سورة البلد
nindex.php?page=treesubj&link=29061_28904قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=1لا أقسم بهذا البلد .
هذه الآية الكريمة يتبادر من ظاهرها أنه تعالى أخبر بأنه لا يقسم بهذا البلد الذي هو
مكة المكرمة ، مع أنه تعالى أقسم به في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=95&ayano=3وهذا البلد الأمين [ 95 \ 3 ] .
الأول : وعليه الجمهور ، أن " لا " هنا صلة على عادة العرب ، فإنها
nindex.php?page=treesubj&link=21043_20824ربما لفظت " لا " من غير قصد معناها الأصلي ، بل لمجرد تقوية الكلام وتوكيده كقوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=92ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعني [ 20 \ 92 - 93 ] ، يعني أن تتبعني ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=12ما منعك ألا تسجد [ 7 \ 12 ] ، أي أن تسجد على أحد القولين .
ويدل له قوله في سورة " ص " :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75ما منعك أن تسجد لما خلقت الآية [ 38 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=29لئلا يعلم أهل الكتاب [ 57 \ 29 ] ، أي ليعلم أهل الكتاب ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=65فلا وربك لا يؤمنون [ 4 \ 65 ] ، أي فوربك ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34ولا تستوي الحسنة ولا السيئة [ ص: 444 ] [ 21 ] ، أي والسيئة وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=95وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون [ 21 \ 95 ] على أحد القولين .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=109وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون [ 6 \ 109 ] ، على أحد القولين ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=151قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا [ 6 \ 151 ] ، على أحد الأقوال الماضية .
وكقول
أبي النجم :
فما ألوم البيض ألا تسخرا لما رأين الشمط القفندرا
يعني أن تسخر ، وكقول الشاعر :
وتلحينني في اللهو أن لا أحبه وللهو داع دائب غير غافل
يعني أن أحبه و : لا ، زائدة .
وقول الآخر :
أبى جوده لا البخل واستعجلت به نعم من فتى لا يمنع الجود قاتله
يعني أبى جوده البخل ، و " لا " ، زائدة على خلاف في زيادتها في هذا البيت الأخير ، ولا سيما على رواية " البخل " بالجر لأن : لا ، عليها مضاف بمعنى لفظة لا ، فليست زائدة على رواية الجر .
وقول
امرئ القيس :
فلا وأبيك ابنة العامري لا يدعي القوم أنى أفر
يعني وأبيك .
وأنشد
الفراء لزيادة " لا " في الكلام الذي فيه معنى الجحد قول الشاعر :
ما كان يرضى رسول الله دينهم والأطيبان أبو بكر ولا عمر
يعني
وعمر ، و : لا ، صلة .
وأنشد
الجوهري لزيادتها قول العجاج :
[ ص: 445 ] في بئر لا حور سرى وما شعر بإفكه حتى رأى الصبح جشر
فالحور الهلكة يعني في بئر هلكة ، و " لا " صلة ، قاله
أبو عبيدة وغيره .
وأنشد
nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي لزيادتها قول ساعدة
الهذلي :
أفعنك لا برق كأن وميضه غاب تسنمه ضرام مثقب
ويروى أفمنك ، وتشيمه بدل أفعنك ، وتسنمه .
يعني أعنك برق و " لا " ، صلة .
ومن شواهد زيادتها قول الشاعر :
تذكرت ليلى فاعترتني صبابة وكاد صميم القلب لا يقطع
يعني كاد يتقطع .
وأما استدلال
أبي عبيدة لزيادتها بقول
الشماخ :
أعائش ما لقومك لا أراهم يضيعون الهجان مع المضيع
فغلط منه لأن : لا ، في بيت
الشماخ هذا نافية لا زائدة ومقصوده أنها تنهاه عن حفظ ماله مع أن أهلها يحفظون مالهم ، أي لا أرى قومك يضيعون مالهم ، وأنت تعاتبينني في حفظ مالي .
وما ذكره
الفراء من أن لفظة : لا ، لا تكون صلة إلا في الكلام الذي فيه معنى الجحد ، فهو أغلبني لا يصح على الإطلاق ، بدليل بعض الأمثلة المتقدمة التي لا جحد فيها ، كهذه الآية على القول بأن " لا " فيها صلة ، وكبيت
ساعدة الهذلي .
وما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري من زيادة " لا " في أول الكلام دون غيره فلا دليل عليه .
الوجه الثاني : أن " لا نفي لكلام المشركين المكذبين للنبي صلى الله عليه وسلم ، وقوله : " أقسم " إثبات مستأنف ، وهذا القول وإن قال به كثير من العلماء فليس بوجيه عندي لقوله تعالى في سورة " القيامة " :
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=2ولا أقسم بالنفس اللوامة [ 75 ] ، لأن قوله تعالى :
[ ص: 446 ] nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=2ولا أقسم بالنفس اللوامة يدلا على أنه لم يرد الإثبات المؤتنف بعد النفي بقوله : " أقسم " ، والله تعالى أعلم .
الوجه الثالث : أنها حرف نفي أيضا ، ووجهه أن إنشاء القسم يتضمن الإخبار عن تعظيم المقسم به ، فهو نفي لذلك الخبر الضمني على سبيل الكناية ، والمراد أنه لا يعظم بالقسم بل هو نفسه عظيم أقسم به أولا .
وهذا القول ذكره صاحب الكشاف وصاحب روح المعاني ، ولا يخلو عندي من بعد .
الوجه الرابع : أن اللام لام الابتداء أشبعت فتحتها ، والعرب ربما أشبعت الفتحة بألف والكسرة بياء والضمة بواو .
فمثاله في الفتحة قول
عبد يغوث بن وقاص الحارثي :
وتضحك مني شيخة عبشمية كأن لم ترا قبلي أسيرا يمانيا
فالأصل كأن لم تر ، ولكن الفتحة أشبعت .
وقول الراجز :
إذا العجوز غضبت فطلق ولا ترضاها ولا تملقي
فالأصل ترضها ، لأن الفعل مجزوم بلا الناهية .
وقول
عنترة في معلقته :
ينباع من ذفرى غضوب جسرة زيافة مثل الفنـيق المكدم
فالأصل ينبع يعني أن العرق ينبع من عظم الذفرى من ناقته ، فأشبع الفتحة فصار ينباع على الصحيح .
وقول الراجز :
قلت وقد خرت على الكلكال يا ناقتي ما جلت من مجالي
فقوله : " الكلكال " ، يعني الكلكل ، وليس إشباع الفتحة في هذه الشواهد من ضرورة
[ ص: 447 ] الشعر ، لتصريح علماء العربية بأن إشباع الحركة بحرف يناسبها أسلوب من أساليب اللغة العربية ، ولأنه مسموع في النثر كقولهم : كلكال ، وخاتام ، وداناق ، يعنون : كلكلا وخاتما ودانقا .
ومثله في إشباع الضمة بالواو ، وقولهم : برقوع ومعلوق ، يعنون : برقعا ومعلقا .
ومثال إشباع الكسرة بالياء قول
قيس بن زهير :
ألم يأتيك والأنباء تنمي بما لاقت لبون بني زياد
فالأصل يأتك لمكان الجازم ، وأنشد له
الفراء :
لا عهد لي بنيضال أصبحت كالشن البال
ومنه قول
امرئ القيس :
كأني بفتخاء الجناحين لقوة على عجل مني أطأطئ شيمالي
ويروى : " صيود من العقبان طأطأن شيمالي " .
ويروى " دفوف من العقبان " . إلخ .
ويروى " شملال " بدل شيمال " ، وعليه فلا شاهد في البيت ، إلا أن رواية الياء مشهورة . ومثال إشباع الضمة بالواو قول الشاعر :
هجوت زبان ثم جئت معتذرا من هجو زبان لم تهج ولم تدع
وقول الآخر :
الله أعلم أنا في تلفتنا يوم الفراق إلى إخواننا صور
وإنني حيثما يثني الهوى بصري من حيثما سلكوا أدنو فأنظور
يعني فأنظر ، وقول الراجز :
لو أن عمرا هم أن يرقودا فانهض فشد المئزر المعقودا
يعني " يرقد " ، ويدل لهذا الوجه قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=16832قنبل : " لأقسم بهذا البلد " بلام الابتداء ، وهو مروي عن
البزي والحسن ، والعلم عند الله تعالى .
[ ص: 448 ] قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=16أو مسكينا ذا متربة .
يدل ظاهره على أن المسكين لاصق بالتراب ليس عنده شيء ، فهو أشد فقرا من مطلق الفقير ، كما ذهب إليه
مالك وكثير من العلماء .
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=79أما السفينة فكانت لمساكين يعملون الآية [ 18 \ 79 ] ، يدل على خلاف ذلك لأنه سماهم مساكين مع أن لهم سفينة عاملة للإيجار .
والجواب عن هذا محتاج إليه عن كلا القولين .
أما على قول من قال إن المسكين من عنده ما لا يكفيه
nindex.php?page=showalam&ids=13790كالشافعي ، فالذي يظهر لي أن الجواب أنه يقول : المسكين عند الإطلاق ينصرف إلى من عنده شيء لا يكفيه ، فإذا قيد بما يقتضي أنه لا شيء عنده ، فذلك يعلم من القيد الزائد لا من مطلق لفظ المسكين .
وعليه ، فالله في هذه الآية قيد المسكين بكونه :
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=16ذا متربة ، فلو لم يقيده لانصرف إلى من عنده ما لا يكفيه ، فمدلول اللفظ حالة الإطلاق لا يعارض بمدلوله حالة التقييد .
وأما على قول من قال : بأن المسكين أحوج من مطلق الفقير ، وأنه لا شيء عنده فيجاب عن آية الكهف بأجوبة : منها أن المراد بقوله : " مساكين " ؛ أنهم قوم ضعاف لا يقدرون على مدافعة الظلمة ، ويزعمون أنهم عشرة ، خمسة منهم زمنى .
ومنها أن السفينة لم تكن ملكا لهم ، بل كانوا أجراء فيها أو أنها عارية واللام للاختصاص .
ومنها أن اسم المساكين أطلق عليهم ترحما لضعفهم .
والذي يظهر لمقيده عفا الله عنه : أن هذه الأجوبة لا دليل على شيء منها ، فليس فيها حجة يجب الرجوع إليها ، وما احتج به بعضهم - من قراءة
علي رضي الله عنه " لمساكين " ، بتشديد السين جمع تصحيح لمساك بمعنى الملاح أو دابة المسوك التي هي الجلود ، فلا يخفى سقوطه لضعف هذه القراءة وشذوذها . والذي يتبادر إلى ذهن المنصف أن مجموع الآيتين دل على أن لفظ المسكين مشكك لتفاوت أفراده فيصدق بمن عنده ما لا يكفيه بدليل آية " الكهف " ، ومن هو لاصق بالتراب لا شيء عنده بدليل آية " البلد " ،
[ ص: 449 ] كاشتراك الشمس والسراج في النور مع تفاوتهما ، واشتراك الثلج والعاج في البياض مع تفاوتهما .
والمشكك إذا أطلق ولم يقيد بوصف الأشدية انصرف إلى مطلقه ، هذا ما ظهر ، والعلم عند الله تعالى .
والفقير أيضا قد تطلقه العرب على من عنده بعض المال ، كقول
مالك ، ومن شواهده قول راعي نمير :
أما الفقير الذي كانت حلوبته وفق العيال فلم يترك له سبد
فسماه فقيرا مع أن عنده حلوبة قدر عياله .
سُورَةُ الْبَلَدِ
nindex.php?page=treesubj&link=29061_28904قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=1لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ .
هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ يَتَبَادَرُ مِنْ ظَاهِرِهَا أَنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ بِأَنَّهُ لَا يُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ
مَكَّةُ الْمُكَرَّمَةُ ، مَعَ أَنَّهُ تَعَالَى أَقْسَمَ بِهِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=95&ayano=3وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ [ 95 \ 3 ] .
الْأَوَّلُ : وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ ، أَنَّ " لَا " هُنَا صِلَةٌ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ ، فَإِنَّهَا
nindex.php?page=treesubj&link=21043_20824رُبَّمَا لَفَظَتْ " لَا " مِنْ غَيْرِ قَصْدِ مَعْنَاهَا الْأَصْلِيِّ ، بَلْ لِمُجَرَّدِ تَقْوِيَةِ الْكَلَامِ وَتَوْكِيدِهِ كَقَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=92مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِي [ 20 \ 92 - 93 ] ، يَعْنِي أَنْ تَتْبَعَنِي ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=12مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ [ 7 \ 12 ] ، أَيْ أَنْ تَسْجُدَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ .
وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ فِي سُورَةِ " ص " :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ الْآيَةَ [ 38 ] ، وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=29لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ [ 57 \ 29 ] ، أَيْ لِيَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ ، وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=65فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ [ 4 \ 65 ] ، أَيْ فَوَرَبِّكَ ، وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ [ ص: 444 ] [ 21 ] ، أَيْ وَالسَّيِّئَةُ وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=95وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ [ 21 \ 95 ] عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=109وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ [ 6 \ 109 ] ، عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ ، وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=151قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا [ 6 \ 151 ] ، عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ الْمَاضِيَةِ .
وَكَقَوْلِ
أَبِي النَّجْمِ :
فَمَا أَلُومُ الْبِيضَ أَلَّا تَسْخَرَا لَمَّا رَأَيْنَ الشَّمِطَ الْقَفَنْدَرَا
يَعْنِي أَنْ تَسْخَرَ ، وَكَقَوْلِ الشَّاعِرِ :
وَتَلْحِينَنِي فِي اللَّهْوِ أَنْ لَا أُحِبَّهُ وَلِلَّهْوِ دَاعٍ دَائِبٌ غَيْرُ غَافِلِ
يَعْنِي أَنْ أُحِبَّهُ وَ : لَا ، زَائِدَةٌ .
وَقَوْلِ الْآخَرِ :
أَبَى جُودُهُ لَا الْبُخْلَ وَاسْتَعْجَلَتْ بِهِ نَعَمْ مِنْ فَتًى لَا يَمْنَعُ الْجُودَ قَاتِلُهْ
يَعْنِي أَبَى جُودُهُ الْبُخْلَ ، وَ " لَا " ، زَائِدَةٌ عَلَى خِلَافٍ فِي زِيَادَتِهَا فِي هَذَا الْبَيْتِ الْأَخِيرِ ، وَلَا سِيَّمَا عَلَى رِوَايَةِ " الْبُخْلِ " بِالْجَرِّ لِأَنَّ : لَا ، عَلَيْهَا مُضَافٌ بِمَعْنَى لَفْظَةِ لَا ، فَلَيْسَتْ زَائِدَةً عَلَى رِوَايَةِ الْجَرِّ .
وَقَوْلِ
امْرِئِ الْقَيْسِ :
فَلَا وَأَبِيكِ ابْنَةَ الْعَامِرِيِّ لَا يَدَّعِي الْقَوْمُ أَنَّى أَفِرْ
يَعْنِي وَأَبِيكِ .
وَأَنْشَدَ
الْفَرَّاءُ لِزِيَادَةِ " لَا " فِي الْكَلَامِ الَّذِي فِيهِ مَعْنَى الْجَحْدِ قَوْلَ الشَّاعِرِ :
مَا كَانَ يَرْضَى رَسُولُ اللَّهِ دِينَهُمُ وَالْأَطْيَبَانِ أَبُو بَكْرٍ وَلَا عُمَرُ
يَعْنِي
وَعُمَرُ ، وَ : لَا ، صِلَةٌ .
وَأَنْشَدَ
الْجَوْهَرِيُّ لِزِيَادَتِهَا قَوْلَ الْعَجَّاجِ :
[ ص: 445 ] فِي بِئْرِ لَا حُورٍ سَرَى وَمَا شَعَرْ بِإِفْكِهِ حَتَّى رَأَى الصُّبْحَ جَشَرْ
فَالْحُورُ الْهَلَكَةُ يَعْنِي فِي بِئْرِ هَلَكَةٍ ، وَ " لَا " صِلَةٌ ، قَالَهُ
أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ .
وَأَنْشَدَ
nindex.php?page=showalam&ids=13721الْأَصْمَعِيُّ لِزِيَادَتِهَا قَوْلَ سَاعِدَةَ
الْهُذَلِيِّ :
أَفَعَنْكَ لَا بَرْقٌ كَأَنَّ وَمِيضَهُ غَابَ تَسَنُّمُهُ ضِرَامٌ مُثْقَبُ
وَيُرْوَى أَفَمِنْكَ ، وَتَشَيُّمُهُ بَدَلَ أَفَعَنْكَ ، وَتَسَنُّمُهُ .
يَعْنِي أَعَنْكَ بَرْقٌ وَ " لَا " ، صِلَةٌ .
وَمِنْ شَوَاهِدِ زِيَادَتِهَا قَوْلُ الشَّاعِرِ :
تَذَكَّرْتُ لَيْلَى فَاعْتَرَتْنِي صَبَابَةٌ وَكَادَ صَمِيمُ الْقَلْبِ لَا يُقَطَّعُ
يَعْنِي كَادَ يَتَقَطَّعُ .
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُ
أَبِي عُبَيْدَةَ لِزِيَادَتِهَا بِقَوْلِ
الشَّمَّاخِ :
أَعَائِشُ مَا لِقَوْمِكِ لَا أَرَاهُمْ يَضِيعُونَ الْهِجَانَ مَعَ الْمُضِيعِ
فَغَلَطٌ مِنْهُ لِأَنَّ : لَا ، فِي بَيْتِ
الشَّمَّاخِ هَذَا نَافِيَةٌ لَا زَائِدَةٌ وَمَقْصُودُهُ أَنَّهَا تَنْهَاهُ عَنْ حِفْظِ مَالِهِ مَعَ أَنَّ أَهْلَهَا يَحْفَظُونَ مَالَهُمْ ، أَيْ لَا أَرَى قَوْمَكِ يُضَيِّعُونَ مَالَهُمْ ، وَأَنْتِ تُعَاتِبِينَنِي فِي حِفْظِ مَالِي .
وَمَا ذَكَرَهُ
الْفَرَّاءُ مِنْ أَنَّ لَفْظَةَ : لَا ، لَا تَكُونُ صِلَةً إِلَّا فِي الْكَلَامِ الَّذِي فِيهِ مَعْنَى الْجَحْدِ ، فَهُوَ أَغْلَبَنِي لَا يَصِحُّ عَلَى الْإِطْلَاقِ ، بِدَلِيلِ بَعْضِ الْأَمْثِلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ الَّتِي لَا جَحْدَ فِيهَا ، كَهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الْقَوْلِ بَأَنَّ " لَا " فِيهَا صِلَةٌ ، وَكَبَيْتِ
سَاعِدَةَ الْهُذَلِيِّ .
وَمَا ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ مِنْ زِيَادَةِ " لَا " فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ دُونَ غَيْرِهِ فَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ .
الْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ " لَا نَفْيٌ لِكَلَامِ الْمُشْرِكِينَ الْمُكَذِّبِينَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَوْلُهُ : " أُقْسِمُ " إِثْبَاتٌ مُسْتَأْنَفٌ ، وَهَذَا الْقَوْلُ وَإِنْ قَالَ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ فَلَيْسَ بِوَجِيهٍ عِنْدِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ " الْقِيَامَةِ " :
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=2وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ [ 75 ] ، لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى :
[ ص: 446 ] nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=2وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ يَدُلَّا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدِ الْإِثْبَاتَ الْمُؤْتَنَفَ بَعْدَ النَّفْيِ بِقَوْلِهِ : " أُقْسِمُ " ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
الْوَجْهُ الثَّالِثُ : أَنَّهَا حَرْفُ نَفْيٍ أَيْضًا ، وَوَجْهُهُ أَنَّ إِنْشَاءَ الْقَسَمِ يَتَضَمَّنُ الْإِخْبَارَ عَنْ تَعْظِيمِ الْمُقْسَمِ بِهِ ، فَهُوَ نَفْيٌ لِذَلِكَ الْخَبَرِ الضِّمْنِيِّ عَلَى سَبِيلِ الْكِنَايَةِ ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُعَظَّمُ بِالْقَسَمِ بَلْ هُوَ نَفْسُهُ عَظِيمٌ أَقْسَمَ بِهِ أَوَّلًا .
وَهَذَا الْقَوْلُ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَشَّافِ وَصَاحِبُ رَوْحِ الْمَعَانِي ، وَلَا يَخْلُو عِنْدِي مِنْ بُعْدٍ .
الْوَجْهُ الرَّابِعُ : أَنَّ اللَّامَ لَامُ الِابْتِدَاءِ أُشْبِعَتْ فَتْحَتُهَا ، وَالْعَرَبُ رُبَّمَا أَشْبَعَتِ الْفَتْحَةَ بِأَلِفٍ وَالْكَسْرَةَ بِيَاءٍ وَالضَّمَّةَ بِوَاوٍ .
فَمِثَالُهُ فِي الْفَتْحَةِ قَوْلُ
عَبْدِ يَغُوثَ بْنِ وَقَّاصٍ الْحَارِثِيِّ :
وَتَضْحَكُ مِنِّي شَيْخَةٌ عَبْشَمِيَّةٌ كَأَنْ لَمْ تَرَا قَبْلِي أَسِيرًا يَمَانِيًا
فَالْأَصْلُ كَأَنْ لَمْ تَرَ ، وَلَكِنَّ الْفَتْحَةَ أُشْبِعَتْ .
وَقَوْلُ الرَّاجِزِ :
إِذَا الْعَجُوزُ غَضِبَتْ فَطَلِّقِ وَلَا تَرَضَّاهَا وَلَا تَمَلَّقِي
فَالْأَصْلُ تَرَضَّهَا ، لِأَنَّ الْفِعْلَ مَجْزُومٌ بِلَا النَّاهِيَةِ .
وَقَوْلُ
عَنْتَرَةَ فِي مُعَلَّقَتِهِ :
يَنْبَاعُ مِنْ ذِفْرَى غَضُوبٍ جَسْرَةٍ زَيَّافَةٍ مِثْلِ الْفَنِـيقِ الْمُكْدَمِ
فَالْأَصْلُ يَنْبُعُ يَعْنِي أَنَّ الْعَرَقَ يَنْبُعُ مِنْ عَظْمِ الذِّفْرَى مِنْ نَاقَتِهِ ، فَأَشْبَعَ الْفَتْحَةَ فَصَارَ يَنْبَاعُ عَلَى الصَّحِيحِ .
وَقَوْلُ الرَّاجِزِ :
قُلْتُ وَقَدْ خَرَّتْ عَلَى الْكَلْكَالِ يَا نَاقَتِي مَا جُلْتِ مِنْ مَجَالِي
فَقَوْلُهُ : " الْكَلْكَالِ " ، يَعْنِي الْكَلْكَلَ ، وَلَيْسَ إِشْبَاعُ الْفَتْحَةِ فِي هَذِهِ الشَّوَاهِدِ مِنْ ضَرُورَةِ
[ ص: 447 ] الشِّعْرِ ، لِتَصْرِيحِ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ بِأَنَّ إِشْبَاعَ الْحَرَكَةِ بِحَرْفٍ يُنَاسِبُهَا أُسْلُوبٌ مِنْ أَسَالِيبِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ ، وَلِأَنَّهُ مَسْمُوعٌ فِي النَّثْرِ كَقَوْلِهِمْ : كَلْكَالٌ ، وَخَاتَامٌ ، وَدَانَاقٌ ، يَعْنُونَ : كَلْكَلًا وَخَاتَمًا وَدَانَقًا .
وَمِثْلُهُ فِي إِشْبَاعِ الضَّمَّةِ بِالْوَاوِ ، وَقَوْلُهُمْ : بُرْقُوعٌ وَمُعْلُوقٌ ، يَعْنُونَ : بُرْقُعًا وَمُعَلَّقًا .
وَمِثَالُ إِشْبَاعِ الْكَسْرَةِ بِالْيَاءِ قَوْلُ
قَيْسِ بْنِ زُهَيْرٍ :
أَلَمْ يَأْتِيكَ وَالْأَنْبَاءُ تَنْمِي بِمَا لَاقَتْ لَبُونُ بَنِي زِيَادٍ
فَالْأَصْلُ يَأْتِكَ لِمَكَانِ الْجَازِمِ ، وَأَنْشَدَ لَهُ
الْفَرَّاءُ :
لَا عَهْدَ لِي بِنِيضَالِ أَصْبَحْتُ كَالشَّنِّ الْبَالِ
وَمِنْهُ قَوْلُ
امْرِئِ الْقَيْسِ :
كَأَنِّي بِفَتْخَاءِ الْجَنَاحَيْنِ لَقْوَةٍ عَلَى عَجَلٍ مِنِّي أُطَأْطِئُ شِيمَالِي
وَيُرْوَى : " صَيُودٍ مِنَ الْعِقْبَانِ طَأْطَأْنَ شِيمَالِي " .
وَيُرْوَى " دَفُوفٍ مِنَ الْعِقْبَانِ " . إلخ .
وَيُرْوَى " شِمْلَالِ " بَدَلَ شِيمَالِ " ، وَعَلَيْهِ فَلَا شَاهِدَ فِي الْبَيْتِ ، إِلَّا أَنَّ رِوَايَةَ الْيَاءِ مَشْهُورَةٌ . وَمِثَالُ إِشْبَاعِ الضَّمَّةِ بِالْوَاوِ قَوْلُ الشَّاعِرِ :
هَجَوْتُ زَبَّانَ ثُمَّ جِئْتُ مُعْتَذِرًا مِنْ هَجْوِ زَبَّانَ لَمْ تَهْجُ وَلَمْ تَدَعِ
وَقَوْلُ الْآخَرِ :
اللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّا فِي تَلَفُّتِنَا يَوْمَ الْفِرَاقِ إِلَى إِخْوَانِنَا صُوَرُ
وَإِنَّنِي حَيْثُمَا يَثْنِي الْهَوَى بَصَرِي مِنْ حَيْثُمَا سَلَكُوا أَدْنُو فَأَنْظُورُ
يَعْنِي فَأَنْظُرُ ، وَقَوْلُ الرَّاجِزِ :
لَوْ أَنَّ عَمْرًا هَمَّ أَنْ يَرْقُودَا فَانْهَضْ فَشُدَّ الْمِئْزَرَ الْمَعْقُودَا
يَعْنِي " يَرْقُدَ " ، وَيَدُلُّ لِهَذَا الْوَجْهِ قِرَاءَةُ
nindex.php?page=showalam&ids=16832قُنْبُلٍ : " لَأُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ " بِلَامِ الِابْتِدَاءِ ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ
الْبَزِّيِّ وَالْحَسَنِ ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .
[ ص: 448 ] قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=16أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ .
يَدُلُّ ظَاهِرُهُ عَلَى أَنَّ الْمِسْكِينَ لَاصِقٌ بِالتُّرَابِ لَيْسَ عِنْدَهُ شَيْءٌ ، فَهُوَ أَشَدُّ فَقْرًا مِنْ مُطْلَقِ الْفَقِيرِ ، كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ
مَالِكٌ وَكَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=79أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ الْآيَةَ [ 18 \ 79 ] ، يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ سَمَّاهُمْ مَسَاكِينَ مَعَ أَنَّ لَهُمْ سَفِينَةً عَامِلَةً لِلْإِيجَارِ .
وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ عَنْ كِلَا الْقَوْلَيْنِ .
أَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّ الْمِسْكِينَ مَنْ عِنْدَهُ مَا لَا يَكْفِيهِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790كَالشَّافِعِيِّ ، فَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْجَوَابَ أَنَّهُ يَقُولُ : الْمِسْكِينُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إِلَى مَنْ عِنْدَهُ شَيْءٌ لَا يَكْفِيهِ ، فَإِذَا قُيِّدَ بِمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا شَيْءَ عِنْدَهُ ، فَذَلِكَ يُعْلَمُ مِنَ الْقَيْدِ الزَّائِدِ لَا مِنْ مُطْلَقِ لَفْظِ الْمِسْكِينِ .
وَعَلَيْهِ ، فَاللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَيَّدَ الْمِسْكِينَ بِكَوْنِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=16ذَا مَتْرَبَةٍ ، فَلَوْ لَمْ يُقَيِّدْهُ لَانْصَرَفَ إِلَى مَنْ عِنْدَهُ مَا لَا يَكْفِيهِ ، فَمَدْلُولُ اللَّفْظِ حَالَةَ الْإِطْلَاقِ لَا يُعَارَضُ بِمَدْلُولِهِ حَالَةَ التَّقْيِيدِ .
وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ : بِأَنَّ الْمِسْكِينَ أَحْوَجُ مِنْ مُطْلَقِ الْفَقِيرِ ، وَأَنَّهُ لَا شَيْءَ عِنْدَهُ فَيُجَابُ عَنْ آيَةِ الْكَهْفِ بِأَجْوِبَةٍ : مِنْهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ : " مَسَاكِينَ " ؛ أَنَّهُمْ قَوْمٌ ضِعَافٌ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى مُدَافَعَةِ الظَّلَمَةِ ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ عَشَرَةٌ ، خَمْسَةٌ مِنْهُمْ زَمْنَى .
وَمِنْهَا أَنَّ السَّفِينَةَ لَمْ تَكُنْ مِلْكًا لَهُمْ ، بَلْ كَانُوا أُجَرَاءَ فِيهَا أَوْ أَنَّهَا عَارِيَةٌ وَاللَّامُ لِلِاخْتِصَاصِ .
وَمِنْهَا أَنَّ اسْمَ الْمَسَاكِينِ أُطْلِقَ عَلَيْهِمْ تَرَحُّمًا لِضَعْفِهِمْ .
وَالَّذِي يَظْهَرُ لِمُقَيِّدِهِ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّ هَذِهِ الْأَجْوِبَةَ لَا دَلِيلَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا ، فَلَيْسَ فِيهَا حُجَّةٌ يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهَا ، وَمَا احْتَجَّ بِهِ بَعْضُهُمْ - مِنْ قِرَاءَةِ
عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لِمَسَّاكِينَ " ، بِتَشْدِيدِ السِّينِ جَمْعُ تَصْحِيحٍ لَمَسَّاكٍ بِمَعْنَى الْمَلَّاحِ أَوْ دَابَّةِ الْمُسُوكِ الَّتِي هِيَ الْجُلُودُ ، فَلَا يَخْفَى سُقُوطُهُ لِضَعْفِ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ وَشُذُوذِهَا . وَالَّذِي يَتَبَادَرُ إِلَى ذِهْنِ الْمُنْصِفِ أَنَّ مَجْمُوعَ الْآيَتَيْنِ دَلَّ عَلَى أَنَّ لَفْظَ الْمِسْكِينِ مُشَكِّكٌ لِتَفَاوُتِ أَفْرَادِهِ فَيَصْدُقُ بِمَنْ عِنْدَهُ مَا لَا يَكْفِيهِ بِدَلِيلِ آيَةِ " الْكَهْفِ " ، وَمَنْ هُوَ لَاصِقٌ بِالتُّرَابِ لَا شَيْءَ عِنْدَهُ بِدَلِيلِ آيَةِ " الْبَلَدِ " ،
[ ص: 449 ] كَاشْتِرَاكِ الشَّمْسِ وَالسِّرَاجِ فِي النُّورِ مَعَ تَفَاوُتِهِمَا ، وَاشْتِرَاكِ الثَّلْجِ وَالْعَاجِ فِي الْبَيَاضِ مَعَ تَفَاوُتِهِمَا .
وَالْمُشَكِّكُ إِذَا أُطْلِقَ وَلَمْ يُقَيَّدْ بِوَصْفِ الْأَشَدِّيَّةِ انْصُرِفَ إِلَى مُطْلَقِهِ ، هَذَا مَا ظَهَرَ ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .
وَالْفَقِيرُ أَيْضًا قَدْ تُطْلِقُهُ الْعَرَبُ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ بَعْضُ الْمَالِ ، كَقَوْلِ
مَالِكٍ ، وَمِنْ شَوَاهِدِهِ قَوْلُ رَاعِي نُمَيْرٍ :
أَمَّا الْفَقِيرُ الَّذِي كَانَتْ حَلُوبَتُهُ وَفْقَ الْعِيَالِ فَلَمْ يُتْرَكْ لَهُ سَبَدُ
فَسَمَّاهُ فَقِيرًا مَعَ أَنَّ عِنْدَهُ حَلُوبَةً قَدْرَ عِيَالِهِ .