قوله تعالى :
nindex.php?page=treesubj&link=29065nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=7فإذا فرغت فانصب nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=8وإلى ربك فارغب النصب : التعب بعد الاجتهاد ، كما في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=88&ayano=2وجوه يومئذ خاشعة nindex.php?page=tafseer&surano=88&ayano=3عاملة ناصبة [ 88 \ 2 - 3 ] .
[ ص: 579 ] وقد يكون النصب للدنيا أو للآخرة ، ولم يبين المراد بالنصب في أي شيء ، فاختلف فيه ، ولكنها أقوال متقاربة .
فقيل : في
nindex.php?page=treesubj&link=22739الدعاء بعد الفراغ من الصلاة .
وقيل : في النافلة من الفريضة ، والذي يشهد له القرآن ، أنه توجيه عام للأخذ بحظ الآخرة بعد الفراغ من عمل الدنيا ، كما في مثل قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=79ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=6إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا [ 73 \ 6 ] ، أي لأنها وقت الفراغ من عمل النهار وفي سكون الليل ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=1إذا جاء نصر الله والفتح nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=2ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=3فسبح بحمد ربك واستغفره nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=3إنه كان توابا [ 110 \ 1 - 3 ] ، فيكون وقته كله مشغولا ، إما للدنيا وإما للدين .
وفي قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=7فإذا فرغت فانصب ، حل لمشكلة الفراغ التي شغلت العالم حيث لم تترك للمسلم فراغا في وقته ; لأنه إما في عمل للدنيا ، وإما في عمل للآخرة .
وقد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : " أنه مر على رجلين يتصارعان ، فقال لهما : ما بهذا أمرنا بعد فراغنا " .
وروي عن
عمر أنه قال : " إني لأكره لأحدكم أن يكون خاليا سبهللا ، لا في عمل دنيا ولا دين " ولهذا لم يشك الصدر الأول فراغا في الوقت .
ومما يشير إلى وضع الصدر الأول ، ما رواه مالك ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة ، عن أبيه أنه قال : قلت
لعائشة - رضي الله عنها - وأنا يومئذ حديث السن : " أرأيت قول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما [ 2 \ 158 ] ، فما على الرجل شيء ألا يطوف بهما ؟ فقالت
عائشة : كلا ; لو كان كما تقول لكانت : فلا جناح عليه ألا يطوف بهما .
فانظر رحمك الله وإياي ، فيم يفكر حديث السن ، وكيف يستشكل معاني القرآن ، فمثله لا يوجد عنده فراغ .
تنبيه .
[ ص: 580 ] ذكر
الألوسي في قوله تعالى : فانصب قراءة شاذة بكسر الصاد ، وأخذها
الشيعة على الفراغ من النبوة ، ونصب علي إماما ، وقال : ليس الأمر متعينا
بعلي ; فالسني يمكن أن يقول : فانصب
أبا بكر ، فإن احتج الشيعي بما كان في غدير خم ، احتج السني ; بأن وقته لم يكن وقت الفراغ من النبوة .
بلى إن قوله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009833 " مروا أبا بكر فليصل بالناس " كان بعده ، وفي قرب فراغه - صلى الله عليه وسلم - من النبوة ، إذ كان في مرضه الذي مات فيه .
فإن احتج الشيعي بالفراغ من حجة الوداع ، رده السني بأن الآية قبل ذلك ، انتهى .
وعلى كل إذا كان
الشيعة يحتجون بها ، فيكفي لرد احتجاجهم أنها شاذة ، وتتبع الشواذ قريب من التأويل المسمى باللعب عند علماء التفسير ، وهو صرف اللفظ عن ظاهره ، لا لقرينة صارفة ولا علاقة رابطة .
ومن اللعب في التأويل في هذه الآية ، ما يفعله بعض العوام : رأيت رجلا عاميا عاديا ، قد لبس حلة كاملة من : عمامة ، وثوب صقيل ، وحزام جميل مما يسمونه نصبة ، أي : بدلة كاملة ، فقال له رجل : ما هذه النصبة يا فلان ؟ فقال له : لما فرغت من عملي نصبت ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=7فإذا فرغت فانصب .
كما سمعت آخر يتوجع لقلة ما في يده ، ويقول لزميله : ألا تعرف لي شخصا أنصب عليه ، أي : آخذ قرضة منه ، فقلت له : ولم تنصب عليه ؟ والنصب كذب وحرام . فقال : إذا لم يكن عند الإنسان شيء ، ويده خالية فلا بأس ; لأن الله قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=7فإذا فرغت فانصب ، وهذا وأمثاله مما يتجرأ عليه العامة لجهلهم ، أو أصحاب الأهواء لنحلهم .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=treesubj&link=29065nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=7فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=8وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ النَّصَبُ : التَّعَبُ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=88&ayano=2وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ nindex.php?page=tafseer&surano=88&ayano=3عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ [ 88 \ 2 - 3 ] .
[ ص: 579 ] وَقَدْ يَكُونُ النَّصَبُ لِلدُّنْيَا أَوْ لِلْآخِرَةِ ، وَلَمْ يُبَيِّنِ الْمُرَادَ بِالنَّصَبِ فِي أَيِّ شَيْءٍ ، فَاخْتُلِفَ فِيهِ ، وَلَكِنَّهَا أَقْوَالٌ مُتَقَارِبَةٌ .
فَقِيلَ : فِي
nindex.php?page=treesubj&link=22739الدُّعَاءِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الصَّلَاةِ .
وَقِيلَ : فِي النَّافِلَةِ مِنَ الْفَرِيضَةِ ، وَالَّذِي يَشْهَدُ لَهُ الْقُرْآنُ ، أَنَّهُ تَوْجِيهٌ عَامُّ لِلْأَخْذِ بِحَظِّ الْآخِرَةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ عَمَلِ الدُّنْيَا ، كَمَا فِي مِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=79وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=6إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا [ 73 \ 6 ] ، أَيْ لِأَنَّهَا وَقْتُ الْفَرَاغِ مِنْ عَمَلِ النَّهَارِ وَفِي سُكُونِ اللَّيْلِ ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=1إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=2وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=3فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=3إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [ 110 \ 1 - 3 ] ، فَيَكُونُ وَقْتُهُ كُلُّهُ مَشْغُولًا ، إِمَّا لِلدُّنْيَا وَإِمَّا لِلدِّينِ .
وَفِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=7فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ، حَلٌّ لِمُشْكِلَةِ الْفَرَاغِ الَّتِي شَغَلَتِ الْعَالَمَ حَيْثُ لَمْ تَتْرُكْ لِلْمُسْلِمِ فَرَاغًا فِي وَقْتِهِ ; لِأَنَّهُ إِمَّا فِي عَمَلٍ لِلدُّنْيَا ، وَإِمَّا فِي عَمَلٍ لِلْآخِرَةِ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ : " أَنَّهُ مَرَّ عَلَى رَجُلَيْنِ يَتَصَارَعَانِ ، فَقَالَ لَهُمَا : مَا بِهَذَا أُمِرْنَا بَعْدَ فَرَاغِنَا " .
وَرُوِيَ عَنْ
عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ : " إِنِّي لَأَكْرَهُ لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَكُونَ خَالِيًا سَبَهْلَلًا ، لَا فِي عَمَلِ دُنْيَا وَلَا دِينٍ " وَلِهَذَا لَمْ يَشْكُ الصَّدْرُ الْأَوَّلُ فَرَاغًا فِي الْوَقْتِ .
وَمِمَّا يُشِيرُ إِلَى وَضْعِ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ ، مَا رَوَاهُ مَالِكٌ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17245هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ : قُلْتُ
لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ : " أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا [ 2 \ 158 ] ، فَمَا عَلَى الرَّجُلِ شَيْءٌ أَلَّا يَطَّوَّفَ بِهِمَا ؟ فَقَالَتْ
عَائِشَةُ : كَلَّا ; لَوْ كَانَ كَمَا تَقُولُ لَكَانَتْ : فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَلَّا يَطَّوَّفَ بِهِمَا .
فَانْظُرْ رَحِمَكَ اللَّهُ وَإِيَّايَ ، فِيمَ يُفَكِّرُ حَدِيثُ السِّنِّ ، وَكَيْفَ يَسْتَشْكِلُ مَعَانِيَ الْقُرْآنِ ، فَمِثْلُهُ لَا يُوجَدُ عِنْدَهُ فَرَاغٌ .
تَنْبِيهٌ .
[ ص: 580 ] ذَكَرَ
الْأَلُوسِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : فَانْصَبْ قِرَاءَةً شَاذَّةً بِكَسْرِ الصَّادِ ، وَأَخَذَهَا
الشِّيعَةُ عَلَى الْفَرَاغِ مِنَ النُّبُوَّةِ ، وَنَصْبِ عَلِيٍّ إِمَامًا ، وَقَالَ : لَيْسَ الْأَمْرُ مُتَعَيِّنًا
بِعَلِيٍّ ; فَالسُّنِّيُّ يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ : فَانْصَبْ
أَبَا بَكْرٍ ، فَإِنِ احْتَجَّ الشِّيعِيُّ بِمَا كَانَ فِي غَدِيرِ خُمٍّ ، احْتَجَّ السُّنِّيُّ ; بِأَنَّ وَقْتَهُ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ الْفَرَاغِ مِنَ النُّبُوَّةِ .
بَلَى إِنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009833 " مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ " كَانَ بَعْدَهُ ، وَفِي قُرْبِ فَرَاغِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ النُّبُوَّةِ ، إِذْ كَانَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ .
فَإِنِ احْتَجَّ الشِّيعِيُّ بِالْفَرَاغِ مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ ، رَدَّهُ السُّنِّيُّ بِأَنَّ الْآيَةَ قَبْلَ ذَلِكَ ، انْتَهَى .
وَعَلَى كُلٍّ إِذَا كَانَ
الشِّيعَةُ يَحْتَجُّونَ بِهَا ، فَيَكْفِي لِرَدِّ احْتِجَاجِهِمْ أَنَّهَا شَاذَّةٌ ، وَتَتَبُّعُ الشَّوَاذِّ قَرِيبٌ مِنَ التَّأْوِيلِ الْمُسَمَّى بِاللَّعِبِ عِنْدَ عُلَمَاءِ التَّفْسِيرِ ، وَهُوَ صَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ ، لَا لِقَرِينَةٍ صَارِفَةٍ وَلَا عَلَاقَةٍ رَابِطَةٍ .
وَمِنَ اللَّعِبِ فِي التَّأْوِيلِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ، مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْعَوَامِّ : رَأَيْتُ رَجُلًا عَامِّيًّا عَادِيًّا ، قَدْ لَبِسَ حُلَّةً كَامِلَةً مِنْ : عِمَامَةٍ ، وَثَوْبٍ صَقِيلٍ ، وَحِزَامٍ جَمِيلٍ مِمَّا يُسَمُّونَهُ نَصْبَةً ، أَيْ : بَدْلَةً كَامِلَةً ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : مَا هَذِهِ النَّصْبَةُ يَا فُلَانُ ؟ فَقَالَ لَهُ : لَمَّا فَرَغْتُ مِنْ عَمَلِي نَصَبْتُ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=7فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ .
كَمَا سَمِعْتُ آخَرَ يَتَوَجَّعُ لِقِلَّةِ مَا فِي يَدِهِ ، وَيَقُولُ لِزَمِيلِهِ : أَلَا تَعْرِفُ لِي شَخْصًا أَنْصُبُ عَلَيْهِ ، أَيْ : آخُذُ قَرْضَةً مِنْهُ ، فَقُلْتُ لَهُ : وَلِمَ تَنْصُبُ عَلَيْهِ ؟ وَالنَّصْبُ كَذِبٌ وَحَرَامٌ . فَقَالَ : إِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْإِنْسَانِ شَيْءٌ ، وَيَدُهُ خَالِيَةٌ فَلَا بَأْسَ ; لِأَنَّ اللَّهَ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=7فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ، وَهَذَا وَأَمْثَالُهُ مِمَّا يَتَجَرَّأُ عَلَيْهِ الْعَامَّةُ لِجَهْلِهِمْ ، أَوْ أَصْحَابُ الْأَهْوَاءِ لِنِحَلِهِمْ .