قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=8nindex.php?page=treesubj&link=29057_33679إنه على رجعه لقادر ، " إنه " هنا أي : إن الله " على رجعه " ، الضمير فيه قيل : راجع للماء الدافق ، أي : أنه سبحانه قادر على رجع هذا الماء من حيث خرج ، كرد اللبن إلى الضرع مثلا ، ورد الطفل إلى الرحم ، وهذا مروي عن
عكرمة ومجاهد .
وقيل : على رجع الإنسان بعد الموت ، وهذا وإن كان في الأول دلالة على القدرة ، ولا يقدر عليه إلا الله ، إلا أن في السياق ما يدل على أن المراد هو الثاني ; لعدة أمور :
الأول : أن رد الماء لم يتعلق به حكم ولا أمر آخر سوى إثبات القدرة ، بخلاف رجع الإنسان بعد الموت ، فهو قضية الإيمان بالبعث . ويتعلق به كل أحكام يوم القيامة .
الثاني : مجيء القرآن بالخلق الأول دليل على الإعادة بعد الموت ، كقوله تعالى في " يس " :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=78وضرب لنا مثلا ونسي خلقه أي : من ماء دافق :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=78قال من يحيي العظام وهي رميم nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=79قل يحييها الذي أنشأها أول مرة [ 36 \ 78 - 79 ] ، أي : "
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=6من ماء دافق nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=7يخرج من بين الصلب والترائب " .
الثالث : أن الأول يحتاج معه إلى تقدير عامل لـ "
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=9يوم تبلى السرائر " ، نحو اذكر مثلا ، بخلاف الثاني ، فإن العامل فيه : هو " لقادر " ، أي : لقادر على رجعه يوم تبلى السرائر .
ونقل
أبو حيان عن
ابن عطية قوله : وكل من خالف ذلك إنما فر من أن يكون : " لقادر " هو العامل في الظرف ; لأنه يوهم أن قدرته على رجعه مقيدة بذلك ، ولكن بتأمل أسلوب العرب يعلم جوازه ; لأنه قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=8إنه على رجعه لقادر على الإطلاق أولا وآخرا ، وفي كل وقت ، ثم ذكر تعالى وخصص من الأوقات الوقت الأهم
[ ص: 494 ] على الكفار ; لأنه وقت الجزاء والوصول إلى العذاب للتحذير منه . اهـ .
فظهر بذلك أن الضمير في " رجعه " عائد للإنسان ، أي : بعد موته بالبعث ، وأن العامل هو : " لقادر " .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=8nindex.php?page=treesubj&link=29057_33679إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ، " إِنَّهُ " هُنَا أَيْ : إِنَّ اللَّهَ " عَلَى رَجْعِهِ " ، الضَّمِيرُ فِيهِ قِيلَ : رَاجِعٌ لِلْمَاءِ الدَّافِقِ ، أَيْ : أَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَادِرٌ عَلَى رَجْعِ هَذَا الْمَاءِ مِنْ حَيْثُ خَرَجَ ، كَرَدِّ اللَّبَنِ إِلَى الضَّرْعِ مَثَلًا ، وَرَدِّ الطِّفْلِ إِلَى الرَّحِمِ ، وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ
عِكْرِمَةَ وَمُجَاهِدٍ .
وَقِيلَ : عَلَى رَجْعِ الْإِنْسَانِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ فِي الْأَوَّلِ دَلَالَةٌ عَلَى الْقُدْرَةِ ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا اللَّهُ ، إِلَّا أَنَّ فِي السِّيَاقِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الثَّانِي ; لِعِدَّةِ أُمُورٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ رَدَ الْمَاءِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمٌ وَلَا أَمْرٌ آخَرُ سِوَى إِثْبَاتِ الْقُدْرَةِ ، بِخِلَافِ رَجْعِ الْإِنْسَانِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، فَهُوَ قَضِيَّةُ الْإِيمَانِ بِالْبَعْثِ . وَيَتَعَلَّقُ بِهِ كُلُّ أَحْكَامِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ .
الثَّانِي : مَجِيءُ الْقُرْآنِ بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ دَلِيلٌ عَلَى الْإِعَادَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي " يس " :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=78وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ أَيْ : مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=78قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=79قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ [ 36 \ 78 - 79 ] ، أَيْ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=6مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=7يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ " .
الثَّالِثُ : أَنِ الْأَوَّلَ يَحْتَاجُ مَعَهُ إِلَى تَقْدِيرِ عَامِلٍ لِـ "
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=9يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ " ، نَحْوُ اذْكُرْ مَثَلًا ، بِخِلَافِ الثَّانِي ، فَإِنَّ الْعَامِلَ فِيهِ : هُوَ " لَقَادِرٌ " ، أَيْ : لَقَادِرٌ عَلَى رَجْعِهِ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ .
وَنَقَلَ
أَبُو حَيَّانَ عَنِ
ابْنِ عَطِيَّةَ قَوْلَهُ : وَكُلُّ مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ إِنَّمَا فَرَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ : " لَقَادِرٌ " هُوَ الْعَامِلُ فِي الظَّرْفِ ; لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ قُدْرَتَهُ عَلَى رَجْعِهِ مُقَيَّدَةٌ بِذَلِكَ ، وَلَكِنْ بِتَأَمُّلِ أُسْلُوبِ الْعَرَبِ يُعْلَمُ جَوَازُهُ ; لِأَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=8إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَوَّلًا وَآخِرًا ، وَفِي كُلِّ وَقْتٍ ، ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى وَخَصَّصَ مِنَ الْأَوْقَاتِ الْوَقْتَ الْأَهَمَّ
[ ص: 494 ] عَلَى الْكُفَّارِ ; لِأَنَّهُ وَقْتُ الْجَزَاءِ وَالْوُصُولِ إِلَى الْعَذَابِ لِلتَّحْذِيرِ مِنْهُ . اهـ .
فَظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي " رَجْعِهِ " عَائِدٌ لِلْإِنْسَانِ ، أَيْ : بَعْدَ مَوْتِهِ بِالْبَعْثِ ، وَأَنَّ الْعَامِلَ هُوَ : " لَقَادِرٌ " .