[ ص: 171 ] بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الناس
nindex.php?page=treesubj&link=29085_29428قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=114&ayano=1قل أعوذ برب الناس nindex.php?page=tafseer&surano=114&ayano=2ملك الناس nindex.php?page=tafseer&surano=114&ayano=3إله الناس .
تقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه ، الإحالة على هذه السورة عند كلامه على قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=2ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير [ 11 \ 2 ] ، في سورة
هود ، فقال على تلك الآية : فيها الدلالة الواضحة على أن
nindex.php?page=treesubj&link=29428_29429_29785الحكمة العظمى التي أنزل القرآن من أجلها هي أن يعبد الله تعالى وحده ولا يشرك به في عبادته شيء .
وساق الآيات المماثلة لها ثم قال : وقد أشرنا إلى هذا البحث في سورة الفاتحة ، وسنتقصى الكلام عليه إن شاء الله تعالى في سورة الناس ، لتكون خاتمة هذا الكتاب المبارك حسنى ا هـ .
وإن في هذه الإحالة منه رحمة الله تعالى علينا وعليه لتنبيها على المعاني التي اشتملتها هذه السورة الكريمة ، وتوجيها لمراعاة تلك الخاتمة .
كما أن في تلك الإحالة تحميل مسئولية الاستقصاء حيث لم يكتف بما قدمه في سورة الفاتحة ، ولا فيما قدمه في سورة
هود ، وجعل الاستقصاء في هذه السورة ، ومعنى الاستقصاء : الاستيعاب إلى أقصى حد .
وما أظن أحدا يستطيع استقصاء ما يريده غيره ، ولا سيما ما كان يريده الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه وما يستطيعه هو .
ولكن على ما قدمنا في البداية : أنه جهد المقل ووسع الطاقة . فنستعين الله ونستهديه مسترشدين بما قدمه الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في سورتي الفاتحة
وهود ، ثم نورد وجهة نظر في السورتين معا الفلق والناس ، ثم منهما وفي
nindex.php?page=treesubj&link=28881نسق المصحف الشريف ، آمل من الله تعالى وراج توفيقه ومعونته .
[ ص: 172 ] أما الإحالة فالذي يظهر أن موجبها هو أنه في هذه السورة الكريمة اجتمعت ثلاث صفات لله تعالى من صفات العظمة والكمال : " رب الناس " ، ملك الناس ، إله الناس " ، ولكأنها لأول وهلة تشير إلى الرب الملك هو الإله الحق الذي يستحق أن يعبد وحده .
ولعله ما يرشد إليه مضمون سورة الإخلاص قبلها : هو الله أحد ، الله الصمد ، وهذا هو منطق العقل والقول الحق ; لأن مقتضى الملك يستلزم العبودية ، والعبودية تستلزم التأليه والتوحيد في الألوهية ; لأن العبد المملوك تجب عليه الطاعة والسمع لمالكه بمجرد الملك ، وإن كان مالكه عبدا مثله ، فكيف بالعبد المملوك لربه وإلهه ، وكيف بالمالك الإله الواحد الأحد الفرد الصمد ؟
وقد جاءت تلك الصفات الثلاث : الرب الملك الإله ، في أول افتتاحية أول المصحف :
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2الحمد لله رب العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=3الرحمن الرحيم nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=4مالك يوم الدين [ 1 \ 2 - 4 ] ، والقراءة الأخرى : " ملك يوم الدين " [ 1 \ 4 ] .
وفي أول سورة البقرة أول نداء يوجه للناس بعبادة الله تعالى وحده ، لأنه ربهم مع بيان الموجبات لذلك في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=21ياأيها الناس اعبدوا ربكم [ 2 \ 21 ] .
ثم بين الموجب لذلك بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=21الذي خلقكم والذين من قبلكم [ 2 \ 21 ] .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=22الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم [ 2 \ 22 ] .
وهذا كله من آثار الربوبية واستحقاقه تعالى على خلقه العبادة ، ثم بين موجب إفراده وحده بذلك بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=22فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون [ 2 \ 22 ] .
أي : كما أنه لا ند له في الخلق ولا في الرزق ولا في شيء مما ذكر ، فلا تجعلوا لله أندادا أيضا في عبادة ، وأنتم تعلمون حقيقة ذلك .
وعبادته تعالى وحده ونفي الأنداد ، هو ما قال عنه الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه : معنى لا إله إلا الله نفيا وإثباتا .
فالإثبات في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36واعبدوا الله [ 5 \ 72 ] .
[ ص: 173 ] والنفي في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=22فلا تجعلوا لله أندادا .
وكون الربوبية تستوجب العبادة ، جاء صريحا في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=3فليعبدوا رب هذا البيت nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=4الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف [ 106 \ 3 - 4 ] .
فالموصول وصلته في معنى التعليل لموجب العبادة ، وسيأتي لذلك زيادة إيضاح إن شاء الله تعالى في نهاية السورة .
وقد جاء هنا لفظ : رب الناس ، بإضافة الرب إلى الناس ، بما يشعر بالاختصاص ، مع أنه سبحانه رب العالمين ورب كل شيء ، كما في أول الفاتحة :
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2الحمد لله رب العالمين .
وفي قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=164قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء [ 6 \ 164 ] .
فالإضافة هنا إلى بعض أفراد العام .
وقد أضيف إلى بعض أفراد أخرى كالسماوات والأرض وغيرها من بعض كل شيء ، كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=16قل من رب السماوات والأرض قل الله [ 13 \ 16 ] .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=9رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا [ 73 \ 9 ] .
وإلى البيت
nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=3فليعبدوا رب هذا البيت [ 106 \ 3 ] .
وإلى البلد الحرام
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=91إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة [ 27 \ 91 ] .
وإلى العرش :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=116رب العرش الكريم [ 23 \ 116 ] .
وإلى الرسول :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=106اتبع ما أوحي إليك من ربك [ 6 \ 106 ] .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=3وربك فكبر [ 47 \ 3 ] ، إلى غير ذلك .
ولكن يلاحظ أنه مع كل إضافة من ذلك ما يفيد العموم ، وأنه مع إضافته لفرد من أفراد العموم ، فهو رب العالمين ، ورب كل شيء ، ففي إضافته إلى السماوات والأرض جاء معها قل الله .
وفي الإضافة إلى المشرق والمغرب جاء
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=9لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا [ 73 \ 9 ] .
[ ص: 174 ] وفي الإضافة إلى البيت جاء :
nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=4الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف .
وفي الإضافة إلى البلدة جاء
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=91الذي حرمها [ 27 \ 91 ] ، وهو الله تعالى .
وفي الإضافة إلى العرش جاء قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=116فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش [ 23 \ 116 ] .
وفي الإضافة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم جاء قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=3ما ودعك ربك [ 93 \ 3 ] ، وغير ذلك من الإضافة إلى أي فرد من أفراد العموم يأتي معها ما يفيد العموم ، وأن الله رب العالمين .
وهنا رب الناس جاء معها :
nindex.php?page=tafseer&surano=114&ayano=2ملك الناس nindex.php?page=tafseer&surano=114&ayano=3إله الناس ، ليفيد العموم أيضا ; لأن إطلاق الرب قد يشارك فيه السيد المطاع ، كما في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=31اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله [ 9 \ 31 ] .
وقول
يوسف لصاحبه في السجن
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=42اذكرني عند ربك [ 12 \ 42 ] ، أي : الملك على أظهر الأقوال ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=50ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة الآية [ 12 \ 50 ] .
فجاء بالملك والإله للدلالة على العموم ، في معنى رب الناس ، فهو سبحانه رب العالمين ورب كل شيء ، ولكن إضافته هنا إلى خصوص الناس إشعار بمزيد اختصاص ، ورعاية الرب سبحانه لعبده الذي دعاه إليه ليستعيذ به من عدوه ، كما أن فيه تقوية رجاء العبد في ربه بأنه سبحانه بربوبيته سيحمي عبده لعبوديته ويعيذه مما استعاذ به منه .
ويقوي هذا الاختصاص إضافة الرب للرسول صلى الله عليه وسلم في جميع أطواره منذ البدأين : بدء الخلقة وبدء الوحي ، في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=1اقرأ باسم ربك الذي خلق nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=2خلق الإنسان من علق [ 96 \ 1 - 2 ] ، ثم في نشأته
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=3ما ودعك ربك وما قلى إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=6ألم يجدك يتيما فآوى nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=7ووجدك ضالا فهدى nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=8ووجدك عائلا فأغنى [ 93 \ 3 - 8 ] .
وجعل الرغبة إليه في السورة بعدها
nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=8وإلى ربك فارغب [ 94 \ 8 ] ، تعداد النعم عليه من شرح الصدر ، ووضع الوزر ، ورفع الذكر ، ثم في المنتهى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=8إن إلى ربك الرجعى [ 96 \ 8 ] .
[ ص: 171 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
سُورَةُ النَّاس
nindex.php?page=treesubj&link=29085_29428قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=114&ayano=1قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ nindex.php?page=tafseer&surano=114&ayano=2مَلِكِ النَّاسِ nindex.php?page=tafseer&surano=114&ayano=3إِلَهِ النَّاسِ .
تَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ ، الْإِحَالَةُ عَلَى هَذِهِ السُّورَةِ عِنْدَ كَلَامِهِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=2أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ [ 11 \ 2 ] ، فِي سُورَةِ
هُودٍ ، فَقَالَ عَلَى تِلْكَ الْآيَةِ : فِيهَا الدَّلَالَةُ الْوَاضِحَةُ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29428_29429_29785الْحِكْمَةَ الْعُظْمَى الَّتِي أُنْزِلَ الْقُرْآنُ مِنْ أَجْلِهَا هِيَ أَنْ يُعْبَدَ اللَّهُ تَعَالَى وَحْدَهُ وَلَا يُشْرَكَ بِهِ فِي عِبَادَتِهِ شَيْءٌ .
وَسَاقَ الْآيَاتِ الْمُمَاثِلَةَ لَهَا ثُمَّ قَالَ : وَقَدْ أَشَرْنَا إِلَى هَذَا الْبَحْثِ فِي سُورَةِ الْفَاتِحَةِ ، وَسَنَتَقَصَّى الْكَلَامَ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ النَّاسِ ، لِتَكُونَ خَاتِمَةُ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ حُسْنَى ا هـ .
وَإِنَّ فِي هَذِهِ الْإِحَالَةِ مِنْهُ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ لَتَنْبِيهًا عَلَى الْمَعَانِي الَّتِي اشْتَمَلَتْهَا هَذِهِ السُّورَةُ الْكَرِيمَةُ ، وَتَوْجِيهًا لِمُرَاعَاةِ تِلْكَ الْخَاتِمَةِ .
كَمَا أَنَّ فِي تِلْكَ الْإِحَالَةِ تَحْمِيلَ مَسْئُولِيَّةِ الِاسْتِقْصَاءِ حَيْثُ لَمْ يَكْتَفِ بِمَا قَدَّمَهُ فِي سُورَةِ الْفَاتِحَةِ ، وَلَا فِيمَا قَدَّمَهُ فِي سُورَةِ
هُودٍ ، وَجَعَلَ الِاسْتِقْصَاءَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ ، وَمَعْنَى الِاسْتِقْصَاءِ : الِاسْتِيعَابُ إِلَى أَقْصَى حَدٍّ .
وَمَا أَظُنُّ أَحَدًا يَسْتَطِيعُ اسْتِقْصَاءَ مَا يُرِيدُهُ غَيْرُهُ ، وَلَا سِيَّمَا مَا كَانَ يُرِيدُهُ الشَّيْخُ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ وَمَا يَسْتَطِيعُهُ هُوَ .
وَلَكِنْ عَلَى مَا قَدَّمْنَا فِي الْبِدَايَةِ : أَنَّهُ جُهْدُ الْمُقِلِّ وَوُسْعُ الطَّاقَةِ . فَنَسْتَعِينُ اللَّهَ وَنَسْتَهْدِيهِ مُسْتَرْشِدِينَ بِمَا قَدَّمَهُ الشَّيْخُ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ فِي سُورَتَيِ الْفَاتِحَةِ
وَهُودٍ ، ثُمَّ نُورِدُ وُجْهَةَ نَظَرٍ فِي السُّورَتَيْنِ مَعًا الْفَلَقِ وَالنَّاسِ ، ثُمَّ مِنْهُمَا وَفِي
nindex.php?page=treesubj&link=28881نَسَقِ الْمُصْحَفِ الشَّرِيفِ ، آمِلٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَرَاجٍ تَوْفِيقَهُ وَمَعُونَتَهُ .
[ ص: 172 ] أَمَّا الْإِحَالَةُ فَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مُوجِبَهَا هُوَ أَنَّهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ اجْتَمَعَتْ ثَلَاثُ صِفَاتٍ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ صِفَاتِ الْعَظَمَةِ وَالْكَمَالِ : " رَبِّ النَّاسِ " ، مَلِكِ النَّاسِ ، إِلَهِ النَّاسِ " ، وَلَكَأَنَّهَا لِأَوَّلِ وَهْلَةٍ تُشِيرُ إِلَى الرَّبِّ الْمَلِكِ هُوَ الْإِلَهُ الْحَقُّ الَّذِي يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ وَحْدَهُ .
وَلَعَلَّهُ مَا يُرْشِدُ إِلَيْهِ مَضْمُونُ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ قَبْلَهَا : هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ، اللَّهُ الصَّمَدُ ، وَهَذَا هُوَ مَنْطِقُ الْعَقْلِ وَالْقَوْلُ الْحَقُّ ; لِأَنَّ مُقْتَضَى الْمُلْكِ يَسْتَلْزِمُ الْعُبُودِيَّةَ ، وَالْعُبُودِيَّةَ تَسْتَلْزِمُ التَّأْلِيهَ وَالتَّوْحِيدَ فِي الْأُلُوهِيَّةِ ; لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمَمْلُوكَ تَجِبُ عَلَيْهِ الطَّاعَةُ وَالسَّمْعُ لِمَالِكِهِ بِمُجَرَّدِ الْمُلْكِ ، وَإِنْ كَانَ مَالِكُهُ عَبْدًا مِثْلَهُ ، فَكَيْفَ بِالْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ لِرَبِّهِ وَإِلَهِهِ ، وَكَيْفَ بِالْمَالِكِ الْإِلَهِ الْوَاحِدِ الْأَحَدِ الْفَرْدِ الصَّمَدِ ؟
وَقَدْ جَاءَتْ تِلْكَ الصِّفَاتُ الثَّلَاثُ : الرَّبُّ الْمَلِكُ الْإِلَهُ ، فِي أَوَّلِ افْتِتَاحِيَّةِ أَوَّلِ الْمُصْحَفِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=3الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=4مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [ 1 \ 2 - 4 ] ، وَالْقِرَاءَةُ الْأُخْرَى : " مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ " [ 1 \ 4 ] .
وَفِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ أَوَّلُ نِدَاءٍ يُوَجَّهُ لِلنَّاسِ بِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ ، لِأَنَّهُ رَبُّهُمْ مَعَ بَيَانِ الْمُوجِبَاتِ لِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=21يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [ 2 \ 21 ] .
ثُمَّ بَيَّنَ الْمُوجِبَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=21الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [ 2 \ 21 ] .
وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=22الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ [ 2 \ 22 ] .
وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ آثَارِ الرُّبُوبِيَّةِ وَاسْتِحْقَاقِهِ تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ الْعِبَادَةَ ، ثُمَّ بَيَّنَ مُوجِبَ إِفْرَادِهِ وَحْدَهُ بِذَلِكَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=22فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [ 2 \ 22 ] .
أَيْ : كَمَا أَنَّهُ لَا نِدَّ لَهُ فِي الْخَلْقِ وَلَا فِي الرِّزْقِ وَلَا فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرَ ، فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا أَيْضًا فِي عِبَادَةٍ ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ حَقِيقَةَ ذَلِكَ .
وَعِبَادَتُهُ تَعَالَى وَحْدَهُ وَنَفْيُ الْأَنْدَادِ ، هُوَ مَا قَالَ عَنْهُ الشَّيْخُ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ : مَعْنَى لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا .
فَالْإِثْبَاتُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36وَاعْبُدُوا اللَّهَ [ 5 \ 72 ] .
[ ص: 173 ] وَالنَّفْيُ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=22فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا .
وَكَوْنُ الرُّبُوبِيَّةِ تَسْتَوْجِبُ الْعِبَادَةَ ، جَاءَ صَرِيحًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=3فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=4الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ [ 106 \ 3 - 4 ] .
فَالْمَوْصُولُ وَصِلَتُهُ فِي مَعْنَى التَّعْلِيلِ لِمُوجِبِ الْعِبَادَةِ ، وَسَيَأْتِي لِذَلِكَ زِيَادَةُ إِيضَاحٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي نِهَايَةِ السُّورَةِ .
وَقَدْ جَاءَ هُنَا لَفْظُ : رَبِّ النَّاسِ ، بِإِضَافَةِ الرَّبِّ إِلَى النَّاسِ ، بِمَا يُشْعِرُ بِالِاخْتِصَاصِ ، مَعَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَرَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ، كَمَا فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
وَفِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=164قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ [ 6 \ 164 ] .
فَالْإِضَافَةُ هُنَا إِلَى بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ .
وَقَدْ أُضِيفَ إِلَى بَعْضِ أَفْرَادٍ أُخْرَى كَالسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَغَيْرِهَا مِنْ بَعْضِ كُلِّ شَيْءٍ ، كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=16قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ [ 13 \ 16 ] .
وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=9رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا [ 73 \ 9 ] .
وَإِلَى الْبَيْتِ
nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=3فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ [ 106 \ 3 ] .
وَإِلَى الْبَلَدِ الْحَرَامِ
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=91إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ [ 27 \ 91 ] .
وَإِلَى الْعَرْشِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=116رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ [ 23 \ 116 ] .
وَإِلَى الرَّسُولِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=106اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [ 6 \ 106 ] .
وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=3وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ [ 47 \ 3 ] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ .
وَلَكِنْ يُلَاحَظُ أَنَّهُ مَعَ كُلِّ إِضَافَةٍ مِنْ ذَلِكَ مَا يُفِيدُ الْعُمُومَ ، وَأَنَّهُ مَعَ إِضَافَتِهِ لِفَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْعُمُومِ ، فَهُوَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ، وَرَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ، فَفِي إِضَافَتِهِ إِلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاءَ مَعَهَا قُلِ اللَّهُ .
وَفِي الْإِضَافَةِ إِلَى الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ جَاءَ
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=9لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا [ 73 \ 9 ] .
[ ص: 174 ] وَفِي الْإِضَافَةِ إِلَى الْبَيْتِ جَاءَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=4الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ .
وَفِي الْإِضَافَةِ إِلَى الْبَلْدَةِ جَاءَ
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=91الَّذِي حَرَّمَهَا [ 27 \ 91 ] ، وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَفِي الْإِضَافَةِ إِلَى الْعَرْشِ جَاءَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=116فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ [ 23 \ 116 ] .
وَفِي الْإِضَافَةِ إِلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=3مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ [ 93 \ 3 ] ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْإِضَافَةِ إِلَى أَيِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْعُمُومِ يَأْتِي مَعَهَا مَا يُفِيدُ الْعُمُومَ ، وَأَنَّ اللَّهَ رَبُّ الْعَالَمِينَ .
وَهُنَا رَبُّ النَّاسِ جَاءَ مَعَهَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=114&ayano=2مَلِكِ النَّاسِ nindex.php?page=tafseer&surano=114&ayano=3إِلَهِ النَّاسِ ، لِيُفِيدَ الْعُمُومَ أَيْضًا ; لِأَنَّ إِطْلَاقَ الرَّبِّ قَدْ يُشَارِكُ فِيهِ السَّيِّدُ الْمُطَاعُ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=31اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [ 9 \ 31 ] .
وَقَوْلِ
يُوسُفَ لِصَاحِبِهِ فِي السِّجْنِ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=42اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ [ 12 \ 42 ] ، أَيِ : الْمَلِكِ عَلَى أَظْهَرِ الْأَقْوَالِ ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=50ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ الْآيَةَ [ 12 \ 50 ] .
فَجَاءَ بِالْمَلِكِ وَالْإِلَهِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْعُمُومِ ، فِي مَعْنَى رَبِّ النَّاسِ ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَرَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ، وَلَكِنَّ إِضَافَتَهُ هُنَا إِلَى خُصُوصِ النَّاسِ إِشْعَارٌ بِمَزِيدِ اخْتِصَاصٍ ، وَرِعَايَةُ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ لِعَبْدِهِ الَّذِي دَعَاهُ إِلَيْهِ لِيَسْتَعِيذَ بِهِ مِنْ عَدُوِّهِ ، كَمَا أَنَّ فِيهِ تَقْوِيَةَ رَجَاءِ الْعَبْدِ فِي رَبِّهِ بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ بِرُبُوبِيَّتِهِ سَيَحْمِي عَبْدَهُ لِعُبُودِيَّتِهِ وَيُعِيذُهُ مِمَّا اسْتَعَاذَ بِهِ مِنْهُ .
وَيُقَوِّي هَذَا الِاخْتِصَاصَ إِضَافَةُ الرَّبِّ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَمِيعِ أَطْوَارِهِ مُنْذُ الْبَدْأَيْنِ : بَدْءُ الْخِلْقَةِ وَبَدْءُ الْوَحْيِ ، فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=1اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=2خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ [ 96 \ 1 - 2 ] ، ثُمَّ فِي نَشْأَتِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=3مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=6أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=7وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=8وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى [ 93 \ 3 - 8 ] .
وَجَعَلَ الرَّغْبَةَ إِلَيْهِ فِي السُّورَةِ بَعْدَهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=8وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ [ 94 \ 8 ] ، تَعْدَادَ النِّعَمِ عَلَيْهِ مِنْ شَرْحِ الصَّدْرِ ، وَوَضْعِ الْوِزْرِ ، وَرَفْعِ الذِّكْرِ ، ثُمَّ فِي الْمُنْتَهَى قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=8إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى [ 96 \ 8 ] .