قوله تعالى : قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم     . 
ظاهر هذه الآية الكريمة أن الذي يقبض أرواح الناس ملك واحد معين ، وهذا هو المشهور ، وقد جاء في بعض الآثار أن اسمه عزرائيل    . 
وقد بين تعالى في آيات أخر أن الناس تتوفاهم ملائكة لا ملك واحد ; كقوله تعالى : إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم  الآية [ 4 \ 97 ] ، وقوله تعالى : فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم    [ 47 \ 27 ] ، وقوله تعالى : ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم  الآية [ 6 \ 93 ] ، وقوله تعالى : حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون    [ 6 \ 61 ] ، إلى غير ذلك من الآيات . 
وإيضاح هذا عند أهل العلم : أن الموكل بقبض الأرواح ملك واحد هو المذكور هنا ، ولكن له أعوان يعملون بأمره ينتزعون الروح إلى الحلقوم ، فيأخذها ملك الموت  ، أو يعينونه إعانة غير ذلك . 
وقد جاء في حديث  البراء بن عازب  الطويل المشهور : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر فيه :   " أن ملك الموت  إذا أخذ روح الميت أخذها من يده بسرعة ملائكة فصعدوا بها إلى السماء   " ، وقد بين فيه - صلى الله عليه وسلم - ما تعامل به روح المؤمن وروح الكافر بعد أخذ الملائكة له من ملك الموت  حين يأخذها من البدن ، وحديث البراء  المذكور صححه غير واحد ، وأوضح ابن القيم  في كتاب " الروح " بطلان تضعيف  ابن حزم  له . 
 [ ص: 185 ] والحاصل : أن حديث البراء  المذكور دل على أن مع ملك الموت ملائكة آخرين يأخذون من يده الروح ، حين يأخذه من بدن الميت . وأما قوله تعالى : الله يتوفى الأنفس حين موتها    [ 39 \ 42 ] فلا إشكال فيه ; لأن الملائكة لا يقدرون أن يتوفوا أحدا إلا بمشيئته جل وعلا : وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا    [ 3 \ 145 ] . 
فتحصل أن إسناد التوفي إلى ملك الموت في قوله هنا : قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم    [ 32 \ 11 ] ، لأنه هو المأمور بقبض الأرواح ، وأن إسناده للملائكة في قوله تعالى : فكيف إذا توفتهم الملائكة  الآية [ 47 \ 27 ] ، ونحوها من الآيات ; لأن لملك الموت أعوانا يعملون بأمره ، وأن إسناده إلى الله في قوله تعالى : الله يتوفى الأنفس حين موتها    [ 39 \ 42 ] ، لأن كل شيء كائنا ما كان لا يكون إلا بقضاء الله وقدره ، والعلم عند الله تعالى . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					