[ ص: 521 ] بسم الله الرحمن الرحيم .
سورة الفجر .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=1والفجر nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=2وليال عشر nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=3والشفع والوتر nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=4والليل إذا يسري
اختلف في
nindex.php?page=treesubj&link=29060_28904المراد بالفجر ، فقيل : انفجار النهار من ظلمة الليل .
وقيل : صلاة الفجر .
وكلا القولين له شاهد من القرآن . أما انفجار النهار ، فكما في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=18والصبح إذا تنفس [ 81 \ 18 ] .
وأما صلاة الفجر فكما في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=78وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا [ 17 \ 78 ] ، ولكن في السياق ما يقرب القول الأول ، إذ هو في الأيام والليالي : " الفجر وليال عشر " ، " الليل إذا يسري " ، وكلها آيات زمنية أنسب لها انفجار النهار .
بقي بعد ذلك اختلافهم في أي الفجر عنى هنا ؟ فقيل بالعموم في كل يوم ، وقيل : بالخصوص . والأول قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وابن الزبير وعلي - رضي الله عنهم - .
وعلى الثاني ، فقيل : خصوص الفجر يوم النحر . وقيل : أول يوم المحرم ، وليس هناك نص يعول عليه . إلا أن فجر يوم النحر أقرب إلى الليالي العشر ، إن قلنا : هي عشر ذي الحجة على ما يأتي . إن شاء الله .
أما
nindex.php?page=treesubj&link=29060_28904الليالي العشر : فأقوال المفسرين محصورة في عشر ذي الحجة ، وعشر المحرم ، والعشر الأواخر من رمضان . والأول : جاء عن
مسروق أنها العشر التي ذكرها الله في قصة
موسى - عليه السلام - :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=142وأتممناها بعشر " [ 7 \ 142 ] ، وكلها الأقوال الثلاثة مروية عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . وليس في القرآن نص بعينها .
وفي السنة بيان فضيلة عشر ذي الحجة ، وعشر رمضان كما هو معلوم ، فإن جعل الفجر خاصا بيوم النحر ، كان عشر ذي الحجة أقرب للسياق . والله تعالى أعلم .
[ ص: 522 ] "
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=3nindex.php?page=treesubj&link=29060_28904والشفع والوتر " : ذكر المفسرون أكثر من عشرين قولا ، ومجموعها يشمل جميع المخلوقات جملة وتفصيلا .
أما جملة ، فقالوا : إنما الوتر هو الله ; للحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009799 " إن الله وتر يحب الوتر " ، وما سواه شفع ، كما في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=49ومن كل شيء خلقنا زوجين [ 51 \ 49 ] ، فهذا شمل كل الوجود الخالق والمخلوق ، كما في عموم
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=38فلا أقسم بما تبصرون nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=39وما لا تبصرون [ 69 \ 38 - 39 ] .
أما التفصيل ، فقالوا : المخلوقات إما شفع كالحيوانات أزواجا ، والسماء ، والأرض ، والجبل ، والبحر ، والنار ، والماء . وهكذا ذكروا لكل شيء مقابله ، ومن الأشياء الفرد كالهواء . وكلها من باب الأمثلة .
والواقع أن أقرب الأقوال عندي - والله أعلم - : أنه هو الأول ; لأنه ثبت علميا أنه لا يوجد
nindex.php?page=treesubj&link=28661كائن موجود بمعنى الوتر قط حتى الحصاة الصغيرة .
فإنه ثبت أن كل كائن جماد أو غيره مكون من ذرات ، والذرة لها نواة ومحيط ، وبينهما ارتباط وعن طريقهما التفجير الذي اكتشف في هذا العصر ، حتى في أدق عالم الصناعة : كالكهرباء ; فإنها من سالب وموجب ، وهكذا لا بد من دورة كهربائية للحصول على النتيجة من أي جهاز كان ، حتى الماء الذي كان يظن به البساطة ; فهو زوج وشفع من عنصرين : أوكسجين وهدروجين ، ينفصلان إذا وصلت درجة حرارة الماء إلى مائة - أي : الغليان - ويتآلفان إذا نزلت الدرجة إلى حد معين فيتاقطران ماء . وهكذا .
ونفس الهواء عدة غازات وتراكيب ، فلم يبق في الكون شيء قط فردا وترا بذاته ، إلا ما نص عليه الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009799 " إن الله وتر يحب الوتر " ، ويمكن حمل الحديث على معنى الوتر فيه مستغن بذاته عن غيره ، والواحد في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله . فصفاته كلها وتر : كالعلم بلا جهل والحياة بلا موت . إلخ . بخلاف المخلوق ، وقلنا : المستغني بذاته عن غيره ; لأن كل مخلوق شفعا ، فإن كل عنصر منه في حاجة إلى العنصر الثاني ; ليكون معه ذاك الشيء والله سبحانه بخلاف ذلك . ولهذا كان القول الأول ، وهو أن الوتر هو الله ، والشفع هو المخلوقات جميعها ، هو القول الراجح ، وهو الأعم في المعنى .
[ ص: 521 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ .
سُورَةُ الْفَجْرِ .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=1وَالْفَجْرِ nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=2وَلَيَالٍ عَشْرٍ nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=3وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=4وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِي
اخْتُلِفَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=29060_28904الْمُرَادِ بِالْفَجْرِ ، فَقِيلَ : انْفِجَارُ النَّهَارِ مِنْ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ .
وَقِيلَ : صَلَاةُ الْفَجْرِ .
وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ لَهُ شَاهَدٌ مِنَ الْقُرْآنِ . أَمَّا انْفِجَارُ النَّهَارِ ، فَكَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=18وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ [ 81 \ 18 ] .
وَأَمَّا صَلَاةُ الْفَجْرِ فَكَمَا فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=78وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [ 17 \ 78 ] ، وَلَكِنْ فِي السِّيَاقِ مَا يُقَرِّبُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ ، إِذْ هُوَ فِي الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي : " الْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ " ، " اللَّيْلِ إِذَا يَسْرِي " ، وَكُلُّهَا آيَاتٌ زَمَنِيَّةٌ أُنْسِبَ لَهَا انْفِجَارُ النَّهَارِ .
بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ اخْتِلَافُهُمْ فِي أَيِّ الْفَجْرِ عَنَى هُنَا ؟ فَقِيلَ بِالْعُمُومِ فِي كُلِّ يَوْمٍ ، وَقِيلَ : بِالْخُصُوصِ . وَالْأَوَّلُ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - .
وَعَلَى الثَّانِي ، فَقِيلَ : خُصُوصُ الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ . وَقِيلَ : أَوَّلُ يَوْمِ الْمُحَرَّمِ ، وَلَيْسَ هُنَاكَ نَصٌّ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ . إِلَّا أَنَّ فَجْرَ يَوْمِ النَّحْرِ أَقْرَبُ إِلَى اللَّيَالِي الْعَشْرِ ، إِنْ قُلْنَا : هِيَ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ عَلَى مَا يَأْتِي . إِنْ شَاءَ اللَّهُ .
أَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=29060_28904اللَّيَالِي الْعَشْرُ : فَأَقْوَالُ الْمُفَسِّرِينَ مَحْصُورَةٌ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ ، وَعَشْرِ الْمُحَرَّمِ ، وَالْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ . وَالْأَوَّلُ : جَاءَ عَنْ
مَسْرُوقٍ أَنَّهَا الْعَشْرُ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي قِصَّةِ
مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=142وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ " [ 7 \ 142 ] ، وَكُلُّهَا الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ مَرْوِيَّةٌ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ . وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ نَصٌّ بِعَيْنِهَا .
وَفِي السُّنَّةِ بَيَانُ فَضِيلَةِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ ، وَعَشْرِ رَمَضَانَ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ ، فَإِنَّ جَعْلَ الْفَجْرِ خَاصًّا بِيَوْمِ النَّحْرِ ، كَانَ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ أَقْرَبَ لِلسِّيَاقِ . وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
[ ص: 522 ] "
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=3nindex.php?page=treesubj&link=29060_28904وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ " : ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ قَوْلًا ، وَمَجْمُوعُهَا يَشْمَلُ جَمِيعَ الْمَخْلُوقَاتِ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا .
أَمَّا جُمْلَةً ، فَقَالُوا : إِنَّمَا الْوَتْرُ هُوَ اللَّهُ ; لِلْحَدِيثِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009799 " إِنَّ اللَّهَ وَتْرٌ يُحِبُّ الْوَتْرَ " ، وَمَا سِوَاهُ شَفْعٌ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=49وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ [ 51 \ 49 ] ، فَهَذَا شَمِلَ كُلَّ الْوُجُودِ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ ، كَمَا فِي عُمُومِ
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=38فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=39وَمَا لَا تُبْصِرُونَ [ 69 \ 38 - 39 ] .
أَمَّا التَّفْصِيلُ ، فَقَالُوا : الْمَخْلُوقَاتُ إِمَّا شَفْعٌ كَالْحَيَوَانَاتِ أَزْوَاجًا ، وَالسَّمَاءِ ، وَالْأَرْضِ ، وَالْجَبَلِ ، وَالْبَحْرِ ، وَالنَّارِ ، وَالْمَاءِ . وَهَكَذَا ذَكَرُوا لِكُلِّ شَيْءٍ مُقَابِلَهُ ، وَمِنَ الْأَشْيَاءِ الْفَرْدُ كَالْهَوَاءِ . وَكُلُّهَا مِنْ بَابِ الْأَمْثِلَةِ .
وَالْوَاقِعُ أَنَّ أَقْرَبَ الْأَقْوَالِ عِنْدِي - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - : أَنَّهُ هُوَ الْأَوَّلُ ; لِأَنَّهُ ثَبَتَ عِلْمِيًّا أَنَّهُ لَا يُوجَدُ
nindex.php?page=treesubj&link=28661كَائِنٌ مَوْجُودٌ بِمَعْنَى الْوَتْرِ قَطُّ حَتَّى الْحَصَاةُ الصَّغِيرَةُ .
فَإِنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ كُلَّ كَائِنٍ جَمَادٍ أَوْ غَيْرِهِ مُكَوَّنٌ مِنْ ذَرَّاتٍ ، وَالذَّرَّةُ لَهَا نَوَاةٌ وَمُحِيطٌ ، وَبَيْنَهُمَا ارْتِبَاطٌ وَعَنْ طَرِيقِهِمَا التَّفْجِيرُ الَّذِي اكْتُشِفَ فِي هَذَا الْعَصْرِ ، حَتَّى فِي أَدَقِّ عَالَمِ الصِّنَاعَةِ : كَالْكَهْرُبَاءِ ; فَإِنَّهَا مِنْ سَالِبٍ وَمُوجَبٍ ، وَهَكَذَا لَا بُدَّ مِنْ دَوْرَةٍ كَهْرُبَائِيَّةٍ لِلْحُصُولِ عَلَى النَّتِيجَةِ مِنْ أَيِّ جِهَازٍ كَانَ ، حَتَّى الْمَاءُ الَّذِي كَانَ يُظَنُّ بِهِ الْبَسَاطَةُ ; فَهُوَ زَوْجٌ وَشَفْعٌ مِنْ عُنْصُرَيْنِ : أُوكْسِجِينْ وَهِدْرُوجِينْ ، يَنْفَصِلَانِ إِذَا وَصَلَتْ دَرَجَةُ حَرَارَةِ الْمَاءِ إِلَى مِائَةٍ - أَيْ : الْغَلَيَانُ - وَيَتَآلَفَانِ إِذَا نَزَلَتِ الدَّرَجَةُ إِلَى حَدٍّ مُعَيَّنٍ فَيَتَاقَطَرَانِ مَاءً . وَهَكَذَا .
وَنَفْسُ الْهَوَاءِ عِدَّةُ غَازَاتٍ وَتَرَاكِيبَ ، فَلَمْ يَبْقَ فِي الْكَوْنِ شَيْءٌ قَطُّ فَرْدًا وَتْرًا بِذَاتِهِ ، إِلَّا مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009799 " إِنَّ اللَّهَ وَتْرٌ يُحِبُّ الْوَتْرُ " ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى مَعْنَى الْوَتْرِ فِيهِ مُسْتَغْنٍ بِذَاتِهِ عَنْ غَيْرِهِ ، وَالْوَاحِدُ فِي ذَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ . فَصِفَاتُهُ كُلُّهَا وَتْرٌ : كَالْعِلْمِ بِلَا جَهْلٍ وَالْحَيَاةِ بِلَا مَوْتٍ . إِلَخْ . بِخِلَافِ الْمَخْلُوقِ ، وَقُلْنَا : الْمُسْتَغْنِي بِذَاتِهِ عَنْ غَيْرِهِ ; لِأَنَّ كُلَّ مَخْلُوقٍ شَفْعًا ، فَإِنَّ كُلَّ عُنْصُرٍ مِنْهُ فِي حَاجَةٍ إِلَى الْعُنْصُرِ الثَّانِي ; لِيَكُونَ مَعَهُ ذَاكَ الشَّيْءُ وَاللَّهِ سُبْحَانَهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ . وَلِهَذَا كَانَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ ، وَهُوَ أَنَّ الْوَتْرَ هُوَ اللَّهُ ، وَالشَّفْعَ هُوَ الْمَخْلُوقَاتُ جَمِيعُهَا ، هُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ ، وَهُوَ الْأَعَمُّ فِي الْمَعْنَى .