قوله تعالى : أفرأيتم ما تمنون   أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون    . 
قد قدمنا قريبا كلام أهل العلم في همزة الاستفهام المتبوعة بأداة عطف ، وذكرناه قبل   [ ص: 528 ] هذا مرارا ، وقوله تعالى : أفرأيتم ما تمنون  يعني أفرأيتم ما تصبونه من المني في أرحام النساء ، فلفظة " ما " موصولة ، والجملة الفعلية صلة الموصول ، والعائد إلى الصفة محذوف ، لأنه منصوب بفعل ، والتقدير : أفرأيتم ما تمنونه ، والعرب تقول : أمنى النطفة بصيغة الرباعي ، يمنيها بضم حرف المضارعة ، إذا أراقها في رحم المرأة ، ومنه قوله تعالى : من نطفة إذا تمنى    [ 53 \ 46 ] ، ومنى يمنى بصيغة الثلاثي لغة صحيحة ، إلا أن القراءة بها شاذة . 
وممن قرأ " تمنون " بفتح التاء مضارع في الثلاثي المجرد - أبو السمال  وابن السميقع  ، وقوله تعالى : أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون  استفهام تقرير ، فإنهم لا بد أن يقولوا : أنتم الخالقون ، فيقال لهم : إذا كنا خلقنا هذا الإنسان الخصيم المبين من تلك النطفة التي تمنى في الرحم ، فكيف تكذبون بقدرتنا على خلقه مرة أخرى ، وأنتم تعلمون أن الإعادة لا يمكن أن تكون أصعب من الابتداء ، والضمير المنصوب في " تخلقونه " عائد إلى الموصول أي تخلقون ما تمنونه من النطف علقا ، ثم مضغا إلى آخر أطواره . 
وهذا الذي تضمنته هذه الآية من البراهين القاطعة على كمال قدرة الله على البعث وغيره ، وعلى أنه المعبود وحده ، ببيان أطوار خلق الإنسان - جاء موضحا في آيات أخر ، وقد قدمنا الكلام على ذلك مستوفى بالآيات القرآنية ، وبينا ما يتعلق بكل طور من أطواره من الأحكام الشرعية في سورة الحج في الكلام على قوله تعالى : ياأيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب  الآية [ 22 \ 5 ] . 
وذكرنا أطوار خلق الإنسان في سورة الرحمن أيضا في الكلام على قوله تعالى : خلق الإنسان  علمه البيان    [ 55 \ 3 - 4 ] ، وفي غير ذلك من المواضع . 
وبينا الآيات الدالة على أطوار خلقه جملة وتفصيلا في الحج . 
تنبيه : 
هذا البرهان الدال على البعث الذي هو خلق الإنسان من نطفة مني تمنى    - يجب على كل إنسان النظر فيه ، لأن الله - جل وعلا - وجه صفة الأمر بالنظر فيه إلى مني الإنسان ، والأصل في صيغة الأمر على التحقيق الوجوب إلا لدليل صارف عنه ، وذلك في قوله تعالى : فلينظر الإنسان مم خلق  خلق من ماء دافق  الآية [ 86 \ 5 - 6 ] ، وقد قدمنا   [ ص: 529 ] شرحها في أول سورة النحل ، وقرأ هذا الحرف نافع  أفرأيتم بتسهيل الهمزة بعد الراء بين بين . 
والرواية المشهورة التي بها الأداء عن  ورش  عنه إبدال الهمزة ألفا وإشباعها لسكون الياء بعدها . 
وقرأ  الكسائي    : " أفريتم " بحذف الهمزة ، وقرأه باقي السبعة بتحقيق الهمزة . 
وقوله تعالى : أأنتم قرأه نافع  وابن كثير  وأبو عمرو  وهشام  عن ابن عامر  في إحدى الروايتين بتسهيل الهمزة الثانية . والرواية المشهورة التي بها الأداء عن  ورش  عن نافع  إبدال الثانية ألفا مشبعا مدها لسكون النون بعدها ، وقرأه عاصم  وحمزة   والكسائي  وهشام  عن ابن عامر  في الرواية الأخرى بتحقيق الهمزتين ، وقالون  ، وأبو عمرو  وهشام  بألف الإدخال بين الهمزتين والباقون بدونها . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					