المبحث الثالث . 
وهو : هل المضاعفة خاصة بمسجده - صلى الله عليه وسلم - الذي بناه  ، والذي كان موجودا أثناء حياته - صلى الله عليه وسلم - ، أو أنها توجد فيه وفيما دخله من الزيادة من بعده . 
أما مثار البحث هو ما جاء في نص الحديث اسم الإشارة في مسجدي هذا ، فقال بعض العلماء : اسم الإشارة موضوع للتعيين ، وقال علماء الوضع : إنه موضوع بوضع عام لموضوع له خاص ، فيختص عند الاستعمال بمفرد معين ، وهو ما كان صالحا للإشارة الحسية ، وهو عين ما كان موجودا زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - . 
ومعلوم أن الإشارة لم تتناول الزيادة التي وجدت بعد تلك الإشارة ، فمن هنا جاء الخلاف والتساؤل . 
وقد نشأ هذا التساؤل في زمن عمر    - رضي الله عنه - عند أول زيادة زادها في المسجد النبوي  ، فرأى بعض الصحابة يتجنبون الصلاة في تلك الزيادة ويرغبون في القديم منها ، فقال لهم : لولا أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد توسعة المسجد لما وسعته ، ووالله إنه لمسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولو امتد إلى ذي الحليفة  ، أو ولو امتد إلى صنعاء  ، فهذا مثار البحث وسببه . 
ولكن لو قيل : إنه في نفس الحديث مبحث لغوي آخر وهو أن قوله - صلى الله عليه وسلم - : " في   [ ص: 331 ] مسجدي   " ، بالإضافة إليه - صلى الله عليه وسلم - ، والإضافة تفيد التخصيص أو التعريف . 
وفيه معنى العموم والشمول ، والآن مع الزيادة في كل زمان وعلى مر الأيام ، فإنه لم يزل هو مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وعليه كان تصريح عمر    : إنه لمسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . 
أقوال العلماء : الجمهور على أن المضاعفة في جميع أجزائه بما فيها الزيادة ، ونقل عن النووي  في شرح مسلم    : أنها خاصة بالمسجد . 
الأول : قبل الزيادة ، وقيل : إنه رجع عنه . وهذا الرجوع موجود في المجموع شرح المهذب ، وعليه فلم يبق خلاف في المسألة . 
وقال ابن فرحون    : وقفت على كلام لمالك  ، سئل عن ذلك فقال : ما أراه - عليه السلام - أشار بقوله : " في مسجدي هذا   " إلا لما سيكون من مسجد بعده ، وأن الله أطلعه على ذلك . 
وقد قدمت الإشارة إلى أن عمر    - رضي الله عنه - ما زاد في المسجد إلا بعد أن سمع من الرسول - صلى الله عليه وسلم - رغبته في الزيادة ، فيكون تأييدا لقول مالك    - رحمه الله - . وروي أيضا : أنه - صلى الله عليه وسلم - قال يوما وهو في مصلاه في المسجد : " لو زدنا في مسجدنا " ، وأشار بيده نحو القبلة   . 
وفي رواية : " إني أريد أن أزيد في قبلة مسجدنا   " ، مما يدل على أن الزيادة كانت في حسبان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . 
ومع الرغبة في الزيادة لم تأت إشارة إلى ما يغير حكم الصلاة في تلك الزيادة المنتظرة ، ولا يقال : إنها قبل وجودها لا يتعلق بها حكم ; لأننا رأينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد رتب أحكاما على أمور لم توجد بعد : كمواقيت الإحرام المصري والشامي والعراقي ، وكقوله - صلى الله عليه وسلم - : " ستفتح اليمن  ، وستفتح الشام  ، وستفتح العراق    " ، ومع كل منها يقول : " سيؤتى بأقوام يبسون هلم إلى الرخاء والسعة فيحملون بأهليهم ومن أطاعهم ، والمدينة  خير لهم لو كانوا يعلمون   " . 
وقال البعض : إن قوله - صلى الله عليه وسلم - : " في مسجدي هذا   " لدفع توهم دخول سائر المساجد المنسوبة إليه بالمدينة  غير هذا المسجد ، لا لإخراج ما سيزاد في المسجد النبوي    . قاله   [ ص: 332 ] السمهودي    . اهـ . 
ولكن لم يعلم أنه كانت هناك عدة مساجد له - صلى الله عليه وسلم - ، فلم يكن إلا المسجد والمصلى ، وبقية المساجد أطلقت عليها اصطلاحا . 
ولابن تيمية  كلام موجز في ذلك ، وهو أن الزيادة كانت في عهدي عمر  وعثمان    - رضي الله عنهما - . 
وقعت زيادة كل منهما من جهة القبلة ، ومع هذا فإن كلا منهما كان إذا صلى بالناس قام في القبلة الواقعة في تلك الزيادة ، فيمتنع أن تكون الصلاة في تلك الزيادة ليست لها فضيلة المسجد ، إذ يلزم عليه صلاةعمر  وعثمان  بالناس . 
وصلاة الناس معهم في الصفوف الأولى في المكان المفضول مع ترك الأفضل . اهـ . 
ومن كل ما قدمنا يتضح أن : حكم الزيادة في المسجد النبوي  كحكم الأصل في مضاعفة الأجر إلى الألف . 
وقد كنت سمعت من الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - ما يفيد ذلك ، وسيأتي ذلك - إن شاء الله - في مبحث الأربعين صلاة ، وصلاة الناس في الصف خارج المسجد . 
تنبيه . 
هذه المضاعفة أجمعوا على أنها في الكيف لا في الكم ، فلو أن على إنسان فوائت يوم خمس صلوات ، وصلى صلاة هي خير من ألف صلاة ، لن تسقط عنه شيئا من تلك الفوائت ، فهي في نظري بمثابة ثوب وثوب آخر أحدهما قيمته ألف درهم ، والآخر بدرهم واحد ، فكل منهما ثوب في مهمته ، ولن يلبسه أكثر من شخص في وقت مهما كان ثمنه . 
وكذلك كالقلم والقلم ، فمهما غلا ثمن القلم ، فلن يكتب به شخصان في وقت واحد . 
تنبيه آخر . 
مما لا شك فيه أن للمسجد الأساسي خصائص لم توجد في بقية المسجد    : كالروضة من الجنة . والمنبر على ترعة من ترع الجنة ، بعض السواري ذات التاريخ . 
 [ ص: 333 ] وقد قال النووي    : إذا كان الشخص سيصلي منفردا أو نفلا ، فإن الأفضل أن يكون في الروضة وإلا ففي المسجد الأول ، وإذا كان في الجماعة ، فعليه أن يتحرى الصف الأول ، وإلا ففي أي مكان من المسجد ، وهذا معقول المعنى . والحمد لله . 
				
						
						
