[ ص: 39 ] بسم الله الرحمن الرحيم
سورة البينة
قال
الألوسي : وتسمى سورة القيامة ، وسورة البلد ، وسورة المنفكين ، وسورة البرية ، وسورة لم يكن .
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=29069_29434_28674لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=2رسول من الله يتلو صحفا مطهرة nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=3فيها كتب قيمة nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=4وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة .
ذكر هنا الذين كفروا ، ثم جاءت من ، وجاء بعدها
أهل الكتاب والمشركين ، مما يشعر بأن وصف الكفر يشمل كلا من
أهل الكتاب والمشركين ، كما يشعر مرة أخرى أن المشركين ليسوا من
أهل الكتاب لوجود العطف ، وأن
أهل الكتاب ليسوا من المشركين .
وهذا المبحث معروف عند المتكلمين وعلماء التفسير ، واتفقوا على أن
أهل الكتاب هم
اليهود والنصارى ، وأن المشركين هم عبدة الأوثان ، والكفر يجمع القسمين .
وأهل الكتاب مختص
باليهود والنصارى ، ولكن الخلاف هل الشرك يجمعهما أيضا أم لا ؟
فبين الفريقين عموم وخصوص ، عموم في الكفر وخصوص في
أهل الكتاب لليهود والنصارى ، وخصوص في المشركين لعبدة الأوثان .
ولكن جاءت آيات تدل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=29434مسمى الشرك يشمل أهل الكتاب أيضا ، كما في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=31اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون [ 9 \ 30 - 31 ] .
[ ص: 40 ] فجعل مقالة كل من
اليهود والنصارى إشراكا .
وجاء عن
عبد الله بن عمر منع
nindex.php?page=treesubj&link=11006نكاح الكتابية وقال : " وهل أكبر إشراكا من قولها :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=116اتخذ الله ولدا [ 2 \ 116 ] ، فهو وإن كان مخالفا للجمهور في منع الزواج من الكتابيات ، إلا أنه اعتبرهن مشركات .
ولهذا الخلاف والاحتمال وقع النزاع في مسمى الشرك ، هل يشمل
أهل الكتاب أم لا ؟ مع أننا وجدنا فرقا في الشرع في معاملة
أهل الكتاب ومعاملة المشركين ، فأحل ذبائح
أهل الكتاب ولم يحلها من المشركين ، وأحل نكاح الكتابيات ولم يحله من المشركات ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=221ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن [ 2 \ 221 ] .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=10ولا تمسكوا بعصم الكوافر [ 60 \ 10 ] .
وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=10لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن [ 60 \ 10 ] ، بين ما في حق الكتابيات قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن [ 5 \ 5 ] ، فكان بينهما مغايرة في الحكم .
وقد جمع والدنا الشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=13739محمد الأمين رحمة الله تعالى علينا وعليه بين تلك النصوص في دفع إيهام الاضطراب عند قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30وقالت اليهود عزير ابن الله المتقدم ذكرها جمعا مفصلا مفاده أن الشرك الأكبر المخرج من الملة أنواع ،
وأهل الكتاب متصفون ببعض دون بعض ، إلى آخر ما أورده رحمة الله تعالى علينا وعليه .
ولعل في نفس آية
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30وقالت اليهود عزير ابن الله ، فيها إشارة إلى ما ذكره رحمة الله تعالى علينا وعليه من وجهين :
الأول : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30يضاهئون قول الذين كفروا أي يشابهونهم في مقالتهم ، وهذا القدر اتصف به المشركون من أنواع الشرك .
الثاني : تذييل الآية بصيغة المضارع عما يشركون بينما وصف عبدة الأوثان في سورة البينة بالاسم " والمشركين " .
[ ص: 41 ] ومعلوم أن صيغة الفعل تدل على التجدد والحدوث ، وصيغة الاسم تدل على الدوام والثبوت ، فمشركو
مكة وغيرهم دائمون على الإشراك وعبادة الأصنام ،
وأهل الكتاب يقع منهم حينا وحينا .
وقد أخذ بعض العلماء : أن الكفر ملة واحدة ، فورث الجميع من بعض ، ومنع الآخرون على أساس المغايرة والعلم عند الله تعالى .
[ ص: 39 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
سُورَةُ الْبَيِّنَة
قَالَ
الْأَلُوسِيُّ : وَتُسَمَّى سُورَةَ الْقِيَامَةِ ، وَسُورَةَ الْبَلَدِ ، وَسُورَةَ الْمُنْفَكِّينَ ، وَسُورَةَ الْبَرِيَّةِ ، وَسُورَةَ لَمْ يَكُنْ .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=29069_29434_28674لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=2رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=3فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=4وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ .
ذَكَرَ هُنَا الَّذِينَ كَفَرُوا ، ثُمَّ جَاءَتْ مِنْ ، وَجَاءَ بَعْدَهَا
أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ ، مِمَّا يُشْعِرُ بِأَنَّ وَصْفَ الْكُفْرِ يَشْمَلُ كُلًّا مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ ، كَمَا يُشْعِرُ مَرَّةً أُخْرَى أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَيْسُوا مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ لِوُجُودِ الْعَطْفِ ، وَأَنَّ
أَهْلَ الْكِتَابِ لَيْسُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ .
وَهَذَا الْمَبْحَثُ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَعُلَمَاءِ التَّفْسِيرِ ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ
أَهْلَ الْكِتَابِ هُمُ
الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ، وَأَنَّ الْمُشْرِكِينَ هُمْ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ ، وَالْكُفْرَ يَجْمَعُ الْقِسْمَيْنِ .
وَأَهْلُ الْكِتَابِ مُخْتَصٌّ
بِالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ، وَلَكِنَّ الْخِلَافَ هَلِ الشِّرْكُ يَجْمَعُهُمَا أَيْضًا أَمْ لَا ؟
فَبَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ ، عُمُومٌ فِي الْكُفْرِ وَخُصُوصٌ فِي
أَهْلِ الْكِتَابِ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ، وَخُصُوصٌ فِي الْمُشْرِكِينَ لِعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ .
وَلَكِنْ جَاءَتْ آيَاتٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29434مُسَمَّى الشِّرْكِ يَشْمَلُ أَهْلَ الْكِتَابِ أَيْضًا ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=31اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [ 9 \ 30 - 31 ] .
[ ص: 40 ] فَجَعَلَ مَقَالَةَ كُلٍّ مِنَ
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى إِشْرَاكًا .
وَجَاءَ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَنْعُ
nindex.php?page=treesubj&link=11006نِكَاحِ الْكِتَابِيَّةِ وَقَالَ : " وَهَلْ أَكْبَرُ إِشْرَاكًا مِنْ قَوْلِهَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=116اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا [ 2 \ 116 ] ، فَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِلْجُمْهُورِ فِي مَنْعِ الزَّوَاجِ مِنَ الْكِتَابِيَّاتِ ، إِلَّا أَنَّهُ اعْتَبَرَهُنَّ مُشْرِكَاتٍ .
وَلِهَذَا الْخِلَافِ وَالِاحْتِمَالِ وَقَعَ النِّزَاعُ فِي مُسَمَّى الشِّرْكِ ، هَلْ يَشْمَلُ
أَهْلَ الْكِتَابِ أَمْ لَا ؟ مَعَ أَنَّنَا وَجَدْنَا فَرْقًا فِي الشَّرْعِ فِي مُعَامَلَةِ
أَهْلِ الْكِتَابِ وَمُعَامَلَةِ الْمُشْرِكِينَ ، فَأَحَلَّ ذَبَائِحَ
أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَمْ يُحِلَّهَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، وَأَحَلَّ نِكَاحَ الْكِتَابِيَّاتِ وَلَمْ يُحِلَّهُ مِنَ الْمُشْرِكَاتِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=221وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ [ 2 \ 221 ] .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=10وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ [ 60 \ 10 ] .
وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=10لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [ 60 \ 10 ] ، بَيَّنَ مَا فِي حَقِّ الْكِتَابِيَّاتِ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [ 5 \ 5 ] ، فَكَانَ بَيْنَهُمَا مُغَايَرَةٌ فِي الْحُكْمِ .
وَقَدْ جَمَعَ وَالِدُنَا الشَّيْخُ
nindex.php?page=showalam&ids=13739مُحَمَّدٌ الْأَمِينُ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ بَيْنَ تِلْكَ النُّصُوصِ فِي دَفْعِ إِيهَامِ الِاضْطِرَابِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا جَمْعًا مُفَصَّلًا مَفَادُهُ أَنَّ الشِّرْكَ الْأَكْبَرَ الْمُخْرِجَ مِنَ الْمِلَّةِ أَنْوَاعٌ ،
وَأَهْلُ الْكِتَابِ مُتَّصِفُونَ بِبَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ ، إِلَى آخِرِ مَا أَوْرَدَهُ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ .
وَلَعَلَّ فِي نَفْسِ آيَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ ، فِيهَا إِشَارَةٌ إِلَى مَا ذَكَرَهُ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ مِنْ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَيْ يُشَابِهُونَهُمْ فِي مَقَالَتِهِمْ ، وَهَذَا الْقَدْرُ اتَّصَفَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَنْوَاعِ الشِّرْكِ .
الثَّانِي : تَذْيِيلُ الْآيَةِ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ عَمَّا يُشْرِكُونَ بَيْنَمَا وَصَفَ عَبَدَةَ الْأَوْثَانِ فِي سُورَةِ الْبَيِّنَةِ بِالِاسْمِ " وَالْمُشْرِكِينَ " .
[ ص: 41 ] وَمَعْلُومٌ أَنَّ صِيغَةَ الْفِعْلِ تَدُلُّ عَلَى التَّجَدُّدِ وَالْحُدُوثِ ، وَصِيغَةَ الِاسْمِ تَدُلُّ عَلَى الدَّوَامِ وَالثُّبُوتِ ، فَمُشْرِكُو
مَكَّةَ وَغَيْرُهُمْ دَائِمُونَ عَلَى الْإِشْرَاكِ وَعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ ،
وَأَهْلُ الْكِتَابِ يَقَعُ مِنْهُمْ حِينًا وَحِينًا .
وَقَدْ أَخَذَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : أَنَّ الْكُفْرَ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ ، فَوَرَّثَ الْجَمِيعَ مِنْ بَعْضٍ ، وَمَنَعَ الْآخَرُونَ عَلَى أَسَاسِ الْمُغَايَرَةِ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .