[ ص: 375 ] بسم الله الرحمن الرحيم
سورة فاطر
nindex.php?page=treesubj&link=29006قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=11وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب .
الضمير في قوله : " عمره " يظهر رجوعه إلى المعمر ، فيشكل معنى الآية ، لأن المعمر والمنقوص من عمره ضدان ، فيظهر تنافي الضمير ومفسره .
والجواب أن المراد بالمعمر هنا جنس المعمر الذي هو مطلق الشخص ، فيصدق بالذي لم ينقص من عمره ، وبالذي نقص من عمره ، فصار المعنى :
nindex.php?page=treesubj&link=28782لا يزاد في عمر شخص ولا ينقص من عمر شخص إلا في كتاب .
وهذه المسألة هي المعروفة عند علماء العربية بمسألة : عندي درهم ونصفه ، أي نصف درهم آخر .
قال
ابن كثير في تفسيره : الضمير عائد على الجنس لا على العين ، لأن طويل العمر في الكتاب وفي علم الله لا ينقص من عمره ، وإنما عاد الضمير على الجنس ، انتهى منه .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=43ومكر السيئ .
يدل على أن المكر هنا شيء غير السيئ أضيف إلى السيئ للزوم المغايرة بين المضاف والمضاف إليه .
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=43ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله [ 35 \ 43 ] ، يدل على أن المراد بالمنكر هنا هو السيئ بعينه لا شيء آخر ، فالتنافي بين التركيب الإضافي والتركيب التقييدي ظاهر .
والذي يظهر والله تعالى أعلم أن التحقيق جواز إضافة الشيء إلى نفسه إذا اختلفت الألفاظ ، لأن المغايرة بين الألفاظ ربما كفت في المغايرة بين المضاف والمضاف إليه ، كما جزم به
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير في تفسيره في غير هذا الموضع .
ويشير إليه
ابن مالك في الخلاصة بقوله :
[ ص: 376 ] وإن يكونا مفردين فأضف حتما وإلا أتبع الذي ردف
وأما قوله :
ولا يضاف اسم لما به اتحد معنى وأول موهما إذا ورد
فالذي يظهر فيه بعد البحث أنه لا حاجة إلى تأويله مع كثرته في القرءان واللغة العربية ، فالظاهر أنه أسلوب من أساليب العربية بدليل كثرة وروده ، كقوله هنا
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=43ومكر السيئ والمكر هو السيئ بدليل قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=43ولا يحيق المكر السيئ الآية ، وكقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=169والدار الآخرة [ 7 \ 169 ] ، والدار هي الآخرة ، وكقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185شهر رمضان [ 2 \ 185 ] ، والشهر هو رمضان على التحقيق ، وكقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=16من حبل الوريد [ 50 \ 16 ] ، والحبل هو الوريد .
ونظيره من كلام العرب قول
عنترة في معلقته :
ومشك سابغة هتكت فروجها بالسيف عن حامي الحقيقة معلم
فأصل المشك بالكسر السير الذي تشد به الدرع ، ولكن
عنترة هنا أراد به نفس الدرع وأضافه إليها ، كما هو واضح من كلامه ، لأن الحكم بهتك الفروج واقع على الدرع لا على السير الذي تشد به ، كما جزم به بعض المحققين وهو ظاهر خلافا لظاهر كلام صاحب تاج العروس ، فإنه أورد بيت
عنترة شاهدا لأن المشك السير الذي تشد به الدرع ، بل المشك في بيت
عنترة هذا على التحقيق هو السابغة وأضيف إليها على ما ذكرنا ، وقول
امرئ القيس :
كبكر المقاناة البياض بصفرة غذاها نمير الماء غير المحلل
فالبكر هي المقاناة على التحقيق ، وأما على ما ذهب إليه
ابن مالك فالجواب تأويل المضاف بأن المراد به مسمى المضاف إليه .
[ ص: 375 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُورَةُ فَاطِرٍ
nindex.php?page=treesubj&link=29006قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=11وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ .
الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ : " عُمُرِهِ " يَظْهَرُ رُجُوعُهُ إِلَى الْمُعَمَّرِ ، فَيُشْكِلُ مَعْنَى الْآيَةِ ، لِأَنَّ الْمُعَمَّرَ وَالْمَنْقُوصَ مَنْ عُمْرِهِ ضِدَّانِ ، فَيَظْهَرُ تَنَافِي الضَّمِيرِ وَمُفَسِّرِهِ .
وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُعَمَّرِ هُنَا جِنْسُ الْمُعَمَّرِ الَّذِي هُوَ مُطْلَقُ الشَّخْصِ ، فَيَصْدُقُ بِالَّذِي لَمْ يُنْقَصْ مِنْ عُمُرِهِ ، وَبِالَّذِي نَقَصَ مِنْ عُمُرِهِ ، فَصَارَ الْمَعْنَى :
nindex.php?page=treesubj&link=28782لَا يُزَادُ فِي عُمُرِ شَخْصٍ وَلَا يَنْقُصُ مِنْ عُمُرِ شَخْصٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ .
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ الْمَعْرُوفَةُ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ بِمَسْأَلَةِ : عِنْدِي دِرْهَمٌ وَنِصْفُهُ ، أَيْ نِصْفُ دِرْهَمٍ آخَرُ .
قَالَ
ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ : الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْجِنْسِ لَا عَلَى الْعَيْنِ ، لِأَنَّ طَوِيلَ الْعُمُرِ فِي الْكِتَابِ وَفِي عِلْمِ اللَّهِ لَا يَنْقُصُ مِنْ عُمُرِهِ ، وَإِنَّمَا عَادَ الضَّمِيرُ عَلَى الْجِنْسِ ، انْتَهَى مِنْهُ .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=43وَمَكْرَ السَّيِّئِ .
يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَكْرَ هُنَا شَيْءٌ غَيْرَ السَّيِّئِ أُضِيفَ إِلَى السَّيِّئِ لِلُزُومِ الْمُغَايَرَةِ بَيْنَ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إِلَيْهِ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=43وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ [ 35 \ 43 ] ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادِ بِالْمُنْكَرِ هُنَا هُوَ السَّيِّئُ بِعَيْنِهِ لَا شَيْءَ آخَرَ ، فَالتَّنَافِي بَيْنَ التَّرْكِيبِ الْإِضَافِيِّ وَالتَّرْكِيبِ التَّقْيِيدِيِّ ظَاهِرٌ .
وَالَّذِي يَظْهَرُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّ التَّحْقِيقَ جَوَازُ إِضَافَةِ الشَّيْءِ إِلَى نَفْسِهِ إِذَا اخْتَلَفَتِ الْأَلْفَاظُ ، لِأَنَّ الْمُغَايَرَةَ بَيْنَ الْأَلْفَاظِ رُبَّمَا كَفَتْ فِي الْمُغَايَرَةِ بَيْنَ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إِلَيْهِ ، كَمَا جَزَمَ بِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ .
وَيُشِيرُ إِلَيْهِ
ابْنُ مَالِكٍ فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ :
[ ص: 376 ] وَإِنْ يَكُونَا مُفْرَدَيْنِ فَأَضِفْ حَتْمًا وَإِلَّا أَتْبِعِ الَّذِي رَدِفْ
وَأَمَّا قَوْلُهُ :
وَلَا يُضَافُ اسْمٌ لِمَا بِهِ اتَّحَدْ مَعْنًى وَأَوِّلْ مُوهِمًا إِذَا وَرَدْ
فَالَّذِي يَظْهَرُ فِيهِ بَعْدَ الْبَحْثِ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إِلَى تَأْوِيلِهِ مَعَ كَثْرَتِهِ فِي الْقُرْءَانِ وَاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أُسْلُوبٌ مِنْ أَسَالِيبِ الْعَرَبِيَّةِ بِدَلِيلِ كَثْرَةِ وُرُودِهِ ، كَقَوْلِهِ هُنَا
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=43وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَالْمَكْرُ هُوَ السَّيِّئُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=43وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ الْآيَةَ ، وَكَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=169وَالدَّارُ الْآخِرَةُ [ 7 \ 169 ] ، وَالدَّارُ هِيَ الْآخِرَةُ ، وَكَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185شَهْرُ رَمَضَانَ [ 2 \ 185 ] ، وَالشَّهْرُ هُوَ رَمَضَانُ عَلَى التَّحْقِيقِ ، وَكَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=16مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ 50 \ 16 ] ، وَالْحَبْلُ هُوَ الْوَرِيدُ .
وَنَظِيرُهُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ قَوْلُ
عَنْتَرَةَ فِي مُعَلَّقَتِهِ :
وَمِشَكِّ سَابِغَةٍ هَتَكْتُ فُرُوجَهَا بِالسَّيْفِ عَنْ حَامِي الْحَقيقَةِ مُعْلِمِ
فَأَصْلُ الْمِشَكِّ بِالْكَسْرِ السَّيْرُ الَّذِي تُشَدُّ بِهِ الدِّرْعُ ، وَلَكِنَّ
عَنْتَرَةَ هُنَا أَرَادَ بِهِ نَفْسَ الدِّرْعِ وَأَضَافَهُ إِلَيْهَا ، كَمَا هُوَ وَاضِحٌ مِنْ كَلَامِهِ ، لِأَنَّ الْحُكْمَ بِهَتْكِ الْفُرُوجِ وَاقِعٌ عَلَى الدِّرْعِ لَا عَلَى السَّيْرِ الَّذِي تُشَدُّ بِهِ ، كَمَا جَزَمَ بِهِ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ وَهُوَ ظَاهِرٌ خِلَافًا لِظَاهِرِ كَلَامِ صَاحِبِ تَاجِ الْعَرُوسِ ، فَإِنَّهُ أَوْرَدَ بَيَّتَ
عَنْتَرَةَ شَاهِدًا لِأَنَّ الْمِشَكَّ السَّيْرُ الَّذِي تُشَدُّ بِهِ الدِّرْعُ ، بَلِ الْمِشَكُّ فِي بَيْتِ
عَنْتَرَةَ هَذَا عَلَى التَّحْقِيقِ هُوَ السَّابِغَةُ وَأُضِيفَ إِلَيْهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا ، وَقَوْلُ
امْرِئِ الْقَيْسِ :
كَبِكْرِ الْمُقَانَاةِ الْبَيَاضِ بِصُفْرَةٍ غَذَاهَا نَمِيرُ الْمَاءِ غَيْرَ الْمُحَلَّلِ
فَالْبِكْرُ هِيَ الْمُقَانَاةُ عَلَى التَّحْقِيقِ ، وَأَمَّا عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ
ابْنُ مَالِكٍ فَالْجَوَابُ تَأْوِيلُ الْمُضَافِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مُسَمَّى الْمُضَافِ إِلَيْهِ .