وبهذه المناسبة ، فإن هنا تنبيهين لا بد من إيرادهما . 
التنبيه الأول : ما يشبه الوأد في هذه الآونة الحديثة  ، وهو التعرض لمنع الحمل بأي وسيلة كانت . 
وقد بحثت هذه المسألة قديما وحديثا . أما قديما ففي عملية العزل ، وجاء فيه حديث جابر : " كنا نعزل والقرآن ينزل   " رواه مسلم    . 
زاد إسحاق  قال سفيان    : لو كان شيئا ينهى عنه لنهانا عنه القرآن . وجاء فيه : فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم ينهنا .
كما جاء التحذير الشديد في حديث جدامة بنت وهب أخت عكاشة  ، قالت : حضرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أناس ، قال : " لقد هممت أن أنهى عن الغيلة ، فنظرت في الروم  وفارس  فإذا هم يغيلون أولادهم فلا يضر أولادهم ذلك شيئا " فسألوه عن العزل ، فقال : " ذلك الوأد الخفي   " . 
زاد عبد الله  في حديثه عن المقرئ زيادة  وهي : " وإذا الموءودة سئلت    " . 
 [ ص: 440 ] ففي الحديث الأول : ما يفيد التقرير . وفي الثاني : ما يفيد شدة النكير . 
وجاء في صحيح مسلم  أيضا عن أبي سعيد    : " غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزوة بني المصطلق ، فسبينا كرائم العرب ، فطالت علينا الغربة ، ورغبنا في الفداء ، فأردنا أن نستمتع ونعزل ، فقلنا : نفعل ذلك ؟ ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرنا لا نسأله ، فسألنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " لا عليكم ألا تفعلوا ، ما كتب الله خلق نسمة هي كائنة إلى يوم القيامة إلا ستكون   " . 
وفي رواية : " إن الله كتب من هو خالق إلى يوم القيامة   " . 
وفي رواية : " فقال لنا : وإنكم لتفعلون ، وإنكم لتفعلون ، وإنكم لتفعلون . ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا هي كائنة   " . 
وفي رواية : " لا عليكم ألا تفعلوا ; فإنما هو القدر   " . 
قال أبو محمد    : وقوله : " لا عليكم " أقرب إلى النهي . 
وقال الحسن    : والله لكأن هذا زجر . فأنت ترى قوله - صلى الله عليه وسلم - : " وإنكم لتفعلون " مشعر بعدم علمه سابقا ، مما يتعارض مع الزيادة في حديث جابر  ، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم ينهنا ، نبقي قول جابر  ، مما يستدل به المجوزون ، ويعارضه : وهي الموءودة ، أو الوأد الخفي . 
وكان للوأد عند العرب في الجاهلية سببان    : 
الأول : اقتصادي ، خشية إملاق ، ومن إملاق حاضر . 
والثاني : حمية وغيرة . 
وقد رد القرآن عليهم في السبب الأول ، في قوله تعالى : ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا    [ 17 \ 31 ] . 
وقوله : ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم    [ 6 \ 151 ] . 
وأخيرا كان هذا التساؤل شديد التوبيخ لهم : وإذا الموءودة سئلت   [ ص: 441 ] 
وفي هذه الآية أثيرت مرة أخرى ، وبشكل آخر أثارها أعداء المسلمين مكيدة للسذج ، فأثيرت من الناحية الاقتصادية . 
وكان مبدؤها المعروف عند كتاب هذا العصر بنظرية : " مالتس " والآن لغرض عسكري لتقليل عدد جنود المسلمين ، حينما علم العدو أن الإسلام يبيح تعدد الزوجات مثنى وثلاث ورباع ، فأرادوا أن يوقفوا هذا النمو . 
ويكفي أن نورد هنا قوله - صلى الله عليه وسلم - : " تناكحوا تناسلوا ; فإني مباه بكم الأمم   " . 
وفي رواية : " مكاثر بكم الأمم " . 
وفيه : " تزوجوا الولود الودود   " ونحو ذلك . 
وقد كنت جمعت في ذلك بحثا في محاضرة وافية في هذا الغرض ، من حيث السياسة والاقتصاد ، والدفاع مع عمل إحصائيات للدول التي تطالب بهذا العمل ، مما يدفع رأي كل قائل به . 
والذي يهمنا في هذا المقام تنبيه المسلمين ، إلى أن هذه الدعوة إلى تحديد أو تنظيم النسل منشؤها من اليهود   ، وتشجيعها في الشرق من دول الغرب ، وكثير من الدول الغربية تبذل المال الطائل لتفشي هذا الأمر في دول الشرق الأوسط ، وخاصة الإسلامية والعربية . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					