[ ص: 498 ] بسم الله الرحمن الرحيم .
سورة الأعلى .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=29058_33135سبح اسم ربك الأعلى
تقدم معنى التسبيح ، وهو التنزيه عن كل ما لا يليق ، والأمر بالتسبيح هنا منصب على اسم ربك ، وفي آيات أخر جاء الأمر بتسبيح الله تعالى كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=26ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا [ 76 \ 26 ] . ومثل :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=17فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون [ 30 \ 17 ] .
وتسبيح الرب سبحانه كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=180سبحان ربك رب العزة عما يصفون [ 37 \ 180 ] ، فاختلف في هذه الآية ، هل المراد تسبيح الله سبحانه ، أو المراد تسبيح اسمه تعالى ، كما هو هنا ؟ ثم اختلف في المراد بتسبيح اسم الله تعالى ، وجاءت
nindex.php?page=treesubj&link=29448مسألة الاسم والمسمى .
وقد تقدم للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - في سورة " الواقعة " ، عند قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=74فسبح باسم ربك العظيم [ 56 \ 96 ] ، قوله : إن الباء هناك داخلة على المفعول كدخولها عليه في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=25وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا [ 19 \ 25 ] ، وأحال على متقدم في ذلك ، وحكى كلام القرطبي أن الاسم بمعنى المسمى ، واستشهد له من كلام العرب بقول
لبيد :
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
وقال : لا يلزم في نظري أن الاسم بمعنى المسمى هنا ; لإمكان كون المراد نفس الاسم ; لأن أسماء الله ألحد فيها قوم ونزهها آخرون ، ووصفها الله بأنها بالغة غاية الحسن ; لاشتمالها على صفاته الكريمة ، كما في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=180ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها [ 7 \ 180 ] .
[ ص: 499 ] وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=110أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى [ 17 \ 110 ] . ثم قال : ولسنا نريد أن نذكر كلام المتكلمين في الاسم والمسمى : هل الاسم هو المسمى أو لا ؟ لأن مرادنا هنا بيان معنى الآية . اهـ .
فتضمن كلامه - رحمة الله تعالى علينا وعليه - احتمال كون المراد : تنزيه اسم الله عما ألحد فيه الملحدون ، كاحتمال تنزيه الله تعالى عن كل ما لا يليق بجلاله ، كما تضمن عدم لزوم كون الاسم هنا بمعنى المسمى ، ولعلنا نورد مجمل بيان تلك النقاط . إن شاء الله .
أما
nindex.php?page=treesubj&link=28716تنزيه أسماء الله فهو على عدة معان ، منها : تنزيهها عن إطلاقها على الأصنام : كاللات ، والعزى ، واسم الآلهة .
ومنها : تنزيهها عن اللهو بها واللعب ، كالتلفظ بها في حالة تنافي الخشوع والإجلال : كمن يعبث بها ويلهو ، ونظيره من يلهو ويسهو عن صلاته :
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=4فويل للمصلين nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=5الذين هم عن صلاتهم ساهون [ 107 \ 4 - 5 ] ، أو وضعها في غير مواضعها : كنقش الثوب ، أو الفراش الممتهن .
ومنها : تنزيهها عن المواطن غير الطاهرة ، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل الخلاء نزع خاتمه ; لما فيه من نقش
محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
ومنه : صيانة الأوراق المكتوبة من الابتذال صونا لاسم الله .
وعلى هذا تكون هذه الآية موضحة لآية " الواقعة " ، وأن اسم ربك واقع موقع المفعول به ، وهو المراد بالتسبيح ، وعلى أن المراد تسبيح الله تعالى ، ، فقالوا : إن الاسم هو المسمى ، كما قال
القرطبي وغيره ، وقالوا : الاسم صلة ، كما في بيت
لبيد المتقدم .
أما مسألة
nindex.php?page=treesubj&link=29448الاسم : هل هو عين المسمى أم لا ؟ فقد أشار إليها
nindex.php?page=showalam&ids=16785الفخر الرازي ، وقال : إنه وصف ركيك .
أما قول الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - : ولا يلزم في نظري كون الاسم بمعنى المسمى هنا ، فإنه بلازم إلى بسط قليل ; ليظهر صحة ما قاله .
[ ص: 500 ] وقد ناقشها
الرازي بعد مقدمة ، قال فيها : من الناس من تمسك بهذه الآية ، في أن الاسم نفس المسمى .
فأقول : إن الخوض في الاستدلال لا يمكن إلا بعد تلخيص محل النزاع ، فلا بد ها هنا من بيان أن الاسم ما هو ؟ والمسمى ما هو ؟
فنقول : إن كان المراد من الاسم هو هذا اللفظ ، وبالمسمى تلك الذات ، فالعاقل لا يمكن أن يقول : الاسم هو المسمى ، وإن كان المراد من الاسم هو تلك الذات ، وبالمسمى أيضا تلك الذات . كان قولنا : الاسم نفس المسمى ; هو أن تلك الذات هي تلك الذات . وهذا لا يمكن أن ينازع فيه عاقل ، فعلمنا أن هذه المسألة في وصفها ركيكة ، وذكر الاشتباه على المتأخرين ; بسبب لفظ الاسم الذي هو قسيم الفعل والحرف ، إذ هو مراد المتقدمين في إطلاقه وإرادة مسماه .
ومن هنا تعلم لماذا أعرض الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - عن بيانها ؟ وقد أوردنا هذا البيان المجمل ; لنطلع القارئ إليه ، وعلى كل تقدير عند المتقدمين أو المتأخرين ; فإنه إن وقع الاحتمال في الذوات الأخرى ، فلا يقع في ذات الله وأسمائه ; لأن لأسماء الله أحكاما لا لأسماء الآخرين ، ولأسمائه سبحانه حق التسبيح والتنزيه ، والدعاء بها . كما تقدم .
وهنا وجهة نظر لم أر من صرح بها ، ولكن قد تفهم من كلام بعض المفسرين ، وتشير إليها السنة . وهي : أن يكون التسبيح هنا بمعنى الذكر والتعبد : كالتحميد ، والتهليل ، والتكبير .
وقد جاء في كلام
الرازي قوله : ويكون المعنى سبح ربك بذكر أسمائه ، ونحوه في بعض نقول
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري .
أما إشارة السنة إلى ذلك ، فقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري وغيره
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009790عنه - صلى الله عليه وسلم - : أنها لما نزلت ، قال - صلى الله عليه وسلم - بعد أن قرأها : " سبحان ربي الأعلى " .
وكذلك ما روي :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009791أنه - صلى الله عليه وسلم - لما نزلت : nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=74فسبح باسم ربك العظيم [ 56 \ 74 ] ، قال : " اجعلوها في ركوعكم " ولما نزلت هذه ، قال : " اجعلوها في سجودكم " . [ ص: 501 ] وساق
القرطبي أثرا طويلا في فضلها في الصلاة وخارج الصلاة ، لكنه ليس بصحيح .
وجاء الحديث الصحيح :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009792 " وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين ، وتكبرون ثلاثا وثلاثين ، وتختمون المائة بلا إله إلا الله " .
وقد صح عن
عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009793 " ما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة ، بعد أن نزلت عليه : nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=1إذا جاء نصر الله والفتح [ 110 \ 1 ] ، إلا يقول : " nindex.php?page=treesubj&link=31009سبحانك ربنا وبحمدك ، اللهم اغفر لي " ، وقالت : يتأول القرآن .
وقالت
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة :
" إنه كان يقولها في قيامه وقعوده ، ومجيئه وذهابه - صلى الله عليه وسلم - فيكون : " سبح اسم ربك " : أي : اذكر ربك .
وهذا ما دلت عليه الآية الأخرى في هذه السورة نفسها في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=14قد أفلح من تزكى nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=15وذكر اسم ربه فصلى
[ 87 \ 14 - 15 ] ، فصرح بذكر اسم ربك ، كما جاء
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=1سبح اسم ربك ، فوضع الذكر موضع التسبيح ، وهو ما أشرنا إليه . وبالله تعالى التوفيق .
[ ص: 498 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ .
سُورَةُ الْأَعْلَى .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=29058_33135سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى
تَقَدَّمَ مَعْنَى التَّسْبِيحِ ، وَهُوَ التَّنْزِيهُ عَنْ كُلِّ مَا لَا يَلِيقُ ، وَالْأَمْرُ بِالتَّسْبِيحِ هُنَا مُنْصَبٌّ عَلَى اسْمِ رَبِّكَ ، وَفِي آيَاتٍ أُخَرَ جَاءَ الْأَمْرُ بِتَسْبِيحِ اللَّهِ تَعَالَى كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=26وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا [ 76 \ 26 ] . وَمِثْلِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=17فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ [ 30 \ 17 ] .
وَتَسْبِيحُ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=180سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ [ 37 \ 180 ] ، فَاخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ، هَلِ الْمُرَادُ تَسْبِيحُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ ، أَوِ الْمُرَادُ تَسْبِيحُ اسْمِهِ تَعَالَى ، كَمَا هُوَ هُنَا ؟ ثُمَّ اخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِتَسْبِيحِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَجَاءَتْ
nindex.php?page=treesubj&link=29448مَسْأَلَةُ الِاسْمِ وَالْمُسَمَّى .
وَقَدْ تَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - فِي سُورَةِ " الْوَاقِعَةِ " ، عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=74فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [ 56 \ 96 ] ، قَوْلُهُ : إِنَّ الْبَاءَ هُنَاكَ دَاخِلَةٌ عَلَى الْمَفْعُولِ كَدُخُولِهَا عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=25وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا [ 19 \ 25 ] ، وَأَحَالَ عَلَى مُتَقَدِّمٍ فِي ذَلِكَ ، وَحَكَى كَلَامَ الْقُرْطُبِيِّ أَنَّ الِاسْمَ بِمَعْنَى الْمُسَمَّى ، وَاسْتَشْهَدَ لَهُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ بِقَوْلِ
لَبِيدٍ :
إِلَى الْحَوْلِ ثُمَّ اسْمُ السَّلَامِ عَلَيْكُمَا وَمَنْ يَبْكِ حَوْلًا كَامِلًا فَقَدِ اعْتَذَرْ
وَقَالَ : لَا يَلْزَمُ فِي نَظَرِي أَنَّ الِاسْمَ بِمَعْنَى الْمُسَمَّى هُنَا ; لِإِمْكَانِ كَوْنِ الْمُرَادِ نَفْسُ الِاسْمِ ; لِأَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ أَلْحَدَ فِيهَا قَوْمٌ وَنَزَّهَهَا آخَرُونَ ، وَوَصَفَهَا اللَّهُ بِأَنَّهَا بَالِغَةُ غَايَةِ الْحُسْنِ ; لِاشْتِمَالِهَا عَلَى صِفَاتِهِ الْكَرِيمَةِ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=180وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [ 7 \ 180 ] .
[ ص: 499 ] وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=110أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [ 17 \ 110 ] . ثُمَّ قَالَ : وَلَسْنَا نُرِيدُ أَنْ نَذْكُرَ كَلَامَ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي الِاسْمِ وَالْمُسَمَّى : هَلِ الِاسْمُ هُوَ الْمُسَمَّى أَوْ لَا ؟ لِأَنَّ مُرَادَنَا هُنَا بَيَانُ مَعْنَى الْآيَةِ . اهـ .
فَتَضَمَّنَ كَلَامُهُ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - احْتِمَالَ كَوْنِ الْمُرَادِ : تَنْزِيهُ اسْمِ اللَّهِ عَمَّا أَلْحَدَ فِيهِ الْمُلْحِدُونَ ، كَاحْتِمَالِ تَنْزِيهِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ كُلِّ مَا لَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ ، كَمَا تَضَمَّنَ عَدَمَ لُزُومِ كَوْنِ الِاسْمِ هُنَا بِمَعْنَى الْمُسَمَّى ، وَلَعَلَّنَا نُورِدُ مُجْمَلَ بَيَانِ تِلْكَ النِّقَاطِ . إِنْ شَاءَ اللَّهُ .
أَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28716تَنْزِيهُ أَسْمَاءِ اللَّهِ فَهُوَ عَلَى عِدَّةِ مَعَانٍ ، مِنْهَا : تَنْزِيهُهَا عَنْ إِطْلَاقِهَا عَلَى الْأَصْنَامِ : كَاللَّاتَ ، وَالْعُزَّى ، وَاسْمِ الْآلِهَةِ .
وَمِنْهَا : تَنْزِيهُهَا عَنِ اللَّهْوِ بِهَا وَاللَّعِبِ ، كَالتَّلَفُّظِ بِهَا فِي حَالَةٍ تُنَافِي الْخُشُوعَ وَالْإِجْلَالَ : كَمَنْ يَعْبَثُ بِهَا وَيَلْهُو ، وَنَظِيرُهُ مَنْ يَلْهُو وَيَسْهُو عَنْ صَلَاتِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=4فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=5الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ [ 107 \ 4 - 5 ] ، أَوْ وَضْعِهَا فِي غَيْرِ مَوَاضِعِهَا : كَنَقْشِ الثَّوْبِ ، أَوِ الْفِرَاشِ الْمُمْتَهَنِ .
وَمِنْهَا : تَنْزِيهُهَا عَنِ الْمَوَاطِنِ غَيْرِ الطَّاهِرَةِ ، وَقَدْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ نَزَعَ خَاتَمَهُ ; لِمَا فِيهِ مِنْ نَقْشِ
مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
وَمِنْهُ : صِيَانَةُ الْأَوْرَاقِ الْمَكْتُوبَةِ مِنَ الِابْتِذَالِ صَوْنًا لِاسْمِ اللَّهِ .
وَعَلَى هَذَا تَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ مُوَضِّحَةً لِآيَةِ " الْوَاقِعَةِ " ، وَأَنَّ اسْمَ رَبِّكَ وَاقِعٌ مَوْقِعَ الْمَفْعُولِ بِهِ ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالتَّسْبِيحِ ، وَعَلَى أَنَّ الْمُرَادَ تَسْبِيحُ اللَّهِ تَعَالَى ، ، فَقَالُوا : إِنَّ الِاسْمَ هُوَ الْمُسَمَّى ، كَمَا قَالَ
الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَقَالُوا : الِاسْمُ صِلَةٌ ، كَمَا فِي بَيْتِ
لَبِيدٍ الْمُتَقَدِّمِ .
أَمَّا مَسْأَلَةُ
nindex.php?page=treesubj&link=29448الِاسْمِ : هَلْ هُوَ عَيْنُ الْمُسَمَّى أَمْ لَا ؟ فَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهَا
nindex.php?page=showalam&ids=16785الْفَخْرُ الرَّازِيُّ ، وَقَالَ : إِنَّهُ وَصْفٌ رَكِيكٌ .
أَمَّا قَوْلُ الشَّيْخِ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - : وَلَا يَلْزَمُ فِي نَظَرِي كَوْنُ الِاسْمِ بِمَعْنَى الْمُسَمَّى هُنَا ، فَإِنَّهُ بِلَازِمٍ إِلَى بَسْطٍ قَلِيلٍ ; لِيُظْهِرَ صِحَّةَ مَا قَالَهُ .
[ ص: 500 ] وَقَدْ نَاقَشَهَا
الرَّازِيُّ بَعْدَ مُقَدِّمَةٍ ، قَالَ فِيهَا : مِنَ النَّاسِ مَنْ تَمَسَّكَ بِهَذِهِ الْآيَةِ ، فِي أَنَّ الِاسْمَ نَفْسُ الْمُسَمَّى .
فَأَقُولُ : إِنَّ الْخَوْضَ فِي الِاسْتِدْلَالِ لَا يُمْكِنُ إِلَّا بَعْدَ تَلْخِيصِ مَحَلِّ النِّزَاعِ ، فَلَا بُدَّ هَا هُنَا مِنْ بَيَانِ أَنَّ الِاسْمَ مَا هُوَ ؟ وَالْمُسَمَّى مَا هُوَ ؟
فَنَقُولُ : إِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنَ الِاسْمِ هُوَ هَذَا اللَّفْظُ ، وَبِالْمُسَمَّى تِلْكَ الذَّاتُ ، فَالْعَاقِلُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ : الِاسْمُ هُوَ الْمُسَمَّى ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنَ الِاسْمِ هُوَ تِلْكَ الذَّاتُ ، وَبِالْمُسَمَّى أَيْضًا تِلْكَ الذَّاتُ . كَانَ قَوْلُنَا : الِاسْمُ نَفْسُ الْمُسَمَّى ; هُوَ أَنَّ تِلْكَ الذَّاتَ هِيَ تِلْكَ الذَّاتُ . وَهَذَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُنَازِعَ فِيهِ عَاقِلٌ ، فَعَلِمْنَا أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي وَصْفِهَا رَكِيكَةٌ ، وَذَكَرَ الِاشْتِبَاهَ عَلَى الْمُتَأَخِّرِينَ ; بِسَبَبِ لَفْظِ الِاسْمِ الَّذِي هُوَ قَسِيمُ الْفِعْلِ وَالْحَرْفِ ، إِذْ هُوَ مُرَادُ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي إِطْلَاقِهِ وَإِرَادَةِ مُسَمَّاهُ .
وَمِنْ هُنَا تَعْلَمُ لِمَاذَا أَعْرَضَ الشَّيْخُ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - عَنْ بَيَانِهَا ؟ وَقَدْ أَوْرَدْنَا هَذَا الْبَيَانَ الْمُجْمَلَ ; لِنُطْلِعَ الْقَارِئَ إِلَيْهِ ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ أَوِ الْمُتَأَخِّرِينَ ; فَإِنَّهُ إِنْ وَقَعَ الِاحْتِمَالُ فِي الذَّوَاتِ الْأُخْرَى ، فَلَا يَقَعُ فِي ذَاتِ اللَّهِ وَأَسْمَائِهِ ; لِأَنَّ لِأَسْمَاءِ اللَّهِ أَحْكَامًا لَا لِأَسْمَاءِ الْآخَرِينَ ، وَلِأَسْمَائِهِ سُبْحَانَهُ حَقُّ التَّسْبِيحِ وَالتَّنْزِيهِ ، وَالدُّعَاءِ بِهَا . كَمَا تَقَدَّمَ .
وَهُنَا وُجْهَةُ نَظَرٍ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهَا ، وَلَكِنْ قَدْ تُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ ، وَتُشِيرُ إِلَيْهَا السُّنَّةُ . وَهِيَ : أَنْ يَكُونَ التَّسْبِيحُ هُنَا بِمَعْنَى الذِّكْرِ وَالتَّعَبُّدِ : كَالتَّحْمِيدِ ، وَالتَّهْلِيلِ ، وَالتَّكْبِيرِ .
وَقَدْ جَاءَ فِي كَلَامِ
الرَّازِيِّ قَوْلُهُ : وَيَكُونُ الْمَعْنَى سَبِّحْ رَبَّكَ بِذِكْرِ أَسْمَائِهِ ، وَنَحْوُهُ فِي بَعْضِ نُقُولِ
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرِيِّ .
أَمَّا إِشَارَةُ السُّنَّةِ إِلَى ذَلِكَ ، فَقَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009790عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : أَنَّهَا لَمَّا نَزَلَتْ ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ أَنْ قَرَأَهَا : " سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى " .
وَكَذَلِكَ مَا رُوِيَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009791أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا نَزَلَتْ : nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=74فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [ 56 \ 74 ] ، قَالَ : " اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ " وَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ ، قَالَ : " اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ " . [ ص: 501 ] وَسَاقَ
الْقُرْطُبِيُّ أَثَرًا طَوِيلًا فِي فَضْلِهَا فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِ الصَّلَاةِ ، لَكِنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ .
وَجَاءَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009792 " وَتَحْمَدُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، وَتُكَبِّرُونَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، وَتَخْتِمُونَ الْمِائَةَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " .
وَقَدْ صَحَّ عَنْ
عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009793 " مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةً ، بَعْدَ أَنْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ : nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=1إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [ 110 \ 1 ] ، إِلَّا يَقُولُ : " nindex.php?page=treesubj&link=31009سُبْحَانَكَ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي " ، وَقَالَتْ : يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ .
وَقَالَتْ
nindex.php?page=showalam&ids=54أُمُّ سَلَمَةَ :
" إِنَّهُ كَانَ يَقُولُهَا فِي قِيَامِهِ وَقُعُودِهِ ، وَمَجِيئِهِ وَذَهَابِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَكُونُ : " سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ " : أَيِ : اذْكُرْ رَبَّكَ .
وَهَذَا مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ الْأُخْرَى فِي هَذِهِ السُّورَةِ نَفْسِهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=14قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=15وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى
[ 87 \ 14 - 15 ] ، فَصَرَّحَ بِذِكْرِ اسْمِ رَبِّكَ ، كَمَا جَاءَ
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=1سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ ، فَوَضَعَ الذِّكْرَ مَوْضِعَ التَّسْبِيحِ ، وَهُوَ مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ . وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ .