nindex.php?page=treesubj&link=29058_30200_27209قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=16بل تؤثرون الحياة الدنيا nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=17والآخرة خير وأبقى nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=18إن هذا لفي الصحف الأولى nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=19صحف إبراهيم وموسى قرئ : " تؤثرون " بالتاء وبالياء راجعا إلى
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=11الأشقى nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=12الذي يصلى النار الكبرى [ 87 \ 11 - 12 ] ، وعلى أنها بالتاء للخطاب أعم ، وحيث إن هذا الأمر عام في الأمم الماضية ، ويذكر في الصحف الأولى كلها عامة ، وفي صحف
إبراهيم وموسى ، مما يدل على خطورته ، وأنه أمر غالب على الناس .
وقد جاءت آيات دالة على أسباب ذلك منها : الجهل ، وعدم العلم بالحقائق ، كما في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=64وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون [ 29 \ 64 ] ، أي : الحياة الدائمة .
وقد روى
القرطبي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16871مالك بن دينار قوله : لو كانت الدنيا من ذهب يفنى ، والآخرة من خزف يبقى ، لكان الواجب أن يؤثر خزف يبقى على ذهب يفنى ، فكيف والآخرة من ذهب يبقى والدنيا من خزف يفنى ؟
ومن أسباب ذلك أن الدنيا زينت للناس ، وعجلت لهم كما في قوله :
[ ص: 505 ] nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=14زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث [ 3 \ 14 ] .
ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=14ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب [ 3 \ 14 ] .
وبين تعالى هذا المآب الحسن وهو في وصفه يقابل :
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=17والآخرة خير وأبقى ، فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=15قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد [ 3 \ 15 ] .
تأمل هذا البديل ، ففي الدنيا : ذهب ، وخيل ، ونساء ، والأنعام ، والحرث ، وقد قابل ذلك كله بالجنة ; فعمت وشملت . ولكن نص على أزواج مطهرة ; ليعرف الفرق بين نساء الدنيا ونساء الآخرة ، كما تقدم في : وأنهار من عسل مصفى ، ولبن لم يتغير طعمه ، وماء غير آسن ، وخمر لذة للشاربين ،
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=19لا يصدعون عنها ولا ينزفون [ 56 \ 19 ] ، وغير ذلك مما ينص على الخيرية في الآخرة .
ولا شك أن من آثر الآخرة غالب على من آثر الدنيا ، وظاهر عليه ، كما صرح تعالى بذلك في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=212زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة والله يرزق من يشاء بغير حساب [ 2 \ 212 ] .
فمن هذا ; يظهر أن أسباب إيثار الناس للحياة الدنيا ، هو تزيينها وزخرفتها في أعينهم : بالمال ، والبنين ، والخيل ، والأنعام :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=46المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا [ 18 \ 46 ] .
وقد سيق هذا ، لا على سبيل الإخبار بالواقع فحسب ، بل إن من ورائه ما يسمى لازم الفائدة ، وهو ذم من كان هذا حاله ، فوجب البحث عن العلاج لهذه الحالة .
وإذا ذهبنا نتطلب العلاج ، فإننا في الواقع نواجه أخطر موضوع على الإنسان ; لأنه يشمل حياته الدنيا ومآله في الآخرة ، ويتحكم في سعادته وفوزه ، أو شقاوته وحرمانه ، وإن أقرب مأخذ لنا لهو هذا الموطن بالذات من هذه السورة ، وهو بضميمة ما قبلها إليها من قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=10سيذكر من يخشى nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=11ويتجنبها الأشقى nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=12الذي يصلى النار الكبرى [ 87 \ 10 - 12 ] ، وبعدها
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=14قد أفلح من تزكى nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=15وذكر اسم ربه فصلى [ 87 \ 14 14 - 6 ]
[ ص: 506 ] فقد قسمت هذه الآيات الأمة كلها أمة الدعوة إلى قسمين .
أما التذكير والإنذار ، إذ قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=9فذكر إن نفعت الذكرى [ 87 \ 9 ] ، فهذا موقف النبي - صلى الله عليه وسلم - وجاء تقسيم الأمة إلى القسمين في الآيتين :
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=10سيذكر من يخشى : فينتفع بالذكرى وتنفعه :
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=11ويتجنبها الأشقى ، فلا تنفعه ولا ينتفع بها ، ثم جاء الحكم بالفلاح :
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=14قد أفلح من تزكى ، أي : من يخشى وذكر اسم ربه فصلى ، ولم يغفل عن ذكر الله تعالى ، وهذا الموقف بنفسه هو المفصل في سورة " الحديد " ، وفي معرض التوجيه لنا والتوبيخ للأمم الماضية أيضا :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون [ 57 \ 16 ] .
فقسوة القلب ، وطول الأمد والتسويف : هي العوامل الأساسية للغفلة وإيثار الدنيا . والخشية والذكر : هي العوامل الأساسية لإيثار الآخرة ، ثم عرض
nindex.php?page=treesubj&link=27209الدنيا في حقيقتها بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=20اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=21والله ذو الفضل العظيم [ 57 \ 20 - 21 ] .
فوصف الداء والدواء معا في هذا السياق . فالداء : هو الغرور ، والدواء : هو المسابقة إلى مغفرة من الله ورضوانه .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=18إن هذا لفي الصحف الأولى ، قيل : اسم الإشارة راجع إلى السورة كلها ; لتضمنها معنى التوحيد والمعاد ، والذكر ، والعبادات . والصحف الأولى : هي "
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=19nindex.php?page=treesubj&link=29785صحف إبراهيم وموسى " ، على أنها بدل من الأولى .
وجاء عند
القرطبي : أن صحف
إبراهيم كانت أمثالا ، وصحف
موسى كانت مواعظ ، وذكر نماذج لها .
وعند
nindex.php?page=showalam&ids=16785الفخر الرازي من رواية أبي ذر - رضي الله عنه - : أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " كم أنزل الله من كتاب ؟ فقال : مائة وأربعة كتب : على آدم عشر صحف ، وعلى شيث خمسين صحيفة ، وعلى إدريس ثلاثين صحيفة ، وعلى إبراهيم عشر صحائف ، والتوراة ، والإنجيل ، والزبور ، والفرقان " .
[ ص: 507 ] وفي هذا نص على أن في القرآن مما في الصحف الأولى ، وقد جاء ما يدل أن معان أخرى كذلك في صحف
إبراهيم وموسى كما في سورة " النجم " في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=36أم لم ينبأ بما في صحف موسى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=37وإبراهيم الذي وفى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=38ألا تزر وازرة وزر أخرى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=39وأن ليس للإنسان إلا ما سعى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=40وأن سعيه سوف يرى [ 53 \ 36 - 40 ] .
وهذا يؤيد أنها أكثرها أمثالا ومواعظ ، كما يؤكد ترابط الكتب السماوية .
nindex.php?page=treesubj&link=29058_30200_27209قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=16بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=17وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=18إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=19صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى قُرِئَ : " تُؤْثِرُونَ " بِالتَّاءِ وَبِالْيَاءِ رَاجِعًا إِلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=11الْأَشْقَى nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=12الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى [ 87 \ 11 - 12 ] ، وَعَلَى أَنَّهَا بِالتَّاءِ لِلْخِطَابِ أَعَمُّ ، وَحَيْثُ إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ عَامٌّ فِي الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ ، وَيُذْكَرُ فِي الصُّحُفِ الْأُولَى كُلِّهَا عَامَّةً ، وَفِي صُحُفِ
إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى خُطُورَتِهِ ، وَأَنَّهُ أَمْرٌ غَالِبٌ عَلَى النَّاسِ .
وَقَدْ جَاءَتْ آيَاتٌ دَالَّةٌ عَلَى أَسْبَابِ ذَلِكَ مِنْهَا : الْجَهْلُ ، وَعَدَمُ الْعِلْمِ بِالْحَقَائِقِ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=64وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [ 29 \ 64 ] ، أَيِ : الْحَيَاةُ الدَّائِمَةُ .
وَقَدْ رَوَى
الْقُرْطُبِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16871مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ قَوْلَهُ : لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا مِنْ ذَهَبٍ يَفْنَى ، وَالْآخِرَةُ مِنْ خَزَفٍ يَبْقَى ، لَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يُؤْثَرَ خَزَفٌ يَبْقَى عَلَى ذَهَبٍ يَفْنَى ، فَكَيْفَ وَالْآخِرَةُ مَنْ ذَهَبٍ يَبْقَى وَالدُّنْيَا مِنْ خَزَفٍ يَفْنَى ؟
وَمِنْ أَسْبَابِ ذَلِكَ أَنَّ الدُّنْيَا زُيِّنَتْ لِلنَّاسِ ، وَعُجِّلَتْ لَهُمْ كَمَا فِي قَوْلِهِ :
[ ص: 505 ] nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=14زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ [ 3 \ 14 ] .
ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=14ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ [ 3 \ 14 ] .
وَبَيِّنَ تَعَالَى هَذَا الْمَآبَ الْحَسَنَ وَهُوَ فِي وَصْفِهِ يُقَابِلُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=17وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ، فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=15قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [ 3 \ 15 ] .
تَأَمَّلْ هَذَا الْبَدِيلَ ، فَفِي الدُّنْيَا : ذَهَبٌ ، وَخَيْلٌ ، وَنِسَاءٌ ، وَالْأَنْعَامُ ، وَالْحَرْثُ ، وَقَدْ قَابَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ بِالْجَنَّةِ ; فَعَمَّتْ وَشَمِلَتْ . وَلَكِنْ نَصَّ عَلَى أَزْوَاجٍ مُطَهَّرَةٍ ; لِيَعْرِفَ الْفَرْقَ بَيْنَ نِسَاءِ الدُّنْيَا وَنِسَاءِ الْآخِرَةِ ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي : وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى ، وَلَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ ، وَمَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ ، وَخَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=19لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ [ 56 \ 19 ] ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَنُصُّ عَلَى الْخَيْرِيَّةِ فِي الْآخِرَةِ .
وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ آثَرَ الْآخِرَةَ غَالِبٌ عَلَى مَنْ آثَرَ الدُّنْيَا ، وَظَاهَرٌ عَلَيْهِ ، كَمَا صَرَّحَ تَعَالَى بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=212زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [ 2 \ 212 ] .
فَمِنْ هَذَا ; يَظْهَرُ أَنَّ أَسْبَابَ إِيثَارِ النَّاسِ لِلْحَيَاةِ الدُّنْيَا ، هُوَ تَزْيِينُهَا وَزَخْرَفَتُهَا فِي أَعْيُنِهِمْ : بِالْمَالِ ، وَالْبَنِينَ ، وَالْخَيْلِ ، وَالْأَنْعَامِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=46الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا [ 18 \ 46 ] .
وَقَدْ سِيقَ هَذَا ، لَا عَلَى سَبِيلِ الْإِخْبَارِ بِالْوَاقِعِ فَحَسْبُ ، بَلْ إِنَّ مِنْ وَرَائِهِ مَا يُسَمَّى لَازِمَ الْفَائِدَةَ ، وَهُوَ ذَمُّ مَنْ كَانَ هَذَا حَالُهُ ، فَوَجَبَ الْبَحْثُ عَنِ الْعِلَاجِ لِهَذِهِ الْحَالَةِ .
وَإِذَا ذَهَبْنَا نَتَطَلَّبُ الْعِلَاجَ ، فَإِنَّنَا فِي الْوَاقِعِ نُوَاجِهُ أَخْطَرَ مَوْضُوعٍ عَلَى الْإِنْسَانِ ; لِأَنَّهُ يَشْمَلُ حَيَاتَهُ الدُّنْيَا وَمَآلَهُ فِي الْآخِرَةِ ، وَيَتَحَكَّمُ فِي سَعَادَتِهِ وَفَوْزِهِ ، أَوْ شَقَاوَتِهِ وَحِرْمَانِهِ ، وَإِنَّ أَقْرَبَ مَأْخَذٍ لَنَا لَهُوَ هَذَا الْمَوْطِنُ بِالذَّاتِ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ ، وَهُوَ بِضَمِيمَةِ مَا قَبْلَهَا إِلَيْهَا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=10سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=11وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=12الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى [ 87 \ 10 - 12 ] ، وَبَعْدَهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=14قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=15وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [ 87 \ 14 14 - 6 ]
[ ص: 506 ] فَقَدْ قَسَّمَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ الْأُمَّةَ كُلَّهَا أُمَّةَ الدَّعْوَةِ إِلَى قِسْمَيْنِ .
أَمَّا التَّذْكِيرُ وَالْإِنْذَارُ ، إِذْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=9فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى [ 87 \ 9 ] ، فَهَذَا مَوْقِفُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَاءَ تَقْسِيمُ الْأُمَّةِ إِلَى الْقِسْمَيْنِ فِي الْآيَتَيْنِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=10سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى : فَيَنْتَفِعُ بِالذِّكْرَى وَتَنْفَعُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=11وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى ، فَلَا تَنْفَعُهُ وَلَا يَنْتَفِعُ بِهَا ، ثُمَّ جَاءَ الْحُكْمُ بِالْفَلَاحِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=14قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ، أَيْ : مَنْ يَخْشَى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ، وَلَمْ يَغْفُلْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَهَذَا الْمَوْقِفُ بِنَفْسِهِ هُوَ الْمُفَصَّلُ فِي سُورَةِ " الْحَدِيدِ " ، وَفِي مَعْرِضِ التَّوْجِيهِ لَنَا وَالتَّوْبِيخِ لِلْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ أَيْضًا :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [ 57 \ 16 ] .
فَقَسْوَةُ الْقَلْبِ ، وَطُولُ الْأَمَدِ وَالتَّسْوِيفُ : هِيَ الْعَوَامِلُ الْأَسَاسِيَّةُ لِلْغَفْلَةِ وَإِيثَارِ الدُّنْيَا . وَالْخَشْيَةُ وَالذِّكْرُ : هِيَ الْعَوَامِلُ الْأَسَاسِيَّةُ لِإِيثَارِ الْآخِرَةِ ، ثُمَّ عَرَضَ
nindex.php?page=treesubj&link=27209الدُّنْيَا فِي حَقِيقَتِهَا بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=20اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=21وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [ 57 \ 20 - 21 ] .
فَوَصَفَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ مَعًا فِي هَذَا السِّيَاقِ . فَالدَّاءُ : هُوَ الْغُرُورُ ، وَالدَّوَاءُ : هُوَ الْمُسَابَقَةُ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانِهِ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=18إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى ، قِيلَ : اسْمُ الْإِشَارَةِ رَاجِعٌ إِلَى السُّورَةِ كُلِّهَا ; لِتَضَمُّنِهَا مَعْنَى التَّوْحِيدِ وَالْمَعَادِ ، وَالذِّكْرِ ، وَالْعِبَادَاتِ . وَالصُّحُفُ الْأُولَى : هِيَ "
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=19nindex.php?page=treesubj&link=29785صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى " ، عَلَى أَنَّهَا بَدَلٌ مِنَ الْأُولَى .
وَجَاءَ عِنْدَ
الْقُرْطُبِيِّ : أَنَّ صُحُفَ
إِبْرَاهِيمَ كَانَتْ أَمْثَالًا ، وَصُحُفَ
مُوسَى كَانَتْ مَوَاعِظَ ، وَذَكَرَ نَمَاذِجَ لَهَا .
وَعِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=16785الْفَخْرِ الرَّازِيِّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " كَمْ أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ ؟ فَقَالَ : مِائَةً وَأَرْبَعَةَ كُتُبٍ : عَلَى آدَمَ عَشْرَ صُحُفٍ ، وَعَلَى شِيثَ خَمْسِينَ صَحِيفَةً ، وَعَلَى إِدْرِيسَ ثَلَاثِينَ صَحِيفَةً ، وَعَلَى إِبْرَاهِيمَ عَشْرَ صَحَائِفَ ، وَالتَّوْرَاةَ ، وَالْإِنْجِيلَ ، وَالزَّبُورَ ، وَالْفُرْقَانَ " .
[ ص: 507 ] وَفِي هَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ فِي الْقُرْآنِ مِمَّا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى ، وَقَدْ جَاءَ مَا يَدُلُّ أَنْ مَعَانٍ أُخْرَى كَذَلِكَ فِي صُحُفِ
إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى كَمَا فِي سُورَةِ " النَّجْمِ " فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=36أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=37وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=38أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=39وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=40وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى [ 53 \ 36 - 40 ] .
وَهَذَا يُؤَيِّدُ أَنَّهَا أَكْثَرُهَا أَمْثَالًا وَمَوَاعِظَ ، كَمَا يُؤَكِّدُ تَرَابُطَ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ .