ولما ذكر أن كل نفس عليها حافظ ، أتبع ذلك بوصية الإنسان بالنظر في أول نشأته الأولى حتى يعلم أن من أنشأه قادر على إعادته وجزائه ، فيعمل لذلك ولا يملي على حافظه إلا ما يسره في عاقبته . و (
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=5مم خلق ) استفهام ، ومن متعلقة ب ( خلق ) ، والجملة في موضع نصب ب ( فلينظر ) ، وهي معلقة . وجواب الاستفهام ما بعده وهو : (
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=6nindex.php?page=treesubj&link=29057خلق من ماء دافق ) وهو مني الرجل والمرأة لما امتزجا في الرحم واتحدا عبر عنهما بماء ، وهو مفرد ، ودافق قيل : هو بمعنى مدفوق ، وهي قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=15948زيد بن علي . وعند
الخليل nindex.php?page=showalam&ids=16076وسيبويه : هو على النسب ، كلابن وتامر ، أي : ذي دفق . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : بمعنى دافق لزج ، وكأنه أطلق عليه وصفه لا أنه موضوع في اللغة لذلك ، والدفق : الصب ، فعله متعد . وقال
ابن عطية : والدفق : دفع الماء بعضه ببعض ، تدفق الوادي والسيل إذا جاء يركب بعضه بعضا . ويصح أن يكون الماء دافقا ؛ لأن بعضه يدفع بعضا ، فمنه دافق ومنه مدفوق . انتهى . وركب قوله هذا على تدفق ، وتدفق لازم دفقته فتدفق ، نحو : كسرته فتكسر ، ودفق ليس في اللغة معناه ما فسر من قوله : والدفق دفع الماء بعضه ببعض ، بل المحفوظ أنه الصب . وقرأ الجمهور : ( يخرج ) مبنيا للفاعل (
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=7من بين الصلب ) بضم الصاد وسكون اللام ،
nindex.php?page=showalam&ids=12356وابن أبي عبلة وابن مقسم : مبنيا للمفعول ، وهما وأهل
مكة وعيسى : بضم الصاد واللام ، واليماني : بفتحهما . قال
العجاج :
في صلب مثل العنان المؤدم
وتقدمت اللغات في الصلب في سورة النساء ، وإعرابها صالب كما قال
العباس :
تنقل من صالب إلى رحم
قال
قتادة والحسن : معناه من بين صلب كل واحد من الرجل والمرأة وترائبه . وقال
سفيان وقتادة أيضا : من بين صلب الرجل وترائب المرأة ، وتقدم شرح الترائب في المفردات . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : موضع القلادة ، وعن
ابن جبير : هي أضلاع الرجل التي أسفل الصلب . وقيل : ما بين المنكبين والصدر . وقيل : هي التراقي ، وعن
معمر : هي عصارة القلب ومنه يكون الولد . ونقل
nindex.php?page=showalam&ids=17140مكي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن الترائب أطراف المرء ، رجلاه ويداه وعيناه . قال
ابن عطية : وفي هذه الأحوال تحكم على اللغة . انتهى .
( إنه ) الضمير يعود على الخالق الدال عليه ( خلق ) . (
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=8على رجعه ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وقتادة : الضمير في رجعه عائد على الإنسان ، أي على رده حيا بعد موته ، أي من أنشأه أولا قادر على بعثه يوم القيامة لا يعجزه شيء . وقال
الضحاك : على رده من الكبر إلى الشباب . وقال
عكرمة ومجاهد : الضمير عائد على الماء ، أي على رد الماء في الإحليل أو في الصلب . وعلى هذا القول وقول الضحاك يكون العامل في (
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=9يوم تبلى ) مضمرا تقديره اذكر . وعلى قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وهو الأظهر ، فقال بعض النحاة : العامل ( ناصر ) من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=10ولا ناصر ) وهذا فاسد لأن ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها ، وكذلك ما النافية لا يعمل ما بعدها فيما قبلها على المشهور المنصور . وقال آخرون ، ومنهم
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : العامل ( رجعه ) ورد بأن فيه فصلا بين الموصول ومتعلقه ، وهو من تمام الصلة ، ولا يجوز . وقال الحذاق من النحاة : العامل فيه مضمر يدل عليه المصدر تقديره : يرجعه يوم تبلى السرائر . قال
ابن عطية : وكل هذه الفرق فرت من أن يكون العامل " لقادر " ، لأنه يظهر من ذلك تخصيص القدرة في ذلك اليوم وحده . وإذا تؤمل المعنى وما يقتضيه فصيح كلام العرب جاز أن يكون المعنى " لقادر " ، وذلك أنه قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=8nindex.php?page=treesubj&link=29057إنه على رجعه لقادر ) على الإطلاق أولا وآخرا وفي كل وقت . ثم ذكر تعالى
[ ص: 456 ] وخصص من الأوقات الوقت الأهم على الكفار ؛ لأنه وقت الجزاء والوصول إلى العذاب ليجتمع الناس إلى حذره والخوف منه . انتهى .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=9تبلى ) قيل : تختبر ، وقيل : تعرف وتتصفح وتميز صالحها من فاسدها ، والسرائر : ما أكنته القلوب من العقائد والنيات ، وما أخفته الجوارح من الأعمال ، والظاهر عموم السرائر . وفي الحديث :
إنها التوحيد والصلاة والزكاة والغسل من الجنابة ، وكان المذكور في الحديث هو أعظم السرائر ، وسمع
الحسن من ينشد :
سيبقى لها في مضمر القلب والحشا سريرة ود يوم تبلى السرائر
فقال : ما أغفله عما في السماء والطارق ، والبيت
للأحوص . ولما كان الامتناع في الدنيا إما بقوة في الإنسان ، وإما بناصر خارج عن نفسه نفى عنه تعالى ما يمتنع به وأتى بمن الدالة على العموم في نفي القوة والناصر . ( والسماء ) أقسم ثانيا بالسماء وهي المظلة . قيل : ويحتمل أن يكون السحاب ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=11nindex.php?page=treesubj&link=29057ذات الرجع ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : الرجع : السحاب فيه المطر . وقال
الحسن : ترجع بالرزق كل عام . وقال
ابن زيد : الرجع مصدر رجوع الشمس والقمر والكواكب من حال إلى حال ومن منزلة إلى منزلة ، تذهب وترجع ، وقيل : الرجع : المطر ، ومنه قول
الهذلي :
أبيض كالرجع رسوب إذا ما ناح في محتفل يختلي
يصف سيفا شبهه بماء المطر في بياضه وصفائه ، وسمي رجعا كما سمي إربا ، قال الشاعر :
ربا شمالا لا يأوي لقلتها إلا السحاب وإلا الإرب والسبل
تسمية بمصدر آب ورجع . تزعم العرب أن السحاب يحمل الماء من بحار الأرض ثم يرجعه إلى الأرض إذا أرادوا التفاؤل ، وسموه رجعا وإربا ليرجع ويئوب . وقيل : لأن الله تعالى يرجعه وقتا فوقتا ، قالت الخنساء :
كالرجع في المدجنة الساريه
وقيل : الرجع : الملائكة ، سموا بذلك لرجوعهم بأعمال العباد . وقيل : السحاب ، والمشهور عند أهل اللغة ، وقول الجمهور : أن الرجع هو المطر ، والصدع : ما تتصدع عنه الأرض من النبات ، ويناسب قول من قال : الرجع : المطر . وقال
ابن زيد : ذات الانشقاق : النبات . وقال أيضا : ذات الحرث . وقال
مجاهد : الصدع : ما في الأرض من شقاق ولصاب وخندق وتشقق بحرث وغيره ، وهي أمور فيها معتبر ، وعنه أيضا : ذات الطرق تصدعها المشاة . وقيل : ذات الأموات لانصداعها عنهم يوم النشور . والضمير في ( إنه ) قالوا عائد على القرآن . ( فصل ) أي فاصل بين الحق والباطل ، كما قيل له فرقان . وأقول : ويجوز أن يعود الضمير في ( إنه ) على الكلام الذي أخبر فيه ببعث الإنسان يوم القيامة وابتلاء سرائره ، أي إن ذلك القول قول جزم مطابق للواقع لا هزل فيه ، ويكون الضمير قد عاد على مذكور ، وهو الكلام الذي تضمن الإخبار عن البعث ، وليس من الأخبار التي فيها هزل بل هو جد كله ( إنهم ) أي الكافرون (
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=15يكيدون ) أي في إبطال أمر الله وإطفاء نور الحق (
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=16وأكيد ) أي أجازيهم على كيدهم ، فسمى الجزاء كيدا على سبيل المقابلة ، نحو قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=54ومكروا ومكر الله ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=14إنما نحن مستهزئون ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=15الله يستهزئ بهم ) ثم أمر رسوله ، صلى الله عليه وسلم ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=17أمهلهم رويدا ) أي انتظر عقوبتهم ولا تستعجل ذلك ثم أكد أمره فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=17nindex.php?page=treesubj&link=29057أمهلهم رويدا ) أي إمهالا ، لما كرر الأمر توكيدا خالف بين اللفظين ، على أن الأول مطلق ، وهذا الثاني مقيد بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=17رويدا ) وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : ( مهلهم ) بفتح الميم وشد الهاء موافقة للفظ الأمر الأول .
وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّ كُلَّ نَفْسٍ عَلَيْهَا حَافِظٌ ، أَتْبَعَ ذَلِكَ بِوَصِيَّةِ الْإِنْسَانِ بِالنَّظَرِ فِي أَوَّلِ نَشْأَتِهِ الْأُولَى حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَنْ أَنْشَأَهُ قَادِرٌ عَلَى إِعَادَتِهِ وَجَزَائِهِ ، فَيَعْمَلَ لِذَلِكَ وَلَا يُمْلِي عَلَى حَافِظِهِ إِلَّا مَا يَسُرُّهُ فِي عَاقِبَتِهِ . وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=5مِمَّ خُلِقَ ) اسْتِفْهَامٌ ، وَمِنْ مُتَعَلِّقَةٌ بِ ( خُلِقَ ) ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِ ( فَلْيَنْظُرْ ) ، وَهِيَ مُعَلَّقَةٌ . وَجَوَابُ الِاسْتِفْهَامِ مَا بَعْدَهُ وَهُوَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=6nindex.php?page=treesubj&link=29057خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ ) وَهُوَ مَنِيُّ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ لَمَّا امْتَزَجَا فِي الرَّحِمِ وَاتَّحَدَا عَبَّرَ عَنْهُمَا بِمَاءٍ ، وَهُوَ مُفْرَدٌ ، وَدَافِقٌ قِيلَ : هُوَ بِمَعْنَى مَدْفُوقٍ ، وَهِيَ قِرَاءَةُ
nindex.php?page=showalam&ids=15948زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ . وَعِنْدَ
الْخَلِيلِ nindex.php?page=showalam&ids=16076وَسِيبَوَيْهِ : هُوَ عَلَى النَّسَبِ ، كَلَابِنٍ وَتَامِرٍ ، أَيْ : ذِي دَفْقٍ . وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ : بِمَعْنَى دَافِقٍ لَزِجٍ ، وَكَأَنَّهُ أَطْلَقَ عَلَيْهِ وَصْفَهُ لَا أَنَّهُ مَوْضُوعٌ فِي اللُّغَةِ لِذَلِكَ ، وَالدَّفْقُ : الصَّبُّ ، فِعْلُهُ مُتَعَدٍّ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَالدَّفْقُ : دَفْعُ الْمَاءِ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ ، تَدَفَّقَ الْوَادِي وَالسَّيْلُ إِذَا جَاءَ يَرْكَبُ بَعْضُهُ بَعْضًا . وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ دَافِقًا ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُ يَدْفَعُ بَعْضًا ، فَمِنْهُ دَافِقٌ وَمِنْهُ مَدْفُوقٌ . انْتَهَى . وَرُكِّبَ قَوْلُهُ هَذَا عَلَى تَدَفَّقَ ، وَتَدَفَّقَ لَازِمٌ دَفَقْتُهُ فَتَدَفَّقَ ، نَحْوَ : كَسَرْتُهُ فَتَكَسَّرَ ، وَدَفَقَ لَيْسَ فِي اللُّغَةِ مَعْنَاهُ مَا فَسَّرَ مِنْ قَوْلِهِ : وَالدَّفْقُ دَفْعُ الْمَاءِ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ ، بَلِ الْمَحْفُوظُ أَنَّهُ الصَّبُّ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : ( يَخْرُجُ ) مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=7مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ ) بِضَمِّ الصَّادِ وَسُكُونِ اللَّامِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12356وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ وَابْنُ مِقْسَمٍ : مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ ، وَهُمَا وَأَهْلُ
مَكَّةَ وَعِيسَى : بِضَمِّ الصَّادِ وَاللَّامِ ، وَالْيَمَانِيُّ : بِفَتْحِهِمَا . قَالَ
الْعَجَّاجُ :
فِي صُلْبٍ مِثْلِ الْعَنَانِ الْمُؤَدَّمِ
وَتَقَدَّمَتِ اللُّغَاتُ فِي الصُّلْبِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ ، وَإِعْرَابُهَا صَالِبٌ كَمَا قَالَ
الْعَبَّاسُ :
تُنْقَلُ مِنْ صَالِبٍ إِلَى رَحِمٍ
قَالَ
قَتَادَةُ وَالْحَسَنُ : مَعْنَاهُ مِنْ بَيْنِ صُلْبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَتَرَائِبِهِ . وَقَالَ
سُفْيَانُ وَقَتَادَةُ أَيْضًا : مِنْ بَيْنِ صُلْبِ الرَّجُلِ وَتَرَائِبِ الْمَرْأَةِ ، وَتَقَدَّمَ شَرْحُ التَّرَائِبِ فِي الْمُفْرَدَاتِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : مَوْضِعُ الْقِلَادَةِ ، وَعَنِ
ابْنِ جُبَيْرٍ : هِيَ أَضْلَاعُ الرَّجُلِ الَّتِي أَسْفَلَ الصُّلْبِ . وَقِيلَ : مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ وَالصَّدْرِ . وَقِيلَ : هِيَ التَّرَاقِي ، وَعَنْ
مَعْمَرٍ : هِيَ عُصَارَةُ الْقَلْبِ وَمِنْهُ يَكُونُ الْوَلَدُ . وَنَقَلَ
nindex.php?page=showalam&ids=17140مَكِّيٌّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ التَّرَائِبَ أَطْرَافُ الْمَرْءِ ، رِجْلَاهُ وَيَدَاهُ وَعَيْنَاهُ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَفِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ تَحْكُمُ عَلَى اللُّغَةِ . انْتَهَى .
( إِنَّهُ ) الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى الْخَالِقِ الدَّالِّ عَلَيْهِ ( خُلِقَ ) . (
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=8عَلَى رَجْعِهِ ) قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ : الضَّمِيرُ فِي رَجْعِهِ عَائِدٌ عَلَى الْإِنْسَانِ ، أَيْ عَلَى رَدِّهِ حَيًّا بَعْدَ مَوْتِهِ ، أَيْ مَنْ أَنْشَأَهُ أَوَّلًا قَادِرٌ عَلَى بَعْثِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ . وَقَالَ
الضَّحَّاكُ : عَلَى رَدِّهِ مِنَ الْكِبَرِ إِلَى الشَّبَابِ . وَقَالَ
عِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ : الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْمَاءِ ، أَيْ عَلَى رَدِّ الْمَاءِ فِي الْإِحْلِيلِ أَوْ فِي الصُّلْبِ . وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَقَوْلِ الضَّحَّاكِ يَكُونُ الْعَامِلُ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=9يَوْمَ تُبْلَى ) مُضْمَرًا تَقْدِيرُهُ اذْكُرْ . وَعَلَى قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ ، فَقَالَ بَعْضُ النُّحَاةِ : الْعَامِلُ ( نَاصِرٍ ) مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=10وَلَا نَاصِرٍ ) وَهَذَا فَاسِدٌ لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْفَاءِ لَا يَعْمَلُ فِيمَا قَبْلَهَا ، وَكَذَلِكَ مَا النَّافِيَةُ لَا يَعْمَلُ مَا بَعْدَهَا فِيمَا قَبْلَهَا عَلَى الْمَشْهُورِ الْمَنْصُورِ . وَقَالَ آخَرُونَ ، وَمِنْهُمُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : الْعَامِلُ ( رَجْعِهِ ) وَرُدَّ بِأَنْ فِيهِ فَصْلًا بَيْنَ الْمَوْصُولِ وَمُتَعَلِّقِهِ ، وَهُوَ مِنْ تَمَامِ الصِّلَةِ ، وَلَا يَجُوزُ . وَقَالَ الْحُذَّاقُ مِنَ النُّحَاةِ : الْعَامِلُ فِيهِ مُضْمَرٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمَصْدَرُ تَقْدِيرُهُ : يُرْجِعُهُ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَكُلُّ هَذِهِ الْفِرَقِ فَرَّتْ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ " لَقَادِرٌ " ، لِأَنَّهُ يَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ تَخْصِيصُ الْقُدْرَةِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَحْدَهُ . وَإِذَا تُؤُمِّلَ الْمَعْنَى وَمَا يَقْتَضِيهِ فَصِيحُ كَلَامِ الْعَرَبِ جَازَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى " لَقَادِرٌ " ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=8nindex.php?page=treesubj&link=29057إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ) عَلَى الْإِطْلَاقِ أَوَّلًا وَآخِرًا وَفِي كُلِّ وَقْتٍ . ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى
[ ص: 456 ] وَخَصَّصَ مِنَ الْأَوْقَاتِ الْوَقْتَ الْأَهَمَّ عَلَى الْكُفَّارِ ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْجَزَاءِ وَالْوُصُولِ إِلَى الْعَذَابِ لِيَجْتَمِعَ النَّاسُ إِلَى حَذَرِهِ وَالْخَوْفِ مِنْهُ . انْتَهَى .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=9تُبْلَى ) قِيلَ : تُخْتَبَرُ ، وَقِيلَ : تُعْرَفُ وَتُتَصَفَّحُ وَتُمَيَّزُ صَالِحُهَا مِنْ فَاسِدِهَا ، وَالسَّرَائِرُ : مَا أَكَنَّتْهُ الْقُلُوبُ مِنَ الْعَقَائِدِ وَالنِّيَّاتِ ، وَمَا أَخْفَتْهُ الْجَوَارِحُ مِنَ الْأَعْمَالِ ، وَالظَّاهِرُ عُمُومُ السَّرَائِرِ . وَفِي الْحَدِيثِ :
إِنَّهَا التَّوْحِيدُ وَالصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ وَالْغُسْلُ مِنَ الْجَنَابَةِ ، وَكَانَ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ هُوَ أَعْظَمَ السَّرَائِرِ ، وَسَمِعَ
الْحَسَنُ مَنْ يُنْشِدُ :
سَيَبْقَى لَهَا فِي مُضْمَرِ الْقَلْبِ وَالْحَشَا سَرِيرَةُ وُدٍّ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ
فَقَالَ : مَا أَغْفَلَهُ عَمَّا فِي السَّمَاءِ وَالطَّارِقِ ، وَالْبَيْتُ
لِلْأَحْوَصِ . وَلَمَّا كَانَ الِامْتِنَاعُ فِي الدُّنْيَا إِمَّا بِقُوَّةٍ فِي الْإِنْسَانِ ، وَإِمَّا بِنَاصِرٍ خَارِجٍ عَنْ نَفْسِهِ نَفَى عَنْهُ تَعَالَى مَا يَمْتَنِعُ بِهِ وَأَتَى بِمِنَ الدَّالَّةِ عَلَى الْعُمُومِ فِي نَفْيِ الْقُوَّةِ وَالنَّاصِرِ . ( وَالسَّمَاءِ ) أَقْسَمَ ثَانِيًا بِالسَّمَاءِ وَهِيَ الْمِظَلَّةُ . قِيلَ : وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ السَّحَابَ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=11nindex.php?page=treesubj&link=29057ذَاتِ الرَّجْعِ ) قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : الرَّجْعُ : السَّحَابُ فِيهِ الْمَطَرُ . وَقَالَ
الْحَسَنُ : تَرْجِعُ بِالرِّزْقِ كُلَّ عَامٍ . وَقَالَ
ابْنُ زَيْدٍ : الرَّجْعُ مَصْدَرُ رُجُوعِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْكَوَاكِبِ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ وَمِنْ مَنْزِلَةٍ إِلَى مَنْزِلَةٍ ، تَذْهَبُ وَتَرْجِعُ ، وَقِيلَ : الرَّجْعُ : الْمَطَرُ ، وَمِنْهُ قَوْلُ
الْهُذَلِيِّ :
أَبْيَضُ كَالرَّجْعِ رَسُوبٌ إِذَا مَا نَاحَ فِي مُحْتَفَلٍ يَخْتَلِي
يَصِفُ سَيْفًا شَبَّهَهُ بِمَاءِ الْمَطَرِ فِي بَيَاضِهِ وَصَفَائِهِ ، وَسُمِّيَ رَجْعًا كَمَا سُمِّيَ إِرْبًا ، قَالَ الشَّاعِرُ :
رَبَّا شَمَالًا لَا يَأْوِي لِقُلَّتِهَا إِلَّا السَّحَابُ وَإِلَّا الْإِرْبُ وَالسَّبَلُ
تَسْمِيَةٌ بِمَصْدَرِ آبَ وَرَجَعَ . تَزْعُمُ الْعَرَبُ أَنَّ السَّحَابَ يَحْمِلُ الْمَاءَ مِنْ بِحَارِ الْأَرْضِ ثُمَّ يُرْجِعُهُ إِلَى الْأَرْضِ إِذَا أَرَادُوا التَّفَاؤُلَ ، وَسَمَّوْهُ رَجْعًا وَإِرْبًا لِيَرْجِعَ وَيَئُوبَ . وَقِيلَ : لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُرْجِعُهُ وَقْتًا فَوَقْتًا ، قَالَتِ الْخَنْسَاءُ :
كَالرَّجْعِ فِي الْمُدْجِنَّةِ السَّارِيَهْ
وَقِيلَ : الرَّجْعُ : الْمَلَائِكَةُ ، سُمُّوا بِذَلِكَ لِرُجُوعِهِمْ بِأَعْمَالِ الْعِبَادِ . وَقِيلَ : السَّحَابُ ، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ ، وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ : أَنَّ الرَّجْعَ هُوَ الْمَطَرُ ، وَالصَّدْعُ : مَا تَتَصَدَّعُ عَنْهُ الْأَرْضُ مِنَ النَّبَاتِ ، وَيُنَاسِبُ قَوْلَ مَنْ قَالَ : الرَّجْعُ : الْمَطَرُ . وَقَالَ
ابْنُ زَيْدٍ : ذَاتُ الِانْشِقَاقِ : النَّبَاتِ . وَقَالَ أَيْضًا : ذَاتُ الْحَرْثِ . وَقَالَ
مُجَاهِدٌ : الصَّدْعُ : مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شِقَاقٍ وَلِصَابٍ وَخَنْدَقٍ وَتَشَقُّقٍ بِحَرْثٍ وَغَيْرِهِ ، وَهِيَ أُمُورٌ فِيهَا مُعْتَبَرٌ ، وَعَنْهُ أَيْضًا : ذَاتُ الطُّرُقِ تُصَدِّعُهَا الْمُشَاةُ . وَقِيلَ : ذَاتُ الْأَمْوَاتِ لِانْصِدَاعِهَا عَنْهُمْ يَوْمَ النُّشُورِ . وَالضَّمِيرُ فِي ( إِنَّهُ ) قَالُوا عَائِدٌ عَلَى الْقُرْآنِ . ( فَصْلٌ ) أَيْ فَاصِلٌ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ ، كَمَا قِيلَ لَهُ فُرْقَانٌ . وَأَقُولُ : وَيَجُوزُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ فِي ( إِنَّهُ ) عَلَى الْكَلَامِ الَّذِي أَخْبَرَ فِيهِ بِبَعْثِ الْإِنْسَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَابْتِلَاءِ سَرَائِرِهِ ، أَيْ إِنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ قَوْلٌ جَزْمٌ مُطَابِقٌ لِلْوَاقِعِ لَا هَزْلَ فِيهِ ، وَيَكُونُ الضَّمِيرُ قَدْ عَادَ عَلَى مَذْكُورٍ ، وَهُوَ الْكَلَامُ الَّذِي تَضَمَّنُ الْإِخْبَارَ عَنِ الْبَعْثِ ، وَلَيْسَ مِنَ الْأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا هَزْلٌ بَلْ هُوَ جِدٌّ كُلُّهُ ( إِنَّهُمْ ) أَيِ الْكَافِرُونَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=15يَكِيدُونَ ) أَيْ فِي إِبْطَالِ أَمْرِ اللَّهِ وَإِطْفَاءِ نُورِ الْحَقِّ (
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=16وَأَكِيدُ ) أَيْ أُجَازِيهِمْ عَلَى كَيْدِهِمْ ، فَسَمَّى الْجَزَاءَ كَيْدًا عَلَى سَبِيلِ الْمُقَابَلَةِ ، نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=54وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=14إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=15اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ) ثُمَّ أَمَرَ رَسُولَهُ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=17أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا ) أَيِ انْتَظِرْ عُقُوبَتَهُمْ وَلَا تَسْتَعْجِلْ ذَلِكَ ثُمَّ أَكَّدَ أَمْرَهُ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=17nindex.php?page=treesubj&link=29057أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا ) أَيْ إِمْهَالًا ، لَمَّا كَرَّرَ الْأَمْرَ تَوْكِيدًا خَالَفَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ ، عَلَى أَنَّ الْأَوَّلَ مُطْلَقٌ ، وَهَذَا الثَّانِيَ مُقَيَّدٌ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=17رُوَيْدًا ) وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : ( مَهِّلْهُمْ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَشَدِّ الْهَاءِ مُوَافَقَةً لِلَفْظِ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ .