قوله تعالى : وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله     . 
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن رجلا مؤمنا من آل فرعون  يكتم إيمانه أي : يخفي عنهم أنه مؤمن ، أنكر على فرعون  وقومه إرادتهم قتل نبي الله موسى  عليه   [ ص: 384 ] وعلى نبينا الصلاة والسلام ، حين قال فرعون    : ذروني أقتل موسى وليدع ربه  الآية [ 40 \ 26 ] . مع أنه لا ذنب له ، يستحق به القتل ، إلا أنه يقول : ربي الله . 
وقد بين في آيات أخر أن من عادة المشركين قتل المسلمين ، والتنكيل بهم ، وإخراجهم من ديارهم من غير ذنب ، إلا أنهم يؤمنون بالله ويقولون : ربنا الله ، كقوله تعالى في أصحاب الأخدود ، الذين حرقوا المؤمنين : قتل أصحاب الأخدود  النار ذات الوقود  إذ هم عليها قعود  وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود  وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد    [ 85 \ 4 - 8 ] وقوله تعالى : أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير  الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله    [ 22 \ 39 - 40 ] . وقوله تعالى : عن الذين كانوا سحرة لفرعون  ، وصاروا من خيار المؤمنين ، لما هددهم فرعون  قائلا : لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لأصلبنكم أجمعين    [ 7 \ 124 ] أنهم أجابوه ، بما ذكره الله عنهم ، في قوله : قالوا إنا إلى ربنا منقلبون  وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا    [ 7 \ 125 - 126 ] إلى غير ذلك من الآيات . 
والتحقيق أن الرجل المؤمن المذكور في هذه الآية من جماعة فرعون  كما هو ظاهر قوله تعالى : " من آل فرعون    " . 
فدعوى أنه إسرائيلي وأن في الكلام تقديما وتأخيرا . وأن من آل فرعون  متعلق بـ ( يكتم ) ، أي وقال رجل مؤمن يكتم إيمانه من آل فرعون أي يخفي إيمانه عن فرعون وقومه خلاف التحقيق كما لا يخفى . 
وقيل : إن هذا الرجل المؤمن هو الذي قال لموسى    : إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج    [ 28 \ 20 ] وقيل غيره . 
واختلف العلماء في اسمه اختلافا كثيرا فقيل : اسمه حبيب  ، وقيل : اسمه شمعان  ، وقيل : اسمه حزقيل  ، وقيل غير ذلك ، ولا دليل على شيء من ذلك . 
والظاهر في إعراب المصدر المنسبك من أن وصلتها في قوله تعالى في هذه الآية الكريمة : أن يقول ربي الله أنه مفعول من أجله . 
 [ ص: 385 ] وقال  البخاري  رحمه الله في صحيحه في تفسير هذه الآية الكريمة : حدثنا علي بن عبد الله  ، حدثنا  الوليد بن مسلم  ، حدثنا  الأوزاعي  ، قال : حدثني  يحيى بن أبي كثير  ، قال : حدثني  محمد بن إبراهيم التيمي ،  حدثني  عروة بن الزبير  ، قال : قلت  لعبد الله بن عمرو بن العاص    : أخبرني بأشد ما صنع المشركون برسول الله  صلى الله عليه وسلم . قال : " بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بفناء الكعبة  إذ أقبل عقبة بن أبي معيط  فأخذ بمنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولوى ثوبه في عنقه ، فخنقه خنقا شديدا ، فأقبل أبو بكر  فأخذ بمنكبه ، ودفع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ؟ قد جاءكم بالبينات من ربكم   " . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					