قوله تعالى : (  إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي      )   الآية [ 68 ] .  
210 -  قال [   ابن عباس     : قال رؤساء ]  اليهود      : والله يا  محمد   لقد علمت أنا أولى بدين  إبراهيم   منك ومن غيرك ، وأنه كان يهوديا ، وما بك إلا الحسد     ! فأنزل الله تعالى هذه الآية .  
211 - وروى  الكلبي  ، عن  أبي صالح  عن   ابن عباس ،  وروى أيضا   عبد الرحمن بن غنم  عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكره   محمد بن إسحاق بن يسار ،  وقد دخل حديث بعضهم في بعض . قالوا :  لما هاجر   جعفر بن أبي طالب  وأصحابه إلى  الحبشة ،   واستقرت بهم الدار ، وهاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى  المدينة ،   وكان من أمر  بدر   ما كان - اجتمعت  قريش   في دار الندوة وقالوا : إن لنا في أصحاب  محمد   الذين عند   النجاشي  ثأرا بمن قتل منكم  ببدر   ، فاجمعوا مالا وأهدوه إلى   النجاشي  لعله يدفع إليكم من عنده من قومكم ، ولينتدب لذلك رجلان من ذوي آرائكم . فبعثوا   عمرو بن العاص  وعمارة بن أبي معيط ،  مع الهدايا : الأدم وغيره ، فركبا البحر وأتيا  الحبشة ،   فلما دخلا على   النجاشي  سجدا له وسلما عليه وقالا له : إن قومنا لك ناصحون شاكرون ، ولصلاحك محبون ، وإنهم بعثونا إليك لنحذرك هؤلاء القوم الذين قدموا عليك ، لأنهم قوم رجل كذاب ، خرج فينا يزعم أنه رسول      [ ص: 56 ] الله ، ولم يتابعه أحد منا إلا السفهاء ، وكنا قد ضيقنا عليهم الأمر ، وألجأناهم إلى شعب بأرضنا ، لا يدخل عليه أحد ، ولا يخرج منهم أحد قد قتلهم الجوع والعطش ، فلما اشتد عليهم الأمر بعث إليك ابن عمه ليفسد عليك دينك وملكك ورعيتك ، فاحذرهم وادفعهم إلينا لنكفيكهم . قالوا : وآية ذلك أنهم إذا دخلوا عليك لا يسجدون لك ولا يحيونك بالتحية التي يحييك بها الناس ، رغبة عن دينك وسنتك . قال : فدعاهم   النجاشي ،  فلما حضروا صاح  جعفر  بالباب : يستأذن عليك حزب الله ، فقال   النجاشي     : مروا هذا الصائح فليعد كلامه ، ففعل  جعفر  ، فقال   النجاشي     : نعم فليدخلوا بأمان الله وذمته . فنظر   عمرو بن العاص  إلى صاحبه ، فقال : ألا تسمع كيف يرطنون بحزب الله ، وما أجابهم [ به ]   النجاشي .  فساءهما ذلك . ثم دخلوا عليه ولم يسجدوا له ، فقال   عمرو بن العاص     [  وعمارة بن أبي معيط     ] : ألا ترى أنهم يستكبرون أن يسجدوا لك ؟ فقال لهم   النجاشي     : ما يمنعكم أن تسجدوا لي وتحيوني بالتحية التي يحييني بها من أتى من الآفاق ؟ قالوا : نسجد لله الذي خلقك وملكك ، وإنما كانت تلك تحية لنا ونحن نعبد الأوثان ، فبعث الله فينا نبيا صادقا ، وأمرنا بالتحية التي يرتضيها الله لنا ، وهي السلام تحية أهل الجنة . فعرف   النجاشي  أن ذلك حق ، وأنه في التوراة والإنجيل . قال : أيكم الهاتف : يستأذن عليك حزب الله ؟ قال  جعفر     : أنا ، قال : فتكلم ، قال : إنك ملك من ملوك أهل الأرض ، ومن أهل الكتاب ، ولا يصلح عندك كثرة الكلام ، ولا الظلم ، وأنا أحب أن أجيب عن أصحابي ، فمر هذين الرجلين فليتكلم أحدهما ولينصت الآخر ، فتسمع محاورتنا . فقال  عمرو  لجعفر     : تكلم ، فقال  جعفر   للنجاشي     : سل هذا الرجل أعبيد نحن أم أحرار ؟ فإن كنا عبيدا أبقنا من أربابنا ، فارددنا إليهم . فقال   النجاشي     : أعبيد هم أم أحرار ؟ فقال : بل أحرار كرام ، فقال   النجاشي     : نجوا من العبودية . قال  جعفر     : سلهما : هل أهرقنا دما بغير حق فيقتص منا ؟ فقال  عمرو     : لا ولا قطرة ، قال  جعفر     : سلهما : هل أخذنا أموال الناس بغير حق فعلينا قضاؤها ؟ قال   النجاشي     : يا  عمرو  إن كان قنطارا فعلي قضاؤه ، فقال  عمرو     : لا ولا قيراطا ، قال   النجاشي     : فما تطلبون منهم ؟ قال  عمرو     : كنا وهم على دين واحد ، وأمر واحد ، على دين آبائنا ، فتركوا ذلك الدين واتبعوا غيره ، ولزمناه نحن ، فبعثنا إليك قومهم لتدفعهم إلينا ، فقال   النجاشي     : ما هذا الدين الذي كنتم عليه ، والدين الذي اتبعتموه ؟ اصدقني . قال  جعفر     : أما [ الدين ] الذي تحولنا إليه ، فدين الله الإسلام ، جاءنا به رسول من الله وكتاب مثل كتاب  ابن مريم   موافقا له . فقال   النجاشي     : يا  جعفر  لقد تكلمت بأمر عظيم فعلى رسلك . ثم أمر   النجاشي  فضرب بالناقوس ، فاجتمع إليه كل قسيس وراهب ، فلما اجتمعوا عنده قال   النجاشي     : أنشدكم الله الذي أنزل الإنجيل على  عيسى   هل تجدون بين  عيسى   وبين القيامة نبيا مرسلا ؟ فقالوا : اللهم نعم ، قد بشرنا به  عيسى ،   وقال : من آمن به فقد آمن بي ، ومن كفر به فقد كفر بي . فقال   النجاشي  لجعفر     : ماذا يقول لكم هذا الرجل ويأمركم به ، وما      [ ص: 57 ] ينهاكم عنه ؟ قال : يقرأ علينا كتاب الله ويأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر ، ويأمر بحسن الجوار ، وصلة الرحم وبر اليتيم ، ويأمرنا أن نعبد الله وحده لا شريك له ، فقال : اقرأ علينا شيئا مما كان يقرأ عليكم . فقرأ عليهم سورة " العنكبوت " " والروم " ، ففاضت عينا   النجاشي  وأصحابه من الدمع ، وقالوا : يا  جعفر  زدنا من هذا الحديث الطيب . فقرأ عليهم سورة " الكهف " . فأراد  عمرو  أن يغضب   النجاشي  فقال : إنهم يشتمون  عيسى   وأمه ، فقال   النجاشي     : ما يقولون في  عيسى   وأمه ؟ فقرأ عليهم  جعفر  سورة " مريم " ، فلما أتى على ذكر  مريم  وعيسى   رفع   النجاشي  نفثة من سواك قدر ما يقذي العين ، وقال : والله ما زاد  المسيح   على ما تقولون هذا ، ثم أقبل على  جعفر  وأصحابه فقال : اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي . يقول : آمنون ، من سبكم أو آذاكم غرم ، ثم قال : أبشروا ولا تخافوا ، ولا دهورة اليوم على حزب  إبراهيم .   قال  عمرو     : يا  نجاشي  ومن حزب  إبراهيم ؟   قال : هؤلاء الرهط وصاحبهم الذي جاءوا من عنده ومن اتبعهم ، فأنكر ذلك المشركون وادعوا في دين  إبراهيم ،   ثم رد   النجاشي  على  عمرو  وصاحبه المال الذي حملوه ، وقال : إنما هديتكم إلي رشوة فاقبضوها ، فإن الله ملكني ولم يأخذ مني رشوة . قال  جعفر     : وانصرفنا وكنا في خير دار ، وأكرم جوار . وأنزل الله عز وجل ذلك اليوم في خصومتهم في  إبراهيم   على رسوله - صلى الله عليه وسلم - وهو  بالمدينة ،   قوله تعالى : (  إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه      ) [ أي ] على ملته وسنته ، (  وهذا النبي      ) يعني  محمدا      - صلى الله عليه وسلم - (  والذين آمنوا والله ولي المؤمنين      )     .  
212 - أخبرنا  أبو حامد أحمد بن الحسن الوراق  ، أخبرنا  أبو أحمد محمد بن أحمد الجزري  ، أخبرنا   عبد الرحمن بن أبي حاتم  ، حدثنا   أبو سعيد الأشج  ، حدثنا   وكيع  ، عن   سفيان بن سعيد  ، عن أبيه ، عن  أبي الضحى  ، عن  عبد الله  قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :  إن لكل نبي ولاة من النبيين ، وأنا وليي منهم أبي وخليل ربي  إبراهيم      . ثم قرأ : (  إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي      ) الآية     .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					