[ ص: 536 ] بسم الله الرحمن الرحيم .
سورة الشمس .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=29062_28904_31759_31755_33679_31760والشمس وضحاها nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=2والقمر إذا تلاها nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=3والنهار إذا جلاها nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=4والليل إذا يغشاها nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=5والسماء وما بناها nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=6والأرض وما طحاها nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=7ونفس وما سواها nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=8فألهمها فجورها وتقواها nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=9قد أفلح من زكاها nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=10وقد خاب من دساها
في تلك الآيات العشر : يقسم الله تعالى سبع مرات بسبع آيات كونية ، هي : الشمس ، والقمر ، والليل ، والنهار ، والسماء ، والأرض ، والنفس البشرية ، مع حالة لكل مقسم به ، وذلك على شيء واحد ، وهو فلاح من زكى تلك النفس وخيبة من دساها ، ومع كل آية جاء القسم بها توجيها إلى أثرها العظيم المشاهد الملموس ، الدال على القدرة الباهرة .
وذلك كالآتي أولا :
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=1والشمس وضحاها ، فالشمس وحدها آية دالة على قدرة خالقها ، لما فيها من طاقة حرارية في ذاتها تفوق كل تقدير ، وهي على الزمان بدون انتقاص ، فهي في ذاتها آية .
ثم جاء وصف أثرها وهو : " ضحاها " ، وهو انتشار ضوئها ضحوة النهار ، وهذا وحده آية ، لأنه نتيجة لحركتها ، وحركتها آية من آيات الله كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=37وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم [ 36 \ 37 - 38 ] ، وهي الآية التي حاج بها
إبراهيم - عليه السلام - نمروذ في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=258فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر [ 2 \ 258 ] .
ففي هذا السير قدرة باهرة ودقة متناهية ، " وضحاها " : نتيجة لهذا السير ، ثم " ضحاها " نعم جزيلة على الكون كله ، من انتشار في الأرض ، وانتفاع بضوئها وأشعتها .
وقد قالوا : لو اقتربت درجة أو ارتفعت درجة ، لما استطاع أحد أن ينتفع منها بشيء ; لأنها تحرق باقترابها ، ويتجمد العالم من بعدها ، ذلك تقدير العزيز العليم .
[ ص: 537 ] فالضحى وحده آية وهو حرها كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=119وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى [ 20 \ 119 ] ، أي : بحر الشمس ، وقد أقسم تعالى بالضحى وحده في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=1والضحى والليل إذا سجى [ 93 \ 1 - 2 ] .
nindex.php?page=treesubj&link=31760وقوله : nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=2والقمر إذا تلاها ، فهو كذلك القمر وحده آية ، وكذلك تلوه للشمس ونظام مسيره بهذه الدقة ، وهذا النظام فلا يسبقها ولا تفوته :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=40لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون [ 36 \ 40 ] .
وفي قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=2إذا تلاها ، أي : تلا الشمس ، دلالة على سير الجميع ، وأنها سابقته وهو تاليها .
فقيل : تاليها عند أول الشهر تغرب ، ويظهر من مكان غروبها .
وقد قال بعض أهل الهيئة : تاليها في منزلة الحجم ، أي : كبرى وهو كبير بعدها في الحجم ، وفيه نظر .
ولا يخفى ما في القمر من فوائد للخليقة ، من تخفيف ظلمة الليل ، وكذلك بعض الخصائص على الزرع ، وأهم خصائصه بيان الشهور بتقسيم السنة ، ومعرفة العبادات من صوم ، وحج ، وزكاة ، وعدة النساء ، وكفارات بصوم ، وحلول الديون ، وشروط المعاملات ، وكل ما له صلة بالحساب في عبادة أو معاملة .
وقد جاء القسم بالقمر في " المدثر " في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=32كلا والقمر والليل إذ أدبر [ 74 \ 32 - 33 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=84&ayano=18والقمر إذا اتسق [ 84 \ 18 ] ، مما يدل على عظم آيته ودقة دلالته .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=3والنهار إذا جلاها ، " والنهار " هو أثر من آثار ضوء الشمس .
و " جلاها " قيل : الضمير فيه راجع للشمس كما في الذي قبله ، ولكن اختار
ابن كثير أن يكون راجعا للأرض ، أي : كشفها وأوضح كل ما فيها ; ليتيسر طلب المعاش والسعي ، كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=67هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا [ 10 \ 67 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=47وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا [ 25 \ 47 ] .
[ ص: 538 ] وقد أقسم تعالى بالنهار إذا تجلى : أي : ظهر ووضح بدون ضمير إلى غيره في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=1والليل إذا يغشى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=2والنهار إذا تجلى [ 92 \ 1 - 2 ] ، أي : في مقابلة غشاوة الليل يكون بتجلي النهار .
وقد بين تعالى عظم آية النهار ، وعظم آية الليل ، وأنه لا يقدر على الإتيان بهما إلا الله ، كما في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=71قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=72قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون [ 28 \ 71 - 72 ] .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=4والليل إذا يغشاها ، قالوا : يغشى الشمس فيحجب ضياؤها ، والكلام على الليل ، كالكلام على النهار ، من حيث الآية والدلالة على قدرته تعالى .
وتقدمت النصوص الكافية ، وسيأتي الإقسام بالليل في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=1والليل إذا يغشى [ 92 \ 1 ] ، أي : يغشى الكون كله ، كما في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=84&ayano=17والليل وما وسق [ 84 \ 17 ] ، أي : جمع واشتمل بظلامه .
والضمير في " يغشاها " : راجع إلى الشمس ، وعليه قيل : إن الإقسام في هذه الأربعة راجع كله إلى الشمس في حالات مختلفة ، في ضحاها ثم تجليها ، ثم تلو القمر لها ، ثم بغشيان الليل إياها ، وهنا سؤال : كيف يغشى الليل الشمس مع أن الليل وهو الظلمة نتيجة لغروب الشمس عن الجهة التي فيها الليل ؟
فقيل : إن الليل يغطي ضوء الشمس ، فتتكون الظلمة ، والواقع خلاف ذلك . وهو أن الشمس ظاهرة وضوءها منتشر ، ولكن في قسم الأرض المقابل للظلمة الموجودة ، كما أن الظلمة تكون في القسم المقابل للنهار ، وهكذا .
ولذا قال ابن كثير : إن الضمير في " يغشاها " و " جلاها " راجع إلى الأرض ، إلا أن فيه مغايرة في مرجع الضمير . والله تعالى أعلم .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=5والسماء وما بناها ، قيل : " ما " بمعنى الذي ، وجيء بها بدلا عن " من " التي لأولي العلم ; لإشعارها معنى الوصفية ، أي : " والسماء " والقادر الذي " بناها " ، وكذلك ما بعدها في " الأرض وما طحاها ونفس " ، والحكيم العليم
[ ص: 539 ] " الذي سواها " ، و " ما " مشترك بين العالم وغيره ، كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=3ولا أنتم عابدون ما أعبد [ 109 \ 3 ] ، ومثله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فانكحوا ما طاب لكم من النساء [ 4 \ 3 ] .
وتقدم مرارا أحوال السماء في بنائها ورفعها ، وجعلها سبعا طباقا ، وقد بين في تلك النصوص كيفية بنائها ، وأنه سبحانه وتعالى بناها بقوة ، كما في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=47والسماء بنيناها بأيد [ 51 \ 47 ] ، أي : بقوة
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=6والأرض وما طحاها [ 91 \ 6 ] ، مثل " دحاها " [ 79 \ 30 ] .
وقالوا : إبدال الدال طاء مشهور ، وطحا تأتي بمعنى خلق ، وبمعنى ذهب في كل شيء ، فمن الأول :
وما تدري جذيمة من طحاها ولا من ساكن العرش الرفيع
ومن الثاني قول
علقمة :
طحا بك قلب في الحسان طروب يعيد الشباب عصر حان مشيب
ولا منافاة في ذلك بأنه تعالى خلقها ومدها ، وذهب بأطرافها كل مذهب ، أي : في مدها .
[ ص: 536 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ .
سُورَةُ الشَّمْسِ .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=29062_28904_31759_31755_33679_31760وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=2وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=3وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=4وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=5وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=6وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=7وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=8فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=9قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=10وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا
فِي تِلْكَ الْآيَاتِ الْعَشْرِ : يُقْسِمُ اللَّهُ تَعَالَى سَبْعَ مَرَّاتٍ بِسَبْعِ آيَاتٍ كَوْنِيَّةٍ ، هِيَ : الشَّمْسُ ، وَالْقَمَرُ ، وَاللَّيْلُ ، وَالنَّهَارُ ، وَالسَّمَاءُ ، وَالْأَرْضُ ، وَالنَّفْسُ الْبَشَرِيَّةُ ، مَعَ حَالَةٍ لِكُلِّ مُقْسَمٍ بِهِ ، وَذَلِكَ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ ، وَهُوَ فَلَاحُ مَنْ زَكَّى تِلْكَ النَّفْسَ وَخَيْبَةِ مَنْ دَسَّاهَا ، وَمَعَ كُلِّ آيَةٍ جَاءَ الْقَسَمُ بِهَا تَوْجِيهًا إِلَى أَثَرِهَا الْعَظِيمِ الْمُشَاهَدِ الْمَلْمُوسِ ، الدَّالِّ عَلَى الْقُدْرَةِ الْبَاهِرَةِ .
وَذَلِكَ كَالْآتِي أَوَّلًا :
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=1وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ، فَالشَّمْسُ وَحْدَهَا آيَةٌ دَالَّةٌ عَلَى قُدْرَةِ خَالِقِهَا ، لِمَا فِيهَا مِنْ طَاقَةٍ حَرَارِيَّةٍ فِي ذَاتِهَا تَفُوقُ كُلَّ تَقْدِيرٍ ، وَهِيَ عَلَى الزَّمَانِ بِدُونِ انْتِقَاصٍ ، فَهِيَ فِي ذَاتِهَا آيَةٌ .
ثُمَّ جَاءَ وَصْفُ أَثَرِهَا وَهُوَ : " ضُحَاهَا " ، وَهُوَ انْتِشَارُ ضَوْئِهَا ضَحْوَةَ النَّهَارِ ، وَهَذَا وَحْدَهُ آيَةٌ ، لِأَنَّهُ نَتِيجَةٌ لِحَرَكَتِهَا ، وَحَرَكَتُهَا آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=37وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [ 36 \ 37 - 38 ] ، وَهِيَ الْآيَةُ الَّتِي حَاجَّ بِهَا
إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نُمْرُوذَ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=258فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ [ 2 \ 258 ] .
فَفِي هَذَا السَّيْرِ قُدْرَةٌ بَاهِرَةٌ وَدِقَّةٌ مُتَنَاهِيَةٌ ، " وَضُحَاهَا " : نَتِيجَةٌ لِهَذَا السَّيْرِ ، ثُمَّ " ضُحَاهَا " نِعَمٌ جَزِيلَةٌ عَلَى الْكَوْنِ كُلِّهِ ، مِنِ انْتِشَارٍ فِي الْأَرْضِ ، وَانْتِفَاعٍ بِضَوْئِهَا وَأَشِعَّتِهَا .
وَقَدْ قَالُوا : لَوِ اقْتَرَبَتْ دَرَجَةً أَوِ ارْتَفَعَتْ دَرَجَةً ، لَمَا اسْتَطَاعَ أَحَدٌ أَنْ يَنْتَفِعَ مِنْهَا بِشَيْءٍ ; لِأَنَّهَا تُحْرِقُ بِاقْتِرَابِهَا ، وَيَتَجَمَّدُ الْعَالَمُ مِنْ بُعْدِهَا ، ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ .
[ ص: 537 ] فَالضُّحَى وَحْدَهُ آيَةٌ وَهُوَ حَرُّهَا كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=119وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى [ 20 \ 119 ] ، أَيْ : بِحَرِّ الشَّمْسِ ، وَقَدْ أَقْسَمَ تَعَالَى بِالضُّحَى وَحْدَهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=1وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى [ 93 \ 1 - 2 ] .
nindex.php?page=treesubj&link=31760وَقَوْلُهُ : nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=2وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا ، فَهُوَ كَذَلِكَ الْقَمَرُ وَحْدَهُ آيَةٌ ، وَكَذَلِكَ تُلُوُّهُ لِلشَّمْسِ وَنِظَامُ مَسِيرِهِ بِهَذِهِ الدِّقَّةِ ، وَهَذَا النِّظَامُ فَلَا يَسْبِقُهَا وَلَا تَفُوتُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=40لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [ 36 \ 40 ] .
وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=2إِذَا تَلَاهَا ، أَيْ : تَلَا الشَّمْسَ ، دَلَالَةٌ عَلَى سَيْرِ الْجَمِيعِ ، وَأَنَّهَا سَابِقَتُهُ وَهُوَ تَالِيهَا .
فَقِيلَ : تَالِيهَا عِنْدَ أَوَّلِ الشَّهْرِ تَغْرُبُ ، وَيَظْهَرُ مِنْ مَكَانِ غُرُوبِهَا .
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْهَيْئَةِ : تَالِيهَا فِي مَنْزِلَةِ الْحَجْمِ ، أَيْ : كُبْرَى وَهُوَ كَبِيرٌ بَعْدَهَا فِي الْحَجْمِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ .
وَلَا يَخْفَى مَا فِي الْقَمَرِ مِنْ فَوَائِدَ لِلْخَلِيقَةِ ، مِنْ تَخْفِيفِ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ ، وَكَذَلِكَ بَعْضُ الْخَصَائِصِ عَلَى الزَّرْعِ ، وَأَهَمُّ خَصَائِصِهِ بَيَانُ الشُّهُورِ بِتَقْسِيمِ السَّنَةِ ، وَمَعْرِفَةِ الْعِبَادَاتِ مِنْ صَوْمٍ ، وَحَجٍّ ، وَزَكَاةٍ ، وَعِدَّةِ النِّسَاءِ ، وَكَفَّارَاتٍ بِصَوْمٍ ، وَحُلُولِ الدُّيُونِ ، وَشُرُوطِ الْمُعَامَلَاتِ ، وَكُلِّ مَا لَهُ صِلَةٌ بِالْحِسَابِ فِي عِبَادَةٍ أَوْ مُعَامَلَةٍ .
وَقَدْ جَاءَ الْقَسَمُ بِالْقَمَرِ فِي " الْمُدَّثِّرِ " فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=32كَلَّا وَالْقَمَرِ وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ [ 74 \ 32 - 33 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=84&ayano=18وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ [ 84 \ 18 ] ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى عِظَمِ آيَتِهِ وَدِقَّةِ دَلَالَتِهِ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=3وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا ، " وَالنَّهَارِ " هُوَ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ ضَوْءِ الشَّمْسِ .
وَ " جَلَّاهَا " قِيلَ : الضَّمِيرُ فِيهِ رَاجِعٌ لِلشَّمْسِ كَمَا فِي الَّذِي قَبْلَهُ ، وَلَكِنِ اخْتَارَ
ابْنُ كَثِيرٍ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا لِلْأَرْضِ ، أَيْ : كَشَفَهَا وَأَوْضَحَ كُلَّ مَا فِيهَا ; لِيَتَيَسَّرَ طَلَبُ الْمَعَاشِ وَالسَّعْيِ ، كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=67هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا [ 10 \ 67 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=47وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا [ 25 \ 47 ] .
[ ص: 538 ] وَقَدْ أَقْسَمَ تَعَالَى بِالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى : أَيْ : ظَهَرَ وَوَضَحَ بِدُونِ ضَمِيرٍ إِلَى غَيْرِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=1وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=2وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى [ 92 \ 1 - 2 ] ، أَيْ : فِي مُقَابَلَةِ غِشَاوَةِ اللَّيْلِ يَكُونُ بِتَجَلِّي النَّهَارِ .
وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى عِظَمَ آيَةِ النَّهَارِ ، وَعِظَمَ آيَةِ اللَّيْلِ ، وَأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِمَا إِلَّا اللَّهُ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=71قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=72قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ [ 28 \ 71 - 72 ] .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=4وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا ، قَالُوا : يَغْشَى الشَّمْسَ فَيُحْجَبُ ضِيَاؤُهَا ، وَالْكَلَامُ عَلَى اللَّيْلِ ، كَالْكَلَامِ عَلَى النَّهَارِ ، مِنْ حَيْثُ الْآيَةِ وَالدَّلَالَةِ عَلَى قُدْرَتِهِ تَعَالَى .
وَتَقَدَّمَتِ النُّصُوصُ الْكَافِيَةُ ، وَسَيَأْتِي الْإِقْسَامُ بِاللَّيْلِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=1وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى [ 92 \ 1 ] ، أَيْ : يَغْشَى الْكَوْنَ كُلَّهُ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=84&ayano=17وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ [ 84 \ 17 ] ، أَيْ : جَمَعَ وَاشْتَمَلَ بِظَلَامِهِ .
وَالضَّمِيرُ فِي " يَغْشَاهَا " : رَاجِعٌ إِلَى الشَّمْسِ ، وَعَلَيْهِ قِيلَ : إِنَّ الْإِقْسَامَ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ رَاجِعٌ كُلُّهُ إِلَى الشَّمْسِ فِي حَالَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ ، فِي ضُحَاهَا ثُمَّ تَجَلِّيهَا ، ثُمَّ تُلُوُّ الْقَمَرِ لَهَا ، ثُمَّ بِغَشَيَانِ اللَّيْلِ إِيَّاهَا ، وَهُنَا سُؤَالٌ : كَيْفَ يَغْشَى اللَّيْلُ الشَّمْسَ مَعَ أَنَّ اللَّيْلَ وَهُوَ الظُّلْمَةُ نَتِيجَةٌ لِغُرُوبِ الشَّمْسِ عَنِ الْجِهَةِ الَّتِي فِيهَا اللَّيْلُ ؟
فَقِيلَ : إِنَّ اللَّيْلَ يُغَطِّي ضَوْءَ الشَّمْسِ ، فَتَتَكَوَّنُ الظُّلْمَةُ ، وَالْوَاقِعُ خِلَافُ ذَلِكَ . وَهُوَ أَنَّ الشَّمْسَ ظَاهِرَةٌ وَضَوْءُهَا مُنْتَشِرٌ ، وَلَكِنْ فِي قِسْمِ الْأَرْضِ الْمُقَابِلِ لِلظُّلْمَةِ الْمَوْجُودَةِ ، كَمَا أَنَّ الظُّلْمَةَ تَكُونُ فِي الْقِسْمِ الْمُقَابِلِ لِلنَّهَارِ ، وَهَكَذَا .
وَلِذَا قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ : إِنَّ الضَّمِيرَ فِي " يَغْشَاهَا " وَ " جَلَّاهَا " رَاجِعٌ إِلَى الْأَرْضِ ، إِلَّا أَنَّ فِيهِ مُغَايِرَةً فِي مَرْجِعِ الضَّمِيرِ . وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=5وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا ، قِيلَ : " مَا " بِمَعْنَى الَّذِي ، وَجِيءَ بِهَا بَدَلًا عَنْ " مَنْ " الَّتِي لِأُولِي الْعِلْمِ ; لِإِشْعَارِهَا مَعْنَى الْوَصْفِيَّةِ ، أَيْ : " وَالسَّمَاءِ " وَالْقَادِرِ الَّذِي " بَنَاهَا " ، وَكَذَلِكَ مَا بَعْدَهَا فِي " الْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا وَنَفْسٍ " ، وَالْحَكِيمِ الْعَلِيمِ
[ ص: 539 ] " الَّذِي سِوَّاهَا " ، وَ " مَا " مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْعَالِمِ وَغَيْرِهِ ، كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=3وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ [ 109 \ 3 ] ، وَمِثْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [ 4 \ 3 ] .
وَتَقَدَّمَ مِرَارًا أَحْوَالُ السَّمَاءِ فِي بِنَائِهَا وَرَفْعِهَا ، وَجَعْلِهَا سَبْعًا طِبَاقًا ، وَقَدْ بَيَّنَ فِي تِلْكَ النُّصُوصِ كَيْفِيَّةَ بِنَائِهَا ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَنَاهَا بِقُوَّةٍ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=47وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ [ 51 \ 47 ] ، أَيْ : بِقُوَّةٍ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=6وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا [ 91 \ 6 ] ، مِثْلُ " دَحَاهَا " [ 79 \ 30 ] .
وَقَالُوا : إِبْدَالُ الدَّالِّ طَاءً مَشْهُورٌ ، وَطَحَا تَأْتِي بِمَعْنَى خَلَقَ ، وَبِمَعْنَى ذَهَبَ فِي كُلِّ شَيْءٍ ، فَمِنَ الْأَوَّلِ :
وَمَا تَدْرِي جَذِيمَةُ مَنْ طَحَاهَا وَلَا مَنْ سَاكِنُ الْعَرْشِ الرَّفِيعِ
وَمِنَ الثَّانِي قَوْلُ
عَلْقَمَةَ :
طَحَا بِكَ قَلْبٌ فِي الْحِسَانِ طَرُوبُ يُعِيدُ الشَّبَابَ عَصْرَ حَانَ مَشِيبُ
وَلَا مُنَافَاةَ فِي ذَلِكَ بِأَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَهَا وَمَدَّهَا ، وَذَهَبَ بِأَطْرَافِهَا كُلَّ مَذْهَبٍ ، أَيْ : فِي مَدِّهَا .