أخذ بعض أهل العلم من هذه الآية الكريمة : وجوب ستر العورة ، لأن قوله : وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة يدل على قبح انكشاف العورة ، وأنه ينبغي بذل [ ص: 115 ] الجهد في سترها . قال القرطبي في تفسيره في سورة " الأعراف " ما نصه : وفي الآية دليل على قبح كشف العورة ، وأن الله أوجب عليهما الستر ، ولذلك ابتدرا إلى سترها ، ولا يمتنع أن يؤمرا بذلك في الجنة كما قيل لهما حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة [ 7 \ 19 ] . وقد حكى صاحب البيان عن الشافعي : أن من لم يجد ما يستر به عورته إلا ورق الشجر لزمه أن يستقر بذلك . لأنه سترة ظاهرة ، عليه التستر بها كما فعل آدم في الجنة . والله أعلم . انتهى كلام القرطبي .
ووجوب ستر العورة في الصلاة مجمع عليه بين المسلمين . وقد دلت عليه نصوص من الكتاب ، والسنة ، كقوله تعالى : يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد الآية [ 7 \ 31 ] وكبعثه - صلى الله عليه وسلم - من ينادي عام حج أبي بكر بالناس عام تسع : " ألا يحج بعد هذا العام مشرك ، وألا يطوف بالبيت عريان " . وكذلك لا خلاف بين العلماء في منع كشف العورة أمام الناس . وسيأتي بعض ما يتعلق بهذا إن شاء الله في سورة " النور " .
فإن قيل : لم جمع السوءات في قوله سوآتهما مع أنهما سوأتان فقط ؟ فالجواب من ثلاثة أوجه :
الوجه الأول : أن آدم وحواء كل واحد منهما له سوءتان : القبل ، والدبر ، فهي أربع ، فكل منهما يرى قبل نفسه وقبل الآخر ، ودبره . وعلى هذا فلا إشكال في الجمع .
الوجه الثاني : أن المثنى إذا أضيف إليه شيئان هما جزآه جاز في ذلك المضاف الذي هو شيئان الجمع ، والتثنية ، والإفراد ، وأفصحها الجمع ، فالإفراد ، فالتثنية على الأصح ، سواء كانت الإضافة لفظا أو معنى . ومثال اللفظ : شويت رءوس الكبشين أو رأسهما ، أو رأسيهما . ومثال المعنى : قطعت من الكبشين الرءوس ، أو الرأس ، أو الرأسين . فإن فرق المثنى المضاف إليه فالمختار في المضاف الإفراد ، نحو : على لسان داود وعيسى ابن مريم .
ومثال جمع المثنى المضاف المذكور الذي هو الأفصح قوله تعالى فقد صغت قلوبكما [ 66 \ 4 ] ، وقوله تعالى : والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما [ 5 \ 38 ] ، ومثال الإفراد قول الشاعر :
حمامة بطن الواديين ترنمي سقاك من الغر الغوادي مطيرها
ومثال التثنية قول الراجز :
ومهمهين قذفين مرتين     ظهراهما مثل ظهور الترسين 
[ ص: 116 ] والضمائر الراجعة إلى المضاف المذكور المجموع لفظا وهو مثنى معنى يجوز فيها الجمع نظرا إلى اللفظ ، والتثنية نظرا إلى المعنى ، فمن الأول قوله :
خليلي لا تهلك نفوسكما أسى     فإن لهما فيما به دهيت أسى 
ومن الثاني قوله :
قلوبكما يغشاهما الأمن عادة     إذا منكما الأبطال يغشاهم الذعر 
الوجه الثالث : ما ذهب إليه مالك بن أنس من أن أقل الجمع اثنان . قال في مراقي السعود :
أقل معنى الجمع في المشتهر     الاثنان في رأي الإمام الحميري 
وأما إن كان الاثنان المضافان منفصلين عن المثنى المضاف إليه ، أي : كانا غير جزأيه فالقياس الجمع وفاقا للفراء ، كقولك : ما أخرجكما من بيوتكما ، وإذا أويتما إلى مضاجعكما ، وضرباه بأسيافهما ، وسألتا عن إنفاقهما على أزواجهما ، ونحو ذلك .
				
						
						
