سورة الكافرون مكية وهي ست آيات
بسم الله الرحمن الرحيم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=29080قل يا أيها الكافرون nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=2لا أعبد ما تعبدون nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=3ولا أنتم عابدون ما أعبد nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=4ولا أنا عابد ما عبدتم nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=5ولا أنتم عابدون ما أعبد nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=6لكم دينكم ولي دين ) .
[ ص: 521 ] هذه مكية في قول الجمهور ، وروي عن
قتادة أنها مدنية ، وذكروا من أسباب نزولها أنهم قالوا له عليه الصلاة والسلام : دع ما أنت فيه ونحن نمولك ونزوجك من شئت من كرائمنا ، ونملكك علينا ، وإن لم تفعل هذا فلتعبد آلهتنا ونحن نعبد إلهك حتى نشترك ، فحيث كان الخير نلناه جميعا ، ولما كان أكثر شانئه
قريشا ، وطلبوا منه أن يعبد آلهتهم سنة ويعبدوا إلهه سنة ، أنزل الله تعالى هذه السورة تبريا منهم وإخبارا لا شك فيه أن ذلك لا يكون ، وفي قوله : ( قل ) دليل على أنه مأمور بذلك من عند الله ، وخطابه لهم بـ (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=1ياأيها الكافرون ) في ناديهم ، ومكان بسطة أيديهم مع ما في الوصف من الإرذال بهم دليل على أنه محروس من عند الله تعالى لا يبالي بهم ، والكافرون ناس مخصوصون ، وهم الذين قالوا له تلك المقالة :
الوليد بن المغيرة ،
والعاصي بن وائل ،
والأسود بن المطلب ، وأمية وأبي
ابنا خلف ، وأبو جهل ، وابنا الحجاج ونظراؤهم ممن لم يسلم ، ووافى على الكفر تصديقا للإخبار في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=3ولا أنتم عابدون ما أعبد ) . وللمفسرين في هذه الجمل أقوال :
أحدها : أنها للتوكيد ، فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=4ولا أنا عابد ما عبدتم ) توكيد لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=2لا أعبد ما تعبدون ) . وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=5ولا أنتم عابدون ما أعبد ) ثانيا تأكيد لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=3ولا أنتم عابدون ما أعبد ) أولا ، والتوكيد في لسان العرب كثير جدا ، وحكوا من ذلك نظما ونثرا ما لا يكاد يحصر ، وفائدة هذا التوكيد قطع أطماع الكفار ، وتحقيق الإخبار بموافاتهم على الكفر ، وأنهم لا يسلمون أبدا .
والثاني : أنه ليس للتوكيد ، واختلفوا ، فقال
الأخفش : المعنى لا أعبد الساعة ما تعبدون ، ولا أنتم عابدون السنة ما أعبد ، ولا أنا عابد في المستقبل ما عبدتم ، ولا أنتم عابدون في المستقبل ما أعبد ، فزال التوكيد ، إذ قد تقيدت كل جملة بزمان مغاير .
وقال
أبو مسلم : ما في الأوليين بمعنى الذي ، والمقصود المعبود ، وما في الأخريين مصدرية ، أي لا أعبد عبادتكم المبنية على الشك وترك النظر ، ولا أنتم تعبدون مثل عبادتي المبنية على اليقين ، وقال
ابن عطية : لما كان قوله : ( لا أعبد ) محتملا أن يراد به الآن ، ويبقى المستأنف منتظرا ما يكون فيه ، جاء البيان بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=4ولا أنا عابد ما عبدتم ) أبدا وما حييت ، ثم جاء قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=5ولا أنتم عابدون ما أعبد ) الثاني حتما عليهم أنهم لا يؤمنون به أبدا ، كالذي كشف الغيب ، فهذا كما قيل
لنوح عليه السلام : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=36أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ) . أما أن هذا في معينين ، وقوم
نوح عموا بذلك ، فهذا معنى الترديد الذي في السورة ، وهو بارع الفصاحة ، وليس بتكرار فقط ، بل فيه ما ذكرته . انتهى .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ( لا أعبد ) أريدت به العبادة فيما يستقبل ، لأن ( لا ) لا تدخل إلا على مضارع في معنى الاستقبال ، كما أن ( ما ) لا تدخل إلا على مضارع في معنى الحال ، والمعنى : لا أفعل في المستقبل ما تطلبونه مني من عبادة آلهتكم ، ولا أنتم فاعلون فيه ما أطلب منكم من عبادة إلهي .
[ ص: 522 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=4ولا أنا عابد ما عبدتم ) أي وما كنت قط عابدا فيما سلف ما عبدتم فيه ، يعني : لم تعهد مني عبادة صنم في الجاهلية ، فكيف ترجى مني في الإسلام ؟ (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=5ولا أنتم عابدون ما أعبد ) أي وما عبدتم في وقت ما أنا على عبادته ، فإن قلت : فهلا قيل ما عبدت كما قيل ما عبدتم ؟ قلت : لأنهم كانوا يعبدون الأصنام قبل البعث ، وهو لم يكن يعبد الله تعالى في ذلك الوقت . انتهى .
أما حصره في قوله : لأن ( لا ) لا تدخل ، وفي قوله : ( ما ) لا تدخل ، فليس بصحيح ، بل ذلك غالب فيهما لا متحتم . وقد ذكر النحاة دخول ( لا ) على المضارع يراد به الحال ، ودخول ( ما ) على المضارع يراد به الاستقبال ، وذلك مذكور في المبسوطات من كتب النحو ، ولذلك لم يورد
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه ذلك بأداة الحصر ، إنما قال : وتكون لا نفيا لقوله يفعل ، ولم يقع الفعل ، وقال : وأما ما فهي نفي لقوله هو يفعل إذا كان في حال الفعل ، فذكر الغالب فيهما .
وأما قوله : في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=4ولا أنا عابد ما عبدتم ) أي وما كنت قط عابدا فيما سلف ما عبدتم فيه ، فلا يستقيم ؛ لأن عابدا اسم فاعل قد عمل في (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=4ما عبدتم ) ، فلا يفسر بالماضي ، إنما يفسر بالحال أو الاستقبال ، وليس مذهبه في اسم الفاعل مذهب الكسائي وهشام من جواز إعماله ماضيا .
وأما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=5ولا أنتم عابدون ما أعبد ) أي وما عبدتم في وقت ما أنا على عبادته ، فعابدون قد أعمله فيما أعبد ، فلا يفسر بالماضي ، وأما قوله : وهو لم يكن إلى آخره ، فسوء أدب منه على منصب النبوة ، وهو أيضا غير صحيح ، لأنه صلى الله عليه وسلم ، لم يزل موحدا لله عز وجل منزها له عن كل ما لا يليق بجلاله ، مجتنبا لأصنامهم بحج بيت الله ، ويقف بمشاعر
إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، وهذه عبادة لله تعالى ، وأي عبادة أعظم من توحيد الله تعالى ونبذ أصنامهم ، والمعرفة بالله تعالى من أعظم العبادات ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) قال المفسرون : معناه ليعرفون ، فسمى الله تعالى المعرفة به عبادة .
والذي أختاره في هذه الجمل أنه أولا : نفى عبادته في المستقبل ؛ لأن لا الغالب أنها تنفي المستقبل ، قيل : ثم عطف عليه (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=3ولا أنتم عابدون ما أعبد ) نفيا للمستقبل على سبيل المقابلة ، ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=4ولا أنا عابد ما عبدتم ) نفيا للحال ، لأن اسم الفاعل العامل الحقيقة فيه دلالته على الحال ، ثم عطف عليه (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=5ولا أنتم عابدون ما أعبد ) نفيا للحال على سبيل المقابلة ، فانتظم المعنى أنه صلى الله عليه وسلم ، لا يعبد ما يعبدون ، لا حالا ولا مستقبلا ، وهم كذلك ، إذ قد حتم الله موافاتهم على الكفر ، ولما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=2لا أعبد ما تعبدون ) فأطلق ما على الأصنام ، قابل الكلام بما في قوله : ( ما أعبد ) وإن كانت يراد بها الله تعالى ، لأن المقابلة يسوغ فيها ما لا يسوغ مع الانفراد ، وهذا على مذهب من يقول : إن ما لا تقع على آحاد من يعلم ، أما من جوز ذلك ، وهو منسوب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه ، فلا يحتاج إلى استعذار بالتقابل ، وقيل : ما مصدرية في قوله : ( ما أعبد ) ، وقيل : فيها جميعها ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : المراد الصفة ، كأنه قيل : لا أعبد الباطل ، ولا تعبدون الحق .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=6لكم دينكم ولي دين ) أي لكم شرككم ولي توحيدي ، وهذا غاية في التبرؤ ، ولما كان الأهم انتفاءه عليه الصلاة والسلام من دينهم ، بدأ بالنفي في الجمل السابقة بالمنسوب إليه ، ولما تحقق النفي رجع إلى خطابهم في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=6لكم دينكم ) على سبيل المهادنة ، وهي منسوخة بآية السيف ، وقرأ
سلام : ( ديني ) بياء وصلا ووقفا ، وحذفها القراء السبعة ، والله تعالى أعلم .
سُورَةُ الْكَافِرُونَ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ سِتُّ آيَاتٍ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=29080قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=2لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=3وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=4وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=5وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=6لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ) .
[ ص: 521 ] هَذِهِ مَكِّيَّةٌ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ ، وَرُوِيَ عَنْ
قَتَادَةَ أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ ، وَذَكَرُوا مِنْ أَسْبَابِ نُزُولِهَا أَنَّهُمْ قَالُوا لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : دَعْ مَا أَنْتَ فِيهِ وَنَحْنُ نُمَوِّلُكَ وَنُزَوِّجُكَ مَنْ شِئْتَ مِنْ كَرَائِمِنَا ، وَنُمَلِّكُكَ عَلَيْنَا ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ هَذَا فَلْتَعْبُدْ آلِهَتَنَا وَنَحْنُ نَعْبُدُ إِلَهَكَ حَتَّى نَشْتَرِكَ ، فَحَيْثُ كَانَ الْخَيْرُ نِلْنَاهُ جَمِيعًا ، وَلَمَّا كَانَ أَكْثَرُ شَانِئِهِ
قُرَيْشًا ، وَطَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يَعْبُدَ آلِهَتَهُمْ سَنَةً وَيَعْبُدُوا إِلَهَهُ سَنَةً ، أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ السُّورَةَ تَبَرِّيًا مِنْهُمْ وَإِخْبَارًا لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ ، وَفِي قَوْلِهِ : ( قُلْ ) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِذَلِكَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، وَخِطَابُهُ لَهُمْ بـِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=1يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) فِي نَادِيهِمْ ، وَمَكَانِ بَسْطَةِ أَيْدِيهِمْ مَعَ مَا فِي الْوَصْفِ مِنِ الْإِرْذَالِ بِهِمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مَحْرُوسٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُبَالِي بِهِمْ ، وَالْكَافِرُونَ نَاسٌ مَخْصُوصُونَ ، وَهُمُ الَّذِينَ قَالُوا لَهُ تِلْكَ الْمَقَالَةَ :
الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ،
وَالْعَاصِي بْنُ وَائِلٍ ،
وَالْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ ، وَأُمِّيَّةُ وَأُبَيٌّ
ابْنَا خَلَفٍ ، وَأَبُو جَهْلٍ ، وَابْنَا الْحَجَّاجِ وَنُظَرَاؤُهُمْ مِمَّنْ لَمْ يُسْلِمْ ، وَوَافَى عَلَى الْكُفْرِ تَصْدِيقًا لِلْإِخْبَارِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=3وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ) . وَلِلْمُفَسِّرِينَ فِي هَذِهِ الْجُمَلِ أَقْوَالٌ :
أَحَدُهَا : أَنَّهَا لِلتَّوْكِيدِ ، فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=4وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ ) تَوْكِيدٌ لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=2لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ) . وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=5وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ) ثَانِيًا تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=3وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ) أَوَّلًا ، وَالتَّوْكِيدُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ كَثِيرٌ جِدًّا ، وَحَكَوْا مِنْ ذَلِكَ نَظْمًا وَنَثْرًا مَا لَا يَكَادُ يُحْصَرُ ، وَفَائِدَةُ هَذَا التَّوْكِيدِ قَطْعُ أَطْمَاعِ الْكُفَّارِ ، وَتَحْقِيقُ الْإِخْبَارِ بِمُوَافَاتِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ ، وَأَنَّهُمْ لَا يُسْلِمُونَ أَبَدًا .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَيْسَ لِلتَّوْكِيدِ ، وَاخْتَلَفُوا ، فَقَالَ
الْأَخْفَشُ : الْمَعْنَى لَا أَعْبُدُ السَّاعَةَ مَا تَعْبُدُونَ ، وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ السَّنَةَ مَا أَعْبُدُ ، وَلَا أَنَا عَابِدٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مَا عَبَدْتُمْ ، وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مَا أَعْبُدُ ، فَزَالَ التَّوْكِيدُ ، إِذْ قَدْ تَقَيَّدَتْ كُلُّ جُمْلَةٍ بِزَمَانٍ مُغَايِرٍ .
وَقَالَ
أَبُو مُسْلِمٍ : مَا فِي الْأُولَيَيْنِ بِمَعْنَى الَّذِي ، وَالْمَقْصُودُ الْمَعْبُودُ ، وَمَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ مَصْدَرِيَّةٌ ، أَيْ لَا أَعْبُدُ عِبَادَتَكُمُ الْمَبْنِيَّةَ عَلَى الشَّكِّ وَتَرْكِ النَّظَرِ ، وَلَا أَنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِثْلَ عِبَادَتِي الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْيَقِينِ ، وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : لَمَّا كَانَ قَوْلُهُ : ( لَا أَعْبُدُ ) مُحْتَمِلًا أَنْ يُرَادَ بِهِ الْآنَ ، وَيَبْقَى الْمُسْتَأْنَفُ مُنْتَظَرًا مَا يَكُونُ فِيهِ ، جَاءَ الْبَيَانُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=4وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ ) أَبَدًا وَمَا حَيِيتُ ، ثُمَّ جَاءَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=5وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ) الثَّانِي حَتْمًا عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ أَبَدًا ، كَالَّذِي كَشَفَ الْغَيْبَ ، فَهَذَا كَمَا قِيلَ
لِنُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=36أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ ) . أَمَّا أَنَّ هَذَا فِي مُعَيَّنِينَ ، وَقَوْمُ
نُوحٍ عُمُّوا بِذَلِكَ ، فَهَذَا مَعْنَى التَّرْدِيدِ الَّذِي فِي السُّورَةِ ، وَهُوَ بَارِعُ الْفَصَاحَةِ ، وَلَيْسَ بِتَكْرَارٍ فَقَطْ ، بَلْ فِيهِ مَا ذَكَرْتُهُ . انْتَهَى .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : ( لَا أَعْبُدُ ) أُرِيدَتْ بِهِ الْعِبَادَةُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ ، لِأَنَّ ( لَا ) لَا تَدْخُلُ إِلَّا عَلَى مُضَارِعٍ فِي مَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ ، كَمَا أَنَّ ( مَا ) لَا تَدْخُلُ إِلَّا عَلَى مُضَارِعٍ فِي مَعْنَى الْحَالِ ، وَالْمَعْنَى : لَا أَفْعَلُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مَا تَطْلُبُونَهُ مِنِّي مِنْ عِبَادَةِ آلِهَتِكُمْ ، وَلَا أَنْتُمْ فَاعِلُونَ فِيهِ مَا أَطْلُبُ مِنْكُمْ مِنْ عِبَادَةِ إِلَهِي .
[ ص: 522 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=4وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ ) أَيْ وَمَا كُنْتُ قَطُّ عَابِدًا فِيمَا سَلَفَ مَا عَبَدْتُمْ فِيهِ ، يَعْنِي : لَمْ تُعْهَدْ مِنِّي عِبَادَةُ صَنَمٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَكَيْفَ تُرْجَى مِنِّي فِي الْإِسْلَامِ ؟ (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=5وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ) أَيْ وَمَا عَبَدْتُمْ فِي وَقْتٍ مَا أَنَا عَلَى عِبَادَتِهِ ، فَإِنْ قُلْتَ : فَهَلَّا قِيلَ مَا عَبَدْتُ كَمَا قِيلَ مَا عَبَدْتُمْ ؟ قُلْتُ : لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ قَبْلَ الْبَعْثِ ، وَهُوَ لَمْ يَكُنْ يَعْبُدُ اللَّهَ تَعَالَى فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ . انْتَهَى .
أَمَّا حَصْرُهُ فِي قَوْلِهِ : لِأَنَّ ( لَا ) لَا تَدْخُلُ ، وَفِي قَوْلِهِ : ( مَا ) لَا تَدْخُلُ ، فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ ، بَلْ ذَلِكَ غَالِبٌ فِيهِمَا لَا مُتَحَتِّمٌ . وَقَدْ ذَكَرَ النُّحَاةُ دُخُولَ ( لَا ) عَلَى الْمُضَارِعِ يُرَادُ بِهِ الْحَالُ ، وَدُخُولَ ( مَا ) عَلَى الْمُضَارِعِ يُرَادُ بِهِ الِاسْتِقْبَالُ ، وَذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي الْمَبْسُوطَاتِ مِنْ كُتُبِ النَّحْوِ ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُورِدْ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ ذَلِكَ بِأَدَاةِ الْحَصْرِ ، إِنَّمَا قَالَ : وَتَكُونُ لَا نَفْيًا لِقَوْلِهِ يَفْعَلُ ، وَلَمْ يَقَعِ الْفِعْلُ ، وَقَالَ : وَأَمَّا مَا فَهِيَ نَفْيٌ لِقَوْلِهِ هُوَ يَفْعَلُ إِذَا كَانَ فِي حَالِ الْفِعْلِ ، فَذَكَرَ الْغَالِبَ فِيهِمَا .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=4وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ ) أَيْ وَمَا كُنْتُ قَطُّ عَابِدًا فِيمَا سَلَفَ مَا عَبَدْتُمْ فِيهِ ، فَلَا يَسْتَقِيمُ ؛ لِأَنَّ عَابِدًا اسْمُ فَاعِلٍ قَدْ عَمِلَ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=4مَا عَبَدْتُمْ ) ، فَلَا يُفَسَّرُ بِالْمَاضِي ، إِنَّمَا يُفَسَّرُ بِالْحَالِ أَوْ الِاسْتِقْبَالِ ، وَلَيْسَ مَذْهَبُهُ فِي اسْمِ الْفَاعِلِ مَذْهَبَ الْكِسَائِيِّ وَهِشَامٍ مِنْ جَوَازِ إِعْمَالِهِ مَاضِيًا .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=5وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ) أَيْ وَمَا عَبَدْتُمْ فِي وَقْتٍ مَا أَنَا عَلَى عِبَادَتِهِ ، فَعَابِدُونَ قَدْ أَعْمَلَهُ فِيمَا أَعْبُدُ ، فَلَا يُفَسَّرُ بِالْمَاضِي ، وَأَمَّا قَوْلُهُ : وَهُوَ لَمْ يَكُنْ إِلَى آخِرِهِ ، فَسُوءُ أَدَبٍ مِنْهُ عَلَى مَنْصِبِ النُّبُوَّةِ ، وَهُوَ أَيْضًا غَيْرُ صَحِيحٍ ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لَمْ يَزَلْ مُوَحِّدًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مُنَزِّهًا لَهُ عَنْ كُلِّ مَا لَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ ، مُجْتَنِبًا لِأَصْنَامِهِمْ بِحَجِّ بَيْتِ اللَّهِ ، وَيَقِفُ بِمَشَاعِرِ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، وَهَذِهِ عِبَادَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَأَيُّ عِبَادَةٍ أَعْظَمُ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَبْذِ أَصْنَامِهِمْ ، وَالْمَعْرِفَةُ بِاللَّهِ تَعَالَى مِنْ أَعْظَمِ الْعِبَادَاتِ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) قَالَ الْمُفَسِّرُونَ : مَعْنَاهُ لِيَعْرِفُونِ ، فَسَمَّى اللَّهُ تَعَالَى الْمَعْرِفَةَ بِهِ عِبَادَةً .
وَالَّذِي أَخْتَارُهُ فِي هَذِهِ الْجُمَلِ أَنَّهُ أَوَّلًا : نَفَى عِبَادَتَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ؛ لِأَنَّ لَا الْغَالِبُ أَنَّهَا تَنْفِي الْمُسْتَقْبَلَ ، قِيلَ : ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=3وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ) نَفْيًا لِلْمُسْتَقْبَلِ عَلَى سَبِيلِ الْمُقَابَلَةِ ، ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=4وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ ) نَفْيًا لِلْحَالِ ، لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ الْعَامِلَ الْحَقِيقَةُ فِيهِ دَلَالَتُهُ عَلَى الْحَالِ ، ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=5وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ) نَفْيًا لِلْحَالِ عَلَى سَبِيلِ الْمُقَابَلَةِ ، فَانْتَظَمَ الْمَعْنَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لَا يَعْبُدُ مَا يَعْبُدُونَ ، لَا حَالًا وَلَا مُسْتَقْبَلًا ، وَهُمْ كَذَلِكَ ، إِذْ قَدْ حَتَّمَ اللَّهُ مُوَافَاتَهُمْ عَلَى الْكُفْرِ ، وَلَمَّا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=2لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ) فَأَطْلَقَ مَا عَلَى الْأَصْنَامِ ، قَابَلَ الْكَلَامَ بِمَا فِي قَوْلِهِ : ( مَا أَعْبُدُ ) وَإِنْ كَانَتْ يُرَادُ بِهَا اللَّهُ تَعَالَى ، لِأَنَّ الْمُقَابَلَةَ يَسُوغُ فِيهَا مَا لَا يَسُوغُ مَعَ الِانْفِرَادِ ، وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ : إِنَّ مَا لَا تَقَعُ عَلَى آحَادِ مَنْ يَعْلَمُ ، أَمَّا مَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ ، وَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى اسْتِعْذَارٍ بِالتَّقَابُلِ ، وَقِيلَ : مَا مَصْدَرِيَّةٌ فِي قَوْلِهِ : ( مَا أَعْبُدُ ) ، وَقِيلَ : فِيهَا جَمِيعِهَا ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : الْمُرَادُ الصِّفَةُ ، كَأَنَّهُ قِيلَ : لَا أَعْبُدُ الْبَاطِلَ ، وَلَا تَعْبُدُونَ الْحَقَّ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=6لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ) أَيْ لَكُمْ شِرْكُكُمْ وَلِيَ تَوْحِيدِي ، وَهَذَا غَايَةٌ فِي التَّبَرُّؤِ ، وَلَمَّا كَانَ الْأَهَمُّ انْتِفَاءَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ دِينِهِمْ ، بَدَأَ بِالنَّفْيِ فِي الْجُمَلِ السَّابِقَةِ بِالْمَنْسُوبِ إِلَيْهِ ، وَلَمَّا تَحَقَّقَ النَّفْيُ رَجَعَ إِلَى خِطَابِهِمْ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=6لَكُمْ دِينُكُمْ ) عَلَى سَبِيلِ الْمُهَادَنَةِ ، وَهِيَ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ ، وَقَرَأَ
سَلَامٌ : ( دِينِي ) بِيَاءٍ وَصْلًا وَوَقْفًا ، وَحَذَفَهَا الْقُرَّاءُ السَّبْعَةُ ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .