قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=7nindex.php?page=treesubj&link=29064_11467ووجدك ضالا فهدى [ ص: 560 ] الضلال : يكون حسا ومعنى ، فالأول : كمن تاه في طريق يسلكه ، والثاني : كمن ترك الحق فلم يتبعه .
فقال قوم : المراد هنا هو الأول ، كأن قد ضل في شعب من
شعاب مكة ، أو في طريقه إلى
الشام . ونحو ذلك .
وقال آخرون : إنما هو عبارة عن عدم التعليم أولا ، ثم منحه من العلم مما لم يكن يعلم ، كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=52ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا [ 42 \ 52 ] .
وتقدم للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - بحث هذه المسألة في عدة مواضع :
أولا : في سورة " يوسف " عند قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=8إن أبانا لفي ضلال مبين [ 12 \ 8 ] ، وساق شواهد الضلال لغة هناك .
وثانيا : في سورة " الكهف " عند قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=104الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا [ 18 \ 104 ] .
وثالثا : في سورة " الشعراء " عند قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=20قال فعلتها إذا وأنا من الضالين [ 26 \ 20 ] .
وفي دفع إيهام الاضطراب أيضا ، وهذا كله يغني عن أي بحث آخر .
ومن الطريف ما ذكره
أبو حيان عند هذه الآية ، حيث قال : ولقد رأيت في النوم ، أني أفكر في هذه الجملة ، فأقول على الفور : " ووجدك " : أي : وجد رهطك " ضالا " فهداه بك ، ثم أقول : على حذف مضاف ، نحو : " واسأل القرية " [ 12 \ 82 ] . اهـ .
وقد أورد
النيسابوري هذا وجها في الآية .
وبهذه المناسبة أذكر منامين كنت رأيتهما ولم أرد ذكرهما حتى رأيت هذا
لأبي حيان ، فاستأنست به لذكرهما ، وهما : الأول : عندما وصلت إلى سورة " ن " عند قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=4وإنك لعلى خلق عظيم [ 68 \ 4 ] ، ومن منهج الأضواء تفسير القرآن بالقرآن ، وهذا وصف مجمل ، وحديث
عائشة : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009642كان خلقه القرآن " فأخذت في التفكير ، كيف أفصل هذا المعنى من القرآن ، وأبين حكمه وصفحه وصبره وكرمه وعطفه ورحمته
[ ص: 561 ] ورأفته وجهاده وعبادته ، وكل ذلك مما جعلني أقف حائرا وأمكث عن الكتابة عدة أيام ، فرأيت الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - في النوم ، كأننا في الجامعة الإسلامية
بالمدينة المنورة ، وكأنه ليس في نشاطه العادي ، فسألته ماذا عندك اليوم ؟
فقال : عندي تفسير . فقلت : أتدرس اليوم ؟ قال : لا ، فقلت : وما هذا الذي بيدك ؟ - لدفتر في يده - ، فقال : مذكرة تفسير ، أي : التي كان سيفسرها - وهي مخطوطة - ، فقلت له : من أين في القرآن ؟ فقال : من أول " ن " إلى آخر القرآن ، فحرصت على أخذها لأكتب منها ، ولم أتجرأ على طلبها صراحة ، ولكن قلت له : إذا كنت لم تدرس اليوم فأعطنيها أبيضها وأجلدها لك ، وآتيك بها غدا ، فأعطانيها فانتبهت فرحا بذلك وبدأت في الكتابة .
والمرة الثانية في سورة " المطففين " ، لما كتبت على معنى التطفيف ، ثم فكرت في التوعد الشديد عليه مع ما يتأتى فيه من شيء طفيف ، حتى فكرت في أن له صلة بالربا ، إذا ما بيع جنس بجنسه ، فحصلت مغايرة في الكيل ووقع تفاضل ، ولكني لم أجد من قال به ، فرأيت فيما يرى النائم ، أني مع الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - ، ولكن لم يتحدث معي في شيء من التفسير .
وبعد أن راح عني ، فإذا بشخص لا أعرفه يقول وأنا أسمع دون أن يوجه الحديث إلي : إن في التطفيف ربا ، إذا بيع الحديد بحديد ، وكلمة أخرى في معناها نسيتها بعد أن انتبهت .
وقد ذكرت ذلك تأسيا
بأبي حيان ، لما أجد فيه من إيناس ، والله أسأل أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه ، وأن يهدينا سواء السبيل ، وعلى ما جاء في الرؤيا من مبشرات . وبالله تعالى التوفيق .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=7nindex.php?page=treesubj&link=29064_11467وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى [ ص: 560 ] الضَّلَالُ : يَكُونُ حِسًّا وَمَعْنًى ، فَالْأَوَّلُ : كَمَنْ تَاهَ فِي طَرِيقٍ يَسْلُكُهُ ، وَالثَّانِي : كَمَنْ تَرَكَ الْحَقَّ فَلَمْ يَتَّبِعْهُ .
فَقَالَ قَوْمٌ : الْمُرَادُ هُنَا هُوَ الْأَوَّلُ ، كَأَنْ قَدْ ضَلَّ فِي شِعْبٍ مِنْ
شِعَابِ مَكَّةَ ، أَوْ فِي طَرِيقِهِ إِلَى
الشَّامِ . وَنَحْوَ ذَلِكَ .
وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ عَدَمِ التَّعْلِيمِ أَوَّلًا ، ثُمَّ مَنْحِهِ مِنَ الْعِلْمِ مِمَّا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ ، كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=52مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا [ 42 \ 52 ] .
وَتَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - بَحْثُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ :
أَوَّلًا : فِي سُورَةِ " يُوسُفَ " عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=8إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [ 12 \ 8 ] ، وَسَاقَ شَوَاهِدَ الضَّلَالِ لُغَةً هُنَاكَ .
وَثَانِيًا : فِي سُورَةِ " الْكَهْفِ " عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=104الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [ 18 \ 104 ] .
وَثَالِثًا : فِي سُورَةِ " الشُّعَرَاءِ " عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=20قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ [ 26 \ 20 ] .
وَفِي دَفْعِ إِيهَامِ الِاضْطِرَابِ أَيْضًا ، وَهَذَا كُلُّهُ يُغْنِي عَنْ أَيِّ بَحْثٍ آخَرَ .
وَمِنَ الطَّرِيفِ مَا ذَكَرَهُ
أَبُو حَيَّانَ عِنْدَ هَذِهِ الْآيَةِ ، حَيْثُ قَالَ : وَلَقَدْ رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ ، أَنِّي أُفَكِّرُ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ ، فَأَقُولُ عَلَى الْفَوْرِ : " وَوَجَدَكَ " : أَيْ : وَجَدَ رَهْطَكَ " ضَالًّا " فَهَدَاهُ بِكَ ، ثُمَّ أَقُولُ : عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ ، نَحْوُ : " وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ " [ 12 \ 82 ] . اهـ .
وَقَدْ أَوْرَدَ
النَّيْسَابُورِيُّ هَذَا وَجْهًا فِي الْآيَةِ .
وَبِهَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ أَذْكُرُ مَنَامَيْنِ كُنْتُ رَأَيْتُهُمَا وَلَمْ أُرِدْ ذِكْرَهُمَا حَتَّى رَأَيْتُ هَذَا
لِأَبِي حَيَّانَ ، فَاسْتَأْنَسْتُ بِهِ لِذِكْرِهِمَا ، وَهُمَا : الْأَوَّلُ : عِنْدَمَا وَصَلْتُ إِلَى سُورَةِ " ن " عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=4وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [ 68 \ 4 ] ، وَمِنْ مَنْهَجِ الْأَضْوَاءِ تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ بِالْقُرْآنِ ، وَهَذَا وَصْفٌ مُجْمَلٌ ، وَحَدِيثُ
عَائِشَةَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009642كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ " فَأَخَذْتُ فِي التَّفْكِيرِ ، كَيْفَ أُفَصِّلُ هَذَا الْمَعْنَى مِنَ الْقُرْآنِ ، وَأُبَيِّنُ حُكْمَهُ وَصَفْحَهُ وَصَبْرَهُ وَكَرَمَهُ وَعَطْفَهُ وَرَحْمَتَهُ
[ ص: 561 ] وَرَأْفَتَهُ وَجِهَادَهُ وَعِبَادَتَهُ ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِمَّا جَعَلَنِي أَقِفُ حَائِرًا وَأَمْكُثُ عَنِ الْكِتَابَةِ عِدَّةَ أَيَّامٍ ، فَرَأَيْتُ الشَّيْخَ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - فِي النَّوْمِ ، كَأَنَّنَا فِي الْجَامِعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ
بِالْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ ، وَكَأَنَّهُ لَيْسَ فِي نَشَاطِهِ الْعَادِيِّ ، فَسَأَلْتُهُ مَاذَا عِنْدَكَ الْيَوْمَ ؟
فَقَالَ : عِنْدِي تَفْسِيرٌ . فَقُلْتُ : أَتُدَرِّسُ الْيَوْمَ ؟ قَالَ : لَا ، فَقُلْتُ : وَمَا هَذَا الَّذِي بِيَدِكَ ؟ - لِدَفْتَرٍ فِي يَدِهِ - ، فَقَالَ : مُذَكِّرَةُ تَفْسِيرٍ ، أَيْ : الَّتِي كَانَ سَيُفَسِّرُهَا - وَهِيَ مَخْطُوطَةٌ - ، فَقُلْتُ لَهُ : مِنْ أَيْنَ فِي الْقُرْآنِ ؟ فَقَالَ : مِنْ أَوَّلِ " ن " إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ ، فَحَرَصْتُ عَلَى أَخْذِهَا لِأَكْتُبَ مِنْهَا ، وَلَمْ أَتَجَرَّأْ عَلَى طَلَبِهَا صَرَاحَةً ، وَلَكِنْ قُلْتُ لَهُ : إِذَا كُنْتَ لَمْ تُدَرِّسِ الْيَوْمَ فَأَعْطِنِيهَا أُبَيِّضُهَا وَأُجَلِّدُهَا لَكَ ، وَآتِيكَ بِهَا غَدًا ، فَأَعْطَانِيهَا فَانْتَبَهْتُ فَرَحًا بِذَلِكَ وَبَدَأْتُ فِي الْكِتَابَةِ .
وَالْمَرَّةُ الثَّانِيَةُ فِي سُورَةِ " الْمُطَفِّفِينَ " ، لَمَّا كَتَبْتُ عَلَى مَعْنَى التَّطْفِيفِ ، ثُمَّ فَكَّرْتُ فِي التَّوَعُّدِ الشَّدِيدِ عَلَيْهِ مَعَ مَا يَتَأَتَّى فِيهِ مِنْ شَيْءٍ طَفِيفٍ ، حَتَّى فَكَّرْتُ فِي أَنَّ لَهُ صِلَةً بِالرِّبَا ، إِذَا مَا بِيعَ جِنْسٌ بِجِنْسِهِ ، فَحَصَلَتْ مُغَايِرَةٌ فِي الْكَيْلِ وَوَقَعَ تَفَاضُلٌ ، وَلَكِنِّي لَمْ أَجِدْ مَنْ قَالَ بِهِ ، فَرَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ ، أَنِّي مَعَ الشَّيْخِ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - ، وَلَكِنْ لَمْ يَتَحَدَّثْ مَعِي فِي شَيْءٍ مِنَ التَّفْسِيرِ .
وَبَعْدَ أَنْ رَاحَ عَنِّي ، فَإِذَا بِشَخْصٍ لَا أَعْرِفُهُ يَقُولُ وَأَنَا أَسْمَعُ دُونَ أَنْ يُوَجِّهَ الْحَدِيثَ إِلَيَّ : إِنَّ فِي التَّطْفِيفِ رِبًا ، إِذَا بِيعَ الْحَدِيدُ بِحَدِيدٍ ، وَكَلِمَةً أُخْرَى فِي مَعْنَاهَا نَسِيتُهَا بَعْدَ أَنِ انْتَبَهْتُ .
وَقَدْ ذَكَرْتُ ذَلِكَ تَأَسِّيًا
بِأَبِي حَيَّانَ ، لِمَا أَجِدُ فِيهِ مِنْ إِينَاسٍ ، وَاللَّهُ أَسْأَلُ أَنْ يُوَفِّقَنَا لِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ ، وَأَنْ يَهْدِيَنَا سَوَاءَ السَّبِيلِ ، وَعَلَى مَا جَاءَ فِي الرُّؤْيَا مِنْ مُبَشِّرَاتٍ . وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوَفِيقُ .