nindex.php?page=treesubj&link=29059_28766_30437قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=88&ayano=2وجوه يومئذ خاشعة nindex.php?page=tafseer&surano=88&ayano=3عاملة ناصبة nindex.php?page=tafseer&surano=88&ayano=4تصلى نارا حامية الآيات . اتفقوا على أن " يومئذ " يعني : يوم القيامة .
وقال
أبو حيان : والتنوين فيه تنوين عوض . وهو تنوين عوض عن جملة ، ولم تتقدم جملة تصلح أن يكون التنوين عوضا عنها ، ولكن لما تقدم لفظ الغاشية . وأل موصولة باسم الفاعل ، فتنحل للتي غشيت ، أي : للداهية التي غشيت ، فالتنوين عوض من هذه الجملة التي انحل لفظ الغاشية إليها ، وإلى الموصول الذي هو التي ، وهذا مما يرجح ويؤيد ما قدمناه ، من أن الغاشية هي القيامة
[ ص: 510 ]
"
nindex.php?page=tafseer&surano=88&ayano=2وجوه يومئذ خاشعة " ، بمعنى : ذليلة . قال
أبو السعود : هذا وما بعده وقع جوابا عن سؤال ، نشأ من الاستفهام التشويقي المتقدم ، كأنه قيل من جانبه - صلى الله عليه وسلم - : " ما أتاني حديثها " ، فأخبره الله تعالى . فقال : " وجوه " إلخ .
قال : ولا بأس بتنكيرها ; لأنها في موقع التنويع ، أي : سوغ الابتداء بالنكرة كونها في موقع التنويع : وجوه كذا ، ووجوه كذا .
وخاشعة : خبر المبتدأ ، أي : وما بعده من صفاتهم .
وقوله : عاملة ناصبة العمل معروف ، والنصب : التعب ، وقد اختلف في زمن العمل والنصب هذين : هل هو كان منها في الدنيا أم هو واقع منهم فعلا في الآخرة ؟ وما هو على كلا التقديرين : فالذين قالوا : هو كان منهم في الدنيا ، منهم من قال : عمل ونصب في العبادات الفاسدة : كعمل الرهبان والقسيسين والمبتدعة الضالين ، فلم ينفعهم يوم القيامة ، أي : كما في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=23وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا [ 25 \ 23 ] .
ومنهم من قال : عمل ونصب والتذ ، فيما لا يرضي الله ، فعامله الله بنقيض قصده في الآخرة ، ولكن هذا الوجه ضعفه ظاهر ; لأن من هذه حالهم لا يعدون في عمل ونصب ، بل في متعة ولذة .
والذين قالوا : سيقع منهم بالفعل يوم القيامة ، اتفقوا على أنه عمل ونصب في النار من جر السلاسل ، عياذا بالله ، وصعودهم وهبوطهم الوهاد والوديان ، أي : كما في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=17سأرهقه صعودا [ 74 \ 17 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=17ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا [ 72 \ 17 ] .
وقد ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=16785الفخر الرازي تقسيما ثلاثيا ، فقال : إما أن يكون ذلك كله في الدنيا أو كله في الآخرة ، أو بعضه في الدنيا وبعضه في الآخرة ، ولم يرجح قسما منها إلا أن وجه القول : بأنها في الدنيا وهي في القسيسين ونحوهم . فقال : لما نصبوا في عبادة إله وصفوه بما ليس متصفا به ، وإنما تخيلوه تخيلا ، أي بقولهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=73ثالث ثلاثة [ 5 \ 73 ] ، وقولهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30عزير ابن الله [ 9 \ 30 ] ، فكانت عبادتهم لتلك الذات المتخيلة لا لحقيقة الإله سبحانه .
[ ص: 511 ] ولا يبعد أن يقال على هذا الوجه : إن من كان ممن لا ينطق بالشهادتين ، ويعمل على جهالة فيما لا يعذر بجهله أن يخشى عليه من هذه الآية ، كما يخشى على من يعمل على علم ، ولكن في بدعة وضلالة .
ومما يشهد للأول حديث المسيء صلاته . ولأثر
حذيفة : " رأى رجلا يصلي فطفق ، فقال له : منذ كم تصلي هذه الصلاة ؟ قال : منذ أربعين سنة . قال له : ما صليت منذ أربعين سنة ، ولو مت على ذلك ، مت على غير فطرة
محمد - صلى الله عليه وسلم - " .
والأحاديث الواردة في ذلك على سبيل العمومات ، مثل قوله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009796 " من عمل عملا ليس عليه أمري فهو رد " أي : مردود .
وحديث الحوض :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009797 " فيذاد أقوام عن حوضي ، فأقول : أمتي أمتي ، فيقال : إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك ; إنهم غيروا وبدلوا " .
ونحو ذلك مما يوجب
nindex.php?page=treesubj&link=30515الانتباه إلى صحة العمل ، وموافقته لما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وكذلك القسم الثاني ، كما في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=103قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم الآية [ 18 \ 103 - 104 ] .
أما الراجح من القولين في زمن :
nindex.php?page=tafseer&surano=88&ayano=3عاملة ناصبة في صبة أهو في الدنيا أم في الآخرة ؟ فإنه القول بيوم القيامة ، وهو مروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وجماعة ، والأدلة على ذلك من نفس السياق .
ولابن تيمية كلام جيد جدا في هذا الترجيح ، ولم أقف على قول لغيره أقوى منه ، نسوق مجمله للفائدة :
قال في المجموع في تفسير هذه السورة بعد حكاية القولين : الحق هو الثاني لوجوه ، وساق سبعة وجوه :
الأول : أنه على القول الثاني يتعلق الظرف بما يليه ، أي : وجوه يوم الغاشية ، خاشعة عاملة ناصبة صالية . أما على القول الأول فلا يتعلق إلا بقوله : " تصلى " . ويكون قوله : " خاشعة " صفة للوجوه ، قد فصل بينها وبين الموصوف بأجنبي متعلق بصفة أخرى . والتقدير : وجوه
[ ص: 512 ] خاشعة عاملة ناصبة يومئذ تصلى نارا حامية ، والتقديم والتأخير على خلاف الأصل ، فالأصل إقرار الكلام على نظمه وترتيبه ، لا تغيير ترتيبه ، والتقديم والتأخير إنما يكون مع قرينة .
والثاني : أن الله ذكر وجوه الأشقياء ووجوه السعداء في السورة بعد ذلك :
nindex.php?page=tafseer&surano=88&ayano=8وجوه يومئذ ناعمة nindex.php?page=tafseer&surano=88&ayano=9لسعيها راضية nindex.php?page=tafseer&surano=88&ayano=10في جنة عالية [ 88 \ 8 - 10 ] ، أي : في ذلك اليوم ، وهو يوم الآخرة : فالواجب تناظر القسمين ، أي : في الظرف .
الثالث : أن نظير هذين القسمين ما ذكر في موضع آخر في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=22وجوه يومئذ ناضرة nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=23إلى ربها ناظرة nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=24ووجوه يومئذ باسرة nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=25تظن أن يفعل بها فاقرة [ 75 \ 22 - 25 ] ، وفي موضع آخر في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=38وجوه يومئذ مسفرة nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=39ضاحكة مستبشرة nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=40ووجوه يومئذ عليها غبرة nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=41ترهقها قترة nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=42أولئك هم الكفرة الفجرة [ 80 \ 38 - 42 ] ، وهذا كله وصف للوجوه في الآخرة .
الرابع : أن المراد بالوجوه أصحابها ; لأن الغالب في القرآن وصف الوجوه بالعلامة كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29سيماهم في وجوههم [ 48 \ 29 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=30فلعرفتهم بسيماهم [ 47 \ 30 ] ، وهذا الوجه لم تتضح دلالته على المقصود .
الخامس : أن قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=88&ayano=2خاشعة nindex.php?page=tafseer&surano=88&ayano=3عاملة ناصبة " ، لو جعل صفة لهم في الدنيا لم يكن في هذا اللفظ ذم ; فإن هذا إلى المدح أقرب ، وغايته أنه وصف مشترك بين عباده المؤمنين وعباده الكافرين ، والذم لا يكون بالوصف المشترك ، ولو أريد المختص لقيل : خاشعة للأوثان مثلا ، عاملة لغير الله ، ناصبة في طاعة الشيطان ، وليس في القرآن ذم لهذا الوصف مطلقا ولا وعيد عليه ، فحمله على هذا المعنى خروج عن الخطاب المعروف في القرآن ، وهذا الوجه من أقواها في المعنى ، وأوضحها دلالة .
وقد يشهد له أن هؤلاء قد يكون منهم العوام المغرورون بغيرهم ، ويندمون غاية الندم يوم القيامة على اتباعهم إياهم ، كما في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=29وقال الذين كفروا ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين [ 41 \ 29 ] .
السادس : - وهو مهم أيضا - أنه لو جعل لهم في الدنيا ; لكان خاصا ببعض الكفار دون
[ ص: 513 ] بعض ، وكان مختصا بالعباد منهم ، مع أن غير العباد منهم يكونون أسوأ عملا ، ويستوجبون أشد عقوبة .
السابع : أن هذا الخطاب لو جعل لهم في الدنيا ; لكان مثله ينفر من أصل العبادة والتنسك ابتداء ، أي : وقد جاءت السنة بترك أصحاب الصوامع والمتنسكين ، دون التعرض لهم بقتل ولا قتال ، كما أنها أقرت أصحاب الديانات على دياناتهم ، مما يشعر باحترام أصل التعبد لعموم الجنس ، كما أشار .
وقد أوردنا مجمل كلامه - رحمه الله - ; لئلا تتخذ الآية على غير ما هو الراجح فيها ، أو يحمل السياق على غير ما سيق له ، وقد ختم كلامه بتوجيه لطيف بقوله : ثم إذا قيد ذلك بعبادة الكفار والمبتدعة ، وليس في الخطاب تقييد ، كان هذا سعيا في إصلاح الخطاب بما لم يذكر فيه . اهـ .
ومن الذي يعطي نفسه حق إصلاح الخطاب في كلام رب العالمين ، إنها لفتة إلى ضرورة ومدى
nindex.php?page=treesubj&link=24911أهمية تفسير القرآن بالقرآن ، الذي نهجه الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - في أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن .
وقد بدا لي وجه آخر ، وهو لو جعل هذا العمل الكفار والمبتدعة ; لكان منطوقه : أن العذاب وقع عليهم مجازاة على عملهم ونصبهم في عبادتهم تلك ، والحال أن عذاب الكفار عموما إنما هو على ترك العمل لله وحده ، وعقاب المبتدعة فيما ابتدعوه من ضلال ، فإذا كان ما ابتدعوه لا علاقة له بأركان الإسلام ولا بالعقيدة ، وإنما هو في فروع من العبادات ابتدعوها لم تكن في السنة ، فإنهم وإن عملوا ونصبوا فلا أجر لهم فيها ، ولا يقال : إنهم يعذبون عليها بطل ذلك المذكور مع سلامة العقيدة في التوحيد ، والقيام بالواجب في أركان الإسلام ، إذ العذاب المذكور ليس مقابلا بالعمل والنصب المذكور . والله تعالى أعلم .
nindex.php?page=treesubj&link=29059_28766_30437قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=88&ayano=2وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ nindex.php?page=tafseer&surano=88&ayano=3عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ nindex.php?page=tafseer&surano=88&ayano=4تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً الْآيَاتِ . اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ " يَوْمَئِذٍ " يَعْنِي : يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
وَقَالَ
أَبُو حَيَّانَ : وَالتَّنْوِينُ فِيهِ تَنْوِينُ عِوَضٍ . وَهُوَ تَنْوِينُ عِوَضٍ عَنْ جُمْلَةٍ ، وَلَمْ تَتَقَدَّمْ جُمْلَةٌ تَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ التَّنْوِينُ عِوَضًا عَنْهَا ، وَلَكِنْ لَمَّا تَقَدَّمَ لَفْظُ الْغَاشِيَةِ . وَأَلْ مَوْصُولَةٌ بِاسْمِ الْفَاعِلِ ، فَتَنْحَلُّ لِلَّتِي غَشِيَتْ ، أَيْ : لِلدَّاهِيَةِ الَّتِي غَشِيَتْ ، فَالتَّنْوِينُ عِوَضٌ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ الَّتِي انْحَلَّ لَفْظُ الْغَاشِيَةِ إِلَيْهَا ، وَإِلَى الْمَوْصُولِ الَّذِي هُوَ الَّتِي ، وَهَذَا مِمَّا يُرَجِّحُ وَيُؤَيِّدُ مَا قَدَّمْنَاهُ ، مِنْ أَنَّ الْغَاشِيَةَ هِيَ الْقِيَامَةُ
[ ص: 510 ]
"
nindex.php?page=tafseer&surano=88&ayano=2وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ " ، بِمَعْنَى : ذَلِيلَةٌ . قَالَ
أَبُو السُّعُودِ : هَذَا وَمَا بَعْدَهُ وَقَعَ جَوَابًا عَنْ سُؤَالٍ ، نَشَأَ مِنَ الِاسْتِفْهَامِ التَّشْوِيقِيِّ الْمُتَقَدِّمِ ، كَأَنَّهُ قِيلَ مِنْ جَانِبِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " مَا أَتَانِي حَدِيثُهَا " ، فَأَخْبَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى . فَقَالَ : " وُجُوهٌ " إِلَخْ .
قَالَ : وَلَا بَأْسَ بِتَنْكِيرِهَا ; لِأَنَّهَا فِي مَوْقِعِ التَّنْوِيعِ ، أَيْ : سَوَّغَ الِابْتِدَاءَ بِالنَّكِرَةِ كَوْنُهَا فِي مَوْقِعِ التَّنْوِيعِ : وُجُوهٌ كَذَا ، وَوُجُوهٌ كَذَا .
وَخَاشِعَةٌ : خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ ، أَيْ : وَمَا بَعْدَهُ مِنْ صِفَاتِهِمْ .
وَقَوْلُهُ : عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ الْعَمَلُ مَعْرُوفٌ ، وَالنَّصَبُ : التَّعَبُ ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي زَمَنِ الْعَمَلِ وَالنَّصَبِ هَذَيْنِ : هَلْ هُوَ كَانَ مِنْهَا فِي الدُّنْيَا أَمْ هُوَ وَاقِعٌ مِنْهُمْ فِعْلًا فِي الْآخِرَةِ ؟ وَمَا هُوَ عَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ : فَالَّذِينَ قَالُوا : هُوَ كَانَ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا ، مِنْهُمْ مَنْ قَالَ : عَمَلٌ وَنَصَبٌ فِي الْعِبَادَاتِ الْفَاسِدَةِ : كَعَمَلِ الرُّهْبَانِ وَالْقِسِّيسِينَ وَالْمُبْتَدَعَةِ الضَّالِّينَ ، فَلَمْ يَنْفَعْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، أَيْ : كَمَا فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=23وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [ 25 \ 23 ] .
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : عَمِلَ وَنَصَبَ وَالْتَذَّ ، فِيمَا لَا يُرْضِي اللَّهَ ، فَعَامَلَهُ اللَّهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ فِي الْآخِرَةِ ، وَلَكِنَّ هَذَا الْوَجْهَ ضَعْفُهُ ظَاهِرٌ ; لِأَنَّ مَنْ هَذِهِ حَالُهُمْ لَا يُعَدُّونَ فِي عَمَلٍ وَنَصَبٍ ، بَلْ فِي مُتْعَةٍ وَلَذَّةٍ .
وَالَّذِينَ قَالُوا : سَيَقَعُ مِنْهُمْ بِالْفِعْلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ عَمَلٌ وَنَصَبٌ فِي النَّارِ مِنْ جَرِّ السَّلَاسِلِ ، عِيَاذًا بِاللَّهِ ، وَصُعُودِهِمْ وَهُبُوطِهِمُ الْوِهَادَ وَالْوِدْيَانَ ، أَيْ : كَمَا فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=17سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا [ 74 \ 17 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=17وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا [ 72 \ 17 ] .
وَقَدْ ذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=16785الْفَخْرُ الرَّازِيُّ تَقْسِيمًا ثُلَاثِيًّا ، فَقَالَ : إِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي الدُّنْيَا أَوْ كُلُّهُ فِي الْآخِرَةِ ، أَوْ بَعْضُهُ فِي الدُّنْيَا وَبَعْضُهُ فِي الْآخِرَةِ ، وَلَمْ يُرَجِّحْ قِسْمًا مِنْهَا إِلَّا أَنَّ وَجْهَ الْقَوْلِ : بِأَنَّهَا فِي الدُّنْيَا وَهِيَ فِي الْقِسِّيسِينَ وَنَحْوِهِمْ . فَقَالَ : لَمَّا نَصَبُوا فِي عِبَادَةِ إِلَهٍ وَصَفُوهُ بِمَا لَيْسَ مُتَّصِفًا بِهِ ، وَإِنَّمَا تَخَيَّلُوهُ تَخَيُّلًا ، أَيْ بِقَوْلِهِمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=73ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ [ 5 \ 73 ] ، وَقَوْلِهِمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ [ 9 \ 30 ] ، فَكَانَتْ عِبَادَتُهُمْ لِتِلْكَ الذَّاتِ الْمُتَخَيَّلَةِ لَا لِحَقِيقَةِ الْإِلَهِ سُبْحَانَهُ .
[ ص: 511 ] وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ : إِنَّ مَنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَنْطِقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ ، وَيَعْمَلُ عَلَى جَهَالَةٍ فِيمَا لَا يُعْذَرُ بِجَهْلِهِ أَنْ يُخْشَى عَلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ ، كَمَا يُخْشَى عَلَى مَنْ يَعْمَلُ عَلَى عِلْمٍ ، وَلَكِنْ فِي بِدْعَةٍ وَضَلَالَةٍ .
وَمِمَّا يَشْهَدُ لِلْأَوَّلِ حَدِيثُ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ . وَلِأَثَرِ
حُذَيْفَةَ : " رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي فَطَفِقَ ، فَقَالَ لَهُ : مُنْذُ كَمْ تُصَلِّي هَذِهِ الصَّلَاةَ ؟ قَالَ : مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً . قَالَ لَهُ : مَا صَلَّيْتَ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً ، وَلَوْ مُتَّ عَلَى ذَلِكَ ، مُتَّ عَلَى غَيْرِ فِطْرَةِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " .
وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومَاتِ ، مِثْلُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009796 " مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرِي فَهُوَ رَدٌّ " أَيْ : مَرْدُودٌ .
وَحَدِيثُ الْحَوْضِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009797 " فَيُذَادُ أَقْوَامٌ عَنْ حَوْضِي ، فَأَقُولُ : أُمَّتِي أُمَّتِي ، فَيُقَالُ : إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَاذَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ ; إِنَّهُمْ غَيَّرُوا وَبَدَّلُوا " .
وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ
nindex.php?page=treesubj&link=30515الِانْتِبَاهَ إِلَى صِحَّةِ الْعَمَلِ ، وَمُوَافَقَتِهِ لِمَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
وَكَذَلِكَ الْقِسْمُ الثَّانِي ، كَمَا فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=103قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ الْآيَةَ [ 18 \ 103 - 104 ] .
أَمَّا الرَّاجِحُ مِنَ الْقَوْلَيْنِ فِي زَمَنِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=88&ayano=3عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ فِي صَبَّةٍ أَهُوَ فِي الدُّنْيَا أَمْ فِي الْآخِرَةِ ؟ فَإِنَّهُ الْقَوْلُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ ، وَالْأَدِلَّةُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ نَفْسِ السِّيَاقِ .
وَلِابْنِ تَيْمِيَّةَ كَلَامٌ جَيِّدٌ جِدًّا فِي هَذَا التَّرْجِيحِ ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى قَوْلٍ لِغَيْرِهِ أَقْوَى مِنْهُ ، نَسُوقُ مُجْمَلَهُ لِلْفَائِدَةِ :
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ السُّورَةِ بَعْدَ حِكَايَةِ الْقَوْلَيْنِ : الْحَقُّ هُوَ الثَّانِي لِوُجُوهٍ ، وَسَاقَ سَبْعَةَ وُجُوهٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي يَتَعَلَّقُ الظَّرْفُ بِمَا يَلِيهِ ، أَيْ : وُجُوهٌ يَوْمَ الْغَاشِيَةِ ، خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ صَالِيَةٌ . أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَلَا يَتَعَلَّقُ إِلَّا بِقَوْلِهِ : " تَصْلَى " . وَيَكُونُ قَوْلُهُ : " خَاشِعَةٌ " صِفَةً لِلْوُجُوهِ ، قَدْ فَصَلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَوْصُوفِ بِأَجْنَبِيٍّ مُتَعَلِّقٍ بِصِفَةٍ أُخْرَى . وَالتَّقْدِيرُ : وُجُوهٌ
[ ص: 512 ] خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ يَوْمَئِذٍ تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً ، وَالتَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ ، فَالْأَصْلُ إِقْرَارُ الْكَلَامِ عَلَى نَظْمِهِ وَتَرْتِيبِهِ ، لَا تَغْيِيرُ تَرْتِيبِهِ ، وَالتَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ إِنَّمَا يَكُونُ مَعَ قَرِينَةٍ .
وَالثَّانِي : أَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ وُجُوهَ الْأَشْقِيَاءِ وَوُجُوهَ السُّعَدَاءِ فِي السُّورَةِ بَعْدَ ذَلِكَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=88&ayano=8وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ nindex.php?page=tafseer&surano=88&ayano=9لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ nindex.php?page=tafseer&surano=88&ayano=10فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ [ 88 \ 8 - 10 ] ، أَيْ : فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ ، وَهُوَ يَوْمُ الْآخِرَةِ : فَالْوَاجِبُ تَنَاظُرُ الْقِسْمَيْنِ ، أَيْ : فِي الظَّرْفِ .
الثَّالِثُ : أَنَّ نَظِيرَ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ مَا ذُكِرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=22وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=23إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=24وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=25تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ [ 75 \ 22 - 25 ] ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=38وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=39ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=40وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=41تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=42أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ [ 80 \ 38 - 42 ] ، وَهَذَا كُلُّهُ وَصْفٌ لِلْوُجُوهِ فِي الْآخِرَةِ .
الرَّابِعُ : أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُجُوهِ أَصْحَابُهَا ; لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْقُرْآنِ وَصْفُ الْوُجُوهِ بِالْعَلَامَةِ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ [ 48 \ 29 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=30فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ [ 47 \ 30 ] ، وَهَذَا الْوَجْهُ لَمْ تَتَّضِحْ دَلَالَتُهُ عَلَى الْمَقْصُودِ .
الْخَامِسُ : أَنَّ قَوْلَهُ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=88&ayano=2خَاشِعَةٌ nindex.php?page=tafseer&surano=88&ayano=3عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ " ، لَوْ جُعِلَ صِفَةً لَهُمْ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا اللَّفْظِ ذَمٌّ ; فَإِنَّ هَذَا إِلَى الْمَدْحِ أَقْرَبُ ، وَغَايَتُهُ أَنَّهُ وَصْفٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَعِبَادِهِ الْكَافِرِينَ ، وَالذَّمُّ لَا يَكُونُ بِالْوَصْفِ الْمُشْتَرَكِ ، وَلَوْ أُرِيدَ الْمُخْتَصُّ لَقِيلَ : خَاشِعَةٌ لِلْأَوْثَانِ مَثَلًا ، عَامِلَةٌ لِغَيْرِ اللَّهِ ، نَاصِبَةٌ فِي طَاعَةِ الشَّيْطَانِ ، وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ ذَمٌّ لِهَذَا الْوَصْفِ مُطْلَقًا وَلَا وَعِيدٌ عَلَيْهِ ، فَحَمْلُهُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى خُرُوجٌ عَنِ الْخِطَابِ الْمَعْرُوفِ فِي الْقُرْآنِ ، وَهَذَا الْوَجْهُ مِنْ أَقْوَاهَا فِي الْمَعْنَى ، وَأَوْضَحِهَا دَلَالَةً .
وَقَدْ يَشْهَدُ لَهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ يَكُونُ مِنْهُمُ الْعَوَامُّ الْمَغْرُورُونَ بِغَيْرِهِمْ ، وَيَنْدَمُونَ غَايَةَ النَّدَمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى اتِّبَاعِهِمْ إِيَّاهُمْ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=29وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ [ 41 \ 29 ] .
السَّادِسُ : - وَهُوَ مُهِمٌّ أَيْضًا - أَنَّهُ لَوْ جُعِلَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا ; لَكَانَ خَاصًّا بِبَعْضِ الْكُفَّارِ دُونَ
[ ص: 513 ] بَعْضٍ ، وَكَانَ مُخْتَصًّا بِالْعِبَادِ مِنْهُمْ ، مَعَ أَنَّ غَيْرَ الْعِبَادِ مِنْهُمْ يَكُونُونَ أَسْوَأَ عَمَلًا ، وَيَسْتَوْجِبُونَ أَشَدَّ عُقُوبَةٍ .
السَّابِعُ : أَنَّ هَذَا الْخِطَابَ لَوْ جُعِلَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا ; لَكَانَ مِثْلُهُ يَنْفِرُ مِنْ أَصْلِ الْعِبَادَةِ وَالتَّنَسُّكِ ابْتِدَاءً ، أَيْ : وَقَدْ جَاءَتِ السُّنَّةُ بِتَرْكِ أَصْحَابِ الصَّوَامِعِ وَالْمُتَنَسِّكِينَ ، دُونَ التَّعَرُّضِ لَهُمْ بِقَتْلٍ وَلَا قِتَالٍ ، كَمَا أَنَّهَا أَقَرَّتْ أَصْحَابَ الدِّيَانَاتِ عَلَى دِيَانَاتِهِمْ ، مِمَّا يُشْعِرُ بِاحْتِرَامِ أَصْلِ التَّعَبُّدِ لِعُمُومِ الْجِنْسِ ، كَمَا أَشَارَ .
وَقَدْ أَوْرَدْنَا مُجْمَلَ كَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ; لِئَلَّا تُتَّخَذَ الْآيَةُ عَلَى غَيْرِ مَا هُوَ الرَّاجِحُ فِيهَا ، أَوْ يُحْمَلُ السِّيَاقُ عَلَى غَيْرِ مَا سِيقَ لَهُ ، وَقَدْ خَتَمَ كَلَامَهُ بِتَوْجِيهٍ لَطِيفٍ بِقَوْلِهِ : ثُمَّ إِذَا قُيِّدَ ذَلِكَ بِعِبَادَةِ الْكُفَّارِ وَالْمُبْتَدَعَةِ ، وَلَيْسَ فِي الْخِطَابِ تَقْيِيدٌ ، كَانَ هَذَا سَعْيًا فِي إِصْلَاحِ الْخَطَّابِ بِمَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ . اهـ .
وَمَنِ الَّذِي يُعْطِي نَفْسَهُ حَقَّ إِصْلَاحِ الْخِطَابِ فِي كَلَامِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، إِنَّهَا لَفْتَةٌ إِلَى ضَرُورَةِ وَمَدَى
nindex.php?page=treesubj&link=24911أَهَمِّيَّةِ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ بِالْقُرْآنِ ، الَّذِي نَهَجَهُ الشَّيْخُ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - فِي أَضْوَاءِ الْبَيَانِ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ بِالْقُرْآنِ .
وَقَدْ بَدَا لِي وَجْهٌ آخَرُ ، وَهُوَ لَوْ جَعَلَ هَذَا الْعَمَلَ الْكُفَّارَ وَالْمُبْتَدِعَةَ ; لَكَانَ مَنْطُوقُهُ : أَنَّ الْعَذَابَ وَقَعَ عَلَيْهِمْ مُجَازَاةً عَلَى عَمَلِهِمْ وَنَصَبِهِمْ فِي عِبَادَتِهِمْ تِلْكَ ، وَالْحَالُ أَنَّ عَذَابَ الْكُفَّارِ عُمُومًا إِنَّمَا هُوَ عَلَى تَرْكِ الْعَمَلِ لِلَّهِ وَحْدَهُ ، وَعِقَابُ الْمُبْتَدِعَةِ فِيمَا ابْتَدَعُوهُ مِنْ ضَلَالٍ ، فَإِذَا كَانَ مَا ابْتَدَعُوهُ لَا عَلَاقَةَ لَهُ بِأَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَلَا بِالْعَقِيدَةِ ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي فُرُوعٍ مِنَ الْعِبَادَاتِ ابْتَدَعُوهَا لَمْ تَكُنْ فِي السُّنَّةِ ، فَإِنَّهُمْ وَإِنْ عَمِلُوا وَنَصَبُوا فَلَا أَجْرَ لَهُمْ فِيهَا ، وَلَا يُقَالُ : إِنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ عَلَيْهَا بَطَلَ ذَلِكَ الْمَذْكُورُ مَعَ سَلَامَةِ الْعَقِيدَةِ فِي التَّوْحِيدِ ، وَالْقِيَامِ بِالْوَاجِبِ فِي أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ ، إِذِ الْعَذَابُ الْمَذْكُورُ لَيْسَ مُقَابَلًا بِالْعَمَلِ وَالنَّصَبِ الْمَذْكُورِ . وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .