قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=15nindex.php?page=treesubj&link=29063_30437_30429لا يصلاها إلا الأشقى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=16الذي كذب وتولى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=17وسيجنبها الأتقى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=18الذي يؤتي ماله يتزكى
هذه الآية من مواضع الإيهام ، ولم يتعرض لها في دفع إيهام الاضطراب ، وهو أنها تنص وعلى سبيل الحصر ، أنه لا يصلى النار إلا الأشقى مع مجيء قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=71وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا [ 19 \ 71 ] ; مما يدل على ورود الجميع .
والجواب من وجهين : الأول كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : إن الآية بين حالي عظيم من المشركين وعظيم من المؤمنين ، فأريد أن يبالغ في صفتيهما المتناقضتين .
فقيل : الأشقى وجعل مختصا بالصلى ، كأن النار لم تخلق إلا له ، وقال الأتقى ، وجعل مختصا بالجنة ، وكأن الجنة لم تخلق إلا له ، وقيل عنهما : هما
أبو جهل ، أو
أمية بن خلف المشركين ،
nindex.php?page=showalam&ids=1وأبو بكر الصديق - رضي الله عنه - حكاه
أبو حيان عن
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري .
والوجه الثاني : هو أن الصلى الدخول والشيء ، وأن يكون وقود النار على سبيل الخلود ، والورود والدخول المؤقت بزمن غير الصلى ; لقوله في آية الورود ، التي هي قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=71وإن منكم إلا واردها [ 19 \ 71 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=72ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا [ 19 \ 72 ] ، ويبقى الإشكال ، بين الذين اتقوا وبين الأتقى ، ويجاب عنه : بأن التقي يرد ، والأتقى لا يشعر بورودها ، كمن يمر عليها كالبرق الخاطف . والله تعالى أعلم .
ولولا التأكيد في آية الورود بالمجيء بحرف " من " و " إلا " ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=71كان على ربك حتما مقضيا ، لولا هذه المذكورات لكان يمكن أن يقال : إنها مخصوصة بهذه
[ ص: 552 ] الآية ، وأن الأتقى لا يردها ، إلا أن وجود تلك المذكورات يمنع من القول بالتخصيص . والله تعالى أعلم .
وفيه تقرير مصير القسمين المتقدمين ، "
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=5من أعطى واتقى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=6وصدق " ، و "
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=8من بخل واستغنى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=9وكذب " ، وأن صليها بسبب التكذيب والتولي والإعراض وهو عين الشقاء ، ويتجنبها الأتقى الذي صدق ، وكان نتيجة تصديقه أنه أعطى ماله يتزكى ، وجعل إتيان المال نتيجة التصديق أمرا بالغ الأهمية .
وذلك أن العبد لا يخرج من ماله شيئا إلا بعوض ; لأن الدنيا كلها معاوضة ، حتى الحيوان تعطيه علفا يعطيك ما يقابله من خدمة أو حليب . إلخ .
فالمؤمن المصدق بالحسنى يعطي ، وينتظر الجزاء الأوفى ، الحسنة بعشر أمثالها ; لأنه مؤمن أنه متعامل مع الله ، كما في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=245من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا [ 2 \ 245 ] .
أما المكذب : فلم يؤمن بالجزاء آجلا ، فلا يخرج شيئا ; لأنه لم يجد عوضا معجلا ، ولا ينتظر ثوابا مؤجلا ، ولذا كان الذين تبوءوا الدار والإيمان ، يحبون من هاجر إليهم ويواسونهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ، ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ، إيمانا بما عند الله ، بينما كان المنافقون لا ينفقون إلا كرها ولا يخرجون إلا الرديء ، الذي لم يكونوا ليأخذوه من غيرهم إلا ليغمضوا فيه ، وكل ذلك سببه التصديق بالحسنى أو التكذيب بها .
ولذا جاء في الحديث الصحيح :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009809 " والصدقة برهان " أي : على صحة الإيمان بما وعد الله المتقين ، من الخلف المضاعفة الحسنة .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=18يؤتي ماله يتزكى ، أي : يتطهر ويستزيد ، إذ التزكية تأتي بمعنى النماء ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها [ 9 \ 103 ] ، وهذا رد على قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=14قد أفلح من تزكى [ 87 \ 14 ] ، وعلى عموم :
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=5فأما من أعطى واتقى [ 92 \ 5 ] ، ولا يقال : إنها زكاة المال ; لأن الزكاة لم تشرع إلا
بالمدينة ، والسورة مكية عند الجمهور ، وقيل : مدنية . والصحيح الأول .
تنبيه .
[ ص: 553 ] قد قيل أيضا : إن المراد بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=17وسيجنبها الأتقى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=18الذي يؤتي ماله يتزكى ، إلى آخر السورة . نازل في
أبي بكر - رضي الله عنه - لما كان يعتق ضعفة المسلمين ، ومن يعذبون على إسلامهم في
مكة ، فقيل له : لو اشتريت الأقوياء يساعدونك ويدافعون عنك . فأنزل الله الآيات إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=19وما لأحد عنده من نعمة تجزى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=20إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى [ 92 \ 19 - 20 ] ، وابتغاء وجه رب هو بعينه ، وصدق بالحسنى ، أي : لوجه الله يرجو الثواب من الله .
وكما تقدم ، فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، وإن صورة السبب قطعية الدخول . فهذه بشرى عظيمة
للصديق - رضي الله عنه - : "
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=21ولسوف يرضى " في غاية من التأكيد من الله تعالى ، على وعده إياه - صلى الله عليه وسلم - وأرضاه .
وذكر ابن كثير : أن في الصحيحين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009810 " من أنفق زوجين في سبيل الله دعته خزنة الجنة : يا عبد الله هذا خير ، فقال أبو بكر : يا رسول الله ، ما على من يدعى منها ضرورة ، فهل يدعى منها كلها أحد ؟ " نعم ، وأرجو أن تكون منهم " . اهـ .
وإنا لنرجو الله كذلك فضلا منه تعالى .
تنبيه .
في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=21nindex.php?page=treesubj&link=29063_28861ولسوف يرضى [ 92 \ 21 ] ، وذكر
ابن كثير إجماع المفسرين أنها في
أبي بكر - رضي الله عنه - أعلى منازل البشرى ; لأن هذا الوصف بعينه ، قيل للرسول - صلى الله عليه وسلم - قطعا في السورة بعدها ، سورة " الضحى " :
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=4وللآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى [ 93 \ 4 - 5 ] ، فهو وعد مشترك للصديق وللرسول - صلى الله عليه وسلم - إلا أنه في حق الرسول - صلى الله عليه وسلم - أسند العطاء فيه لله تعالى بصفة الربوبية :
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=5ولسوف يعطيك ربك ، كما ذكر فيه العطاء ، مما يدل على غيره - صلى الله عليه وسلم - وهو معلوم بالضرورة من أنه - صلى الله عليه وسلم - له عطاءات لا يشاركه فيها أحد ، على ما سيأتي إن شاء الله .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=15nindex.php?page=treesubj&link=29063_30437_30429لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=16الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=17وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=18الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى
هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ مَوَاضِعِ الْإِيهَامِ ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا فِي دَفْعِ إِيهَامِ الِاضْطِرَابِ ، وَهُوَ أَنَّهَا تَنُصُّ وَعَلَى سَبِيلِ الْحَصْرِ ، أَنَّهُ لَا يَصْلَى النَّارَ إِلَّا الْأَشْقَى مَعَ مَجِيءِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=71وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا [ 19 \ 71 ] ; مِمَّا يَدُلُّ عَلَى وُرُودِ الْجَمِيعِ .
وَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ : الْأَوَّلُ كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : إِنَّ الْآيَةَ بَيْنَ حَالِيْ عَظِيمٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَعَظِيمٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَأُرِيدَ أَنْ يُبَالَغَ فِي صِفَتَيْهِمَا الْمُتَنَاقِضَتَيْنِ .
فَقِيلَ : الْأَشْقَى وَجُعِلَ مُخْتَصًّا بِالصَّلَى ، كَأَنَّ النَّارَ لَمْ تُخْلَقْ إِلَّا لَهُ ، وَقَالَ الْأَتْقَى ، وَجُعِلَ مُخْتَصًّا بِالْجَنَّةِ ، وَكَأَنَّ الْجَنَّةَ لَمْ تُخْلَقْ إِلَّا لَهُ ، وَقِيلَ عَنْهُمَا : هُمَا
أَبُو جَهْلٍ ، أَوْ
أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ الْمُشْرِكَيْنِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=1وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَكَاهُ
أَبُو حَيَّانَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيِّ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : هُوَ أَنَّ الصَّلَى الدُّخُولُ وَالشَّيْءَ ، وَأَنْ يَكُونَ وَقُودُ النَّارِ عَلَى سَبِيلِ الْخُلُودِ ، وَالْوُرُودُ وَالدُّخُولُ الْمُؤَقَّتُ بِزَمَنٍ غَيْرِ الصَّلَى ; لِقَوْلِهِ فِي آيَةِ الْوُرُودِ ، الَّتِي هِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=71وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا [ 19 \ 71 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=72ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا [ 19 \ 72 ] ، وَيَبْقَى الْإِشْكَالُ ، بَيْنَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَبَيْنَ الْأَتْقَى ، وَيُجَابُ عَنْهُ : بِأَنَّ التَّقِيَّ يَرِدُ ، وَالْأَتْقَى لَا يَشْعُرُ بِوُرُودِهَا ، كَمَنْ يَمُرُّ عَلَيْهَا كَالْبَرْقِ الْخَاطِفِ . وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
وَلَوْلَا التَّأْكِيدُ فِي آيَةِ الْوُرُودِ بِالْمَجِيءِ بِحَرْفِ " مِنْ " وَ " إِلَّا " ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=71كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ، لَوْلَا هَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ لَكَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : إِنَّهَا مَخْصُوصَةٌ بِهَذِهِ
[ ص: 552 ] الْآيَةِ ، وَأَنَّ الْأَتْقَى لَا يَرِدُهَا ، إِلَّا أَنَّ وُجُودَ تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ يَمْنَعُ مِنَ الْقَوْلِ بِالتَّخْصِيصِ . وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
وَفِيهِ تَقْرِيرُ مَصِيرِ الْقِسْمَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ ، "
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=5مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=6وَصَدَّقَ " ، وَ "
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=8مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=9وَكَذَّبَ " ، وَأَنْ صَلْيَهَا بِسَبَبِ التَّكْذِيبِ وَالتَّوَلِّي وَالْإِعْرَاضِ وَهُوَ عَيْنُ الشَّقَاءِ ، وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي صَدَّقَ ، وَكَانَ نَتِيجَةُ تَصْدِيقِهِ أَنَّهُ أَعْطَى مَالَهُ يَتَزَكَّى ، وَجَعَلَ إِتْيَانَ الْمَالِ نَتِيجَةَ التَّصْدِيقِ أَمْرًا بَالِغَ الْأَهَمِّيَّةِ .
وَذَلِكَ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يُخْرِجُ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا إِلَّا بِعِوَضٍ ; لِأَنَّ الدُّنْيَا كُلَّهَا مُعَاوَضَةٌ ، حَتَّى الْحَيَوَانُ تُعْطِيهِ عَلَفًا يُعْطِيكَ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ خِدْمَةٍ أَوْ حَلِيبٍ . إِلَخْ .
فَالْمُؤْمِنُ الْمُصَدِّقُ بِالْحُسْنَى يُعْطِي ، وَيَنْتَظِرُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى ، الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا ; لِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ أَنَّهُ مُتَعَامِلٌ مَعَ اللَّهِ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=245مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا [ 2 \ 245 ] .
أَمَّا الْمُكَذِّبُ : فَلَمْ يُؤْمِنْ بِالْجَزَاءِ آجِلًا ، فَلَا يُخْرِجُ شَيْئًا ; لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ عِوَضًا مُعَجَّلًا ، وَلَا يَنْتَظِرُ ثَوَابًا مُؤَجَّلًا ، وَلِذَا كَانَ الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ ، يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَيُوَاسُونَهُمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا ، وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ، إِيمَانًا بِمَا عِنْدَ اللَّهِ ، بَيْنَمَا كَانَ الْمُنَافِقُونَ لَا يُنْفِقُونَ إِلَّا كُرْهًا وَلَا يُخْرِجُونَ إِلَّا الرَّدِيءَ ، الَّذِي لَمْ يَكُونُوا لِيَأْخُذُوهُ مِنْ غَيْرِهِمْ إِلَّا لِيُغْمِضُوا فِيهِ ، وَكُلُّ ذَلِكَ سَبَبُهُ التَّصْدِيقُ بِالْحُسْنَى أَوِ التَّكْذِيبُ بِهَا .
وَلِذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009809 " وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ " أَيْ : عَلَى صِحَّةِ الْإِيمَانِ بِمَا وَعَدَ اللَّهُ الْمُتَّقِينَ ، مِنَ الْخَلَفِ الْمُضَاعَفَةِ الْحَسَنَةِ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=18يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ، أَيْ : يَتَطَهَّرُ وَيَسْتَزِيدُ ، إِذِ التَّزْكِيَةُ تَأْتِي بِمَعْنَى النَّمَاءِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [ 9 \ 103 ] ، وَهَذَا رَدٌّ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=14قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى [ 87 \ 14 ] ، وَعَلَى عُمُومِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=5فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى [ 92 \ 5 ] ، وَلَا يُقَالُ : إِنَّهَا زَكَاةُ الْمَالِ ; لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَمْ تُشْرَعْ إِلَّا
بِالْمَدِينَةِ ، وَالسُّورَةُ مَكِّيَّةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ ، وَقِيلَ : مَدَنِيَّةٌ . وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ .
تَنْبِيهٌ .
[ ص: 553 ] قَدْ قِيلَ أَيْضًا : إِنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=17وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=18الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ، إِلَى آخِرِ السُّورَةِ . نَازِلٌ فِي
أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِمَا كَانَ يُعْتِقُ ضَعَفَةَ الْمُسْلِمِينَ ، وَمَنْ يُعَذَّبُونَ عَلَى إِسْلَامِهِمْ فِي
مَكَّةَ ، فَقِيلَ لَهُ : لَوِ اشْتَرَيْتَ الْأَقْوِيَاءَ يُسَاعِدُونَكَ وَيُدَافِعُونَ عَنْكَ . فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=19وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=20إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى [ 92 \ 19 - 20 ] ، وَابْتِغَاءُ وَجْهِ رَبٍّ هُوَ بِعَيْنِهِ ، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ، أَيْ : لِوَجْهِ اللَّهِ يَرْجُو الثَّوَابَ مِنَ اللَّهِ .
وَكَمَا تَقَدَّمَ ، فَإِنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ ، وَإِنَّ صُورَةَ السَّبَبِ قَطْعِيَّةُ الدُّخُولِ . فَهَذِهِ بُشْرَى عَظِيمَةٌ
لِلصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : "
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=21وَلَسَوْفَ يَرْضَى " فِي غَايَةٍ مِنَ التَّأْكِيدِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، عَلَى وَعْدِهِ إِيَّاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَرْضَاهُ .
وَذَكَرَ ابْنُ كَثِيرٍ : أَنَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009810 " مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ دَعَتْهُ خَزَنَةُ الْجَنَّةِ : يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا عَلَى مَنْ يُدْعَى مِنْهَا ضَرُورَةٌ ، فَهَلْ يُدْعَى مِنْهَا كُلِّهَا أَحَدٌ ؟ " نَعَمْ ، وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ " . اهـ .
وَإِنَّا لَنَرْجُو اللَّهَ كَذَلِكَ فَضْلًا مِنْهُ تَعَالَى .
تَنْبِيهٌ .
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=21nindex.php?page=treesubj&link=29063_28861وَلَسَوْفَ يَرْضَى [ 92 \ 21 ] ، وَذَكَرَ
ابْنُ كَثِيرٍ إِجْمَاعَ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهَا فِي
أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَعْلَى مَنَازِلِ الْبُشْرَى ; لِأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ بِعَيْنِهِ ، قِيلَ لِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطْعًا فِي السُّورَةِ بَعْدَهَا ، سُورَةِ " الضُّحَى " :
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=4وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى [ 93 \ 4 - 5 ] ، فَهُوَ وَعْدٌ مُشْتَرَكٌ لِلصِّدِّيقِ وَلِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا أَنَّهُ فِي حَقِّ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُسْنِدَ الْعَطَاءُ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى بِصِفَةِ الرُّبُوبِيَّةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=5وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ ، كَمَا ذَكَرَ فِيهِ الْعَطَاءَ ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى غَيْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ عَطَاءَاتٌ لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ ، عَلَى مَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ .