[ ص: 344 ] بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الحج
nindex.php?page=treesubj&link=28993قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=39أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا .
هذه الآية الكريمة تدل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=29299قتال الكفار مأذون فيه لا واجب ، وقد جاءت آيات تدل على وجوبه كقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين الآية [ 9 \ 5 ] .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=36وقاتلوا المشركين كافة الآية [ 9 \ 36 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
والجواب ظاهر ، وهو أنه أذن فيه أولا من غير إيجاب ، ثم أوجب بعد ذلك كما تقدم في سورة " البقرة " ، ويدل لهذا ما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=16561وعروة بن الزبير nindex.php?page=showalam&ids=15944وزيد بن أسلم nindex.php?page=showalam&ids=17132ومقاتل بن حيان وقتادة ومجاهد والضحاك وغير واحد ، كما نقله عنهم
ابن كثير وغيره من أن آية :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=39أذن للذين يقاتلون هي
nindex.php?page=treesubj&link=29299_34020أول آية نزلت في الجهاد ، والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=46فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور .
ظاهر هذه الآية أن الأبصار لا تعمى ، وقد جاءت آيات أخر تدل على عمى الأبصار كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=23أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم [ 47 \ 23 ] ، وكقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=61ليس على الأعمى حرج [ 24 \ 61 ] .
والجواب أن التمييز بين الحق والباطل ، وبين الضار والنافع ، وبين القبيح والحسن ، لما كان كله بالبصائر لا بالأبصار ، صار العمى الحقيقي هو عمى البصائر لا عمى الأبصار ، ألا ترى أن صحة العينين لا تفيد مع عدم العقل كما هو ضروري ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=23فأصمهم وأعمى أبصارهم يعني بصائرهم أو أعمى أبصارهم عن الحق وإن رأت غيره .
[ ص: 345 ] قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=47وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون .
هذه الآية الكريمة تدل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=30362مقدار اليوم عند الله ألف سنة ، وكذلك قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=5يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون [ 32 \ 5 ] .
وقد جاءت آية أخرى تدل على خلاف ذلك ، هي قوله تعالى في سورة " سأل سائل " :
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=4تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة الآية [ 70 \ 4 ] .
اعلم أولا أن
أبا عبيدة روى عن
إسماعيل بن إبراهيم عن
أيوب عن
nindex.php?page=showalam&ids=12531ابن أبي مليكة أنه حضر كلا من
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب سئل عن هذه الآيات فلم يدر ما يقول فيها ، ويقول : لا أدري .
وللجمع بينهما وجهان :
الأول : هو ما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم من طريق
سماك عن
عكرمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، من أن يوم الألف في سورة " الحج " هو أحد الأيام الستة التي خلق الله فيها السماوات والأرض ، ويوم الألف في سورة " السجدة " ، هو مقدار سير الأمر وعروجه إليه تعالى ، ويوم الخمسين ألفا هو يوم القيامة .
الوجه الثاني : أن المراد بجميعها يوم القيامة ، وأن الاختلاف باعتبار حال المؤمن والكافر ، ويدل لهذا قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=9فذلك يومئذ يوم عسير nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=10على الكافرين غير يسير [ 74 \ 9 - 10 ] ، ذكر هذين الوجهين صاحب الإتقان ، والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=52وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته الآية .
هذه الآية الكريمة تدل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=31788كل رسول وكل نبي يلقي الشيطان في أمنيته ، أي تلاوته إذا تلا .
ومنه قول الشاعر في
عثمان رضي الله عنه :
تمنى كتاب الله أول ليلة وآخرها لاقى حمام المقادر
[ ص: 346 ] وقول الآخر :
تمنى كتاب الله آخر ليلة تمني داود الزبور على رسل
ومعنى تمنى في البيتين قرأ وتلا ، وفي صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=52إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته ، إذا حدث ألقى الشيطان في حديثه .
وقال بعض العلماء :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=52إذا تمنى أحب شيئا وأراده ، فكل نبي يتمنى إيمان أمته ، والشيطان يلقي عليهم الوساوس والشبه ، ليصدهم عن سبيل الله ، وعلى أن تمنى بمعنى قرأ وتلا ، كما عليه الجمهور ، فمعنى إلقاء الشيطان في تلاوته ، إلقاؤه الشبه والوساوس فيما يتلوه النبي ليصد الناس عن الإيمان به ، أو إلقاؤه في المتلو ما ليس منه ليظن الكفار أنه منه .
وهذه الآية لا تعارض بينها وبين الآية المصرحة بأن الشيطان لا سلطان له على عباد الله المؤمنين المتوكلين ، ومعلوم أن خيارهم الأنبياء كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=99إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=100إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون [ 16 \ 99 - 100 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=42إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين [ 15 \ 42 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=82فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين [ 38 \ 82 - 83 ] . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=22وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي [ 14 22 ] .
ووجه كون الآيات لا تعارض بينها ، أن سلطان الشيطان المنفي عن المؤمنين المتوكلين في معناه وجهان للعلماء :
الأول : أن معنى السلطان الحجة الواضحة ، وعليه فلا إشكال ، إذ لا حجة مع الشيطان البتة ، كما اعترف به فيما ذكر الله عنه في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=22وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي .
الثاني : أن معناه أنه لا تسلط له عليهم بإيقاعهم في ذنب يهلكون به ولا يتوبون منه ، فلا ينافي هذا ما وقع من
آدم وحواء وغيرهما ، فإنه ذنب مغفور لوقوع التوبة منه ، فإلقاء الشيطان في أمنية النبي سواء فسرناها بالقراءة أو التمني لإيمان أمته ، لا يتضمن
[ ص: 347 ] سلطانا للشيطان على النبي ، بل من جنس الوسوسة وإلقاء الشبه لصد الناس عن الحق كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=24وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل الآية [ 27 \ 24 ] .
فإن قيل : ذكر كثير من المفسرين أن سبب نزول هذه الآية الكريمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة " النجم ،
بمكة ، فلما بلغ :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=19أفرأيتم اللات والعزى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=20ومناة الثالثة الأخرى [ 53 \ 19 - 20 ] ، ألقى الشيطان على لسانه : تلك الغرانيق العلا ، وإن شفاعتهن لترجى ، فلما بلغ آخر السورة سجد وسجد معه المشركون والمسلمون ، وقال المشركون : ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم ، وشاع في الناس أن أهل
مكة أسلموا بسبب سجودهم مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى رجع
المهاجرون من
الحبشة ، ظنا منهم أن قومهم أسلموا ، فوجدوهم على كفرهم .
وعلى هذا الذي ذكره كثير من المفسرين ، فسلطان الشيطان بلغ إلى حد أدخل به في القرآن ، على لسان النبي صلى الله عليه وسلم الكفر البواح ، حسبما يقتضيه ظاهر القصة المزعومة .
فالجواب أن
nindex.php?page=treesubj&link=32452_28861_28901قصة الغرانيق مع استحالتها شرعا لم تثبت من طريق صالح للاحتجاج ، وصرح بعدم ثبوتها خلق كثير من العلماء ، كما بيناه بيانا شافيا في رحلتنا .
والمفسرون يروون هذه القصة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس من طريق
الكلبي عن
أبي صالح عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما ، ومعلوم أن
الكلبي متروك .
وقد بين
البزار أنها لا تعرف من طريق يجوز ذكره إلا طريق
أبي بشر عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير مع الشك الذي وقع في وصله .
وقد اعترف الحافظ
ابن حجر مع انتصاره لثبوت هذه القصة ، بأن طرقها كلها ، إما منقطعة أو ضعيفة ، إلا طريق
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير .
وإذا علمت ذلك فاعلم أن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير لم يروها بها أحد متصلة إلا
أمية بن خالد ، وهو وإن كان ثقة فقد شك في وصلها ، فقد أخرج
البزار وابن مردويه من طريق
أمية بن خالد عن
شعبة عن
أبي بشر عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس فيما أحسب ، ثم ساق حديث القصة المذكورة ، وقال :
البزار لا يروى متصلا إلا بهذا الإسناد ، تفرد بوصله
أمية بن خالد ، وهو ثقة مشهور .
وقال
البزار : وإنما يروى من طريق
الكلبي عن
أبي صالح عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
والكلبي [ ص: 348 ] متروك ، فتحصل أن قصة الغرانيق لم ترد متصلة إلا من هذا الطريق الذي شك راويه في الوصل ، وما كان كذلك فضعفه ظاهر .
ولذا قال الحافظ
ابن كثير في تفسيره إنه لم يرها مسندة من وجه صحيح . وقال العلامة
الشوكاني في هذه القصة : ولم يصح شيء من هذا ولا ثبت بوجه من الوجوه ومع عدم صحته بل بطلانه ، فقد دفعه المحققون بكتاب الله كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=44ولو تقول علينا بعض الأقاويل الآية [ 69 \ 44 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=3وما ينطق عن الهوى [ 53 3 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=74ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم الآية [ 17 ] .
فنفى المقاربة للركون فضلا عن الركون ، ثم ذكر
الشوكاني عن
البزار أنها لا تروى بإسناد متصل ، وعن
البيهقي أنه قال : هي غير ثابتة من جهة النقل .
وذكر عن إمام الأئمة
nindex.php?page=showalam&ids=13114ابن خزيمة أن هذه القصة من وضع الزنادقة ، وأبطلها
عياض وابن العربي المالكيين
nindex.php?page=showalam&ids=16785والفخر الرازي وجماعات كثيرة .
ومن أصرح الأدلة القرآنية في بطلانها أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بعد ذلك في سورة " النجم " قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=23إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان [ 53 \ 23 ] ، فلو فرضنا أنه قال تلك الغرانيق العلا ، ثم أبطل ذلك بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=23إن هي إلا أسماء سميتموها فكيف يفرح المشركون بعد هذا الإبطال والذم التام لأصنامهم ، بأنها أسماء بلا مسميات ، وهذا هو الأخير .
وقراءته صلى الله عليه وسلم سورة " النجم "
بمكة وسجود المشركين ثابت في الصحيح ، ولم يذكر فيه شيء من قصة الغرانيق ، وعلى القول ببطلانها فلا إشكال .
وأما على القول بثبوت القصة ، كما هو رأي الحافظ
ابن حجر ، فإنه قال في فتح الباري : إن هذه القصة ثبتت بثلاثة أسانيد ، كلها على شرط الصحيح ، وهي مراسيل يحتج بمثلها من يحتج بالمرسل وكذا من لا يحتج به لاعتضاد بعضها ببعض لأن الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها ، دل ذلك على أن لها أصلا .
فللعلماء عن ذلك أجوبة كثيرة ، من أحسنها وأقربها ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرتل السورة ترتيلا تتخلله سكتات فلما قرأ :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=20ومناة الثالثة الأخرى ، قال الشيطان لعنه الله محاكيا
[ ص: 349 ] لصوته صلى الله عليه وسلم : تلك الغرانيق العلا إلخ . . . فظن المشركون أن الصوت صوته صلى الله عليه وسلم ، وهو بريء من ذلك براءة الشمس من اللمس .
وقد بينا هذه المسألة بيانا شافيا في رحلتنا ، فلذلك اختصرناها هنا ، فظهر أنه لا تعارض بين الآيات ، والعلم عند الله تعالى .
[ ص: 344 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُورَةُ الْحَجِّ
nindex.php?page=treesubj&link=28993قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=39أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا .
هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29299قِتَالَ الْكُفَّارِ مَأْذُونٌ فِيهِ لَا وَاجِبٌ ، وَقَدْ جَاءَتْ آيَاتٌ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهِ كَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ الْآيَةَ [ 9 \ 5 ] .
وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=36وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً الْآيَةَ [ 9 \ 36 ] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ .
وَالْجَوَابُ ظَاهِرٌ ، وَهُوَ أَنَّهُ أَذِنَ فِيهِ أَوَّلًا مِنْ غَيْرِ إِيجَابٍ ، ثُمَّ أَوْجَبَ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ " الْبَقَرَةِ " ، وَيَدُلُّ لِهَذَا مَا قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=16561وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ nindex.php?page=showalam&ids=15944وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ nindex.php?page=showalam&ids=17132وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ وَقَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ ، كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمُ
ابْنُ كَثِيرٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّ آيَةَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=39أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ هِيَ
nindex.php?page=treesubj&link=29299_34020أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْجِهَادِ ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=46فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ .
ظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الْأَبْصَارَ لَا تَعْمَى ، وَقَدْ جَاءَتْ آيَاتٌ أُخَرُ تَدُلُّ عَلَى عَمَى الْأَبْصَارِ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=23أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [ 47 \ 23 ] ، وَكَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=61لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ [ 24 \ 61 ] .
وَالْجَوَابُ أَنَّ التَّمْيِيزَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ ، وَبَيْنَ الضَّارِّ وَالنَّافِعِ ، وَبَيْنَ الْقَبِيحِ وَالْحَسَنِ ، لَمَّا كَانَ كُلُّهُ بِالْبَصَائِرِ لَا بِالْأَبْصَارِ ، صَارَ الْعَمَى الْحَقِيقِيُّ هُوَ عَمَى الْبَصَائِرِ لَا عَمَى الْأَبْصَارِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ صِحَّةَ الْعَيْنَيْنِ لَا تُفِيدُ مَعَ عَدَمِ الْعَقْلِ كَمَا هُوَ ضَرُورِيٌّ ، وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=23فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ يَعْنِي بَصَائِرَهُمْ أَوْ أَعْمَى أَبْصَارَهُمْ عَنِ الْحَقِّ وَإِنْ رَأَتْ غَيْرَهُ .
[ ص: 345 ] قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=47وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ .
هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30362مِقْدَارَ الْيَوْمِ عِنْدَ اللَّهِ أَلْفُ سَنَةٍ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=5يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ [ 32 \ 5 ] .
وَقَدْ جَاءَتْ آيَةٌ أُخْرَى تَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ ، هِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ " سَأَلَ سَائِلٌ " :
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=4تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ الْآيَةَ [ 70 \ 4 ] .
اعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّ
أَبَا عُبَيْدَةَ رَوَى عَنْ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ
أَيُّوبَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12531ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّهُ حَضَرَ كُلًّا مِنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=15990وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَاتِ فَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ فِيهَا ، وَيَقُولُ : لَا أَدْرِي .
وَلِلْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَجْهَانِ :
الْأَوَّلُ : هُوَ مَا أَخْرَجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ
سِمَاكٍ عَنْ
عِكْرِمَةَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ، مِنْ أَنَّ يَوْمَ الْأَلْفِ فِي سُورَةِ " الْحَجِّ " هُوَ أَحَدُ الْأَيَّامِ السِّتَّةِ الَّتِي خَلَقَ اللَّهُ فِيهَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ، وَيَوْمُ الْأَلْفِ فِي سُورَةِ " السَّجْدَةِ " ، هُوَ مِقْدَارُ سَيْرِ الْأَمْرِ وَعُرُوجِهِ إِلَيْهِ تَعَالَى ، وَيَوْمُ الْخَمْسِينَ أَلْفًا هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ .
الْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ الْمُرَادَ بِجَمِيعِهَا يَوْمُ الْقِيَامَةِ ، وَأَنَّ الِاخْتِلَافَ بِاعْتِبَارِ حَالِ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ ، وَيَدُلُّ لِهَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=9فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=10عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ [ 74 \ 9 - 10 ] ، ذَكَرَ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ صَاحِبُ الْإِتْقَانِ ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=52وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ الْآيَةَ .
هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=31788كُلَّ رَسُولٍ وَكُلَّ نَبِيٍّ يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ، أَيْ تِلَاوَتِهِ إِذَا تَلَا .
وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ فِي
عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :
تَمَنَّى كِتَابَ اللَّهِ أَوَّلَ لَيْلَةٍ وَآخِرَهَا لَاقَى حِمَامَ الْمَقَادِرِ
[ ص: 346 ] وَقَوْلُ الْآخَرِ :
تَمَنَّى كِتَابَ اللَّهِ آخِرَ لَيْلَةٍ تَمَنِّيَ دَاوُدَ الزَّبُورَ عَلَى رِسْلِ
وَمَعْنَى تَمَنَّى فِي الْبَيْتَيْنِ قَرَأَ وَتَلَا ، وَفِي صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=52إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ، إِذَا حَدَّثَ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي حَدِيثِهِ .
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=52إِذَا تَمَنَّى أَحَبَّ شَيْئًا وَأَرَادَهُ ، فَكُلُّ نَبِيٍّ يَتَمَنَّى إِيمَانَ أُمَّتِهِ ، وَالشَّيْطَانُ يُلْقِي عَلَيْهِمُ الْوَسَاوِسَ وَالشُّبَهَ ، لِيَصُدَّهُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ، وَعَلَى أَنَّ تَمَنَّى بِمَعْنَى قَرَأَ وَتَلَا ، كَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ ، فَمَعْنَى إِلْقَاءِ الشَّيْطَانِ فِي تِلَاوَتِهِ ، إِلْقَاؤُهُ الشُّبَهَ وَالْوَسَاوِسَ فِيمَا يَتْلُوهُ النَّبِيُّ لِيَصُدَّ النَّاسَ عَنِ الْإِيمَانِ بِهِ ، أَوْ إِلْقَاؤُهُ فِي الْمَتْلُوِّ مَا لَيْسَ مِنْهُ لِيَظُنَّ الْكُفَّارُ أَنَّهُ مِنْهُ .
وَهَذِهِ الْآيَةُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْآيَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِأَنَّ الشَّيْطَانَ لَا سُلْطَانَ لَهُ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَوَكِّلِينَ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ خِيَارَهُمُ الْأَنْبِيَاءُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=99إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=100إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ [ 16 \ 99 - 100 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=42إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ [ 15 \ 42 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=82فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [ 38 \ 82 - 83 ] . وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=22وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي [ 14 22 ] .
وَوَجْهُ كَوْنِ الْآيَاتِ لَا تَعَارُضَ بَيْنَهَا ، أَنَّ سُلْطَانَ الشَّيْطَانِ الْمَنْفِيَّ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَوَكِّلِينَ فِي مَعْنَاهُ وَجْهَانِ لِلْعُلَمَاءِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ مَعْنَى السُّلْطَانِ الْحُجَّةُ الْوَاضِحَةُ ، وَعَلَيْهِ فَلَا إِشْكَالَ ، إِذْ لَا حُجَّةَ مَعَ الشَّيْطَانِ الْبَتَّةَ ، كَمَا اعْتَرَفَ بِهِ فِيمَا ذَكَرَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=22وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي .
الثَّانِي : أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا تَسَلُّطَ لَهُ عَلَيْهِمْ بِإِيقَاعِهِمْ فِي ذَنْبٍ يَهْلَكُونَ بِهِ وَلَا يَتُوبُونَ مِنْهُ ، فَلَا يُنَافِي هَذَا مَا وَقَعَ مِنْ
آدَمَ وَحَوَّاءَ وَغَيْرِهِمَا ، فَإِنَّهُ ذَنْبٌ مَغْفُورٌ لِوُقُوعِ التَّوْبَةِ مِنْهُ ، فَإِلْقَاءُ الشَّيْطَانِ فِي أُمْنِيَّةِ النَّبِيِّ سَوَاءٌ فَسَّرْنَاهَا بِالْقِرَاءَةِ أَوِ التَّمَنِّي لِإِيمَانِ أُمَّتِهِ ، لَا يَتَضَمَّنُ
[ ص: 347 ] سُلْطَانًا لِلشَّيْطَانِ عَلَى النَّبِيِّ ، بَلْ مِنْ جِنْسِ الْوَسْوَسَةِ وَإِلْقَاءِ الشُّبَهِ لِصَدِّ النَّاسِ عَنِ الْحَقِّ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=24وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ الْآيَةَ [ 27 \ 24 ] .
فَإِنْ قِيلَ : ذَكَرَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ سُورَةَ " النَّجْمِ ،
بِمَكَّةَ ، فَلَمَّا بَلَغَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=19أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=20وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى [ 53 \ 19 - 20 ] ، أَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ : تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَا ، وَإِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ لَتُرْجَى ، فَلَمَّا بَلَغَ آخِرَ السُّورَةِ سَجَدَ وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُشْرِكُونَ وَالْمُسْلِمُونَ ، وَقَالَ الْمُشْرِكُونَ : مَا ذَكَرَ آلِهَتَنَا بِخَيْرٍ قَبْلَ الْيَوْمِ ، وَشَاعَ فِي النَّاسِ أَنَّ أَهْلَ
مَكَّةَ أَسْلَمُوا بِسَبَبِ سُجُودِهِمْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى رَجَعَ
الْمُهَاجِرُونَ مِنَ
الْحَبَشَةِ ، ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ قَوْمَهُمْ أَسْلَمُوا ، فَوَجَدُوهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ .
وَعَلَى هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ ، فَسُلْطَانُ الشَّيْطَانِ بَلَغَ إِلَى حَدٍّ أَدْخَلَ بِهِ فِي الْقُرْآنِ ، عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكُفْرَ الْبَوَاحَ ، حَسْبَمَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ الْقِصَّةِ الْمَزْعُومَةِ .
فَالْجَوَابُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32452_28861_28901قِصَّةَ الْغَرَانِيقِ مَعَ اسْتِحَالَتِهَا شَرْعًا لَمْ تَثْبُتْ مِنْ طَرِيقٍ صَالِحٍ لِلِاحْتِجَاجِ ، وَصَرَّحَ بِعَدَمِ ثُبُوتِهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ ، كَمَا بَيَّنَّاهُ بَيَانًا شَافِيًا فِي رِحْلَتِنَا .
وَالْمُفَسِّرُونَ يَرْوُونَ هَذِهِ الْقِصَّةَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ طَرِيقِ
الْكَلْبِيِّ عَنْ
أَبِي صَالِحٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ
الْكَلْبِيَّ مَتْرُوكٌ .
وَقَدْ بَيَّنَ
الْبَزَّارُ أَنَّهَا لَا تُعْرَفُ مِنْ طَرِيقٍ يَجُوزُ ذِكْرُهُ إِلَّا طَرِيقَ
أَبِي بِشْرٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مَعَ الشَّكِّ الَّذِي وَقَعَ فِي وَصْلِهِ .
وَقَدِ اعْتَرَفَ الْحَافِظُ
ابْنُ حَجَرٍ مَعَ انْتِصَارِهِ لِثُبُوتِ هَذِهِ الْقِصَّةِ ، بِأَنَّ طُرُقَهَا كُلَّهَا ، إِمَّا مُنْقَطِعَةٌ أَوْ ضَعِيفَةٌ ، إِلَّا طَرِيقَ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ .
وَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّ طَرِيقَ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ لَمْ يَرْوِهَا بِهَا أَحَدٌ مُتَّصِلَةً إِلَّا
أُمَيَّةَ بْنَ خَالِدٍ ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ ثِقَةً فَقَدْ شَكَّ فِي وَصْلِهَا ، فَقَدْ أَخْرَجَ
الْبَزَّارُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ
أُمَيَّةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ
شُعْبَةَ عَنْ
أَبِي بِشْرٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ فِيمَا أَحْسَبُ ، ثُمَّ سَاقَ حَدِيثَ الْقِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ ، وَقَالَ :
الْبَزَّارُ لَا يُرْوَى مُتَّصِلًا إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ ، تَفَرَّدَ بِوَصْلِهِ
أُمَيَّةُ بْنُ خَالِدٍ ، وَهُوَ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ .
وَقَالَ
الْبَزَّارُ : وَإِنَّمَا يُرْوَى مِنْ طَرِيقِ
الْكَلْبِيِّ عَنْ
أَبِي صَالِحٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ،
وَالْكَلْبِيُّ [ ص: 348 ] مَتْرُوكٌ ، فَتَحَصَّلَ أَنَّ قِصَّةَ الْغَرَانِيقِ لَمْ تَرِدْ مُتَّصِلَةً إِلَّا مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ الَّذِي شَكَّ رَاوِيهِ فِي الْوَصْلِ ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَضَعْفُهُ ظَاهِرٌ .
وَلِذَا قَالَ الْحَافِظُ
ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ إِنَّهُ لَمْ يَرَهَا مَسْنَدَةً مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ . وَقَالَ الْعَلَّامَةُ
الشَّوْكَانِيُّ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ : وَلَمْ يَصِحَّ شَيْءٌ مِنْ هَذَا وَلَا ثَبَتَ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ وَمَعَ عَدَمِ صِحَّتِهِ بَلْ بُطْلَانُهُ ، فَقَدْ دَفَعَهُ الْمُحَقِّقُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=44وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ الْآيَةَ [ 69 \ 44 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=3وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى [ 53 3 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=74وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ الْآيَةَ [ 17 ] .
فَنَفَى الْمُقَارَبَةَ لِلرُّكُونِ فَضْلًا عَنِ الرُّكُونِ ، ثُمَّ ذَكَرَ
الشَّوْكَانِيُّ عَنِ
الْبَزَّارِ أَنَّهَا لَا تُرْوَى بِإِسْنَادٍ مُتَّصِلٍ ، وَعَنِ
الْبَيْهَقِيِّ أَنَّهُ قَالَ : هِيَ غَيْرُ ثَابِتَةٍ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ .
وَذُكِرَ عَنْ إِمَامِ الْأَئِمَّةِ
nindex.php?page=showalam&ids=13114ابْنِ خُزَيْمَةَ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ مِنْ وَضْعِ الزَّنَادِقَةِ ، وَأَبْطَلَهَا
عِيَاضٌ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيَّيْنِ
nindex.php?page=showalam&ids=16785وَالْفَخْرُ الرَّازِيُّ وَجَمَاعَاتٌ كَثِيرَةٌ .
وَمِنْ أَصْرَحِ الْأَدِلَّةِ الْقُرْآنِيَّةِ فِي بُطْلَانِهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي سُورَةِ " النَّجْمِ " قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=23إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ [ 53 \ 23 ] ، فَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّهُ قَالَ تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَا ، ثُمَّ أَبْطَلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=23إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا فَكَيْفَ يَفْرَحُ الْمُشْرِكُونَ بَعْدَ هَذَا الْإِبْطَالِ وَالذَّمِّ التَّامِّ لِأَصْنَامِهِمْ ، بِأَنَّهَا أَسْمَاءٌ بِلَا مُسَمَّيَاتٍ ، وَهَذَا هُوَ الْأَخِيرُ .
وَقِرَاءَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُورَةَ " النَّجْمِ "
بِمَكَّةَ وَسُجُودُ الْمُشْرِكِينَ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحِ ، وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ قِصَّةِ الْغَرَانِيقِ ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِبُطْلَانِهَا فَلَا إِشْكَالَ .
وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِثُبُوتِ الْقِصَّةِ ، كَمَا هُوَ رَأْيُ الْحَافِظِ
ابْنِ حَجَرٍ ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي : إِنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ ثَبَتَتْ بِثَلَاثَةِ أَسَانِيدَ ، كُلُّهَا عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ ، وَهِيَ مَرَاسِيلُ يَحْتَجُّ بِمِثْلِهَا مَنْ يَحْتَجُّ بِالْمُرْسَلِ وَكَذَا مَنْ لَا يَحْتَجُّ بِهِ لِاعْتِضَادِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ لِأَنَّ الطُّرُقَ إِذَا كَثُرَتْ وَتَبَايَنَتْ مَخَارِجُهَا ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ لَهَا أَصْلًا .
فَلِلْعُلَمَاءِ عَنْ ذَلِكَ أَجْوِبَةٌ كَثِيرَةٌ ، مِنْ أَحْسَنِهَا وَأَقْرَبِهَا ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُرَتِّلُ السُّورَةَ تَرْتِيلًا تَتَخَلَّلُهُ سَكَتَاتٌ فَلَمَّا قَرَأَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=20وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى ، قَالَ الشَّيْطَانُ لَعَنَهُ اللَّهُ مُحَاكِيًا
[ ص: 349 ] لِصَوْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعَلَا إلخ . . . فَظَنَّ الْمُشْرِكُونَ أَنَّ الصَّوْتَ صَوْتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ ذَلِكَ بَرَاءَةَ الشَّمْسِ مِنَ اللَّمْسِ .
وَقَدْ بَيَّنَّا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بَيَانًا شَافِيًا فِي رِحْلَتِنَا ، فَلِذَلِكَ اخْتَصَرْنَاهَا هُنَا ، فَظَهَرَ أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْآيَاتِ ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .