(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=102nindex.php?page=treesubj&link=28980وآخرون اعترفوا بذنوبهم ) أي وثم آخرون ، أو ممن حولكم من الأعراب ومن أهل
المدينة أناس آخرون ليسوا من المنافقين ، ولا من السابقين الأولين ، ولا من الذين اتبعوهم بإحسان لا إساءة فيه ، بل من المؤمنين المذنبين : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=102خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ) أي خلطوا في أعمالهم بأن عملوا عملا صالحا وعملا سيئا ، وقيل : معناه خلطوا صالحا بسيئ وسيئا بصالح أو خلطوا في كل منهما ما ليس منه فكان ناقصا ولكنه لم يغلب الآخر ويندغم فيه ، فلم يكونوا من الصالحين الخلص ولا من الفاسقين أو المنافقين ، ذلك بأنهم آمنوا وعملوا الصالحات ، واقترفوا بعض السيئات ، وهم أو منهم بعض الذين تخلفوا عن النفر والخروج إلى غزوة
تبوك من غير عذر صحيح كالضعفاء والمرضى وغير الواجدين ، ولا استئذان كاستئذان المرتابين ولا اعتذار كاذب كالمنافقين ، ثم كانوا ناصحين لله في أثناء قعودهم شاعرين بذنبهم ، خائفين من ربهم ، فكان كل من قعودهم ونصحهم مقترنا بالآخر ، كالذي يدخل أرضا مغصوبة فيصلح فيها ، ويعترف بأنه مذنب بدخولها ويأتي بالإصلاح لتكفير ذنب الاعتداء وهذا المعنى لا يؤديه قولك : خلط العمل الصالح بالسيئ ، كما تقول خلط القمح بالشعير أو الماء باللبن ; لأن هذا الضرب من الخلط يصير فيه المخلوط والمخلوط به شيئا واحدا أو كالشيء الواحد فلا يقول صاحبه : عندي ماء فرات ، ولا لبن محض . وأما الضرب الأول المراد من الآية فقد بقي فيه كل نوعين ممتازا بنفسه ، وإنما خلطه مع الآخر عبارة عن الجمع بينهما وعدم انفراد أحدهما دون الآخر ، والواو العاطفة هي التي تؤدي هذا المعنى من الجمع ، وهو من دقائق بلاغة القرآن بالعدول عن التعدية بالباء إلى العطف .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=102عسى الله أن يتوب عليهم ) أي هم محل الرجاء لقبول الله توبتهم ، التي يشير إلى وقوعها اعترافهم بذنوبهم ، وقد تقدم ( في ص 190 ج 10 . ط الهيئة ) أن كلمة ( عسى ) وضعت للتقريب والإطماع ، ثم استعملت في الرجاء كلعل ، وقول بعضهم : إنها من الله للإيجاب - غير صحيح ، أو لتوفيقهم للتوبة الصحيحة التي هي سبب المغفرة والرحمة ، وإنما
nindex.php?page=treesubj&link=19716تتحقق [ ص: 18 ] التوبة : بالعلم الصحيح بقبح الذنب وسوء عاقبته وألم الوجدان من تصور سخط الله والخوف من عقابه ، والإقلاع عن الذنب أو الذنوب ؛ بباعث هذا الألم الذي هو ثمرة ذلك العلم ، والعزم على عدم العود إلى اقترافها ، ثم العمل بضدها ; ليمحى من النفس أثرها ، والروايات صريحة بأن اعتراف من ذكر بذنوبهم قد استتبع كل هذا .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=102إن الله غفور رحيم ) تعليل لرجاء قبول توبتهم ، إذ معناه أنه كثير المغفرة للتائبين واسع الرحمة للمحسنين ، كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=82وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ) ( 20 : 82 ) وكما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=56إن رحمة الله قريب من المحسنين ) ( 7 : 56 ) وكما قص علينا من خبر
nindex.php?page=treesubj&link=29747استغفار الملائكة للمؤمنين قولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=7ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ) إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=9وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته ) ( 40 : 7 - 9 ) .
قال بعض العلماء : إن هذه الآية
nindex.php?page=treesubj&link=28876أرجى آية في القرآن ، وقال آخرون أرجى الآيات قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=53قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم ) ( 39 : 53 ) وإنما هذا علاج لمن اشتد عليهم الخوف من إسرافهم في شهواتهم ، حتى كادوا يقنطون من رحمة ربهم لا للمصرين على ذنوبهم بغير مبالاة ، ولذلك قال بعدها : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=54وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون ) ( 39 : 54 ) إلى آخر الآيات .
ومن العبرة في هذه الأقسام للمسلمين أن قسم الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا يوجد في كل زمان ومكان ، كقسم الذين اتبعوا السابقين الأولين من
المهاجرين والأنصار وأما
المهاجرون والأنصار الأولون الذين أقام الرسول - صلى الله عليه وسلم - بهم بناء الإسلام فهم الذين لا يلزبهم قرين . ولا يلحقهم لاحق من العالمين ، ولعل أكثر المسلمين الصادقين في هذا الزمان من الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ، ولعل أسوأ سيئاتهم ترك الجهاد بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله فيجب أن يسترشدوا بهذه الآية ، وبما ورد في سبب نزولها من توبة
أبي لبابة وأصحابه ، ولا تتم العبرة بها ، إلا بتدبر ما بعدها ، وهو تطهير النفس من النفاق وضعف الإيمان ، ببذل الصدقات وغيره من صالح الأعمال .
وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في تفسير الآية في صحيحه عن
nindex.php?page=showalam&ids=24سمرة بن جندب مرفوعا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920404أتاني الليلة ( أي في النوم ) ملكان فابتعثاني فانتهيا بي إلى مدينة بلبن ذهب ، ولبن فضة فتلقانا رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء ، وشطر كأقبح ما أنت راء قالا لهم : اذهبوا فقعوا في ذلك النهر ، فوقعوا فيه ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم فصاروا [ ص: 19 ] في أحسن صورة ، قالا لي : هذه جنة عدن وهذا منزلك ، قالا : وأما القوم الذين كانوا شطر منهم حسن ، وشطر منهم قبيح فإنهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا تجاوز الله عنهم ) ) ا هـ
فهذا تمثيل في الرؤيا لتحسين العمل الصالح وتجميله للنفس وتشويه العمل القبيح لها ، ولتطهيرها ، بالتوبة والعمل الصالح حتى تكون كلها حسنة جميلة وأهلا لدار الكرامة بعد أن تبعث في الصورة التي كانت عليها قبل التوبة . وقد قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=114إن الحسنات يذهبن السيئات ) ( 11 : 114 ) وشبه النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلوات الخمس بنهر يفيض على عتبة الإنسان خمس مرات كل يوم ( (
فهل يبقي عليها وسخا أو قذرا ) ) ؟
(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=102nindex.php?page=treesubj&link=28980وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ ) أَيْ وَثَمَّ آخَرُونَ ، أَوْ مِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ وَمِنْ أَهْلِ
الْمَدِينَةِ أُنَاسٌ آخَرُونَ لَيْسُوا مِنَ الْمُنَافِقِينَ ، وَلَا مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ ، وَلَا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ لَا إِسَاءَةَ فِيهِ ، بَلْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُذْنِبِينَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=102خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا ) أَيْ خَلَطُوا فِي أَعْمَالِهِمْ بِأَنْ عَمِلُوا عَمَلًا صَالِحًا وَعَمَلًا سَيِّئًا ، وَقِيلَ : مَعْنَاهُ خَلَطُوا صَالِحًا بِسَيِّئٍ وَسَيِّئًا بِصَالِحٍ أَوْ خَلَطُوا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَكَانَ نَاقِصًا وَلَكِنَّهُ لَمْ يُغَلِّبِ الْآخَرَ وَيَنْدَغِمْ فِيهِ ، فَلَمْ يَكُونُوا مِنَ الصَّالِحِينَ الْخُلَّصِ وَلَا مِنَ الْفَاسِقِينَ أَوِ الْمُنَافِقِينَ ، ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ، وَاقْتَرَفُوا بَعْضَ السَّيِّئَاتِ ، وَهُمْ أَوْ مِنْهُمْ بَعْضُ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنِ النَّفْرِ وَالْخُرُوجِ إِلَى غَزْوَةِ
تَبُوكَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ صَحِيحٍ كَالضُّعَفَاءِ وَالْمَرْضَى وَغَيْرِ الْوَاجِدِينَ ، وَلَا اسْتِئْذَانٍ كَاسْتِئْذَانِ الْمُرْتَابِينَ وَلَا اعْتِذَارٍ كَاذِبٍ كَالْمُنَافِقِينَ ، ثُمَّ كَانُوا نَاصِحِينَ لِلَّهِ فِي أَثْنَاءِ قُعُودِهِمْ شَاعِرِينَ بِذَنْبِهِمْ ، خَائِفِينَ مِنْ رَبِّهِمْ ، فَكَانَ كُلٌّ مِنْ قُعُودِهِمْ وَنُصْحِهِمْ مُقْتَرِنًا بِالْآخَرِ ، كَالَّذِي يَدْخُلُ أَرْضًا مَغْصُوبَةً فَيُصْلِحُ فِيهَا ، وَيَعْتَرِفُ بِأَنَّهُ مُذْنِبٌ بِدُخُولِهَا وَيَأْتِي بِالْإِصْلَاحِ لِتَكْفِيرِ ذَنْبِ الِاعْتِدَاءِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُؤَدِّيهِ قَوْلُكَ : خَلَطَ الْعَمَلَ الصَّالِحَ بِالسَّيِّئِ ، كَمَا تَقُولُ خَلَطَ الْقَمْحَ بِالشَّعِيرِ أَوِ الْمَاءَ بِاللَّبَنِ ; لِأَنَّ هَذَا الضَّرْبَ مِنَ الْخَلْطِ يَصِيرُ فِيهِ الْمَخْلُوطُ وَالْمَخْلُوطُ بِهِ شَيْئًا وَاحِدًا أَوْ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ فَلَا يَقُولُ صَاحِبُهُ : عِنْدِي مَاءٌ فُرَاتٌ ، وَلَا لَبَنٌ مَحْضٌ . وَأَمَّا الضَّرْبُ الْأَوَّلُ الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ فَقَدْ بَقِيَ فِيهِ كُلُّ نَوْعَيْنِ مُمْتَازًا بِنَفْسِهِ ، وَإِنَّمَا خَلْطُهُ مَعَ الْآخَرِ عِبَارَةٌ عَنِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَعَدَمِ انْفِرَادِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ ، وَالْوَاوُ الْعَاطِفَةُ هِيَ الَّتِي تُؤَدِّي هَذَا الْمَعْنَى مِنَ الْجَمْعِ ، وَهُوَ مِنْ دَقَائِقِ بَلَاغَةِ الْقُرْآنِ بِالْعُدُولِ عَنِ التَّعْدِيَةِ بِالْبَاءِ إِلَى الْعَطْفِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=102عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ) أَيْ هُمْ مَحَلُّ الرَّجَاءِ لِقَبُولِ اللَّهِ تَوْبَتَهُمْ ، الَّتِي يُشِيرُ إِلَى وُقُوعِهَا اعْتِرَافُهُمْ بِذُنُوبِهِمْ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ( فِي ص 190 ج 10 . ط الْهَيْئَةِ ) أَنَّ كَلِمَةَ ( عَسَى ) وُضِعَتْ لِلتَّقْرِيبِ وَالْإِطْمَاعِ ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَتْ فِي الرَّجَاءِ كَلَعَلَّ ، وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ : إِنَّهَا مِنَ اللَّهِ لِلْإِيجَابِ - غَيْرُ صَحِيحٍ ، أَوْ لِتَوْفِيقِهِمْ لِلتَّوْبَةِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي هِيَ سَبَبُ الْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ ، وَإِنَّمَا
nindex.php?page=treesubj&link=19716تَتَحَقَّقُ [ ص: 18 ] التَّوْبَةُ : بِالْعِلْمِ الصَّحِيحِ بِقُبْحِ الذَّنْبِ وَسُوءِ عَاقِبَتِهِ وَأَلَمِ الْوِجْدَانِ مِنْ تَصَوُّرِ سَخَطِ اللَّهِ وَالْخَوْفِ مِنْ عِقَابِهِ ، وَالْإِقْلَاعِ عَنِ الذَّنْبِ أَوِ الذُّنُوبِ ؛ بِبَاعِثِ هَذَا الْأَلَمِ الَّذِي هُوَ ثَمَرَةُ ذَلِكَ الْعِلْمِ ، وَالْعَزْمِ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ إِلَى اقْتِرَافِهَا ، ثُمَّ الْعَمَلِ بِضِدِّهَا ; لِيُمْحَى مِنَ النَّفْسِ أَثَرُهَا ، وَالرِّوَايَاتُ صَرِيحَةٌ بِأَنَّ اعْتِرَافَ مَنْ ذَكَرَ بِذُنُوبِهِمْ قَدِ اسْتَتْبَعَ كُلَّ هَذَا .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=102إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) تَعْلِيلٌ لِرَجَاءِ قَبُولِ تَوْبَتِهِمْ ، إِذْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَثِيرُ الْمَغْفِرَةِ لِلتَّائِبِينَ وَاسِعُ الرَّحْمَةِ لِلْمُحْسِنِينَ ، كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=82وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ) ( 20 : 82 ) وَكَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=56إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) ( 7 : 56 ) وَكَمَا قَصَّ عَلَيْنَا مِنْ خَبَرِ
nindex.php?page=treesubj&link=29747اسْتِغْفَارِ الْمَلَائِكَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ قَوْلَهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=7رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينِ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ) إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=9وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ ) ( 40 : 7 - 9 ) .
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ
nindex.php?page=treesubj&link=28876أَرْجَى آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ ، وَقَالَ آخَرُونَ أَرْجَى الْآيَاتِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=53قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) ( 39 : 53 ) وَإِنَّمَا هَذَا عِلَاجٌ لِمَنِ اشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الْخَوْفُ مِنْ إِسْرَافِهِمْ فِي شَهَوَاتِهِمْ ، حَتَّى كَادُوا يَقْنَطُونَ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِمْ لَا لِلْمُصِرِّينَ عَلَى ذُنُوبِهِمْ بِغَيْرِ مُبَالَاةٍ ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْدَهَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=54وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ) ( 39 : 54 ) إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ .
وَمِنَ الْعِبْرَةِ فِي هَذِهِ الْأَقْسَامِ لِلْمُسْلِمِينَ أَنَّ قِسْمَ الَّذِينَ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا يُوجَدُ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ ، كَقِسْمِ الَّذِينَ اتَّبَعُوا السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَأَمَّا
الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ الْأَوَّلُونَ الَّذِينَ أَقَامَ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِمْ بِنَاءَ الْإِسْلَامِ فَهُمُ الَّذِينَ لَا يَلْزَبُهُمْ قَرِينٌ . وَلَا يَلْحَقُهُمْ لَاحِقٌ مِنَ الْعَالَمِينَ ، وَلَعَلَّ أَكْثَرَ الْمُسْلِمِينَ الصَّادِقِينَ فِي هَذَا الزَّمَانِ مِنَ الَّذِينَ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا ، وَلَعَلَّ أَسْوَأَ سَيِّئَاتِهِمْ تَرْكُ الْجِهَادِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَجِبُ أَنْ يَسْتَرْشِدُوا بِهَذِهِ الْآيَةِ ، وَبِمَا وَرَدَ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا مِنْ تَوْبَةِ
أَبِي لُبَابَةَ وَأَصْحَابِهِ ، وَلَا تَتِمُّ الْعِبْرَةُ بِهَا ، إِلَّا بِتَدَبُّرِ مَا بَعْدَهَا ، وَهُوَ تَطْهِيرُ النَّفْسِ مِنَ النِّفَاقِ وَضَعْفِ الْإِيمَانِ ، بِبَذْلِ الصَّدَقَاتِ وَغَيْرِهِ مِنْ صَالِحِ الْأَعْمَالِ .
وَقَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ فِي صَحِيحِهِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=24سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ مَرْفُوعًا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920404أَتَانِي اللَّيْلَةَ ( أَيْ فِي النَّوْمِ ) مَلَكَانِ فَابْتَعَثَانِي فَانْتَهَيَا بِي إِلَى مَدِينَةٍ بِلَبِنٍ ذَهَبٍ ، وَلَبِنٍ فِضَّةٍ فَتَلَقَّانَا رِجَالٌ شَطْرٌ مِنْ خَلْقِهِمْ كَأَحْسَنَ مَا أَنْتَ رَاءٍ ، وَشَطْرٌ كَأَقْبَحَ مَا أَنْتَ رَاءٍ قَالَا لَهُمْ : اذْهَبُوا فَقَعُوا فِي ذَلِكَ النَّهْرِ ، فَوَقَعُوا فِيهِ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَيْنَا قَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ السُّوءُ عَنْهُمْ فَصَارُوا [ ص: 19 ] فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ ، قَالَا لِي : هَذِهِ جَنَّةُ عَدْنٍ وَهَذَا مَنْزِلُكَ ، قَالَا : وَأَمَّا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَانُوا شَطْرٌ مِنْهُمْ حَسَنٌ ، وَشَطْرٌ مِنْهُمْ قَبِيحٌ فَإِنَّهُمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُمْ ) ) ا هـ
فَهَذَا تَمْثِيلٌ فِي الرُّؤْيَا لِتَحْسِينِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَتَجْمِيلِهِ لِلنَّفْسِ وَتَشْوِيهِ الْعَمَلِ الْقَبِيحِ لَهَا ، وَلِتَطْهِيرِهَا ، بِالتَّوْبَةِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ حَتَّى تَكُونَ كُلُّهَا حَسَنَةً جَمِيلَةً وَأَهْلًا لِدَارِ الْكَرَامَةِ بَعْدَ أَنْ تُبْعَثَ فِي الصُّورَةِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا قَبْلَ التَّوْبَةِ . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=114إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ) ( 11 : 114 ) وَشَبَّهَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ بِنَهْرٍ يَفِيضُ عَلَى عَتَبَةِ الْإِنْسَانِ خَمْسَ مَرَّاتٍ كُلَّ يَوْمٍ ( (
فَهَلْ يُبْقِي عَلَيْهَا وَسَخًا أَوْ قَذَرًا ) ) ؟