قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=5nindex.php?page=treesubj&link=29069_28640وذلك دين القيمة .
القيمة : فيعلة من القوامة ، وهي غاية الاستقامة .
وقد جاء بعد قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=3فيها كتب قيمة [ 98 \ 3 ] ، أي : مستقيمة بتعاليمها .
وقد نص تعالى على أن القرآن أقومها وأعدلها كما في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=9إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم [ 17 \ 9 ] ، وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=1الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما [ 18 \ 1 - 2 ] ، فنفى عنه العوج ، وأثبت له الاستقامة .
وهذا غاية في القوامة كما قدمنا من قبل ، من أن المستقيم قد يكون فيه انحناء كالطريق المعبد المستقيم عن المرتفعات والمنخفضات ، لكنه ينحرف تارة يمينا وشمالا
[ ص: 48 ] مع استقامته ، فهو مع الاستقامة لم يخل من العوج .
ولكن ما ينتفي عنه العوج وتثبت له الاستقامة ، هو الطريق الذي يمتد في اتجاه واحد بدون أي اعوجاج إلى أي الجانبين ، مع استقامته في سطحه .
وهكذا هو القرآن ، فهو الصراط المستقيم ، ولذا قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=5وذلك دين القيمة [ 98 \ 5 ] الملة القيمة ، قيمة في ذاتها ، وقيمة على غيرها : ومهيمنة عليه ، وكقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=36ذلك الدين القيم [ 12 \ 40 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=161قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=162قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=163لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين [ 6 \ 161 - 163 ] .
تنبيه
إن في هذه الآية ردا صريحا على أولئك الذين ينادون بدون علم إلى دعوة لا تخلو من تشكيك ، حيث لم تسلم من لبس ، وهي دعوة وحدة الأديان ، ومحل اللبس فيها أن هذا القول منه حق ، ومنه باطل .
أما الحق فهو وحدة الأصول ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=5وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة [ 98 \ 5 ] ، وأما الباطل فهو الإبهام ، بأن هذا ينجر على الفروع مع الجزم عند الجميع ، بأن فروع كل دين قد لا تتفق كلها مع فروع الدين الآخر ، فلم تتحد الصلاة في جميع الأديان ولا الصيام ، ونحو ذلك .
وقد أجمع المسلمون على أن العبرة بما في القرآن من تفصيل للفروع ، والسنة تكمل تفصيل ما أجمل .
وهنا النص الصريح بأن ذلك الذي جاء به القرآن هو دين القيمة ، وأن القرآن يهدي للتي هي أقوم ، وهي أفعل تفضيل ، فلا يمكن أن يعادل ويساوي مع غيره أبدا مع نصوص القرآن ، بأن الله أخذ العهد على جميع الأنبياء لئن أدركوا
محمدا صلى الله عليه وسلم ليؤمنن به ، ولينصرنه وليتبعنه ، وأخذ عليهم العهد بذلك . وقد أخبر الرسل أممهم بذلك . فلم يبق مجال في هذا الوقت ولا غيره لدعوة الجاهلية بعنوان مجوف وحدة الأديان ، بل الدين الإسلامي وحده :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=19إن الدين عند الله الإسلام [ 3 \ 19 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=85ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه [ 3 \ 85 ]
[ ص: 49 ] وبالله تعالى التوفيق .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=5nindex.php?page=treesubj&link=29069_28640وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ .
الْقَيِّمَةُ : فَيْعِلَةٌ مِنَ الْقَوَامَةِ ، وَهِيَ غَايَةُ الِاسْتِقَامَةِ .
وَقَدْ جَاءَ بَعْدَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=3فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ [ 98 \ 3 ] ، أَيْ : مُسْتَقِيمَةٌ بِتَعَالِيمِهَا .
وَقَدْ نَصَّ تَعَالَى عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ أَقْوَمُهَا وَأَعْدَلُهَا كَمَا فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=9إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [ 17 \ 9 ] ، وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=1الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا قَيِّمًا [ 18 \ 1 - 2 ] ، فَنَفَى عَنْهُ الْعِوَجَ ، وَأَثْبَتَ لَهُ الِاسْتِقَامَةَ .
وَهَذَا غَايَةٌ فِي الْقَوَامَةِ كَمَا قَدَّمْنَا مِنْ قَبْلُ ، مِنْ أَنَّ الْمُسْتَقِيمَ قَدْ يَكُونُ فِيهِ انْحِنَاءٌ كَالطَّرِيقِ الْمُعَبَّدِ الْمُسْتَقِيمِ عَنِ الْمُرْتَفَعَاتِ وَالْمُنْخَفَضَاتِ ، لَكِنَّهُ يَنْحَرِفُ تَارَةً يَمِينًا وَشِمَالًا
[ ص: 48 ] مَعَ اسْتِقَامَتِهِ ، فَهُوَ مَعَ الِاسْتِقَامَةِ لَمْ يَخْلُ مِنَ الْعِوَجِ .
وَلَكِنْ مَا يَنْتَفِي عَنْهُ الْعِوَجُ وَتَثْبُتُ لَهُ الِاسْتِقَامَةُ ، هُوَ الطَّرِيقُ الَّذِي يَمْتَدُّ فِي اتِّجَاهٍ وَاحِدٍ بِدُونِ أَيِّ اعْوِجَاجٍ إِلَى أَيِّ الْجَانِبَيْنِ ، مَعَ اسْتِقَامَتِهِ فِي سَطْحِهِ .
وَهَكَذَا هُوَ الْقُرْآنُ ، فَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ ، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=5وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [ 98 \ 5 ] الْمِلَّةُ الْقَيِّمَةُ ، قَيِّمَةٌ فِي ذَاتِهَا ، وَقَيِّمَةٌ عَلَى غَيْرِهَا : وَمُهَيْمِنَةٌ عَلَيْهِ ، وَكَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=36ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ [ 12 \ 40 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=161قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=162قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=163لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [ 6 \ 161 - 163 ] .
تَنْبِيهٌ
إِنَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ رَدًّا صَرِيحًا عَلَى أُولَئِكَ الَّذِينَ يُنَادُونَ بِدُونِ عِلْمٍ إِلَى دَعْوَةٍ لَا تَخْلُو مِنْ تَشْكِيكٍ ، حَيْثُ لَمْ تَسْلَمْ مِنْ لَبْسٍ ، وَهِيَ دَعْوَةُ وَحْدَةِ الْأَدْيَانِ ، وَمَحَلُّ اللَّبْسِ فِيهَا أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مِنْهُ حَقٌّ ، وَمِنْهُ بَاطِلٌ .
أَمَّا الْحَقُّ فَهُوَ وَحْدَةُ الْأُصُولِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=5وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ [ 98 \ 5 ] ، وَأَمَّا الْبَاطِلُ فَهُوَ الْإِبْهَامُ ، بِأَنَّ هَذَا يَنْجَرُّ عَلَى الْفُرُوعِ مَعَ الْجَزْمِ عِنْدَ الْجَمِيعِ ، بِأَنَّ فُرُوعَ كُلِّ دِينٍ قَدْ لَا تَتَّفِقُ كُلُّهَا مَعَ فُرُوعِ الدِّينِ الْآخَرِ ، فَلَمْ تَتَّحِدِ الصَّلَاةُ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ وَلَا الصِّيَامُ ، وَنَحْوُ ذَلِكَ .
وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ تَفْصِيلٍ لِلْفُرُوعِ ، وَالسُّنَّةُ تُكْمِلُ تَفْصِيلَ مَا أَجْمَلَ .
وَهُنَا النَّصُّ الصَّرِيحُ بِأَنَّ ذَلِكَ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ هُوَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ، وَأَنَّ الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ، وَهِيَ أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُعَادِلَ وَيُسَاوِيَ مَعَ غَيْرِهِ أَبَدًا مَعَ نُصُوصِ الْقُرْآنِ ، بِأَنَّ اللَّهَ أَخَذَ الْعَهْدَ عَلَى جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ لَئِنْ أَدْرَكُوا
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُؤْمِنُنَّ بِهِ ، وَلَيَنْصُرُنَّهُ وَلَيَتَّبِعُنَّهُ ، وَأَخَذَ عَلَيْهِمُ الْعَهْدَ بِذَلِكَ . وَقَدْ أَخْبَرَ الرُّسُلُ أُمَمَهُمْ بِذَلِكَ . فَلَمْ يَبْقَ مَجَالٌ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَلَا غَيْرِهِ لِدَعْوَةِ الْجَاهِلِيَّةِ بِعُنْوَانٍ مُجَوَّفٍ وَحْدَةِ الْأَدْيَانِ ، بَلِ الدِّينُ الْإِسْلَامِيُّ وَحْدَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=19إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ [ 3 \ 19 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=85وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [ 3 \ 85 ]
[ ص: 49 ] وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ .