كَلَامِهِ ، وَحُسْنِ مَبَانِيهِ ، وَدِقَّةِ مَعَانِيهِ ، وَغَرَابَةِ أُسْلُوبِهِ ، وَبَلَاغَةِ مَوَاعِظِهِ ، وَكَوْنِهِ مُبَايِنًا لِسَائِرِ الْكُتُبِ . وَالْعَجَبُ مَا خَرَجَ عَنْ أَحَدِ أَشْكَالِهِ وَنَظَائِرِهِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=2يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ ) أَيْ : يَدْعُو إِلَى الصَّوَابِ . وَقِيلَ : إِلَى التَّوْحِيدِ وَالْإِيمَانِ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : ( الرُّشْدِ ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ الشِّينِ .
وَعِيسَى : بِضَمِّهِمَا . وَعَنْهُ أَيْضًا : فَتْحُهُمَا . (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=2فَآمَنَّا بِهِ ) أَيْ : بِالْقُرْآنِ . وَلَمَّا كَانَ الْإِيمَانُ بِهِ مُتَضَمِّنًا الْإِيمَانَ بِاللَّهِ وَبِوَحْدَانِيَّتِهِ وَبَرَاءَةٍ مِنَ الشِّرْكِ ، قَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=2وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ) . وَقَرَأَ الْحَرَمِيَّانِ وَالْأَبَوَانِ : بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=3وَأَنَّهُ تَعَالَى ) وَمَا بَعْدَهُ ، وَهِيَ اثْنَتَا عَشْرَةَ آيَةً آخِرُهَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=14وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ ) . وَبَاقِي السَّبْعَةِ بِالْكَسْرِ . فَأَمَّا الْكَسْرُ فَوَاضِحٌ ; لِأَنَّهَا مَعْطُوفَاتٌ عَلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=1إِنَّا سَمِعْنَا ) فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي مَعْمُولِ الْقَوْلِ . وَأَمَّا الْفَتْحُ ، فَقَالَ
أَبُو حَاتِمٍ : هُوَ عَلَى ( أُوحِيَ ) فَهُوَ كُلُّهُ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ . انْتَهَى . وَهَذَا لَا يَصِحُّ ; لِأَنَّ مِنَ الْمَعْطُوفَاتِ مَا لَا يَصِحُّ دُخُولُهُ تَحْتَ ( أُوحِيَ ) وَهُوَ كُلُّ مَا كَانَ فِيهِ ضَمِيرُ الْمُتَكَلِّمِ ، كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=9وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ ) . أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُلَائِمُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=1أُوحِيَ إِلَيَّ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=9أَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ ) وَكَذَلِكَ بَاقِيهَا ؟ وَخَرَجَتْ قِرَاءَةُ الْفَتْحِ عَلَى أَنَّ تِلْكَ كُلَّهَا مَعْطُوفَةٌ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ فِي ( بِهِ ) مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=2فَآمَنَّا بِهِ ) أَيْ : وَبِأَنَّهُ ، وَكَذَلِكَ بَاقِيهَا ، وَهَذَا جَائِزٌ عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ . وَقَدْ تَقَدَّمَ احْتِجَاجُنَا عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17140مَكِّيٌّ : هُوَ أَجْوَدُ فِي أَنَّ مِنْهُ فِي غَيْرِهَا لِكَثْرَةِ حَذْفِ حَرْفِ الْجَرِّ مَعَ أَنَّ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ : وَجْهُهُ أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى آمَنَّا بِهِ ; لِأَنَّهُ مَعْنَاهُ : صَدَّقْنَاهُ وَعَلِمْنَاهُ ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى : فَآمَنَّا بِهِ أَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا . وَسَبَقَهُ إِلَى نَحْوِهِ
الْفَرَّاءُ قَالَ : فُتِحَتْ أَنَّ لِوُقُوعِ الْإِيمَانِ عَلَيْهَا ، وَأَنْتَ تَجِدُ الْإِيمَانَ يَحْسُنُ فِي بَعْضِ مَا فُتِحَ دُونَ بَعْضٍ ، فَلَا يَمْنَعُكَ ذَلِكَ مِنْ إِمْضَائِهِنَّ عَلَى الْفَتْحِ ، فَإِنَّهُ يَحْسُنُ فِيهِ مَا يُوجِبُ فَتْحَ أَنَّ نَحْوُ : صَدَّقْنَا وَشَهِدْنَا .
وَأَشَارَ
الْفَرَّاءُ إِلَى أَنَّ بَعْضَ مَا فُتِحَ لَا يُنَاسِبُ تَسْلِيطَ آمَنَّا عَلَيْهِ ، نَحْوُ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=5وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ) وَتَبِعَهُمَا
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ ، فَقَالَ : وَمَنْ فَتَحَ كُلَّهُنَّ ، فعَطْفًا عَلَى مَحَلِّ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=13آمَنَّا بِهِ ) ، كَأَنَّهُ قِيلَ : صَدَّقْنَاهُ وَصَدَّقْنَا أَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا ، وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا ، وَكَذَلِكَ الْبَوَاقِي . انْتَهَى . وَلَمْ يَتَفَطَّنْ لِمَا تَفَطَّنَ لَهُ
الْفَرَّاءُ مِنْ أَنَّ بَعْضَهَا لَا يَحْسُنُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ ( آمَنَّا ) . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=3جَدُّ رَبِّنَا ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَرَفْعِ الدَّالِ ، مُضَافًا إِلَى رَبِّنَا أَيْ : عَظَّمَتُهُ ، قَالَهُ الْجُمْهُورُ . وَقَالَ
أَنَسٌ وَالْحَسَنُ : غِنَاهُ . وَقَالَ
مُجَاهِدٌ : ذِكْرُهُ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : قَدْرُهُ وَأَمْرُهُ . وَقَرَأَ
عِكْرِمَةُ : ( جَدٌّ ) مُنَوَّنًا ( رَبُّنَا ) مَرْفُوعَ الْبَاءِ ، كَأَنَّهُ قَالَ : عَظِيمٌ هُوَ رَبُّنَا ، فَرَبُّنَا بَدَلٌ ، وَالْجَدُّ فِي اللُّغَةِ الْعَظِيمُ . وَقَرَأَ
حُمَيْدُ بْنُ قَيْسٍ : جَدٌّ بِضَمِّ الْجِيمِ مُضَافًا ، وَمَعْنَاهُ الْعَظِيمُ ، حَكَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ ، وَهُوَ مِنْ إِضَافَةِ الصِّفَةِ إِلَى الْمَوْصُوفِ ، وَالْمَعْنَى : تَعَالَى رَبُّنَا الْعَظِيمُ . وَقَرَأَ
[ ص: 348 ] عِكْرِمَةُ : جَدًّا رَبُّنَا ، بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالدَّالِ مُنَوَّنًا ، وَرَفَعَ ( رَبُّنَا ) وَانْتَصَبَ جَدًّا عَلَى التَّمْيِيزِ الْمَنْقُولِ مِنَ الْفَاعِلِ ، أَصْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=3تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا ) . وَقَرَأَ
قَتَادَةُ وَعِكْرِمَةُ أَيْضًا : جِدًّا بِكَسْرِ الْجِيمِ وَالتَّنْوِينِ نَصْبًا ( رَبُّنَا ) رُفِعَ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : نَصَبَ جِدًّا عَلَى الْحَالِ ، وَمَعْنَاهُ : تَعَالَى حَقِيقَةً وَمُتَمِكِّنًا . وَقَالَ غَيْرُهُ : هُوَ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ : تَعَالَيَا جِدًّا ، وَرَبُّنَا مَرْفُوعٌ بتَعَالَى . وَقَرَأَ ابْنُ السَّمَيْقَعِ : جَدَّيْ رَبِّنَا ، أَيْ : جَدْوَاهُ وَنَفْعُهُ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=4يَقُولُ سَفِيهُنَا ) : هُوَ إِبْلِيسُ . وَقِيلَ : هُوَ اسْمُ جِنْسٍ لِكُلِّ سَفِيهٍ ، وَإِبْلِيسُ مُقَدَّمُ السُّفَهَاءِ . وَالشَّطَطُ : التَّعَدِّي وَتَجَاوُزُ الْجِدِّ . قَالَ
الْأَعْشَى :
أَيَنْتَهُونَ وَلَنْ يَنْهَى ذَوِي شَطَطٍ كَالطَّعْنِ يَذْهَبُ فِيهِ الزَّيْتُ وَالْفُتُلُ
وَيُقَالُ : أَشَطَّ فِي السَّوْمِ إِذَا أَبْعَدَ فِيهِ ، أَيْ : قَوْلًا هُوَ فِي نَفْسِهِ شَطَطٌ ، وَهُوَ نِسْبَةُ الصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى . (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=5وَأَنَّا ظَنَنَّا ) الْآيَةِ . أَيْ : كُنَّا حَسَّنَّا الظَّنَّ بِالْإِنْسِ وَالْجِنِّ ، وَاعْتَقَدْنَا أَنَّ أَحَدًا لَا يَجْتَرِئُ عَلَى أَنْ يَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ فَيَنْسِبَ إِلَيْهِ الصَّاحِبَةَ وَالْوَلَدَ ، فَاعْتَقَدْنَا صِحَّةَ مَا أَغْوَانَا بِهِ إِبْلِيسُ وَمَرَدَتُهُ حَتَّى سَمِعْنَا الْقُرْآنَ فَتَبَيَّنَّا كَذِبَهُمْ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=5أَنْ لَنْ تَقُولَ ) مُضَارِعُ قَالَ .
وَالْحَسَنُ وَالْجَحْدَرِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ ،
وَيَعْقُوبُ وَابْنُ مِقْسَمٍ : تَقَوَّلَ مُضَارِعُ تَتَقَوَّلُ ، حُذِفَتْ إِحْدَى التَّاءَيْنِ وَانْتَصَبَ ( كَذِبًا ) فِي قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ بِـ ( تَقُولَ ) لِأَنَّ الْكَذِبَ نَوْعٌ مِنَ الْقَوْلِ ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ ، أَيْ : قَوْلًا كَذِبًا ، أَيْ : مَكْذُوبًا فِيهِ . وَفِي قِرَاءَةِ الشَّاذِّ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ لِـ ( تَقُولَ ) لِأَنَّهُ هُوَ الْكَذِبُ ، فَصَارَ كـَ ( قَعَدْتُ جُلُوسًا ) .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=6وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ ) . رَوَى الْجُمْهُورُ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ إِذَا أَرَادَ الْمَبِيتَ أَوِ الْحُلُولَ فِي وَادٍ نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ : يَا عَزِيزَ هَذَا الْوَادِي ! إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ السُّفَهَاءِ الَّذِينَ فِي طَاعَتِكَ ، فَيَعْتَقِدُ بِذَلِكَ أَنَّ الْجِنِّيَّ الَّذِي بِالْوَادِي يَمْنَعُهُ وَيَحْمِيهِ . فَرُوِيَ أَنَّ الْجِنَّ كَانَتْ تَقُولُ عِنْدَ ذَلِكَ : لَا نَمْلِكُ لَكُمْ وَلَا لِأَنْفُسِنَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا . قَالَ
مُقَاتِلٌ : أَوَّلُ مَنْ تَعَوَّذَ بِالْجِنِّ قَوْمٌ مِنَ
الْيَمَنِ ، ثُمَّ
بَنُو حَنِيفَةَ ، ثُمَّ فَشَا ذَلِكَ فِي الْعَرَبِ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ الْمَرْفُوعَ فِي ( فَزَادُوهُمْ ) عَائِدٌ عَلَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=6رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ ) إِذْ هُمُ الْمُحَدَّثُ عَنْهُمْ ، وَهُوَ قَوْلُ
مُجَاهِدٍ وَالنَّخَعِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=16531وَعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ . ( فَزَادُوهُمْ ) أَيِ : الْإِنْسُ ( رَهَقًا ) أَيْ : جَرَاءَةً وَانْتِخَاءً وُطُغْيَانًا وَغِشْيَانَ الْمَحَارِمِ وَإِعْجَابًا ; بِحَيْثُ قَالُوا : سُدْنَا الْإِنْسَ وَالْجِنَّ ، وَفَسَّرَ قَوْمٌ الرَّهَقَ بِالْإِثْمِ . وَأَنْشَدَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرِيُّ فِي ذَلِكَ بَيْتَ
الْأَعْشَى :
لَا شَيْءَ يَنْفَعُنِي مِنْ دُونِ رُؤْيَتِهَا لَا يَشْتَفِي وَامِقٌ مَا لَمْ يُصِبْ رَهَقَا
قَالَ مَعْنَاهُ : مَا لَمْ يَغْشَ مُحَرَّمًا ، وَالْمَعْنَى : زَادَتِ الْإِنْسُ الْجِنَّ مَأْثَمًا ; لِأَنَّهُمْ عَظَّمُوهُمْ فَزَادُوهُمُ اسْتِحْلَالًا لِمَحَارِمِ اللَّهِ تَعَالَى . وَقَالَ
قَتَادَةُ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَالرَّبِيعُ وَابْنُ زَيْدٍ : ( فَزَادُوهُمْ ) أَيِ : الْجِنُّ زَادَتِ الْإِنْسَ مَخَافَةً يَتَخَيَّلُونَ لَهُمْ بِمُنْتَهَى طَاقَتِهِمْ ، وَيُغْوُونَهُمْ لَمَّا رَأَوْا مِنْ خِفَّةِ أَحْلَامِهِمْ ، فَازْدَرَوْهُمْ وَاحْتَقَرُوهُمْ . وَقَالَ
ابْنُ جُبَيْرٍ : ( رَهَقًا ) : كُفْرًا . وَقِيلَ : لَا يُطْلَقُ لَفْظُ الرِّجَالِ عَلَى الْجِنِّ ، فَالْمَعْنَى : وَإِنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ مِنْ شَرِّ الْجِنِّ بِرِجَالٍ مِنَ الْإِنْسِ ، وَكَانَ الرَّجُلُ يَقُولُ مَثَلًا : أَعُوذُ
nindex.php?page=showalam&ids=21بِحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ مِنْ جِنِّ هَذَا الْوَادِي ، وَهَذَا قَوْلٌ غَرِيبٌ . ( وَأَنَّهُمْ ) أَيْ : كُفَّارُ الْإِنْسِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=7ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ ) أَيُّهَا الْجِنُّ ، يُخَاطِبُ بِهِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا . وَظَنُّوا وَظَنَنْتُمْ ، كُلٌّ مِنْهُمَا يَطْلُبُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=7أَنْ لَنْ يَبْعَثَ ) فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ بَابِ الْإِعْمَالِ ، وَأَنْ هِيَ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ . وَقِيلَ : الضَّمِيرُ فِي ( وَأَنَّهُمْ ) يَعُودُ عَلَى الْجِنِّ ، وَالْخِطَابُ فِي ظَنَنْتُمْ
لِقُرَيْشٍ ، وَهَذِهِ وَالَّتِي قَبْلَهَا هُمَا مِنَ الْمُوحَى بِهِ لَا مِنْ كَلَامِ الْجِنِّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=7أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا ) : الظَّاهِرُ أَنَّهُ بِعْثَةُ الرِّسَالَةِ إِلَى الْخَلْقِ ، وَهُوَ أَنْسَبُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْآيِ وَلِمَا تَأَخَّرَ . وَقِيلَ : بَعْثُ الْقِيَامَةِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=8وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ ) : أَصْلُ اللَّمْسِ الْمَسُّ ، ثُمَّ اسْتُعِيرَ لِلتَّطَلُّبِ ، وَالْمَعْنَى : طَلَبْنَا بُلُوغَ السَّمَاءِ ; لِاسْتِمَاعِ كَلَامِ أَهْلِهَا فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ . الظَّاهِرُ أَنَّ وَجَدَ هُنَا بِمَعْنَى صَادَفَ وَأَصَابَ ، وَتَعَدَّتْ إِلَى وَاحِدٍ ، وَالْجُمْلَةُ مِنْ ( مُلِئَتْ ) فِي مَوْضِعِ الْحَالِ ، وَأُجِيزَ أَنْ تَكُونَ تَعَدَّتْ إِلَى اثْنَيْنِ ، ( فَمُلِئَتْ ) فِي
[ ص: 349 ] مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=13723الْأَعْرَجُ : مُلِيَتْ بِالْيَاءِ دُونَ هَمْزٍ ، وَالْجُمْهُورُ بِالْهَمْزِ ، وَشَدِيدًا : صِفَةٌ لِلْحَرَسِ عَلَى اللَّفْظِ ; لِأَنَّهُ اسْمُ جَمْعٍ ، كَمَا قَالَ :
أَخْشَى رُجَيْلًا أَوْ رُكَيْبًا عَادِيًا
وَلَوْ لُحِظَ الْمَعْنَى لَقَالَ : شِدَادًا بِالْجَمْعِ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَرَسِ : الْمَلَائِكَةُ ، أَيْ : حَافِظِينَ مِنْ أَنْ تَقْرَبَهَا الشَّيَاطِينُ ، وَشُهُبًا جَمْعُ شِهَابٍ ، وَهُوَ مَا يُرْجَمُ بِهِ الشَّيَاطِينُ إِذَا اسْتَمَعُوا . قِيلَ : وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الشُّهُبُ هُمُ الْحَرَسُ ، وَكَرَّرَ الْمَعْنَى لَمَّا اخْتَلَفَ اللَّفْظُ نَحْوُ :
وَهِنْدٌ أَتَى مِنْ دُونِهَا النَّأْيُ وَالْبُعْدُ
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=8فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ يَطْرُقُونَ السَّمَاءَ وَلَا يَجِدُونَهَا قَدْ مُلِئَتْ . ( مَقَاعِدَ ) جَمْعُ مَقْعَدٍ ، وَقَدْ فَسَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صُورَةَ قُعُودِ الْجِنِّ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374969أَنَّهُمْ كَانُوا وَاحِدًا فَوْقَ وَاحِدٍ ، فَمَتَى أَحْرَقَ الْأَعْلَى طَلَعَ الَّذِي تَحْتَهُ مَكَانَهُ ، فَكَانُوا يَسْتَرِقُونَ الْكَلِمَةَ فَيُلْقُونَهَا إِلَى الْكُهَّانِ وَيَزِيدُونَ مَعَهَا ، ثُمَّ يَزِيدُ الْكُهَّانُ الْكَلِمَةَ مِائَةَ كَذْبَةٍ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=9فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ ) الْآنَ ظَرْفُ زَمَانٍ لِلْحَالِ ، وَيَسْتَمِعُ مُسْتَقْبَلٌ ، فَاتَّسَعَ فِي الظَّرْفِ وَاسْتُعْمِلَ لِلِاسْتِقْبَالِ ، كَمَا قَالَ :
سَأَسْعَى الْآنَ إِذْ بَلَغَتِ أَنَاهَا
فَالْمَعْنَى : فَمَنْ يَقَعُ مِنْهُ اسْتِمَاعٌ فِي الزَّمَانِ الْآتِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=9يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا ) أَيْ : يَرْصُدُهُ فَيَحْرِقُهُ ، هَذَا لِمَنِ اسْتَمَعَ . وَأَمَّا السَّمْعُ فَقَدِ انْقَطَعَ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=212إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ ) . وَالرَّجْمُ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي أَشْعَارِهِمْ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ حِينَ رَأَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَجْمًا قَدْ رُمِيَ بِهِ ، قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374970مَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ فِي مِثْلِ هَذَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ " ؟ قَالُوا : كُنَّا نَقُولُ : يَمُوتُ عَظِيمٌ أَوْ يُولَدُ عَظِيمٌ . قَالَ
أَوْسُ بْنُ حَجَرٍ :
وَانْقَضَّ كَالدُّرِّيِّ يَتْبَعُهُ نَقْعٌ يَثُورُ تَخَالُهُ طُنُبَا
وَقَالَ
عَوْفُ بْنُ الْجَزْعِ :
فَرَدَّ عَلَيْنَا الْعِيرَ مِنْ دُونِ إِلْفِهِ أَوِ الثَّوْرِ كَالدُّرِّيِّ يَتْبَعُهُ الدَّمُ
وَقَالَ
بِشْرُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ :
وَالْعِيرُ يُرْهِقُهَا الْغُبَارُ ، وَجَحْشُهَا يَنْقَضُّ خَلْفَهُمَا انْقِضَاضَ الْكَوْكَبِ
قَالَ
التِّبْرِيزِيُّ : وَهَؤُلَاءِ الشُّعَرَاءُ كُلُّهُمْ جَاهِلِيُّونَ لَيْسَ فِيهِمْ مُخَضْرَمٌ ، وَقَالَ
مَعْمَرٌ : قُلْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=12300لِلزُّهْرِيِّ : أَكَانَ يُرْمَى بِالنُّجُومِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قُلْتُ : أَرَأَيْتَ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=9وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ ) ؟ فَقَالَ : غُلِّظَتْ وَشُدِّدَ أَمْرُهَا حِينَ بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13974الْجَاحِظُ : الْقَوْلُ بِالرَّمْي أَصَحُّ ; لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=8فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ ) وَهَذَا إِخْبَارٌ عَنِ الْجِنِّ أَنَّهُ زِيدَ فِي حَرَسِ السَّمَاءِ حَتَّى امْتَلَأَتْ ، وَلِمَا رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ السَّابِقَ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : تَابِعًا
nindex.php?page=showalam&ids=13974لِلْجَاحِظِ ، وَفِي قَوْلِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَرَسَ هُوَ الْمَلْءُ وَالْكَثْرَةُ ، فَلِذَلِكَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=9نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ ) أَيْ : كُنَّا نَجِدُ فِيهَا بَعْضَ الْمَقَاعِدِ خَالِيَةً مِنَ الْحَرَسِ وَالشُّهُبِ ، وَالْآنَ مُلِئَتِ الْمَقَاعِدُ كُلُّهَا . انْتَهَى . وَهَذَا كُلُّهُ يُبْطِلُ قَوْلَ مَنْ قَالَ : إِنَّ الرَّجْمَ حَدَثَ بَعْدَ مَبْعَثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ إِحْدَى آيَاتِهِ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ رَصَدًا عَلَى مَعْنَى : ذَوِي شِهَابٍ رَاصِدِينَ بِالرَّجْمِ ، وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ يَرْجُمُونَهُمْ بِالشُّهُبِ وَيَمْنَعُونَهُمْ مِنَ الِاسْتِمَاعِ .
وَلَمَّا رَأَوْا مَا حَدَثَ مِنْ كَثْرَةِ الرَّجْمِ وَمَنْعِ الِاسْتِرَاقِ قَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=10أَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ ) وَهُوَ كُفْرُهُمْ بِهَذَا النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَنْزِلُ بِهِمُ الشَّرُّ (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=10أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا ) فَيُؤْمِنُونَ بِهِ فَيَرْشُدُونَ . وَحِينَ ذَكَرُوا الشَّرَّ لَمْ يُسْنِدُوهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَحِينَ ذَكَرُوا الرُّشْدَ أَسْنَدُوهُ إِلَيْهِ تَعَالَى . (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=11وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ ) : أَخْبَرُوا بِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ صَلَاحٍ وَغَيْرِهِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=11وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ ) أَيْ : دُونَ الصَّالِحِينَ ، وَيَقَعُ " دُونَ " فِي مَوَاضِعِ مَوْقِعِ غَيْرٍ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : وَمِنَّا غَيْرُ صَالِحِينَ . وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدُوا : وَمِنَّا دُونُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاحِ ، أَيْ : فِيهِمْ أَبْرَارٌ وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ غَيْرُ كَامِلٍ فِي الصَّلَاحِ ، " وَدُونَ " فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِمَحْذُوفٍ ، أَيْ : وَمِنَّا قَوْمٌ دُونَ ذَلِكَ . وَيَجُوزُ حَذْفُ هَذَا الْمَوْصُوفِ فِي التَّفْصِيلِ " بِمِنْ " ، حَتَّى فِي الْجُمَلِ ، قَالُوا : مِنَّا ظَعَنَ وَمِنَّا أَقَامَ ، يُرِيدُونَ : مِنَّا فَرِيقٌ ظَعَنَ وَمِنَّا
[ ص: 350 ] فَرِيقٌ أَقَامَ ، وَالْجُمْلَةُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=11كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا ) تَفْسِيرٌ لِلْقِسْمَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ : أَهْوَاءٌ مُخْتَلِفَةٌ ، وَقِيلَ : فِرَقًا مُخْتَلِفَةً . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : أَيْ كُنَّا ذَوِي مَذَاهِبَ مُخْتَلِفَةٍ ، أَوْ كُنَّا فِي اخْتِلَافِ أَحْوَالِنَا مِثْلَ الطَّرَائِقِ الْمُخْتَلِفَةِ ، أَوْ كُنَّا فِي طَرَائِقَ مُخْتَلِفَةٍ كَقَوْلِهِ :
كَمَا عَسَلَ الطَّرِيقَ الثَّعْلَبُ
أَوْ كَانَتْ طَرَائِقُنَا قِدَدًا ، عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ الَّذِي هُوَ الطَّرَائِقُ ، وَإِقَامَةِ الضَّمِيرِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ مَقَامَهُ . انْتَهَى . وَفِي تَقْدِيرَيْهِ الْأَوَّلَيْنِ حَذْفُ الْمُضَافِ مِنْ طَرَائِقَ وَإِقَامَةُ الْمُضَافِ إِلَيْهِ مَقَامَهُ ، إِذْ حَذَفَ ذَوِي وَمِثْلَ . وَأَمَّا التَّقْدِيرُ الثَّالِثُ ، وَهُوَ أَنْ يَنْتَصِبَ عَلَى إِسْقَاطِ ( فِي ) فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ إِلَّا فِي الضَّرُورَةِ ، وَقَدْ نَصَّ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ عَلَى أَنَّ عَسَلَ الطَّرِيقَ شَاذٌّ ، فَلَا يُخَرَّجُ الْقُرْآنُ عَلَيْهِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=12وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ ) أَيْ : أَيْقَنَّا ( فِي الْأَرْضِ ) أَيْ : كَائِنِينَ فِي الْأَرْضِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=12وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا ) أَيْ : مِنَ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ ، وَ ( فِي الْأَرْضِ ) وَ ( هَرَبًا ) حَالَانِ ، أَيْ : فَارِّينَ أَوْ هَارِبِينَ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=13وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى ) : وَهُوَ الْقُرْآنُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=13آمَنَّا بِهِ ) أَيْ : بِالْقُرْآنِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=13فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ ) أَيْ : فَهُوَ لَا يَخَافُ . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=17340ابْنُ وَثَّابٍ nindex.php?page=showalam&ids=13726وَالْأَعْمَشُ وَالْجُمْهُورُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=13فَلَا يَخَافُ ) وَخَرَجَتْ قِرَاءَتُهُمَا عَلَى النَّفْيِ . وَقِيلَ : الْفَاءُ زَائِدَةٌ وَلَا نَفْيَ . وَلَيْسَ بِشَيْءٍ ، وَكَانَ الْجَوَابُ بِالْفَاءِ أَجْوَدَ مِنَ الْمَجِيءِ بِالْفِعْلِ مَجْزُومًا دُونَ الْفَاءِ ; لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ بِالْفَاءِ كَانَ عَلَى إِضْمَارِ مُبْتَدَأٍ ، أَيْ : فَهُوَ لَا يَخَافُ . وَالْجُمْلَةُ الِاسْمِيَّةُ أَدَلُّ وَآكَدُ مِنَ الْفِعْلِيَّةِ عَلَى تَحَقُّقِ مَضْمُونِ الْجُمْلَةِ . ( بَخْسًا ) قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : نَقْصَ الْحَسَنَاتِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=13وَلَا رَهَقًا ) قَالَ : زِيَادَةً فِي السَّيِّئَاتِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=13وَلَا رَهَقًا ) قِيلَ : تَحْمِيلُ مَا لَا يُطَاقُ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : أَيْ جَزَاءَ بَخْسٍ وَلَا رَهَقٍ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَبْخَسْ أَحَدًا حَقًّا وَلَا رَهَقَ ظُلْمَ أَحَدٍ ، فَلَا يَخَافُ جَزَاءَهُمَا . وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ : فَلَا يَخَافُ أَنْ يُبْخَسَ ، بَلْ يُجْزَى الْجَزَاءَ الْأَوْفَى ، وَلَا أَنْ تُرْهِقَهُ ذِلَّةٌ مِنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=43تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ) . انْتَهَى .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : ( بَخْسًا ) بِسُكُونِ الْخَاءِ .
وَابْنُ وَثَّابٍ بِفَتْحِهَا . (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=14وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ ) أَيِ الْكَافِرُونَ الْجَائِرُونَ عَنِ الْحَقِّ . قَالَ
مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ : وَأَلْبَأْسَ الْقَاسِطَ الظَّالِمَ ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ :
قَوْمٌ هُمُ قَتَلُوا ابْنَ هِنْدٍ عُنْوَةً وَهُمُو أَقْسَطُوا عَلَى النُّعْمَانِ
وَجَاءَ هَذَا التَّقْسِيمُ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ تَقَدَّمَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=11وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ ) لِيَذْكُرَ حَالَ الْفَرِيقَيْنِ مِنَ النَّجَاةِ وَالْهَلَكَةِ ، وَيُرَغِّبَ مَنْ يَدْخُلُ فِي الْإِسْلَامِ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=14فَمَنْ أَسْلَمَ ) إِلَى آخِرِ الشَّرْطَيْنِ مِنْ كَلَامِ الْجِنِّ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : الْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=14فَمَنْ أَسْلَمَ ) مُخَاطَبَةً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى
لِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُؤَيِّدُهُ مَا بَعْدُ مِنَ الْآيَاتِ . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=13723الْأَعْرَجُ : ( رُشْدًا ) ، بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ الشِّينِ . وَالْجُمْهُورُ بِفَتْحِهِمَا . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَقَدْ زَعَمَ مَنْ لَا يَرَى لِلْجِنِّ ثَوَابًا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْعَدَ قَاسِطِيهِمْ وَمَا وَعَدَ مُسْلِمِيهِمْ ، وَكَفَى بِهِ وَعِيدًا ، أَيْ : فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا ، فَذَكَرَ سَبَبَ الثَّوَابِ وَمُوجِبَهُ ، وَاللَّهُ أَعْدَلُ مِنْ أَنْ يُعَاقِبَ الْقَاسِطَ وَلَا يُثِيبَ الرَّاشِدَ . انْتَهَى ، وَفِيهِ دَسِيسَةُ الِاعْتِزَالِ فِي قَوْلِهِ : وَمُوجِبِهِ .