وقد اتفق العلماء : أن الآية شملت في
nindex.php?page=treesubj&link=33308النهي عن أكل أموال اليتامى كل ما فيه إتلاف أو تفويت ، سواء كان بأكل حقيقة ، أو باختلاس ، أو بإحراق ، أو إغراق ، وهو المعروف عند الأصوليين بالإلحاق بنفي الفارق ، إذ لا فرق في ضياع مال اليتيم عليه ، بين كونه بأكل أو إحراق بنار أو إغراق في ماء حتى الإهمال فيه ، فهو تفويت عليه وكل ذلك حفظا لماله .
وأخيرا ، فإذا تم الحفاظ على ماله لم يقربه إلا بالتي هي أحسن ، ولم يبدله بغيره أقل منه ، ولم يخلطه بماله ليأكله عليه ، ولم يعتد عليه بأي إتلاف كان محفوظا له ، إلى أن يذهب يتمه ويثبت رشده ، فيأتي قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=6وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا [ 4 \ 6 ] .
ثم أحاط دفع المال إليه بموجبات الحفظ بقوله في آخر الآية :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=6فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم [ 4 \ 6 ] أي : حتى لا تكون مناكرة فيما بعد .
وفي الختام ينبه الله فيهم وازع مراقبة الله بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=6وكفى بالله حسيبا [ 4 \ 6 ] وفيه إشعار بأن أمواله تدفع إليه بعد محاسبة دقيقة فيما له وعليه .
ومهما يكن من دقة الحساب ، فالله سيحاسب عنه ،
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=6وكفى بالله حسيبا ، وهذا كله في حفظ ماله .
أما جلب المصالح ، فإننا نجد فيها أولا جعله مع الوالدين والأقربين في عدة
[ ص: 566 ] مواطن ، منها قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=215قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى [ 2 \ 215 ] .
ومنها قوله إيراده في أنواع البر من الإيمان بالله وإنفاق المال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=177ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين [ 2 \ 177 ] إلى آخر الآية .
ومنها : ما هو أدخل في الموضوع حيث جعل له نصيبا في التركة في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=8وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه [ 4 \ 8 ] ، بصرف النظر عن مباحث الآية من جهات أخرى ، ومرة أخرى يجعل لهم نصيبا فيما هو أعلى منزلة في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=41واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله [ 8 \ 41 ] .
وكذلك في سورة " الحشر " في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=7ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل الآية [ 59 \ 7 ] .
فجعلهم الله مع ذي القربى من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وقد جعله الله في عموم وصف الأبرار ، وسببا للوصول إلى أعلى درجات النعيم في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=5إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا [ 76 \ 5 ] .
وذكر أفعالهم التي منها : " أنهم
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=7يوفون بالنذر " [ 76 \ 7 ] ثم بعدها أنهم : "
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=8ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا " [ 76 \ 8 ] .
وجعل هذا الإطعام اجتياز العقبة في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=11فلا اقتحم العقبة nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=12وما أدراك ما العقبة nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=13فك رقبة nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=14أو إطعام في يوم ذي مسغبة nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=15يتيما ذا مقربة الآية [ 90 \ 11 - 15 ] .
ولقد وجدنا ما هو أعظم من ذلك ، وهو أن يسوق الله
الخضر وموسى - عليهما السلام - ليقيما جدارا ليتيمين على كنز لهما حتى يبلغا أشدهما ، في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=82وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري [ 18 \ 82 ] .
[ ص: 567 ] هذا هو الجانب المالي من دفع المضرة عنه في حفظ ماله ، ومن جانب جلب النفع إليه عن طريق المال .
أما الجانب النفسي فكالآتي :
أولا : عدم مساءته في نفسه ، فمنها قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=1أرأيت الذي يكذب بالدين nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=2فذلك الذي يدع اليتيم nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=3ولا يحض على طعام المسكين [ 107 \ 1 - 3 ] .
ومنها قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=17كلا بل لا تكرمون اليتيم nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=18ولا تحاضون على طعام المسكين [ 89 \ 17 - 18 ] ، فقدم إكرامه إشارة له .
ثانيا : في الإحسان إليه ، منه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=83لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى [ 2 \ 83 ] فيحسن إليه كما يحسن لوالديه ولذي القربى .
ومنها سؤال وجوابه من الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=220ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح [ 2 \ 220 ] ، أي : تعاملونهم كما تعاملون الإخوان ، وهذا أعلى درجات الإحسان والمعروف ; ولذا قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=220والله يعلم المفسد من المصلح .
وفي تقديم ذكر المفسد على المصلح : إشعار لشدة التحذير من الإفساد في معاملته ، ولأنه محل التحذير في موطن آخر جعلهم بمنزلة الأولاد في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=9وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا [ 4 \ 9 ] .
أي : حتى في مخاطبتهم إياهم لأنهم بمنزلة أولادهم ، بل ربما كان لهم أولاد فيما بعد أيتاما من بعدهم ، فكما يخشون على أولادهم إذا صاروا أيتاما من بعدهم ، فليحسنوا معاملة الأيتام في أيديهم ، وهذه غاية درجات العناية والرعاية .
تلك هي نصوص القرآن في حسن معاملة اليتيم وعدم الإساءة إليه ، مما يفصل مجمل قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=9فأما اليتيم فلا تقهر [ 93 \ 9 ] .
لا بكلمة غير سديدة ، ولا بحرمانه من شيء يحتاجه ، ولا بإتلاف ماله ، ولا بالتحيل على أكله وإضاعته ، ولا بشيء بالكلية ، لا في نفسه ولا في ماله .
[ ص: 568 ] والأحاديث من السنة على ذلك عديدة بالغة مبلغها في حقه ، وكان - صلى الله عليه وسلم - أرحم الناس به وأشفقهم عليه ، حتى قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009817 " أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين " ، يشير إلى السبابة والوسطى وفرج بينهما . رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ،
وأبو داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي .
وفي رواية
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عند
مسلم ومالك : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009818كافل اليتيم له أو لغيره " أي : قريب له ، أو بعيد عنه .
وعند
أحمد nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني مرفوعا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009819 " من ضم يتيما من بين أبوين مسلمين إلى طعامه وشرابه ، وجبت له الجنة " قال
المنذري : رواة
أحمد محتج بهم إلا
nindex.php?page=showalam&ids=16621علي بن زيد .
وعند
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة : أنه - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009820 " خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم ، يحسن إليه . وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه " .
وجاء عند
أبي داود ما هو أبعد من هذا وذلك ، حتى إن الأم لتعطل مصالحها من أجل أيتامها ، في قوله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009821 " أنا وامرأة سفعاء الخدين كهاتين يوم القيامة " ، وأومأ بيده nindex.php?page=showalam&ids=17360يزيد بن زريع - بفتح الزاي وإسكان الياء - بالوسطى والسبابة " امرأة آمت زوجها " - بألف ممدودة وميم مفتوحة وتاء - أصبحت أيما بوفاة زوجها ، ذات منصب وجمال حبست نفسها على يتاماها حتى بانوا أو ماتوا " .
وجعله الله دواء لقساوة القلب ، كما روى
أحمد ، ورجاله رجال الصحيح : عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - رضي الله عنه -
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009822أن رجلا شكا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسوة قلبه ، فقال : " امسح رأس اليتيم ، وأطعم المسكين " .
وهنا يتجلى سر لطيف في مثالية التشريع الإسلامي ، حيث يخاطب الله تعالى أفضل الخلق وأرحمهم ، وأرأفهم بعباد الله ، الموصوف بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128بالمؤمنين رءوف رحيم [ 9 \ 128 ] وبقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=4وإنك لعلى خلق عظيم [ 68 \ 4 ] ، ليكون مثالا مثاليا في أمة قست قلوبها وغلظت طباعها ، فلا يرحمون ضعيفا ، ولا يؤدون حقا إلا من قوة يدينون لمبدأ : من عز بز ، ومن غلب استلب ، يفاخرون بالظلم ويتهاجون بالأمانة ، كما قال شاعرهم :
قبيلة لا يخفرون بذمة ولا يظلمون الناس حبة خردل
ويقول حكيمهم :
[ ص: 569 ] ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه يهدم ومن لم يظلم الناس يظلم
قوم يئدون بناتهم ، ويحرمون من الميراث نساءهم ،
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=19وتأكلون التراث أكلا لما ،
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=20وتحبون المال حبا ، فقلب مقاييسهم ، وعدل مفاهيمهم ، فألان قلوبهم ورقق طباعهم ، فلانوا مع هذا الضعيف وحفظوا حقه .
وحقيقة هذا التشريع الإلهي الحكيم منذ أربعة عشر قرنا ، تأتي فوق كل ما تتطلع إليه آمال الحضارات الإنسانية كلها ، مما يحقق كمال التكامل الاجتماعي بأبهى معانيه ، المنوه عنه في الآية الكريمة
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=9وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا [ 4 \ 9 ] ، فجعل كافل اليتيم اليوم ، إنما يعمل حتى فيما بعد لو ترك ذرية ضعافا ، وعبر هنا عن الأيتام بلازمهم ، وهو الضعف إبرازا لحاجة اليتيم إلى الإحسان ، بسبب ضعفه فيكونون موضع خوفهم عليهم لضعفهم ، فليعاملوا الأيتام تحت أيديهم ، كما يحبون أن يعامل غيرهم أيتامهم من بعدهم .
وهكذا تضع الآية أمامنا تكافلا اجتماعيا في كفالة اليتيم ، بل إن اليتيم نفسه ، فإنه يتيم اليوم ورجل الغد ، فكما تحسن إليه يحسن هو إلى أيتامك من بعدك ، وكما تدين تدان ، فإن كان خيرا كان الخير بالخير والبادئ أكرم ، وإن شرا كان بمثله والبادئ أظلم .
ومع هذا الحق المتبادل ، فإن الإسلام يحث عليه ويعني به ، ورغب في الإحسان إليه وأجزل المثوبة عليه ، وحذر من الإساءة عليه ، وشدد العقوبة فيه .
وقد يكون فيما أوردناه إطالة ، ولكنه وفاء بحق اليتيم أولا ، وتأثر بكثرة ما يلاقيه اليتيم ثانيا .
تنبيه .
ليس من باب الإساءة إلى اليتيم تأديبه والحزم معه ، بل ذلك من مصلحته كما قيل :
قسا ليزدجروا ومن يك حازما فليقس أحيانا على من يرحم
وَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ : أَنَّ الْآيَةَ شَمِلَتْ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=33308النَّهْيِ عَنْ أَكْلِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى كُلَّ مَا فِيهِ إِتْلَافٌ أَوْ تَفْوِيتٌ ، سَوَاءٌ كَانَ بِأَكْلٍ حَقِيقَةً ، أَوْ بِاخْتِلَاسٍ ، أَوْ بِإِحْرَاقٍ ، أَوْ إِغْرَاقٍ ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ بِالْإِلْحَاقِ بِنَفْيِ الْفَارِقِ ، إِذْ لَا فَرْقَ فِي ضَيَاعِ مَالِ الْيَتِيمِ عَلَيْهِ ، بَيْنَ كَوْنِهِ بِأَكْلٍ أَوْ إِحْرَاقٍ بِنَارٍ أَوْ إِغْرَاقٍ فِي مَاءٍ حَتَّى الْإِهْمَالُ فِيهِ ، فَهُوَ تَفْوِيتُ عَلَيْهِ وَكُلُّ ذَلِكَ حِفْظًا لِمَالِهِ .
وَأَخِيرًا ، فَإِذَا تَمَّ الْحِفَاظُ عَلَى مَالِهِ لَمْ يَقْرَبْهُ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، وَلَمْ يُبَدِّلْهُ بِغَيْرِهِ أَقَلَّ مِنْهُ ، وَلَمْ يَخْلِطْهُ بِمَالِهِ لِيَأْكُلَهُ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يَعْتَدِ عَلَيْهِ بِأَيِّ إِتْلَافٍ كَانَ مَحْفُوظًا لَهُ ، إِلَى أَنْ يَذْهَبَ يُتْمُهُ وَيَثْبُتَ رُشْدُهُ ، فَيَأْتِي قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=6وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا [ 4 \ 6 ] .
ثُمَّ أَحَاطَ دَفْعَ الْمَالِ إِلَيْهِ بِمُوجِبَاتِ الْحِفْظِ بِقَوْلِهِ فِي آخِرِ الْآيَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=6فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ [ 4 \ 6 ] أَيْ : حَتَّى لَا تَكُونَ مُنَاكَرَةً فِيمَا بَعْدُ .
وَفِي الْخِتَامِ يُنَبِّهُ اللَّهُ فِيهِمْ وَازِعَ مُرَاقَبَةِ اللَّهِ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=6وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا [ 4 \ 6 ] وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ أَمْوَالَهُ تُدْفَعُ إِلَيْهِ بَعْدَ مُحَاسِبَةٍ دَقِيقَةٍ فِيمَا لَهُ وَعَلَيْهِ .
وَمَهْمَا يَكُنْ مِنْ دِقَّةِ الْحِسَابِ ، فَاللَّهُ سَيُحَاسِبُ عَنْهُ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=6وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي حِفْظِ مَالِهِ .
أَمَّا جَلْبُ الْمَصَالِحِ ، فَإِنَّنَا نَجِدُ فِيهَا أَوَّلًا جَعْلَهُ مَعَ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ فِي عِدَّةِ
[ ص: 566 ] مُوَاطِنَ ، مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=215قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى [ 2 \ 215 ] .
وَمِنْهَا قَوْلُهُ إِيرَادُهُ فِي أَنْوَاعِ الْبِرِّ مِنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَإِنْفَاقِ الْمَالِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=177وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ [ 2 \ 177 ] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ .
وَمِنْهَا : مَا هُوَ أُدْخِلَ فِي الْمَوْضُوعِ حَيْثُ جُعِلَ لَهُ نَصِيبًا فِي التَّرِكَةِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=8وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ [ 4 \ 8 ] ، بِصَرْفِ النَّظَرِ عَنْ مَبَاحِثِ الْآيَةِ مِنْ جِهَاتٍ أُخْرَى ، وَمَرَّةً أُخْرَى يَجْعَلُ لَهُمْ نَصِيبًا فِيمَا هُوَ أَعْلَى مَنْزِلَةً فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=41وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ [ 8 \ 41 ] .
وَكَذَلِكَ فِي سُورَةِ " الْحَشْرِ " فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=7مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ الْآيَةَ [ 59 \ 7 ] .
فَجَعَلَهُمُ اللَّهُ مَعَ ذِي الْقُرْبَى مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
وَقَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ فِي عُمُومِ وَصْفِ الْأَبْرَارِ ، وَسَبَبًا لِلْوُصُولِ إِلَى أَعْلَى دَرَجَاتِ النَّعِيمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=5إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا [ 76 \ 5 ] .
وَذَكَرَ أَفْعَالَهُمُ الَّتِي مِنْهَا : " أَنَّهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=7يُوفُونَ بِالنَّذْرِ " [ 76 \ 7 ] ثُمَّ بَعْدَهَا أَنَّهُمْ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=8وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا " [ 76 \ 8 ] .
وَجَعَلَ هَذَا الْإِطْعَامَ اجْتِيَازُ الْعَقَبَةِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=11فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=12وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=13فَكُّ رَقَبَةٍ nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=14أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=15يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ الْآيَةَ [ 90 \ 11 - 15 ] .
وَلَقَدْ وَجَدْنَا مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ ، وَهُوَ أَنْ يَسُوقَ اللَّهُ
الْخَضِرَ وَمُوسَى - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - لِيُقِيمَا جِدَارًا لِيَتِيمَيْنِ عَلَى كَنْزٍ لَهُمَا حَتَّى يَبْلُغَا أَشَدَّهُمَا ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=82وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي [ 18 \ 82 ] .
[ ص: 567 ] هَذَا هُوَ الْجَانِبُ الْمَالِيُّ مِنْ دَفْعِ الْمَضَرَّةِ عَنْهُ فِي حِفْظِ مَالِهِ ، وَمِنْ جَانِبِ جَلْبِ النَّفْعِ إِلَيْهِ عَنْ طَرِيقِ الْمَالِ .
أَمَّا الْجَانِبُ النَّفْسِيُّ فَكَالْآتِي :
أَوَّلًا : عَدَمُ مَسَاءَتِهِ فِي نَفْسِهِ ، فَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=1أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=2فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=3وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ [ 107 \ 1 - 3 ] .
وَمِنْهَا قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=17كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=18وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ [ 89 \ 17 - 18 ] ، فَقَدَّمَ إِكْرَامَهُ إِشَارَةً لَهُ .
ثَانِيًا : فِي الْإِحْسَانِ إِلَيْهِ ، مِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=83لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى [ 2 \ 83 ] فَيُحْسِنُ إِلَيْهِ كَمَا يُحْسِنُ لِوَالِدَيْهِ وَلِذِي الْقُرْبَى .
وَمِنْهَا سُؤَالُ وَجَوَابُهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=220وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ [ 2 \ 220 ] ، أَيْ : تُعَامِلُونَهُمْ كَمَا تُعَامِلُونَ الْإِخْوَانَ ، وَهَذَا أَعْلَى دَرَجَاتِ الْإِحْسَانِ وَالْمَعْرُوفِ ; وَلِذَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=220وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ .
وَفِي تَقْدِيمِ ذِكْرِ الْمُفْسِدِ عَلَى الْمُصْلِحِ : إِشْعَارٌ لِشِدَّةِ التَّحْذِيرِ مِنَ الْإِفْسَادِ فِي مُعَامَلَتِهِ ، وَلِأَنَّهُ مَحَلُّ التَّحْذِيرِ فِي مَوْطِنٍ آخَرَ جَعَلَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْأَوْلَادِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=9وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا [ 4 \ 9 ] .
أَيْ : حَتَّى فِي مُخَاطَبَتِهِمْ إِيَّاهُمْ لِأَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ أَوْلَادِهِمْ ، بَلْ رُبَّمَا كَانَ لَهُمْ أَوْلَادٌ فِيمَا بَعْدُ أَيْتَامًا مِنْ بَعْدِهِمْ ، فَكَمَا يَخْشَوْنَ عَلَى أَوْلَادِهِمْ إِذَا صَارُوا أَيْتَامًا مِنْ بَعْدِهُمْ ، فَلْيُحْسِنُوا مُعَامَلَةَ الْأَيْتَامِ فِي أَيْدِيهِمْ ، وَهَذِهِ غَايَةُ دَرَجَاتِ الْعِنَايَةِ وَالرِّعَايَةِ .
تِلْكَ هِيَ نُصُوصُ الْقُرْآنِ فِي حُسْنِ مُعَامَلَةِ الْيَتِيمِ وَعَدَمِ الْإِسَاءَةِ إِلَيْهِ ، مِمَّا يُفَصِّلُ مُجْمَلَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=9فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ [ 93 \ 9 ] .
لَا بِكَلِمَةٍ غَيْرِ سَدِيدَةٍ ، وَلَا بِحِرْمَانِهِ مِنْ شَيْءٍ يَحْتَاجُهُ ، وَلَا بِإِتْلَافِ مَالِهِ ، وَلَا بِالتَّحَيُّلِ عَلَى أَكْلِهِ وَإِضَاعَتِهِ ، وَلَا بِشَيْءٍ بِالْكُلِّيَّةِ ، لَا فِي نَفْسِهِ وَلَا فِي مَالِهِ .
[ ص: 568 ] وَالْأَحَادِيثُ مِنَ السُّنَّةِ عَلَى ذَلِكَ عَدِيدَةٌ بَالِغَةٌ مَبْلَغَهَا فِي حَقِّهِ ، وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْحَمَ النَّاسِ بِهِ وَأَشْفَقَهُمْ عَلَيْهِ ، حَتَّى قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009817 " أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ " ، يُشِيرُ إِلَى السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا . رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ ،
وَأَبُو دَاوُدَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948وَالتِّرْمِذِيُّ .
وَفِي رِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ
مُسْلِمٍ وَمَالِكٍ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009818كَافِلُ الْيَتِيمِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ " أَيْ : قَرِيبٌ لَهُ ، أَوْ بَعِيدٌ عَنْهُ .
وَعِنْدَ
أَحْمَدَ nindex.php?page=showalam&ids=14687وَالطَّبَرَانِيِّ مَرْفُوعًا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009819 " مَنْ ضَمَّ يَتِيمًا مِنْ بَيْنِ أَبَوَيْنِ مُسْلِمَيْنِ إِلَى طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ ، وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةَ " قَالَ
الْمُنْذِرِيُّ : رُوَاةُ
أَحْمَدَ مُحْتَجٌّ بِهِمْ إِلَّا
nindex.php?page=showalam&ids=16621عَلِيَّ بْنَ زَيْدٍ .
وَعِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابْنِ مَاجَهْ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009820 " خَيْرُ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ ، يُحْسَنُ إِلَيْهِ . وَشَرُّ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُسَاءُ إِلَيْهِ " .
وَجَاءَ عِنْدَ
أَبِي دَاوُدَ مَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْ هَذَا وَذَلِكَ ، حَتَّى إِنَّ الْأُمَّ لَتُعَطِّلُ مَصَالِحَهَا مِنْ أَجْلِ أَيْتَامِهَا ، فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009821 " أَنَا وَامْرَأَةٌ سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ كَهَاتَيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " ، وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ nindex.php?page=showalam&ids=17360يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ - بِفَتْحِ الزَّايِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ - بِالْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةِ " امْرَأَةٌ آمَتْ زَوْجَهَا " - بِأَلِفٍ مَمْدُودَةٍ وَمِيمٍ مَفْتُوحَةٍ وَتَاءٍ - أَصْبَحَتْ أَيِّمًا بِوَفَاةِ زَوْجِهَا ، ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجِمَالٍ حَبَسَتْ نَفْسَهَا عَلَى يَتَامَاهَا حَتَّى بَانُوا أَوْ مَاتُوا " .
وَجَعَلَهُ اللَّهُ دَوَاءً لِقَسَاوَةِ الْقَلْبِ ، كَمَا رَوَى
أَحْمَدُ ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ : عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009822أَنَّ رَجُلًا شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسْوَةَ قَلْبِهِ ، فَقَالَ : " امْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ ، وَأَطْعِمِ الْمِسْكِينَ " .
وَهُنَا يَتَجَلَّى سِرٌّ لَطِيفٌ فِي مِثَالِيَّةِ التَّشْرِيعِ الْإِسْلَامِيِّ ، حَيْثُ يُخَاطِبُ اللَّهُ تَعَالَى أَفْضَلَ الْخَلْقِ وَأَرْحَمَهُمْ ، وَأَرْأَفَهُمْ بِعِبَادِ اللَّهِ ، الْمَوْصُوفَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [ 9 \ 128 ] وَبِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=4وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [ 68 \ 4 ] ، لِيَكُونَ مِثَالًا مِثَالِيًّا فِي أُمَّةٍ قَسَتْ قُلُوبُهَا وَغَلُظَتْ طِبَاعُهَا ، فَلَا يَرْحَمُونَ ضَعِيفًا ، وَلَا يُؤَدُّونَ حَقًّا إِلَّا مِنْ قُوَّةٍ يَدِينُونَ لِمَبْدَأِ : مَنْ عَزَّ بَزَّ ، وَمَنْ غَلَبَ اسْتَلَبَ ، يُفَاخِرُونَ بِالظُّلْمِ وَيَتَهَاجَوْنَ بِالْأَمَانَةِ ، كَمَا قَالَ شَاعِرُهُمْ :
قَبِيلَةٌ لَا يَخْفِرُونَ بِذِمَّةٍ وَلَا يَظْلِمُونَ النَّاسَ حَبَّةَ خَرْدَلٍ
وَيَقُولُ حَكِيمُهُمْ :
[ ص: 569 ] وَمَنْ لَمْ يَذُدْ عَنْ حَوْضِهِ بِسِلَاحِهِ يُهْدَمْ وَمَنْ لَمْ يَظْلِمِ النَّاسَ يُظْلَمِ
قَوْمٌ يَئِدُونَ بَنَاتَهُمْ ، وَيَحْرِمُونَ مِنَ الْمِيرَاثِ نِسَاءَهُمْ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=19وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا ،
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=20وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا ، فَقَلَبَ مَقَايِيسَهُمْ ، وَعَدَلَ مَفَاهِيمَهُمْ ، فَأَلَانَ قُلُوبَهُمْ وَرَقَّقَ طِبَاعَهُمْ ، فَلَانُوا مَعَ هَذَا الضَّعِيفِ وَحَفِظُوا حَقَّهُ .
وَحَقِيقَةُ هَذَا التَّشْرِيعِ الْإِلَهِيِّ الْحَكِيمِ مُنْذُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قَرْنًا ، تَأْتِي فَوْقَ كُلِّ مَا تَتَطَلَّعُ إِلَيْهِ آمَالُ الْحَضَارَاتِ الْإِنْسَانِيَّةِ كُلِّهَا ، مِمَّا يُحَقِّقُ كَمَالَ التَّكَامُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ بِأَبْهَى مَعَانِيهِ ، الْمُنَوِّهِ عَنْهُ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=9وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا [ 4 \ 9 ] ، فَجَعَلَ كَافِلَ الْيَتِيمِ الْيَوْمَ ، إِنَّمَا يَعْمَلُ حَتَّى فِيمَا بَعْدُ لَوْ تَرَكَ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا ، وَعَبَّرَ هُنَا عَنِ الْأَيْتَامِ بِلَازِمِهِمْ ، وَهُوَ الضَّعْفُ إِبْرَازًا لِحَاجَةِ الْيَتِيمِ إِلَى الْإِحْسَانِ ، بِسَبَبِ ضَعْفِهِ فَيَكُونُونَ مَوْضِعَ خَوْفِهِمْ عَلَيْهِمْ لِضَعْفِهِمْ ، فَلْيُعَامِلُوا الْأَيْتَامَ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ ، كَمَا يُحِبُّونَ أَنْ يُعَامِلَ غَيْرُهُمْ أَيْتَامَهُمْ مِنْ بَعْدِهِمْ .
وَهَكَذَا تَضَعُ الْآيَةُ أَمَامَنَا تَكَافُلًا اجْتِمَاعِيًّا فِي كَفَالَةِ الْيَتِيمِ ، بَلْ إِنَّ الْيَتِيمَ نَفْسَهُ ، فَإِنَّهُ يَتِيمُ الْيَوْمِ وَرَجُلُ الْغَدِ ، فَكَمَا تُحْسِنُ إِلَيْهِ يُحْسِنُ هُوَ إِلَى أَيْتَامِكَ مِنْ بَعْدِكَ ، وَكَمَا تَدِينُ تُدَانُ ، فَإِنْ كَانَ خَيْرًا كَانَ الْخَيْرُ بِالْخَيْرِ وَالْبَادِئُ أَكْرَمُ ، وَإِنْ شَرًّا كَانَ بِمِثْلِهِ وَالْبَادِئُ أَظْلَمُ .
وَمَعَ هَذَا الْحَقِّ الْمُتَبَادَلِ ، فَإِنَّ الْإِسْلَامَ يَحُثُّ عَلَيْهِ وَيَعْنِي بِهِ ، وَرَغَّبَ فِي الْإِحْسَانِ إِلَيْهِ وَأَجْزَلَ الْمَثُوبَةَ عَلَيْهِ ، وَحَذَّرَ مِنَ الْإِسَاءَةِ عَلَيْهِ ، وَشَدَّدَ الْعُقُوبَةَ فِيهِ .
وَقَدْ يَكُونُ فِيمَا أَوْرَدْنَاهُ إِطَالَةٌ ، وَلَكِنَّهُ وَفَاءٌ بِحَقِّ الْيَتِيمِ أَوَّلًا ، وَتَأَثُّرٌ بِكَثْرَةِ مَا يُلَاقِيهِ الْيَتِيمُ ثَانِيًا .
تَنْبِيهٌ .
لَيْسَ مِنْ بَابِ الْإِسَاءَةِ إِلَى الْيَتِيمِ تَأْدِيبُهُ وَالْحَزْمُ مَعَهُ ، بَلْ ذَلِكَ مِنْ مَصْلَحَتِهِ كَمَا قِيلَ :
قَسَا لِيَزْدَجِرُوا وَمَنْ يَكُ حَازِمًا فَلْيَقْسُ أَحْيَانًا عَلَى مَنْ يَرْحَمُ