سورة البينة مدنية وهي ثماني آيات
بسم الله الرحمن الرحيم
[ ص: 498 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=29069لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=2رسول من الله يتلو صحفا مطهرة nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=3فيها كتب قيمة nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=4وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=5وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=6إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=7إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=8جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه ) .
هذه السورة مكية في قول الجمهور ، وقال
ابن الزبير nindex.php?page=showalam&ids=16572وعطاء بن يسار : مدنية ، قاله
ابن عطية ، وفي كتاب التحرير : مدنية ، وهو قول الجمهور ، وروى
أبو صالح عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنها مكية ، واختاره
nindex.php?page=showalam&ids=17317يحيى بن سلام ، ولما ذكر إنزال القرآن ، وفي السورة التي قبلها (
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=1اقرأ باسم ربك ) ذكر هنا أن الكفار لم يكونوا منفكين عن ما هم عليه حتى جاءهم الرسول يتلو عليهم ما أنزل عليه من الصحف المطهرة التي أمر بقراءتها ، وقسم الكافرين هنا إلى أهل كتاب وأهل إشراك ، وقرأ بعض القراء : ( والمشركون ) رفعا عطفا على ( الذين كفروا ) ، والجمهور بالجر عطفا على ( أهل الكتاب ) وأهل الكتاب
اليهود والنصارى ، والمشركون عبدة الأوثان من العرب ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أهل الكتاب
اليهود الذين كانوا
بيثرب هم
قريظة والنضير وبنو قينقاع ، والمشركون الذين كانوا
بمكة وحولها
والمدينة وحولها .
قال
مجاهد وغيره : لم يكونوا منفكين عن الكفر والضلال حتى جاءتهم البينة . وقال
الفراء وغيره : لم يكونوا منفكين عن معرفة صحة نبوة
محمد صلى الله عليه وسلم والتوكف لأمره حتى جاءتهم البينة ، فتفرقوا عند ذلك ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : كان الكفار من الفريقين يقولون قبل المبعث : لا ننفك مما نحن فيه من ديننا حتى يبعث النبي الموعود الذي هو مكتوب في التوراة والإنجيل ، وهو
محمد ، صلى الله عليه وسلم ، فحكى الله ما كانوا يقولونه . وقال
ابن عطية : ويتجه في معنى الآية قول ثالث بارع المعنى ، وذلك أنه يكون المراد : لم يكن هؤلاء القوم منفكين من أمر الله تعالى وقدرته ونظره لهم حتى يبعث الله تعالى إليهم رسولا منذرا تقوم عليهم به الحجة ويتم على من آمن النعمة ، فكأنه قال : ما كانوا ليتركوا سدى ، ولهذا نظائر في كتاب الله تعالى . انتهى . وقيل : لم يكونوا منفكين عن حياتهم فيموتوا حتى تأتيهم البينة . والظاهر أن المعنى : لم يكونوا منفكين ، أي منفصلا بعضهم من بعض ، بل كان كل منهم مقرا الآخر على ما هو عليه مما اختاره لنفسه ، هذا من اعتقاده في شريعته ، وهذا من اعتقاده في أصنامه ، والمعنى أنه اتصلت مودتهم واجتمعت كلمتهم إلى أن أتتهم البينة .
وقيل : معنى منفكين : هالكين ، من قولهم : انفك صلا المرأة عند الولادة ، وأن ينفصل فلا يلتئم ، والمعنى : لم يكونوا معذبين ولا هالكين إلا بعد قيام الحجة عليهم بإرسال الرسل وإنزال الكتب . انتهى . ومنفكين اسم فاعل من انفك ، وهي التامة وليست الداخلة على المبتدأ والخبر . وقال بعض النحاة : هي الناقصة ، ويقدر منفكين : عارفين أمر
محمد ، صلى الله عليه وسلم ، أو نحو هذا ، وخبر كان وأخواتها لا يجوز حذفه لا اقتصارا ولا اختصارا ، نص على ذلك أصحابنا ، ولهم علة في منع ذلك ذكروها في علم النحو ، وقالوا في قوله : حين ليس مجير ، أي في الدنيا ، فحذف الخبر أنه ضرورة ، والبينة : الحجة الجليلة .
وقرأ الجمهور : ( رسول ) بالرفع بدلا من ( البينة )
وأبي وعبد الله : بالنصب حالا من البينة (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=2يتلو صحفا ) أي قراطيس ( مطهرة ) من الباطل (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=3فيها كتب ) مكتوبات (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=3قيمة ) مستقيمة ناطقة بالحق (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=4nindex.php?page=treesubj&link=29069وما تفرق الذين أوتوا الكتاب ) أي من المشركين ، وانفصل بعضهم من بعض فقال : كل ما يدل عنده على صحة قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=4nindex.php?page=treesubj&link=29069إلا من بعد ما جاءتهم البينة ) وكان يقتضي مجيء البينة أن يجتمعوا على اتباعها ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : كانوا يعدون اجتماع الكلمة والاتفاق على الحق إذا جاءهم الرسول ، ثم ما فرقهم عن الحق ولا أقرهم على الكفر إلا مجيء الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقال أيضا : أفرد أهل الكتاب ، يعني في قوله :
[ ص: 499 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=4وما تفرق الذين أوتوا الكتاب ) بعد جمعهم والمشركين ، قيل : لأنهم كانوا على علم به لوجوده في كتبهم ، فإذا وصفوا بالتفرق عنه كان من لا كتاب له أدخل في هذا الوصف ، والمراد بتفرقهم تفرقهم عن الحق ، أو تفرقهم فرقا ، فمنهم من آمن ، ومنهم من أنكر ، وقال : ليس به ومنهم من عرف وعاند ، وقال
ابن عطية : ذكر تعالى مذمة من لم يؤمن من أهل الكتاب من أنهم لم يتفرقوا في أمر
محمد صلى الله عليه وسلم ، إلا من بعد ما رأوا الآيات الواضحة ، وكانوا من قبل متفقين على نبوته وصفته ، فلما جاء من العرب حسدوه . انتهى .
وقرأ الجمهور : ( مخلصين ) بكسر اللام ، و ( الدين ) منصوب به ، والحسن : بفتحها ، أي يخلصون هم أنفسهم في نياتهم ، وانتصب ( الدين ) إما على المصدر من ( ليعبدوا ) أي ليدينوا الله بالعبادة الدين ، وإما على إسقاط في ، أي في الدين ، والمعنى : وما أمروا ، أي في كتابيهما ، بما أمروا به إلا ليعبدوا ( حنفاء ) أي مستقيمي الطريقة ، وقال محمد بن الأشعب الطالقاني : القيمة هنا : الكتب التي جرى ذكرها ، كأنه لما تقدم لفظ قيمة نكرة ، كانت الألف واللام في القيمة للعهد ، كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=15كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول ) . وقرأ
عبد الله : وذلك الدين القيمة ، فالهاء في هذه القراءة للمبالغة ، أو أنث على أن عنى بالدين الملة ، كقوله : ما هذه الصوت ؟ يريد : ما هذه الصيحة : وذكر تعالى مقر الأشقياء وجزاء السعداء ، والبرية : جميع الخلق . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=13723الأعرج وابن عامر ،
ونافع : البرئة بالهمز من برأ ، بمعنى خلق ، والجمهور : بشد الياء ، فاحتمل أن يكون أصله الهمز ، ثم سهل بالإبدال وأدغم ، واحتمل أن يكون من البراء ، وهو التراب . قال
ابن عطية : وهذا الاشتقاق يجعل الهمز خطأ ، وهو اشتقاق غير مرضي ، ويعني اشتقاق البرية بلا همز من البرا ، وهو التراب ، فلا يجعله خطأ ، بل قراءة الهمز مشتقة من برأ ، وغير الهمز من البرا ، والقراءتان قد تختلفان في الاشتقاق نحو : أو ننساها أو ننسها ، فهو اشتقاق مرضي ، وحكم على الكفار من الفريقين بالخلود في النار وبكونهم شر البرية ، وبدأ بأهل الكتاب ؛ لأنهم كانوا يطعنون في نبوته ، وجنايتهم أعظم ؛ لأنهم أنكروه مع العلم به ، وشر البرية ظاهره العموم ، وقيل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=6شر البرية ) الذين عاصروا الرسول صلى الله عليه وسلم ، إذ لا يبعد أن يكون في كفار الأمم من هو شر من هؤلاء ، كفرعون وعاقر ناقة
صالح ، وقرأ الجمهور : (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=7خير البرية ) مقابل (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=6شر البرية )
وحميد وعامر بن عبد الواحد : خيار البرية جمع خير ، كجيد وجياد ، وبقية السورة واضحة ، وتقدم شرح ذلك إفرادا وتركيبا .
سُورَةُ الْبَيِّنَةِ مَدَنِيَّةٌ وَهِيَ ثَمَانِي آيَاتٍ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
[ ص: 498 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=29069لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=2رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=3فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=4وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=5وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=6إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=7إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=8جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ) .
هَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ ، وَقَالَ
ابْنُ الزُّبَيْرِ nindex.php?page=showalam&ids=16572وَعَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ : مَدَنِيَّةٌ ، قَالَهُ
ابْنُ عَطِيَّةَ ، وَفِي كِتَابِ التَّحْرِيرِ : مَدَنِيَّةٌ ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ ، وَرَوَى
أَبُو صَالِحٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ ، وَاخْتَارَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=17317يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ ، وَلَمَّا ذَكَرَ إِنْزَالَ الْقُرْآنِ ، وَفِي السُّورَةِ الَّتِي قَبْلَهَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=1اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ) ذَكَرَ هُنَا أَنَّ الْكُفَّارَ لَمْ يَكُونُوا مُنْفَكِّينَ عَنْ مَا هُمْ عَلَيْهِ حَتَّى جَاءَهُمُ الرَّسُولُ يَتْلُو عَلَيْهِمْ مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مِنَ الصُّحُفِ الْمُطَهَّرَةِ الَّتِي أُمِرَ بِقِرَاءَتِهَا ، وَقَسَّمَ الْكَافِرِينَ هُنَا إِلَى أَهْلِ كِتَابٍ وَأَهْلِ إِشْرَاكٍ ، وَقَرَأَ بَعْضُ الْقُرَّاءِ : ( وَالْمُشْرِكُونَ ) رَفْعًا عَطْفًا عَلَى ( الَّذِينَ كَفَرُوا ) ، وَالْجُمْهُورُ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى ( أَهْلِ الْكِتَابِ ) وَأَهْلُ الْكِتَابِ
الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ، وَالْمُشْرِكُونَ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ مِنَ الْعَرَبِ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : أَهْلُ الْكِتَابِ
الْيَهُودُ الَّذِينَ كَانُوا
بِيَثْرِبَ هُمْ
قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ وَبَنُو قَيْنُقَاعَ ، وَالْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ كَانُوا
بِمَكَّةَ وَحَوْلَهَا
وَالْمَدِينَةِ وَحَوْلَهَا .
قَالَ
مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ : لَمْ يَكُونُوا مُنْفَكِّينَ عَنِ الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ حَتَّى جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ . وَقَالَ
الْفَرَّاءُ وَغَيْرُهُ : لَمْ يَكُونُوا مُنْفَكِّينَ عَنْ مَعْرِفَةِ صِحَّةِ نُبُوَّةِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّوَكُّفِ لِأَمْرِهِ حَتَّى جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ ، فَتَفَرَّقُوا عِنْدَ ذَلِكَ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : كَانَ الْكُفَّارُ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ يَقُولُونَ قَبْلَ الْمَبْعَثِ : لَا نَنْفَكُّ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ مِنْ دِينِنَا حَتَّى يُبْعَثَ النَّبِيُّ الْمَوْعُودُ الَّذِي هُوَ مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ، وَهُوَ
مُحَمَّدٌ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَحَكَى اللَّهُ مَا كَانُوا يَقُولُونَهُ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَيَتَّجِهُ فِي مَعْنَى الْآيَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ بَارِعُ الْمَعْنَى ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَكُونُ الْمُرَادُ : لَمْ يَكُنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ مُنْفَكِّينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُدْرَتِهِ وَنَظَرِهِ لَهُمْ حَتَّى يَبْعَثَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِمْ رَسُولًا مُنْذِرًا تَقُومُ عَلَيْهِمْ بِهِ الْحُجَّةُ وَيُتِمُّ عَلَى مَنْ آمَنَ النِّعْمَةَ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : مَا كَانُوا لِيُتْرَكُوا سُدًى ، وَلِهَذَا نَظَائِرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى . انْتَهَى . وَقِيلَ : لَمْ يَكُونُوا مُنْفَكِّينَ عَنْ حَيَاتِهِمْ فَيَمُوتُوا حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَعْنَى : لَمْ يَكُونُوا مُنْفَكِّينَ ، أَيْ مُنْفَصِلًا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ، بَلْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمْ مُقِرًّا الْآخَرَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِمَّا اخْتَارَهُ لِنَفْسِهِ ، هَذَا مِنِ اعْتِقَادِهِ فِي شَرِيعَتِهِ ، وَهَذَا مِنِ اعْتِقَادِهِ فِي أَصْنَامِهِ ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ اتَّصَلَتْ مَوَدَّتُهُمْ وَاجْتَمَعَتْ كَلِمَتُهُمْ إِلَى أَنْ أَتَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ .
وَقِيلَ : مَعْنَى مُنْفَكِّينَ : هَالِكِينَ ، مِنْ قَوْلِهِمْ : انْفَكَّ صِلَا الْمَرْأَةِ عِنْدَ الْوِلَادَةِ ، وَأَنْ يَنْفَصِلَ فَلَا يَلْتَئِمُ ، وَالْمَعْنَى : لَمْ يَكُونُوا مُعَذَّبِينَ وَلَا هَالِكِينَ إِلَّا بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ بِإِرْسَالِ الرُّسُلِ وَإِنْزَالِ الْكُتُبِ . انْتَهَى . وَمُنْفَكِّينَ اسْمُ فَاعِلٍ مِنِ انْفَكَّ ، وَهِيَ التَّامَّةُ وَلَيْسَتِ الدَّاخِلَةَ عَلَى الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ . وَقَالَ بَعْضُ النُّحَاةِ : هِيَ النَّاقِصَةُ ، وَيُقَدَّرُ مُنْفَكِّينَ : عَارِفِينَ أَمْرَ
مُحَمَّدٍ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَوْ نَحْوُ هَذَا ، وَخَبَرُ كَانَ وَأَخَوَاتِهَا لَا يَجُوزُ حَذْفُهُ لَا اقْتِصَارًا وَلَا اخْتِصَارًا ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَصْحَابُنَا ، وَلَهُمْ عِلَّةٌ فِي مَنْعِ ذَلِكَ ذَكَرُوهَا فِي عِلْمِ النَّحْوِ ، وَقَالُوا فِي قَوْلِهِ : حِينَ لَيْسَ مُجِيرُ ، أَيْ فِي الدُّنْيَا ، فَحَذَفَ الْخَبَرَ أَنَّهُ ضَرُورَةٌ ، وَالْبَيِّنَةُ : الْحُجَّةُ الْجَلِيلَةُ .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : ( رَسُولٌ ) بِالرَّفْعِ بَدَلًا مِنْ ( الْبَيِّنَةُ )
وَأُبَيٌّ وَعَبْدُ اللَّهِ : بِالنَّصْبِ حَالًا مِنَ الْبَيِّنَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=2يَتْلُو صُحُفًا ) أَيْ قَرَاطِيسَ ( مُطَهَّرَةً ) مِنَ الْبَاطِلِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=3فِيهَا كُتُبٌ ) مَكْتُوبَاتٌ (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=3قَيِّمَةٌ ) مُسْتَقِيمَةٌ نَاطِقَةٌ بِالْحَقِّ (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=4nindex.php?page=treesubj&link=29069وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ) أَيْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، وَانْفَصَلَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ فَقَالَ : كُلُّ مَا يَدُلُّ عِنْدَهُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=4nindex.php?page=treesubj&link=29069إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ ) وَكَانَ يَقْتَضِي مَجِيءُ الْبَيِّنَةِ أَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَى اتِّبَاعِهَا ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : كَانُوا يَعُدُّونَ اجْتِمَاعَ الْكَلِمَةِ وَالِاتِّفَاقَ عَلَى الْحَقِّ إِذَا جَاءَهُمُ الرَّسُولُ ، ثُمَّ مَا فَرَّقَهُمْ عَنِ الْحَقِّ وَلَا أَقَرَّهُمْ عَلَى الْكُفْرِ إِلَّا مَجِيءُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَالَ أَيْضًا : أَفْرَدَ أَهْلَ الْكِتَابِ ، يَعْنِي فِي قَوْلِهِ :
[ ص: 499 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=4وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ) بَعْدَ جَمْعِهِمْ وَالْمُشْرِكِينَ ، قِيلَ : لِأَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى عِلْمٍ بِهِ لِوُجُودِهِ فِي كُتُبِهِمْ ، فَإِذَا وُصِفُوا بِالتَّفَرُّقِ عَنْهُ كَانَ مَنْ لَا كِتَابَ لَهُ أَدْخَلَ فِي هَذَا الْوَصْفِ ، وَالْمُرَادُ بِتَفَرُّقِهِمْ تَفَرُّقُهُمْ عَنِ الْحَقِّ ، أَوْ تَفَرُّقُهُمْ فِرَقًا ، فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ ، وَقَالَ : لَيْسَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ عَرَفَ وَعَانَدَ ، وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : ذَكَرَ تَعَالَى مَذَمَّةَ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ أَنَّهُمْ لَمْ يَتَفَرَّقُوا فِي أَمْرِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ الْوَاضِحَةَ ، وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ مُتَّفِقِينَ عَلَى نُبُوَّتِهِ وَصِفَتِهِ ، فَلَمَّا جَاءَ مِنَ الْعَرَبِ حَسَدُوهُ . انْتَهَى .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : ( مُخْلِصِينَ ) بِكَسْرِ اللَّامِ ، وَ ( الدِّينَ ) مَنْصُوبٌ بِهِ ، وَالْحَسَنُ : بِفَتْحِهَا ، أَيْ يُخْلِصُونَ هُمْ أَنْفُسُهُمْ فِي نِيَّاتِهِمْ ، وَانْتَصَبَ ( الدِّينَ ) إِمَّا عَلَى الْمَصْدَرِ مِنْ ( لِيَعْبُدُوا ) أَيْ لِيَدِينُوا اللَّهَ بِالْعِبَادَةِ الدِّينَ ، وَإِمَّا عَلَى إِسْقَاطِ فِي ، أَيْ فِي الدِّينِ ، وَالْمَعْنَى : وَمَا أُمِرُوا ، أَيْ فِي كِتَابَيْهِمَا ، بِمَا أُمِرُوا بِهِ إِلَّا لِيَعْبُدُوا ( حُنَفَاءَ ) أَيْ مُسْتَقِيمِي الطَّرِيقَةِ ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْأَشْعَبِ الطَّالْقَانِيُّ : الْقَيِّمَةُ هُنَا : الْكُتُبُ الَّتِي جَرَى ذِكْرُهَا ، كَأَنَّهُ لَمَّا تَقَدَّمَ لَفْظُ قَيِّمَةٍ نَكِرَةً ، كَانَتِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الْقَيِّمَةِ لِلْعَهْدِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=15كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ ) . وَقَرَأَ
عَبْدُ اللَّهِ : وَذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمَةُ ، فَالْهَاءُ فِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ لِلْمُبَالَغَةِ ، أَوْ أَنَّثَ عَلَى أَنْ عَنَى بِالدِّينِ الْمِلَّةَ ، كَقَوْلِهِ : مَا هَذِهِ الصَّوْتُ ؟ يُرِيدُ : مَا هَذِهِ الصَّيْحَةُ : وَذَكَرَ تَعَالَى مَقَرَّ الْأَشْقِيَاءِ وَجَزَاءَ السُّعَدَاءِ ، وَالْبَرِيَّةُ : جَمِيعُ الْخَلْقِ . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=13723الْأَعْرَجُ وَابْنُ عَامِرٍ ،
وَنَافِعٌ : الْبَرِئَةُ بِالْهَمْزِ مِنْ بَرَأَ ، بِمَعْنَى خَلَقَ ، وَالْجُمْهُورُ : بِشَدِّ الْيَاءِ ، فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ الْهَمْزَ ، ثُمَّ سُهِّلَ بِالْإِبْدَالِ وَأُدْغِمَ ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْبَرَاءِ ، وَهُوَ التُّرَابُ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَهَذَا الِاشْتِقَاقُ يَجْعَلُ الْهَمْزَ خَطَأً ، وَهُوَ اشْتِقَاقٌ غَيْرُ مَرْضِيٍّ ، وَيَعْنِي اشْتِقَاقَ الْبَرِيَّةِ بِلَا هَمْزٍ مِنَ الْبُرَا ، وَهُوَ التُّرَابُ ، فَلَا يَجْعَلُهُ خَطَأً ، بَلْ قِرَاءَةُ الْهَمْزِ مُشْتَقَّةٌ مِنْ بَرَأَ ، وَغَيْرُ الْهَمْزِ مِنَ الْبُرَا ، وَالْقِرَاءَتَانِ قَدْ تَخْتَلِفَانِ فِي الِاشْتِقَاقِ نَحْوَ : أَوْ نَنْسَاهَا أَوْ نُنْسِهَا ، فَهُوَ اشْتِقَاقٌ مَرْضِيٌّ ، وَحُكْمٌ عَلَى الْكُفَّارِ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ بِالْخُلُودِ فِي النَّارِ وَبِكَوْنِهِمْ شَرَّ الْبَرِيَّةِ ، وَبَدَأَ بِأَهْلِ الْكِتَابِ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَطْعَنُونَ فِي نُبُوَّتِهِ ، وَجِنَايَتُهُمْ أَعْظَمُ ؛ لِأَنَّهُمْ أَنْكَرُوهُ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ ، وَشَرُّ الْبَرِيَّةِ ظَاهِرُهُ الْعُمُومُ ، وَقِيلَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=6شَرُّ الْبَرِيَّةِ ) الَّذِينَ عَاصَرُوا الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِذْ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ فِي كُفَّارِ الْأُمَمِ مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ ، كَفِرْعَوْنَ وَعَاقِرِ نَاقَةِ
صَالِحٍ ، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=7خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) مُقَابِلُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=6شَرُّ الْبَرِيَّةِ )
وَحَمِيدٌ وَعَامِرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ : خِيَارُ الْبَرِيَّةِ جَمْعُ خَيِّرٍ ، كَجِيِّدٍ وَجِيَادٍ ، وَبَقِيَّةُ السُّورَةِ وَاضِحَةٌ ، وَتَقَدَّمَ شَرْحُ ذَلِكَ إِفْرَادًا وَتَرْكِيبًا .